المقالات

10 سبتمبر 2024

عصر الاستشهاد امتحان للإيمان

عندما تعيد الكنيسة بأعياد الشهداء إنما تقدم لنا نماذج للبطولة وللصبر، وللثبات علي الإيمان ولمحبة المسيح، والارتباط بالإيمان به وعدم التفريط في العقيدة وعدم التزعزع، إننا لا نحتفل بالنسبة لأعياد الشهداء بعيد ميلاد لهم، إنما نحتفل بعيد استشهاد، والكنيسة بهذا تريد أن تضع أمام أنظار شعبها بطولة وقداسة هؤلاء الشهداء وتقدم نماذج في الإيمان الثابت غير المتزعزع، وحتى تكون باستمرار أمثال هذه الأعياد حافزا لنا أن نكون نحن أيضًا ثابتين علي إيماننا، إذا تعرضت حياتنا لنوع من الضيق أو الألم أو الاضطهاد، فنتخذ من صبر آبائنا ومن ثباتهم علي الإيمان نموذجًا وأمثولة ومثلًا أعلي، حتى لا ننسي هذا الدرس في خضم الحياة أو تحت متاعبه، حتى لا ننسي أنفسنا إذا أظلمت الدنيا وضاقت واستحكمت حلقاته، من وقت لآخر تقدم لنا الكنيسة في أمثال هذه الأعياد سيرة هؤلاء الأبطال الذين سبقونا لنتعلم منهم حتى إذا فترنا في لحظة من اللحظات، أو ضعفنا وضعف إيماننا وخارت قوانا نعود فنتشجع ونتقوى فنثبت. في أيامنا هذه نسمع بعض أصوات من شعبنا، لماذا الله تركنا لماذا؟ لماذا يسمح بالضيقات لنا، أمثال هذه الأسئلة وعتاب مستمر نعتب به علي الله، كأن الله هو المخطئ، ونسوا أننا نحن نمتحن أحيان، وفي هذا الامتحان نثبت إذا كنا حقًا بالحقيقة مؤمنين وإلا كانت تبعيتنا للمسيح تبعية سطحية، لابد أن يكون من وقت إلي آخر امتحان، والامتحان ليس معناه أن الله بعيد عنا إنما يرقب من السماء ليري ماذا نحن عليه من صبر واحتمال، ماذا نحن عليه من أمانة، كن أمينًا حتى الممات فأعطيك إكليل الحياة لا يمنح الإكليل عبث، ولا يمنح بغير ثمن، لا يمنح مجان، كن أمينا حتى الممات أعطيك إكليل الحياة إذا كان هناك صبر، إذا كان هناك إيمان، إذا كان هناك احتمال هنا يكون الإنسان جديرًا بأن ينال الجزاء، إنما الديانة إذا كانت رخيصة، إذا كانت تبعيتنا للمسيح سطحية، فكيف ننال الجزاء وأين ومتى يظهر الاحتمال والإيمان؟ إن كان نحبه نحتمل من أجله وهذا دليل الحب، إذا كان حبا صادق، إنما لا يظهر الحب صادقًا إلا إذا امتحن، ففي الامتحان يظهر عنصر الإنسان، عندما يكون فيه قطعة من المعدن، ونريد أن نعرف إذا كانت ذهبًا حقيقيًا أم ذهبًا مزيف، يوجد ما يسموه المحك نحك به هذه القطعة الذهبية، بهذا المحك يتبين إذا كانت حقًا قطعة ذهبية حقيقية من عنصر الذهب النقي أم هي مزيفة التجارب التي تحيط بالكنيسة، الآلام والاضطهاد هو الذي به يفرز إيمان الصادقين من إيمان الكاذبين، ليعرف إذا كان حقا الذين يتبعون المسيح يتبعونه من قلوبهم، أم أنهم يتبعونه ظاهري، ومرة قال المسيح لبعض أتباعه حينما تجمهروا عليه، قال لهم: أنتم تتبعونني لا لأنكم رأيتم آيات فآمنتم، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم (إنجيل يوحنا 6:2),هذا تقرير مر، تقرير مؤلم من رب المجد يسوع المسيح، صدم به هؤلاء الناس الذين يتبعونه، جماعات كبيرة يتجمهرون من حوله، ويقولون له لقد أتينا من أماكن بعيدة، كأنهم يريدون أن يظهروا محبتهم له، لكنه عرف أن أكثرهم يتبعونه لا عن إيمان وإنما لكي ينتفعوا من ورائه بمعجزة يصنعها معهم فيؤمنون، أو أنه يقدم لهم مائدة من الطعام فيأكلون. قال لهم: أنتم تتبعونني لا لأنكم رأيتم آيات فآمنتم بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم فديانتنا لابد من وقت لآخر أن تخضع لمحك والمحك هنا التجربة جزي الله الشدائد كل خير عرفت بها صديقي من عدوي، لولا التجارب لما عرف الإنسان إذا كان هذا الذي يصادقه عن إيمان أو عن حب أو يصادقه عن منفعة. ونحن يمكن أن نتبع المسيح لأننا ننتفع من ورائه، فهنا التجربة تجعله يترك المسيح، فمن وقت لآخر يسمح للشيطان أن يهز الكنيسة، والمسيح لا يخاف من هذه الهزة لأنه أقوي منه، وهو يعلم أنه في آخر الأمر هو الضامن لسلامة الكنيسة، قال: أبواب الجحيم لن تقوي عليها لأنه الضامن, علي هذه الصخرة أبني كنيستي كنيسته مبنية علي صخرة والصخرة هو المسيح.لأنه من هو صخرة غير إلهنا، فلا خوف علي الكنيسة، لكن هذه الهزة تكون لصالحه، هل تعلمون أن الأشجار الكبيرة النخل مثلا تنزل جذورها إلي أعماق الأرض وفي بعض الأحيان تبلغ الجذور في النخلة إلي ضعف طول النخلة، حينما تهزها الأعاصير والرياح الشديدة يبدو أن الشجرة تهتز هزًا عنيفًا كأنها تنكسر، وطبعًا يترتب علي ذلك أن كثيرًا من الأوراق تسقط، كما نلاحظ في فصل الخريف كثيرا من الأوراق تسقط، لكنها عادة هي الأوراق الصفراء الضعيفة، سقوطها مؤلم لأنه خسارة ولأنه يلوث الأرض فتتسخ الأرض بهذه الأوراق الصفراء الساقطة علي الأرض، لكن المحصلة النهائية أن سقوط هذه الأوراق الصفراء، يعطي فرصة للبراعم الجديدة أن تنبت في الشجرة أوراقًا خضراء جديدة، لولا سقوط الأوراق الصفراء الضعيفة لما كانت هناك فرصة لأوراق جديدة خضراء زاهرة تنبت في الشجرة فكأن هذه الهزة العنيفة وإن كان فيها سقوط، لكن في المحصلة النهائية هذه الهزة مفيدة للشجرة لأنها تنقيه، تنقيها من الأوراق الصفراء الضعيفة وتعطي فرصة لأوراق جديدة، الكنيسة تتجدد، الاضطهاد والآلام لا تزيل الكنيسة أبدًا أبد، بل الاضطهادات والآلام والاستشهاد وما إليها من ظروف الآلام إنها تشد عود الكنيسة وتطهره، تطهرها من الأعضاء الضعيفة، وتعطي فرصة أيضًا لأن يتجدد فيها عناصر أخري جديدة، لم تكن موجودة يولدها الاضطهاد، وهكذا سري بين المسيحيين في كافة العصور مثل يقول: إن دماء الشهداء بذار الإيمان احفظوا هذه الجملة دماء الشهداء بذار الإيمان ماذا تعني دماء الشهداء بذار الإيمان؟ البذار هي الحب الذي يخرج منه بقول كثيرة، انظروا كيف يحول الله الشر إلي خير ويجعل الآلام فرصة لأن يقوي الإيمان ويزداد الإيمان ويعظم الإيمان بعض الشهداء عندما كانوا يتعذبون، والناس غير المسيحيين عندما كانوا يرون الاستبسال والشجاعة والقوة والصبر والاحتمال والأمانة والثبات وعدم التزعزع، كانوا يقولون ما أعظم هذا الدين وما أعظم هذا الإيمان وكانوا ينضمون إلي المسيح، وكان كثيرون منهم أيضا يتعرضون للاستشهاد، ألوف وعشرات الألوف ولدوا في الكنيسة بسبب الاضطهاد، لم يكونوا في الكنيسة أول، إنما ثبات المؤمنين كان سببًا في كسب هذا العدد الضخم أيام استشهاد مارجرجس أو أبي سيفين أو الأمير تادرس أو كل الشهداء، كانت هذه المناظر سببا في إثارة روح الإيمان في غير المؤمنين، وبهذا عاشت الكنيسة ولم تمت أبد، فترات الضعف الذي ظن أنها ضعف كانت هي الفترات التي فيها سر القوة، لأنها كما أن المرأة تعاني المخاض قبل أن تلد الطفل، هكذا الكنيسة عن طريق الاضطهاد وهو مخاضها تلد أولاد، إذا مرحبًا بالاضطهاد وبالآلام، إنها فرصة لإثبات إيماننا بالمسيح، فرصة لإثبات أمانتنا له، وثباتنا علي عقيدتنا، وهنا يبدو الإيمان ثمينًا غالي، الشيء الذي تدفع فيه ثمنًا غاليًا يكون غاليًا عليك، إنما الأشياء التي تأتي لك رخيصة تبقي رخيصة ليس لها قيمة، المثل الذي قاله سيدنا يسوع المسيح، قال: يشبه ملكوت السموات لؤلؤة كثيرة الثمن، فباع رجل كل ما يملك واشتري هذه اللؤلؤة، لا بد من عملية الشراء والبيع، لكن ماذا تشتري شيء ثمين أو شيء لا معني له، إذا كانت هناك لؤلؤة كثيرة الثمن والإنسان باع أشياء كثيرة في سبيل أن يشتري هذه اللؤلؤة يكون هو الكسبان، صحيح خسر أشياء لكن كسب ما هو أعظم مما خسر هكذا ملكوت السموات لا بد أن تشتريه بثمن غال لكي يكون ملكوت السموات غاليًا عليك أيضًا. لا بُد أن تدفع الثمن، لا تستطيع أن تأخذه بالرخيص، إن الله لا يرضي أن يبيع لك الملكوت بغير ثمن، والثمن هو الثبات وهو الاستمساك بمبادئ المسيح، هو تطبيق مبادئ الإنجيل، والاحتمال من أجلها وحينئذ يكون الجزاء المبارك، لا يكلل أحد إن لم يجاهد، احفظوا هذه العبارة لا يكلل أحد إن لم يجاهد جهادًا قانونيًا إكليل لكن لا تأخذه بالرخيص، لا بد أن تدفع الثمن لكي تشتري الإكليل، له ثمن وثمنه هو الجهاد لكي يكون غالي عليك، أثبت أنك تستحقه، إنما إذا لم يكن هناك تعب من أجله فكيف تستحق الإكليل، هناك مبدأ من المبادئ المقررة في الكتاب المقدس كل سيأخذ أجرته حسب تعبه التعب هو المقياس، هو المقياس في التفاوت في الجزاء، القديسون ليسوا في درجة واحدة، نجم يمتاز عن نجم في المجد، هناك نجم يكون لامعًا جد، هذا البريق اللامع هو الفرق في المجد لأنه يجذب الانتباه، لكن ليس كل النجوم في لمعان واحد، ليس كل الأبرار في درجة واحدة، هناك تفاوت في الجزاء لأن الله عادل ويقول أجازي كل واحد علي حسب عمله، لابد أن يكون هناك تفاوت في الجزاء وبالتالي أيضًا لا بد أن يكون هناك تفاوت في العقاب، لأن الله عادل. فكل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه من هنا تكون الآلام والاضطهادات يفرح بها القديسون لأنها هي التي تتحول إلي لآلئ في إكليلهم اللآلئ في إكليل المجد كيف تتكون؟ بالألم والجروح والتعب، إذن لا نحزن من التعب من أجل المسيح، ونترك الكلام الضعيف الرخيص الذي يخرج من أفواهنا من وقت لآخر ونقول لماذا ربنا سمح؟ كل هذا الكلام لم يكن الآباء يقولونه أبدا أبدا إنما نحن في فترات الضعف التي أصبحنا اليوم فيها نتضايق من الاضطهاد ومن الألم، كان آباؤنا يعتبرون الألم فرصة إظهار إيمانهم وتمسكهم به. لا تظنوا إذن أن الله تخلي عن الكنيسة، الله يرقب ليري الصابرين، كلنا نقول: صبر أيوب صبر أيوب، المسيحيون واليهود والمسلمون، العالم كله يقول: صبر أيوب لماذا؟ لأن أيوب صبر سبع سنوات علي آلام متوالية، ونجح أخيرًا بأنه لم يتزعزع إنما ثبت، لو كان أيوب انهار من أول تجربة مثل ما يحدث لن، كان أيوب اختفي مع الزمن مثل غيره، لكن ثباته جعل أيوب نموذجًا لكل الأجيال في الصبر والاحتمال وطول البال هكذا الآباء الذين نفتخر بهم الآن هم الآباء الذين تألموا، أكثر من غيرهم، لماذا مارجرجس يسمونه أمير الشهداء، المسيح في أحد ظهوراته وتجلياته له قال له: لم يقم من بين المولودين من النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان ولم يقم من بين الشهداء من هو أعظم منك لماذا مارجرجس، لأنه أكثر واحد تعذب، سبع سنوات متواصلة بكافة صنوف العذاب، لو كان قال أين ربنا؟ والله تركني، وهذا الكلام... لم يكن هناك مارجرجس، ولم يخرج لنا أبطال الإيمان، ولذلك يقول الكتاب المقدس: لابد أن يكون بينكم بدع ليكونوا المزكون ظاهرين، من الذين نفتخر بهم اليوم ونعيش علي سمعتهم وعلي سيرتهم من هم؟ هم الذين احتملوا والذين صبروا، إذن انتظار المسيح وعدم تدخله ليس لأنه بعيد عن الكنيسة، أو لأنه تخلي عن الكنيسة، أو لأنه ضعيف، لا...هو واقف يرقب ليري الصبر. ليري إذا كنا ثابتين علي الإيمان أو لا...فالضيقات، والآلام فرصة ليبرز فيها صبر الصابرين، ويبدو فيها الإيمان وبهذا الإيمان نكسب للمسيح أكثر مما نكسب في أيام الضعف وفي أيام الرخاوة، العود إذا أحرق تخرج منه الرائحة الجميلة، فبدون الحرق لا تخرج منه الرائحة الجميلة الرائحة الجميلة إذن في المسيحيين تخرج حينما تكون هناك ضيقات ويكون هناك حرق وضغوط عليهم، فإذا ثبتوا خرجت رائحتهم ذكية أمام الله وأمام الناس أيضًا وللأجيال وللتاريخ كنيستنا سميت كنيسة الشهداء لماذا؟ كنيستنا تفتخر اليوم أنه لا يوجد كنيسة في العالم كله صدرت إلي السماء عددًا من الشهداء بقدر ما صدرت كنيسة مصر. هذا فخرها ولذلك نحن نسبيا علي الرغم مما فينا من ضعف ما زالت عندنا بركة قد نكون نحن لا نستحقها ورثنا المجد عن آباء صدق أسأنا في ديارهم الصنيع إذا المجد التليد توارثته بناة السوء أوشك أن يضيع إنما نحن إذا كنا نعيش إلي اليوم فهذه بركة آبائنا الصامدين الأقوياء الذين صمدوا أمام الآلام، فعبدوا أمامنا الطريق وهيأوا أمامنا السبيل فدخلنا نحن علي تعبهم، آخرون تعبوا كما يقول المسيح وأنتم دخلتم علي تعبهم إذا كانت هناك بركة لنا وبركة لشعبنا فهي بركة هؤلاء الآباء الذين صمدوا علي الإيمان وثبتوا ولم يتزعزعوا ولم تخر قواهم، وتركوا لنا أمثلة للبطولة والشجاعة، فإذا لم نكن نحن صامدين نكون قد جلبنا العار علي كنيستنا وعلي آبائنا وعلي أجدادنا وعلي كل تاريخنا. نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد
09 سبتمبر 2024

الدينونة ج2

لقد تكلّمنا مَعْ بعض فِى موضُوع عَنْ الدينُونة وَ قُلنا أنّنا سنُكمِلهُ ، وَ لقد تعّودت الكنيسة فِى نهايِة عام وَ بِدايِة عام أنْ تُكلّمنا عَنْ الدينُونة وَنُحِب أنْ نتكلّم وَ نتخيّل وَ لو قليِلاً عَنْ الدينُونة لأنّها حقيقة ، الدينُونة هى مِنْ أهم الحقائِق الرُّوحيَّة التَّى يجِب على الإِنسان أنْ يُفّكِر فِيها ، حتَّى يضمن ميراث أبدِى ، وَالّذى يبعُد عنها يُعرِّض نَفْسَه للهلاك وَتكُون دينُونتةُ لِلهلاك وَلِذلِك أجمل شيء لِلإِنسان أنْ يذكُر بِإِستمرار الدينُونة ، وَلقد قيِل عَنْ القديس الأنبا أرسانيُوس مُعلِّم أولاد الملُوك كم أنّ حياته كُلّها مملوءة توبة وَدِمُوع وَبِر وَتقوى ،وَمَعْ ذلِك وجدوهُ دائِماً بِيبكِى ، وَفِى لحظات قبل الموت وجدوهُ بِيبكِى ، فسألوه وَقالُوا لهُ ياأبانا أنت عايِش بِتقوى وَعايِش بِبر فلِماذا تبكِى ؟ فقال لهُمْ إِنّ رُعب هذِهِ اللحظة لَمْ يُفارِقنِى طوال حياتِى ، فإِنّنِى خائِف مِنْ أمرين :- 1/ الوقُوف أمام الديَّان العادِل 2/ وقت صدُور الحُكم علىَّ فهاتين اللحظتين رُعبهُمْ لَمْ يُفارِقهُ طوال حياته ، فالّذى يعيِش هذا الخُوف يضمن الخلاص 0 يقُول القديس العظيِم الأنبا مقَّار [ أُحكُمْ ياأخِى على نَفْسَكَ قبل أنْ يحكُموا عليك ] ، وَ القديس العظيِم الأنبا أنطونيُوس قال[ إِنْ دِنَّا أنفُسنا رضى الديَّان عنَّا ] الإِنسان ياأحِبَّائِى الّذى لاَ ينسى فِكر الدينُونة يرتفِع وَ يأخُذ ضمان لِلحياة الأبديَّة ، فالدينُونة عدل مِنْ الله ، وَربِنا فِيها يُعطِى كُلّ واحِد بِحسب أعماله ، وَلكِنْ السؤال الّذى نسأله هُنا أين مراحِم الله إِنْ كانت الدينُونة لهذِهِ الدرجة قاسية ؟ فأين مراحِم الله ؟ فنحنُ الآن يجِب أنْ نعيِش فِكر الدينُونة وَمراحِم الله تُدرِكنا بِحسب إِرادتِهِ ، فإِنْ كانت خطيَّة أبونا آدم تكلّفت أنّ الله يتجسّد وَ يُصلب ، فخطايانا ياأحِبَّائِى لاَ يليِق أبداً أنّ الله يتغاضى عنها بِدُون عدل فالله يقُول لك خطيتك أُجرتها مُوت فَلاَبُد أنْ تموت مِنْ أجلها ، فعدلِى يقُول أنّهُ لابُد أنْ تدفع ثمنها ، وَ رحمتِى تقُول أنّ الثمن الّذى لابُد أنْ تدفعه أنا أدفعه ، يعنِى لاَ توجد خطيَّة ستُغفر لنا أبداً إِلاَّ عِندما تنتقِل مِنْ حسابنا إِلَى حِساب الله ، فالخطيَّة هى تعدّى على الله وَ إِهانة لله ، وَأُجرِتها موت كُلّ خطيَّة ، وَكُلّ تعدّى على الله هى إِهانة لله ، لابُد أنّ العدل الإِلهِى يستوفى حقه ، وَلابُد أنْ يُعطِى موت عِوض الخطيَّة ، وَلابُد أنْ يدفع ثمن عَنْ الخطيَّة ، فأنا أضع خطيتِى عليه فينتقِل ثمن الخطيَّة مِنِى له ، وَفِى وقتها يوفِى الدين ، وَوقتها يتقابل عدل الله مَعْ رحمتهِ ، أتُرِيد أنْ ترى العدل يلتقِى بِالمراحِم ؟! أُنظُر إِلَى الصليب ، فنحنُ سيظل الحكُم علينا بِسبب خطيتنا مادُمنا لَمْ نُقدِّم توبة عنها ، فمهما كانت خطيَّة صغيِرة فإِنَّها لَنْ تُغفر أبداً إِلاّ عِندما تنتقِل إِلَى حِسابه القديسين يقُولُوا [ ليست خطيَّة بِلاَ مغفِرة إِلاّ التَّى بِلاَ توبة ] ، فمراحِم الله ليست معناها أنْ يتنازل الله عَنْ ثمن الخطيَّة ، فالمراحِم هى أنْ تنتقِل مِنْ حسابِى لِحسابه ، فهذا هُوَ العدل وَالمراحِم ، وَلِذلِك يوجد خُوف علينا أنّنا بِإِستمرار نتكلّم عَنْ ربِنا الرحيِم وَقَدْ نسينا عدله ، تعّودنا أنْ نتكلّم عَنْ ربِنا أنّهُ غافِر وَقَدْ نسينا أنّهُ ديَّان لابُد أنْ يكُون الأمر عِندنا فِيه حُب أكثر مِنْ ذلِك ، وَفِيه تقدِير لِحُبه ، وَفِيه تقدِير لِمراحمة أكثر مِنْ ذلِك ، وَ لِذلِك بِإِستمرار الإِنسان بِيرفُض فِكر الدينُونة ، وَبِإِستمرار الإِنسان يُحِب أنْ يتكلّم عَنْ الأُمور السهلة وَيقُول الله غفر لِلمرأة الخاطِئة ، وَيُعطِى لِنَفْسَه تصرِيح بِالتساهُل وَ الإِستباحة ، وَيظِل الإِنسان يستمر فِى تعدّياته تحت بند أنّ ربِنا غفُور فَلاَ يليِق أبداً أنْ نستغل مراحِم الله وَحُب الله بِطرِيقة خاطِئة ، أبداً فعِندما أشعُر أكثر بِحُب الله فهذا يجعلنِى أكثر خجلاً وَأكثر تحفُّظاً ، وَأشعُر أنّ خطاياى أكثر عُمقاً لأنّنا نُوّجِهها لِشخص كُلّه مجد ، فلو كان ربِنا قاسِى لكان لنا عُذر لِخطيتنا ، لكِنْ ربِنا كُلّه محبَّة ، وَلِذلِك ياأحِبَّائِى الإِنسان كما أنّهُ بِإِستمرار يُحِب أنْ يتكلّم عَنْ رحمِة ربِنا ، لابُد أنْ يتذّكر الدينُونة0 جمِيلة الكنيسة عِندما تُكلّمنا كُلّ يوم وَتقُول[ هوذا أنا عتيِد أنْ أقِف أمام الديَّان العادِل] ( القِطعة الأولى مِنْ صلاة النَّوم ) ،جميِل أنّ الإِنسان كُلّ يوم يتذّكر فِكر الدينُونة ، فَلاَبُد أنْ يتذّكر الدينُونة الآن قبل أنْ يفُضح وَ تُكشف أعماله فِى صلاة السِتار نقُول [ يارب إِنْ دينونتك لمرهُوبة إِذ تُحشر النَّاس وَتقِف الملائِكة وَتُفتح الأسفار وَتُكشف الأعمال وَتُفحص الأفكار أيّةُ إِدانة تكُونُ إِدانتِى أنا المضبُوطُ بِالخطايا ! مَنْ يُطفِىءُ لهيِب النَّار عَنِّى ؟! مَنْ يُضِىءُ ظُلمتِى إِنْ لَمْ ترحمنِى أنت ياربُّ ؟] فكُلّ واحِد لهُ سِفر وَلهُ كِتاب ، وَالملائِكة ماسكة السِفر وَفِيه كُلّ سِيرتنا ، ففِى مرّة تكلّم سيِّدنا مثلث الرحمات البابا شنوده وَكان يقُول " لو تخيّلنا أنّ ملاك وقف وسطنا فِى الكنيسة وَكشف كُلّ أفكار وَخفايا كُلّ إِنسان لِمُدِة أسبوع واحِد ، مَنَ سيقدِر أنْ يقِف ؟ فتصُّورات المخادِع ستُكشف " ، فَمَنَ يقدِر أنْ يثبُت أمامه ؟ ! وَلِذلِك نقُول لهُ يارب أيّة إِدانة تكُون إِدانتِى أنا المضبُوط بِالخطايا ! ففِكر الإِنسان بِإِستمرار مملوء قباحات وَإِدانات وَشِرُور ، وَمملوء أنانيَّة ، فالإِنسان مُحتاج أنْ يُدِين نَفْسَه جيِّداً ، فلو خطايا الإِنسان إِنكشفت أمام المِنبر سيكُون أمر صعب أحد القديسين يقُول [ سنقِف أمامه كأنَّنا فِى مسرح فسيِح مُضاء ] ، فالضُوء مُتسلِّط جِدّاً ، وَالمسرح عالِى ، وَالأُمور مكشُوفة جِدّاً أمام مَنْ نعرِفهُمْ وَأمام مَنْ لاَ نعرِفهُمْ جميِل أنّ الإِنسان يتخيّل الدينُونة وَهُوَ على الأرض ، جميِل أنّ الإِنسان يحكُم على نَفْسَه ، مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول [ مُخيِف هُوَ الوقُوع بين يديِ الله الحىِّ ] ( عب 10 : 32 ) ، صحيِح ربِنا رحيِم وَلكِنّه عادِل ، صحيِح نحنُ جُبلته وَلكِنّه لَمْ يخلِقنا لِلدنس وَلِلشر ،فكيف تنتقِل مِنْ حسابِى لِحسابه ؟!! يقُول لنا أنا أعطيِكُم المذبح ، وَهُوَ إِسمه مذبح لأنِّى أُذبح عليه ، هُوَ بِيُذبح عليه عِوضاً عنَّا ، فموتنا بِينتقِل عليه ، وَهُوَ بِيُعطِينا حياة ، وَلِذلِك ذبيحة الصليب لَمْ يشأ أنْ تكُون قاصِرة وَلكِنّها مُمتدّة ، وَلازال يشفع فِى ضعفاتنا ، فهُوَ [ يُعطى عنَّا خلاصاً وَغُفراناً لِلخطايا00 ] ، فلو أنا مازالت خطيتِى علىَّ فما هُوَ عُذرِى وَماذا أقُول لهُ ؟؟!! لِذلِك لِنحذر مِنْ التوانِى وَالكسل ، لِنحذر مِنْ التأجيِل ، فمعنى أنّنِى سأتوب بعد ذلِك أنّنِى سأظل كارِهاً لك ، وَسأظل أُهينك وَ سأظل أضيِف إِلَى جِراحاتك جِراحات بِخطيتِى ، فكيف أتوب بعد ذلِك ؟ فالإِنسان الّذى يقُول لاَ أتوب الآن فكيف تكُون الدينُونة عليه ؟! المفرُوض ياأحِبّائِى مراحِم الله تُدرِكنا وَنعيِش فِيها ، وَنسعى لإِرضاؤه كُلّ يوم ،وَ لاَ نسعى أبداً وَ لاَ نقبل أبداً أنْ نُهِينه وَنُبغِضهُ ، كم أنّ الإِنسان الّذى يعيِش فِى الدينُونة وَيُفّكِر فِيها بِإِستمرار فإِنّها تحميه وَترفعه ، تحميه مِنْ الكسل ، وَتحميه مِنْ تسوِيف العُمر باطِلاً ، [000 إِنّها الآن ساعة لِنستيقِظ مِنَ النَّوْمِ000] ( رو 13 : 11 ) [هُوذا الآن وقت مقبُولٌ0هُوذا الآن يومُ خلاصٍ ] ( 2 كو 6 : 2 ) ، فكم مرّة ربِنا نادانِى لِلتوبة ؟ وَكم مرّة حذّرنِى أنْ لاَ أستمر فِى الخطيَّة ؟ مراحِم الله تجعلنا بِإِستمرار نتأملّ فِيها ، كثيراً الإِنسان بِيرفُض فِكر مخافِة ربِنا ،القديس الأنبا أنطونيُوس قال [ أنا لاَ أخاف الله لأنِّى أُحِب الله ] ،فهل أنا وَأنت وصلنا إِلَى درجِة محبِّة الأنبا أنطونيُوس حتَّى لاَ نخافه ؟ فالخُوف أنواع يوجد خُوف مِنْ شخص حتَّى لاَ يضربه أوْ حتَّى لاَ يوقِع عليه عِقاب مُعيّن ، وَلكِنْ الله بِالنسبة لىّ بحِبّه وَبخاف على مشاعره ، لِذلِك يجِب أنْ نصِل إِلَى مخافِة الحُب ، نحنُ نُحِبّه جِدّاً وَلِذلِك لاَ نُرِيد أنْ نجرحه لأنّهُ أبونا نحنُ مخافتنا ياأحِبّائِى لِربِنا بِسبب أنّنا فِعلاً نُحِبّه ، وَنُحِبّه مِنْ كُلّ قلوبنا ، وَلِذلِك يجِب على الإِنسان أنْ يعيِش المخافة وَتكُون الدينُونة أمامه فِى كُلّ وقت فتوجد واحدة أرادت أنْ تُسقِط قديس فِى الخطيَّة ، فتركها وَدخل الحُجرة وَوضع إِصبعهُ على شمعة ، فعِندما رأت ذلِك سألتهُ عما يفعل ، فقال لها أنا أحببت أنْ أتعرّف على لحظة مِنْ لحظات جُهنّم فالإِنسان الّذى فِى داخِله حضُور الله لاَ يُفّكِر أبداً أنْ يفعل الخطيَّة ، فهُوَ إِنسان عايِش بِإِستمرار يُفّكِر كيف يُرضِى ربِنا ، وَلِذلِك الإِنسان الّذى يعيِش تقوى ربِنا ، فالكلام عَنْ مخافِة ربِنا يكُون بِالنسبة لهُ كلام لذِيذ مِثل النَّاس فِى العهد القدِيم عِندما قال لهُمْ الأنبياء أنّ الله سيُدِيننا ، فقالوا لهُمْ نحنُ سوف لاَ نسمع لِكلامكُمْ ، كلّمونا بِالناعِمات ، وَلكِنْ الأمر ليس أنْ نتكلّم بِالناعِمات وَفِى النِهاية نجِد الحُكمْ علينا ، صعب نحنُ يجِب ياأحِبّائِى ككنيسة نعيِش تقوى وَبِر وَحياة فاضِلة مَعْ ربِنا ، يجِب أنْ يكُون بِإِستمرار خوف الله فِى قلبِنا القديسين قالُوا[ أنّ بِدايِة الطرِيق إِلَى الله هى مخافِة الله ] ، أتُرِيد أنْ تعيِش مَعْ ربِنا صح ؟ خاف ربِنا ، فإِنْ كانت ياأحِبّائِى الخطيَّة أُجرتها الموت فماذا سيفعل الإِنسان؟ الإِستعداد وَالتوبة :- لابُد بِإِستمرار أعيِش الإِستعداد وَالتوبة ، وَأضبِط فِكرِى ، وَأضبِط مشاعرِى ،فالكِتاب يقُول [وَمَنْ قال ياأحمق يكُونُ مُستوجِبَ نارِ جهنَّمَ ] ( مت 5 : 22 ) ،فهل هذِهِ فقط تستوجِب الحُكم ؟! نعم تستوجِب الحُكم مِثل طالِب يرسب فِى مادّة فإِنّهُ يرسب فِى باقِى المواد كُلّها ، كما هُوَ كان مُتبّع فِى نظام الدراسة قبل ذلِك ، فلو أنا وقعت فِى خطيَّة واحدة أستوجِب الحُكم وَأهلك ؟! نعم لأنّ هذِهِ معناها عدم محبَّة ، وَمعناها إِدانة ، لأنَّك تقُول لأخيِك ياأحمق وَمعناها بُغضة ، فالخطيَّة خطيَّة ، فنحنُ الّذين تساهلنا مَعْ الخطيَّة ،وَصِرنا نُدخِل الأُمور فِى بعضها وَنحالِلها وَلِذلِك ياأحِبّائِى الإِنجيِل واضِح جِدّاً وَيقُول لاَ خائِفُون يدخلوا السَّماء لاَ كذّابُون لاَ شتَّامُون ، فأنا مُمكِنْ أنْ أكُون واحِد مِنْ هؤلاء ، فماذا أفعل ؟ أتوب ، وَالكِتاب يقُول لك [وَالقداسة التَّى بِدُونِها لَنْ يرى أحد الرّبّ ] ( عب 12 : 14 ) فالقداسة لابُد أنْ نعيِشها بِأكثر حتميَّة ، فلِذلِك لابُد أنْ نعيِش بِأكثر تدقيِق ،فنحنُ سنُحاسب أيضاً على نقص الإِيجابيات ، فيقُول لك [جُعتُ فَلَمْ تُطعِمُونِي عطِشتُ فَلَمْ تسقُوني مرِيضاً فَلَمْ تزُورُونِي ] ( مت 25 : 42 – 43 ) فمُمكِنْ أكُون قَدْ كسِلت أنْ أُطعِم واحِد جوعاناً ، فنحنُ لَنْ نُحاسب فقط على السلبيّات وَلكِنْ نحنُ سنُحاسب أيضاً على نقص الإِيجابيات ، فعدم العطاء سيُديننا ، فكم مرّة عرفت أنّهُ يوجد واحِد مرِيض وَلَمْ أزوره ، [ فَمَنْ يعرِفُ أنْ يعملَ حسناً وَ لاَ يعملُ فذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ ] ( يع 4 : 17 ) فَلاَبُد أنْ نعرِف كيف سنُدان ؟ وَنعرِف مقاييس وَمعايير الحُكمْ وَنعيِش بِمُقتضاها لابُد أنّ ربِنا يستوفِى حقهُ فِى كُلّ أمور حياتنا ، فربِنا سيأتِى وَيقُول لك أين أنت مِنْ وصاياى ؟ أين أنت مِنْ أحكامِى ؟ وَلِذلِك نقُول [ لكِنْ تُوبِى يا نفسِى مادُمتِ فِى الأرض ساكِنة ]( مِنْ قِطع صلاة النوم ) تخيّلوا أنّنا نتكلّم كُلّ هذا الكلام وَمازال الحُكم لَمْ يأتِى علىّ ،فأنا لابُد أنْ أتُوب وَأُقدِّم وسائِل لإِرضاء الله أحد القديسين يقُول [ إِنّ سُكّان الجحيم يتمنّون لحظة واحِدة لإِرضاء ربِنا ] ، فهُمْ يُعّبِرُون لِربِنا عَنْ ندمهُمْ وَأسفهُمْ ، سُكّان الجحيِم مُشتاقيِن لِلحظة واحدة مِنْ التَّى نعيِشها الآن ، مادام الإِمتحان لَمْ يأتِى فهذا أمر حسناً ،فنحنُ الآن لنا فُرصة وَلكِنْ بعد ذلِك [ ليس رحمة فِى الدينُونة لِمَنْ لَمْ يستعمِلْ الرحمة ]( مِنْ قِطع الخدمة الثالثة مِنْ صلاة نِصف الليل ) فالله سيقُول لك أنا لَمْ أمسِك مراحمِى عنك أبداً ، فليس لك إِجابة ، وَلِذلِك الإِنسان يحتاج فِى صلواته أنْ يقُول لهُ ياربِنا أعطينِى الجواب الحسن أمام منبرك الرهيِب فالّذى أحسن إِلينا طوال العُمر فهذا كيف نُقسِّى قلبِنا عليه ؟ وَالّذى أحنى نَفْسَه لأجلِنا كيف نزيِد جِراحات على جِراحاته وَنُزيِد جلدات على جلداته ؟ فالإِنسان عليهِ أنْ يُقدِّم لهُ أعمال رحمة ، وَيُقدِّم توبة وَإِستعداد ، أمَّا الإِنسان الّذى يُؤّجِل التوبة وَالإِستعداد ستأتِى عليهِ اللحظة التَّى إِستنفِذ فِيها كُلّ فُرص التوبة ،وَستظل خطاياهُمْ هى التَّى تُعذِّيبهُمْ وَليس الجحيِم ، فالحالة التَّى سيكُونوا فِيها أشد مِنْ أىّ حالِة حُزن كان فِيها الإِنسان على الأرض ، يكفِى إِحساسهُمْ أنّهُمْ أهانُوا الله ، يكفِى إِحساسهُمْ أنّهُمْ خانُوا الله ، وَلَمْ يكُنْ حُزن فقط وَلكِنّهُ بُكاء وَصرِير الأسنان ، وَصرِير الأسنان يعنِى زنّة مِنْ الداخِل خارجة مِنْ الأعماق ، فالنَّار ليست نار ماديَّة وَلِذلِك يجِب على الإِنسان أنْ يُقدِّم توبة مِنْ الآن ، فالّذى يقُول أأجِل وَأمامِى الوقت طويل فإِنّهُ يجِب أنْ يُقدِّم توبة الآن لِكى يكُون عِندهُ رصيِد لِمحبِّة ربِنا ،فالإِنسان ياأحِبّائِى عِندما يُصّمِمْ أنْ يخُون ربِنا كيف تكُون دينونتهُ ؟! كُلّ عمل نعملهُ ياأحِبّائِى ربِنا ناظِر إِليه ، وَكُلّ بِر نعملهُ ربِنا ناظِر إِليه ، وَكُلّ خطيَّة نفعلها ربِنا يراها لأنّ عينيهِ تخترِق كُلّ الأُمور وَربِنا يقُول لك وَلِذلِك أنا مُت لأجلك ، وَلازِلت أُقدِّم ذاتِى لأجلِك ، وَأىّ خطيَّة لاَ تُقدِّم عنها توبة لاَ تنتقِل لِلدم ، وَلَمْ يُقدِّم عنها موت ، فأموت أنا وَهذِهِ هى دينونتِى ،وَلِذلِك علينا أنْ نُسرِع لِلتوبة ، لأنّ بِالتأجيِل سيمتلىء القلب قساوة ، وَالّذى يُؤّجِل يزّوِد الدينُونة عليه ، وَيزّوِد غضب ربِنا عليه ، وَيزّوِد القساوة ، وَالّذى يُؤّجِل على حِساب الرحمة سوف لاَ تأتيه التوبة وَ لاَ الرحمة فهل معنى إِنِّى أُخطىء فِى أبونا مرّة وَأعتذِر لهُ ثُمّ أُخطىء وَأعتذِر أستمِر على ذلِك فهل هذا يليِق ؟! فإِنْ كان ربِنا رحيِم ، وَإِنْ كان ربِنا مُحِب ، فالمفرُوض أنْ نفهم جيِّداً رحمتهُ ، وَأنّ عِشرتنا معهُ تنمو ، وَتسبِيحنا يزِيد ، وَصلواتنا تكُونُ أكثر عُمقاً لِذلِك فِى القُدّاس نقُول [ وَظهورهِ الثانِى الآتِى مِنْ السَّموات المخُوف المملوء مجداً] ، فهُوَ الّذى سيأتِى وَيُعطِى كُلّ واحِد كنحو أعماله إِنْ كان خيراً وَإِنْ كان شرّاً ياليت الإِنسان لاَ يستهتِر وَ لاَ يُؤجِل ، وَالدينُونة تكُون أمامه فِى كُلّ لحظة ، فإِنْ لَمْ نتُب مِنْ أجل أنفُسنا فلنتُب مِنْ أجل الكنيسة ، وَإِنْ لَمْ نتُب مِنْ أجل أنفُسنا فلنتُب مِنْ أجل سلام العالم صدّقُونِى ياأحِبّائِى مُمكِنْ خطيَّة واحدة تجلِب غضب على الكنيسة وَ على العالم مُعلّمِنا بولس الرسُول عِندما وجد إِنسان خاطِىء قال [فَإِعزِلُوا الخبيِث مِنْ بينكُمْ ]( 1 كو 5 : 13 ) ، وَ لاَ تُكلّموه لِذلِك ياأحبّائِى ربِنا مُمكِنْ أنْ يُعطِى رحمة ولكِنْ بِسبب توبِتنا ، ربِنا يُعطِينا إِستعداد لِلدينُونة ، وَنكُون أمامه بِلاَ لوم ، وَيُعطِينا الجواب الحسن أمام المِنبر الرهيِب ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين0 القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
08 سبتمبر 2024

الحياة الأبدية ج3

”وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي، آمين“(قانون الإيمان) مساكن الأبرار الحياة الطوبانية الحياة الطوبانية في الدهر الآتي هي الحياة الحُرَّة من الموت، وبالتالي من الخطية، وتكتمل بالحرية الدائمة إلى الأبد في حضرة الله. الحرية إلى الأبد:- في الحياة الأبدية كل طاقة بشرية سوف تتبارك في حضرة الله بما لا يمكن وصفه أو مقارنته بحياتنا في هذا الدهر فالنفس سوف تتبارك بالحياة الأبدية. وطاقة المعرفة في العقل البشري سوف تتبارك بالاستنارة، كما أوضح القديس بولس: «لأننا نعلم بعض العلم... ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يُبْطَل ما هو بعضٌ. لما كنتُ طفلاً كطفل كنت أتكلَّم، وكطفل كنتُ أَفْطَن، وكطفل كنتُ أفتكر. ولكن لما صرتُ رجلاً أبطلتُ ما للطفل» (1كو 13: 9-11) والإرادة سوف تتبارك بالاستقامة وصحة الحُكْم على الأمور، وبالسعادة بحُسْن الاختيار: «أما أنا فبالبرِّ أنظر وجهك، إذا استيقظتُ، وأشبع في يقظتي من حضورك» (مز 17: 15 – الترجمة العربية الحديثة) وأما الجسد المُمجَّد، جسد القيامة، فسيتبارك بالتحكُّم الصحيح في طاقات العواطف والانفعالات. أما طاقة التخيُّل، فستتبارك بفكر الأمان الكامل في الطوبانية المستقبلة بلا توقُّف حسب وعد المسيح: «ولكني سأراكم، فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم» (يو 16: 22). إنها سعادة لا يقدر أحد أن ينزعها من المُطوَّبين، لأنها قائمة على اتحاد أبدي مع الله إن الجسد الروحاني الذي سيقوم من الموت إلى الحياة الأبدية سوف يختبر استعادة الصحة الكاملة لحالة البشرية كما كانت قبل السقوط، كما أوضح سفر الرؤيا: «مَن يغلب فسأُعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله» (رؤ 2: 7)، والتي مُنِعَت عن الإنسان الأول بعد السقوط في مرض الخطية (كما في سفر التكوين 3: 24،22) إن حقيقة الموت الرهيبة جداً، والتي سيطرت على البشرية بسطوتها، هذه الرهبة ستتحوَّل بعد الموت وقيامة الأجساد إلى حرية من الموت، وانتصار وسعادة أبدية للأبرار: «ومتى لَبِسَ هذا الفاسد عدم فساد، ولَبِسَ هذا المائت عدم موت، فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: ”ابتُلِعَ الموت إلى غَلَبَة“. أين شوكتُك يا موت؟ أين غَلَبَتُكِ يا هاوية؟... ولكن شكراً لله الذي يُعطينا الغَلَبَة بربنا يسوع المسيح» (1كو 15: 54-57) وحقّاً كان يمكن أن تذوب وتذوي نفوس المؤمنين الغالبين في السماء أمام رهبة قداسة الله، ولكن النعمة الإلهية الموهوبة للمطوَّبين تُعطي لهم القوة ليحتملوا هذه السعادة الغامرة لأولئك الذين سيَحْيَوْن إلى الأبد في مجد حضرة الله. الأجساد المُمجَّدة للقديسين في السماء:- إن الوصف الوارد في الرسالة الأولى إلى كورنثوس (15: 42-53) هو مفتاح أوصاف النِّعَم التي سيتوشح بها جسد القيامة الذي سيلبسه الأبرار في ملكوت السموات: «هكذا أيضاً في قيامة الأموات: (الجسد) يُزرع (بالدفن في القبر) في فساد، ويُقام في عدم فساد. يُزرع في هوان، ويُقام في مجد. يُزرع في ضعف، ويُقام في قوة. يُزرع جسماً حيوانياً، ويُقام جسماً روحانياً» الجسم المُمجَّد، المتحرِّر من الموت، يوصَف في تعبير آباء الكنيسة (باللغة اليونانية) aphthartos، أي غير الفاسد. هذا الجسم الفاسد (بالموت) سيلبس الجسد ”غير الفاسد“ بالقيامة المزمعة أن تكون (1كو 15: 53). وسيصير في حالة أبعد ما يكون عن القلق بعد الموت: «الموت لا يكون فيما بعد» (رؤ 21: 4). وحتى النُّدوب (أي آثار جروح التعذيب قبل الاستشهاد) سوف تأخذ شكلاً بهيّاً، حيث لا تعود تشويهاً في الجسد، بل علامة مجد في أجساد الشهداء المُقامة من الموت، حسب تعبير القديس أُغسطينوس ويتميَّز الجسد المُقام من الموت، وبسبب خُلوِّه من ظلمة الموت، يتميَّز بالصفاء، واللمعان، والمجد، حسب قول المسيح: «حينئذ يُضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم» (مت 13: 43)، وهم بذلك يعكسون مجد الله الحال على أجسادهم. نفس هذا المجد الإلهي رآه من قبل تلاميذ المسيح في تجلِّيه وهو على الجبل: «وتغيَّرت هيئته قدَّامهم، وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج» (مر 9: 3،2)وأيضاً يتميَّز الجسد القائم من الموت، وبسبب خُلوِّه من الضعف، يتميَّز بالحيوية والقوة، حيث يتحرَّك الجسد بالخفة الكاملة كما تُحرِّكه النفس، كما ظهر ذلك في جسد المسيح بعد قيامته من بين الأموات وكذلك أيضاً، وبسبب تحرُّر الجسد المُقام من ضيق المكان وتقلُّب الزمان، فإنه يُمنَح عينين روحانيتين غير منظورتين. وهذا الجسد يتَّسم بالسموِّ الذي به تأخذ النفس على عاتقها حِفْظ حياة جسدها، وبهذا السمو ترفع الجسد إلى مستواها الروحاني، وبهذا يصير الجسد خاضعاً للروح. وحينما تحدث هذه التغييرات «حينئذ تصير الكلمة المكتوبة: ”ابتُلِعَ الموت إلى غَلَبَة“» (1كو 15: 54). هل السماء هي حقّاً جزاء أو مكافأة؟ ربما لا يكون مناسباً أن نقول إن الأبرار ينالون السماء جزاءً أو مكافأةً، إن كان المقصود بالجزاء والمكافأة أن يكون للإنسان حقٌّ أن يُطالِب بها أو يستحقها، لأن البار ليس له ادِّعاء الحق بالطوبانية النهائية كحقٍّ يُطالب به. إلاَّ أن السماء هي العطية الموعود بها للمؤمنين كنتيجة تلقائية ومباشرة لتجسُّد المسيح ولِبْسه طبيعتنا البشرية، فلأننا نحن فيه فسيتحقَّق قوله المبارك: «وإنْ مضيتُ وأعددتُ لكم مكاناً، آتي أيضاً وآخُذُكم إليَّ، حتى حيث أكونُ أنا تكونون أنتم أيضاً» (يو 14: 3)؛ وكذلك في صلاته الشفاعية يطلب إلى الآب: «أيها الآب أُريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم» (يو 17: 24). هل هناك درجات متفاوتة من المجد؟ كل قائم من الموت ومُحتفِل بأمجاد الله، سوف يعكس الصلاح الإلهي بطريقة مختلفة، هكذا يقول القديس إيرينيئوس أسقف ليون في القرن الثالث، والقديس كليمندس الإسكندري. هذا وبالرغم من أن كل واحد سوف يشترك في نفس الخلاص، إلاَّ أن انعكاس المجد الإلهي لن يكون على وتيرة واحدة، بل متنوعاً، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم ولكن حينما يقول القديس بولس الرسول مقارِناً بين مجد كلٍّ من أجسام الكواكب وأجساد الحيوانات وأجساد البشر، ثم يُقارِن بين مجد الشمس وبين مجد القمر وبين مجد النجوم، يقول الكلمات الآتية: «... ومجد النجوم آخر. لأن نجماً يمتاز عن نجم في المجد» (1كو 15: 41)؛ فإنه يتهيَّا للبعض أن هذه الآية ترمز إلى أمجاد متفاوتة في العظمة لأجساد البشر القائمين من الموت. وهذا التهيُّؤ غير صحيح، لأن الآية التالية تُظهِر قصد القديس بولس، وهو أن مجد جسد القيامة من بين الأموات يفوق كل أمجاد الأجسام المادية الأخرى: الشمس والقمر والنجوم، بالرغم مما بينها من تفاوت في المجد أما أنه يوجد ”تنوُّع“ - وليس تفاوتاً في درجة المجد - فهذا أمر معقول. فجسد الشهيد المسيحي المُثخن بالجراح وآثار التعذيب الوحشي الذي انتصر على قوات العالم المُعادي للمسيح، احتملها الشهيد بطريقة تختلف عن الطريقة التي انتصر فيها الناسك أو العذراء على الشهوة، أو عن الطريقة التي انتصر بها المعلم الكنسي المسيحي على قوى الضلال في التعليم في زمن انتشار الهرطقات. ولكن كما قال القديس بولس، فإنَّ الجميع على حدٍّ سواء سوف يتمتعون بنفس القدر من الغبطة والسعادة السماوية، إذ لن يكون سوى مجد واحد للكل، إذ أننا كلنا سنصير أبناء الله في المسيح يسوع ابن الله الوحيد ولأن الله عادل، فلن يكون ظلم في السماء. فما يبدو هنا على الأرض أنه تعارُض مع العدل أو جَوْر أو ظلم، فهذا يُعتبر بالنسبة لحياتنا الحاضرة المؤقتة نوعاً من الأنانية والتمركُّز حول الذات؛ أما في السماء، فالوضع يختلف، لأن الحياة هناك لن تكون نابعة من عطايا بشرية، بل كلها من نعمة الله المجانية للجميع. وكما يقول القديس أُغسطينوس: [لن يكون هناك حسد بسبب عدم تساوي في المجد، لأن المحبة الإلهية الواحدة هي التي ستسود على الجميع]. وليمة عُرْس الحَمَل: كل أعضاء جسد المسيح، وهم المدعوون إلى وليمة عُرْس الحَمَل المسيح: «طوبى للمدعوِّين إلى عشاء عُرْس الخروف» (رؤ 19: 9)، وهم الذي ذكرهم المسيح: «فيُرسل حينئذ ملائكته ويجمع مختاريه من الأربع الأرياح من أقصاء الأرض إلى أقصاء السماء» (مت 13: 27)، فهناك تكتمل الصورة الكاملة للكنيسة حيث تحتفل بعُرسها – أي اكتمال اتحادها الأبدي بالله – ويصفها القديس يوحنا الرائي كأنها عروس المسيح في يوم زفافها: «وأنا يوحنا رأيتُ المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مُزيَّنة لرجلها» (رؤ 21: 2)، مُحْتَفَى بها في مدينة الله الجديدة: «الروح والعروس يقولان: تعالَ» (رؤ 22: 17) وكما أن مَهْر العروس يسبق الزواج، هكذا المسيح قدَّم العطايا ليجعل العروس (أي البشرية المؤمنة به) تتمتَّع بالحياة الأبدية، كما قال هذا القديس يوحنا ذهبي الفم. والعطايا هنا هي: «مَن يعطش فَلْيأتِ، ومَن يُرِد فلْيأخذ ماء حياة مجاناً» (رؤ 21: 2). وماء الحياة هو شخص المسيح نفسه الذي سيكون مركز حياة المؤمنين المطوَّبين في السماء، وسيكون المسيح في هذه الرؤيا في صورة الحَمَل، بينما امرأته هي الكنيسة أي البشرية المفديَّة والممجَّدة في السماء: «لنفرح ونتهلَّل ونُعْطِهِ المجد، لأن عُرْس الخروف قد جاء، وامرأته هيَّأت نفسها... وقال لي: ”اكْتُبْ طوبى للمدعوِّين إلى عشاء عُرْس الخروف“. وقال: ”هذه هي أقوال الله الصادقة“» (رؤ 19: 7-9) أما الصورة الرمزية العكسية (رؤ 17: 4) فهي عن بابل رمز أورشليم الأولى، أي رمز العالم الحاضر الساقط، وفيها تظهر امرأة تبدو متسربلة بملابس مبهرجة رمزاً للإثم، وفي يدها كأس من ذهب مملوءة من رجاسات ونجاسات زناها. وتنتهي وليمة عُرْس هذه المرأة بانتهاء الأرض الأولى والسماء الأولى، وخَلْق أرض جديدة وسماء جديدة (رؤ 21: 1). ويأتي رمز أورشليم الجديدة، حيث الله والحَمَل يصيران موضوع العبادة والسجود، وحيث الحقيقة الجديدة في الدهر الآتي، وهي: «هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعباً، والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم. وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد، لأن الأمور (أنظمة وأنماط الحياة) الأولى قد مضت» (رؤ 21: 4،3). تسبحة الثالوث الأقدس:- وتتردَّد أصداء هذه الأفراح في ”وليمة عُرْس عشاء الحَمَل“، أي المسيح، إلى الأبد، وهي تسبيح الثالوث الأقدس ولا أفراحَ أخرى ولا تسبيحات غير هذه التسبحة تبثُّ المزيد من البهجة والفرح لشركة القديسين الله واحدٌ هو، غير منقسم إنه مُعطي الحياة للجميع، وفادي الجميع لقد سبق أن خُلِقَت هذه الخليقة، ثم سقطت في الموت، ثم افتُديت، وسوف تتمجَّد بحسب وعود الله في الحياة الأبدية في الدهر الآتي الله الآب خالق الكل، والمؤمنون يحتفلون ويُسبِّحون الآب، والابن الذي «به كان كلُّ شيء، وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس» (يو 1: 4،3)، والروح الأزلي الذي من خلاله يتكلَّم كلمة الله إلينا لقد دعانا الآب إليه من الظلمة إلى نور ابن محبته فالآب هو الله الحقيقي لقد كان الفداء هو العمل الأساسي للابن الذي أرسله الآب لنا نحن البشر، ومكَّننا الروح القدس أن ننال كل ما فعله الابن من أعمال الفداء ومنذ ما قبل الدهور والأزمنة، كان الابن مولوداً من الآب، كما يولد النور من النور وهكذا أتى الابن ليُخلِّصنا من الموت، لذلك قيل «فيه (في المسيح) كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس» فالابن هو الإله الحق من الإله الحق أما عمل تكميل وتحقيق كل شيء فهو منوط بالروح القدس، الذي قال عنه المسيح بأنه هو الذي «سيُرسله الآب باسمي» (يو 14: 26). فالروح يمكث فينا ليجعلنا نتغيَّر إلى شكل المسيح «إذا أُظهِرَ، نكون مثله، لأننا سنراه كما هو» (1يو 3: 2) أي أن رؤيتنا للمسيح في مجده في السماء، بانفتاح أعيننا لنراه كما هو، سوف تجعلنا نتغيَّر لنصير مثله! فالروح القدس هو الله إن سرَّ الله الثالوث هو: الله الآب، والله الابن، والله الروح القدس؛ وهذا هو الله الواحد. فهو الآب ضابط الكل، في ابنه ”كلمته الأزلية“، في روحه القدوس، الله الواحد. فالآب يُعطينا، من خلال ابنه المولود قبل كل الدهور، وفي الروح القدس روحه الأزلي. آمين: كلمة ”آمين“ هي آخر ما ننطق به بعد تلاوتنا لقانون الإيمان ابتداءً من: ”نؤمن“ إلى ”آمين“ والآن، من كلمة ”نؤمن“ (أول قانون الإيمان)، إلى ”وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي“، كلها تُثير فينا القول آمين.
المزيد
07 سبتمبر 2024

الحياة الأبدية ج2

”وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي، آمين“(قانون الإيمان) مساكن الأبرار (تابع) نهاية حياة الغربة على الأرض: يُشير الرب يسوع إلى الراحة النهائية للمؤمنين بهذا الوصف: «... أنا أمضي لأُعِدَّ لكم مكاناً. وإنْ مضيتُ وأعددتُ لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً» (يو 14: 3،2) الله كُلِّي القدرة يسكن: «في الموضع المرتفع المقدَّس» (إش 57: 15؛ «في العلاء» 33: 5)، «من السموات نظر الرب، رأى جميع بني البشر. من مكان سُكناه تطلَّع إلى جميع سُكَّان الأرض» (مز 33: 14،13؛ 24: 3؛ 91: 1) والمؤمنون السائحون على الأرض ينتظرون «المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله» (عب 11: 10). ولكن هذا الموضع مختلف عن أيِّ موضع آخر يعرفه الساكنون على الأرض. فالكتاب المقدَّس يتكلَّم عن السماء ويُصوِّرها بأوصاف تفوق تماماً حدود الخليقة المنظورة، كما قال عنها القديس بولس حينما قال إنَّ المسيح: «صعد أيضاً فوق جميع السموات لكي يملأ الكل» (أف 4: 10). لذلك، فـ ”الموضع“ يجب أن لا نفهمه على أنه مكان آخر في هذا الفضاء المحيط بنا في الزمان والمكان الله لم يترك ”الغرباء“ على الأرض، بل أعدَّ لهم مسكناً في حياتهم الآتية في الدهر الآتي. فالوحي الإلهي يتحدث عن ”مسكن“ للمؤمنين بعد الدينونة الأخيرة، إنه ”سماءٌ جديدة“ و”أرضٌ جديدة“ (2بط 3: 13؛ رؤ 21: 1؛ إش 65: 17؛ 66: 22) وفي ”أورشليم الجديدة“ سوف ”يسكن“ القديسون المُمجَّدون في الأجساد المُمجَّدة الجديدة التي استُعيدت لهم عند قيامة الأجساد. وهنا تظهر أهمية الوصايا السلوكية الآن في هذا الدهر، فطاعتها الآن [هي التي نتعلَّم منها على الأرض تلك المعرفة التي سوف تكتمل معنا هناك في السماء] – القديس جيروم. الرب نفسه هو الهيكل:- لم تَعُد القِبْلَة (اتجاه النظر والصلاة) إلى الهيكل في أورشليم الأرضية، كما كان عند اليهود قبل هدمه سنة 73م؛ بل صارت نظرتنا وقِبْلَتُنا تجاه الرب يسوع نفسه: «ولم أرَ فيها هيكلاً، لأن الرب الله القادر على كل شيء، هو والخروف (الحَمَل) هيكلها» (رؤ 21: 22). وليست وجهة عيوننا الآن إلى الشرق إلاَّ انتظاراً للمجيء الثاني للمسيح الذي سيكون هيكلنا ومسكننا الحقيقي في السماء الدافع الهادي لرؤيا يوحنا الرائي هو حضور الحَمَل القائم من بين الأموات، ولكن عليه آثار الذبح على الصليب (رؤ 22: 1)، والذي نحوه تُوجَّه التسبيحات الدائمة التي لا تتوقف لا من الأرض ولا من السماء. العمل المبارَك في السماء:- كل المطوَّبين في السماء سيتَّحدون معاً في العبادة لله والحَمَل (رؤ 4: 8؛ 5: 10،9؛ 7: 4-11)، وفي خدمة الله والحَمَل (رؤ 22: 3). وكل القدِّيسين «... يخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، الجالس على العرش يَحِلُّ فوقهم. لن يجوعوا بعد، ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحَرِّ» (رؤ 7: 16،15). إنهم يُسبِّحونه تسبحة الله. السماء ستكون موضع الموسيقى والألحان! وحتى الأبرار فإنَّ [الملائكة سوف تُسبِّح الله من أجلهم] – القديس هيبوليتس. إنه لا يمكن أن توجد سعادة كاملة إنْ أحس صاحبها بإحساس دائم وراسخ بأنها لابد أن يكون لها نهاية إنْ آجلاً أو عاجلاً؛ بينما السعادة الكاملة لابد أن تكون سعادة أبدية، كما يقول القديس أُغسطينوس السعادة الأبدية التي لا يمكن أن تنتهي هي الهناء المطلق، لأن كل نوع آخر من السعادة الأرضية هو عُرضة للإدراك الكئيب بأنه لابد أن يكون له نهاية وشيكة. أما التمتُّع بالوجود في حضرة الله فهو الابتهاج «بفرح لا يُنطَق به ومجيد» (1بط 1: 8)، حيث يرتفع الفرح إلى أعلى درجة من التعبير، كما يصفه القديس كبريانوس ويؤكِّد القديس يوحنا الرائي في رؤياه على تشبيهاته التي يستخدمها للتعبير عن الفرح الذي يختبره الشعب المفدي في السماء بأقصى ما يمكن من رؤى العين والخيال ولكن يجب أن نتنبَّه إلى أنه بالرغم من أن هذه التشبيهات المستخدمة تتضمن ما يُشبه المُتع التي في الحياة الأرضية، إلاَّ أن هذه المُتع الأرضية لا مكان لها في حياة الدهر الآتي. لأن كل هذه المُتع الأرضية يمكن أن يتمتَّع بها الإنسان إلى حين فقط، ثم يتبعها الإشباع ثم الذبول والنضوب ما يبعث في الجسد والنفس الاكتئاب والحسرة على عدم دوامها، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم أما أفراح السماء فهي نبع لا ينضب وكنز لا ينفد، حيث لا يبليه عث ولا سوس، ولا يسرقه سارق (لو 12: 33)، إنه «إكليل المجد الذي لا يبلَى» (1بط 5: 4). فالسعادة في السماء التي سيسعد بها القدِّيسون ستكون طاهرة تماماً، روحية تماماً، وذات طبيعة أرقى بما لا يُقاس، ما لا يمكن تشبيهه بأيِّ عمل جسدي أرضي، لأن السماء - بحسب قول القديس غريغوريوس النيسي - هي وحدها الحياة الدائمة الأبدية وصاحب سفر المزامير يُبارك الرب الذي يُسكِن جسده في القبر مُطمئناً، وسوف يملأه فرحاً في حضرة الله: «أمامك شِبَعُ سرور، وفي يمينك نِعَمٌ إلى الأبد» (مز 16: 11) والإرادة المُمجَّدة التي للمطوَّبين يصفها القديس هيبوليتس هكذا: [هناك سيسكن الأبرار منذ البداية غير محكومين بغريزة، بل متمتعين دائماً بالتأمُّل في البركات الإلهية]. لا عوائق أمام الحياة الكاملة:- بالقيامة والدينونة النهائيتين، يُشارك جسد الإنسان البار في الطوبانية الموعودة للمؤمنين، ما أسماه القديس بطرس الرسول في رسالته الثانية 1: 4: «وَهَبَ لنا المواعيد العُظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية». وهذه هي غاية التجسُّد والفداء النهائية: استعادة ما فقدته الطبيعة البشرية بسقوط آدم، أي الممارسة الكاملة للإرادة الحُرَّة كتمجيد وانعكاس للعطية الإلهية الثمينة. البركات المختصة بالتحرُّر من الموت والخطية:- وهذا ما يسأله المؤمن: لأيِّ حدٍّ سيتحرر المؤمن من عوائق الخطية والموت؟ إن أولى البركات للمؤمن البار هي انتهاء الخطية وأسباب الخطية، أي تحريض الجسد على الخطية. فالشيطان يعرض بضاعته عن طريق عرض ملذات الخطية، والجسد يستجيب، والعالم يُضلُّ. أما في السماء، فلا توجد شهوات جامحة، ولا خطية، ولا الألم الذي يتبع الخطية، ولا الحزن، ولا المرض، ولا الموت الذي هو نتاج المرض والألم. كما لن يكون أي اضطراب عقلي أو عصبي، ولا الفساد الأخلاقي، ولا تأثيرات الأشرار: «هناك يكفُّ المنافقون عن الشَّغْب» (أيوب 3: 17). والأبرار سوف يكونون منفصلين عـن «الكـلاب والسَّحَرة والزنـاة والقَتَلَـة وعَبَدَة الأوثان، وكـل مَن يُحِبُّ ويصنع كذباً» (رؤ 22: 15). انعدام الغواية:- في السماء لن تكون غواية لا للجسد ولا للنفس، بل مع وجود الحرية الكاملة، فلن يكون هناك حساسية قلق ولا خطية. فبسبب غياب الغواية، فهناك تكون الحرية من إمكانية الخطية. ففي السماء لا إمكانية للخطية بسبب عدم وجود الموت. وكما يقول القديس أُغسطينوس: [فالسعادة تبقى ناقصة غير كاملة إذا لم يكن هناك غيابٌ للخطية] فالأجساد المُمجَّدة في المدينة السماوية قد وُعِدَت بالتحصُّن ضد غوايات الزنا، والجوع، والعطش، والقلق على الجسد العتيق، كما وُعِدَ في أسفار العهد الجديد: (رؤ 7: 16؛ 1كو 6: 13؛ مت 22: 30؛ 1كو 15: 43،42). الراحة من الجهاد:- يصف القديس بولس في رسالته للعبرانيين الحالة النهائية للأبرار بأنهم: «... يدخلوا راحتي» (عب 4: 1-6)، أي الراحة من حروب الجهاد ضد الخطية. إنها راحة من تناقضات الوجود البشري تحت أغلال الخطية. هذه الراحة ليست تراخياً أو كسلاً، بل حيوية الانفكاك من أغلال غوايات الخطية، بسبب قيامة الأجساد بطاقة روحية عالية، هي طاقة التحرُّر من الخطية والموت. إنها راحة التسبيح أكثر من كونها كسلاً أو نوماً (رؤ 14: 3؛ 1كو 12: 9) وبعد الدينونة النهائية، فلن يُصيب المؤمن أسباب ونتائج الخطية، إذ يكون قد تحرَّر من كل ما يمكن أن يصرف النفس عن التحديق في الله، أو يفصم الإنسان عن الاتحاد بالله؛ ولكن دون دموع أو آلام أو قيود تُسبِّبها الخطية: «وسيمسح الله كل دَمعة من عيونهم، والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت» (رؤ 21: 4) والنفس التي تعبت لن تجد راحتها إلاَّ في الحضن الإلهي، ولن تطلب إلاَّ شيئين اثنين أكثر من أي شيء آخر: أن تتمتَّع – بلا توقُّف – باتحادها وشركتها في الله بـالروح القدس الذي هو الله، وأن تكون متحصِّنة ضد كل شك في حقيقة أنها ستبقى للأبـد في هــذا الحضن الإلهي آمين. (يتبع)
المزيد
06 سبتمبر 2024

مائة درس وعظة (٤٦)

الالتقاء بالمسيح "آتي إليك" تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم(مت ۲۸:۱۱) الإنسان لا يتغير إلا بالنعمة، والنعمة لا تأتى إلا عندما نجاهد روحياً، ونحن لا نرغب إلا عندما نطلب باشتياق ما هو فوق، نطلب المسيح.قيمة الإنسان تقاس بقوة شخصيته وبنائه الداخلي، وليس في ماله أو منصبه لكن الإنسان أمام أمور كثيرة في العالم ضعيف للغاية.فمثلاً إنسان جبار مثل شمشون، أحد قضاة بني إسرائيل تتخلى عنه نعمة الله عندما يسقط في شهوات نفسه، ويسقط أمام دليلة. فقيمة الإنسان في قوته الداخلية. وفي نفس الوقت فتاة صغيرة مثل يوستينا الشهيدة مجرد اسمها يهزم الشياطين. أولاً: أناس ذهب إليهم المسيح ١- سمعان الفريسي ذهب إلى بيت سمعان الفريسي.. وكانت زيارة المسيح له لكي يكشف معدن هذا الإنسان، ويضعه في مقارنة أمام المرأة الخاطئة وهي التي تفوز (لو ٣٦:٧-٥٠) ٢- المرأة السامرية ذهب المسيح للمرأة السامرية عند البئر. ٣- زكا العشار قابله عند الشجرة، وهي ترمز إلى الصليب، فالمسيح أراد أن يقابل زكا عند خشبة الصليب "الشجرة" ليقدم له الخلاص. يذهب المسيح لهؤلاء الناس لأجل ثلاثة أسباب: أ- خلاص نفوسهم لكي يعرفوا المسيح ب- شفائهم الروحى شفاء أمراضهم وشفائهم من الخطية. المخلص. ج- إقامة الموتى فى مراحل مختلفة كإقامة ابنة يايرس أو إقامة ابن أرملة نايين أو إقامة لعازر. ثانياً: أناس ذهبوا إلى المسيح . قد يكونون سمعوا عنه بحثوا عنه مثل: ١- المرأة الكنعانية كانت تصرخ بحرارة ارحمني يا سيد يا ابن داود (مت ٢٢:١٥). ٢- نازفة الدم التي كانت كل أمنيتها أن تلمس هدب ثوبه (مت ۲۰:۹). ٣- أصدقاء المفلوج أصحاب الإيمان بصانع المعجزات الذي يستطيع أن يشفى صديقهم (مر ۳:۲). أسباب الجاذبية في شخص المسيح والتي جعلت الناس تريد أن تتقابل معه. ١- المخلص الوحيد ليس بأحد غيره الخلاص (أع ١٢:٤)، هو المخلص الوحيد من الخطية التي هي داء الإنسان. ٢- الراعى الصالح المسيح هو الراعي الصالح الذي يرعى الإنسان على حسب تعبير الكتاب "الرب راعى فلا يعوزني شيء" (مز ۱:۲۳)، رعاية الله للإنسان رعاية دائمة لا يحدها زمان ولا مكان. ٣- باب السماء أي هو الوسيلة الوحيدة التي تصل الإنسان بالسماء «اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق (لو ٢٤:١٣). ٤- القادر على كل شيء: «القادر على كل شيء» (رؤ ٧:١٦) ، هو الذي يستطيع أن يحول الخوف إلى شجاعة واليأس إلى رضا والحزن إلى فرح... ٥- المعلم الصالح المسيح هو الذي يعلم الإنسان السلوك المسيحى الراقي الذي يهذب الروح ويرفع من إنسانيته. ٦- المعطى القوة المسيح هو الذي يعطى قوة النعمة "تكفيك نعمتی" (۲ کو ۹:۱۲). ثالثاً: خطوات تساعدك على الالتقاء بالمسيح :- ١- اثبت اثبت في إيمانك وأقوى تعبير عن الإيمان المزدهر هو سير القديسين وأبطال الإيمان، فلا تجعل إيمانك شكلياً. ٢- حاول: حاول أن تدرك محبة الله نحوك الله يتحرك نحوك بالحب، فعليك أن تدرك مقدار هذه المحبة. ٣- تحرك تحرك نحو الله دائماً بالصلاة فالمسيح علمنا أنه ينبغى أن نصلى كل حين. وهذا معناه كن في حركة اقتراب دائمة نحو الله. ٤- اجعل اجعل لك عملاً يعبر عن محبتك لله إن كان بالخدمة أو بأعمال الرحمة .. فعندما تلتقى بالمسيح سيعطيك قوة خاصة.. فيوسف الصديق نال قوة داخلية أمام إغراء امرأة فوطيفار وإسطفانوس الشهيد الأول أيضاً نال قوة داخلية أمام راجميه.. إذا فأنت الرابح في الحالتين عندما يزورك مسيحك من خلال النعمة أو عندما تسعى أنت لتلتقى به وتكون النتيجة أن تشعر بهذه القوة في داخلك وأنه يرافق طريقك في كل يوم. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
05 سبتمبر 2024

بدعة الرسليين(شهود يهوه فيما بعد)

مؤسّسها شارل تاز رسل Charles Taze Russel (1852-1916) وهو تاجر أميركي ميسور الحال، قادته الصدف وهو بعد حدثاً إلى الاتصال بجماعة المجيئيين فانضمّ إليهم، وعنهم أخذ حب دراسة الأسفار المقدسة، وخصوصاً النبوّات المدوّنة فيها في أثناء انكبابه على دراسة الكتابات المقدسة استخرج رسل (Russel) عدة نبوّات عن مجيء المسيح ثانية، وابتداء الحكم الألفي، متوهماً أنّ باستطاعته تحديد تاريخ مجيء المسيح بالضبط. وقد حمله الحماس على تكريس وقته للتأليف والنشر، فأصدر عدة كتب، أضخمها كتاب في سبعة مجلدات، ضمنها أبحاثاً مسهبة غامضة، وتآويل مبهمة في غالبية موادها. ومع أنها مسندة بشواهد كثيرة من الكتاب المقدس، إلا أنها جاءت مخيّبة أمل القارئ المدقق، لأنّ تلك الشواهد كُلّفت بإثبات أمور لا علاقة لها بالمواضيع المدرجة. ولعل أسوأ ما في الأمر، هو محاولته تفسير النصوص وفقاً لأهوائه. وبذلك فرض على الكتاب المقدس أن يتكلّم بما ليس فيه وزيادة على ذلك أصدر رسل (Russel) عدداً وفيراً من النبذ والجرائد، أطلقها بعد حملة دعائية صاخبة في الصحف، وفي السينما حيث عرض فيلماً بعنوان «مسرح الخليقة» وبديهي أن يؤخذ رسل بالزهو، وحتى ليحمل على الادّعاء بأنّ مؤلفاته أعظم ما وجد في العالم بعد هذه الحملات الدعائية. ولكنّ هذا الزهو كان أمام الحقيقة كفقاعات الصابون أمام الهواء. ففي العام 1916م مات مشككاً، لأنّ شيئاً مما تنبّأ به لم يتم. وهكذا ذهبت كل تفسيراته للنبوّات أدراج الرياح، وتبعاً لذلك صار مجلّده السابع في دراسة الكتاب المقدس قبضة من الريح. نشاطات الرسليين 1872م. - في هذا العام وجّه رسل دعوة إلى أصدقائه، فاجتمعوا في مدينة بتسبرغ للاشتراك معه في دراسة شاملة للنبوّات عن مجيء المسيح الثاني، وإقامة ملكوت الله على الأرض. وبعد الدرس الموسّع، حُدّد عام 1874م. تاريخاً أكيداً لمجيء المسيح. 1874م. - في هذا العام مُني رسل بخيبة أملٍ أخرى كبرى لأنّ نبوّته عن المجيء الثاني لم تتحقق. وبديهي أن يحصد خيبة مؤلمة كهذه، لأنّه في تفسيره النبوات لم يُقِم وزناً لما قاله الرب في إنجيله بحسب (متّى 24: 36). حيث أكّد الرب أكثر من مرة أنّ أحداً لا يعلم اليوم والساعة التي يأتي فيها. 1876م. - في هذه السنة، زعم رسل أنّ المسيح جاء فعلاً وإنّما بصورة غير منظورة. وقصده من هذا الزعم أن يغطي الفشل الذي أصابه. ولكن محاولته هذه لم تنجح، لأنها صُدمت بالحقائق الواردة في سفر أعمال الرسل ورسائل بولس، التي تصف الكيفية التي فيها يجيء المسيح. 1878م.- في هذه السنة شعر رسل بأنّه بلغ حداً من القوّة بحيث يستطيع العمل في معزل عن المجيئيين، فانفصل عنهم مع محبّذيه من الأصدقاء. 1879م. - في هذه السنة أصدر رسل العدد الأول من مجلة «برج المراقبة»، التي ما زالت تصدر بمقالات شتى بأقلام جماعة شهود يهوه. 1880م. - في خلال هذه السنة، أصدر رسل منشوراً حدّد فيه نهاية هذا العالم الشرير، وذلك سنة 1914م. - وهذا التاريخ صار فخّاً لكثيرين، بسبب إندلاع نار الحرب العالمية الأولى. فانجذب العديد من الناس إلى تصديق زعمه. فحدث اضطراب لدى الكثيرين مما حملهم على تصفية أعمالهم، والتصرف بثرواتهم، بحيث لم يبقوا معهم من المال إلا ما ظنّوه كافياً إلى الوقت الذي فيه يُخطَفون لملاقاة الرب في الهواء (1 تسالونيكي 4: 17). 1898م. - في هذا العام، تقرّب ألكسندر فرايتاغ من الرسليين، وهو سويسري تأثر بتعاليم الرسليين إلى حد بعيد. إلا أنّه لم يلبث حتى خرج عن طور التابع إلى طور المعلّم الذي يفرض آراءه الشخصية. ومع أنّ أفراد هذه الجماعة أهملوا أفكاره عدّة سنوات إلا أنها أخذت تظهر ابتداءً من العام 1917م. 1904م. - في هذه السنة رفع المعتبرون من هذه الشيعة شارل تاز رسل إلى رتبة القسوسية، وذلك في حفل عظيم. 1909م. - نقل الجماعة مقرّ جمعيتهم في هذا العام من بتسبرغ إلى نيويورك (بروكلن) وهنا ارتأوا أنّه من المفيد لتسللهم بين المسيحيين أن يزيلوا عنهم اسم الرسليين، وأن يطلقوا على أنفسهم اسماً جديداً عليه طلاء من الشرعية. وكان الاسم المختار: (جمعية تلاميذ التوراة). 1914م. - لم تحدث في هذا العام نهاية العالم الشرير واختطاف الكنيسة كما تنبّأ رسل، بل إلى جانب الكارثة التي حلّت بالعالم من جرّاء الحرب، أتى هذا العام بكارثة أشدّ هولاً بالنسبة لتلاميذ التوراة، لأنّ نبوّاتهم لم يتحقق منها شيء، الأمر الذي أثار اليأس في نفوس المشرفين على الجمعية، فانفرط عقدهم إلى حين. 1916م. - في الربع الأخير من هذا العام توفي شارل تاز رسل، فانقسمت الجمعية على ذاتها، وتوزّعت في فِرَقٍ شتّى يربو عددها على العشرين، ادّعت كل واحدة منها أنها هي الوارثة الشرعية لعقيدة القس المتوفَّى. وبالرغم من اختلاف أوجه التعليم في ما بينها زعمت كل فرقة أنها الحائزة على الحقيقة وحدها ومع أنّ الحركة مُنيت بالانقسام، فقد بقي عدد كبير منها موالياً لرسل. وهؤلاء الموالون تجمّعوا حول القاضي روتفورد، وأقاموه رئيساً عليهم. وقد تميّز هذا الرجل بنشاط واسع في عالم الكتابة، فألّف عدة كتب. منها: قيثارة الله، المصالحة، النجاة، الخليقة، حياة، خلاص، الأعداء، يهوه. يُضاف إلى ذلك عدد كبير من النبذ في تلك الحقبة من الزمن وجد فرايتاغ أنّ الفرصة قد سنحت له لكي يستغلّ مكانته كمشرف على مكتب الجمعية ليبثّ أفكاره الشخصية التي تجاوزت في ضلالها كل تعاليم رسل. 1917م. - نشر فرايتاغ في هذا العام بعضاً من أفكاره الشخصية على صفحات مجلته الأسبوعية، فأثار بذلك حفيظة زملائه، فهبّوا لمقاومته بكل عنف. 1920م. - في هذه السنة أُثيرت حملة عنيفة ضد أفكار فرايتاغ، فهبّ للدفاع عن نفسه بمجموعة من المنشورات الشديدة اللهجة. ثم لم يلبث أن تحوّل إلى الهجوم، مقرراً أنّ مشايعي روتفورد هم كنيسة لاودكية المرتدة الفاترة التي عزم الرب على أن يتقيأها من فمه. واتهمهم بتحوير تنبؤات رسل عن مجيء المسيح الثاني، من 1914 إلى 1918م. فانبرى له القاضي روتفورد، ونشبت بينهما مشادة عنيفة، انتهت أخيراً إلى الانفصال عندئذٍ أنشأ فرايتاغ شيعة مضللة جديدة سمّاها «أصدقاء الإنسان». وسنّ لها قوانين جعلتها من أشد الهرطقات ضلالاً. ولكن جمعيته نفسها لم تدم طويلاً حتى انقسمت بعد وفاته، بسرعة لم تكن متوقعة. وقد ذُهل أصحابه فعلاً، لأنّه كان يزعم بأنّ الحياة الأبدية بالنسبة لمن يسمع تعليمه ستكون على الأرض. 1931م. - بعد أن انفصل فرايتاغ عن جمعية تلاميذ التوراة، عقيْب الضجة التي انطلقت خلال المشادات، وجد القادة أنهم لا يستطيعون بعد الآن البقاء تحت الاسم القديم. لذلك عقدوا مؤتمراً عاماً في هذا العام برئاسة روتفورد قرروا فيه: أولاً: تغيير اسم شيعتهم، فدعوا أنفسهم «شهود يهوه». ثانياً: متابعة إصدار منشوراتهم باسم «الجمعية العالمية لتلاميذ التوراة» كتاب (ليكن الله صادقاً، الذي نشر بالفرنسية عام 1948م). 1939م. - ظهرت خلال هذا العام نشرات ونبذ جديدة تختلف بالشكل عن منشورات شهود يهوه، ولكنّها تتفق بروحها مع تعاليم رسل المضلّة. وتلك النشرات وزّعها أناس ينتمون إلى فرقة جديدة من فِرَق تلاميذ التوراة دعت نفسها «الفجر» أحياناً ورسل الفجر الألفي أحياناً أخرى. 1942م. - توفّي القاضي روتفورد في 8 كانون الثاني (يناير) من هذا العام، فانتقلت زعامة شهود يهوه إلى ناثان كنور، الذي كان قبلاً يشغل رئاسة قسم الدعاية في الجمعية. وهو الذي أسّس مدرسة برج المراقبة، التي يتخرّج منها عدد ضخم من مبشّري شهود يهوه كل سنة. 1947م. - في هذا العام توفّي ألكسندر فرايتاغ، الذي زعم أنّه لن يرى الموت. ولذا كان موته المفاجئ خيبة قاسية لأتباعه من «أصدقاء الإنسان» الذين صُدموا، وغزا الشك قلوبهم، وزرعت التفرقة بينهم، بحيث أنهم لم يستطيعوا أن يختاروا خلفاً للمتوفّى ليرعى قطيعهم. ولكن قسماً كبيراً منهم التفّ حول المدعو رافينير، فأجلسوه على كرسي الرئاسة في قصر كارتينيي في جنيف. ومن هناك أصدر العدد الأول من جريدته «معلّم ملكوت البر» أمّا الآخرون فتبعوا برنارد سايرس، الذي أُطلق عليه اسم «الراعي الأمين» وجعل فرنسا مقراً دائماً له. ومن هناك بدأ بإصدار جريدته «ملكوت العدل والحق» وفي هذا العام أيضاً أصدر تلاميذ التوراة «رسل الفجر الألفي» أول عدد من جريدتهم «الفجر» وبعد ذلك بسنوات قلائل أخذوا يبثون تعاليمهم من دار إذاعة مونت كارلو، تحت عنوان «بيير توماس». 2 - تعاليم شهود يهوه «اِحْتَرِزُوا مِنَ ?لأَنْبِيَاءِ ?لْكَذَبَةِ ?لَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ ?لْحُمْلاَنِ، وَلَكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!» (متّى 7: 15)
المزيد
04 سبتمبر 2024

وننتظر قيامة الأموات

إننا نؤمن بقيامة جميع الأموات: الأبرار والأشرار حسبما ورد في إنجيل يوحنا "تأتي ساعة يسمع فيها جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو 5: 28، 29) كانت قيامة السيد المسيح باكورة لقيامتنا جميعًا أن الإصحاح 15 من الرسالة الأولى إلى كورنثوس كله عن قيامة الأموات يقول الرسول "قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة للراقدين فإنه إذ الموت بإنسان أيضًا قيامة الأموات ولكن كل واحد في رتبته المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه" (1كو 15: 20- 23) وسنقوم بأجساد روحانية سماوية غير مادية وهكذا قال الرسول عن جسد القيامة " يزرع جسمًا في هوان ويقام في مجد" "يزرع في ضعف ويقام في قوة. يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي إن لحمًا ودمًا لا يقدران أن يرثا ملكوت الله" ( 1 كو 15: 42- 50) وقال في موضع آخر "وننتظر مخلصًا هو الرب يسوع الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في 3: 20، 21) أي إننا سنقوم على شبه الجسد الممجد الذي قام به السيد الرب. قيامة الأموات القيامة العامة ستعقبها الدينونة والدينونة تكون في المجيء الثاني للرب لذلك قيل عن الرب "إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله" (مت 16: 27) وقيل أيضًا "متي جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار" (مت 25: 31- 33) وتبدأ الدينونة وتنتهي بعبارة "فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت 25: 46). وقيل في سفر الرؤيا عن الدينونة: "ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم وسلم البحر الأموات الذين فيه وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما، ودينوا كل واحد بحسب أعماله وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني وكل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طرح في بحيرة النار" (رؤ 20: 12-15). في القيامة سيختطف الأحياء على الأرض، وتتغير أجسامهم يقول الرسول أن الذين سبق رقادهم، سيحضرهم الرب معي في مجيئه (1تس 4: 14). لأن الرب "سيأتي في ربوات قديسيه" (يه 14) الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب، لملاقاة الرب في الهواء وهكذا نكون في كل حين مع الرب" (1تس 16، 17) وفي القيامة وفي لحظة الاختطاف Rapture، نتغير إلى الجسد الروحاني يقول الرسول "لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير في لحظة في طرفة عين، عند البوق الأخير فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد، ونحن نتغير لأن هذا الفاسد لا بُد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت عدم موت" (1كو 15: 51- 53). أي نلبس الأجساد الروحانية السماوية التي لا تفسد ولا تموت.. إذن ثلاثة أحداث خطيرة ستتم معًا متتابعة. وهي: 1- المجيء الثاني لربنا يسوع المسيح، مع ملائكته وربوات قديسيه. 2- قيامة الأموات: الأبرار والأشرار. 3- الدينونة العامة. كما قال الرسول "لا بُد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح. لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا" (2كو 5: 10). بعد ذلك ينتهي هذا العالم الحاضر كله. وتبدأ حياة الدهر الآتي "كل واحد في رتبته". نهاية العالم الحاضر كما قال السيد الرب من قبل إن السماء والأرض تزولان (مت 5: 18). وقال القديس يوحنا الرائي "ثم رأيت سماء جديدة وأرضًا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا. والبحر لا يوجد فيما بعد" (رؤ 21: 1) وقال أيضًا "رأيت عرشًا عظيمًا أبيض والجالس عليه، الذي من وجهه هربت الأرض والسماء، ولم يوجد لهما موضع" (رؤ 20: 11) ويقول القديس بطرس الرسول عن نهاية هذه الأرض "سيأتي كلص في الليل، يوم الرب. الذي فيه تزول السموات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط 3: 10) وشرح سفر الرؤيا أمورًا كثيرة تمس نهاية هذا العالم وردت في الضربات التي تلحق العالم عندما يبوق الملائكة السبعة (رؤ 8). كذلك ما تكلمت به الرعود السبعة ( رؤ 10: 3، 4). وقال السيد الرب في العلامات التي تسبق مجيئه: "وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء، وقوات السموات تتزعزع" (مت 24: 29) وورد ما يشبه هذا في سفر الرؤيا، عندما فتح الختم السادس (رؤ 6: 12- 16). وحياة الدهر الآتي بعد ذلك يتقدم الرب يسوع، فيسلم الملك لله الآب. وتبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة. ويخضع الكل لله، ويصير الله الكل في الكل. وآخر عدو يبطل هو الموت (1 كو 15: 24- 28) تبدأ حياة الدهر الآتي، في أورشليم السمائية، مسكن الله مع الناس (رؤ 21: 2) بعد أن ينتقل إليها الأبرار المنتظرون في الفردوس الموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا وجع، لأن الأمور الأولى قد مضت. ويقول الجالس على العرش: ها أنا أصنع كل شيء جديدًا (رؤ 21: 4، 5). وأورشليم السمائية لا تحتاج إلى شمس ولا قمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله هو الذي ينيرها، ولا يكون هناك ليل. ولا يوجد فيها إلا المكتوبون في سفر الحياة (رؤ 21: 23- 27) ويتمتع الأبرار بالوعود التي وعد الرب بها الغالبين (رؤ 2، 3) وأيضًا ما أعده الله لمحبي أسمه القدوس: ما لم تره عين ولم تسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر (1كو 2: 9) وحياة الدهر الآتي، هي حياة النعيم الأبدي للأبرار في السماء يعيشون هناك كملائكة الله في السماء (مت 22: 3) وسيكون الله هو نعيمهم وفرحهم "وهم ينظرون وجهه الرب الإله ينير عليهم. وسيملكون معه إلى أبد الآبدين" (رؤ 22: 4، 5). قال القديس بولس الرسول "أننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهًا لوجه الآن أعرف بعض المعرفة. ولكن حينئذ سأعرف كما عرفت" (1كو 13: 12) ليس سهلًا ولا في الإمكان أن نشرح حياة الدهر الآتي إن كان القديس بولس الرسول لما صعد إلى الفردوس، قال إنه "سمع كلمات لا ينطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها" (2كو 12: 4). فماذا يقال إذن عن النعيم الأبدي ماذا يقال عن الحياة مع الله، وكل مصاف ملائكته وجميع الطغمات السمائية، وكل ربوات قديسيه؟! ماذا يُقال في التعرف على كل هؤلاء؟! قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب قانون الإيمان
المزيد
03 سبتمبر 2024

الحياة الأبدية

”وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي، آمين“(قانون الإيمان) هل الأبدية ”زمن لا ينتهي“؟ إن ”الأبدية“ تفوق الزمن، إنها دائمة، بلا بداية ولا نهاية، إنها بلا توقُّف، غير متناهية الأبدية هي استمرار، دوام بلا بداية ولا نهاية أبدية الله هي عدم محدودية الله من جهة علاقته بالزمن ولكن الله الذي بلا بداية صنع ”بداية“ للخليقة الله هو «الآن وإلى كل الدهور» (يهوذا 25)، وحكمة الله كانت ”قبل الدهور“ (1كو 2: 7) الله ممجَّدٌ فوق كل حدود الزمن («قبل إنشاء العالم» - يو 17: 24؛ «قبل تأسيس العالم» - أف 1: 4؛ «قبل الأزمنة الأزلية» - 2تي 1: 9) الله يعلو فوق التوقيت الزمني، وحياته هي حاضر لا يتجزَّأ وغير قابل للانقسام الله يعرف كل الأحداث في فعل واحد من الإدراك، بعكس أنماط المعرفة المحدودة التي للمخلوقات الخاضعة للزمن. ومعرفة الله بكل شيء تحتوي كل الزمن كأنها كلٌّ واحد، ولذلك قال القديس بطرس كلماته المعروفة: «... أنَّ يوماً واحداً عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيومٍ واحد» (2بط 3: 8). وطريقة الله في معرفة الزمن كأنه حادث في وقت واحد، بدون الانغلاق الذي في الذهن البشري الذي يرى تعاقُب اللحظات من ماضٍ إلى حاضر إلى مستقبل وبعكس البشر الذين يعيشون للموت، والخاضعين للزمن، الله وحده ”الرب الإله السرمدي“ (تك 21: 33). ودوام الله يوصف بأنه «ليس عنده تغيير ولا ظل دوران» (يع 1: 17)، فدوام الله هو عدم تغيُّره، لكنه سريع الاستجابة بأمانة للبشر العائشين في إطار الزمن حسب عهده الذي يقطعه مع شعبه. فالله يعمل في الزمن الزمن يختص بالخلائق، باعتبارها متميِّزة عن جوهر الله. ومع خلقة العالم خلق الله الزمن. قبل الزمن لم يكن سوى الله كما يتأمل القديس أُغسطينوس: [لم يكن زمن، وذلك لأنك لم تكن قد خلقتَ أي شيء، ولأنك لم تكن قد خلقتَ الزمن نفسه] الأبدية ليست مجرَّد لازمن، ولا هي زمن لا ينتهي، هي زمن الله. حياة الله ليست فقط غير زمنية، بل هي اختراق الله للزمن، وهي منشغلة دائماً بالتدفُّق الرائع للزمن. أما بالنسبة للكائنات البشرية، فالعكس صحيح، فالبشر يختبرون الزمن على أنه زائل، أما الله فهو يعمل في الزمن (اقرأ مزمور 90 الذي يبدأ هكذا: «يا ربُّ ملجأً كنتَ لنا في دور فدور. من قبل أن تولَد الجبال أو أَبْدَأتَ الأرض والمسكونة، منذ الأزل إلى الأبد أنت الله»). الأبدية بدأت من هنا على الأرض بقيامة المسيح من بين الأموات: «لأن الذين استُنيروا مرة (تعمَّدوا)، وذاقوا الموهبة السماوية (التناول من جسد الرب ودمه)، وصاروا شركاء الروح القدس (مسحة الروح القدس)، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي...» (عب 6: 5،4) وهكذا نحن ننتظر ”حياة الدهر الآتي“ التي لها بداية، ولكن ليس لها نهاية، كما يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي [الله كان، وهو دائماً يكون، ودائماً سيكون، أو بالحري الله كائن دائماً أبداً. لأن ”كان“ و”سيكون“ تُعبِّران عن الأجزاء التي تخص زماننا. فالزمن عندنا يُقاسُ بالشمس، أما الأبدية فتُقاسُ بالأبدي]. الحالة النهائية للأبرار مصير الأبرار هو الحياة الأبدية في الله ومعه دائماً وإلى الأبد، بلا خطية ولا موت، وبالقدرة على التمتُّع بمجد الله. والاسم الذي ذكرته الأسفار المقدسة عن الحالة النهائية الأخيرة للمبارَكين والمُطوَّبين هي الحياة الأبدية. الحياة الأبدية: مصير الأبرار هو: ”الحياة“، وأحياناً يُسمَّى ”الحياة الأبدية“ كما في المواضع الآتية، حيث تتبادَل كلمة ”الحياة“ مع ”الحياة الأبدية“ (1تي 6: 19؛ مت 18: 8؛ وفي آية واحدة استُخدمت الكلمتان – يو 5: 24). فالله الحي يجعل هذه الحياة الجديدة بلا نهاية، وتجديدنا لهذه الحياة الأبدية بدأ في معموديتنا. وهذه الحياة الأبدية تُكمِّل عمل النعمة الذي بدأ معنا في هذه الحياة الحاضرة. وكما يقول القديس هيلاريون أسقف بواتييه، فإنَّ جذور وثمار توبتنا عن الخطية سيُحقِّق قصد الله من الخليقة، والتجسُّد، والفداء، وتكميل خطة الله لحياتنا الأبدية. الحياة الأبدية في حياتنا الحاضرة: إن مفتاح الدخول في الحياة الأبدية مع الله هو ”الحياة“ التي أرسلها لنا الله في ابنه، والتي نتمتع بها في الكنيسة من خلال الأسرار حسب قول يوحنا الرسول: «أيها الأحباء، الآن نحن أولاد الله، ولم يُظهَر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أُظهِر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو» (1يو 3: 2). وكلمة ”مثله“ تعني أن رؤيتنا للمسيح في مجيئه الثاني كما هو قائماً من بين الأموات وحيّاً إلى الأبد، ستنطبع علينا فنصير قائمين للحياة الأبدية وحقيقة تمتُّعنا منذ الآن بهذه الحياة هو حسب الوعد: «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية» (يو 3: 36)، وأيضاً: «الله أعطانا حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه. مَن له الابن فله الحياة» (1يو 5: 12،11). واختبار هذه الحياة يختبرها المؤمن بكل المقاييس بالإيمان ومن خلال الرجاء وفي المحبة فإن كانت مواهب النعمة مثل الفرح الروحي الذي نناله في هذه الحياة هي عربون وبكور ثمار الروح القدس، فإنَّ الحصاد الكامل سوف نجنيه بالكامل وبوفرة في الأبدية، كما يُعبِّر عن هذا الاختبار القديس بولس: «نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضاً نئنُّ في أنفسنا، متوقِّعين التبنِّي فداء أجسادنا» (رو 8: 23)، وأيضاً: «إذ آمنتم، خُتمتُم بروح الموعد القدوس، الذي هو عربـون ميراثنـا، لفداء المُقْتَنَى لمدح مجده» (أف 1: 14،13). مساكن الأبرار في الكتاب المقدَّس يُطلَق اسم ”السماء“ و”السموات“ على مساكن الأبرار في الحياة الآتية هناك حيث يرى القدِّيسون الله. وكلمة ”السماء“ من فعل ”يسمو“ أي ”يرتفع“ عن الأرض التي هي مسكن الخلائق والبشر الذين يموتون. أما الله فلا يَسَعه مكان، لكنه أسمى من أيِّ مكان، فهو في كل مكان. لكن المقصود بالسماء الحالة الأسمى التي تفوق حالة عالمنا الأرضي من جهة محدودية المكان والزمان والجسد والحياة. فالسماء هي ما يسمو ويعلو ويستعصي على حواسنا ومحدودية أفكارنا الآن نحن العائشين في هذا الجسد الترابي. فمساكن الأبرار هي الحالة التي سيتجلُّون فيها، فيستطيعوا أن يروا الله والأمجاد الإلهية التي الآن «ما لم تـَرَ عين، ولم تسمع أُذن، ولم يخطر على بـال إنسان» (1كو 2: 9). وهو يقصد العين والأُذن والبال أو الفكر الذي في الكيان الجسدي الحالي. فـ ”ملكوت الله“ هو الذي سيراه ويسمعه ويخطر على قلب الأبرار الذين سيُوهبون جسد القيامة المُمجَّد الذي يمكنه أن يرى ويسمع ويخطر على فكره وقلبه الحياة العُليا الفائقة على حواس هذا الجسد الذي نلبسه الآن ففي الإيمان المسيحي، السماء هي كِلا المكان والحالة التي فيها يذوق الإنسان البار الراحة الأبدية والفرح الدائم في الرب. وهي التي يُعبِّر عنها القديس بولس: «نكون كل حين مع الرب» (1تس 4: 17)، «أكون مع المسيح» (في 1: 23)، «نتغرَّب عن الجسد ونستوطن عند الرب» (2كو 5: 8). فالسماء هي حيث يرى الأبرار المطوَّبون وبرؤيا جليَّة، يرون الله بانعكاس نور مجده عليهم، ويتمتعون ببركات هذا المجد الإلهي (مت 5: 12؛ 6: 20؛ لو 6: 23؛ 1بط 1: 4). إنها حياة السمو الأعلى عن الحياة الأرضية التي نعيشها الآن، الفائقة جداً حيث حضرة الله السماء هي موضع وحالة المجد والفرح والسلام ما لا يمكن النُّطق به. وعلاماته الجليَّة: النشوة الروحية، القداسة، النور البهي، رؤيا الله، السعادة الفائقة على سعادة الجسد، حضور الرب يسوع المسيح، وكما يصف ذلك سفر الرؤيا: «الذين أسماؤهم مكتوبة في سِفْر الحياة» (رؤ 17: 8). إنهم «أرواح أبرار مُكمَّلين» (عب 12: 23). وباختصار، فالسماء هي الحياة التي أرادها الله الآب لنا، أولاً في خلقته الأولى، حيث نعيشها في الابن، ونُكمِّلها بالروح القدس. والسماء هي المشاركة الكاملة في صلاح الله وطوبانيته والتي لا تنتهي، وكل هذا بسبب الاتحاد بالله. رؤيا الله: هكذا قيل عن المؤمنين حينما يبلغون حياة الدهر الآتي: «وهم سينظرون وجهه» (رؤ 22: 4)، وأيضاً: «... ولكن حينئذ (سننظره) وجهاً لوجه» (1كو 13: 12). والقديس يوحنا يقول: «نكون مثله، لأننا سنراه كما هو» (1يو 3: 3) كل هذه التصريحات مبنية على تعليم المسيح نفسه لتلاميذه، ما هو مسجَّل في أسفار العهد الجديد وما سمعه التلاميذ من المسيح نفسه: «طوبى للأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله» (مت 5: 8). والمسيح صلَّى للآب لكي يرى المؤمنون مجده: «أيها الآب أُريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم» (يو 17: 24). وهذا ما يعمله الملائكة دائماً، الذين قال عنهم المسيح عند حديثه عن الصغار: «إن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات» (مت 18: 10) إن رؤيا الله في حدِّ ذاتها تبعث السعادة والطوبانية في النفس. وكما يقول القديس كليمندس الإسكندري: [إن التطويب الأساسي للمطوَّبين هو رؤيا الله، والتحديق الكامل في صفاته] وتقول القديسة ماكرينا للقديس غريغوريوس النيصي شقيقها الأصغر بأن المطوَّبين سوف يصيرون مثل الله على قدر ما يُحدِّقون في طوبانية الله: [النفس وهي في حالة الطهارة تبلغ إلى شَبَهه (غاية خلقة الله للإنسان على صورته - تك 1: 27)، وهي تُعانقه كمَن يُعانق نفسه]. والنفس سوف [تعرف نفسها على نحو دقيق وحقيقة طبيعتها، وسوف تنظر الطوبانية الأصلية التي انعكست كما في مرآة على طوباويتها هي]. المدينة المنيرة: «يُضيء الرب بوجهه عليك» (عد 6: 25؛ مز 67: 1). يُشبَّه الموضع والحالة التي سيكون عليها الأبرار كأنها مدينة متميِّزة يُنيرها المجد الإلهي الذي سيجعل رؤيا الله ممكنة، كما يقول القديس هيبوليتس: [المدينة مليئة بالنور]. وهكذا يعيش الأبرار في النور الإلهي حينما يكون الأبرار في العالم يكونون مُفرَزين لحياة القداسة. ولكنهم بعد الموت، وحينما تتوقَّف الرؤيا القائمة على انعكاس الضوء من الأجسام المرئية، يبدأون في نظر الثالوث بوضوح بسبب انعكاس نوره غير المحدود عليهم. يُعبِّر عن هذه الحالة القديس بولس الرسول، ولكن بالتعبيرات السلبية: «ما لم تَرَ عين، ولم تسمع أُذن، ولم يخطر على بـال إنسان، ما أعدَّه الله للذين يُحبُّونه» (1كو 2: 9؛ إش 64: 4) هذه اللغة المجازية تُسمَّى أحياناً بـ ”الدَّهش“ و”رؤيا الله“. وقد عبَّر عنها القديس يوحنا الرائي بأنَّ «المدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليُضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والخروف (حمل الله أي المسيح) سراجها (مصباحها). وتمشي شعوب المًخلَّصين بنورها... وأبوابها لن تُغلَق نهاراً، لأن ليلاً لا يكون هناك» (رؤ 21: 23-25)، «ولا يكون ليل هناك، ولا يحتاجون إلى سراج (مصباح) أو نور شمس، لأن الرب الإله يُنير عليهم، وهم سيملكون إلى أبد الآبدين» (رؤ 22: 5). المعرفة والرؤيا الكاملتان: في السماء سيرى المطوَّبون ما كانوا على الأرض يُصدِّقونه بالإيمان. ولكن في السماء سيُعطَى للقدِّيسين معرفة عن الله أعمق، وأعظم بكثير من المعرفة المتقطِّعة المتناثرة التي نُحصِّلها في هذه الحياة الحاضرة، وهذا ما ورد على لسان المسيح في صلاته الشفاعية للآب: «وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلتَه» (يو 17: 3) أما المقارنة بين المعرفة التي نُحصِّلها في هذا الدهر وبين المعرفة التي سيُنعَم بها علينا في الدهر الآتي فيصوِّرها القديس بولس هكذا: «فإننا ننظر الآن في مرآة، في لُغْز، لكن حينئذ وجهاً لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأَعرِف كما عُرِفتُ (أي كما يعرفني الله)» (1كو 13: 12). فالمطوَّبون يسلكون الآن في العالم ”بالإيمان، وليس بالعيان (بالرؤيا البشرية)“ (2كو 5: 7) هذا الإيمان سيتحوَّل إلى معرفة كاملة بالتلاقي مع الله وجهاً لوجه حسب قول المسيح: «وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلتَه» (يو 17: 3). ويقول القديس غريغوريوس النيصي: [العقل سوف يستنير مباشرة بنور مجد الله] هذه الرؤيا بدأت هنا على الأرض في المؤمنين، ولكن بنوع مُعيَّن: «ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغيَّر إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح» (2كو 3: 18) فإن كان القديس بولس استطاع أن يقول هذا عن هذه الحياة الحاضرة، فماذا سيحدث حينما سنرى – ليس كما في مرآة – بل وجهاً لوجه؟ وإن كان القديس بطرس استطاع أن يكتب إلى مختاري الله: «الذي وإن لم تَرَوْه تحبُّونه. ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد، نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس» (1بط 1: 9،8)؛ فماذا يا تُرَى سيكون نوع الرؤيا التي سنأخذها في الأبدية؟ إنه بالنسبة للمعرفة الحاضرة، فأجسادنا الممجَّدة في الدهر الآتي لابد سوف تتجلَّى لتُناسب هذه الرؤيا الجديدة الخارجة والمختلفة عن الرؤيا البشرية في هذا الدهر. (يتبع)
المزيد
02 سبتمبر 2024

الدينونية

بِتتعوّد الكنيسة يا أحِبّائِى وَ نحنُ فِى نهايِة عام قبطِى أنْ تقرأ لنا فصُول عَنْ نِهايِة العالم ،وَ عَنْ الدينُونة ، فالسنة مرّت وَ هذا إِنذار لنا أنّ هذا هُوَ نِهاية لِحياتنا ، وَ بِإِستمرار أخِر إِسبُوعين فِى السنة القِراءات تدُور حُول علامات المجىء الثانِى وَ إِستعلان مجيئه بِما أنّنا فِى نِهاية العام وَ الكنيسة تُرِيد أنْ تُكلّمنا عَنْ الدينُونة ، فأُرِيد أنْ نتكلّم اليوم عَنْ الدينوُنة يمكِن كثيرِين بِيهربوا مِنْ الكلام عَنْ الدينُونة لأنّهُ مُخِيف ، وَ لكِنْ لابُد أنْ ننتبِه إِليهِ ،وَ لابُد أنْ نعرِف أنّهُ تُوجد نِهاية ، وَ تُوجد مُجازاة للأشرار وَ مُكافأة لِلأبرار نقُول جُزء مِنْ سِفر الرؤيا إِصحاح 6 : 15 – 16[ وَ مُلُوكُ الأرضِ وَ العُظماءُ وَ الأغنِياءُ وَ الأُمراءُ وَ الأقوِياءُ وَ كُلُّ عبدٍ وَ كُلُّ حُرٍّ أخفوا أنفُسهُمْ فِي المغايِرِ وَ فِي صُخُورِ الجِبالِ وَ هُمْ يقُولُونَ لِلجِبالِ وَ الصُّخُورِ أسقُطِي علينا وَ أخفِينا عَنْ وجهِ الجالِس على العرشِ وَ عَنْ غضبِ الخرُوفِ ] فأكثر ناس بِنُعطِيهُمْ عظمة وَ كرامة فِى هذا الدهرِ يقُول عنهُمْ كانُوا بِيختبِأوا فِى صُخُور الجِبال مِنْ وجه الجالِس على العرش ، نحِب أنْ نأخُذ فِكرة بسيِطة عَنْ دينُونة يسُوعَ نأخُذ أولاً:- 1- مفهُوم الدينُونة :- فهل أنت يارب ستأتِى لِتُدِين أولادك وَ تُدِين العالم ،وَ ستُفرِّق العالم إِلَى أبرار وَ أشرار ؟ وَ هل الصُورة التَّى تعّودنا عليها صُورة الحمل الهادِىء الّذى لاَ يصيِح ، الّذى[ قصبة مرضُوضةً لاَ يقصِفُ وَ فتيِلةً مُدخِّنةً لاَ يُطفِىءُ ] ( مت 12 : 20 ) فهل ستكُون بِنَفْسَ وداعتك أم ستأتِى غاضِب مُنتقِم ؟ فهل نستوعِب أنّ ربِنا تخرُج مِنْ فمِهِ كلِمات لعنة وَ يقُول إِبعدوا عنِى يا ملاعيِن ،فإِنْ كان ربّ المجد يسُوعَ قَدْ غفر لِصالِبيه حماقتهُمْ وَ قال[ يا أبتاهُ إِغفِر لهُمْ لأنّهُمْ لاَ يعلمون ماذا يفعلُون ] ( لو 23 : 34 ) ، فهل أنت يارب تسترِيح وَ مراحمك تسترِيح عِندما تقُول [ فحيِنئِذٍ لَمْ أعرِفكُمْ قط إِذهبوا عنِّى يا فاعِلِي الإِثْمِ] ( مت 7 : 23 ) ؟ هل أنت يارب ستكُون راضِى تماماً عَنْ دينُونتك ؟ وَ هل ستكُون أحشاءك مُسترِيحة وَ أنت سامِع صُراخ الخُطاه وَ بُكاءهُمْ ؟ فهُوَ ليس فقط بُكاء وَ لكِنْ صرِير الأسنان ففِى إِنجيِل يُوحنا إِصحاح 12 يقُول آية ذهبيَّة ،قال [ لأِنِّى لَمْ آتِ لأدِين العالم بل لأُخلِّص العالم ] ( يو 12 : 47 ) ، فأنت مُخلِّص وَ ليس ديَّان ، وَ لكِنْ بعدها قال [ مَنْ رذلنِى وَ لَمْ يقبل كلامِى فلهُ مَنْ يدِينُهُ ، الكلامُ الّذى تكلّمتُ بِهِ هُوَ يدِينُهُ فِى اليوم الأخيِر ] ( يو 12 : 48 ) كلامِى هُوَ الّذى سيُدِينه ، وصيَّة ربِنا هى التَّى ستُدِينه ، وَ لكِنْ هل فِى الدينُونة سنتذّكر أعمالنا ؟! فتُوجد ثلاث أُمور ستُذّكِرنِى بِأعمالِى :- أ- الزمن سيُرفع . ب- الجسد الضعِيف سنكُون قَدْ تخلّصنا مِنهُ ، وَ مِنْ سِمات الجسد الضعيِف هُوَ النِسيان ،فَلاَ يوجد زمن وَ لاَ يوجد نِسيان . ج- سنكُون فِى حضرِة الله . أ- الزمن سيُرفع :- فهذا هُوَ الجو المُحِيط بِالدينُونة ،فأحداث عُمر الفرد ستكُون مُتواصِلة ،وَ كأنّها فِى لحظة واحدة ، فحياتِى كُلّها ستكُون أمامِى كُلّها فِى لحظة واحِدة ،وَ سأكُون فِى وعى كامِل ، فالوعى الّذى سيكُون عِندنا فِى الأبديَّة سيفُوق أىّ وعى نحنُ قَدْ مررنا بِهِ على الأرض وَ سأكُون فِى وعى كامِل لِكُلّ أحداث حياتِى ،وَ لِكُلّ سقطاتِى ،وَ لِكُلّ ضعفاتِى وَ سهواتِى ،وَ ستمُر فِى لحظة واحِدة ،وَ لِذلِك يقُول [ مُخيِف هُوَ الوقُوعُ فِي يديِ الله الحىِّ ]( عب 10 : 31 ) ، كم أنّ الحياة الماضية كُلّها ستكُون حاضِرة أمامِى الآن ، وَ فِى نُور وجُود الله سيكُون لها رؤية أُخرى تخيّل عِندما تتواجد ضعفاتِى فِى حضرِة الله ، فالشيء القبيِح لاَ يظهر عِندما يكُون فِى وسط شيء قبيِح ، وَ لكِنْ لو رميت قشرة لب فِى مكان نظيِف فإِنّهُ سيكُون شيء غرِيب ، فنحنُ خطيتنا أمام حق الله ستكُون أفظع وَ ستظهر قباحتها أكثر ممّا نتخيّلها 0 ب- لاَ يوجد نِسيان :- مُمكِنْ أنْ نكُون الآن بِننسى ، فالنِسيان داخِل مِنْ خلال الزمن ، وَ لكِنْ فِى الأبديَّة سنكُون فِى يقظة شامِلة ، خالية مِنْ كُلّ سهو ، وَ ستُعرض علينا فِى لحظة واحِدة أمام نُور وَ حق الله ، كم أنّها يا أحِبّائِى ستكُون لحظة مُرعِبة ، كم أنّ نُوره عِندما يدخُل إِلَى كياننا ستكُون الخطيَّة خاطِئة جِدّاً ، وَ سيكُون فِى لُون مِنْ ألوان الخِزى وَ لِذلِك لاَ تتعّجب مِنْ الملُوك وَ الأُمراء عِندما يقُولُوا[ لِلجبال وَ الصُخُور أسقُطِى علينا وَ أخفِينا عَنْ وجه الجالِس على العرش وَ عَنْ غضب الخرُوف] ( رؤ 6 : 16 ) ، غير قادِر أنْ ينظُر ، غير قادِر أنْ يحتمِل نُور حق ربِنا ، فِى حِين هُوَ عايِش فِى ظُلمة ، فماذا سيفعل معنا ربنا يسُوعَ ؟! وَ لِمَنَ ستكُون الدينُونة ؟! فيوم ظهُوره نقُول عنهُ فِى القُدّاس [ وَ ظهُوره الثانِى الآتِى مِنْ السَّموات المخُوف المملوء مجداً ] 0 ج- سنكُون فِى حضرِة الله :- السيِّد المسيِح هُوَ الوحيِد المُستحِق أنْ يُدِين لأنّهُ هُوَ القداسة الفائِقة ، هُوَ النُور الحقيقِى ، لأنّهُ أخذ جسدنا وَ شاركنا فِى اللحم وَ الدم ، هُوَ سيُدِين الطبع البشرِى ، وَ لِذلِك أعطى حق الدينُونة للإِبن ، فأعماله وَ قداسته تشهد لهُ فالحق الّذى فِى ربِنا يسُوعَ يكفِى أنْ يُعطيهِ الحق بأنْ يُدِيننِى بِدُون أنْ أعترِض ،بل بِالعكس أخضع لِدينونتهُ جِدّاً لأنّهُ هُوَ الّذى غلب الموت وَ دان الخطيَّة ، فعِندما أكُون أنا إِنسان مُحِب لِذاتِى وَ مُحِب لِشهواتِى مُجرّد أنْ أقِف أمامه أشعُر بِالدينُونة ، لأنّهُ هُوَ القداسة الكامِلة ، وَ هُوَ الحق وَ هُوَ الحياة وَ هُوَ النُور ، لأنّ ما مِنْ موقِف أقع فِيه إِلاّ وَ هُوَ غلبهُ ،وَ يقُول لك لِماذا ؟ فأنا غلبت ، أنا أخذت نَفْسَ جسدك فلِماذا تُغلب ؟! وَ لِذلِك كم أنّ ظهُوره سيكُون مُخيِف ،وَ سيحدُث أمرين :- الأبرار:- سيمتلِئوا فرحاً وَ تهليلاً ، وَ ستكُون الدُنيا لَمْ تسعهُمْ ، ففرحِة العرُوس بِعريسها لاَ تُقاس بِفرحِة الأبرار بِالمسيِح ، إِنَّها فرحة لاَ يُعبّر عنها 0 وَ لِلأشرار:- ستكُون رُعب ، وَ ستكُون كارثة ، وَ هُمْ سوف لاَ يستطيِعُوا أنْ ينظُرُوا إِليهِ ، وَ لِذلِك يقُولُوا [ لِلجبال أسقُطِى علينا وَ لِلآكام غطّيِنا ] 0 وَ لِذلِك وَ هُمْ كانُوا يعيِشُون فِى دنس وَ يعيِشُون لِلعالم ، عِندما ينظُروه هُوَ الفائِق القداسة فإِنّهُ سيُدِين نجاستهُمْ وَ سيرتعبُوا ، مِثل النتيِجة لِلتلميِذ البليِد فإِنّهُ يكُون يوم حزِين وَ كآبة ، وَ لكِنْ لِلمُجتهِد يكُون يوم تتوِيج ، يوم فرح وَ مسرّة وَ لِذلِك تتذّكرُوا القِصَّة التَّى فِى لوقا 8 وَ هى قِصَّة الشخص الّذى كان عليهِ شيَّاطيِن كثيرة ، وَ كانت تُرِيد أنْ تخرُج مِنهُ ، وَ قالُوا له أمُرنا أنْ ندخُل فِى قطيِع الخنازِير ، فالشيَّاطِين غير قادِرة على أنْ تتقابل مَعْ قداستِهِ ، الإِنسان الّذى يعيِش فِى الشرّ سوف لاَ يحتمِل أنْ ينظُر ربنا يسُوعَ فنحنُ كُلُنا فِى إِشتياق لِهذِهِ اللحظة بأنْ نراه ، الكنيسة مُتوّقِعة أنْ تراه ، الكنيسة كُلّها مُترّقِبة أنْ تراه ، الكنيسة مُشتاقة أنْ تراه ، وَ لكِنْ الأشرار0لاَ0فسوف لاَ يحتمِلُوا أنْ يروه وَ لِذلِك الإِنسان عِندما يعيِش فِى القداسة سيكُون يوم مجىء ربنا يسُوعَ يوم بهجة ،وَ لِذلِك كُلّ مجد ربِنا يسُوعَ هُوَ للأبرار ، الكُلّ سيراه ، حتَّى الّذين طعنوه سيروه ، فالّذى طعنهُ هُوَ واحِد فقط وَ لكِنْ هُنا يقُول الّذين طعنوه فإِنّ كُلّ خطيَّة هى طعنة لِربّ المجد يسُوعَ ، وَ فِى وقتها سنتذّكر كلامه ، وَ سنتذّكر لُطفه ، وَ سنتذّكر حنان ربنا يسُوعَ ، وَ سيشمل البار ، وَ لكِنْ الخاطىء ستكُون حنان ربِنا يسُوعَ وَ لُطفه نار عليه وَ لَمْ يستطع أنْ يحتمِلهُ [ شدّة وَ ضيِق وَ غضب على الّذين فعلُوا الخطيَّة ] ، وَ لكِنْ للّذين فعلُوا البِر[ مجد وَ كرامة وَ سلام 00] ( رو 2 : 10 ) رؤية ربنا يسُوعَ ستجعل ناس فِى ضيِق ، وَ ستجعل ناس أُخرى تكُون فِى محّبتِهِ ،وَ لِذلِك الكنيسة تقُول لهُ " كيرياليسُون 00يارب إِرحم " ، وَ لِذلِك فالإِنسان الّذى يعيِش فِى البِر رؤية ربنا يسُوعَ ستكُون بِالنسبة لهُ فرحة وَ مُكافأة ، وَ لِذلِك النَّاس الّذين يعيِشُون فِى الشرّ يطلبُون الموت وَ هُمْ فِى حضرِة الحياة ، وَ الحياة هُوَ ربّ المجد يسُوعَ ، فهُوَ يوم مُرعِب لِلخاطِىء وَ يوم مُبهِج لِلبار فِى سِفر يُوئِيل يتكلّم فِى إِصحاحين عَنْ يوم الرّبّ ، وَ كم أنّهُ يوم ظلام وَ قِتام لِلأشرار ، وَ يوم مُفرِح لِلأبرار ، فالإِنسان الّذى يعيِش فِى القداسة سيكُون مُكافأة لهُ ، وَ كم يكُون فِى تأمُل فِى حضرِة الله ، وَ كم تكُون سعادِة الإِنسان عَنْ كُلّ أتعابه الماضية فيكفِى فقط أنْ يراه ، أجمل مُكافأة هى أنّنا نكُون معهُ وَ نراه وَ نُعايِن وجههُ ، وَ نرى إِستعلان مجده وَ نفهم أسراره 0 وَ لكِنْ ما هى الأُمور التَّى ستُدِيننا ؟ 1- الوصيَّة :- وصيَّة ربِنا يسُوعَ ستدُيننا كسيف ذو حدين ، ستُدِيننا بِحزمٍ فائِق لاَ نتخيّله أبداً وَ لاَ نتّوقعه أبداً الوصيَّة التَّى تأخُذ شكل التحايُل وَ التَّى بِتتودّد إِلينا ، فِى يوم الدينُونة ستأخُذ شكل القاضِى ، فالوصيَّة التَّى تقُول لك يا حبيبِى أرجُوك صلِّى ، وَ التَّى تقُول لك لو سمحت إِعطِى العشُور فِى يوم الدينُونة ستجِد الوصيَّة مكتوبة بِأحرُف مِنْ نور وَ تُدِين الإِنسان الّذى كان لاَ يفعلها فأنا مُمكِنْ أنْ أعرِف الحُكم الّذى علىَّ قبل أنْ يصدُر ، لأنّ نص القانُون يقُول كذه وَ يُدِين الإِنسان ، الحق الّذى فِى الوصيَّة يا أحِبَّائِى سيقِف فِى صُورة مُرعِبة وَ حازِمة وَ بِخاصةً للإِنسان الّذى يُحِب العالم وَ الإِنسان الّذى كان مُتهاوِن فِى الصلاة ، وَ سيقُول لهُ الله أنا قُلت لك[ وَاظِبُوا على الصَّلوةِ ساهِرِينَ] ( كو 4 : 2 ) ،وَ كُلّ إِنسان كان لاَ يعيِش بِالمحبَّة سيقُول لهُ أنا قُلت [ أحِبُّوا أعداءكُمْ ] ( لو 6 : 27 ) ، وَ كُلّ إِنسان كان يُحِب العالم يقُول لهُ أنا قُلت [ لاَ تُحِبُّوا العالم وَ لاَ الأشياء التَّى فِى العالم ] ( 1 يو 2 : 15 ) الوصيَّة ستأخُذ صُورة القاضِى الحازِم ، وَ ستكُون فِى شكل جدِيد ، فهذا حق ربِنا ،وَ ستلبِس الوصيَّة صُورة القضاء ، وَ هى سوف لاَ تُدِيننا فقط على أنّنا كسرناها وَ لكِنْ أيضاً على كم مرّة تحايلت علينا أحد القديسيِن يقُول[ ستأتِى الوصيَّة وَ تُطالِبنا بِثمن توّسُلاتِها السابِقة ] ، كثيراً ما قدّمت الوصيَّة توّسُلات ، وَ آباء الإِعتراف شِبه بِتتوّسل ، وَ يقُولُوا لك يا إِبنِى صلِّى يا إِبنِى إِعطِى إِعطِى ربِنا حقوقه ، وَ لِذلِك الحق الّذى كُنّا نُقدّمه فِى صُورة توّسُلات سيأتِى فِى شكلٍ جدِيد ، سيأتِى بِقوّة جبّارة ، فِى صُورة فائِقة 0 2- منظر ربِنا يسُوعَ المصلُوب :- حق جِراحاته ستكُون فِى حد ذاتها ستُدِين الأشرار ، فِى سِفر الرؤيا يقُول عنهُ أنّهُ[خرُوفٌ قائِمٌ كأنّهُ مذبُوحٌ ] ( رؤ 5 : 6 ) ، لِكى تكُون جِراحاته شاهِد عَنْ حُبّه الّذى لاَ يُعبّر عنهُ ، وَ عَنْ غُفران للّذى يُرِيد أنْ يتوب ، وَ عَنْ الدينُونة للّذى لاَ يُرِيد أنْ يتوب ، فيقُول لك لِماذا أنت مُصّمِمْ على الخطيَّة وَ أنا قدّمت لك كُلّ هذا الحُب ، ففِى ناس بِتستهيِن بِدم الله ، وَ لِذلِك البِر الّذى نحنُ مدعُويِن أنْ نعِيشه هُوَ بِر بِحسب قلب الله منظر ربِنا يسُوعَ وَ إِكليِل الشُوك وَ جرح جنبه وَ جرح رجليه وَ جرح يديه سيكُون منظر فظيِع لِلأشرار ، فالّذى كان يفعل الخطيَّة كأنّهُ يُعيِد موته مرّة أُخرى ، لأنّ الخطيَّة هى مُوت ، وَ هُوَ مات مِنْ أجلِنا 0 3- الأبرار وَ الأنبياء وَ الشُهداء وَ القديسيِن سيُوقِفهُمْ عَنْ يمينه مِنْ أجل دينونتنا :- حتَّى يقُول لك فها هُمْ مِنْ كُلّ النوعيات ، الشيُوخ وَ السيِّدات وَ المُتزّوجيِن وَ غير المُتزّوجيِن وَ العذارى وَ البتوليين ، ناس أُمراء ، ناس رُتب مِنْ كُلّ الطبائِع سيُوقِفهُمْ عَنْ يمينه ، لأنّ مُمكِن واحِد يقُول لهُ أنا كُنت دكتور وَ كُنت مشغُول جِدّاً فإِنّهُ سيقُول لهُ أُنظُر فهذا فُلان كان أيضاً دكتور ، فهُوَ سيُدِيننا بِأنفُسنا وَ سيأتِى الأبرار وَ هُمْ النَّاس الناجحة كإِعلان عَنْ صِدق مواعِيده ، وَ أنّ الوصيَّة ليست مُستحيِلة ، وَ أنّ الوصيَّة مُمكِنْ أنْ تكُون مُعاشة بِالجسد ، وَ لِذلِك سيوقِف الأبرار بِجانِبِهِ وَ يُدِينُوا العالم فكُلّ وصيَّة نعيشها يُكافِئنا عنها ، وَ كأنّ ربنا يُرِيد أنْ يقُول لك أنا أُرِيد أنْ تكُون واحِد مِنَ الّذين سأُدِين بِهُمْ العالم الأبرار يا أحِبَّائِى الدينُونة سوف لاَ تُرعِبهُمْ وَ لاَ تُخِيفهُمْ ، وَ الخُطاه سوف لاَ يجِدوا راحة إِلاّ فِى بُكاءهُمْ وَ صرِير أسنانهُمْ ، كم أنّ الخطيَّة مُتعِبة لِدرجِة أنّهُ يقُول لك أنّهُمْ لاَ يرتاحُون إِلاّ فِى الظُلمة ، فهُمْ لاَ يُحِبُّوا أنْ يروا الأبرار ، ياه عقُوبة صعبة وَ لكِنْ هُمْ الّذين حكموا على أنفُسهُمْ ، وَ سوف لاَ يحتمِلُوا أنْ يكُونوا فِى حضرِة ربِنا ، فالعذاب أهون لنا مِنْ أنْ نجلِس أمامك وَ لِذلِك الإِنسان المُنشغِل بِالحياة وَ بِهمومها لابُد أنْ يُفكِّر فِى الدينُونة ،لأنّهُ [ الحُكمْ هُوَ بِلاَ رحمةٍ لِمَنْ لَمْ يعملْ رَحمَةً00] ( يع 2 : 13 ) ، الكنيسة بِتضع لنا الدينُونة كُلّ يوم فِى صلاة النُوم [ هوذا أنا عتيِد أنْ أقِف أمام الديَّان العادِل ] ، فأهم شيء هُوَ أنّ الإِنسان يتُوب فالدينُونة الآن وَ المجِىء الثانِى هُوَ الآن وَ العِقاب هُوَ الآن ، فالإِنسان لابُد أنْ يستعد لِلأبديَّة يا أحِبَّائِى ، لأنّهُ سيكُون يوم مُبهِج لنا إِنْ عِشنا فِى البِر وَ سيكُون يوم مُفزِع لو عِشنا فِى الشرّ ربِنا يجعلنا نكُون مِنْ القطيِع الّذى عَنْ يمينه لِكى نفرح بِلِقاءه ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنعمِته وَ لإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين0 القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل