المقالات

03 يوليو 2019

فوائد الخدمة روحيًّا

إن الخدمة تقوى روحيات الخادم. كما أن روحيات الخادم تقوى الخدمة فأنت فيها تعطى وتأخذ ولذلك نعتبر أن الخدمة من الوسائط الروحية، إن سلك فيها الإنسان حسنًا. فكما تعطى المخدومين حبًا من قلبك، كذلك يشبع قلبك حبًا بهذه الخدمة. لاشك أن الإنسان الذي يخدم الأيتام أو المرضى أو المعوقين أو الفقراء والمحتاجين عمومًا، يشبع قلبه في هذه الخدمة بمشاعر عميقة تسمو بنفسه، وتغنيه عن عواطف العالم الزائلة. فإن العاطفة التي يكتسبها الإنسان من ملاقاة الألم والمعاناة، هي أقوى بكثير من العواطف التي تقدمها مجالات اللهو والترف. وهكذا أنت تأخذ من خدمتك أكثر بكثير مما تعطى. مجرد شعورك أنك أسعدت إنسانًا، أو حللت مشكلة، يفيض على قلبك بمشاعر عميقة وهناك ألوان من الخدمة، غير التعليم. كنت أعرف زميلًا في مدارس الأحد منذ حوالي 45 عامًا، لم يكن له فصل في التدريس، إنما كانت خدمته هي الافتقاد وحل مشاكل الناس قبل أن تتعقد، وأحيانًا حل المشاكل المعقدة. وكان يجد سعادة كبيرة في هذه الخدمة. وكان يرى يد الله في كل ما يحله من مشاكل، أقصد في المشاكل التي يحلها الله على يديه، وكان يحكى لنا عن عمل الله، حديثًا روحيًا ممتعًا جدًا. إذن من الفوائد التي تتركها الخدمة في حياتك: الخبرات الروحية. إنه شرف عظيم لك في الخدمة أنك تعمل مع الله. كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبولوس "نحن عاملان مع الله" (1كو 3: 9). أنت في الخدمة تعمل مع الله ويعمل الله معك، ويعمل فيك، ويعمل بك. وفي كل ذلك ترى عجائب من عمله، وتلمس كيف تتدخل يد الله، فتحل كل الأمور المعقدة، أو تفتح لك بعض الأبواب المغلقة، أو تقدم لك حلولًا ما كنت تفكر فيها، أو ترسل لك معونات من حيث لا تدرى. فتمجد الله في كل عمله. أم الذين لا يخدمون، فإنهم يحرمون أنفسهم من كل هذه الخبرات، ومن شركة الله في الخدمة.. الخدمة أيضًا تفيدك في أنها مدرسة للصلاة: إنك كلما تخدم، كلما تشعر أن هناك أمورًا تحتاج إلى معونة إلهية، فتتدرب على الصلاة من أجلها، كما أنك تصلى لكي يبارك الله العمل ويدخل فيه ولا يتركك وحدك. كذلك تصلى لكي تكون خدمتك روحية، وليست مجرد نشاط أو روتين، أو مجرد عمل اجتماعي. كذلك كثيرًا ما تصلى مع المخدومين، أو تدخلك الخدمة في اجتماعات صلاة. وهكذا تتدرب على عمل الصلاة والخدمة عمومًا تدخل الإنسان في جو روحي. وهذا نافع له بلا شك. إذ يجد نفسه في جو كنسي، ومع أشخاص روحيين، ومُلتزمًا بمبادئ وقيم روحية. وقد يجد نفسه في الخدمة ملتزمًا أيضًا باجتماعات وقداسات. ويجد نفسه كذلك ملتزمًا بحياة روحية خاصة حتى يكون في خدمته قدوة للمخدومين، أو على الأقل لا يكون عثرة لهم. بل يردد قول الكتاب"من أجلهم أقدس أنا ذاتي، لكي يكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق" (يو 17: 19) السيد المسيح قال هذه العبارة بمعنى. وأنت تقولها بمعنى آخر، لتكون حياتك مقدسة في الخدمة، ومثالًا للمخدومين في كل عمل صالح. وقد تقول لله في صلاتك: إن هؤلاء الناس يا رب، يحتاجون أن أكون متصلًا بك باستمرار من جهتهم. فأعطى أن تكون لي هذه الصلة بك. ليس من أجلهم فقط، وإنما أيضًا من أجل نفسي، لكي ترعاني وترعاهم، وتحفظني وتحفظهم. وليتني أكون جسرًا صالحًا يصلون به إليك أو أكون حاملًا لهم أمامك في قلبي وبهذا تجد أن الخدمة أوجدت لك صلة بالله. وأصبحت هذه الصلة من ضروريات الخدمة. وبالتوالي تصبح الخدمة أيضًا ضرورة توصلك بالله باستمرار. ولذلك أستطيع أن أقول غالبية الذين تركوا الخدمة فترت حياتهم ولم تعد لهم الحرارة التي كانت لهم أثناء خدمتهم، ولا الصلاة ولا العمق ولا الالتزام.. ولم تعد الغيرة المقدسة التي كانت لهم، ولا حتى الفضائل الاجتماعية التي صاحبت الخدمة. والخدمة أيضًا كثيرًا ما تعطى فرصًا أوسع لقراءة الكتاب المقدس، وللمعرفة الروحية بوجه عام. مع ما يصحب ذلك أيضًا من تأمل ومن تفسير، وبخاصة للذين يخدمون خدمة روحية أو تعليمية بكافة أنواعها. وهكذا تكون من فائدة الخدمة تنمية المعرفة الروحية، وربما المعرفة الدينية من نواح متعددة وهذه المعرفة تأتى من مصادر كثيرة: منها القراءة سواء قراءة الكتاب المقدس أو سير القديسين أو الكتب الروحية. وتأتى أيضًا من حضور الاجتماعات الدينية الخاصة بالخدمة.. وكذلك مما يسمعه الإنسان في القداسات من فصول الكتاب ومن العظات وهذه المعرفة تدخل الإنسان في تدريبات روحية عملية. وإن ترك الخدمة، ربما يترك كل هذا بل قد يأخذ الإنسان ألوانًا أخرى من المعرفة فيعرف مشاكل الناس، ويعرف تفاصيل كثيرة عن النفس البشرية وما يجول فيها من مشاعر. ويعرف حروب الشياطين وحيلهم. ويعرف أيضًا الحلول العملية لكل هذا، وإن كانت خدمته تتطرق أيضًا إلى معالجة ما يتعرض له الناس من مشاكل داخلية وخارجية. فإن لم يكن يعرف، فعلى الأقل سيرى كيف يتدخل المرشدون الروحيون أو الآباء في هذه المشاكل، وكيف يحلونها. وفي كل ذلك تزداد خبراته في الحياة. مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث من كتاب الوسائط الروحية
المزيد
29 أكتوبر 2019

المسيح في سفر التكوين - المسيح في حياة أبينا اسحق

إن ربنا يسوع المسيح حاضر بوضوح في حياة آباء وأنبياء العهد القديم، فهو فوق الزمان، وهو خالق الجميع وهو الفادي الذي جاء في ملء الزمان ليُخلصنا من خطايانا بصليبه المقدس وقد أراد الله أن يُمهد لتجسده الطاهربأن أرسل إلينا النبوات والرموز، بل والأشخاص الذين يتجلى فيهم تمهيداً لمجيئه بالحقيقة بالجسد لنرى ونؤمن وفي قصة حياة أبينا اسحق تقابلنا (سابقاً) مع قصة تقديمه ذبيحة كرمز لتقديم السيد المسيح الابن الوحيد المحبوب ذبيحة عن خطايانا، وعودة اسحق حياً هي رمز لقيامة السيد المسيح من الأموات وهناك موقف آخر في حياة أبينا اسحق يتجلى فيها ربنا يسوع بوضوح وهي قصة اختيار زوجة لاسحق:- إبراهيم الأب استدعى أليعازر الدمشقي كبير بيته المستولي على كل ما كان له، وأرسله ليخطُب عروساً لابنه اسحق إنها رمز للآب السماوي الذي أرسل الروح القدس، ليخطُب الكنيسة عروساً للمسيح الابن"لأني خطبتكم لرجل واحد، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو11: 2)استحلف إبراهيم أليعازر بأن وضع يده تحت فخذ إبراهيم.. وهي إشارة إلى القسم باسم نسل إبراهيم أي المسيح وهو نفس الأمر الذي عمله أبونا يعقوب مع ابنه يوسف (راجع تك47: 29) وتنبأ إبراهيم لأليعازر بأن الله "يُرسل ملاكه أمامك، فتأخذ زوجة لابني من هناك" (تك24: 7) وهي تشبه النبوة التي قيلت عن يوحنا المعمدان السابق للمسيح "ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي، الذي يهيئ طريقك قدامك" (مر1: 2) إن يوحنا المعمدان هو الملاك صديق العريس، الذي جاء أمامه ليهيئ الطريق، لتقبل العروس أن تتحد به "مَنْ له العروس فهو العريس، وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس. إذاً فرحي هذا قد كمل" (يو3: 29) "أخذ العبد عشرة جمال من جمال مولاه، ومضى وجميع خيرات مولاه في يده" (تك24: 10)، وكأنه الملاك جبرائيل الذي جاء إلى العذراء مريم، حاملاً خيرات الآب السماوي في يده، مُعلناً إياها في عشر كلمات:- (1) سلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة. (2) الرب معكِ. (3) مُباركة أنتِ في النساء. (4) لا تخافي يا مريم. (5) لأنكِ قد وجدتِ نعمة عند الله. (6) ها أنتِ ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. (7) هذا يكون عظيماً، وابن العلي يُدعي. (8) ويُعطيه الرب الإله كرس داود أبيه. (9) ويملِك على بيت يعقوب إلى الأبد. (10) ولا يكون لمُلكه نهاية. (لو1: 28-33) "وأناخ الجمال خارج المدينة عند بئر الماء وقت المساء" (تك24: 11) لقد تقابل أليعازر مع رفقة عند بئر الماء وقت المساء، وبئر الماء هو رمز للمعمودية، التي يتقابل عندها الروح القدس مع النفس المنتخبة كعروس للمسيح.. ووقت المساء يشير إلى وقت صلب ربنا يسوع المسيح، وساعة خروج روحه الطاهرة ليد الآب السماوي وهناك ارتباط عميق بين المعمودية وصليب المسيح وخطبة الكنيسة فالمعمودية هي دفن مع المسيح، وخطبة الكنيسة مرتبطة بعهد الدم "إنك عريس دم لي" (خر4: 25) كانت رفقة فتاة "حسنة المنظر جداً، وعذراء لم يعرفها رجل. فنزلت إلى العين وملأت جرتها وطلعت" (تك24: 16) وهي ترمز للكنيسة المجيدة، التي لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل هي مُقدسة وبلا عيب(راجع أف5: 27) وكانت "جرتها على كتفها" (تك24: 15)إشارة إلى استعداد الكنيسة للخدمة، ونزول رفقة إلى العين وطلوعها إشارة إلى اغتسال الكنيسة بالمعمودية وبدم المسيح "لكي يُقدسها، مُطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة" (أف5: 26) لم تكن رفقة حاملة جرتها فقط بل كانت مستعدة أن تخدم خدمة الميل الثاني "فقالت اشرب يا سيدي. وأسرعت وأنزلت جرتها على يدها وسقته. ولما فرغت من سقيه قالت أستقي لجمالك أيضاً حتى تفرغ من الشرب. فأسرعت وأفرغت جرتها في المسقاة، وركضت أيضاً إلى البئر لتستقي، فاستقت لكل جماله" (تك24: 18-20) إنها مثال للكنيسة المستعدة أن تبذل كل الجهد من أجل خدمة الناس، متشبهة بعريسها القدوس محب البشر الصالح سأل أليعازر الفتاة "هل في بيت أبيكِ مكان لنا لنبيت؟" (تك24: 23) وكأن الروح القدس يسأل النفس هل يوجد عندك مكاناً لأبيت فيه؟ "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً" (يو14: 23)، "هنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤ3: 20) إن الروح القدس يبحث عن مكان فينا لسكنى المسيح، لأنه عندما تجسد "لم يكن لهما موضع في المنزل" (لو2: 7) لقد كانت رفقة مستعدة لاستقبال الغرباء بفيض الكرم "قالت له عندنا تبن وعلف كثير، ومكان لتبيتوا أيضاً" (تك24: 25)، "لا تنسوا إضافة الغرباء، لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون" (عب13: 2) عندما أراد أهل رفقة أن يستضيفوا أليعازر أياماً أخرى "فقال لهم لا تعوقوني والرب قد أنجح طريقي. اصرفوني لأذهب إلى سيدي" (تك24: 56) وكأن الروح القدس ينبهنا ألا نتعوق بأمور العالم عن الانطلاق إلى الاتحاد بالمسيح إن الروح القدس يسعد بالنفس النشيطة، التي إذا جاءها في زيارة نعمة لينبهها تقوم معه في الحال لتذهب إلى العريس وتتحد به لماذا نتعوق والرب قد أنجح طريقنا؟ لم يكن من اللائق أن تذهب رفقة مع أليعازر دون موافقتها "فدعوا رفقة وقالوا لها هل تذهبين مع هذا الرجل؟ فقالت أذهب" (تك24: 58) وهكذا أيضًا لابد للنفس أن تعلن عن رغبتها وموافقتها للارتباط بالمسيح إن الله يحترم حرية الإرادة الإنسانية ويكرس الحب وليس القهرإننا نأتي إليه بكامل الحب والرغبة، ونتمسك به مهما كانت المعوقات "مَنْ سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟ (رو8: 35) مرة أخرى تلتقي رفقة عند البئر "بئر لحَي رُئي" (تك24: 62), ولكن هذه المرة مع اسحق العريس الحقيقي كمثل التقاء الكنيسة مع المسيح عند المعمودية كان اسحق قد خرج ليتأمل في الحقل عند إقبال المساء إنها اللحظة التي يتقابل فيها المسيح مع الكنيسة على الصليب عند المساء، وهو يتأمل الحقل المقدس، الذي زرعه بدمه الطاهر، لينبت منه الكرمة الحقيقية الكنيسة التي المسيح فيها أصل وجذر ورأس، ونحن أغصان، والآب هو الكرّام"أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرَّام" (يو15: 1)، "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" (يو15: 5) إن المسيح يتقابل مع النفس عند إقبال المساء، لكي يحول المساء إلى صباح، والظلمة إلى نور، والخطية إلى بر "وسكن اسحق عند بئر لحَي رُئي" (تك25: 11).. إن المسيح يسكن في المعمودية، ليقابل كل نفس، ويطهرها فتدخل معه في شركة وعشرة وعضوية مقدسة إن الأب القديس اسحق هو رمز جميل لربنا يسوع المسيح الابن الوحيد المحبوب المطيع الذبيح والقائم من الأموات. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
10 يوليو 2019

خدمة غير ظاهرة

هناك أنواع من الناس لم يذكرنا لنا الكتاب خدمتهم أو تفاصليها، إنما كانوا يخدمون الخدام، أو يقدمون الإمكانات للخدمة نسوة كثيرات كن يتبعن السيد المسيح "ويخدمنه من أموالهن" (لو 8: 3). وفي بداية الكنيسة الأولى تركت مريم أم مرقس الرسول بيتها ليكون أول كنيسة يجتمع فيها المؤمنون ويصلون. كذلك ذكر لنا القديس بولس الرسول عن "أكيلا وبريسكلا" "والكنيسة التي في بيتهما" (رو 16: 5). وأيضًا الكنيسة التي كانت في بيت نمفاس (كو 4: 15). وشرح لنا التاريخ الخدمات العديدة التي كان يقوم بها المعلم إبراهيم الجوهري وأخوه المعلم جرجس الجوهري للكنائس والأديرة ربما أناس لا يخدمون القرى، لكنهم يتبرعون بعربة تنقل الخدام إلى هذه القرى أو يدبرون المكان، أو يعدون المكان للخدمة. أو أن يشتروا الأناجيل والبشائر والأجابي، والصور والجوائز، ما يوزعه الكاهن من صلبان وأيقونات. أو يهتمون بالعمل الإداري للاجتماعات. كأن يقومون بكتابة أسماء الحاضرين، أو يعدون كشوف الغائبين لافتقادهم، وما إلى ذلك من الخدمات التي تبدو بسيطة ولكنها لازمة ونافعة على الأقل هناك من يقومون بخدمة الصلاة من أجل الاجتماعات ونجاحها، والمشاكل وحلها وقد تكون لصلواتهم استجابة أكثر نفعًا من خدمة الكلمة، وتقتدر كثيرًا في فعلها، وتكون هي الخدمة المخفية التي تقوم على أساس الخدمة الظاهرة. المهم يا أخي أن تخدم.. مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث من كتاب الوسائط الروحية
المزيد
17 أغسطس 2019

مريم العذراء ام العبد المتألم

منذ ولادتها ولدت لأبوين عاقرين هما يواقيم البار وحنة ،وكانا قد نذرا مولودهما للهيكل ،قبل الولادة وربما كانا يتمنيا ولدا ذكرا ليحمل اسم الاب كعادة اهل الشرق ،لكنها قدمت انثي ولكونهما نذراها ،فقد سكنت الهيكل ليكون بيتها الاول والوحيد مع النذيرين ،وعندما كبرت وبلغت التغيرات الفسيولوجية تبدو عليها ،وقعت القرعة علي يوسف الشيخ البار لياخذها الي بيته ،خاصة بعد انتقال والديها المتقدمين في السن عند بلوغها الاثني عشر من عمرها ...ومنذ ذلك الحين والي ان أتتها البشارة بالحبل الالهي وعلاماتها ،التي تلازمت مع الشك والريبة بالأمها النفسية والجسدية ،حيث راحت مريم الفقيرة النذيرة تتحمل الام امومتها الالهية منذ البشارة و ماصاحب ذلك من شك عند يوسف البار الذي اراد تخليتها سرا ، ورحلة ولادتها لابنها في بيت الناصرة لا كسائر الامهات اللائي يستعدن لولادة اولادهن ،لكنها تكبدت مشاق السفر المضني من الناصرة الي بيت لحم لتكتب المولود في اكتتاب الاحصاء العام ،ولكي يظهر المسيح في مكان مجد يهوه ،وفي بيت ابيه ونسبه لذرية داود الملك حيث اتتها الام المخاص ولم يكن لها موضع سوي مزود المغارة ،التي تحولت الي سماء ونجوم وتسبيح وسجود وهدايا وملائكة وهتافات علوية بمجد الأعالي وسلام الارض و مسرة الناس ،حيث عظمة العلي قد\\ \\حولت الارض سماء وجعلت المغارة لاتقترب ،لان النور اشرق ومحا الظلام والغني حل عوض الفقر والقحط ،وفي الموضع ولد راعي الحملان الناطقة الذي اتي ليحول بهيميتها الي انسانية الخليقة الجديدة . ثم سمع صراخ الرامة ومخاوف مجزرة اطفال بيت لحم وعويل وصوت الانين ،علي هؤلاء الذين فدوا بشهادة دمهم الطفل المولود وماتبع ذلك من هروب والام نفي وتشريد ومشاقات تكبدتها مريم العذراء ،وحتي رجوعها في عودتها وسط الاتعاب ،التي استمرت عند بحثها عن الصبي في الهيكل وحنق الكتبة والفريسين عليه ،الي يوم القبض والمحاكمة والصلب والتكفين والدفن ثم استضافتها في بيت يوحنا الحبيب ،وسط رحلة الام ودموع بقدر ماسال من دم جراحاته الشافية المشفية . قبلت الالام وخضعت للناموس وصعدت الي الهيكل لتقدمه الي بيت ابيه وهي عالمة انه ابن العلي وانه هو رب الهيكل وبانيه ،وانه هو كلمة الله ذبيحة العالم كله ،قدمته بامومتها المسيانية كصعيدة الصعائد وكمحرر للعالم من اسر ابليس المنجوس ،لكنها ومع ذلك خضعت للشريعة وفي فقرها قدمت فرخي الحمام، بيقين ان ابنها هو مكمل الناموس ،وهو العلامة الوحيدة الحية للخلاص الفصحي علي الصليب ..قدمته مما له علي كل حال ومن اجل كل حال وفي كل حال ،وهو وحده ملئها وتقدمتها الممكنة والمقبولة ابديا ،غفرانا للخطايا ونور مجد الامم وعزاء خلاص الشعوب .،،،،لكنه في الوقت عينه هو العبد المتألم الذي تمجد بالالام ،وبذل ظهره لسياط الضاربين وخده للناتفين وترك وجهه للبصاق والتعيير ،حتي ان صورته لم تكن لتنظر ولم يكن له بهاء منظر ،مزدري ومرزول وهو رجل اوجاع ومختنر حزن ( اش ) لذلك وبذلك جاز السيف الطويل المخيف romphaia عبر حياتها كلها ،في فقر وشك ومخاض والالام ومطاردة ووجع وعري وجلد وهزئ وشوك ومسامير وصلب ودموع ،حتي المعصرة والجلجثة ....وهالكنيسة علي مثال العذراء مريم تتالم حتي اليوم ،وتسجل كل يوم رحلة صليب العبد المتالم والقائم من الاموات ،في شركة الطريق ،لانها لاتعرف شيئا الا يسوع المسيح واياها مصلوبا ،وتتمم في جسدها ( اعضائها ) مانقص كمطابقة المثيل لمثيله ،فياعذراء ياام العبد المتالم اشفعي في المشردين والمنفيين والمنحورين في عالمنا ، لان شفاعتك قوية ومقبولة وقد غيرت الازمنة في قانا الجليل فغيري الازمنة ياقوية في الحروب ومعدن الجود والبركات. القمص أثناسيوس چورچ
المزيد
03 مارس 2020

قدسوا صوما نادواباعتكاف

هلموا معى يا أصدقائى وأخوتى الأحباء لنبحر معاً عبر هذا النهر العظيم (الصوم الكبير) حاملين معنا زاداً يكفى رحلتنا التى - بلا شك - سنتزود فيها بزاد آخر يكفى لرحلة العمر إلى السماء.دعنا الآن نرى ما هو الزاد اللازم لرحلة الصوم. الصوم يحتاج:- أ- التوبة القلبية : "ارجعوا إلىّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح. ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم. وارجعوا إلى الرب إلهكم؛ لأنه رؤوف رحيم بطئ الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر" (يؤ 12:2،13). إن الصوم الكبير هو موسم التوبة وتجديد العهود... موسم العودة إلى أحضان المسيح نرتمى فيه ونبكى... نبكى على الزمان الردئ الذى مضى "لأن زمان الحياة الذى مضى، يكفينا لنكون قد عملنا إرادة الأمم سالكين فى الدعارة والشهوات وإدمان الخمر، والبطر والمنادمات وعبادة الأوثان المحرمة" (1بط 3:4). "أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم. فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا. قد تناهى الليل وتقارب النهار؛ فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور، لنسلك بلياقة كما فى النهار" (رو 11:13-13). آه... لو تحرك قلب الكنيسة نحو التوبة بحس واحد... آه لو تحرك قلبى وسط الجماعة المقدسة للعودة إلى المسيح... إن الكنيسة سبقت وأبرزت لنا نموذج توبة أهل نينوى، لنرى ونعجب كيف وماذا تفعل التوبة الجماعية... وتظل الكنيسة طوال الصوم تبرز لنا نماذج رائعة للتوبة: الابن الضال، السامرية، المخلع، المولود أعمى... وكيف أن لمسة الرب يسوع المسيح شافية للنفس والجسد والروح ومجددة للحواس وباعثة للحياة. ربى يسوع.. سامحنى وأعف عنى وأسندنى لكى لا أخطئ إليك ثانية... دعنى أقبل قدميك وأبلهما بدموعى وحبى... دعنى أرتمى فى حضنك الإلهى كطفل فى حجر أمه... أبكى بفرح العودة... أبكى برجاء النصرة.. أبكى بروح القيامة من سقطاتى الرديئة... سأكون لك بنعمتك... لن يستعبدنى العالم ثانية... لن يسبينى الشيطان مرة أخرى... لن يخدعنى الجسد بأوهامه... لقد ذقت مرارة الخطية واكتشفت وهمها الردئ... كنت أظنها حرية مفرحة وجدتها عبودية قاسية... الآن أدرك بنعمتك أنك وحدك فيك الحرية والفرح والسعادة... وبدونك حياتى مرة وكئيبة... الآن أدرك لماذا يفرح الصائم "متى صمتم فلا تكونوا عابسين" (مت 16:6)... أننى أفرح الآن بعودتى إليك بعد التوهان... الآن أستقر فى حضنك بعد الضياع... الآن نفسى تتوق إلى القداسة بعد أن دنست نفسى وجسدى بأفعالى الذميمة.. الآن يتغير اتجاه حياتى ليكون المسيح هدفى ومحور اهتمامى بل و"لى الحياة هى المسيح" (فى 21:1) بعد أن كان العالم ولقمة العيش، والجسد، والزلات قد استولوا على اغتصاباً؛ فأفقدونى هويتى ومعنى وجودى وسلبوا منى فرحتى، وتركونى ملقى بين حى وميت أنتظر سامرياً صالحاً يضمد جراحاتى. ب- الهدوء والصمت : "لأنه هكذا قال السيد الرب قدوس إسرائيل بالرجوع والسكون تخلصون. بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم" (أش 15:30) إن إيقاع الحياة الصاخب، وعنف متطلبات المعيشة، وكثرة الحركة والانشغال والهموم، افقدوا الإنسان معناه وإنسانيته وحولوه إلى مجرد ترس فى ماكينة ضخمة يتحرك بتحركها، ويقف بوقوفها إن وقفت... الإنسان اليوم يعيش فى تشتت مرعب يبدد قوى الجسم والنفس والعقل فكم بالحرى قوى الروح... إننا أحوج ما نكون إلى فترات هدوء واعتكاف نعود فيها إلى أنفسنا ونغوص فى أعماقنا بدون تأثير المشتتات الخارجية... إنها رحلة إلى أعماق الإنسان لاكتشاف الهوية وضبط الاتجاهات... دعنا نختزل من برنامجنا اليومى كل ما هو غير ضرورى: الثرثرة والأحاديث الباطلة، والتليفزيون، والمكالمات التليفونية الطويلة دون داع، والزيارات غير الضرورية، والملاهى والمآدب... ألا ترى أنه سيتجمع لدينا وقت كاف للتمتع بالهدوء والاعتكاف فى جلال الصمت وخشوع العبادة... والتأمل والتعمق واكتشاف سطحيتنا وزيف علاقاتنا مع الآخرين... إن كلامنا الثرثار فى طوفان الأحاديث الباطلة قد فقد قوته ومعناه... الصوم بجلاله يعيد إلى الكلمة قدسيتها ووقارها وسلطانها... "إن كان أحد لا يعثر فى الكلام فذاك رجل كامل قادر أن يلجم كل الجسد أيضاً" (يع 2:3)، آه لو نستطيع أن نقتطع من برنامجنا اليومى الصاخب لحظات للهدوء والاعتكاف والتزام الصمت. اسمع الصوت الذى كلم ارسانيوس قديماً: "يا ارسانيوس الزم الهدوء والبعد عن الناس، وأصمت، وأنت تخلص لأن هذه هى عروق عدم الخطية". فإن كان ارسانيوس قد لزم الصمت والبعد عن الناس طول العمر فليس بكثير علينا أن نلزمها لحظات يومياً خاصة فى الصوم.العالم اليوم يحتاج إلى شهادة حية، لا بالوعظ والكلام، بل بقديسين يحملون نوراً وفرحاً وعمقاً، ورزانة ووقاراً، ولهم سر الصمت وقوة الهدوء، كعلامة وبرهان على حضور الله فيهم. ج- العطاء : "طوبى للرحماء على المساكين، فإن الرحمة تحل عليهم، والمسيح يرحمهم فى يوم الدين ويحل بروح قدسه فيهم". "يقولون لماذا صمنا ولم تنظر؟ ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ؟".. "أمثل هذا يكون صوم أختاره؟... هل تسمى هذا صوماً ويوماً مقبولاً للرب؟ أليس هذا صوماً أختاره: حل قيود الشر. فك عقد النير، وإطلاق المسحوقين أحراراً، وقطع كل نير. أليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك. إذا رأيت عرياناً أن تكسوه، وأن لا تتغاضى عن لحمك" (أش 3:58-7). "لا تنسوا فعل الخير والتوزيع (على الفقراء) لأنه بذبائح مثل هذه يسر الله" (عب 16:13) لأن "الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هى هذه، إفتقاد اليتامى والأرامل فى ضيقتهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم" (يع 27:1) والقديس اشعياء سجل لنا ما قاله أبو مقار لرهبان من الإسكندرية "إن من لم يشأ أن يصنع رحمة من فلس واحد فلن يعمل رحمة من ألف دينار"وقال القديس الأنبا موسى القوى "الصدقة بمعرفة تولد التأمل فيما سيكون وترشد إلى المجد ،أما الإنسان القاسى القلب فإنه يدل على انعدامه من أى فضيلة""أعط المحتاجين بسرور ورضى لئلا تخجل بين القديسين وتحرم من أمجادهم" "اجذب المساكين لتخلص بسببهم فى أوان الشدة" إن الرحمة وروح العطاء إنما هما دليل على القلب الزاهد المحب لله... أنه القلب الذى يسعد بالعطاء ويفرح لفرح الآخرين والصوم المقدس فرصة رائعة لتدريب النفس على الزهد فى حطام الدنيا.. والعودة إلى الفلسفة الحقيقية التى بها نكتشف أن مكاسب العالم هى نفاية، وأن الممتلكات هى معوقات وثقل كان من الأجدر بنا أن نستثمرها فى كسب أصدقاء يقبلوننا فى المظال الأبدية (راجع لو9:16) بل والأكثر من هذا سيكون العطاء وسيلة لتقديسنا "بل أعطوا ما عندكم صدقة فهوذا كل شئ يكون نقياً لكم" (لو 41:11)... وكذلك الصدقة هى طريق للكمال: "إن أردت أن تكون كاملاً؛ فأذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء؛ فيكون لك كنز فى السماء وتعال اتبعنى" (مت 21:19)، إذن فالصوم المقدس فرصة للتعبير العملى عن إيماننا بأنه "ليس بالخبز وحده (ولا بأى ممتلكات للدنيا) يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت 4:4)، "فإنه متى كان لأحد كثير، فليست حياته من أمواله" (لو15:12). خطورة الإفطار:- المسيحى الحقيقى هو عضو فى جسد المسيح الذى هو الكنيسة... وبرهان عضويته أنه مشارك للكنيسة فى كل ممارساتها... فنحن نصوم - ببساطة - لأن الكنيسة تصوم... لأننا منها ومعها وفيها... والروحانية الأرثوذكسية هى روحانية شركة.. كما كانت الكنيسة فى عصر الرسل تحيا حياة الشركة الكاملة، إذ كان المؤمنون يواظبون معاً على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات... فالذى يحرم نفسه من نعمة شركة الكنيسة يخطئ إلى نفسه ويسئ إلى الكنيسة.. وكأنه باع انتماءه للجسد المقدس (بأكلة عدس).. لذلك تحذر الكنيسة أولادها من كسر الصوم، لئلا يخسروا الكثير. والعجيب أن نفس القانون الذى يمنع الفطر فى الصوم، يمنع أيضاً الصوم فى الفطر (الخماسين والآحاد والأعياد)، ليبرهن أننا لا نقصد الأكل أو عدمه، لكننا نقصد الشركة والحب والعمل المشترك، يجب أن (نكون معاً)، "مجاهدين معاً بنفس واحدة لإيمان الإنجيل" (فى 27:1). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة عن كتاب الصوم الكبير عوده الى الله
المزيد
26 يناير 2021

القديس أنطونيوس كمعلم وطالب علم

الأنبا أنطونيوس المعلم كثيرون ترهبوا . وكثيرون كانوا قديسين،وسواحا،ومتوحدين،ولم ينالوا شهوة الأنبا أنطونيوس.الأنبا بولا السائح مثلا ، ترهب قبل الأنبا أنطونيوس . وفى لقاء هذين القديسين ، كان الأنبا بولا يخاطب الأنبا أنطونيوس بعبارة يا أبني ، فيرد عليه بعبارة يا أبى . كان الأنبا بولا أكبر منه سنا ، وأقدم منه فى هذه السيرة الملائكية. ولكنه لم ينل نفس الشهرة ، لأنه لم يكن مثل الأنبا أنطونيوس أبا لرهبان كثيرين . ولم يكن مثله أبا لمدرسة من المدارس كان الأنبا أنطونيوس أبا لرهبنة. كان أبا لمدرسة رهبانية ، لأول مدرسة رهبانية . وكان أبا لفكرة معينة انتشرت فى كل مكان أنه لم يتزوج ، ولم ينجب أبنا . لكن له مئات الآلاف من الأبناء . له أبناء فى كل بلد من بلاد العالم . كل رهبان العالم أولاد الأنبا أنطونيوس عندما يدخل الأنبا أنطونيوس إلى الملكوت ، يقول لله :" هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الرب " (إش8: 18)،يدخل وراءه ألوف ألوف ، وربوات ربوات لأنه أب لمدرسة تتلمذ عليه تقريبا كل قادة الرهبنة فى مصر فمثلا كان من تلاميذه الأنبا آمون أبو جبل نتريا، أبو منطقة القلالى . وقد رأى الأنبا أنطونيوس روح الأنبا آمون وهى صاعدة إلى السماء ، تزفها الملائكة فى فرح وكان من تلاميذه أيضا ، القديس الأنبا مكاريوس الكبير، أتى وتتلمذ عليه وألبسه الأنبا أنطونيوس إسكيم الرهبنة. وأشتغل معه، وشهد له بقوله: [ إن قوة عظيمة تخرج من هاتين اليدين]وتتلمذ عليه الأنبا بيشوى ، أو الأنبا سيصوى من أباء الجبل الشرقي ، هو وتلاميذه. وتتلمذ عليه القديس الأنبا بولس البسيط ، والأنبا بيساريون، والأنبا سرابيون وتتلمذ عليه القديس الأنبا ببنوده رئيس أديرة الفيوم . وقد كتب إليه القديس الأنبا أنطونيوس رسالته العشرين وتتلمذ عليه القديس الأنبا إيلاريون الذي نشر الرهبنة فى سوريا وفى فلسطين وعندما كان يأتي إلى الأنبا أنطونيوس أحد من تلك المناطق يطلب إرشاده ، كان يقول لهم فى أتضاع :[ لماذا تأتون إلى ، وعندكم الأنبا إيلاريون ؟] وتتلمذ عليه شيوخ عديدون انتشروا فى الأرض كلها ونشروا الرهبنة فى كل مكان وأصبح الأنبا أنطونيوس أبا لفكرة ، ولمدرسة، ولطريق حياة، أبا لمنهج روحي له فروعه فى كل مكان وأطال الله عمر الأنبا أنطونيوس ولد سنة 251 م ، ورقد فى الرب سنة 356 م . وله من العمر 105 سنة شيخا كبيرا فى الأيام العجيب أن الأنبا أنطونيوس ، لم يتتلمذ عليه رهبان فقط إنما تتلمذ عليه أيضا البابا البطريرك كان القديس الأنبا أثناسيوس الرسولى البابا العشرون من تلاميذه . درس عليه الروحيات. تلقى عنه أيضا كثيرا من أفكاره اللاهوتية إن بعض العلماء ، حينما يدرسون فكرة أثناسيوس اللاهوتية، إنما يرجعون كثيرا من أفكاره اللاهوتية إلى القديس أنطونيوس الكبير. حقا إن هذا لعجيب… والقديس أنطونيوس تتلمذ عليه كثيرون لم يروا وجهه أبدا لقد تتلمذوا على حياته، على سيرته التى نشرها فى الغرب القديس أثناسيوس الرسولى فى كتابه (حياة أنطونيوس). وهذا الكتاب كان سببا فى انتشار الرهبنة فى روما وفى بلاد الغرب . فترهب كثيرون هناك وأتى العديد منهم إلى مصر . لمجرد أنهم تنسموا حياة القديس الأنبا أنطونيوس وكان لهذا الكتاب تأثيره فى هداية أوغسطينوس لقد تأثر أغسطينوس تأثيرا عميقا بسيرة القديس أنطونيوس ، فتاب، وترك حياة الفجور، بل صار راهبا وقديسا ومصدرا من مصادر الحياة والتأملية فى العالم بفضل سيرة الأنبا أنطونيوس والقديس الأنبا أثناسيوس الرسولى ، كاتب هذه السيرة ، حينما كان يذهب إلى آي مكان من بلاد أوربا، كانوا يسألونه عن أنطونيوس ، وعن أخبار الرهبنة فى مصر ، وعن الرائحة الزكية التى تفوح من البرية… وهكذا كان للأنبا أنطونيوس تأثير فى أمكنة عديدة جدا لا توضع تحت حصر. وكثيرون كانوا يأتون من بلاد الشرق والغرب ، لكى يتتلمذوا على القديس الأنبا أنطونيوس فى التدبير الرهباني وكان بعض الفلاسفة يأتون إليه ، ويسألونه ، ويحاورونه ، ويندهشون كثيرا من علمه ومن ذكاءه لدرجة أنهم قالوا له فى إحدى المرات : [ أنت لا تملك الكتب ،ولا تقرأ الكتب ، فمن أين لك هذه المعرفة وهذا الفهم العجيب ؟ ] فأجابهم بسؤال عجيب : [ أيهما أسبق : العقل أم المعرفة ؟ فلما قالوا له: العقل طبعا أسبق ، أجابهم : إذن المعرفة يمكن أن يلدها العقل ، بدون كتب…] !وكان يقول :[ أنا أن أردت معرفة شئ ، أصلى إلى الله ، فيكشف لي ، وأتأمل فى آيات الكتاب ، فأفهم منها . فلا حاجة بي إلى الكتب ] وكما أن الناس كانوا يأتون من مشارق الدنيا ومغاربها إلى الأنبا أنطونيوس ، يطلبون منه كلمة منفعة ، يجعلونها دستورا لحياتهم كذلك فإن الإمبراطور قسطنطين الكبير أرسل إليه رسالة،يطلب منه فيها بركاته وصلواته. ولما لم يقراء القديس هذه الرسالة لتوه. تعجب تلاميذه. فقال لهم: [ لا تتعجبوا من هذا ، بل تعجبوا بالأكثر أن الله يرسل لنا الرسائل كل يوم فى كتابه المقدس ، ونحن لا نسرع إلى قراءتها]…! محاربته للأريوسية: كان الأنبا أنطونيوس فى نظر الناس نبعا كبيرا للقداسة ، ومعلما كبيرا للروحيات وكانت كل كلمة تخرج من فمه هي كلمة ثقة وصدق لدرجة أنه عندما انتشرت الأريوسية فى الإسكندرية، نتيجة للشكوك العنيفة التى أثارها الأريوسيون ضد لاهوت السيد المسيح ، طلب الآباء الأساقفة من القديس أنطونيوس أن ينزل لكى يقول كلمة فيسند بها تعليم البابا أثناسيوس الرسولى ونزل الأنبا أنطونيوس ، إلى الإسكندرية ،وهو فـــوق المائة من عمــره، وقضى ثلاثـــة أيام ، فيهــا ثبـــت الناس فى الأيمان ويقول المؤرخون أن الأيام الثلاثة التى قضاها الأنبا أنطونيوس فى الإسكندرية كان لها مفعول السحر فى الناس وكانت أكثر دسما من سنوات عديدة فى التعليم كانت كلمة التعليم تخرج من فم الأنبا أنطونيوس ، تسندها قداسة سيرته ، وتسندها المعجزات ، وتسندها ثقة الناس به إنه رجل الله . فكل ما يقوله هو كلام من الله . إن الشخص العادى حينما يتكلم ، ربما يحتاج إلى أدلة كثيرة، وإثباتات وبراهين كثيرة لكى يقنع الناس. أما الإنسان القديس ، الذي يشهد الله بآيات ومعجزات ، الإنسان القديس الذي هو موضع ثقة الناس بروحياته. فيكفى أن يقول كلمة وينتهي الآمر هكذا كانت كل كلمة للأنبا أنطونيوس … لها ثقل عجيب !وكان الأنبا أنطونيوس يعلم، ليس فقط بالكلام ، وأنما أيضا بالرسائل . وله عشرون رسالة، أرسلها إلى أولاده ترجمت هذه الرسائل إلى العربية، وهى موجودة فى مخطوطاتنا فى الأديرة، آخرها رسالته إلى تلميذه ببنوده وقد طبع البعض هذه الرسائل ونشرها وكانت موضع دراسة لعلماء كثيرين وللقديس أنطونيوس تعاليم كثيرة ضمنها بستان الرهبان خاصة بنصائحه إلى أبنائه الرهبان، فى النسك والروحيات وله سيرته وحياته المقدسة التى كان يتغذى بها الناس وتعاليمه كانت إما فى كلمات قليلة يرد بها … أو فى عظات طويلة كما فى رسالته، وفى سيرته وله فى كتاب سيرته التى وضعها القديس أثناسيوس ، عظة طويلة قالها عن ضعف الشياطين، وأنه ليست لهم القدرة الخيالية التى يخشاها الناس لذلك لا داعي أبدا لأن يخافهم الناس ويرتعبوا منهم… إنها عظة طويلة وكلمات الأنبا أنطونيوس كان لها تأثيرها ، ليس فى الأشخاص العاديين فقط إنما أيضا فى شيوخ الرهبنة وقادتها ومرشديها .كانوا جميعا يعرفون أنه يتكلم بالروح القدس ولم تكن كلماته فقط نافعة للتعليم ، أو سيرة حياتــه فقــط نافعة للتعليم ، وإنمــا حتـى مجــرد ملامح وجهه. زاره مرة ثلاثة من الرهبان ، أخذ اثنان منهم يسألانه عن بعض أمور . أما الثالث فبقى صامتا . فسأله الأنبا أنطونيوس ، لماذا لا يطلب شيئا مثل زميليه ؟ فأجاب : يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبى وقد قال القديس أثناسيوس عن الأنبا أنطونيوس :[ من الناس كان مضطرب القلب أو مر النفس ، ويرى وجه الأنبا أنطونيوس ، إلا ويمتلئ بالسلام…] لعله كان أيضا من مصادر السلام بالنسبة إلى الأنبا أثناسيوس نفسه فى وسط ضيقاته الكثيرة وكان الأنبا أنطونيوس يحب الإفراز ، آي الحكمة والتمييز والمعرفة ففي إحدى المرات سأله أولاده عن الفضيلة العظمى فى الرهبنة . فقال لهم: إنها الإفراز ، لأن كثيرين صاموا، وأضروا أنفسهم بصومهم . وكثيرين صلوا وفشلوا فى صلواتهم، بسبب عدم الإفراز. وله عظة عن الإفراز فى بستان الرهبان ذلك لأن الشخص الذي يقتنى الإفراز والتمييز ، يستطيع أن يميز بين النافع والضار اللائق وغير اللائق . لذلك أهتم الأنبا أنطونيوس بفضيلة الإفراز . وهو أيضا كانت له هذه الفضيلة ولم يكن يفرح بالآراء بقدر ما كان يفرح بالعمل الروحي الفاضل ، وبخاصة الباطني منه فى إحدى المرات زاره بعض الرهبان ، وسألهم فى تفسير رأيهم آية معينة ، فأبدى كل منهم وجهة نظره . وكان الأنبا يوسف معهم فبقى صامتا . فسأله القديس الأنبا أنطونيوس عن رأيه فى تفسير الآية ، فأجاب : صدقني يا أبى أنى لا أعرف وهنا قال له الأنبا أنطونيوس :[ طوباك يا أنبا يوسف ، لأنك عرفت الطريق إلى كلمة لا أعرف]. الأنبا أنطونيوس كتلميذ يتعلم مصادر معرفته :- ما مصادر المعرفة عند الأنبا أنطونيوس ؟ وممن إستقى تعليمه ؟ فلا يمكن لشخص أن يرتقى إلى رتبة التعليم ، ما لم يتعلم أولا ويتتلمذ ويفهم. فأين تتلمذ القديس الأنبا أنطونيوس ؟ وعلى يد من ؟ كان الأنبا أنطونيوس يطلب المعرفة من كل مصدر : وكانت هذه هى الصفة الأولى فى تلمذته يطلب العلم من كل مصادره . لا يتعلم فقط من الأساتذة الكبار ،وأنما من كل شئ ، ومن كل أحد ، ومن كل حادث ، ومن كل شخص حتى لو كان خاطئا أول درس له ، تعلمه من إنسان ميت وعجيب أن يتلقى أول درس له فى الرهبنة، لا من إنسان حي ، إنما من شخص ميت . وكان هذا الميت هو أبوه لما مات أبوه ، نظر إلى جثمانه المسجى ، وتعلم من هذا الموت شيئا … نظر إلى أبيه الميت ، الذي كان يملك ثلاثمائة فدان من أجود أطيان قمن العروس ببني سو يف ، وكان له غنى ونفوذ بين مواطنيه ، وقال له [ أين هى قوتك وعظمتك وسلطانك ؟ أنت خرجت من العالم بغير إرادتك . ولكنني سأخرج منه بإرادتي ، قبل أن يخرجوني كارها ] وهكذا تلقى أول درس فى الموت عن العالم . تأمل فى ذلك الرجل الغنى العظيم، الذي كان يملأ الدنيا قوة وسلطة، وهو الآن بلا حراك ، لا يملك حتى التصرف فى جسده ! أما الدرس الثاني ، فأخذه من الإنجيل والأنبا أنطونيوس كان يسمع كلام الله فى عمق ، وكان جادا فى سماعه . وكل كلمة يسمعها ، كان يعتبر أنها موجهة إليه شخصيا … ففي إحدى المرات – وهو فى الكنيسة – سمع قول الرب للشاب الغنى :" إن أردت أن تكون كاملا ، أذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء ، وتعال اتبعني" وكان أول من سمع هذا الكلام الإلهي شابا غنيا مثله سمع ومضى حزينا مع أنه سمع هذه الآية من فم الرب يسوع المسيح نفسه، من صوت السيد المسيح المملوء تأثيرا وعمقا وروحانية . ولكنه لم يتأثر ولم ينفذ ، لأن محبة المال كانت فى قلبه أما الأنبا أنطونيوس ، فلما سمع هذه العبارة ، وكان هو أيضا شابا غنيا، لم يمضى حزينا ، وإنما مضى وباع ما له فعلا ، وأعطاه للفقراء . أخذ الآمر الإلهي بطريقة جدية، لأنه كان يسير فى حياته بهذا الأسلوب الجدي ولما بدأ يدبر الأمور ، ويفكر كيف يصرف هذا المال ، وكيف يدبر أيضا مستقبل أخته، ، مضى إلى الكنيسة فسمع صوت الرب :" لا تهتموا بما للغد ". فأعتبر هذا الكلام أيضا موجها إليه هو بالذات ، وأسرع فى الخروج من العالم . بينما فى أيامه ، لم تكن هناك رهبنة بالمفهوم الحالي ، والنظام الحالي ، لأنه هو أول الرهبان .كم من مرة نسمع نحن الآيات تقرأ علينا فى الكنيسة ، ولا نتأثر ونعمل مثلما تأثر بها الأنبا أنطونيوس وعمل…! ولكنه كان إنسانا يود أن يستفيد، ويعتبر أن كلام الله للعمل ، وليس لمجرد السماع والمتعة الروحية به كان جادا فى سماعه، يحول كلام الله إلى حياة كان يعمل بقول الرب :" الكلام الذي أقوله لكم ، هو روح وحياة ". فكان يفهم الروح الذي فى الكلام ، ويحوله إلى حياة لقد تعلم درسه الأول فى الرهبنة من موت أبيه وتعلم درسه الثاني من آيات الإنجيل التى سمعها . فمن تعلم درسه الثالث إذن ؟ تعلم درسه الثالث من القدوة الحسنة كان هناك بعض النساك يعيشون على حافة القرى. ففي أول خروج الأنبا أنطونيوس تعلم من هؤلاء النساك . ولم يشأ أن يكون مقلدا لشخص معين منهم ، وإنما أخذ من كل واحد شيئا : كان يتعلم من هذا الهدوء ، ومن ذاك الوداعة والإتضاع ، ومن ثالث الصمـــت، ومن رابــع المداومة على الصـــلاة ، ومن خـامس النســك ومن سادس السهركان يبحث عن الشيء الفاضل فى آي إنسان يقابله، ويتعلمه منه ، دون أن يكون صورة طبق الأصل لشخص واحد بالذات . أما الدرس الرابع ، الكبير ، فتعلمه من امرأة مستهترة كان متوحدا إلى جوار النهر ، وإذا بامرأة لا حياء لها ، قد جاءت إلى حيث كان ساكنا يتعبد. وبدأت تخلع ملابسها لتنزل إلى البحر لتستحم أمامه، وهى لا تخجل ! أما هو فقد خجل ، وأنبها قائلا :[ يا امرأة أما تستحين أن تتعرى أمامي وأنا رجل راهب ؟!] فأجابته:[ لو كنت راهبا ، لدخلت إلى الجبل فى البرية الجوانية، لأن هذا المكان لا يصلح لسكنى الراهبان ]! قالت ذلك ، وهى تضحك منه باستهزاء…! أما الأنبا أنطونيوس، فأخذ كلمة الاستهزاء هذه، بجدية ، وقال :[ حقا هذا صوت الله لي على فم هذه المرأة]وقام فعلا ، وترك ذلك المكان ، شاعرا أنه لا يناسبه فعلا كراهب ، ودخل أعماق الجبل ، وكان دخوله بركة العالم… حتى كلمة الاستهزاء والتهكم التى سمعها ، أخذها بعمق وروحانية وتنفيذ. ولم يغضب بسببها ، إنما أنتفع روحيا… ويبدوا أن نساء شريرات كثيرات ، كن على غير قصد منهن ، سبب بركة وتعليم لكثير من القديسين وكما يقول الكتاب أن الله يخرج من الجافي حلاوة ( قض14: 14) . + وقد رأينا كيف أن الأنبا أنطونيوس أنتفع روحيا من كلمة قالتها امرأة لا تستحي من أن تتعرى أمامه. + والقديس مقاريوس الكبير ، كان سبب دخوله إلى البرية أيضا ، امرأة أخطأت مع شاب ، وحملت منه ، ولما أنكشف أمرها اتهمت هذا القديس المتوحد ظلما . فأتى أهلها وأهانوه أشد إهانة وكلفوه بالعانيه بها ، ولما حان موعد ولادتها لأبنها ، تعسرت ولادتها جدا. وكادت تموت ، فاعترفت بخطيئتها وظلمها لهذا القديس، فأتى الناس ليعتذروا إليه، فهرب من المجد الباطل ، وترك تعبده على حافة القرية، ودخل إلى البرية. + امرأة خاطئة أخرى ، قابلت القديس مار أفرام السرياني ، والظاهر أنه كان جميل الصورة جدا ، فأخذت تتأمل جمال وجهه، وثبتت عينيها على وجهه ، فخجل ولامها على ذلك ، فقالت له[ أنا امرأة ، فى الأصل مأخوذة من رجل ، فمن الطبيعي أن أنظر إليك . أما أنت فرجل مأخوذ فى الأصل من تراب، كان ينبغي أن تنظر إلى التراب الذي أخذت منه ]فأنتفع القديس مار أفرايم، وجعل وجهه فى الأرض ، وتركها ومضى ، واستفاد من عدم حيائها وطبعا لا يجوز أن تفعل النساء هكذا ، معتمدات على منطق هذه المرأة ! فإنها امرأة خاطئة، وليست مثالا عموما ، آن الشخص الذي يريد أن يستفيد روحيا يمكنه أن يتخذ كل مصدر لفائدته ، حتى المرأة الخاطئة . وكما يقول الكتاب :" كل شئ طاهر للطاهرين" (تى 1: 15) إن ربنا يسوع المسيح علمنا أن نستفيد دروسا روحية، من تأملنا لزنابق الحقل التى تلبس أعظم من سليمان فى كل مجده، ومن طيور السماء التى لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن ، وأبونا السماوي يقوتها ولقد أعطانا دروسا، من الزارع والبذار ، ومن الحنطة والزوان ، ومن الشباك والصيد ، ومن الخميرة ، ومن الابن الضال لأن من أراد أن ينتفع، يمكنه أن ينتفع ومن له أذنان للسمع ، سيسمع ما يقوله الروح للكنائس وعلى رأى أحد الآباء الروحيين ، الذي قال :[ تعلمت الصمت من الببغاء]. آي أنني لما رأيت تفاهة الثرثرة، تعلمت الصمت لقد تعلم القديس الأنبا أنطونيوس دروسه الأربعة : من جسد إنسان ميت ، ومن آيات الإنجيل ، ومن القدوة الصالحة ،ومن صوت الله على فم امرأة خاطئة فماذا كان المصدر الثابت لتعليمه ، ليس فى الدرس الخامس فقط إنما فى دروس عديدة؟ لقد تعلم أيضا من التأمل فى الكتاب عيبنا فى هذا الزمان أننا نقرأ كثيرا ، ولكن تأملنا قليل ، لذلك لا ندخل إلى أعماق المكتوب أما الأنبا أنطونيوس ، فلم تكن لديه كتب كثيرة مثلنا . كان راهبا بسيطا ، من غير المعقول أن ينتقل فى البرية من مكان إلى أخر وهو مثقل بأحمال من المخطوطات ! كان يقرأ قليلا فى كتاب الله ، ولا يقف عند المعنى الخارجي للكلمة، أو المفهوم السطحي ، إنما يدخل فى عمق إلى روحانية الكلام . وحسبما قال القديس بولس الرسول :" خمس كلمات بفهم، أفضل من عشرة آلاف كلمة بدون فهم" ( 1كو 14: 19) بهذا كان القديس أنطونيوس يفهم معاني الكتاب أكثر من غيره . وبهذا شهد له الكثيرون وكان القديس أنطونيوس يتعلم أحيانا من أولاده من أولاده الذين هو معلمهم . كما قال، أنه كان يأخذ أحيانًا من تلميذه الأنبا بولس البسيط ، وكان هذا يسكن فى مغارة تحت مغارة معلمه فى الجبل . وكانت فى حياته بساطة ونقاوة ، يصلح سلوكه أن يكون نافعا ومفيدا لمن يرغب فى المنفعة وهناك أمور تعلمها القديس أنطونيوس من الله مباشرة، عن طريق الكشف ، آو عن طريق الملائكة فلما حورب بالضجر فى الوحدة ، أرسل له الله ملاكا يريه كيف يصلى ويعمل بيديه ، ويقاتل الضجر بعمل اليدين وأراه الملاك الزي الرهباني ، القلنسوة المملوءة صلبانا ولما حورب بالمجد الباطل ، أرشده الله إلى حيث يوجد القديس الأنبا بولا السائح، ليأخذ درسا من حياته ويتضع وقد تعلم القديس أنطونيوس أيضا من الخبرة ومن حروب الشياطين كان يتعلم من الحيل التى يستخدمها الشياطين معه ، ومن أفكارهم وحروبهم ومحاولاتهم لإسقاطه . وهكذا بالخبرة والممارسة تدرب على أشياء كثيرة، واتسعت معارفه ولهذا بعد أن قضى تلميذه الأنبا بولس البسيط فترة معه، يتتلمذ عليه، ويعيش تحت ظل صلواته، وكان يود أن يستمر هكذا ، أمره الأنبا أنطونيوس أن يسكن فى مغارة وحده، (لكى يجرب حروب الشياطين )… ويختبر ، ويتعلم ، ويتقوى وفى الواقع كانت اختباراته كثيرة وعلى مدى طويل لقد عاش فى حياة الوحدة والنسك والصلاة أكثر من ثمانين عاما ، وقد حفلت – وبخاصة فى بدايتها – بالعديد من الحروب ، أثارها الشياطين عليه لكى يبعدوه عن هذه الحياة الملائكية حاربوه بالأفكار والشكوك وشككوه فى هذا الطريق ، وفى مصير أخته، وفى إمكانية استخدام المال للخير بدلا من توزيعه على الفقراء . وحاربوه بالحواس ، والمناظر المخيفة، وحاربوه فى عفته بمناظر العبث والنساء وظهروا له بهيئة فهود ونمور وأسود وحيوانات متوحشة ليرعبوه فانتصر عليهم ولم يخف . وقال لهم [ لماذا هذا التجمهر؟ لو كنتم أقوياء ، لكان واحد منكم فقط يكفى لمحاربتي ، بينما أنا أضعف من مقاتلة أصغركم] نقطة ذكاء حاربوه أيضا بالضرب والإيذاء وبالأخص حينما كان يسكن فى المقبرة، فى بدء رهبنته وربما يكون قليل من القديسين قد ضربوا من الشياطين ضربا عنيفا، كما حدث للأنبا أنطونيوس لقد ضربوه بعنف شيطاني لا رحمة فيه ، حتى تركوه فى المقبرة ما بين حي وميت . وهو نفسه قال عن هذا الحادث :[ إن الضربات التى كانت تقع على . كانت من القوة والعنف ، بحيث أنني لا أظن أن قوة بشرية تستطيع أن تضرب بمثل ذلك الإيلام وبمثل تلك القسوة]…. ولما جاء العلماني الذي يخدمه ووجده هكذا ، حمله إلى كنيسة القرية وهو فى غيبوبة ، فبكى عليه الناس. وعند منتصف الليل تقريبا ، وكان الناس قد انصرفوا ، فتح الأنبا أنطونيوس عينيه، وسأل الأخ العلماني:[ أين أنا ؟] فلما أخبره أنه فى كنيسة القرية ، قال له :[ احملني إلى المقبرة]. ولما أدخله فيها ،قال له :[ اغلق وأمضى ]. ثم أعتدل الأنبا أنطونيوس وقال للشياطين[ إن كان الله قد أعطاكم سلطانا على ، فمن أنا حتى أقاوم الله؟! وإن كان الله لم يعطكم سلطانا ، فلن يستطيع أحد منكم أن يؤذيني !]. وبدأ يرتل مزاميره الرب نوري وخلاصي ممن أخاف ؟! الرب عاضد حياتي ممن أرتعب؟ عند اقتراب الأشرار منى ليأكلوا لحمى ، مضايقي وأعدائي جزعوا وسقطوا . إن يحاربني جيش ، فلن يخــاف قلبي . وإن قــام على قتــال ، ففي هـــذا أنا مطمئن" وكانت الشياطين تنحل أمامه كالدخان وتمضى صارخة ولما أنتصر هكذا على الشياطين ، بدأت الشياطين تخافه عالمة أنه أقــوى منها . وتعلــم هـــو من هذا دروسا تعلم أن لا يخاف من الشياطين ، وتعلم قوة الصلاة والمزامير وعجز الشياطين أمامها . وتعلم الشجاعة أيضا ، والصلابة فى الجهاد . وأخذ خبرة فى العمل الروحي وفى حروبه ومن ذلك الحين ، بدأت الشياطين تخافه، لأنه هزمها فى أكثر من ميدان . وألقى فيما بعد عظته عن ضعف الشياطين وأخذ قوة من ذلك كله ، على إخراج الشياطين وطردهم وعاش هذا الجبار وحده فى الجبل ، يملأ البرية صلاة وتأملات وتسبيحا وترتيلا وقدسية وطهرا، وترتعب منه الشياطين ، وتحيطه الملائكة.وعرف متى يقول لهم فى أتضاع : أيها الأقوياء، ماذا تريدون منى أنا الضعيف ؟ أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم . ألا تعلمون أنى مجرد تراب ورماد؟ وتواضعه هذا كان يحرقهم ويطردهم بعيدا وعرف أيضا متى يكون حازما وشديدا معهم . ويقول لهم فى ثقة[ لو كنتم أقوياء ، لكان واحد منكم يكفى لمحاربتي ] .[ إن كان الله لم يعطكم سلطانا على ، فلن يستطيع أحد منكم أن يؤذني] وأستطاع أيضا أن يميز أفكارهم وخداعهم وأحلامهم فى إحدى المرات أتاه الشيطان مرة ليوقظه ليصلى!! فلم يسمع منه . وقال له : متى أردت أن أقوم للصلاة، سأقوم وأصلى . ولكن منك أنت لا أسمع وفى إحدى المرات تعجب البعض من سر كشفه لهم ، فسألوه عن ذلك قال :[ أتى الشياطين فى حلم وأخبروني ] لقد أكتسب إفرازا وعلما من حروب الشياطين إن الأنبا أنطونيوس فى تعليمه لغيره ، إنما كان يعلم من حصيلة خبرة طويلة ، لم يكن يعلم من معرفة الكتب . لم يحدث أنه قرأ كتابا وفهمه ، وأخذ أفكاره وشرحها للناس إنما كان يحيا الحياة ، ويجرب ويختبر. ثم يعلم لقد عرف الشياطين وحروبهم ، وعرف الأفكار وحروبها ، وعرف الجسد وحروبه ، وجرب الرؤى والأحلام … ومن ناحية أخرى ذاق حلاوة العشرة مع الله ، فى الوحدة والصلاة ، والتعزيات الإلهية، والكشف الإلهي ، والتأمل ومن واقع هذه الخبرة الطويلة مدى عشرات السنوات ، كان يتكلم كلاما عمليا عن خبرة وتجربة ، وليس كلاما من الكتب . لذلك كان لكلامه تأثير إن خبرة 90 سنة فى الروحيات ليست أمرا هينا إنها رحلة طويلة مشاها مع الله فى الجبل المقدس … مشوار طويل مشاه فى البرية، فى الصحراء ، يده فى يد الله ، وحياته فى قلب الله… يختبر ويذوق ما أطيب الرب . والقديس الأنبا أنطونيوس ، كانت له عينان مفتوحتان ، تكشفان الأسرار وتستطيعان أن تمزقا الحجب ، وتريان ما لا يرى فى مرة من المرات كان واقفا مع تلاميذه ، ثم رأوه قد سها قليلا ونظر إلى فوق فترة، ثم تنهد . فسألوه… فقال :[ لقد أنتقل اليوم عمود كبير من أعمدة الرهبنة … لقد رأيت روح الأنبا آمون وهى صاعدة إلى السماء تزفها الملائكة]صدقوني يا أخوتي ، لقد وقفت مذهولا فترة أمام هذه العبارة …! ما الذي رآه الأنبا أنطونيوس ؟ وكيف رأى ؟ إن أرواح البشر لا تراها العين المحسوسة المادية ، وكذلك أرواح الملائكة ! فهل رأى الأنبا أنطونيوس هذه الرؤيا بالروح أم بالجسد! إن كان بالروح فكيف وهو فى الجسد ؟! وإن كان فى الجسد فكيف؟ هل ظهرت الملائكة فى هيئة منظورة، كما يظهرون أحيانا للبشر، وهل كذلك ظهرت روح الأنبا آمون ؟ أم كان الأنبا أنطونيوس فى ذلك الوقت :" فى الروح " كما كان يوحنا الحبيب ( رؤ 1 :10) ، " فى الجسد أم خارج الجسد ؟ لست أعلم. الله يعلم " ( 2 كو 12: 2) كان الأنبا أنطونيوس رجلا مفتوح العينين ، يكشف له الله أمورا وأسرارا وقد تعلم كثيرا من الكشف الإلهي ، وتعلم من الرؤى ومن الملائكة كما سبق له وتعلم من الموت ومن الحياة ، من الأبرار ومن الخطاة ، ومن التأمل فى كلام الله ولما امتلأ علما فاض من علمه على الآخرين وكان الفلاسفة يأتون إليه، ليتعلموا من هذا الأمي فى نظر فلسفة اليونان والرومان …! هذا هو الأنبا أنطونيوس العجيب الكنيسة مملوءة من العلماء والفلاسفة والمفكرين ، ومملوءة من الأساقفــة والمطارنة والبطـــاركة وكل رتب الكهنوت ولكن ليس فيها كثيرون من أمثال الرجل العظيم الأنبا أنطونيوس ! . من هذه الطاقة الروحية الجبارة ، التى احتقرت الدنيا وما فيها وزهدت كل شئ : المال والشهرة والأسرة، ومتع الأرض كلها ، والجسد … فأصبح الله له هو الكل فى الكل نادرا ما نجد إنسانا ناسكا زاهدا عابدا، مثل الأنبا أنطونيوس ! فكم بالأكثر إنسانا قائدا معلما مثالا فى هذا الطريق كالأنبا أنطونيوس ! نبغ فى الروحيات ، اختبرها ، وعلمها لغيره ، بالتعليم والقدوة الصالحة نطلب بركة هذا القديس العظيم ، وبركة هذه الكنيسة المقدسة ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد أمــــــــين ، مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب تأملات فى حياة القديس أنطونيوس
المزيد
12 فبراير 2020

صوم نينوى تاريخيا

ورد في مقدمة قطماروس الصوم الكبير أن هذا الصوم دخل للكنيسة القبطية في عهد البابا أبرآم بن زرعة السرياني (976-979م) الـ62 من بابوات الكرازة المرقسية(1)، وذلك بعد أن أتم الله في عهده معجزة نقل الجبل المقطم سنة 978م تقريبًا. وذكر العلامة جرجس ابن العميد الملقب بابن المكين (+1273م) في كتابه مختصر البيان في تحقيق الإيمان الشهير باسم الحاوي أن البابا ابرآم "أراد بذلك اتفاق كنيسة القبط مع كنيسة السريان في هذا الصوم لائتلاف المحبة، كما يوجد بينهما الائتلاف في الأمانة الارثوذكسية"(2)، كما أوضح ابن المكين السبب الذي من أجله وُضِع هذا الصوم في فترة ما بعد عيد الغطاس المجيد وفي غضون أيام رفاع الصوم الكبير، تنبيهًا للنفس بالتوبة وضبط الشهوات تمهيدًا لاستقبال الصوم الأربعيني(3). ومن المعروف أن هذا الصوم قديم جدًا في كنيسة المشرق السريانية التي كان ينتمى لها هذا البابا القديس، إلا أن الآراء تباينت في أصله وتاريخه، وفيما سوف نستعرض ملخص لهذا التاريخ. ففي بادئ الأمر كان ستة أيام تُفرَض على المؤمنين في وقت الشدة، ويُستدلّ على ذلك من ميامر القديس مار آفرام السرياني (+373م)، حيث ورد عنوان الميامر ما ترجمته عن السريانية: "مقالات مار آفرام في الطلبات التي تقام في زمن الغضب"، ولكن هذا الصوم أُهمِل عبر الأجيال(4). وفي القرن السادس الميلادي أصبح ثلاثة أيام فقط تُصام سنويًا، وذلك بعد أن أصاب الناس في بلاد فارس والعراق وخاصة منطقة نينوى مرض يُسمّى (الشرعوط)، وهي لفظة سريانية معناها (الطاعون أو الوباء)، وعلامته ظهور ثلاث نقط سوداء في كفّ الإنسان حالما ينظر إليها يموت. فخلت مدن وقرى كثيرة من الناس، حتى اضطر الملك كسرى أنوشروان أن يستأجر رجالاً لدفن الموتى من كثرتهم. فقرّر رعاة الكنائس المشرقية في تلك البلدان أن يصوم المؤمنون لمدة ثلاثة أيام ونادوا باعتكاف، وتوبة قوية نسجًا على منوال أهل نينوى وسُمِّي "صوم نينوى" لأن المؤمنين الذين صاموه أولاً كانوا يقطنون في أطراف نينوى(5). بينما يذكر المطران مار ديونيسيوس ابن الصليبي (+1171م) في كتابه المجادلات (بالسريانية) أن واضع صوم نينوى هو مار ماروثا مفريان(6) تكريت (+649م)، وهو الذي فرضه على كنيسة المشرق في منطقة نينوى أولاً(7). ولكن مؤرِّخو الكنيسة الشرقية يذكرون أن سبب هذا الصوم شدّة طرأت على الكنيسة في الحيرة فصام أهلها ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ مواصلين الصلاة إتمامًا لوصية أسقفهم يوحنا أزرق فنجاهم الله من تلك التجربة(8)، وهذا ما أكّده المفريان مار غريغوريوس أبو الفرج ابن العبري (+1286م) في كتابه "الكنيسة الشرقية"(9). ومما هو جدير بالذكر أن المصادر القبطية القديمة تذكره دائمًا باسم "صوم نينوى"، ولم يُعرَف باسم "صوم يونان" إلاّ حديثاً(10)، ومدته عندنا ثلاثة أيام فقط. بينما دخل هذا الصوم في الكنيسة الأرمنية عن طريق الكنيسة السريانية أيضًا، ولكن يُعرَف عندهم باسم "صوم مسروب"، ومدته عندهم ستة أيام. بينما لم يُعرَف أبدًا في الكنائس الأرثوذكسية البيزنطية. (1) قطماروس الصوم الكبير، عني بطبعه الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا والقمص برنابا البرموسي، ط.2، سنة 1669ش/ 1953م، ص4. (2) ابن المكين، الموسوعة اللاهوتية الشهيرة بالحاوي، ج4، طبعة دير المحرق، 2001م، ص242. (3) ابن المكين، المرجع السابق، ص243-244. (4) الراهب حنا دولباني، "صوم نينوى"، مجلة الحكمة، القدس، المجلد الرابع سنة 1930م، ص 62 (5) المطران إسحق ساكا النائب البطريركي العام، السريان ايمان وحضارة، ج5، دمشق 1986م، ص 304. (6) المفريان: كلمة سريانية تعني "المُثمر"، وهي رتبة كهنوتية تُعطَى لكبير الأساقفة في منطقة جغرافية بعيدة عن مقر الكرسي البطريركي، فهى أعلى من المطران ودون البطريرك. (7) مار إغناطيوس زكا الأول عيواص، بحوث لاهوتية عقيدية تاريخية روحية، ج2، ط.1، العطشانة – لبنان 1998م، ص 263. (8) المخطوط 159 سرياني بمكتبة دير مار مرقس للسريان الأرثوذكس بالقدس، بخط عبد يشوع جثاليق المشرق سنة 1567م، راجع: الراهب حنا دولباني، مرجع سابق، ص63. (9) المخطوط 211 سرياني بمكتبة دير مار مرقس للسريان الأرثوذكس بالقدس، راجع: المطران إسحق ساكا، مرجع سابق، ص305. (10) لم نستدل على كاتب عندنا استخدم هذا التعبير قبل الأنبا إيسيذوروس في كتابه الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة، ج.2، ط.1، 1923م، ص 236 القس باسيليوس صبحى
المزيد
16 أغسطس 2020

بتولية مريم العذراء فى كتب أبوكريفا

كما كانت عقيدة "الدائمة البتولية" لمريم العذراء عقيدة راسخة فى الكنيسة، كانت أيضاً منتشرة فى الكتابات الأبوكريفيه التى إنتشرت فى القرن الثانى وحتى السادس والتى أعطاها مؤلفوها لقب أناجيل ونسبوها أو أسموها بأسماء بعض الرسل لتلقى رواجاً بين بعض المؤمنين، وكانت تعبر عن الفكر الشعبى المسيحى وأحياناً يعتبر بعضها تاريخاً. ومع أن الكنيسة رفضتها من البداية لأنها أخذت أفكارها الرئيسية من الأناجيل القانونية ولكن موضوعاتها كانت مخله مملؤه بالمعجزات الصبيانيه الخرافية ومع ذلك فهى لا تعدو كونها تراث فكرى وشعبى مبكر، خاصة وإن كانت أفكار تلك الكتب منسجمة مع فكر الكتاب المقدس والكنيسة، وهذه الكتب الأبوكريفية غير القانونية أو معظمها أكدت دوام بتولية مريم العذراء. وقد أكدت كتب أبوكريفا على دوام بتولية القديسة مريم وهى: 1- كتاب صعود أشعياء: وجد رحمها كما هو عليه قبل الحمل. 2- كتاب أناشيد سليمان: أنها ولدت أبناً بغير آلام المخاض 3- إنجيل العبرانيين المنحول: كاتب إنجيل العبرانيين يهودي متنصِّر جمع أخبار يعقوب بتدقيق يعوَّل عليه، وإنجيل العبرانيين هو أوثق كتابات الأبوكريفا وأقدمها حسب رأى العالِم ليتفوت وجاء فيه: أن يعقوب هذا كان قد قطع على نفسه أن لا يأكل خبزاً بعد أن شرب الرب الكأس (كأس الموت) حتى يراه قائماً من الأموات، وبعد القيامة ظهر له الرب، وأخذ خبزاً وباركه وكسر وأعطى يعقوب قائلاً: كُلْ خبزك يا أخي لأن ابن الإنسان قد قام من بين الأموات. وهذه الرواية تشابه قصة ظهور الرب ليعقوب، طبقاً لما جاء فى رسالة بولس الرسول الأولى لأهل كورنثوس، حسب ما إستلم وهو في أُورشليم في زيارته الأُولى: +(كونثوس الأولى 15: 5-8) 5وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ. 6وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ أَكْثَرُهُمْ بَاقٍ إِلَى الآنَ. وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. 7وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. 4- إنجيل بطرس المنحول: هو كتاب أبوكريفى من القرن الثاني أو قبل نهايته، وجده سيرابيون أسقف أنطاكية متداولاً في مدينة روسوس Rhossus إحدى مدن كيليكية وقد وصل ليوسابيوس القيصري قطعة من كتابة سيرابيون الأسقف هذا يقول فيها إن هذا الإنجيل كان متداولاً منذ أيام قديمة. ويقول العالِم المصري أوريجانوس إنه اطّلع على هذا الإنجيل وفيه أن أخوة الرب كانوا أبناء ليوسف القديس من زوجة سابقة. وهكذا يؤكِّد دوام بتولية القديسة مريم العذراء. 5- إنجيل يعقوب الأول المنحول: - دافع كتاب إنجيل يعقوب الأول غير القانوني عن بتولية القديسة مريم مشيرا إلى أن أخوة يسوع ليسوا إلا أبناء القديس يوسف من زواج سابق. هذه الفكرة انتقلت إلى الكتابات القبطية والسريانية واليونانية، كما نادى بها بعض الأباء العظام، فأشار إليها كل من القديس أكليمنضس الإسكندري وإغريغوريوس النيصيصي وكيرلس الإسكندري وأمبروسيوس والعلامة أوريجانوس وهيجيسيوس ويوسابيوس أسقف قيصرية وهيلارى من بواتييه وأبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص الذي دافع عن هذه الفكرة بحماس شديد حتى نسبت إليه: "الأبيفانية". ويقدم هذا الكتاب يوسف النجار كرجل متقدِّم في الأيام عندما خُطبَت له القديسة مريم العذراء، وكان له أولادٌ من زوجة سابقة ولكن لم يكن له بنات. - أن سيدة تدعى سالومى قد لاحظت بتولية القديسة مريم بعد ولادة يسوع. - "وقال الكاهن ليوسف أنت أخترت من الكثيرين لتأخذ عذراء الرب لتحفظها لديك وكان يوسف خائفاً وأخذها ليحفظها عنده". - أن القديسة مريم ولدت من يواقيم وحنة الشيخين، وأن والدتها قد نذرت أبنتها خادمة للرب كل أيام حياتها. وفي الثالثة من عمرها، قدمت مريم للهيكل، حيث كانت تتغذى بأيدي ملائكة. وبحسب التقليد القبطي يحتفل بعيد "دخولها الهيكل" في الثالث من شهر كيهك، فيه نذكر الطفلة مريم كعذراء تعيش بين العذارى، فنترنم باللحنين التاليين: - "في سن الثالثة قدمت يا مريم للهيكل، جئت كحمامة، وأسرعت الملائكة إليك!" - "كانت بين العذارى تسبح وترنم معهن، دخلت الهيكل بمجد وكرامة". وفي الثانية عشر من عمرها اجتمع الكهنة ليناقشوا أمرها إذ كان يلزم أن تترك الهيكل. فأحضروا اثني عشر رجلا من سبط يهوذا، وأودعوا عصيهم داخل الهيكل. وفي اليوم التالي أحضر أبيثار الكاهن العصي وقدم لكل منهم عصاه. وأن أمسك القديس يوسف بعصاه حتى جاءت الحمامة استقرت عليها، كانت بيضاء أكثر من الثلج وجميلة للغاية، صارت ترفرف لوقت طويل بين أجنحة الهيكل وأخيرا طارت نحو السماوات. عندئذ هنأ الشعب كله الشيخ، قائلين له: "هوذا قد صرت مطوبا في شيخوختك أيها الأب يوسف، فقد أظهرك الله مستحق الاستلام مريم. أما القديس ففي البداية أعتذر بشيخوخته، ولكنه أطاع الكهنة الذين هددوه بحلول غضب الله عليه إن رفض. 6- إنجيل متى المنحول: "ترتيب جديد فى الحياة إكتشف بواسطة مريم وحدها التى وعدت أن تظل عذراء لله". وذكر أن العذارى كن مع مريم وقت أكتشاف يوسف للعمل قلن له: "يمكن أن تختبر أنها ما زالت عذراء ولم تلمس". وجاء فيه أن سالومى لما شكت فى حقيقة بتولية العذراء ودوام هذه البتولية قالت: "أسمح لى أن المسك وعندما سمحت لها.. صرخت... بصوت عال وقالت: يارب يارب يا قدير أرحمنا‍‍ لم يسمع أبداً ولم يفكر فى أن واحد امتلأ ثدياها باللبن وأن ميلاد ابن يبين أن أمه ما تزال عذراء... عذراء حبلت، عذراء ولدت، وتظل عذراء". وهذه الواقعة تذكر أيضاً فى إنجيل يعقوب الأولى. 7- إنجيل طفولة مريم: - سوف لن تعرف إنساناً أبداً فهى وحدها بدون نظير، نقية، بلا دنس، بدون اجتماع رجل، هى عذراء، ستلد ابناً. - أخذ يوسف العذراء طبقاً لأمر الملاك كزوجة له وبرغم ذلك لم يعرفها ولكن أعتنى بها وحفظها فى طهارة. 8- كتاب تاريخ يوسف ومريم: يدعو كتاب "تاريخ يوسف ومريم" العذراء ب "السيدة مريم أمه العذراء". 9- كتاب نياحة وصعود مريم: يدعو مريم: المقدسة، والدة الإله، العذراء النقية، العذراء دائماً، مريم المطوبه، العذراء مريم. 10- كتاب طفولة المخلص: يدعو كتاب "طفولة المخلص" مريم ب "السيدة مريم أمه العذراء".
المزيد
16 أغسطس 2019

ألقاب مريم العذراء من حيث أمومتها للسيد المسيح

7- ومن الألقاب التي وصفت بها العذراء (ثيئوطوكوس qeotokoc). أي "والدة الله". وهذا اللقب الذي أطلقه عليها المجمع المسكوني المقدس المنعقد في أفسس سنة 431م. وهو اللقب الذي تمسك به القديس كيرلس الكبير ردًا على نسطوروبهذا اللقب "أم ربي" خاطبتها القديسة أليصابات (لو4: 43). 8- ومن ألقابها أيضًا المجمرة الذهب. ونسميها (تي شوري) ]ourh أي المجمرة بالقبطية. وأحيانًا شورية هارون أما الجمر الذي في داخلها، ففيه الفحم يرمز إلى ناسوت المسيح، والنار ترمز إلى لاهوته، كما قيل في الكتاب "إلهنا نار آكلة" (عب12: 29) فالمجمرة ترمز إلى بطن العذراء الذي فيه كان اللاهوت متحدًا بالناسوت. وكون المجمرة من ذهب، فهذا يدل على عظمة العذراء ونقاوتها. ونظرًا لطهارة العذراء وقدسيتها، فإن العذراء نسميها في ألحانها المجمرة الذهب. 9- وتلقب العذراء أيضًا بالسماء الثانية: لأنه كما أن السماء هي مسكن الله، هكذا كانت العذراء مريم أثناء الحمل المقدس مسكنًا لله. 10- وتلقب العذراء كذلك بمدينة الله: وتحقق فيها النبوءة التي في المزمور "أعمال مجيدة قد قيلت عنك يا مدينة الله" (مز86)، أو يقال عنها "مدينة الملك العظيم" أو تتحقق فيها نبوءات معينة قد قيلت عن أورشليم. أو صهيون كما قيل أيضًا في المزمور "صهيون الأم تقول إن إنسانًا صار فيها، وهو العلي الذي أسسها.." (مز87). 11- وبهذه الصفة لقبت بالكرمة التي وجد فيها عنقود الحياة: أي السيد المسيح. وبهذا اللقب تتشفع بها الكنيسة في صلاة الساعة الثالثة، وتقول لها "يا والدة الإله، أنت هي الكرمة الحقانية الحاملة عنقود الحياة". 12- وبصفة هذه الأمومة لها ألقاب أخرى منها: • أم النور الحقيقي، على اعتبار أن السيد المسيح قيل عنه إنه "النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان" (يو1: 9) وبنفس الوضع لقبت بالمنارة الذهبية لأنها تحمل النور. وأيضًا: • أم القدوس. على اعتبار أن الملاك حينما بشرها بميلاد المسيح قال لها".. لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35). • أم المخلص، لأن السيد المسيح هو مخلص العالم. وقد دعى اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (مت1: 21). 13- ومن رموزها أيضًا العليقة التي رآها موسى النبي: (خر3: 2). ونقول في المديحة "العليقة التي رآها موسى النبي في البرية، مثال أم النور طوبها حملت جمر اللاهوتية، تسعة أشهر في أحشاها ولم تمسسها بأذية". فالسيد الرب قيل عنه إنه "نار آكلة" (عب12: 29) ترمز إليه النار التي تشتعل داخل العليقة. والعليقة ترمز للقديسة العذراء. مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث من كتاب السيدة العذراء مريم
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل