المقالات

06 سبتمبر 2021

آباء العصور الوسطى

لا يختلف بقية آباء العصور التالية كثيرا عما سبق يقول سويرس (حوالي 363 –420)، أن معلمه القديس مارتن أسقف تورز أعتقد أن ضد المسيح كان قد ولد فعلا وأنه صبي يستعد لنوال القوة في السن المناسبة. وقال نارساى السرياني (399- 503 م)، أن ضد المسيح هو إنسان يلبسه الشيطان تماما، فيصنع عجائب باهرة، ويؤسس سلاما غاشا، ويطلب أن يعبد. وأن إيليا سيعود إلي العالم لكي يقاوم ضد المسيح باسم البشرية المؤمنة، وسيغلبه في معركة واحدة حاسمة، بالروح القدس، متسلحا بالكلمة وفي نهاية المعركة يظهر السيد المسيح نفسه ويتوج نصرة إيليا بسحق ضد المسيح في الجسد والنفس. وقال اكيومينس (في بداية القرن السادس) أن ضد المسيح سيأتي إنسانا يلبسه شيطان ويصير ملكا علي اليهود ويقبل إيليا وأخنوخ النبيين اللذين يظهران في أواخر الدهور. وقال رومانس (القرن السادس أيضا) أن ضد المسيح هو الشيطان متجسدا، فهو يقاوم مؤمني المسيح بقوة. كما أنه يصنع معجزات ويقيم موتي، ويبذل كل جهده لكي يقود الأبرار إلي حجال عرسه. وأنه سيلقي في النار الأبدية، هو وملائكته وكل الأشرار. وقال أندروس مطران قيصرية أن ضد المسيح يأتي من سبط دان، من باشان في منطقة الفرات. ويظهر كشخص إلهي ويقيم نفسه إمبراطورا رومانيا، ويعيد تأسيس الإمبراطورية الرومانية، لكنه لا يجعل عاصمتها روما بل يقيمها مملكة أرضية عامة، هي " جسد الذين يقاومون كلمة الله في كل الأزمنة والأماكن "أما الأب يوحنا الدمشقي (حوالي 650- 750 م) فقال " أن ضد المسيح سيكون إنسانا عاديا قابلا للموت، مولودا من زنا، تلبسه قوة شيطانية، وسيقبله اليهود بحماس. سيضطهد الكنيسة ويخدع كثيرين بعلامات وعجائب كاذبة. عندما يأتي السيد المسيح علي السحاب كما صعد في مجد ويهلك الإنسان غير الشرعي (ضد المسيح) 000 ينبغي أن تعلم أن المسيح الدجال لا محالة آت وأنه لمسيح دجال كل من لا يعترف أن ابن الله قد أتي بالجسد وأنه إله كامل وأنه قد صار إنسانا كاملا بعد أن كان إلها. ومع ذلك فبالمعني الخاص والحصري فإنهم يدعون المسيح الدجال ذاك الذي سوف يأتي في منتهى الدهر. ومن ثم ينبغي أن يكرز أولا بالإنجيل في جميع الأمم (مت 24: 14)، كما قال الرب، ثم يأتي الدجال ليحاج اليهود مقاومي الله، فقد قال الرب لهؤلاء: " أنا أتيت باسم أبي فلم تقبلوني، ويأتيك آخر باسم نفسه فذاك تقبلون " (يو 5: 43). وقال الرسول أيضا: " لذلك يرسل الله إليهم عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، ويدان جميع الذين لم يؤمنوا بالحق بل ارتضوا بالإثم " (2 تس 2: 10- 12). " فاليهود إذا لم يقبلوا الرب يسوع المسيح، علي أنه ابن الله والله، ويقبلون الغاش المدعي بأنه الله. وقد سمي نفسه الله لان الملاك الملقن لدانيال يقول هكذا: " لا يعبأ بآلهة آبائه " (دا 11: 37). ويقول الرسول " لا يخدعنكم أحد بوجه من الوجوه، لأنه لابد أن يسبق الارتداد أولا، ويظهر إنسان الخطيئة ابن الهلاك المعاند المترفع فوق كل من يدعي إلها أو معبودا حتى إنه يجلس في هيكل الله ويري من نفسه أنه هو الله " (2 تس 2: 3 – 4). هو يقول " في هيكل الله " - لا هيكلنا - بل الهيكل القديم اليهودي، لأنه لا يأتي إلينا بل إلي اليهود. ليس لأجل المسيح، بل ضد الذين هم للمسيح. لذلك يدعي المسيح الدجال "." وعليه ينبغي أن يكرز بالإنجيل في جميع الأمم، " وحينئذ يظهر الذي لا شريعة له ويكون مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبالعلامات والعجائب الكاذبة، وبكل خديعة وظلم في الهالكين، فيهلكه الرب يسوع بنفس فمه ويبطله بمجيئه " (2 تي 2: 8 – 10). وعليه فإنه ليس هو الشيطان الذي يصير إنسانا علي مثال تأنس الرب، حاشا! بل هو إنسان يولد من زني، ويتسلم كل عمل الشيطان. وقد سبق الله وعلم شناعة اختياره فترك للشيطان أن يسكن فيه ". " إذا قلنا إنه سيولد من زني ويتربي في الخفية ويثور فجأة ويستولي ويملك. وفي أوائل تملكه أو بالأحرى تجبره يتظاهر بالعدل. وعندما تكون قد اتسعت سلطته يضطهد كنيسة الله ويظهر كل شره. " ويكون مجيئه بالعلامات والعجائب الكاذبة " (2تس 2: 9) المضلة وغير الصادقة. ويخدع من كان أساس ذهنهم فاسدا وضعيفا ويبعدهم عن الله الحي " ويضل المختارين لو أمكن " (مت 24: 24)." وسيرسل الله أخنوخ وإيليا التشبي فيعيدان قلوب الأباء إلي الأبناء، أي شيوخ المجمع إلي ربنا يسوع المسيح وإلي كرازة الرسل. ولكنه سيقتلهما. ثم يأتي الرب من السماء كما كان شاهده الرسل القديسون صاعدا إلي السماء، إلها كاملا وإنسانا كاملا، بمجد وقوة، فيهلك بنفس فمه الإنسان الزائغ عن الشريعة وابن الهلاك.فلا يتوقعن أحد إذا مجيء الرب من الأرض بل من السماء، علي ما أكده لنا هو نفسه ". 4 - أضداد كثيرون للمسيح عبر التاريخ القديم والمعاصر وكما تحدث السيد المسيح عن ضد المسيح، المسيح الكذاب، أو المسيح الدجال، الذي وصفه "بالآخر " والذي وصفه القديس بولس ب " ابن الخطية، الأثيم، ابن الهلاك " تحدث أيضا عن أنبياء كذبة ومسحاء كذبة وقال " انه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضا " (مت24: 24)، تحث القديس يوحنا عن " أضداد للمسيح كثيرون " ؛ " أيها الأولاد هي الساعة الأخيرة وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتي قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون من هنا نعلم أنها الساعة الأخيرة " (1يو 2: 18). وكما بينا أعلاه فمن أهم صفات أضداد المسيح ؛ إنكار لاهوت المسيح وتجسده ووحدانية الآب والابن، أي إنكار الثالوث المقدس وعمل الفداء. وهذا الفكر ينطبق على الكثيرين عبر التاريخ من أصحاب البدع والهرطقات وغيرهم، سواء في العصور القديمة أو الحديثة، من أمثال اريوس وشهود يهوه والمورمنس 00الخ كل الذين أنكروا لاهوت المسيح وعقيدة الثالوث والتجسد وعمل الفداء.وقد وُصف قادة اليهود بسبب موقفهم الرافض والمقاوم للمسيح والمسيحية بأنهم أضداد ليس للمسيح فقط بل ولكل الناس لأنهم وقفوا ضد طريق الخلاص " الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن وهم غير مرضين لله وأضداد لجميع الناس (1تس2: 15). كما وُصف عدد كبير من القادة وغيرهم عبر التاريخ القديم والحديث بلقب " ضد المسيح " بسبب مواقفهم المختلفة والمقاومة سواء من جهة العقيدة المسيحية أو بسبب نظريات تفسيرية معينة. وفيما يلي ملخص لأهم هؤلاء من خلال ما سجله لنا تاريخ الكنيسة المسيحية القديم والحديث، وما سجلته الكتب وغيرها من وسائل المعرفة: (1) ضد المسيح والإمبراطورية الرومانية ؛ تحدث القديس يوحنا بالروح،كما بينا أعلاه، عن أضداد كثيرين للمسيح وكل واحد منهم هو نموذج ورمز وصوره ضد المسيح الآتي في نهاية العالم. وقد تحقق إعلان الوحي على مر التاريخ في انتيوخس ابيفانس مجسم ونموذج ضد المسيح في القديم، وتصور بعض الآباء أنه سيمون الساحر. وكانت الإمبراطورية الرومانية في نظر المسيحيين في القرون الأولى هي ضد المسيح وأباطرتها هم أضداد للمسيح والمسيحية الرومان من كاليجولا إلى نيرون إلى دقلديانوس.. الخ. والذين كانوا اشد قسوة واكثر هولا على المسيحيين والمسيحية وحاولوا استئصال المسيحية من جذورها. ففي سنة 40م أصدر جايوس قيصر المعروف بكاليجولا أمرا بوضع تمثاله في الهيكل في أورشليم، وأرسل كتيبتين من جنوده لتنفيذ هذا الأمر بالقوة وهنا تصور المسيحيون واليهود أن نبوة المسيح عن رجسة الخراب (مت15: 24،16) قد تحققت. ولكن كاليجولا مات فجأة ولم ينفذ أمره! وفى سنة 64م أضطهد نيرون المسيحيين بشدة وأتهمهم بحريق روما، ومنذ ذلك التاريخ أعتبر الكثيرون من الآباء أن نيرون هو ضد المسيح. وقد أستمر ذلك حتى بعد موته! وظهرت نظرية تقول أنه سيقوم من الموت ويكون هو ضد المسيح! وأعتقد كل من لاكتانيوس (240 -320م) وجيروم (340 -420م) واغسطينوس 354 -430م)، أن ضد المسيح هو نيرون القائم من الموت والعائد إلى الحياة! ولما حاول الإمبراطور شارلمان (742 - 814 م) إعادة إحياء الإمبراطورية الرومانية ثانية رأوا فيه ضد المسيح المذكور في نبوات سفر دانيال وسفر الرؤيا. وعندما غزا نابليون بونابرت (1769 - 1821م) أوربا وحاول توحيدها رأوا فيه نفس ما رأوه في شارلمان، ونفس الشيء حدث مع القيصر ولهيم Wilhem، وكذلك وصف كل من هتلر (1889 - 1945م) في ألمانيا، وموسيلينى (1899 - 1955م) في إيطاليا بسبب محاولاتهم أحياء الإمبراطورية الرومانية. ونفس الشيء أيضا يقال عن السوق الأوربية المشتركة والتي ينظرون إليها باعتبارها الإمبراطورية الرومانية العائدة إلى الحياة!! وما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يمهد لمجيء الوحش أحد أعضاء ما يسمى بالثالوث الشيطاني الذي سيحكم العالم ضد حكم المسيح، وكذلك الكومبيوتر العملاق الذى يوجد في المقر الرئيسي في بروكسل ببلجيكا والذي يقال أنه يضم معلومات عن كل شخص على وجه الأرض ويدار بواسطة ثلاث مجموعات مكونة من ست (6) وحدات رقمية!! (2) ولما ظهرت حركة الإصلاح البروتستانتية قالوا أن بابا روما هو ضد المسيح، وقال مارتن لوثر (1483- 1546م) أن النظام البابوي، كل بابوات روما، هو ضد المسيح، وكانوا يصفون ضد المسيح بشخص مثل البابا. وما تزال هذه النظرة عند بعض البروتستانت إلى بابا روما حتى اليوم!! بل ويصفون البابوية بأنها بابل الزانية التى اضطهدت القديسين!! وبنفس الطريقة وصف الكاثوليك مارتن لوثر بأنه ضد المسيح!! ويقول أحد الكتاب من الكنيسة الإنجيلية المشيخية " من يضطهد من؟ حقيقة أن الكاثوليكية الرومانية متهمة باضطهاد الكثيرين. ولكن هذا الاتهام لا ينطبق علي الكاثوليكية فقط، بل أيضا علي البروتستانت. فإذا كانت الكاثوليكية قد اضطهدت البروتستانت، فهناك اضطهادات كثيرة ارتكبها البروتستانت ضد الكاثوليك - بل هناك الملايين من الجنود من كلا الطرفين قتلوا في حرب الثلاثين عاما من 1618 - 1648 - بجانب اضطهاد الكنيستين لأصحاب مذهب أل Anabaptists (الذين ينادون بقصر المعمودية علي الكبار دون الأطفال) والهراطقة ".وعندما حدثت الثورة الفرنسية وحاول رجالها بإيحاء من مفكرين من أمثال فولتير القضاء على المسيحية سواء الكاثوليكية أو البروتستانتية، وحولوا كاتدرائية نوتردام إلى معبد لعبادة العقل، نظر إليهم المؤمنين على أنهم ضد المسيح، وقالوا أن ضد المسيح أظهر نفسه. (3) كما وصف بعض رؤساء الدول من المعاصرين بأن كل منهم هو ضد المسيح لأسباب مختلفة ؛ فقد وصف ستالين في روسيا الشيوعية والذي قتل 30 مليون نسمة من شعبه بسبب اضطهاده للمسيحية والدين عموما، والديكتاتور الأسباني فرانشيسكو، وجون كيندى الذى كان أول رئيس كاثوليكي للولايات المتحدة الأمريكية، بسبب تبعيته للكنيسة الرومانية، كما أن عدد الأصوات التى حصل عليها من المرشحين في الحزب الديموقراطي (666) صوتاً، وهنري كيسنجر بسبب أصله اليهودى وكونه أمريكي ونشاطه في مشكلة الشرق الأوسط وحسب اسمه الأخير هو (666)، والملك الأسباني خوان كارلوس بسبب نسبه وسبب دخول أسبانيا كالدولة العاشرة في السوق الأوربية المشتركة وقالوا أنه سيكون ملكا لأورشليم وحامى حمى الكاثوليكية، وآية الله الخومينى بسب موقفة من أمريكا، والرئيس الأمريكي رونالد ويلسون ريجان لأن كل اسم من أسمائه الثلاثة يتكون من ستة حروف Ronald Wilson Reagan كما أن رقم منزله في كاليفورنيا كان (666) علما بأنه رجل متدين وقد قام بتحويل رقم منزله إلى 668، والرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف أول رئيس روسي يؤيد حقوق الإنسان وبسبب تأييده للنظام العالمي الجديد ولأن اسمه في الروسية هو " جوجرا باتشيف " والحروف الثلاثة الأولى من اسمه هي " جوج " التى تقول النبوات أنه سيحارب إسرائيل، والرئيس العراقي صدام حسين الذى ينظرون إليه باعتباره الوحش في سفري دانيال والرؤيا ولأنه يحاول أحياء الإمبراطورية البابلية من جديد ويحاول إعادة بناء برج بابل، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لأنه وقع معاهدة السلام مع إسرائيل سنة 1993م، السلام الذى يقولون أنه السلام الزائف الذى سيستمر سبع سنوات، وكذلك العروسة، الدمية، الديناصور بارني لأنها تشبه الوحش Dragon الأرجواني في سفر الرؤيا!! وعدى أبن الرئيس صدام حسين لأنه أكثر شراسة من أبيه وهناك احتمال أن يكون الرئيس التالي له، والرئيس الأمريكي كلينتون والرئيس الفرنسي جاك شيراك والرئيس السوري حافظ الأسد الذى يمثل الملك السوري مضطهد اليهود أو ملك الشمال والملك حسين ملك الأردن، الراحل، لأنه الرئيس العربي الوحيد الذى له علاقات ودية مع إسرائيل!! والأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا بسبب أصله الروماني!! وهناك شخصيات معاصرة أيضا كثيرة أعطيت لقب ضد المسيح بسبب أعمالها وما تدعيه لنفسها. وعلى سبيل المثال ؛ القس صان ميانج مونSun Myung Moon قائد الكنيسة الموحدة Unification Church ويدعى أنه المسيا ودخل السجن بسبب عدم دفعه للضرائب ويتبعه أكثر من 000, 30 شخص من الأمريكيين. وجورو مهيراجي Guru Mahereji رئيس إرسالية النور الإلهي Divine Light Mession والذي وعد بأن يعلن الله وأن يؤسس سلاما عالميا. ويطلقون عليه لقب المعلم الكامل وتضم جماعته 500 ألف أمريكي وأكثر من 8 مليون هندي. والساحر الأمريكي ديفيد كوبر David Cuper والذي يعمل أعمال سحرية مبهرة والذي أوحى للناس أنه أخفى تمثال الحرية لمدة 15 دقيقة في وجود وكالات الأنباء والصحافة والتليفزيون، كما أوحى أيضا أنه اخترق سور الصين العظيم بجسده إلي جانب الأخر. وغير هؤلاء يوجد عدد كبير من المسحاء الكذبة في الوقت الحاضر والذي يصل عددهم إلى الآلاف فقد نشرت مجلة " أخبار الحوادث " بتاريخ 23/ 3/ 1995 ص 25 تحت عنوان: حرب شرسة جديدة تجتاح العالم " المسيخ الدجال " بالجملة " احترسوا إنها حرب جديدة تجتاح العالم، أبطالها بعض الدجالين والمتخلفين دينيا وعقليا أطلقوا علي أنفسهم الأنبياء الجدد أو المسيخ الدجال! وصل عدد هؤلاء الدجالين إلى 50 ألف مسيخ دجال من بينهم 500 في فرنسا! نوعية من البشر أصبحت تشكل خطورة بالغة علي عشرات الملايين من الأفراد.. تأثير خادع وضلال اشد وطأة من اغتيال الشخص نفسه ممارسات مجنونة تصل إلى حد الإغتصاب والانتحار الجماعي وأفعال إجرامية غريبة 000 هذا وقد اثبت القطاع العالمي للأبحاث والدراسات حول المسيح الذي يراقبه " رونالد ديكون " إن كل مدعي النبوة أو المسيخ الدجال يجب أن يتمتع بوجه قريب الشبه من وجه السيد المسيح ويجيد التحدث بطلاقة ومنطق وتسلسل منتظم، أيضا يجب أن يكون علي دراية بأصول الإنجيل، لا يبتسم كثيرا، ولا يأكل اللحوم وله مقدرة جنسية كبيرة تفوق كل العامة من البشر وأخيرا يأتي ببعض أعمال السحر أو ما يشابه ذلك مثل شفاء المرضى ".ومن هؤلاء " بيتر بولينو " الفرنسي الذي يعمل رجل مطافئ.فقد وقع له في عام 93 حادث مروع ادخله في غيبوبة لمدة 3 أسابيع قام من بعدها يدعي النبوة ويقول ان في استطاعته رؤية الطالع والمستقبل أطلق علي نفسه " مصلح العالم " وانه مندوب المسيح علي الأرض 000!! ومن هؤلاء أيضا الأيسلندية " ميلاني نيلياك " المرأة التي بدأت نشاطها عام 1989 واستمرت فيه حتى القي القبض عليها في يونيو 1994 بعد أن تمكنت وبيدين من حديد أن تسيطر وتجند 21 ألف فتاة انتحر منهن 400 فتاة. (4) وكان الفيلسوف الوثني بروفيرى عدوا شديدا للمسيحية وحاول اقتلاعها من جذورها في كتابه ضد المسيحيين "، وكذلك اليهود الذين صلبوا المسيح وقتلوا يعقوب ابن زبدى ورجموا استيفانوس. وفى العصور الحديثة رفضت العقلانية الوحي والنبوات وبالتالي الكتاب المقدس ككلمه الله، وكانت ضدا شديدا للمسيح والمسيحية. ورفضت الشيوعية على مدى 70 سنه وجود الله من الأساس واعتبرت الدين أفيون الشعوب وحرمت الكتاب المقدس وسجنت وأعدمت آلاف، بل وملايين من المؤمنين بالمسيح بسبب إيمانهم، والفت كتاب أسمته " سفر الإلحاد " يحارب ما جاء في الكتاب المقدس ويحارب وجود الله ذاته وكل الأديان التى تؤمن بالله، فكانت بذلك اشد ضد للمسيح في القرن العشرين. (5) ضد المسيح أو الخطر القادم من المريخ!! ومن أعجب ما كتب عن ضد المسيح هو ما تقوله كتابات الهيئة الأمريكية المعروفة ب UFOs ونقله عنها أحد الكتاب، هنا في مصر، من أن ضد المسيح ليس بشر ولن يولد من امرأة بل سيأتي من الفضاء الخارجي ومن كوكب آخر لأنه ببساطة يؤمن مثلهم أن ضد المسيح هو ملاك الشيطان، الشيطان نفسه الذي سيظهر في شكل إنسان، ويقول " نخلص مما تقدم بنتيجة قوامها أن الدجال لم يولد ولن يولد فالولادة أي التجسد من أعمال القدرة الإلهية وقد اقتضتها ضرورة إتمام عمل الفداء ولا ضرورة تقتضي الولادة للقيام بأعمال التضليل "!! ثم يقول مؤكدا " من المحقق أن المسيح الدجال هو الشيطان ذاته مستعلنا 000 ومن الكتب المقدسة نعلم أن الشيطان عند إستعلانه على الأرض كضد للمسيح سيتخذ من مدينة صور اللبنانية مقرا له للسيطرة على العالم كما سيتخذ من هيكل الله الذي في قلب البحار (أي في مدينة صور الأممية) مسكنا له، وسيجلس فيه في ترفع واستعلاء ليطهر نفسه أنه إله "!! ويقول أنه سيستعلن في هيئة جسمية منظورة ومرئية " منتحلا اسم المسيح وصفته وهيئته لخداع البشر لكي يدان جميع الذين لا يقبلون الحق بل سروا بالإثم "!! ثم يقول أنه سيأتي على طبق طائر، مركبة نارية سماوية لأنه يعتقد أن الأطباق الطائرة ما هي إلا مركبات كاروبيمية ملائكية " أننا ندق ناقوس الخطر، فالخطر قادم وضد المسيح على الأبواب وسوف تستيقظ الدنيا ذات يوم على نبأ هبوط طبق طائر أو مركبة نارية قرمزية في مدينة صور " الزانية المنسية " التي سوف يصير لها ملك على ملوك الأرض عندما يملك عليها ضد المسيح كما جاء بالأنبياء "!! بل ويرى أن السيد المسيح نفسه سيأتي في مجيئه الثاني على طبق طائر أيضا!! فيقول " والمحقق كتابيا أن مركبات الكروبيم هي بحسب طبيعتها مركبات سمائية طائرة، وعلى إحدى هذه المركبات سوف يأتى رب المجد في مجيئه الثاني على سحاب السماء "!! ثم يحدد مجيئه أو نزوله " في منتصف ليلة 14/15 مايو سنة 2010م!! والسؤال الآن ؛ من هو ضد المسيح كما يتبين من الكتاب المقدس ومما قاله معظم أباء الكنيسة عبر كل القرون والعصور، وما قاله علماء الكتاب المقدس، في معظم الطوائف الأساسية؟ 5 - ضد المسيح وإسرائيل يجمع معظم أباء الكنيسة والدارسين والمفسرين في كل العصور على أن ضد المسيح هو إنسان، شخص يهودي، سيولد كإنسان عادى من رجل وامرأة ثم يدعى بعد ذلك أنه المسيح الحقيقي الذي ينتظره اليهود.فقد سبق الله ووعد، كما بينا سابقا، بأن نسل المرأة الذي هو نسل إبراهيم واسحق ويعقوب وداود، الذي هو المسيح سيأتي ليخلص العالم من خلال تجسده، مجيئه بالجسد من بنى إسرائيل " ومنهم المسيح بالجسد ". وقد أنتظر اليهود هذا المسيح القادم، الذي سيولد منهم لمئات السنين، وقد تركز فكرهم لا في خلاصهم من عقوبة الخطية والموت الأبدي، بل تركز في خلاصهم وجمعهم من الأمم وسيطرتهم على العالم وأن يجعلهم يعيشون في سلام وأمان! وفسروا جميع نبوات العهد القديم عن المسيح بصورة حرفية بحتة، كما فعل التدبيريون بعد ذلك (أنظر الفصل السادس)، ولما جاء السيد واشبع الجموع بخمسة خبزات وسمكتين آمنوا أنه هو الآتي " فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا أن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم، وأما يسوع فإذ علم انهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكا انصرف أيضا إلي الجبل وحده 000 ولما وجدوه في عبر البحر قالوا له يا معلم متى صرت هنا؟ أجابهم يسوع وقال الحق الحق أقول لكم انتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم. اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم ابن الإنسان لان هذا الله الأب قد ختمه " (يو 14: 6،15،25-27). وقال أمام بيلاطس البنطى " مملكتي ليس من هذا العالم " (يو36: 18). ولما وجدوا أن دعوته لا تهتم بما يتمنون ويأملون قالوا "ماذا نصنع فان هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة أن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وامتنا " (يو47: 11،48). ومن ثم قرروا قتله!! ولا يزال اليهود حتى اليوم ينتظرون مجيء المسيح الذي سيحقق لهم توقعاتهم وأحلامهم! فيملك عليهم كابن داود المنتظر ويجمعهم من كل الأمم ويعيد أورشليم إلى ما كانت عليه، بل ويجعلها عاصمة العالم الروحية، وفى الوقت الحالي يتوقعون قرب مجيئه، ويقول بعضهم أنه سيأتي قبل سنة 2000م!! ويقول بعض الربيين أن المسيح المنتظر سيبنى الهيكل، هيكل سليمان، أو ما يسمونه حاليا بالهيكل الثالث، ويعيد تقديم الذبائح الحيوانية عليه كما كانت أيام موسى وسليمان..الخ (ملا 1: 3)! ويقول حاييم ريتشمان رئيس معهد الهيكل في إسرائيل " بصرف النظر عن كون الهيكل سيبنى قبل أو بعد ظهور المسيا، فالشخص الذي سيأتي من نسل داود، الذي سيكون إنساناً تاماً، والذي سيكون أعظم معلم وجد في الوجود، والذي ستكون له القوة المسلمة إليه ليعيد البشرية إلى قيمها الروحية الأصلية ويعيد ربط كل شخص هو المسيا ". ونتيجة لحلم اليهود هذا وانتظارهم للمسيح " الآخر الذي سيأتي من نفسه " فقد شهد التاريخ اليهودي وشهدت التجمعات اليهودية في أوربا وآسيا منذ القرن الأول الميلادي وخلال العصور الوسطي الكثيرون الذين ادعوا وزعم كل منهم أنه المسيح المنتظر!! وكانت نهايتهم جميعا واحدة وهي الفشل الذريع أو الموت. فقد ظهر في القرن الثاني الميلادي 24 شخصاً يهودياً أدعى كل منهم أنه المسيح المنتظر ومن أشهرهم باركوبه الذي أدعى أنه رئيس الأمة اليهودية وملكها فانحاز إليه اليهود ضد الرومان وانتهى بالهلاك. وفى القرن الثاني عشر ظهر عشرة رجال ادعى كل منهم أنه المسيح، وكان من بين أولئك المسحاء الكذبة " داود الرائي " (1147 م) والتحق بهم عدد غفير من اليهود.. ومات كثيرون منهم بسبب الاضطهادات. وفى عام 1250م ظهر ابراهام أبو العافية، وفى سنة 1502م ظهر أشير لاملين. وكان أشهرهم سبتاي تسيفي الذي أعلن نفسه انه المسيح عام 1664 م، وفى عام 1682م ظهر مردخاى الألماني الذي هرب باتباعه ولم يعرف له مكان. وفى القرن التاسع عشر ظهر في باريس رجل فرنسي ادعى أنه المسيح ولم ينحز إليه إلا عدداً قليل ثم أختفي مع أنصاره!! ويؤمن اليهود أنه سيظهر فجأة في الهيكل ويجلب السلام لإسرائيل ثم لكل العالم. ويقول الكتاب أن ضد المسيح سيكون له نفس هذه الصفات. فهو مسيح كاذب، وسيأتي باسم نفسه، كما قال السيد المسيح " أنا قد أتيت باسم أبى ولستم تقبلونني أن أتى أخر باسم نفسه فذلك تقبلونه " (يو5: 43). فهو الآخر أو الذي يدعى أنه المسيح، المسيح الكذاب، والذي يسميه الكتاب ضد المسيح. وعبارة ضد المسيح في أصلها اليوناني Anti Christ وتعنى ضد المسيح وأيضا بديل المسيح. وهو إنسان كما كان المسيح أيضا إنساناً، فقد ولد المسيح في ملء الزمان من امرأة وكان مجربا مثلنا في كل شيء بلا خطية (غل4: 4؛ عب15: 4). وهكذا سيكون من يدعى أنه المسيح، المسيح الكاذب، ضد المسيح. فاليهود يتوقعون مسيا من نسل داود وليس ملاك من السماء، ولكن المسيحيين هم الذين يتوقعون المجيء الثاني للرب من السماء (1كو 47: 15). والمسيح الكذاب سيظهر لليهود على أنه المسيا الآتي من نسل داود، الموعود نسل إبراهيم واسحق ويعقوب، ولن يظهر للمسيحيين على أنه المسيح الآتي ثانية من السماء. ومن ثم يدعوه الكتاب ب " إنسان الخطية ابن الهلاك " (1تس 3: 2). ويبدو أن عبارة إنسان الخطية مع عبارة معصية الخراب التي سترتبط بظهوره في الهيكل أوحت للبعض أنه سيولد من زنى، لذا قال البعض أنه سيأتي من شاب من سبط دان، كما حدد تاريخ ميلاده وختانه وظهوره وقد مرت كل التواريخ التي ذُكرت ولم يظهر شيء!! " بعد حرب يونية 1967م واستيلاء اليهود على مدينة القدس حُبل بهذا الطفل نتيجة علاقة وقتية بين شاب يهودي (من سبط دان - تك 16: 49،17) - وغالبا كان هذا الشاب جندي في هذه الحرب – وشابة صغيرة في سن المراهقة، وولد هذا الإنسان بعد تسعة شهور من آخر يونية 1967م، أي في آخر مارس 1968م 000 فيوم 2أبريل هو يوم ختان الطفل – معصية الخراب – مسيح اليهود الكذاب 000 وجدير بالذكر أن هذا الإنسان سيظل مجهولا ولن يعرفه أحد من بنى البشر، فقط الله في سمواته، وكذلك على الأرض الشيطان الذي سيعده لساعة ظهوره في سن الثلاثين لخديعة العالم 000 ولابد أن يكون ظهوره في سن الثلاثين لكي يكون مطابق للنبوات.سنة ظهور المسيح الكذاب = مارس 1968 + 30 سنة = مارس - أبريل 1988م. أي في وقت عيد فصح اليهود من 10 - 17 أبريل م. ". وسيملك هذا الشخص في أورشليم مدة يصفها الكتاب في سفر الرؤيا بزمان وزمانين ونصف زمان (رؤ14: 12) و " أثنين وأربعين شهرا " (5: 13) و" 1260 يوما " (رؤ3: 11)، ثلاث سنوات ونصف. في أثناء هذه المدة، سواء كانت مدة رمزية أو حرفية، سيجلس في هيكل الله ويعطى لنفسه ألقاب السيد المسيح فيدعى أنه المسيح وأنه إله ويحاول أن يضل حتى لو أمكن المختارين! ثم يتحول إلى تمجيد نفسه ويقوم بعمل معجزات بخديعة الشيطان " ويصنع آيات عظيمة حتى انه يجعل نارا تنزل من السماء على الأرض قدام الناس، ويضل الساكنين على الأرض بالآيات التي أعطى أن يصنعها أمام الوحش " (رؤ13: 11،14). وسينخدع فيه ويصدقه ويجرى وراءه ويؤمن به بعض من اليهود ويرفضه المؤمنون. ثم يتحول إلى محاربة " وأعطى أن يصنع حربا مع القديسين ويغلبهم وأعطى سلطانا على كل قبيلة ولسان وأمة " (رؤ13: 7)، " وحينئذ سيستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه، الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في الهالكين لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا. ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب " (2تس8: 2-11).ومع عدم موافقتنا على تحديد زمن محدد للمجيء الثاني وظهور ضد المسيح ونهاية العالم، لأنها ضد ما قاله السيد المسيح، نقول أن كثيرين من الأباء قالوا أن ضد المسيح، أو المسيح الكذاب يأتى من سبط دان وذلك بسبب نبوة يعقوب عن سبط دان القائلة " دان يدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل. يكون دان حية على الطريق افعوانا على السبيل يلسع عقبي الفرس فيسقط راكبه إلي الوراء " (تك17: 49،18)، وعدم ذكر سبط دان نهائيا في سفر الرؤيا ضمن أسباط إسرائيل الأثنى عشر واستبداله بمنسي ابن يوسف (رؤيا 7).وهكذا وجد أضداد كثيرين للمسيح والمسيحية وسوف يأتي ضد المسيح الرئيسي في المستقبل قبل المجيء الثاني للمسيح والدينونة وسيرى منه المؤمنون كل ما سبق أن كتب عنه في سفر دانيال والعهد الجديد.وسوف تحدث حروب بين جنود المسيح وبين ضد المسيح وجنوده وستنتهي في النهاية بإبادة المسيح لهذا الدجال ضد المسيح ونرى في نهاية كل حديث عن ضد المسيح أن المسيح قد حطمه وأباده. ففي رؤيا دانيال يقول الملاك لدنيال عن فناء ضد المسيح أو القرن الصغير " فيجلس الدين وينزعون عنه سلطانه ليفنوا ويبيدوا(أي العشرة ملوك ضد المسيح وكل ما يتصل بالمملكة الرابعة) إلى المنتهى ". يقول يوحنا الرائي " هؤلاء الملوك العشرة " سيحاربون الحمل " المسيح " والحمل يغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك ". ويقول القديس بولس بالروح " الذي الرب يبيده بنفخه فمه ويبطله بظهور مجيئه".وما اجمل هذه الصورة التي نرى فيها المسيح منتصرا على الشر في وقت النهاية إذ أنه خرج غالبا ولكي يغلب لان أزمنة الأمم قد انتهت وجاء زمن رد كل شئ في الأبدية. يقول يوحنا الرائي " ثم رأيت السماء مفتوحة إذا فرس أبيض والجالس عليه يدعى أمينا وصادقا وبالعدل يحكم ويحارب. وعيناه كلهيب نار وعلى رأسه تيجان كثيرة وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو. وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله والأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزا ابيض ونقيا ومن فمه يخرج سيف ماضي لكي يضرب به الأمم وهو سيرعاهم بعصا من حديد وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شئ. وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب " (رؤ 11: 19-16). القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب المجيء الثاني متى يكون وما هي علاماته؟
المزيد
12 يوليو 2020

كرازة بولس الرسول

كان عند بولس الرسول رغبة حارة في كرازة اليهود؛ لأنه قبل أن يؤمن بالمسيح كان متعمِّقًا جدًا في دراسة الديانة اليهودية، وفي مقدمتها أسفار العهد القديم. فهو فريسي ابن فريسي (أع23: 6)، وتتلمذ على يدي غمالائيل (أع22: 3) من كبار معلمي اليهود. ولكن النعمة الإلهية حوّلت ما لديه من إمكانيات إلى فهم عميق للتدبير الإلهي في حياة الشعب الإسرائيلي منذ دعوة الله لأبينا إبراهيم، والدخول معه في العهود والوعود المختصة بالخلاص. واستطاع أن يتصدى لتيار التهوُّد في المسيحية، أي منع التمسُّك بحرفية الديانة مثل موضوع الختان إلى حرية مجد أولاد الله في سر المعمودية. هو لم يقصد أن يغيّر جوهر الديانة اليهودية، بل أن يبرز أن جوهرها هو خلاص الله في المسيح.ولكي يؤكّد بولس الرسول محبته لليهود وسعيه لأجل خلاصهم بالرغم من كرازته لليهود لكي يؤمنوا بالمسيح أنه قال «إِنَّ لِي حُزْنًا عَظِيمًا وَوَجَعًا فِي قَلْبِي لاَ يَنْقَطِعُ. فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُومًا مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ. الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ وَلَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالاِشْتِرَاعُ والْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ. وَلَهُمُ الآبَاءُ وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ» (رو9: 2-5).اليهود كانوا يتمسكون بأعمال الناموس كعهد الختان، وكتقديم الذبائح الحيوانية لمغفرة الخطايا، وخدمة الكهنوت الهاروني بالوراثة. وبولس الرسول كان يوضّح لهم أن الختان لم يعد ختان الجسد بقطع جزء منه؛ بل «خِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ» (رو2: 29) الذي يتم في المعمودية لقطع الإنسان العتيق «عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ» (رو6:6). وأن الذبائح الحيوانية كانت رمزًا لذبيحة الصليب التي بها تم خلاص البشرية من حكم الموت الأبدي لكل من يؤمن ويعتمد. وأن خدمة الكهنوت الهاروني قد أبطلها كهنوت المسيح الذي قال الرب عنه «أقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ، أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ» (عب7: 21).ولكن السيد المسيح كان قد أعدّ بولس الرسول لكرازة الأمم حتى أنه صار له لقب «رَسُولٌ لِلأُمَمِ» (رو11: 13). وبالرغم من رغبته الحارة في كرازة اليهود، إلّا أنه قد استقبل توجيهات من الرب قال عنها: «وَحَدَثَ لِي بَعْدَ مَا رَجَعْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَكُنْتُ أُصَلِّي فِي الْهَيْكَلِ أَنِّي حَصَلْتُ فِي غَيْبَةٍ. فَرَأَيْتُهُ قَائِلًا لِي: أَسْرِعْ وَاخْرُجْ عَاجِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ لأَنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ شَهَادَتَكَ عَنِّي. فَقُلْتُ: يَا رَبُّ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنِّي كُنْتُ أَحْبِسُ وَأَضْرِبُ فِي كُلِّ مَجْمَعٍ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِكَ. وَحِينَ سُفِكَ دَمُ اسْتِفَانُوسَ شَهِيدِكَ كُنْتُ أَنَا وَاقِفًا وَرَاضِيًا بِقَتْلِهِ وَحَافِظًا ثِيَابَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ. فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَإِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلَى الأُمَمَ بَعِيدًا» (أع22: 17-21). وقال أيضًا: «وَفِي اللَّيْلَةِ التَّالِيَةِ وَقَفَ بِهِ الرَّبُّ وَقَالَ: ثِقْ يَا بُولُسُ لأَنَّكَ كَمَا شَهِدْتَ بِمَا لِي فِي أُورُشَلِيمَ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَشْهَدَ فِي رُومِيَةَ أَيْضًا» (أع23: 11).وقد تأكّد ذلك من قَبل الكنيسة في لقاء بولس الرسول مع الآباء الرسل يعقوب أخي الرب وبطرس ويوحنا في أورشليم، إذ كتب في رسالته إلى أهل غلاطية «فَإِذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ، أَعْطَوْنِي وَبَرْنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحْنُ لِلأُمَمِ وَأَمَّا هُمْ فَلِلْخِتَانِ» (غل2: 9). نيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
27 أكتوبر 2020

القُمُّص بِيشُوي بُطْرُس(من رواد مدارس احد اسكندرية)

وُلد ثروت بطرس فى ٦ ديسمبر ۱٩٤۲ بمدينة نقادة محافظة قنا ، من أسرة كهنوتية ؛ فكان جده القمص متياس ، لذلك تربىَ في وسط تقوى أصيل ، جعله يذهب في شبابه ليتتلمذ في خدمة الدياكونية الريفية على يد المتنيح الطيب الذكر أنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة ؛ حيث أخذ يجُوب البلاد والنجوع واعظاً ؛ إلى أن أتى إلى القرى المحيطة بغرب الإسكندرية في طريقها الصحراوى بإرشاد القمص بولس بولس رائد الدياكونية ومدارس الأحد الشهير . أسس الشماس ثروت فروع مدارس الأحد واجتماعات الوعظ للكبار كخادم مكرس في كتيبة الدياكونية الريفية، فبدأ أول خدمة في منطقة الصحراوى (مصر - إسكندرية) على جانبي الطريق لأطراف متباعدة منها (منطقة كينج مريوط -المستعمرة - عبد القادر - العرجى - العامرية - الناصرية - قرى النهضة - العشرة آلاف - النوبارية - بهيج - برج العرب - الغربنيات - الحمام - الضبعة..) حيث كان الأخ ثروت بطرس يجمع الناس في خدمة كرازية بدأها في البيوت والحقول وبذرها من لا شيء؛ بلا إمكانيات ولا زاد ولا زواد ؛ حتى دعته النعمة ليكون كاهناً للمذبح المتنقل في الصحاري والبراري ؛ يفتقد ويزور كل بيت وموضع ؛ بداية من ضواحي الإسكندرية إلى مشارف محافظة مطروح ؛ قبل أن تُبنىَ كنيسة هناك آنذاك ؛ لكنه تشرَّب فكر الإنجيل وكرازة بشارته التي تأسَّست عليها منهجية مدارس الأحد ؛ فأسس الكنيسة كمعنىً وكحياةٍ أولاً؛ حتى أفاض الله عليه بالعطايا عندما بنى الكنيسة كمبنىً ؛ بل وكنائس وقباب ومنارات أعدها العَليُّ لسُكناه ومواضع لرضاه ؛ لأجل استصلاح الصحاري والجُدُوب ؛ لزراعة فلاحة الله ببذار الكلمة .سيم كاهناً في ٤ / ٧ / ١٩٧٥ بيد الأنبا باخوميوس مطران البحيرة والخمس مدن الغربية ؛ بإسم القس بيشوي ؛ وصار باكورة كهنة المذبح المتنقل في القطر المصري لقطاع الصحراء الغربية ..بداية من بوابات الاسكندرية ومحيطها الصحراوي والساحلي .ليكون المذبح المتنقل والقداسات اليومية زاده الوحيد ، حاملاً الأوانى المقدسة للقرى المجاورة (في شنطته المتهرئة الشهيرة)، رافعاً الصعائد والقرابين ومفسراً لكلمة الحياة ، محباً للتكريس وللصلاة والكتاب المقدس ولخدمة الأطفال والكبار، ولخدمة الفقراء والأعضاء المتألمة، وأيضاً اهتم بأعمال التنمية والترقية الريفية؛ محولاً الطريق الصحراوي إلى طريق عامر بالبيع والكنائس المقدسة ؛ وَفِيًّا للروح والطريقة التي تسلمها من رُوَّاد التربية الكنسية والدياكونية الريفية على يد الخدام الكبار أنبا صموئيل أسقف الخدمات الأول وأنبا أثناسيوس مطران بني سويف وم. يوحنا الراهب وم. يسي حنا ود. طلعت عبدة حنين وجيل الأولين الذين رفعوا عيونهم إلى السماء؛ وثبتوا أرجلهم على أرض واقع الإنسان المعذب ؛ كي يعبُروا إليه بالمعونة؛ من أجل الخلاص والإشباع والنجاة والحرية التي صنعها ابن الإنسان الكلمة المتجسد من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا... حقيقة صارت مدارس الأحد هي ثمرة الكنيسة ؛ وأيضاً الكنيسة صارت ثمرتها ؛ فهناك كنائس بدأتها مدارس الأحد؛ وكانت المباني الكنسية تالية لها .. وقد لمستُ ذلك في عشرات الفروع التي أنشأها أبونا القمص بيشوي بطرس ؛ عندما كان يبدأ خدمة قرية بإنشاء فرع لمدارس الأحد واجتماعاً للكبار يتحول إلى كنيسة ومذبح وذبيحة وليتورجيا ما بعد الليتورجيا ، في خدمة العطاء والتوزيع التي أجاد فُنُونها؛ وتطوَّر معها كخادم مُبدع في بساطته ؛ غنياً في افتقاره ؛ بناءاً حكيماً في أرض مَذَلَّته .ترقىَّ إلى رتبة القمصية في ۲٨ فبراير ۱٩٩۲ وقد أعطاه الله من فيض نعمته ، فمن كنيسة في كُوخ صغير؛ صارت كنيسة وكاتدرائية ضخمة؛ ومقراً لأسقفية جديدة وحديثة . رُسم لخدمتها عشرات وعشرات من الآباء الكهنة والمكرسين.. هذا وقد بنى مقودا بذراع الله الرفيعة ؛ أكثر من ٢٠ كنيسة لتكون منائر ومذابح لله وخدمات وملاجئ وبيوت لخدمة الحالات الخاصة ومستشفى لعلاج وخدمة الفقراء ؛ وأعمال مجيدة صار فضل القوة فيها لله الذي استخدم هذا الخادم البسيط والنقي ليكون آلة عمله ؛ حتي يتكامل ويزداد العمل بجهاد وأتعاب آباء جُدُد يستكملوا التسليم حسبما تسير كنيستنا على مر الأزمان . إن الخادم الغلبان ثروت بطرس (القمص بيشوي) رمزٌ وعلامة لخدام مدارس الأحد والدياكونية والقرى المجاورة؛ يجُول ويصلي ويبني ويعطي في خدمة نارية ؛ مهموماً بمحيط رعيته نارياً في خدمته ؛ محباً للفقراء وللتعمير ، يجول في الخلاء وقيظ الشمس حتى أخرجه الرب إلى الرَّحْب والسعة . وستبقى الخفيات في أعماله أكثر من المُعلَنَات ، وسيكافئه الرب عنها جميعاً . وعن روحة البسيطة والوثَّابة الطموحة التي استقاها من تلمذته للمتنيح أنبا صموئيل ومن قيادة القمص بولس بولس لخدمته ، ومن إرشادات أبيه الروحي القمص بيشوي كامل ؛ لذلك تمنطق وغسل الأرجل وأكمل الطاعة وصار قربانةً مطحونة وصعيدة مسحوقة مُقدَّمة كصعيدة حُب؛ ناطقة على المذبح وكشمعة أضاءت الأرجاء ، حاملاً على كتفه صليب الأتعاب والمسافات والظروف والصعاب، عندما مات مِيتات كثيرة في بناء وتأسيس النفوس والمباني بمشورات الله .تنيح بسلام فى ٥ مارس ۲٠۱۳ الموافق ٢٦ أمشير ١٧٢٩ وستبقى سيرته مثالاً للوُعاظ المتجولين ولخدام القرى المجاورة والمذبح المتنقل إلى يوم مجيء السيد الرب . القمص اثناسيوس جورج كاهن كنيسة الشهيد مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
20 أكتوبر 2018

د. موريس تواضروس

(العالم والفيلسوف اللاهوتي) فارقنا علامة فارقة من علامات هذا الجيل وهذا القرن ، د. موريس تواضروس عبد مريم ؛ المعتبر من المع علماء اللاهوت الاقباط المعاصرين ؛ و الذي صار صوت القبط اللاهوتى العالى وسط المحافل المسكونية الكنسية . تتلمذ للقديس الارشيدياكون حبيب جرجس "مدير المدرسة الاكليريكية" ، وكان من اول دفعاتها ؛ بل والاول علي دفعة القسم النهاري سنة ١٩٤٩.ثم حصل علي درجة الدكتوراة في مبحث ( الشخصية الانسانية عند القديس بولس الرسول ). وقد صار اهم مرجعية لليونانية ورئيس قسم العقيدة واللاهوت الكتابي بالكلية الاكليريكية القبطية ؛ وساهم في اعادة تاسيس كلية السريان - بمعرة صيدنايا بسوريا . دراسته للاهوت لم تكن فقط نتيجة جهد العقل ، لكنها اتت معبرة عن معرفة الهية "روحية وصافية وسماوية وسامية وغير كاذبة" ، معرفة خبرة ووداعة وانسحاق وغيرة ملتهبة وشركة مع الثالوث . في قانون الحق كوديعة متجددة ؛ فكرا وقورا وتقويا لائقا . من عاشره اشتم فيه عبير النساك والزهاد ، وانفاس الاتقياء الهدوئيين الحاذقين فى الخبرة والقناعة العقلية والايمانية ، هادئ الطباع ، خلوقاً بالطبيعة ، يحترم الكهنوت جداً ، ويهاب السلطان الكنسى ، سالكاً بحكمة وسط انواء وتيارات الازمنة . تضمنت كتاباته شروحات وتفسيرات وتعليقات ؛ وتأصيل ابائي . ورسالة تخاطب الروح ، فى اسلوب ادبى" واضح الفكر "؛ " وسهل الفهم " ، وربما تكراره كان من اجل بلوغ المدراك . عاش د. موريس هاضماً للكتاب المقدس ، ساعياً لمقاصده ، ومفسراً شارحاً ، ويحق ان نسميه "فلاحاً يحرث الكتاب المقدس بعهديه" . حيث كان الكتاب هو مرجعه وحجته الاساسية ، متقنا للتوثيق والحجة الابائية التى سلمها وحفظها كى تتخلى من المخابئ والزواياالخفية كل ظلمات البدع والانحرافات الايمانية . يعتبر للدكتور موريس الريادة فى اقتحام مجال الدراسة والبعثات ، فى زمن ضعفت وشحت فيه الامكانيات ، لكنه بلغ مراده كعالم لاهوتى ، له باعه الكافى في الالمام التام بأصول اللغة اليونانية .وله الفته الشديدة مع اساليب التفكير اليونانى الابائى ، مكرساً حياته لتكون وقفاً ابدياً ، من اجل خدمة التعليم الكنسى ؛ وقد أملت عليه الضرورة وموقعه الاكليريكى ، ان يحمل مشعل الدراسة والبحث والتدريس والتصحيح والترجمة والتلمذة المستقيمة عبر هذا القرن . فعلم خوارس الكنيسة القبطية بكل رتبها وطغماتها علوم البيعة ، منشغلاً بالكتابة والتدريس والتأليف والنشر اللاهوتى الابائى ؛ بقدرة ومهارة ومثابرة كثيرة . لقد اخذنا بكتاباته وتعليمه من ذروة الى ذروة ، فى غيرة متقدة موثقة بخطة كان يضعها فى راسه ، ثم يفصح عنها عندما تناقشه عما سيقدمه ، ويشاركك حلمه واشتياقه عندما يكون مؤرقاً من جهة مهمة يريد ان ينجزها . اما اذا وثق بإهتمامك وتعاطفك فى (قضيته العلمية اللاهوتية) . حينئذ سينقلك للمعانى الاكثر واقعية ، ويضعك كمسؤل معه بالتوسل ؛ كى لا يخيب امله فى استكمال ما ينجز . واذكر انه فى اخر اتصال تليفونى تم بيننا ، كان متحمساً ثائراً مؤرقاً من جهة استقامة التعليم ووحدته ، لكننى كنت مشفقاً على شيخوخته ، خاصة انه ذكر لى ان ما يكلمنى بصدده لم يجعله ينام الليل ، فرجوته ان يستريح يسيراً لكنه رفض ما لم اعده ( اوعده ) بالمساهمة فيما يسعى لاستكماله؛ حتي يصل الي اقصى درجة ممكنة لبيان الحقيقة . كم كان مشجعاً ، ومنمياً لصغار النفوس ، وكم قدم من عرقه وعلمه ودمه حتى النفس والفلس الاخير؛ سواء في حقل الاكليريكية او في حقل مدارس الاحد والتربية الكنسية التي كان من خيرة الرواد فيها . فحياته الحقيقية كانت عملاً صحيحاً وفكراً صحيحاً . نيح الله نفسه المباركة التي انطلقت الي المجد الاسني في ٤/ ٨ / ٢٠١٨ ؛ لتسبح الذكصا وترنم لحن اللاهوت في كورة الاحياء الي الابد القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج الأسكندرية
المزيد
12 يوليو 2021

القديس بولس الرسول رسول الجهاد ومدرسة الفضائل

نشأته ويمانه بالسيد المسيح:- وُلد شاول سنة 8 أو 9 م في طرسوس كيليكية التي تقع فى تركيا حالياً والتى كانت مركزا فلسفياً هامًا بعد أثينا والأسكندرية، لأب يهودى من سبط بنيامين ومن عائلة غنية وحاصل على الجنسية الرومانية ودُعي اسمه شاول أي المطلوب ..وهناك قضى طفولته حتى صار يافعًا وبعد أن تعلم اليونانية واللاتينية وثقافة بلده. جاء إلى اورشليم ليتعلم الناموس كفريسي مدقق عند قدمى أعظم معلمى عصره " غمالائيل " فدرس العهد القديم والتقليد اليهودى مما أهَّله للتبشير بين اليهود والأمم وتعلم حرفة صنع الخيام كما يأمر التلمود " فإن من لا يعلم ابنه حرفة فإنه يقوده للسرقة" وقد اعتمد على حرفته هذه كعمل اليدين له فى بادية الشام وأثناء تنقلاته حتى لا يكون ثقلاً على أحد { أنتم تعلمون أن حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان} (أع 20 : 34). وهكذا دعى الخدام للتعلم منه فيما بعد { في كل شيء أريتكم أنه هكذا ينبغي أنكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ} (اع 20 : 35) كان أولاً مضطهِداً لكنيسة الله { واضطهدتُ هذا الطريق حتى الموت مقيِّدًا و مسلمًا إلى السجون رجالاً ونساء (اع 22 : 4){ أنا الذي لست أهلاً لأن اُدعىَ رسولا لأني اضطهدتُ كنيسة الله }(1كو 15 : 9) . شَهد فى أورشليم استشهاد القديس استفانوس وكان حارساً لثياب الذين رجموه ولقد أثر فيه بالتأكيد هذا المشهد العجيب فى مغفرة استفانوس شهيد المسيحية الأول لراجميه وسلامه العجيب وهذا ما اختبره بنفسه فى تعرضه للرجم فيما بعد والاضطهاد من أجل اسم المسيح الحسن { فلما سمعوا هذا حنقوا بقلوبهم وصروا بأسنانهم عليه.وأما هو (استفانوس) فشخص الى السماء و هو ممتلئ من الروح القدس فراى مجد الله و يسوع قائما عن يمين الله. فقال ها أنا انظر السماوات مفتوحة وابن الانسان قائما عن يمين الله. فصاحوا بصوت عظيم وسدوا آذانهم وهجموا عليه بنفس واحدة. وأخرجوه خارج المدينة ورجموه والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له شاول. فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول ايها الرب يسوع اقبل روحي. ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تُقِم لهم هذه الخطية واذ قال هذا رقد} أع 54:7-60 لم يتقابل شاول مع الرب يسوع أثناء خدمته على الأرض ومع هذا دُعي ثالث عشر الرسل. وكان مقاوماً لتلاميذ المسيح والمؤمنين به كخطر على الديانة اليهودية { وأما شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالا ونساء ويسلمهم الى السجن} أع 3:8 .ولما علم ان الكنيسة فى دمشق نمت وكثر عدد المؤمنين فيها { اما شاول فكان لم يزل ينفث تهديدًا وقتلا على تلاميذ الرب فتقدم الى رئيس الكهنة. وطلب منه رسائل الى دمشق الى الجماعات حتى اذا وجد اناسا من الطريق رجالا او نساء يسوقهم موثقين الى اورشليم} أع 1:9-2. وفى الطريق الى دمشق ظهر له الرب يسوع المسيح وغير مجرى حياته ليصبح رسولا للجهاد والكرازة باسم المسيح { وفي ذهابه حدث انه اقترب الى دمشق، فبغتة ابرق حوله نور من السماء. فسقط على الارض وسمع صوتا قائلا له شاول شاول لماذا تضطهدني. فقال من انت يا سيد فقال الرب انا يسوع الذي انت تضطهده صعب عليك ان ترفس مناخس. فقال وهو مرتعد ومتحير يا رب ماذا تريد ان افعل فقال له الرب قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي ان تفعل. واما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون احدا. فنهض شاول عن الارض وكان وهو مفتوح العينين لا يبصر احدا فاقتادوه بيده و ادخلوه الى دمشق. وكان ثلاثة ايام لا يبصر فلم ياكل ولم يشرب. وكان في دمشق تلميذ اسمه حنانيا فقال له الرب في رؤيا يا حنانيا فقال هانذا يا رب. فقال له الرب قم واذهب الى الزقاق الذي يقال له المستقيم واطلب في بيت يهوذا رجلا طرسوسيا اسمه شاول لانه هوذا يصلي.وقد رأى في رؤيا رجلا اسمه حنانيا داخلا وواضعا يده عليه لكي يبصر. فاجاب حنانيا يا رب قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقديسيك في اورشليم. وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة ان يوثق جميع الذين يدعون باسمك. فقال له الرب اذهب لان هذا لي اناء مختار ليحمل اسمي امام امم وملوك وبني اسرائيل. لأني سأريه كم ينبغي ان يتالم من اجل اسمي. فمضى حنانيا ودخل البيت ووضع عليه يديه وقال ايها الأخ شاول قد ارسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس. فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور فأبصر في الحال وقام واعتمد. وتناول طعاما فتقوى وكان شاول مع التلاميذ الذين في دمشق اياما} أع 3:9-19. وبعد ان قضى بعد الوقت فى بادية الشام أخذ يبشر بالإيمان بيسوع المسيح ربا ومخلصاً { ثم خرج برنابا الى طرسوس ليطلب شاول ولما وجده جاء به الى انطاكية. فحدث انهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلّما جمعا غفيرا ودُعي التلاميذ مسيحيين في انطاكية اولا} (اع 11 : 26) . ثم ذهب الى أورشليم وتقابل هناك مع المعتبرين أعمدة من الرسل، بطرس ويوحنا ويعقوب { فاذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب و صفا ويوحنا المعتبرون انهم اعمدة اعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للامم وأما هم فللختان }(غل 2 : 9). خدمة القديس بولس الرسول:- على مدى حوالى الثلاثة عقود جال القديس بولس الرسول ومنذ اهتدائه للإيمان وحتى استشهد فى روما على يد نيرون فى 67 م ، جال مبشرا وكارزاً بإنجيل المسيح فى أسيا واوربا من قرية ومدينة الى أخري باسفاراً واخطاراً مراراً كثيرة وكان منهجه الروحى {أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ } ( غلا2: 20). {كونوا متمثلين بي ، كما أنا أيضاً بالمسيح } ( 1كو11 : 1). كان منقادا لروح الله القدوس كما قال عنه الكتاب {أما شاول الذى هو بولس أيضاً فامتلأ من الروح القدس} (أع 13)‏. وليس فقط ممتلئاً من الروح القدس، بل كان الروح يقوده فى كل تحركاته إذ نقرأ فى سفر الأعمال دعوة الروح القدس له للخدمة، {افرزوا لى برنابا و شاول} (أع 13). وكان الروح القدس يسمح له بالكرازة فى أماكن و يمنعه فى مواضع أخرى ونقرأ ‏‎‏وبعدما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية منعهم الروح القدس ان يتكلموا بالكلمة في آسيا‎‏ (أع 16). ‏‎{ وظهرت لبولس رؤيا في الليل رجل مكدوني قائم يطلب اليه ويقول اعبر الى مكدونية واعنا. فلما راى الرؤيا للوقت طلبنا ان نخرج الى مكدونية متحققين ان الرب قد دعانا لنبشرهم} أع 9:16-10 و ليس فقط فى التحركات بل فى التعليم كان مسوقاً بالروح القدس إذ يقول { و كلامي و كرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الانسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة. لكي لا يكون ايمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله. لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الاشياء الموهوبة لنا من الله. التي نتكلم بها ايضا لا بأقوال تُعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات} 1كو 4:2-5،13،14) وهكذا نتعلم كخدام المسيح لا ندرس الإنجيل فقط ولكن يجب أن يكون مثل بولس الرسول عاملاً بالانجيل فى حياته منقاداً بالروح القدس { لان كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله }(رو 8 : 14) .‏ قضى القديس بولس كل حياته في الخدمة بأمانة واجتهاد فى الأسفار فى جميع الأجواء والأراضى والظروف.‏ لذلك يجب أن يعرف الخادم أنه لا يوجد خدمة مريحة. لنسمع لعينة من الأتعاب التى واجهها القديس بولس الرسول برضى وفرح من أجل الكرازة { من اليهود خمس مرات قبلتُ أربعين جلدة إلا واحدة. ثلاث مرات ضُربت بالعِصِي، مرة رُجمت، ثلاث مرات انكسرت بي السفينة ليلا ونهارا قضيت في العمق. باسفار مرارا كثيرة باخطار سيول باخطار لصوص باخطار من جنسي باخطار من الامم باخطار في المدينة باخطار في البرية باخطار في البحر باخطار من اخوة كذبة. في تعب وكد في اسهار مرارا كثيرة في جوع وعطش في اصوام مرارا كثيرة في برد وعُري. عدا ما هو دون ذلك التراكم عليّ كل يوم الاهتمام بجميع الكنائس. من يضعف وانا لا اضعف من يعثر وانا لا ألتهب} 2كو 24:11-29. ويقول يشوع بن سيراخ يا إبني إن أقبلت لخدمة الرب الإله فاثبت على البر والتقوى واعدد نفسك للتجربة (إبن سيراخ 2: 1)، و لقد كان هذا تحقيقاً لقول السيد ‏المسيح لحنانيا عن بولس الرسول سأريه كم ينبغي ان يتألم من اجل اسمي. ومع كل هذه الأتعاب كان القديس بولس فرحاً فى الرب ودعانا للفرح الروحي { كحزانى و نحن دائما فرحون كفقراء ونحن نغني كثيرين كأن لا شيء لنا و نحن نملك كل شيء }(2كو 6 : 10). ولقد لخص مدى أخلاصه فى الكرازة فى أجتماعه بقسوس افسس { و من ميليتس ارسل الى افسس واستدعى قسوس الكنيسة. فلما جاءوا اليه قال لهم انتم تعلمون من اول يوم دخلت اسيا كيف كنت معكم كل الزمان.اخدم الرب بكل تواضع ودموع كثيرة وبتجارب اصابتني بمكايد اليهود. كيف لم اؤخر شيئا من الفوائد الا واخبرتكم وعلمتكم به جهرا وفي كل بيت. شاهدا لليهود واليونانيين بالتوبة الى الله والايمان الذي بربنا يسوع المسيح. و الان ها انا اذهب الى اورشليم مقيدا بالروح لا اعلم ماذا يصادفني هناك.غير ان الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلا ان وثقا و شدائد تنتظرني. و لكنني لست احتسب لشيء و لا نفسي ثمينة عندي حتى اتمم بفرح سعيي و الخدمة التي اخذتها من الرب يسوع لاشهد ببشارة نعمة الله } أع 17:20-24. القديس بولس مدرسة الفضائل:- لقد تسلم وعاش وعلم القديس بولس رسالة الإيمان كما تسلمها من الرب يسوع وروحه القدوس إذ يقول لانني تسلمت من الرب ما سلمتكم ايضاً (1كو 11: 23)‏وكانت تعاليمه لها روح تعاليم السيد المسيح نفسها فمن المخلص وبوحى روحه تعلمها وكان أميناً فى تسليمها {إذ يقول ‏لذلك انت بلا عذر ايها الانسان كل من يدين. لانك في ما تدين غيرك تحكم على نفسك} (رو 2: 1) و التى تقابل {لا تدينوا لكي لا تدانوا. لانكم بالدينونة التي ‏بها تدينون تدانون . وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم }(مت 7: 1، 2). و يقول أيضاً {لانه ان عشتم حسب الجسد فستموتون. ولكن ان كنتم بالروح تميتون اعمال ‏الجسد فستحيون }(رو 8: 13) و التى تقابل من تعاليم السيد {فان من اراد ان يخلّص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من اجلي يجدها} (مت 16: 25).‏ { لانني تسلمت من الرب ما سلمتكم ايضا ان الرب يسوع في الليلة التي اسلم فيها اخذ خبزا. و شكر فكسر و قال خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لاجلكم اصنعوا هذا لذكري.كذلك الكاس ايضا بعدما تعشوا قائلا هذه الكاس هي العهد الجديد بدمي اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري.فانكم كلما اكلتم هذا الخبز و شربتم هذه الكاس تخبرون بموت الرب الى ان يجيء} اكو23:11-26.إن القديس بولس الرسول كتب 109 إصحاحاً فى 14 رسالة شاهداً ومفصلاً لكلمة الله المقدسة. وما تسلمه من الرب سلمه لمن أمنوا علي يديه لاسيما لتلاميذه الذين اوصاهم بان ان يكونوا أمناء فى تسليم شعلة الإيمان للآخرين { و ما سمعته مني بشهود كثيرين اودعه اناسا امناء يكونون اكفاء ان يعلموا اخرين ايضا }(2تي 2 : 2).كان القديس بولس قلباً ملتهباً بمحبة الله { من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. و لكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت و لا حياة و لا ملائكة و لا رؤساء و لا قوات و لا امور حاضرة و لا مستقبلة.و لا علو و لا عمق و لا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا} رو 35:8-39. ولقد قدم حياته قربانا لله الذى أحبه ومنذ ان تقابل مع الرب فى الطريق الى دمشق والى ان قدم دمه الطاهر شهادة لأيمانه كانت حياة صلاة حب لله من اجل الكنيسة وبنيانها { متضرعا دائما في صلواتي عسى الان ان يتيسر لي مرة بمشيئة الله ان اتي اليكم} (رو 1 : 10). { نشكر الله كل حين من جهة جميعكم ذاكرين اياكم في صلواتنا} (1تس 1 : 2). ولهذا طلب منا كما تعلم من سيده ان نصلى ولا نمل { صلوا بلا انقطاع }(1تس 5 : 17) . { فاطلب اول كل شيء ان تقام طلبات و صلوات و ابتهالات و تشكرات لاجل جميع الناس} (1تي 2 : 1).ان القديس بولس هو مدرسة للفضائل عاش ما علم به تحقيقا لدعوة الله المقدسة له { فقلت انا من انت يا سيد فقال انا يسوع الذي انت تضطهده.ولكن قم وقف على رجليك لاني لهذا ظهرت لك لانتخبك خادما وشاهدا بما رايت وبما ساظهر لك به. منقذا اياك من الشعب ومن الامم الذين انا الان ارسلك اليهم.لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات الى نور ومن سلطان الشيطان الى الله حتى ينالوا بالايمان بي غفران الخطايا و نصيبا مع المقدسين} أع 15:26-18.ولهذا دعانا للثبات فى الإيمان { اسهروا اثبتوا في الايمان كونوا رجالا تقووا }(1كو 16 : 13). { مع المسيح صلبت فاحيا لا انا بل المسيح يحيا في فما احياه الان في الجسد فانما احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي احبني و اسلم نفسه لاجلي }(غل 2 : 20). مصليا من اجل ان {يحل المسيح بالايمان في قلوبكم }(اف 3 : 17){الى ان ننتهي جميعنا الى وحدانية الايمان ومعرفة ابن الله الى انسان كامل الى قياس قامة ملء المسيح }(اف 4 : 13) ويدعونا ايضا للجهاد الروحي حاملين ترس الإيمان {حاملين فوق الكل ترس الايمان الذي به تقدرون ان تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة }(اف 6 : 16).انه رجل الغيرة الملتهبة من أجل خلاص البعيدين والقريبين ومن غيرته على خلاصنا يقول { فإني أغار عليكم غيرة الله ، لانى خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح . ولاكننى أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التى للمسيح} 2كو2:11-3.ومن أجل غيرته على خلاص بني جنسه يقول { فإنى كنت أود لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل أخوتى وانسبائي حسب الجسد} رو 3:9. تحمل فى غيرة وانكار لذاته ، اسمعه كيف يتكلم باتضاع قلب { وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل اجمعين. و اخر الكل كانه للسقط ظهر لي انا.لاني اصغر الرسل انا الذي لست اهلا لان ادعى رسولا لاني اضطهدت كنيسة الله.و لكن بنعمة الله انا ما انا و نعمته المعطاة لي لم تكن باطلة بل انا تعبت اكثر منهم جميعهم و لكن لا انا بل نعمة الله التي معي.فسواء انا ام اولئك هكذا نكرز و هكذا امنتم} 1كو 7:15-11أخيرا نسمعه يلخص حياته بالنصيحة لتلميذه تيموثاوس { نا اناشدك اذا امام الله و الرب يسوع المسيح العتيد ان يدين الاحياء و الاموات عند ظهوره و ملكوته.اكرز بالكلمة اعكف على ذلك في وقت مناسب و غير مناسب وبخ انتهر عظ بكل اناة و تعليم.لانه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم.فيصرفون مسامعهم عن الحق و ينحرفون الى الخرافات.واما انت فاصح في كل شيء احتمل المشقات اعمل عمل المبشر تمم خدمتك. فاني انا الان اسكب سكيبا و وقت انحلالي قد حضر.قد جاهدت الجهاد الحسن اكملت السعي حفظت الايمان. و اخيرا قد وضع لي اكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل و ليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره ايضا} 2تي 1:4-8. أذكروا مرشديكم :- اليك يا الهنا الصالح نقدم الشكر والتسبيح على نعمة الإيمان التى تسلمناها من أبائنا الرسل القديسين ومن بينهم قديسنا وكارزنا القديس بولس الرسول شاكرين محبته وذاكرين اتعابه من أجل نشر الإيمان . وكما علمنا هذا الكاروز العظيم {اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا الى نهاية سيرتهم فتمثلوا بايمانهم} (عب 13 : 7). فاننا ننظر الى نهاية سيرته الطاهرة ونتمثل بإيمانه وغيرة وجهاده ومحبته السلام لك يا رسول الجهاد ومدرسة الفضائل ، ايها الكارز بالأيمان الأقدس الذى دعوتنا اليه . داعيا ايانا ان نخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحتة النور ونجاهد الجهاد الحسن من أجل الرجاء الموضوع أمامنا ناظرين الى رئيس الإيمان ومكمله . السلام لك يا ابانا القديس يا من لم يفتر بدموع ان ينذر كل أحد لكى نسلك بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء ، مفتدين الوقت فى هذه الأيام الشريرة السلام لك يا معلمنا اسلحة الحرب الروحية لننتصر على محاربات الشيطان { اخيرا يا اخوتي تقووا فيالرب و في شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان تثبتوا ضد مكايد ابليس.فان مصارعتنا ليست مع دم و لحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع اجناد الشر الروحية في السماويات. من اجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا ان تقاوموا في اليوم الشرير و بعد ان تتمموا كل شيء ان تثبتوا.فاثبتوا ممنطقين احقاءكم بالحق و لابسين درع البر. و حاذين ارجلكم باستعداد انجيل السلام.حاملين فوق الكل ترس الايمان الذي به تقدرون ان تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة. و خذوا خوذة الخلاص و سيف الروح الذي هو كلمة الله. مصلين بكل صلاة و طلبة كل وقت في الروح و ساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة و طلبة لاجل جميع القديسين} أف 10:10-18السلام لك يا من دعانا الى حياة المحبة والايمان والرجاء { المحبة تتانى و ترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر و لا تنتفخ.و لا تقبح و لا تطلب ما لنفسها و لا تحتد و لا تظن السوء.و لا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق. و تحتمل كل شيء و تصدق كل شيء و ترجو كل شيء و تصبر على كل شيء.المحبة لا تسقط ابدا ، اما الان فيثبت الايمان و الرجاء و المحبة هذه الثلاثة و لكن اعظمهن المحبة} 1كو 4:13-8،13. أطلب من الرب عنا ايها الرسول القديس بولس الرسول ان يقوى إيماننا ويلهب قلوبنا بالمحبة ويملأ حياتنا بالرجاء ويغفر لنا خطايانا . القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد
13 مايو 2021

شخصيات الكتاب المقدس أمصيا

" فأرسل أمصيا كاهن بيت إيل إلى يربعام ملك إسرائيل قائلاً: قد فتن عليك عاموس فى وسط بيت إسرائيل " (عا 7: 10) مقدمة تعد قصة أمصيا من أقدم القصص الكتابية التى تتحدث عما يطلق عليه " سلطان " الخادم أو " حقه " فى ممارسة الخدمة، وقد جاءت صورة أمصيا، من سوء حظه، جنباً إلى جنب مع صورة عاموس... وحسب الظاهر كان أمصيا الكاهن المعترف به رسمياً من الدولة، فقد صدر به مرسوم من الملك يربعام الثانى ملك إسرائيل، فهو الكاهن " الشرعى " حسب قوانين البلاد!!.ولم يكن عاموس سوى رجل يلبس ثياب الرعاة الخشنة، ويحيا أبسط حياة، بلا ثياب رسمية أو مظاهر فخمة يمكن أن تعطيه الحق فى الخدمة الدينية،... بل لعله أكثر من ذلك أخطأ - بحسب مفهوم أمصيا - إذ وهو من المملكة الجنوبية اقتحم الخدمة فى المملكة الشمالية، وهذا لم يكن جائزا قانونياً!!.. والسؤال الذى تطرحه قضية أمصيا هو سؤال " الشرعية " فى الخدمة، ومن هو صاحب الحق فيها، أهو أمصيا الكاهن الرسمى بأمر الدولة ونفوذها وسلطانها، أم هو المقتحم الدخيل الآتى إليها من أرض يهوذا من الجنوب؟ من اللازم أن ندرس لهذا كله قصة أمصيا، إذ أنها القصة التى تكررت وماتزال تتكرر فى كل مراحل التاريخ حول " الشرعية " فى المفهوم البشرى، و"الشرعية" فى مفهوم اللّه والحق الكتابى!!.. ومن ثم يحسن أن نرى القصة من الجوانب التالية: أمصيا الكاهن بمرسوم ملكى تطرح قصة أمصيا - كما أشرنا آنفا - قصة الشرعية فى الخدمة، من حيث الخادم والخدمة ذاتها، ومع أننا لا نعلم بالضبط متى عين أمصيا كاهناً فى بيت إيل، إلا أنه من المرجح أن خدمته فى بيت إيل فى أيام يربعام الثانى حفيد ياهو بن نمشى كانت فى حوالى عام 722 ق. م عندما سقطت السامرة، وأخذ أمصيا مع المسبيين إلى السبى ليحرث هناك!!.. على أى حال لقد كان أمصيا آخر السلسلة العجيبة من الكهنة الذين بدأ يربعام الأول عام 932 ق.م فى تعيينهم، ليكونوا كهنة مرتفعات، وقد استمر هذا النظام حتى سقوط السامرة، أى أن هذا النظام استمر قرابة مائتين وعشرة أعوام، هى عمر المملكة الشمالية، فهل تكتسب الشرعية فى الخدمة الدينية، بمجرد مرور السنين أو القرون على ذلك؟. وهل يحسب الكاهن كاهناً، لمجرد أنه ينتمى إلى تقليد قديم ربما نسى الناس أصله وفصله؟؟،.. من الواضح من قصة أمصيا أنه كان ختاماً لمجموعة من الكهنة استمرت أكثر من قرنين من الزمان، ولا يمكنه أن يكتسب الشرعية لمرور هذا الزمن الطويل حتى ولو تلاحقت عليه آلاف السنين، إذ أن اللّه لم يعترف قط بهؤلاء الكهنة، ولم يقبلهم أو يرض عنهم، لأن الشرعية دعوة إلهية، لا تكتسب بالتقادم على وجه الإطلاق!!.. إن من أكبر الخطايا التى سقطت فيها الكنيسة فى أوقات الظلام والفساد، هو هذا الإدعاء، بأن الخادم هو خادم شرعتى لمجرد أنه تسلم الخدمة، ممن هو أقدم، وأن هذا السلطان متوارث بصرف النظر عن المسلم أو المتسلم، وسيتاح لنا عندما ندرس قصة عاموس فى شخصيتته الخاصة به، أن نتحدث عن هذا باسهاب، لندرك أن عاموس الذى لم يكن يستند إلى شرعية الوراثة المزعومة، كان هو الخادم الصحيح، وأن أمصيا (ولو أن وراءه أكثر من مائتى عام من الشرعية المعترف بها من الدولة) لم يكن إلا كاهناً كاذباً هو والذين قبله من أولهم إلى أخرهم!! كما أن الشرعية المزعومة يثبت فسادها من وجه آخر، من الأسلوب الذى كانت تلجأ إليه وتستخدمه فى الوصول إلى كرسى الكهنوت، فهى تستخدم كل الوسائل أو الوسائط البشرية، ولا تعف عن استخدام الأساليب الدنيوية لما للكرسى من امتيازات أرضية ومادية كبيرة، ومن هنا نشأ ما يعرف بالسيمونية " على مذهب سيمون الساحر: " ولما رأى سيمون أنه بوضع أيدى الرسل يعطى الروح القدس قدم لهما دراهم قائلاً: "أعطيانى أنا أيضاً هذا السلطان حتى أى من وضعت عليه يدى يقبل الروح القدس، فقال له بطرس لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتنى موهبة اللّه بدارهم. ليس لك نصيب ولا قرعة فى هذا الأمر لأن قلبك ليس مستقيماً أمام اللّه، فتب عن شرك وأطلب إلى اللّه عسى أن يغفر لك فكر قلبك " " أع 8: 18 - 22 " وما أكثر ما لعبت الدراهم دورها الرهيب فى هذا الشأن، وقد تحول بيت اللّه إلى مغارة لصوص ويزداد الأمر سوءاً عندما تختلط السياسة بالدين، فلا تكتفى السياسة بادخال المال إلى الساحة من أوسع الأبواب، بل تدخل الأوضاع الأخرى التى هى أشد رهبة ونكراً، ويحرص الساسة على أن يجعلوا على كرسى موسى الصدوقيين، وليس الفريسيين، وكان الصدوقيون ممن لا يؤمنون بالقيامة واليوم الأخير، وهم لذلك أصلح الناس عند الرومان للقيادة الدينية، وكان منهم حنان وقيافا والعدد الكبير من أعضاء السنهدريم، وهم الواجهة التى تفسد الدين باسم الدين، وليس هناك من هو أقدر على تضليل الجماهير مثل رجل الدين الذى يخدم السياسة باسم الدين، وهو العدو الأول للحق الإلهى، ولو ظهر مندثراً فى ثياب كهنوتية، ويجلس على الكرسى الذى قال عنه السيد المسيح: " على كرسى موسى جلس الكتبة والفريسيون: فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعلموا لأنهم يقولون ولا يفعلون ". " مت 23: 2 و3 "وكانت الشرعية المزعومة كاذبة من حيث الخدمة نفسها، لقد تعاقب على المملكة الشمالية تسعة عشر ملكاً كانوا كلهم أشراراً، وقد بدأ يربعام بن نباط هذا الشر بتحويل المجرى الدينى للخدمة، إلى الوثنية البشعة، لقد خشى أن تحن الأسباط إلى الوحدة مع يهوذا عندما يصعدون كل عام لتقديم الذبائح فى أورشليم فعمل عجلى ذهب، أحدهما فى بيت إيل، والآخر فى دان، ليبعد بالإسرائيليين عن أورشليم وذكراها، وكان يقصد بالعجلين أن يتصور اللّه فيهما، لأن العجول فى البلاد الزراعية ترمز إلى الخير والبركة، وكان الذهب يلمع فى عينيه كلما دخل إلى البيت أو خرج منه، ومن المؤلم حقاً أن ذلك المكان الذى رأى فيه يعقوب سلم السماء، تحول إلى هذه الصورة البشعة من الوثنية ومهما قيل عن الشريعة، فإنها برهانها الأعظم هو فى حياة الخادم وأسلوب خدمته!!.. لقد ابتلعت عصا موسى عصى العرافين، وكانت برهاناً على الفرق البين بين الحق والكذب، وقال بولس للكورنثيين: " إذ أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم فى الذى ليس ضعيفاً لكم بل قوى فيكم " " 2 كو 13: 3 ".كانت الخدمة عند أمصيا نوعاً من أكل العيش " وقد أفصح عن ذلك عندما تحدث إلى عاموس قائلاً: " وكل هناك خبزاً، وهناك تنبأ ". " عا 7: 12 " وما أكثر الذين يحيون ليأكلوا خبزاً، ويشربوا خمراً، ويأخذوا مركزاً، فالخدمة عندهم لا تزيد عن المغنم الذى إليه يسعون ويتجهون.إن امتحان الشرعية يظهر فى وضعه الصحيح من اليد النظيفة: " من يصعد إلى جبل الرب، ومن يقوم فى موضع قدسه؟ الطاهر اليدين والنقى القلب الذى لم يحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذباً " " مز 24: 3 و4 " وعندما تساءل قوم من الكورنثيين عن شرعية الرسول بولس، ومركزه من الخدمة أجاب: " أهم خدام المسيح أقوال مختل العقل. فأنا أفضل. فى الأتعاب أكثر فى الضربات. أوفر فى السجون أكثر فى الميتات مراراً كثيرة. من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلده إلا واحدة. ثلاث مرات ضربت بالعصى. مرة رجمت. ثلاث مرات انكسرت بى السفينة. ليلاً ونهاراً قضيت فى العمق. بأسفار مراراً كثيرة. بأخطار سيول. بأخطار لصوص. بأخطار من جنس. بأخطار من الأمم. بأخطار فى المدينة. بأخطار فى البرية. بأخطار فى البحر. بأخطار من أخوة كذبة. فى تعب وكد. فى أسهار مراراً كثيرة. فى جوع وعطش. فى أصوام مراراً كثيرة. فى برد وعرى. عدا ما هو دون ذلك. التراكم على كل يوم، الاهتمام بجميع الكنائس " " 2 كو 11: 23 - 28 " وهل هناك برهان على صحة الخدمة أو حقيقتها أقوى من هذا البرهان؟!!. كان الشئ الأخير فى الشرعية عند أمصيا متصلا بالمكان أو دائرة النفوذ، وهو لذلك لا يقبل أن يقتحم عليه عاموس مكانه،.. لقد أخذ هو بيت إيل بمقتضى المرسوم الملكى ليكون مركز نفوذه وسلطانه، وهو على استعداد أن يصارع أى إنسان آخر يدنو من كرميه أو يعمل بين رعيته،.. ومن المؤسف أنه ما تزال إلى اليوم هذه الصورة على وضعها البشع، فى كثير من الأماكن، وبين المذاهب المسيحية المختلفة.. فعندما يكرز خادم من خدام اللّه بالكلمة يسأل: من أى مذهب هو، وما سلطانه وحقه فى الكلام بين أبناء المذاهب الأخرى؟؟، وتصبح الأذن صماء بالنسبة لرسالته، لأنه يتكلم وهو ابن مذهب معين إلى آخرين ينتمون إلى مذهب مخالف لمذهبه!!.. ومن المؤسف أيضاً أن أبناء المذهب الواحد يتصارعون على الأعضاء، وكيف يتحدث راع من كنيسة أخرى إليهم أو يزورهم أو ينادى لهم برسالة الإنجيل أو يبشرهم بكلمة الخلاص؟، وبدلا من أن يشكر على هدايتهم ومعونتهم، يقال له ما قاله أمصيا لعاموس: " أن اذهب... إلى أرض يهوذا... وهناك تنبأ!!.. أمصيا الكاهن والادعاء الكاذب كان على أمصيا أن يسعى بكل جهده لإخراج عاموس من إرض إسرائيل وهو لا يعنيه، فى شئ ما يقول عاموس خارج هذه الدائرة، أن الحق والباطل عنده يتساويان خارج دائرة نفوذه وسلطانه،.. وفى الحقيقة إن الحق والباطل عنده يتساويان إذا ضمنت له لقمة العيش والبقاء فى المركز!!.. وكم من أناس يدعون الغيرة على بيت اللّه ومجد اللّه، والقضية الدينية عندهم لاتزيد عن هذين الأمرين: المال، والمركز..!!، أعطهم الإثنين وهم على استعداد أن يعبدوا عجل الذهب، لأنهم أصلا عبيد الذهب أينما ذهبوا يسعون وراء المال كيفما مال بهم واتجه!!.. أما إذا دخل أحد بينهم وبين الإثنين أو بينهم وبين واحد منهما فهنا الطامة الكبرى، والمصيبة التى لا تحتمل، وهنا يحل الكذب والاتهام والافتراء والنميمة وكل الصور التى تشوه الآخرين أو تنال من سمعتهم أو رزقهم أو مركزهم أو حياتهم أيضاً، ويصبح القضاء عليهم واجباً مقدساً، يسهرون من أجله، ويكافحون سبيله دون أدنى تراخ أو تراجع أو يأس أو سكون،... وقد سلك أمصيا فى ذلك أكثر من سبيل، فهو يشى إلى الملك، ولا يتكلم بالرواية الصحيحة، بل يشوها تشويها، فإذا كان عاموس يبين أن الخطية ستنتهى بالأمة إلى الخراب، وتذهب بالشعب إلى السبى، فهو يصور هذه الأقوال فى صورة فتنة يتعمدها عاموس، وهى ليست أقوالا من الرب، بل هى كلمات الثورة والفتنة التى يسببها الرجل الآتى من أرضى يهوذا،... ويبدو أن يربعام لم يهتم كثيراً بأقوال أمصيا، وإذاً فلابد من مواجهة عاموس نفسه، والعمل على تخويفه ليهرب إلى أرض يهوذا،... وهو يلوح له إلى جانب التهديد من طرف خفى - بأن أرض يهوذا أكثر مكسباً من أرض إسرائيل، فلماذا لا يذهب إلى هناك ويأكل خبزاً؟!!... كان أمصيا فى هذا كله ابناً للشيطان ورسولا منه، والشيطان فى العادة يحاول دائماً أن يسكت الحق الإلهى بالوعيد أو بالوعد، بالتهديد أو الإغراء، وسجلاته فى كل العصور خير شاهد علي ذلك!! وقف أحد الرهبان فى كنيسة من الكنائس الألمانية غداة حرمان مارتن لوثر، وكان قد ذهب إلى هذه الكنيسة ليعلن قرار الحرمان، وقف يقول: " أيها الآباء والأخوة والأبناء: إن الكنيسة عانت طويلا من سم حية نشأت بين أحضانها، هذه الحية هى " مارتن لوثر، والسم هو تعاليمه التى ينشرها!! ولا حاجة بى إلى أن أخبركم عن قصة ضلاله، فهو، أولاً، فى كبرياء قلبه يحتج على المحبة العظمى فى قلب أبينا البابا المقدس، الذى جعل من الميسور بيع صكوك غفران الخطايا عند أبوابنا، وهو فى هذا يؤذى الكنيسة إذ يعظ ضد الصكوك المقدسة، والغفرانات، ويمنع خلاص النفوس، قد كتب حججاً كاذبة وسمرها على باب الكنيسة فى وتنبرج، وانتشرت من هناك فى كل المانيا. وكثيرون يموتون فى خطاياهم ويذهبون إلى الجحيم بسبب هذه الحجج، وقد كانت الكنيسة مترفقة به إذ وعدته بالعفو إذا تراجع، وأعطته الفرصة ليظهر فى أوجسبرج أمام قداسة الكاردنيال كاجيتان الذى تعامل معه بلطف دون جدوى، وبعد هروبه الجبان من أوجسبرج، كان له الشرف أن يتقابل مع دكتور أيك العظيم الذى تغلب عليه تماماً، ومع ذلك فهو ما يزال ينشر أكاذيبه فى كل مكان وقد أضحى الآن أكثر غطرسة، وقسوة... إذ لم يكتف بمهاجمة الغفرانات، بل بدأ يهاجم البابا نفسه، وقد كتب كتباً عديدة ممتلئة بالباطل والأضاليل، ويزرع الشوك فى عقول الكثيرين من أبناء الكنيسة المؤمنين، وأبعد آلافاً عن الأم الحقيقية الوحيدة الكنيسة، ولهذا فإن البابا عزم على أن يضع حداً لهذا الهرطوقى الكبير وأبى الأكاذيب ".أغلب الظن أن أمصيا وعظ فى بيت إيل بمثل هذه العظة للشعب المضلل المنكوب!!.. أمصيا الكاهن والعقاب الرهيب تنبأ عاموس على أمصيا، وقد اتسمت نبوته بالوضوح القاطع، وهنا يفترق الصدق الإلهى عن همهمات وإدعاءات الرؤى الوثنية، أو - كما قال أحدهم - إن العرافين فى العادة لا يقطعون برأى، بل يضعون نبواتهم فى كلمات غامضة تحتل أكثر من معنى ليكون الأمر عند التفسير أقرب إلى ما قد يجئ به التنفيذ، وهم على استعداد أن يدعوا أن هذا هو ما كانوا يقصدونه من البدء، إذ تصادف أن اقتربت الحقيقة إلى ما يزعمون، لكن نبوة النبى الصادق تتحدى الأنبياء الكذبة حتى ولو كانوا أربعمائة نبى يتحدثون بلسان واحد وعلى رأسهم صدقيا بن كنعنة الذى عمل لنفسه قرنى حديد وقال لآخاب: " هكذا قال الرب بهذه تنطح الأراميين حتى يفنوا، وتنبأ جميع الأنبياء هكذا قائلين اصعد إلى راموت جلعاد وافلح فيدفعها الرب ليد الملك " " 1 مل 22: 11 و12 " أما ميخا بن يمله نبى اللّه الصادق فإنه لا يتردد فى أن يصف الأربعمائة من الأنبياء بأنهم كاذبون مضللون، وأن الشيطان قد وضع فى أفواههم جميع أقوالا كاذبة، وأن مصيره سينتهى فى المعركة، وإذ يصفعه صدقيا بن كنعنه على فكه قائلا: " من أين عبر روح الرب منى ليكلمك؟ فقال ميخا: إنك سترى فى ذلك اليوم الذى تدخل فيه من مخدع إلى مخدع لتختبئ " 1 مل 22: 24 و25 " وإذ يسجنه آخاب طالباً أن يضعوه فى السجن، وأن يطعموه خبز الضيق وماء الضيق حتى يعود بسلام: " فقال ميخا: إن رجعت بسلام فلم يتكلم الرب بى.وقال اسمعوا أيها الشعب أجمعون" " 1 مل 22: 28 " كان ميخا واضح الرؤيا، شديد الثقة، دون اهتزاز أو تذبذب أو تتردد، والأمر بعينه كما يذكره ذلك الأرامى فى شهادته أمام الملك عن أليشع " ولكن أليشع النبى الذى فى إسرائيل يخبر ملك إسرائيل بالأمور التى تكلم بها فى مخدع مضجعك " " 2 مل 6: 12 ".. بل لعل الأمر يبلغ قمته، عندما حلم نبوخذ ناصر حلمه، وأغلب الظن أنه نسيه، ومع ذلك فهو يطلب من حكماء بابل أن يبينوا له الحلم وتعبيره " وأجاب الكلدانيون قدام الملك وقالوا ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يبين أمر الملك. لذلك ليس ملك عظيم ذو سلطان سأل أمراً مثل هذا من مجوس أو سامر أو كلدانى. والأمر الذى يطلبه الملك عسر وليس آخر يبينه قدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكناهم مع البشر " " دا 2: 10 و11 " وإذ يسمع دانيال، ويتجه بالصلاة إلى اللّه، وهو زملاؤه الثلاثة فتية، يكشف له السر فيدخل إلى نبوخذ نصر مسرعاً ليقول: " السر الذى طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون على أن يبينوه للملك. لكن يوجد إله فى السموات كاشف الأسرار وقد عرف الملك نبوخذ نصر ما يكون فى الأيام الأخيرة " " دا 2: 27 و28 ".. ويذهل نبوخذ نصر من هذه المعرفة العجيبة إلى درجة أن يخر ساجداً على وجهه إلى الأرض أمام دانيال،... وعلى هذا المنوال كانت رؤيا عاموس واضحة أمام عينيه وهو يتنبأ عن أمصيا كاهن بيت إيل، ولم يتردد فى ذكرها للرجل بكل أمانة وشجاعة، رغم ما تمتلئ به من عنف وشدة وقسوة،.. لم يحاول عاموس أن يصقل كلامه أو يخفف من واقعه على أذنى الرجل، بل كانت كلماته كالمطارق القاسية التى تهوى على رأسه دون أدنى شفقة أو رحمة، وقد كانت النبوة فى الحقيقة مفزعة ومخيفة!!.. إذ كانت. 1- الفضيحة القاسية: وأى فضيحة أقسى وأشد من القول: " امرأتك تزنى فى المدينة " " عا 7: 17 " والكلمة يمكن أن تفسر من اتجاهين، إما أن الرجل يلصق به العار لخيانة زوجته له،.. فلقد خان هو اللّه وزنى عنه، أو أصبح رئيس الزناة بعبادته الوثنية وتكريس حياته لخدمة عجل الذهب،.. والبعد عن اللّه فى لغة الكتاب هو زنى: " لأنه هو ذا البعداء عنك يبيدون تهلك كل من يزنى عنك " " مز 73: 27 " والذهاب وراء كل إله غريب، مهما يكن لونه أو شأنه هو الفسق أمام اللّه، بدون أدنى حرج أو حياء أو خجل، ومن المؤلم أن اللّه أقام نبينا، وجعل قصته تجسيداً لهذه الحقيقة عندما: " قال الرب لهوشع إذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب. فذهب وأخذ جومر بنت ديلايم فحبلت وولدت له ابناً " " هو 1: 2 و3 "... وقد تحولت أمة إسرائيل كلها إلى أمة زانية بهذا المعنى، عندما انصرفت عن اللّه، وتحولت إلى الهوى والشهوة وراء الآلهة الغريبة، فكان لابد أن يكون الجزاء من جنس العمل،.. ومن المحتمل أن زوجة أمصيا انصرفت عنه وفسدت دون تورع، كانصرافه عن الحق الإلهى، وسيره وراء التيه والفساد والبطلان،.. أو أن الأمر يمكن أن يؤخذ من اتجاه آخر، إذ تغتصب زوجته فى المدينة من ورائه أو على مرأى عينيه، عندما يدخل الغزاة ويتم السبى،.. وما أقسى ما يحدث، فى مثل هذه الظروف والأحوال، من أوقات الحروب، كعقاب مخيف مفزع من اللّه! ألم يقل إشعياء: " وتحطم أطفالهم أمام عيونهم، وتنهب بيوتهم، وتفضح نساؤهم " " إش 13: 16 " وقال زكريا الشئ نفسه: " فتؤخذ المدينة وتنهب البيوت وتفضح النساء "... (زك 14: 2) وسواء أكانت الصورة بالمعنى الأول أو الثانى، فإنها أشبه الكل بعقدة " أوديب " العقدة التى حلت بالشاب اليونانى الذى قيل إنه قتل أباه، وتزوج أمه، وهو لا يعلم، وعندما أدرك ذلك فقأ عينيه، وخرج هارباً فى الأرض كقايين، تروعه عذابات الضمير، دون أن يستريح أو يهدأ أو يلوى على شئ!!.. إن الخروج على اللّه هو الفضيحة بعينها، ولا بد أن تكشف هذه الفضيحة فى هذه الصورة أو تلك، وما عمل فى الخفاء سيرى الناس عقابه علانية وتحت ضوء الشمس فى كل مكان!!.. 2- ضياع الأرض.. " وأرضك تقسم بالحبل " " عا 7: 17 " ونحن نعلم أن الأرض كانت مقدسة، وهى ملك لصاحبها بالوكالة، لأنها أساساً للّه، وكانت إذا بيعت أو اشتريت، فإن ذلك إلى يوم اليوبيل الخمسينى لتعود مرة أخرى إلى صاحبها، لكن الأشوريين لا يعرفون شيئاً عن هذا اليوبيل، وكما اغتصبت الزوجة، تغتصب الأرض أيضاً اغتصاباً،.. لقد عاش أمصيا للأرض دون أن يرفع عينيه إلى السماء، وبحث عن الذهب، وعبده، ومال وراءه،.. وها هى الأرض أيضاً تؤخذ بما فيها وما عليها، والحرام لا يذهب وحده كما يقولون، بل يأخذ الحلال والمقدس معه،.. وإذا كان الناس يقولون إن الجريمة لا تفيد، فإنه الأصح أن يقال دائماً، إن الخطية لا يمكن أن يكسب الإنسان من ورائها أدنى خير أو مكسب،.. لقد جند أمصيا نفسه ليجمع الثروة والمال من وراء خدمة عجل الذهب تعبد له، وأقيم كاهناً لخدمته، وها قد ذهب المال والعجل وكل شئ، وحل محلها الفقر والضياع والعدم والهلك!!.. 3- الموت البشع: " وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف " " عا 7: 17 " وأى منظر أشد هولا أو رعباً، من منظر الأولاد والبنات، وهم يقتلون على مرأى عينيه،.. أليس هؤلاء الأولاد أو البنات هم الذين من أجلهم سعى لاقتناء الثروة، وجمع الكنوز، وتكديس المال، وكان أقصى ما يحلم به أن يوفر لهم الحياة الهانئة والعيش الرغد؟، وها هو المال يذهب، وفى إثره يقتل أحب الناس إليه فى الأرض!!.. 4- النهاية التعسة: " وأنت تحرث فى أرض نجسة " " عا 7: 17 " ولم يبق للرجل بعد هذا كله سوى جسده، ونفسه،.. وهما أيضاً معاً سوف يعذبان، إذ سيؤخذ إلى السبى، ويبقى هناك على أتعس الذكريات وأشرها فكراً، وسيموت محاطاً بالدنس من كل جانب، لأن الدنس ملأ نفسه من الداخل، وهل لنا أن نتصور أمصيا وقد قبض عليه وسار سير المسبيين فى الأرض، وجر كما يجر الحيوان بالسلاسل والأغلال، وسار فى الفيافى والقفار، حتى انتهى إلى الأرض القريبة، وعاش ميتاً، إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة، وهوى وثوى فى الأرض النجسة الغريبة كأتعس ما تكون نهاية القصة والمأساة لأى إنسان أحسن ظنه بالأيام والليالى، ولم يدر أن الزمن قلب، ومفاجآت الحياة للأشرار دونها كل مفاجأة.. 5- سبى الأمة كلها: " وإسرائيل يسبى سبياً عن أرضه " " عا 7: 17 " ومن العجيب أن يقال هذا الكلام فى أيام يربعام الثانى ملك إسرائيل، إذ كانت البلاد، فى ألمع أيامها الذهبية، من الوجهة السياسية والاجتماعية، وكان الناس ينامون على أسرة من العاج، كما نرى فى نبوات عاموس، وكانوا يسترخون على نغم الموسيقى الراقصة أو الحالمة " انظر عا 6: 1- 7 " ولكن عاموس - شأنه شأن الأنبياء الصادقين - لم يخدع بالمظهر البراق أو الصورة الخلابة، إذ رأى الدنس والخطية والخراب والموت خلف الكل،.. وعندما جاءت هذه النهاية كانت مرعبة مرهبة فظيعة، إذ لم يسقط الأسباط العشرة تحت جحافل الأشوريين فقط، بل قضى على كيانهم السياسى والاجتماعى والقومى والدينى إلى الأبد. وإلى اليوم، لا يكاد يعرف أحد مصير هذه الأسباط. لقد كان عقابهم كخطيتهم قاسياً مفزعاً مروعاً رهيباً!! أجل: لأن أجرة الخطية هى موت، وأما هبة اللّه فهى حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا " " رو 6: 23 "..
المزيد
20 يناير 2022

شخصيات الكتاب المقدس زكريا النبى

زكريا النبى " هوذا ملكك يأتى إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان "" زك 9: 9 " مقدمة زكريا هو الحادى عشر بين الأنبياء الصغار الإثنى عشر، وكان معاصراً للنبى حجى، ويسميهما البعض « التوأمين بين الأنبياء »، وقد عاد الإسرائيليون من السبى البابلى، وقد عاد زكريا، وهو شاب، مع العائدين فى أول مرة، وكان كاهناً ونبياً، وقد كافح لبناء الهيكل الثانى فى أورشليم، وكان عليه أن يعمل على بناء هذا الهيكل، وفى الوقت نفسه يعد الشعب لحياة أفضل وأكمل، وإذا كان حجى - واسمه يفيد الحجج أو الذهاب إلى العيد، أو يمكن أن ندعوه فى اللغة الشائعة «عياد» الذى يعيد بعد السبى الطويل، ويعود إلى حياة الفرح والبهجة - فإن زكريا يمتد إلى أكثر من ذلك، إذ معناه « الرب يذكر » وقد كشف برؤاه الثمانى المجيدة، ونبواته الرائعة، كيف أن الرب سيذكر شعبه ويضمن سلامهم إلى آخر الأيام،... وهو من أكثر الناس لذلك حديثاً ونبوة عن يسوع المسيح ومجيئه فى الجسد، ووداعته، وصلبه، حتى تنتهى الرؤى والنبوات إلى آخر الأيام، ومن المعتقد أنه فى رؤاه وحديثه عن المسيح، لا يباريه فى هذا الشأن من الأنبياء سوى إشعياء، وأنه فى عرف الكثيرين يأتى تالياً لإشعياء فى هذا المجال!!.. ومن المعتقد أنه بدأ نبوته وهو شاب فى عام 520 ق.م.، وها نحن نراه فيما يلى: زكريا ورؤاه الثمانى المجيدة وهى ثمانى رؤى متتالية مجيدة، يقول البعض إن النبى رآها متلاحقة فى ليلة من الليالى، وقد نهض الناس لبناء الهيكل وربما كان ذلك فى تمام 025 ق.م.... ومن نعم اللّه على الإنسان أنه يعطيه الرؤيا،... وهى بركات روح اللّه التى تحدث عنها يوئيل النبى، عندما ينسكب روح اللّه على كل بشر، فيتنبأ بنوننا وبناتنا، ويرى شبابنا رؤى، ويحلم شيوخنا أحلاماً، والحياة فى الواقع، لا يمكن أن تكون صحيحة أو مجيدة بدون هذه الرؤى والأحلام، ومن ثم فإن الروائيين والكتاب والشعراء، وهم يتخيلون عالماً أفضل وأعظم وأمجد، تمتد رؤاهم عبر الواقع التعس المحزن الأليم،... وقد قال أحد الكتاب: « إن الرجل الذى يستطيع أن يتكلم إلى القلوب المهزوزة والنفوس التعسة، لابد أن يكون ذلك الإنسان الذى يعرف قلبه ونفسه، ومقدار ما عانى من اضطرابات مماثله لما يعانيه الناس الآخرون فى الحياة،.. الإنسان الذى خاض معركته، وجابه الظلام، ووصل إلى النور الذى أعطاه اللّه إياه فى مواجهة الآلام،... هذا الإنسان الذى منحة اللّه لمسة الحنان والرفق تجاه الشكوك والتعثرات والتخبطات التى تحيط بالناس حوله »... ولابد لنا أن نرى النبى بهذا المعنى، إذ أنه ليس الإنسان الذى يتلقى الوحى آلياً، أو الذى لا يدرك معنى الشكوك التى يكافحها، أو التجارب التى يندد بها، أو اليأس، أو البؤس الذى يريد أن يخلص الناس منه،... إنه الإنسان الخاضع لنفس الآلام التى يقع تحتها الآخرون، وقد جرب بتجاربهم، ولكنه بروح اللّه تعلم الانتصار والغلبة على المصاعب والمشاكل والمتاعب التى واجهها، وهو من نبع الإختبار، وبسلام الإيمان، يمكن أن يحارب فى معارك الرب، ويقود الناس إلى النصر فيها »... وبهذا المعنى كان زكريا النبى، وهو يكشف رؤى اللّه للناس!! فإذا تصور الناس فى زحام الحياة ومتاعب الأيام، أن اللّه قد ترك الأرض والقوى فيها يأكل الضعيف، والمستبد يهلك الوادع، وأن الأمور تسير فى كل شئ وفق الأهواء أو النزوات، وبدا كما لو أنه ليس هناك إله يحكم الناس، أو عناية تتمشى فى حياتهم، فإن ملاك اللّه يظهر لزكريا ليرى شجر « الآس »، وهو ذلك النوع من الشجر القصير الصغير، الظليل الجميل الدائم الاخضرار، العطرى الرائحة، وهو الاسم العبرى الذى أطلق على أستير الملكة، وربما أطلقه مردخاى عليهم إشارة إلى جمالها الفائق الفتان، وقد علته مسحة من الكابة والوحشة والتعاسة التى أورثها إياها الفقر واليتم والسبى،... وأورشليم كانت بهذا المعنى شجرة آس، وهى تعود من السبى والمنفى والألم، ولكنها ما تزال ممتلئة بالتعاسة والوحشة والبؤس،... وربما خطر على بال الناس فيها أن اللّه قد ترك الأرض،... ولكنه يؤكد أنه يرسل خيله لتجول فى الأرض كلها، وهو لا ينسى أحداً، ولا يهمل أحداً، ولا يتغاضى عن أحد.ومهما اختلف لون الخيل الحمر والشقر والشهب، ومهما كانت ترمز إلى ألوان العناية فى تعدد مظاهرها،... إلا أن المعنى المقصود هو أن اللّه لا يغفل عن شئ أو يهمل شيئاً فى الأرض!!.. وإذا كانت عناية اللّه تمتد إلى كل الأرض، فإنها تهتم على وجه الخصوص بشجرة الآس، التى ترمز إلى أورشليم، أو إلى كنيسة اللّه العلى،... التى تحيط بها المتاعب أو الضيقات ولكنها ليست متروكة على الإطلاق من اللّه.فإذا تحولنا إلى الرؤيا الثانية، فإننا نبصر هناك أربعة قرون، هى رمز للشر الذى سيطر فترة من الزمان، وبدد يهوذا وإسرائيل وأورشليم، وهذه القرون الأربعة، فى تصور الشراح، هى ممالك بابل، ومادى وفارس، واليونان، وروما، الممالك الأربع العالية التى بددت أورشليم، والتى خرج فى إثرها الصناع الأربعة وهم قوى اللّه العظيمة الأدبية، ورآها بعضهم البر، والعدالة، والضمير، والعناية، وهى التى ستتغلب آخر الأمر، وتقضى على كل المفاسد والاثام والشرور، وتؤكد أن اللّه لا يمكن أن يتخلى عن شعبه وأبنائه، وستسقط كل القوى الطاغية تحت أقدامهم، فإذا جئنا إلى الرؤيا الثالثة، فنحن أمام غلام يحاول أن يقيس أورشليم، ليرى كم طولها وكم عرضها، وقد بدت أمامه صغيرة ضعيفة مخربة، ولكن الملاك يمنعه، لأنه لا يمكن أن تقاس أورشليم التى ستتسع لكل المؤمنين فى الأرض، وهى ليست أورشليم القديمة، التى تعرضت للغزو والفتح والتدمير، بل أورشليم السماوية، كنيسة اللّه التى ستغزو وتمد أطنابها فى الأرض كلها.فإذا كان هناك خوف من آثام الماضى، وهل يمكن أن تتكرر، فنحن إزاء الرؤيا الرابعة، والتى يظهر فيها يهوشع الكاهن العظيم، وهو يمثل شعب اللّه، لابساً ثيابه القذرة، وإذا بالنعمة الإلهية تخلع عنه ثيابه، وإثمه، وتلبسه ثياباً مزخرفة، وتضع على رأسه العمامة الطاهرة، عندما يأتى عبد الرب « الغض » المسيح الذى بنعمته وروحه يزيل إثم الأرض وشرها بدم صليبه!!.. على النحو الذى قرأناه ونحن نتعرض لشخصية يهوشع فيما سبق من الشخصيات،فإذا ظهرت االصعوبات القاسية كالجبال الرواسى فى طريق بيت اللّه وعمله وخدمته، فنحن نرى فى الرؤيا الخامسة منظر المنارة التى كلها ذهب، وكوزها على رأسها وسبعة سرج عليها، وسبع أنابيب للسرج التى على رأسها وعندها زيتونتان... إحداهما عن يمين الكوز والأخرى عن يساره،.. ونحن هنا إزاء بيت اللّه الذى يشع منه النور ليملأ الأرض كلها، وإزاء النعمة التى تجعله دائماً مضيئاً ومنيراً، فإذا كانت هناك صعوبات هائلة، فى طريقه، فإن الجبل يضحى سهلا لا بقدرة الإنسان، أو قوته، أو جهده البشرى، بل بقوة وعمل روح اللّه، كما ذكرنا هذه الحقيقة عند دراسة شخصية زربابل التى يحسن الرجوع إليها فى هذا الموضوع،فإذا قيل: ولكن المدينة ما تزال ممتلئة بالأشرار والمجرمين واللصوص والأثمة والخطاة، فنحن هنا إزاء الدرج الطويل العريض الذى رآه فى الرؤيا السادسة والذى يحمل اللعنة والملعونين، لإبادة أسمائهم من الأرض فإذا قيل أيضاً: ولكن إلى متى يكون هذا، ومتى سيبقى الشر بعيداً عن النهوض مرة أخرى؟؟... فنحن نأتى إلى الرؤيا السابعة فى إيفة الشر التى تجلس فيها امرأة، وقد أغلق على فمها بثقل من الرصاص، وحملت على أجنحة لتدفن فى أرض شنعار، حيث لا تقوم لها قائمة بعد وحتى يبدو هذا مؤكداً فنحن آخر الأمر أمام الرؤيا الثامنة، التى تتحدث عن مركبات اللّه المنتصرة التى تخرج إلى كل مكان فى الأرض،.. ومن الواضح أن الخيل التى تقود المركبات مختلفة الألوان، فالحمر فى عرف الشراح تشير إلى الدم والمعارك التى يستخدمها اللّه كواحدة من سبل العناية وإتمام مشيئته، والدهم - وهى أقرب إلى السواد - تشير إلى الحزن والمجاعة، والشهيب الأقرب إلى البياض، تتحدث من البهجة والمسرة، والمنمرة الشقر، هى مزاج الآمال والآلام والراحة والمتاعب،... وقيل إن الحمر تتجه إلى الشمال إلى بابل، وتتبعها الدهم إلى مادى وفارس، والشهب نحو اليونان!! والنمرة نحو روما،فإذا أخذت الرؤى جميعها معاً، فإنها تبدو أمامنا فى صورة الصراع الظاهر فى سفر الرؤيا بين الخير والشر، وأن الشر مهما يفعل فسيسقط مهما بدت قوته، ومظهره، وسلطانه، وعمله!!... وأن الحق والخير والجمال والنور، مقرر لها الغلبة من أول الأمر ومن ابتداء المعركة!!.. أما زكريا نفسه، يبدو أمامنا فى صورة الرجل الذى يلمع وجهه بالرجاء، فى قلب الظلمة الداكنة!! زكريا والجواب على أسئلة الشعب عندما دمرت أورشليم وأخذ الشعب إلى السبى، وتحول الهيكل ركاماً وأنقاضاً وتراباً، فقد الشعب طقوسه وفرائضه، غير أنه فى السبى - وقد سيطر عليه الحزن، واستبد به الألم - رأى أن يأخذ نفسه بألوان من الصوم، لم تكن عنده أصلا، وعاش السبعين عاماً وهو يصوم وينوح فى الشهر الخامس والسابع،... وبعد أن انتهى السبى، كان لابد أن يسأل نفسه هذا السؤال: ترى هل يستمر فى الصوم، أو يغيره، أو يقلع عنه؟؟،.. وقد كان من المشجع على الاستمرار، أنه رغم العودة إلى أورشليم فإن الخراب الذى يسود البلاد، والحياة التى يعيشها الناس فى ضعف وفقر وجدب، وماتزال قائمة باقية، فهل يستمر فى الصوم إلى أن تنتهى وتتلاشى؟ وقد أجاب اللّه على لسان زكريا، مقرراً أن الأصل عند اللّه ليس الطقس أو الصوم، بل حياة البر والطاعة، وأنهم لو عاشوا هذه الحياة، لما جاء السبى، ولما كانت هناك حاجة إلى التزيد فى الطقوس والأصوام،... وأن السر كل السر فى الضياع هو أن الناس لم تسمع لكلمة اللّه ولا لشريعته وإرشاده، فكانت النتيجة مجئ غضب اللّه العظيم، والعقاب المروع، والنبى يكشف كيف أن الناس لم يسمعوا الشريعة، إذ أصموا آذانهم وثقلوها، وذلك سواء بالانتباه إلى أصوات أخرى تأتيهم من خداع العالم والخطية والشر، أو أنهم تمردوا على الكلمة فامتنعوا عن سمعها، بعد الإنصات أو عدم الذهاب إلى بيت اللّه، ولم يقبلوا الخدمة، فأداروا ظهورهم وأعطوا كتفاً معاندة، وكانت النتيجة أن ضاع السلام وولى، وجاء الخراب والتدمير والتشريد والنفى،والسلام لا يمكن أن يأتى بالفرائض والطقوس،... ومع أن زكريا كان يشجع على بناء هيكل اللّه، ولكنه مع ذلك لم يحاول أن يربط السلام بمجرد المساهمة فى بناء البيت أو تزيينه. إن السلام يرتبط بشئ فى الداخل فى سريرة الإنسان وأعماقه، ومن ثم فليس يكفى أن يصوم الصوم الطقسى فى شهور معينة من السنة، بل المهم أن يحب الحق ويصنع الإحسان والرحمة، ويمد يده للمساعدة، ولمعونة الأرملة واليتيم والغريب والفقير، إن مساعدة الضعيف والعاجز ثمرة من ثمرات الحياة الدينية المتعمقة مع اللّه، وهنا نجد النبى يحض على الدين العملى، وليس النظرى فحسب، وإذ قد لا يفهم الإنسان العقائد اللاهوتية العميقة، وقد يصعب عليه إدراك المباحثات الدينية البعيدة!!... لكنه يستطيع أن يحيا الحياة الدينية بممارستها!! إذ يحدث هذا، يقودنا النبى إلى العصر الذهبى المجيد الذى يتمتع فيه الناس بالحياة المبتهجة السعيدة، فنرى المدينة وقد امتلأت بصبيانها وبناتها، بشيوخها وشيخاتها، وهم يجلسون فى الراحة والأمن والسلام، دون ضيق أو إزعاج، فإذا بدت الصورة جزئياً فى العودة من السبى، إلا أن الأمر لن يقصر على شعب واحد، لأنه: « هكذا قال رب الجنود سيأتى شعوب بعد وسكان مدن كثيرة وسكان واحدة يسيرون إلى أخرى قائلين لنذهب ذهاباً لنرضى وجه الرب ونطلب رب الجنود. أنا أيضاً أذهب. فأتى شعوب كثيرة وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود فى أورشليم وليترضوا وجه الرب. هكذا قال رب الجنود: فى تلك الأيام يمسك عشرة رجال من جميع ألسنة الأمم يتمسكون بذيل رجل يهودى قائلين نذهب معكم لأننا سمعنا أن اللّه معكم » " زك 8: 02 - 32 " وهنا نخرج من نطاق اليهودية الضيق، إلى مجد المسيحية العظيم!!.. زكريا والنبوات عن المسيح يسوع وقد تتحدث زكريا عن المسيح فى أكثر من نبوة من نبواته، إذ تحدث عن دخوله المنتصر الظافر إلى أورشليم: « ابتهجى جداً يا ابنة صهيون اهتفى يابنت أورشليم. هو ذا ملكك يأتى إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان » " زك 9: 9 " وقد اقتبس هذه النبوة متى ومرقس ويوحنا، فى هذا الدخول المجيد، ولعلنا نلاحظ الفرق بين دخول هذا الملك، وغيره من ملوك الأرض،... ولقد قيل إن الإسكندر فى غزواته، وهو يقترب من المدن، كان يثير فيها الفزع والهلع والرعب أما المسيح فلا يمكن أن يقترن دخوله فى مكان ما، إلا بالبهجة والفرح والهتاف، وذلك لأنه يحل ومعه العدل والنصر والسلام،.. كيف لا وهو لا يدخل إلا وديعاً متواضعاً محباً، فوق حمار وجحش ابن أتان، كما فعل عندما دخل مدينة أورشليم ليموت هناك حبا وفداء لجنسنا البشرى الذى ضيعته الخطية، وأماته الإثم والتمرد والعصيان!! كما أن زكريا تنبأ ثانية عن المسيح المحتقر، المرفوض من شعبه: « فقلت لهم إن حسن فى أعينك فأعطونى أجرتى، وإلا فامتنعوا.، فوزنوا أجرتى ثلاثين من الفضة. فقال لى الرب ألقها إلى الفخارى. الثمن الكريم الذى تمنونى به فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخارى فى بيت الرب » " زك 11: 12 و13 " ومهما قيل عن ارتباط هذه النبوة بما جاء فى نبوات إرميا فى الأصحاح الثامن عشر والتاسع عشر، حيث يصور النبى قدرة اللّه وسلطانه على الشعوب بقدرة الفخارى على قطعة الطين فى يده، كما أن اللّه - إذ يأمر النبى إرميا أن يحطم إبريق الفخارى - يكشف عما سيفعله هو، كإله مقتدر، بالأمة الخاطئة، إلا أنه واضح أن النبى زكريا كشف عن المسيح المرفوض، والذى قدره شعبه بثلاثين من الفضة، وهو الأجر الذى يعطى تعويضاً عن العبد إذا نطحه ثور ومات: « إن نطح الثور عبداً أو أمة يعطى سيده ثلاثين شاقل فضة والثور يرجم » " خر 21: 32 " ومهما يقل الناس عن صفقات بخسة فى كل التاريخ والعصور والأجيال، فلا نعرف صفقة تعسة خاسرة كالتى باع بها يهوذا الأسخريوطى يسوع المسيح!!.. قيل إن أحد الشبان الأمريكيين دخل معرضاً من معارض الشمع وإذا به يرى صورة التلاميذ مجتمعين معاً فى حضرة المسيح، فما كان منه إلا أن هوى على تمثال يهوذا الأسخريوطى وحطمه تحطيماً،... وإذا بالمشرف على المعرض يذهل ويقول له: لماذا تفعل هكذا؟!.. « إنه تمثال!، وإذا بالشاب يجيب: تمثال أو غير تمثال،... إن يهوذا الأسخريوطى لا يمكن أن يدخل ولا يتنا إلا وينال هذا المصير ». ومع أن كثيرين إلى اليوم ما يزالون وقد دخلهم الشيطان، يفعلون مثل يهوذا القديم الذى باع سيده بأتفه الأثمان، إلا أن يهوذا ذهب إلى أتعس مصير يمكن أن يصل إليه إنسان!!... وهو المصير الدائم لمن يبيع المسيح الكريم مهما كان الثمن، فكم بالحرى لو كان الثمن تافهاً حقيراً!!.. على أن زكريا عاد فتنبأ عن رجوع اليهود إلى المسيح: « وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إلى الذى طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له ويكونون فى مرارة عليه كمن هو فى مرارة على بكره » " زك 12: 10 " وربما لم تعرف الأمة اليهودية حزناً عميقاً وشاملاً، كحزنها على يوشيا الملك عندما سقط فى معركة مجدو، التى أشار إليها زكريا النبى: « فى ذلك اليوم يعظم النوح فى أورشليم كنوح هدد رمون فى بقعة مجدون » "زك 12: 11".. ولم يكن هذا إلا رمزاً للألم والبكاء الذى أحسن به اليهود يوم موت المسيح على هضبة الجلجثة: « وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتى كن يلطمن أيضاً وينحن عليه... وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر لما أبصروا ما كان، رجعوا وهم يقرعون صدورهم "لو 23: 27 و48"... فإذا سار اليهود فى عذابهم وآلامهم ومتاعبهم، فى كل أجيال التاريخ، وعندما يفتح اللّه عيونهم ليعودوا إلى الذى طعنوه، بالألم والحزن والتوبة!!.. فإن النبوة ستتحقق على ما أشار إليه الرسول بولس فى الأصحاح الحادى عشر من رسالة رومية « فإنى لست أريد أيها الأخوة أن تجهلوا هذا السر لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء، أن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل ملؤ الأمم وهكذا سيخلص جميع إسرائيل. كما هو مكتوب سيخرج من صهيون المنقذ ويرد الفجور عن يعقوب » " رو 11: 25 و26 "وتنبأ زكريا - إلى جانب هذا كله - عن موت المسيح: « استيقظ يا سيف على راعى وعلى رجل رفقتى يقول رب الجنود. اضرب الراعى فتتشتت الغنم وأرد يدى على الصغار » " زك 13: 7 "... ولا أظن أن هناك كلمات يمكن أن تكون أجمل من كلمات ف. ب. ماير يوم قال: « إنه السيف الذى لمع فى يد الكروبيم على باب جنة عدن لحراسة طريق شجرة الحياة، وهدد الزوجين المعتديين بلهيبه المتقلب، إنه سيف العدل، سيف كلمة اللّه المنتقم على العصيان بالموت، وقد نام فى غمده أربعة آلاف عام، وإذا جاز أن نقول، باليقين الإلهى، بأن الرحمة لابد أن تلتقى بالعدل تجاه الناموس المكسور،... كان من المحال أن ينام فى غمده إلى الأبد،... ووعد اللّه لابد أن يتم، وفى ملء الزمان جاء المسيح ليكون كفارة، ليظهر بر اللّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال اللّه لإظهاره بره فى الزمان الحاضر ليكون باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع » " رو 3: 25 و26 "... وقد أيد المسيح هذه الحقيقة: وهو يقول لتلاميذه، « حينئذ قال لهم يسوع: كلكم تشكون فى هذه الليلة لأنه مكتوب أنى أضرب الراعى فتتبدد خراف الرعية " " مت 26: 31 ". ولا تنتهى نبوات زكريا قبل الحديث عن مجئ المسيح الثانى العتيد،... وليس المجال هنا للبحث فى الحرفية « أو » الرمزية التى يتتسم بها الأصحاح الرابع عشر من زكريا.. فبعض الشراح يفسر الأصحاح تفسيراً حرفياً، حيث ينشق جبل الزيتون فعلا إلى نصفين يفصلهما واد كبير،... وتحدث معركة هر مجدون آخر معارك العالم التى يحسمها المسيح بظهوره العتيد،... غير أن هناك من يأخذ « أورشليم » أو « الكنيسة » بالمعنى الرمزى، دون أن يحدد صورة حرفية معينة، قد تكون أورشليم المشار إليها فى مطلع الأصحاح الرابع عشر، هى التى دمرها الرومان، أو قد تكون الكنيسة حين انهارت الحياة الروحية وغطاها الظلام فى العصور الوسطى، على أن اللّه لا يمكن ان يتركها أو يهملها، بل سيأتى ليحارب عنها، وينتصر، ويكون الملك له وحده وسواء تم هذا بالمعنى الحرفى أو الروحى، فإنه لا يمكن أن يتم إلا بعد المعاناة والمتاعب والزلازل، والعلامات التى أكد السيد المسيح أنها لابد أن تكون قبل مجيئه الثانى العتيد، فإذا جاء فإن مجيئه سيكون أشبه بعيد المظال الذى يعيد فيه اليهود سبعة أيام، أو فى لغة أخرى، إنه الخروج من تعب الخطية وشدتها وقسوتها ومعاناتها، إلى الراحة والسلام والاطمئنان. والملك الألفى العظيم العتيد،... وسواء كان هذا الملك هو حكم المسيح لمطلق لمدة ألف عام فى الأرض، كما يذهب مذهب، قبل الألف، الذى سبقت الإشارة إليه فى بعض الدراسات السابقة، أو هو انتصار كنيسة الرب يسوع بالمعنى الروحى الذى يقدس فيه كل شئ لمجد السيد، وهو الأرجح فى نظرنا، إذ لا نستطيع أن نفهم أن يتحول كل شئ قدساً للرب: « فى ذلك اليوم يكون على أجراس الخيل قدس للرب والقدور فى بيت الرب تكون كالمناضح أمام المذبح. وكل قدر فى أورشليم وفى يهوذا تكون قدساً لرب الجنود وكل الذابحين يأتون ويأخذون منها ويطبخون فيها. وفى ذلك اليوم لا يكون بعد كنعانى فى بيت رب الجنود» " زك 14: 20 و21 ".. ما لم نفهم الذبيحة المعنى الروحى،... ونفهم أن تقدس أقل الأشياء كالأجراس التى تعلق على رؤوس الخيل، والتى هى للزينة أو للصوت أو الرنين الذى يحدث منها كلما سارت فى الطريق،... أى أن، يصبح كل شئ - صغر أم كبر فى الأرض - لمجد اللّه وجلاله بالمعنى المفهوم فى الحياة المملوكة بالتمام للّه!!.. على أية حال كانت نبوات زكريا عبوراً طويلاً ممتداً من أورشليم وهيكلها القديم، وقد كانت أمام عينى النبى القديم أطلالا دارسة تحاول أن تقو وتنتفض من التراب، إلى أورشليم التى صلبت يسوع المسيح، ورأت من العذاب والضيق مالم تره مدينة أخرى فى كل التاريخ، إلى أورشليم أمنا السماوية، كنيسة الرب يسوع التى ستظهر فى اليوم الأخير بمجده الأبدى الفائق، حين تنتهى اللعنة إلى الأبد، ويصبح كل شئ فى السماء وعلى الأرض قدساً للرب!!..
المزيد
10 يونيو 2021

عظة على عيد الصعود

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد يا مَن صعد إلى السماء جسدانياً، وهو يملأ الكل بلاهوته، أيها المسيح إلهنا، أَصْعِد هِمَمنا من تنازُل الأرضيات إلى اشتياق السمائيات. يا مَن شرَّف جنس البشر بارتفاع الجسد المأخوذ منهم إلى حيث مجد لاهوته الأزلي، أيها السيد، ارفع عقولنا من تنازُل رذائل هذا العالم إلى ارتقاء ذلك الدهر المستأنف (الآتي).يا مَن عظَّم الإنسان الترابي وجعله أهلاً أن يصير سمائياً، اقبلنا إليك أيها الرب الإله الذي يعلو الكل وهو فوق كل رئاسة وسلطان. وهَب لي أنا - أيها القدوس - قولاً لأتكلَّم على كرامة صعودك إلى (الموضع) الذي لم تَزَل فيه أزلياً.يا مَن وهب للأرضيين أن يبلغوا رتبة السمائيين، أعطني نطقاً يا عمانوئيل إلهنا، الذي أعطى قوةً للجسدانيين أن يصيروا روحانيين، لأنطق على جلالة ارتفاعك العجيب بالجسد إلى السموات التي أنت فيها باللاهوت لم تَزَل.امنحني معرفةً يا مَن وهب فضلاً وخلاصاً وارتفاعاً لجنسنا الذي كان ساقطاً في هاوية الهلاك، وصيَّره فوق ملكوت السماء الباقية، لأُخبر بحُسْن بهائك وأنت صاعد إلى علو سمائك، وأُرتل مع داود المزمِّر وأقول: «صعد الله بالتهليل. الرب بصوت القَرْن. رتلوا لإلهنا، رتلوا لملكنا، لأن الله هو ملك الأرض. رتلوا بفهم لأن الرب هو ملك على كل الشعوب. جلس الله على كرسي مجده» (مز 47: 5-8).أُعلنُ معه أيضاً بدخولك في أبواب المجد الدهرية وأقول: «ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، ارتفعي أيتها الأبواب الدهرية، ليدخل ملك المجد. من هو ملك المجد؟ رب القوات هو ملك المجد» (مز 24: 9-10).وأُخبر معه أيضاً بالسبي الذي اقتلعه من يد الشيطان بصعود الجسد الذي اتَّحدْتَ به وأَفضْتَ مواهبك على البشر وأقول: «صعد إلى العُلا، وسبى سبياً، وأعطى الناس مواهب» (مز 68: 18). ونسجد لك ونسبح جميعاً معه قائلين: «يا جميع ملوك الأرض سبِّحوا الله، رتلوا للرب الذي صعد إلى سماء السماء في المشارق» (مز 68: 33). ونرسل لك أيضاً معه تسبيحاً جديداً، لأن الأشياء العتيقة قد زالت وكل شيء قد تجدَّد بك أيها المسيح الرب، الذي جدَّد الخليقة بقيامته وأعلى رتبها بصعوده. ونقول جميعاً باتفاق واحد: «سبِّحوا الرب تسبيحاً جديداً، سبحوا الرب (يا) جميع الأرض، باركوا اسمه، بشِّروا يوماً فيوماً بخلاصه. قولوا في الشعوب إن الرب قد ملك» (مز 96: 1-10)، أعني غلبة الشيطان، وأن الجسد قد ظفر بالمُلك الأبدي كما قال لرسله بعد قيامته: «أُعطيتُ كلَّ سلطان في السماء وعلى الأرض» (مت 28: 18). وإن كان السلطان له لم يَزَل، وإنما أعني الجسد الذي أُعطي كرامةً وسلطاناً لم يكن (له) باتحاده باللاهوت وإقامته من بين الأموات. وهكذا تفهَّم في نوع الصعود والجلوس والمُلْك مثل ذلك كقول داود: إن «الرب ملك، سحاب وضباب حوله، بالعدل والحكم أتقن كرسيه» (مز 97: 1-2)، هذا هو المُلك الذي يعنيه جبرائيل الملاك للسيدة مرتمريم البتول قائلاً: «ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لمُلْكه انقضاء» (لو 1: 33).وداود أيضاً يقول: «قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت موطئ قدميك، عصا قوة يُرسل لك من صهيون وتملك في وسط أعدائك إلى الأبد» (مز 110: 1-2). وهذا الموضع فسَّره الرب في الإنجيل. وهكذا اسمه القدوس قد ملك في وسط أعدائه وليس إلى وقت ينقضي بل إلى الأبد بلا انقضاء. وعَنِيَ بأعدائه الشياطين المَرَدَة واليهود الكفرة والذين لم يُذعنوا للإيمان باسمه، كما قال: «أعدائي الذين لم يشاؤوا أن أملك عليهم، ائتوني بهم واذبحوهم قدامي» (لو 19: 27)، أعني انتقامه منهم في استعلانه الثاني.بحقٍّ، أيها الإخوة الأحباء، إن كرامة هذا العيد الشريف جليلةٌ جداً، أعني عيد صعود ربنا يسوع المسيح إلى السماء، لأن فيه كمال التدبير بالتجسُّد العجيب. اليوم صعد الرب إلى السموات بالجسد وهو فيها باللاهوت لم يَزَل. وإنما ذكر نزوله أي أنه تجسَّد وذكر صعوده أنه أصعد الجسد الذي اتحد به إلى فوق كل رئاسة وسلطان. اليوم صعد الرب إلى سماء السموات وخضعت له الملائكة والرؤساء والقوات. اليوم صار (الجسد) الذي كان تحت الكل ساقطاً في التراب والبلوى، فوق الكل في سماء السموات. ولما نظرت البشر إلى الجسد الذي كان ساقطاً في الهاوية، أنه قد علا إلى سماء السموات فوق كل ما يُرى وما لا يُرى، علموا أن الهلاك قد مضى والأشجاب قد ذهب وانقضى، ومجد حرية البنوة قد استنار بربنا يسوع المسيح. لأن كيف تستطيع الأرض الصعود إلى السماء لو لم يتحد بها رب السماء بالتجسُّد العجيب، ويصعد إلى حيث مجده غير المُدْرَك. كيف يقدر الجسدانيون (أن) يصيروا روحانيين، لو لم يتجسد منهم رب الأرواح وإله كل ذي جسد، ويصلح كل شيء كما يليق به. كيف يقدر المسجونون تحت حكم الموت والفناء أن يبلغوا رتبة الذين لم يوجب عليهم حكم الموت، أعني الملائكة، لو لم يخالط طبيعتهم البار غالب الموت ويصعدها فوق الكل، وكل شيء خضع تحت قدميه. لم تصر لنا النعمة بمقدار الزلَّة، بل عظمة نعمة ربنا يسوع المسيح فاقت كل زلَّة وهفوة، وبلغت في العلو حتى نفذت سماء السموات فوق كل الملائكة والرؤساء والقوات.أليشع النبي يعلِّمنا سرَّ صعوده، وذلك أنه مكتوب في أسفار الملوك أن بني الأنبياء أتوا إلى أليشع النبي وسكنوا عنده، فقال لهم يا إخوة ليس في المكان بسعة لنا جميعاً، فاقطعوا لكم خشباً من على شاطئ نهر الأردن واصنعوا لكم محلات لتأووا فيها وتجدوا سكناً جيداً. ولم يكن عندهم سوى فأس واحد. فأخذوه ومضوا يقطعون به، فانقلعت العصاة من الفأس وسقط الحديد في نهر الأردن. وكان الموضع مهبط مياه قوي التيار جداً. فأتوا وأعلموا أليشع النبي بذلك. فأخذ عصا جديدة غير تلك الأولى وأتي إلى الموضع الذي سقط فيه الفأس، وألقى العصا الجديدة في النهر. فنزلت العصا إلى قعر النهر ودخلت في الفأس وأصعدته إلى فوق أعلا النهر. فمد النبي يده وأخذ الفأس (2مل 6: 1-7). وكان هذا مثالاً بروح النبوة على البشرية التي سقطت في بحر العالم ورسبت مثل حديد ثقيل، ولم تقدر (أن) تصعد إلى الشرف الفاضل. فتحنن الرب السماوي واتحد بجسد طاهر لم يُعتَّق بالخطية، بل أخذه من البتول مرتمريم بغير زرع بشر، ثم أصعده بغير مانع كما يليق به، وأعطى لجنسنا القوة على الصعود معقولاً إلى حيث مجده، كما يقول الرسول: «نتمسك بالرجاء الذي وعدنا به، الذي هو بمنزلة المرساة التي تمسك أنفسنا لئلا نزول، وندخل حتى نجاوز حجاب الباب، حيث سبق فدخل بدلنا يسوع («حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا») وصار حبراً دائماً» (عب 6: 18-20). وقال أيضاً: «فلنقترب الآن بوجوه مُسْفرة (مكشوفة) إلى كرسي نعمته لنظفر بالرحمة ونستفيد (ونجد) النعمة ليكون لنا ذلك عوناً في زمان الضيق» (عب 4: 16-17).يعقوب إسرائيل تقدم فأبصر كيفية صعود الرب، حيث أبصر سُلَّماً مرتفعاً من الأرض إلى السماء، وملائكة الله نازلين وصاعدين عليه، والرب فوق أعلا السُّلَّم (تك 28: 12-13). يدل هذا على تدبير الرب الذي أكمله بالجسد البشري، وارتقى من واحدة إلى أخرى كنوع السلم حين التجسد إلى حين الصعود والملائكة خادمون له. في ذلك باشره من حين البشارة إلى حين القيامة والصعود.هَلُمَّ في وسطنا اليوم أيها الإنجيلي القديس لوقا لنأخذ منك سياقة القول على صعود الرب، وكيف كتبتَ الإنجيل بتأييد الروح من ابتداء الجسد وأكملته بالصعود؛ ثم ابتدأت أيضاً بالصعود في كتاب الإبركسيس وجعلته فاتحة القول (أعمال الرسل - الأصحاح الأول)؛ ثم ذكرتَ كيف كان كمال الإنجيل، وجمعت الاثنين في حال الصعود وقلتَ: «قد كتبتُ كتاباً يا ثاوفيلا»، أعني الإنجيل المقدس. قال: «في جميع الأمور التي ابتدأ يسوع في فعلها وتعليمها»، أعني سياسة تدبير الرب وأنه عمل أولاً وعلَّمنا أن نتبع أثره. ولكي ما يظهر بهذا أن كل ما عمله إنما كان لأجل تأديبنا وتعليمنا، وليس حاجة به إلى ذلك، أعطانا بهذا مثالاً أن نعمل ونعلِّم. قال: «حتى اليوم الذي صعد فيه»، أعني أن الصعود الكريم (هو) كمال بُشرى الإنجيل، وفيه انتهى القول في نوع تدبير الله. قال: «إن من بعد ما أوصى رسله الذين اصطفاهم بروح قدسه»، أعني الوصية التي ذكرها في الإنجيل. قال: «أولئك الذين أراهم نفسه أنه حي»، أعني القيامة المقدسة التي هي أربون (أي عربون) قيامتنا. قال: «من بعد ما تألم بآيات كثيرة»، أعني بالآيات شهادات الأنبياء التي تقدمت لأجله، (وهي) تُظهر كيفية علامات آلامه المُحيية مع الآيات التي كانت وقت الصلبوت علانية، من تغيُّر وجه السماء والأرض واضطراب العناصر. قال: «في أربعين يوماً كان يتراءى لهم ويقول على ملكوت الله»، أعني أنه أربعين يوماً بعد القيامة المقدسة يظهر لهم حيناً بعد حين. فحيناً يظهر لهم ليُفرِّح قلوبهم ويُسرُّوا بمشاهدته، وحيناً يختفي بقوة لاهوته عنهم لكي يشتاقوا إليه ويحفظوا ما أوصاهم به ويتذكروه بينهم. وقوله: «يقول على ملكوت الله»، أعني كل تعليمه لأجل ملكوت السموات التي هو صاعد إليها بالجسد وهو باللاهوت حالٌّ فيها.قال: «فلما أكل معهم خبزاً أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم»، وهذه الوصية فقد تقدم ذكرها في الإنجيل، وهي وصيته لهم أن لا يبرحوا من أورشليم حتى يتدرعوا القوة من العلاء (لو 24: 49)، وها هنا أيضاً نبَّه على ذلك. قال: «بل ينتظروا ميعاد الآب». قد تقدم ووعدهم بأن يُرسل إليهم موهبة الروح، وهو والآب واحدٌ في الفعل والقوة، فلهذ ا قال: «ميعاد الآب» لكي يثبت لهم وحدانية اللاهوت بغير تجزُّء ولا افتراق. قال: «ذلك الذي سمعتموه مني»، أعني أنهم سمعوا منه ذلك، وهو والآب واحدٌ، كما قال لليهود، وأيضاً قال لفيلبُّس: «مَن رآني فقد رأى الآب» (يو 14: 9)، قال: «يوحنا عمَّد بالماء وأنتم تُعَمَّدون بالروح القدس». ذكر هاهنا شرف المعمودية التي هم مزمعون أن يقبلوها بحلول الروح القدس عليهم عندما تعطيهم موهبة الكمال، وأن يوحنا شُرِّف بالعماد لكن بالماء، وأنتم تُعمَّدون بعماد الروح، ثم تكونون أئمةً لكل المسكونة في المولد من فوق. قال: «ليس بعد أيام كثيرة»، أعني كمال الخمسين. فلما سألوه عن مُلك بني إسرائيل الجسداني، نزع هذا التشاغل العالمي من عقولهم، ثم عرَّفهم أن الروح إذا أقبل عليهم يملأهم معرفةً ويَعْلَمون كل شيء، وليس هذا فقط بل ويقبلون قوةً فاضلةً حتى يكونوا له شهوداً وليس في مكان واحد، بل قال: «في أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقاصي الأرض».فلما أكمل لهم هذه الأشياء بأسرها وثبَّتهم على انتظار الموعد الذي من السماء، يهبط عليهم ويكون لهم مرشداً ومعزِّياً ومعلِّماً، باركهم حينئذ الربُّ الإله معدن كل البركات وصعد إلى السماء أمام أعينهم وهم ينظرون إليه. ثم قبلته سحابة ليتم المكتوب: «استوى على السحاب ومشى على أجنحة الرياح» (مز 104: 3)، أعني الجو غير المحسوس والرياح غير المضبوطة صعد فيها بقوة لاهوته بغير مانع، كأن لها أجنحةً خادمةً لباريها. وأيضاً مكتوبٌ: «سحابٌ وضبابٌ حوله، بالعدل والحكم أتقن كرسيه» (مز 97: 2). وأيضاً مكتوبٌ: «ركب على الكاروبيم طار، طار على أجنحة الرياح» (مز 18: 10). ذكر أولاً ركوبه على الكاروبيم، ثم ذكر طيرانه على أجنحة الرياح، ليُعلن قوة لاهوته وأنه غير محتاج إلى شيء من البرايا، بل هو أصعد الجسد المتحد به بقوة إلى أعلى المراتب الروحانية فوق كل القوات العقلية.ولما شاهدوا خضعوا جميعاً الملائكة والرؤساء والقوات، أعني كافة الروحانيين الذين فوق السموات. «فأما الرسل فبقوا قياماً متفرِّسين نحوه وهو صاعد وهم متعجبين، فيما هو كذلك إذ وقف بهم رجلان بلباس يلمع أبيض»، أعني ملاكين ظهرا لهم بشبه البشر لكي يقدروا على مخاطبتهم، ولكي ما يعلمونا أن السمائيين قد صاروا واحداً مع الأرضيين بالرب الذي أصعد الجسد المتحد به إلى السماء. لأن (القديس) لوقا جرت عادته (أن) يذكر الملائكة أنها تظهر بشبه أناس، كما ذكر في الإنجيل لأجل الملاكين اللذين بشَّرا النسوة بهذا المثال بعينه. فقالا: «أيها الرجال الجليليون»، يعني أن الرسل من الجليل. قال: «لماذا أنتم قيام تتفرَّسون في السماء»، يعنيان أن هذا ليس أمراً غريباً، صعود الرب إلى السماء. ثم قالا: «هذا يسوع الذي صعد عنكم إلى السماء، هكذا يأتي كما رأيتموه صاعداً إلى السماء»، عَنِيَا يسوع المخلِّص، لأنه سُمِّيَ بهذا الاسم لأجل التجسُّد، فأعلنا لهم كرامة صعوده ثم أثبتا مجيئه في استعلانه الثاني من السماء التي صعد إليها، لأنهم مزمعون أن يأتوا معه كما قال الرب أنه يأتي في مجده مع ملائكته القديسين (مت 16: 27).ثم إن الرسل الأطهار رجعوا إلى أورشليم مسرورين بما شاهدوا من المجد والكرامة ولأجل الموعد الإلهي. فلما دخلوا صعدوا إلى العلِّية المقدسة التي كانوا مجتمعين فيها أولاً مع الرب، وفيها دخل عليهم والأبواب مغلقة، كمثل عبيد يتذكرون المكان الذي كانوا فيه مع سيدهم منتظرين رجاء الموعد وهم فرحين. وقد كانت سيدتنا مريم أيضاً مع نسوة تقيات وأولاد يوسف النجار مواظبين مع الرسل على الصلاة والطلبة، بنفس واحدة، منتظرين جميعاً موعد الروح القدس، وهم مشتاقون لِمَا سمعوه من الرب أن له الغاية في معرفة الكمال، وهو المرشد إلى الحق، وأن به يُعطَوْن قوة علم البُشْرَى في أقطار الأرض كلها.نعظِّم الآن، يا أحبائي، صعود الرب يسوع المسيح، ونُعيِّد له بكل الوقار والإكرام، لأن به شرَّف وأعلا طبيعتنا الأرضية الهالكة وجعلها فاضلة سمائية. كما يقول الرسول: «إن الله الغني برحمته، من أجل كثرة محبته، لمَّا كُنَّا أمواتاً بخطايانا أحيانا بنعمته، وأحيانا وأقامنا وأجلسنا مع يسوع المسيح» (أف 2: 5-6). نسجد ونمجِّد الذي خضعت له الملائكة والرؤساء والقوات. نخرج مع رسله معقولاً خارجاً عن المدينة، الذي هو الخروج عن سيرة العالم الحسي، ثم نصعد إلى الجبل الذي هو ارتقاء العقل من الرذيلة إلى علو الفضيلة، ليباركنا مع خواصه الأطهار الأفاضل. ونسجد له معهم، ثم نرتل مع النبي المزمِّر داود قائلين: «عظِّموا الربَّ إلهنا واسجدوا في جبله المقدس، فإن الربَّ إلهنا قدوس» (مز 99: 9). وأيضاً نقول: «ندخل إلى مظلته ونسجد في موضع قدسه» (مز 132: 7)، ثم بعد ونصعد إلى العلِّية ونمكث منتظرين نحوه، وله مترجِّين، لكي يمنحنا موهبة روح قدسه، ليرشدنا إلى البر والحق؛ إذ الرسول يُعلِّمنا مثل ذلك قائلاً: «إن كنتم مُتُّم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله، واهتموا لِمَا فوق لا لِمَا في الأرض» (كو 3: 1-2). فإذا سمعت بالجلسة عن يمين الله، فلا تظن أنه يمين محسوس، لأن داود يقول: «يمين الرب رفعتني يمين الرب صنعت القوة» (مز 118: 16)، فلا تفتكر في شيء محسوس ولا يمين ضد الشمال، بل يعني باليمين القوة والرِّفْعَة، وأن الجسد الذي كان أسفل الكل صيَّره فوق جالساً يعلو الكل. وبولس يفسر هذا قائلاً: «إنه أجلسه عن يمينه فوق السموات، فوق الرؤساء والملائكة والمُسلَّطين، وفوق كل اسم يُسمَّى وكل شيء أخضع تحت قدميه» (أف 1: 20-22)، أعني باليمين الرِّفْعة والقوة والشرف الذي أُعْطِيَ للجسد المتحد به، لأنه باللاهوت هناك لم يَزَل.فلنرفض عنا الآن دنس العالم ولنطلب الشرف الذي صار إلينا، لئلا نكون نحن السبب في هلاك نفوسنا وحدنا. نحفظ أجسادَنا نقيةً وأرواحنا طاهرةً مرضيةً لأجل الذي اتحد بحبه بالبشرية ورفعها إلى السماء العلوية. نصنع صُلحاً وسلامة مع بعضنا لأجل الذي صعد إلى السموات وصيَّر الأرضيين واحداً مع السمائيين. نرحم أهل الفاقة من أجل الذي رحمنا وأعطانا كل شيء بتوسعة غناه لحاجتنا. نسلك أمامه في سبيل مستقيم لكي يجعلنا مستحقين الارتقاء إلى السبيل العلوية السمائية، التي تقدَّمنا فيها رئيسُ الحياة الأبدية مخلِّص كل البرية. نحب النقاوة والطهارة ونجاهد على حفظها، لكي نستحق التسبحة مع الملائكة الروحانيين. نتلو الصلوات في كل حين لكي يشرق فينا نور نعمته في علِّية نفوسنا ويملأنا من موهبة روح قدسه. ننطق بمجده ونتكلَّم بعجائبه ونخبر بقوة خلاصه وعِظَم ذراعه، ونتلو ما صنع من أجلنا، لكي نستحق الشركة مع رسله الأطهار، الذين كرزوا باسمه بين الملوك والسلاطين وكافة الشعوب باجتهاد ومحبة كل أيام حياتهم، إذ الرسول يفتخر بذلك ويتلو في هذه الألفاظ قائلاً: «وحقاً إن سرَّ هذا اللاهوت لعظيم، الذي ظهر بالجسد، وتبرَّر بالروح، وتراءى للملائكة، وبشروا به في الأمم، وآمن به العالم، وصعد بالمجد» (1تي 3: 16).ونحن نسأل ربنا يسوع المسيح الذي صعد إلى السموات أن يُصعدنا بقوته من بحر هذا العالم المُهلك، ويثبِّت في السبيل المستقيم أقدامنا، ويغفر ما تقدَّم من قُبح أعمالنا، ويساعدنا على العمل برضاه وحفظ وصاياه، ويرحم كافة بني المعمودية الذين رقدوا على رجاء الإيمان باسمه القدوس، بشفاعة سيدتنا الطوباوية البتول مرتمريم والدة الخلاص، وكافة الرسل الأطهار والشهداء والقديسين والسواح والمجاهدين، الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين وأبد الآبدين، آمين. تمَّ وكمل ميمر صعود ربنا وإلهنا ومخلِّصنا يسوع المسيح الذي له السُّبْح دائماً أبدياً، آمين، آمين الأنبا بولس البوشي أسقف مصر في القرن الثالث عشر الميلادي
المزيد
20 يناير 2021

الميمر 167 على تلك الآية التي صنعها ربنا في قانا الجليل

ايها الابن الذي كان قد كثّر الخمر الجيد في الوليمة، اعطني لاشرب السيول الحلوة الموجودة في تعليمك، ايها المدعو الذي اثرى من موهبته من دعوه، صبّ هنا ايضا خمر محبتك ليسعدنا، لا تتاخر عن المجيء عند نقصي، ها قد دعوتُكَ ليس الى قانا لكن الى فكري، ربي هلّم وضع فيّ سيول تراتيلك الحلوة، بيعتك هي اعظم من الوليمة التي دعوتُك اليها كثّر عليّ المادة التي تسكرها وتشبعها، هوذا لساني يمزج في عرس البيعة المقدسة، اثلم واجرِ فيّ الشراب الروحي الذي يسعده، ساعدني لاتكلم عن هذه الآية العجيبة لكي اسقي بيعتَك خمر تعليمك الجديد، جعلتني ساقيا في عرس الشريفة، فلا تنقص بسببي اجانة المواضيع من امتلائك. ضرورة حضور المسيح في قانا:- انحدرت ارادته وحثت الذين يدعون ليدعوه ايضا مثل البقية الى الوليمة، نخسهم امرُه وايقظهم لياتوا عنده، وبعدما يدعونه لا يتاخر من الذهاب، كان سيذهب حتى ولو لم يدعوه، لكي يصنع آية ويحس العالم بلاهوته. طريق الزواج طاهرة:- كان يليق ان يبدأ بالقوات في العرس، وفي بيت الزواج يمدّ اليد للقداسة، ركض ووقف على الباب الذي يُدخِل الجنسَ لكي ينشر التعليم لكل من ياتي الى العالم، اتى ليخطب عروس النور بصلبه، فتوجه اولا حيث كانت توجد العروس الزمنية، المسيح ايضا كان ختنا قديم الاجيال، وقد اتى ليخطب بيعة الشعوب بذبيحته، ابان هناك بان طريق الزيجة طاهرة، والزواج مُتقن جيدا من قبل الله. المسيح ليس غريبا عن ابيه الذي اتقن الزواج:- لو كان الزواج ذاته والشركة مدنسَين، لما كان يدخل ويختلط في وليمته، لو لم تكن طريق الختن جميلة، لما كان يحل في مريم بقداسة، لقد اتكأ في الوليمة ليبارك سرير الشركة، راى بان الزواج متقن جيدا بواسطة ابيه، وعقد خدرا للعروس الزمنية بالطهر. وليمة قانا ترمز الى كل البرية:- كل البرية كانت مصوّرة بتلك الوليمة لان خمر كل واحد كان قد نقص من الاتقان، كان الختن يشبه آدم بالعوز، لان خمره نفذ كما كان قد نقص صِدق آدم، تلك العروس كانت تشبه بيعة الشعوب التي نفذ خمرها كما نفذ التعليم قبل المجيء. قالت مريم ليس لهم خمر:- رأت مريم الطوباوية بان الخمر قد نفذ، وكانت قد عرفت بانه صار مجال للتعليم، حينئذ وشوشت النعجة البتول الى شبل الاسد: ربي، لا يوجد الخمر لآل الختن، قالت الذكية فقط: لا يوجد الخمر، غير انه في فكرها كانت تُقال مثل هذه الامور: بيّن قوتَك بالمعجزات لانك ابن الله، هوذا الوقت قد حان ليحسّ العالم بقدرتك العاملة، بيّن قليلا سلطة قدرتك البارية، لماذا تسير بالبساطة وبالسذاجة.؟ جواب يسوع لمريم:- واذ اسرعت على فعل ليس خاصتها، اجاب الحكيم وكأنه تركها ووضعها في البعد، كان يقول لها: ما لي ولكِ يا امرأة، بينما هي امه كما لو قال احد بجسارة: لا تخصكِ القدرة الآمرة، انا مستعد لاصنع العجب هذه المرة حتى وإن سكتتِ، وبدون كلمتكِ هانذا اشرق قوة جوهري، لم تأت الساعة لاصمم تنفيذ الفعل، لما اريد سيصنع الرمز فقط القوات، ارادتي لا تحتاج الى الاستعداد قبل الوقت، بنفخة صغيرة يسهل علي ان افعل بسرعة، ولما يُرسل امري لا يوجد فيه تاخير، طرفة العين ليست سريعة كقدرتي الفاعلة. المسيح يبدل الماء الى الخمر:- اخذ ليبرهن بانه ابن العامل بالحقيقة، لئلا يتشككوا من مجيئه ويقولوا: ليس ربا، اراد ان يعرّف بانه ليس غريبا عن القدرة البارية، فامر الجمعَ ان يسكبوا الماء في الاجاجين، وصنع الخدام كما قال وملأوها، حينئذ انحدرت خفيةً قوة لاهوته، احنى ارادةَ قدرته العاملة على الاجاجين، وسكب فيها المادة السليمة ليس من العنب، الرمز كان قد كمّل المياه التي سقطت هناك وبدّلها الى الخمر الجيد. ابي يعمل وانا ايضا اعمل مثل الآب:- يبدل الآب ايضا المياه، وبمهارته منها وبها يصنع الخمر، يجريها في الجذور حسب معرفته، ويسيّرها في الاغصان حسب ارادته، ويحبسها في حضن الجفنات كما لو كان في القنوات وبواسطة الشمس ينضجها ويسجرها ويسخنها، ويصوغ العنبات ويُخرجها ويعلّقها في الاغصان، ويفرش الاوراق على البهيات ويبرّدها، تجري المياه في احضانها وهي غير مفتوحة، وينزل الفيض الى افواهها وهي غير مثلومة، المياه الممجدة متجمعة وقائمة في الاثمار المختومة، وتسجرها الريح والشمس لتنضجها، الآب يبدّل المياه في الجفنات خلال مدة طويلة، وتبدّلها الى مادة الخمر قدرته العاملة. الابن يعمل دون ان يحتاج الى الوقت:- الابن الحقيقي كمّل ارادتَه برمز صغير، الابن الذي اراد ان يبدلها بدون مدة زمنية، لم يجعلها تحتاج الى نظام الايام والشهور. مناهضة المجادل:- اين الذي ظلم الابنَ (قائلا): ليس الها،؟ ليأتِ ويرَ بان قوته لا تنقص عن والده، يا من يتشكك من الوحيد (ويقول) ليس الها، انظر فان القدرة البارية ظهرت في العرس. مَن هو الذي يصغّر الابنَ عن مرسله ليأتِ ويرَ بان القوة هي واحدة ولا تتجزأ،؟ الى الآن ابي يعمل مثل الباري، وهانذا اعمل كما هو (يعمل) ايضا، قوة واحدة، وامر واحد، وفعل واحد، ورمز واحد، وارادة واحدة، وسلطة واحدة، ذاك الامر الذي صاغ الاثمار في الاشجار كان جالسا في هذه المياه التي صارت خمرا.
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل