المقالات

19 يناير 2025

الظهور الإلهي عند ق. يوحنا ذهبي الفم

يقول القديس يوحنا ذهبي الفم إن كثيرين يحتفلون ويعرفون أسماء الأعياد، ولكنهم يجهلون الأسباب التي من أجلها صارت هذه الأعياد إن احتفال اليوم كما يقول، يسمى "أبيفانيا" أي ظهور، وهو معروف للجميع، ولكن هذه الأبيفانيا، هل هي واحدة أم أثنين. هذا ما لا يعرفونه. فبينما يحتفلون بهذا العيد كل عام، إلاّ أنهم يجهلون أمره هكذا أراد القديس يوحنا ذهبي الفم أن يوضح بعض الحقائق الغائبة عن الشعب فيما يختص بعيد الظهور الإلهي. فالأمر بحسب رؤيته لا يتعلق بظهور واحد، بل بظهورين، واحد هو الذي حدث في مثل هذا اليوم، والثاني سيحدث بطريقة مجيدة في المستقبل، في المجيء الثاني. ويستند في هذا إلى ما قاله الرسول بولس، عن كل ظهور من الاثنين. فيما يختص بالظهور الأول، يقول: " لأنه قد ظهرت نعمة الله المُخلِّصة لجميع الناس معلِّمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر" وعن الظهور الثاني في المجيء الثاني يكتب "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تي11:2ـ13) ويقول يوئيل النبي وعن هذا الظهور الثاني " تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف" (يوئيل2ـ31) ثم يتساءل ق. يوحنا ذهبي الفم لأي سبب سُمى ”أبيفانيا“؟ يقول بسبب أن المسيح صار معروفاً للجميع، عندما تعمد، لأنه حتى ذلك اليوم، لم يكن معروفاً من الكثيرين. هذا ما يتضح من قول يوحنا المعمدان " وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي. الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس" (يو1ـ33). ثم يطرح القديس يوحنا ذهبي الفم تساءل أخر، وهو لأي سبب آتى المسيح ليعتمد، وما هو نوع معموديته؟ ويجيب على ذلك بالآتي كانت توجد المعمودية اليهودية، وهذه المعمودية كانت معنية بنظافة الجسد فقط، وليس بخطايا الضمير، مثل مس عظام الأموات، تناول الأطعمة المحرمة، الاقتراب من الأموات، مثل هذا كان عليه أن يغتسل، ويبقي دنساً حتى المساء، بعد ذلك يتطهر، هكذا جاء بسفر اللاويين " من مس فراشه (الذي له السيل) يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء" (لا15ـ5). وبعد ذلك يتطهر. وقد أعدهم الله بهذه الممارسات لتلك اللحظة، لكي يكونوا أكثر استعداداً، وفي صورة أفضل لفهم الأمور الأكثر سمواً إذاً فالمعمودية اليهودية لم تكن تخلِّص من الخطايا، ولكنها فقط كانت معنية بالتطهير من النجاسة الجسدية. ثم كانت هناك معمودية يوحنا والتي هي بالتأكيد أفضل من المعمودية اليهودية، لكنها أقل من معموديتنا فهي بمعنى ما تمثل جسراً بين المعموديتين. لأن يوحنا لم يقد الشعب نحو حفظ التطهيرات الجسدية، لكنه نصحهم ووعظهم أن يبتعدوا عن هذه الأمور (الخاصة بالجسد فقط) وعن الخطية، ويعودوا إلى الفضيلة، وأن يعتمدوا، ويترجون خلاصهم بالأعمال الحسنة وليس بنظافة الجسد بالماء. فهو لم ينصح بغسل الملابس وغسل الجسد، لكي يصيروا في حالة نظيفة، بل قال: " أصنعوا ثماراً تليق بالتوبة" (مت8:3) أما من جهة أن معمودية يوحنا هي أفضل من المعمودية اليهودية، وأقل من معموديتنا نحن، فهذا راجع إلى أن معمودية يوحنا لا تمنح الروح القدس، ولا تهب غفران الخطايا، الذي يعطى بالنعمة الإلهية، لأن يوحنا كان يكرز بالتوبة فقط، ولا يملك سلطان غفران الخطايا. ومن أجل هذا قال: " أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (مت11:3) وهنا تحديداً يطرح سؤال آخر، حول معنى عبارة " بالروح القدس ونار"؟ في الحقيقة هذا الأمر مرتبط بحادثة حلول الروح القدس يوم الخمسين، حيث ظهرت ألسنة من نار أمام الرسل وحلّتْ على كل واحد منهم أما من جهة أن معمودية يوحنا لم تكن تملك منح الروح القدس، ولا غفران الخطايا، فهذا واضح من اللقاء الذي تم بين الرسول بولس وبعض التلاميذ، فعندما سألهم: " هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم. قالوا ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم فبماذا اعتمدتم. فقالوا بمعمودية يوحنا. فقال بولس إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة" (أع2:19ـ4) هكذا يظهر من هذا الحوار القصير، أن معمودية يوحنا، كانت للتوبة فقط، ولم تكن معمودية غفران. السؤال الآخر المطروح، لأي هدف كان يوحنا يعمد؟ كان يوحنا يعمد تمهيداً لمجيء المسيح الذي كان يعمد بالروح بحسب شهادته هو شخصيًا " الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع والذي من الأرض فهو أرضي ومن الأرض يتكلم" (يو31:3). ثم يكمل " الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يو36:3) ولذلك يخبرنا سفر الأعمال، في الحوار الذي أشرنا إليه، والذي دار بين ق. بولس والتلاميذ، أن التلاميذ " لما سمعوا من بولس اعتمدوا باسم الرب يسوع ولما وضع يديه عليهم حل الروح القدس عليهم" (أع4:19ـ6). وهكذا كما هو واضح أن معمودية يوحنا كانت ناقصة، وإلاّ لما كان ق بولس قد عمّدهم ووضع عليهم يديه. د. سعيد حكيم يعقوب
المزيد
18 يناير 2025

يوحنا المعمدان ليلة عيد الغطاس

هذا اليوم يا أحبائىِ يوم عيد الظهور الإِلهىِ الذى تُعطيه الكنيسة مقام عالىِ جدا وتجعلهُ أحد الأعياد السيّديّة الكُبرى وتجعل لهُ إحتفال وصلوات خاصة بهِ بِطقس فرايحىِ فهى مُناسبة كُلّها فرح وكُلّها سرور لأنّ الله صار كواحد منّا وبِكر بين الخليقة ومن خلال صلوات عيد الغُطاس نشعُر أنّ الكنيسة بتُشير بقّوة جداً لِشخصية يوحنا المعمدان والكنيسة بتضع يوحنا المعمدان فىِ رُتبة عالية جداً0 عظمة يوحنا المعمدان :- فنحنُ نجد أنّ كُل القديسين بنطُلب صلواتهُم أمّا الشفاعة فنطلُبها من الست العدرا ويوحنا المعمدان ، يكفىِ شِهادة الرب يسوع نفسهُ إنّهُ أعظم مواليد النساء وأعظم من نبىِ والكنيسة بِتضعهُ بعد أيقونة السيد المسيح والكنيسة تُلّقبهُ بالسابق فهو الذى مهدّ لربنا يسوع المسيح وكانوا يسألوهُ هل أنت إِيليّا مَن أنت فواضح من السؤال أنّهُ كان شاغلهُم " ماذا تقول عن نفسك " فكان شخصية مُحيّرة جداً لدرجة أنّهُ مَن بِداية ميلادهُ يقولوا أنّهُ " وقع خوف على كُل جيرانهُم " ومَن بطن أُمهِ إمتلأ بالروح القُدس " وكان ينمو ويتقّوى بالروح وكان فىِ البرارىِ إلى يوم ظُهورهِ لإسرائيل " ( لو 1 : 80 ) " ويتقدّم أمامهُ بروح إيليّا وقّوتهِ ليرُدّ قلوب الآباء إلى الأبناء والعُصاة إلى فِكر الأبرار لكى يُهيّىء للرّب شعباً مُستعداً "( لو 1 : 17 ) فهو أتى ليُهيّىء للرّب شعباً مُستعداً لِذلك نشعُر أنّ الكِتاب المُقدّس يُكرمهُ وحياتهُ تُكرمهُ لأنّهُ نبىِ وأعظم من نبىِ فكُلّما نقترب من يوحنا المعمدان نشعُر بِعظمتهُ ، عظمتهُ فىِ مولدهِ ، لدرجة أنّهُ يتكلّم مع هيرودس بجبروت ، لأنّ الحق الذى بِداخلهُ حق لابُد أن يُعلن لا يستطيع أن يكتمهُ ، فضلّ أن يكون بِلا رأس على أن يكون بِلا ضمير ، لم يُفضلّ السكينة والطُمأنينة ، وهو لم يكُن فقط وبخّ هيرودس لسبب هيروديّا إمرأة فيلُبّس أخيهِ ولكن " لسبب جميع الشرور التى كان هيرودس يفعلها " ( لو 3 : 9 ) فالكُل عارف وساكت لكن يوحنا لا يستطيع أن يكتم ، ولكن الحق تجدهُ بيعلنهُ وبِجبروت ، إنّهُ أعظم من كُل الأنبياء ، فإنّهُ يوجد أنبياء عُظماء جداً ولكن يوحنا جاء" ليُعدّ طريق الرب " فهو جاء ليفرش للملك ، جاء ليُهيّىء القلوب " أعدّوا طريق الرب إصنعوا سُبلهُ مُستقيمة " وأشعياء قال " صوت صارخ فىِ البريّة " ومَن هو الصوت ؟! هو يوحنا المعمدان ، وكان يعيش فىِ البرارى وإختفى فىِ البريّة إلى يوم ظهورهُ لإسرائيل وبالتأكيد إكتسب من البريّة أشياء كثيرة ، لِذلك فهى أعطتهُ عظمة ، أعطتةُ قوة " كُل وادٍ يمتلىء وكُل جبلٍ وأكمه ينخفض وتصير المُعّوجات مُستقيمة والُشعاب طُرقاً سهلة ويبُصر كُل بشرٍ خلاص الله " إبتدأ يُكلّمهُم بكُل قوة " والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجرة0 فكُلّ شجرةٍ لا تصنعُ ثمراً جيّداً تُقطع وتُلقى فىِ النار " ( لو 3 : 9 ) ، ما هذا الكلام القوى فهذا هو يوحنا المعمدان ، صوت مُوبّخ لكُلّ نفس تعيش فىِ كسل وفىِ عدم مخافة الله والكنيسة تُرّكز على حادثة يوحنا المعمدان ، لأنّ لو لم يكُن يوحنا صوت صارخ لغُفران الخطايا ما إستطعنا أن نستقبل ربنا يسوع المسيح ، فهو صوت صارخ فىِ كُل قلب ، صوت يوحنا لابُد أن يدوىِ فىِ بريّة نفسىِ الموحشة " تُب " 0 لابُد أنّ حياتىِ تكون مرضيّة لربنا وشجرتىِ يكون فيها ثمر ، فأشعياء قال " صوت صارخ فىِ البريّة " ، وهذا الكلام قالهُ رب المجد عن يوحنا المعمدان مُنذُ 850 سنة ، ففىِ سِفر ملاخىِ يقول " هأنذا أُرسل ملاكىِ فيُهيّىء الطريق أمامىِ "( ملا 3 : 1 ) ، فملاخىِ تنبّأ عن مجيئهُ مُنذُ مِئات السنين ، تنبّأ عن مجىء هذا العظيم الصوت الصارخ لِدرجة إن زكريّا الكاهن فىِ لوقا يقول عنهُ " وأنت أيُّها الصبىّ نبىِّ العلىّ تُدعى لأنّك تتقدّم أمام وجه الرّب لتُعدّ طُرُقهُ " ( لو 1 : 76 ) لهذهِ الدرجة ؟! " نبىِّ العلىّ تُدعى تتقدّم أمام وجه الرب لتُعدّ طُرُقهُ لتُعطىِ شعبهُ معرفة الخلاص بِمغفرة خطاياهُم " ، والقديسين كثيراً ما يربطوا بين يوحنا المعمدان وإيليّا النبىِ فىِ القوة فنجد إيليّا ظهر فجأة ووقف أمام أخآب الملك ( 1 مل 18 : 17 ، 18 ) ويوحنا نجدهُ كبر وظهر فجأة من البرّية إيليّا النبىِ كانت هُناك إمرأة إسمها إيزابل كانت بِتكمن لهُ شرور وهدّدتهُ بالقتل ( 1 مل 19 : 1 ، 2 ) ، كذلك يوحنا توجد إمرأة كانت تُكمن لهُ شرور وطلبت رأسهُ ( مت 14 : 6 – 11 ) يوحنا المعمدان يحمل روح قوية ، روح موبّخة ، روح مؤنّبة ، قال للعشارين " لا تستوفوا أكثر ممّا فُرض لكُم " ( لو 3 : 13 )، وكان يأتىِ إليهِ الجنود ويقولوا لهُ ماذا نفعل فكان يقول لهُم " لا تظلموا أحداً ولا تشوا بأحدٍ وأكتفوا بعلائفكُم " ،وكان يقول للناس " فأصنعوا أثماراً تليق بالتوبة " ( لو 3 : 8 ) إبتدأ يُعلّم كُل فئة كيف تقترب من الله من خلال حياتها العمليّة هيروديّا لم تستطع أن تحتمل صوت ربنا الذى يُوبّخها ، لِذلك النفس البعيدة عن ربنا تُريد أن تتجنّب صوت ربنا وتنساه وتكون ملهيّة عن ربنا الضمير بيفقد حساسيتهُ والنفس بتهرب من الفأس الموضوعة على أصل الشجرة لِذلك قُلّ لهُ يارب أعطينىِ زمان فأنت لست مُحتاج أن يحلّ الروح عليك ولا الحمامة تستقر عليك ،وأنت فىِ نهر الأردُن أنا كُنت فيك ، فالحمامة والروح إستقر علىّ فالقديس يوحنا المعمدان هو نبىِ بل أعظم من نبىِ ، عاش فىِ البريّة ، عاش فىِ حياة كُلّها بِر وكُلّها تقّوى 0 سر عظمة يوحنا المعمدان :- وهى نُقطتين فقط :- أول نُقطة مُهمة جداً عندما نأتىِ بِسيرة يوحنا المعمدان نتكلّم عن :- 1- بيت يوحنا المعمدان:- الذى صنع يوحنا المعمدان تقّوى أبوه وأُمه " زكريّا وأليصابات " الإنجيل يقول عنهُما " وكانا كلاهُما بارّين أمام الله سالكين فىِ جميع وصايا الرّبّ وأحكامِهِ بلا لومٍ "( لو 1 : 6 ) الأب والأُم فىِ البيت بارّين أمام ( الله ) وليس أمام ( الناس ) فالإنسان مُمكن يكون برّهُ أمام الناس بِر شكلىِ وبِر نسبىِ ، ولكن هُم بارّين أمام الله الذى يفحص القلوب لابُد أن نبحث عن بِرّنا الحقيقىِ ، فنحنُ مُمكن أن نكون فىِ الكنيسة شىء وفىِ البيت شىء آخر ، لماذا نحنُ نكون فىِ البيت شخصيّة غير الشخصيّة التى فىِ الكنيسة؟ لماذا يملُك علينا فىِ البيت الصوت العالىِ والعصبيّة والغضب وعدم الطاعة ؟ فالقديس يوحنا فم الذهب يقول " فالأولاد مهما أخذوا من دروس بالمدرسة يعودون ويستذكرونها باقىِ النهارفلنحرص على ما نسمعهُ حرصنا على نقودنا ومُقتنياتنا لأننّا أُعطينا كلِمات أثمن من الذهب والأحجار الكريمة وقبلنا الروح القُدس " فالأولاد لابُد أن يرجعوا البيت ويذاكروا الدروس ، فلماذا حياتنا بعيدة عن الوصيّة ولم نجد فىِ أولادنا الثمر الذى المفروض أن نجدهُ فأنسب شىء فىِ الحياة المسيحيّة أن لا نتكلّم عن الصلاة بدون أن نُصلّىِ ، علّمنىِ بِحياتك قبل كلامك لىّ ، فهل نحنُ نُصلّىِ بأنتظام ؟! هل نحنُ حريصين على الحضور فىِ بيت ربنا ؟ هل حريصين على زرع المحبة فىِ داخلهُم ؟ فعادةً نقول لهُم إيّاك أنّ فُلان يحصُل على درجات أعلى منّك ، فإن كان البيت بيزرع مخافة ربنا فلو نجد زكريّا وأليصابات سنجد يوحنا فلا تعتقدوا أنّ الحياة أيامهُم كانت مِثاليّة لا زكريّا كان بار فىِ جو ليس فيهِ بِر ، فإنّهُ صعب أنّ زكريّا أرضى الله فىِ جو رُبما كُل المُحيطين بهِ كان فاسد ولا تقولوا أنّهُ لم يكُن عِندهُم مُشكلة ، فعُقم اليصابات كان مُشكلة كبيرة عِندهُم ، لدرجة أنّهُ الملاك عندما ظهر لزكريّا قال لهُ " طِلبتك قد سُمعت " وهذا دليل على أنّها كانت طِلبتهُم بإستمرار ، وأيضاً زكريّا فضلّ أن لا يتزوج بإمرأة أُخرى بالرغم من أنّ الناموس يُشرّع لهُ الزواج ، فزكريّا بِتقواه إرتقى فوق الناموس ففىِ البيت نهتم جداً بأكل الأولاد وشُربهُم ، وكما يقول أحد الآباء " نحنُ لم نُقدّم مشروع تسمين فىِ البيت " فأكل طالع وأكل داخل ، والأكل الروحىِ هو الأهّم ، هو الأبقى ، فأحد الآباء يقول" إنّ البطن لا تستطيع أن تحتفظ بالأطعمة " ، تخيلّوا أننّا مُهتمين بالأكل وبالمظهر مَن مُهتم أن يحتفل بالقديسين فىِ بيتهُ ، مَن يحتفل بالست العدرا فىِ بيتهُ الإحتفال الأجمل هو الذى فىِ البيت مَن الذى يأخُذ أولادهُ مَن بِداية النهار للقُدّاس ؟ وأسألهُم ماذا كان يقول الأبركسيس ؟ فأنا لىّ رِسالة من جهتهُم ، ربنا بيُعطينا عجينة جميلة الزمن بيخرّبها ولكن ماذا نعمل نحنُ لهُم ؟ " الكنيسة التى فىِ بيتك الإيمان العديم الغِش " القديس بولس الرسول يقول لتلميذهُ تيموثاوس أنا مُطمئن عليك لأنّ عِندك الإيمان العديم الغش فيجب أن تهتم بروحياتهُم ، فهل عِندنا نفس الغيرة ونفس الإهتمام ؟ هل أحرص أن يكون فىِ البيت مكتبة تُناسب سِن الإبن ؟ هل أشُعر إن أنا لىّ دور أن أُدخل هذهِ النفس للملكوت ؟ فمُمكن أن يصير إبنىِ دكتور ويكون غير مُوفّق فىِ حياتهُ فأبونا بيشوى كامل ذهب لواحد ليفتقدهُ فأبوه قال لهُ إن إبنىِ فىِ هذهِ السنة لم يكُن عِندهُ وقت فهو فىِ ثانويّة عامّة وبيأخُذ دروس ، وكان بيطلُب منهُ الخادم أن يجلس معهُ ولو لوقت بسيط ، فكان يقول لهُ لا يوجد عِندهُ وقت لِذلك تمُرّ السنين ويُصبح الخادم كاهن ويأتىِ إِليهِ الأب ويقول لهُ أنا إبنىِ أصبح دكتور فىِ المُستشفى وإرتبط بِممُرّضة فىِ المُستشفى وأنا غير قادر أن أُقف مشاعرةُ فالسماء لا يوجد فيها شِهادات ، فلا نُهمل حياتهُم الداخليّة ، فهل ربنا سيسألنىِ هل هو مُدرّس أم دكتور ولكن ربنا سيسألنىِ عن الأمانة التى أعطتها لك ماذا فعلت بِها ؟! ، فالجو الذى نُرّبىِ فيهِ أولادنا صعب ، ولِذلك نجد أنّ القديس أوغسطينوس مديون لدموع مونيكا ، فدموع مونيكا هى التى صنعت أوغسطينوس ، فالقديس بولس الرسول يقول ثلاث سنين لم أفتُر ليلاً ونهاراً عن أن أُنذركُم بِدموعىِ ، فهو يُنذر بالدموع ، فأنا إبنىِ مُمكن أن أُنذرهُ بِدموعىِ وهى ستُنذرهُ أكثر من كلامىِ0 2- روح قويّة:- البرّيّة جعلتهُ أن يكون إنسان بسيط لا يُحب المظاهر لا ينقاد لِخداع العالم فهو خرج لابس وبر الأبل ، وكأنّهُ يقول أنا سألبس الذى يستُر جسدىِ فقط فنحنُ جيل المظاهر والمظهر عِندهُ أهم من الروحيّات بكثير ، وعُلماء النفس يقولوا أنّ الإنسان كُلّما يهتم أن يُحسّن بالمظهر الخارجىِ دلّ ذلك على أنّهُ فىِ داخلهُ يوجد شىء يُريد أن يُخبئّهُ تأمّلوا الأنبا بولا كان لابس ثوب من ليف النخيل أو من سعفهُ ، والأنبا أنطونيوس كان لابس جلاّبيّه ولكن من الداخل قّوة جبّارة ويوحنا المعمدان يقولوا أنّ هيرودس كان يهابهُ ، القديس العظيم الأنبا أنطونيوس عِندما كان سيُقابل الملك فقال لهُ تلاميذهُ أن يرتدىِ ملابس تليق بِمقابلة الملك فقال لهُم " أنا أنطونيوس ذهبت أو لم أذهب فماذا يكون الملك " ؟!! ، فجمال النفس فىِ الداخل كُنت عِند ناس وكان عِندهُم مُشكلة إن إبنهُم طالب موبايل لأنّهُ شعر أنّ قيمتىِ ستأتىِ من الأشياء التى معىِ ، وذلك يدُل على إن أنا فقير ومريض من داخلىِ ولكن أنا لا تفرق عِندىِ هذهِ الأشياء فأين ذهبت قّوة أولاد الله ؟ أين ذهبت قّوة الآباء ؟ ونحنُ بنسعى وراء شهوات باطلة وأمور تافهه لا تُقاس بِمجد السماء ، لِذلك القديس يوحنا المعمدان يُوبّخنا بِمظهرهُ ، ليتهُ يُوبّخنا بسيرتهُ لأنّ ربنا قال " إن سمعتُم صوتهُ فلا تُقسّوا قلوبكُم " ربنا يسند كُل ضعف فينا بنعمتهُ ولإِلهنا المجد دائماً أبدياً أمين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
17 يناير 2025

عيد الغطاس

أهنئكم أيها الأحباء بعيد الغطاس اﻟﻤجيد أوعيد الظهور الإلهى،وهو أحد الأعياد السيدية اﻟﺜابتة ( ١١ طوبه من ﻛﻞ ﻋﺎم) ھذا العید له مدلولاته ومعانیه الكثیرة في حیاتنا،ویكفي أننا ارتبطنا وعشنا في الكنیسة من خلال السر الأول "سر المعمودیة" الذي ھو على مثال معمودیة السید المسیح ھذا العید له تسمیات كثیرة لكن یمكن أن نسمیه "عید تجدید خلقتنا" فاﻟﻠﮫ بعدما خلق الإنسان وأراده أن یكون إنسانًا ناجحًا، سقط في المعصیة والخطیة وانحرف وطرد من الجنة وصار محتاجًا للخلاص ومحتاجًا لمن یفدیه وتوالت الأجیال، حتى جاء السید المسیح ودخل إلى العالم من باب الفقروالاتضاع،وقد احتفلنا بعید المیلاد منذ أیام قلیلة،وبعده عید الختان، والیوم نحتفل بعید الغطاس تعمد السید المسیح وعمره ثلاثین عامًا على ید یوحنا المعمدان، وكانت المعمودیة ھي بدایة خدمته الجھاریة لأنھم في المجتمع الیھودي لا یستمعوالأحد إلا إذا كان عمره ثلاثین سنة أو أكثر ﻓﻲ هذه اﻟﻤناسبة أريد أن أتامل معكم ﻓﻲ ثلاث نقاط: ۱- النھر: وھو نھر الأردن، وكلمة "أردن" لھا معانٍ كثیرة، أحد معانیھا من أصل ھندي ومعناه "الخالد أو المنحدر". وھذا النھر طوله ۲٥۰ كیلومتر فقط، وعرضه ٥ أمتار أي مسافة صغیرة،وھو لیس عمیقًا فیمكن أن یعبر الناس فیه بأقدامھم ینبع من ھضبة الجولان، ویمر في خمس دول سوریا ولبنان وفلسطین والأردن وإسرائیل،ثم ینتھي بأن یصب في البحر المیت (بحر مغلق وبالتالي أملاحه عالیة جدًا فلا تعیش فیه الكائنات الحیة) والناس یسمونه "بحر الشریعة" باعتبار أن السید المسیح تعمد فیه وباعتبار أن بني إسرائیل عبروا من خلاله في طریقھم لیرثوا الأرض في عبر الأردن كان عماد السید المسیح،وفي دولة الأردن یسمون الموضع الذي تعمد فیه السید المسیح "المغطس". ۲- الشخص: وھو یوحنا المعمدان الذي من أسرة بارة مباركة، أبوه زكریا الكاھن وأمه القدیسة ألیصابات، كانا كلاھما بارین یرفعان صلوات دائمة من أجل أن یعطیھما الله نسلاً ثم ظھر الملاك لزكریا وبشره بأنه سیكون له ابن، وعندما لم یصدق أصابه الخرس والصمت وھذا الصمت تعبیر عن أن السماء كانت صامتة لا تستجیب لصلواته،وأیضًا تعبیر عن زوجته التي تقدمت بھا الأیام وصارت صامتة لا تنجب ولكن في الوقت المعین أرسل الله ھذا الابن الذي صار فیما بعد أعظم موالید النساء بشھادة من المسیح، وانفتح فم زكریا ونطق فرحًا،وانفتح رحم ألیصابات وولدت یوحنا یعتبر یوحنا المعمدان ھو ھمزة الوصل بین العھد القدیم والعھد الجدید (مثل مفصلة الباب التي تصل بین الضلع ثابت الذي یمثل العھد القدیم والباب المتحرك الذي یمثل العھد الجدید) ولذلك نال یوحنا المعمدان ثلاثة ألقاب، السابق والصابغ والشھید "السابق" زمنیًا قبل میلاد المسیح بستة أشھر، و"الصابغ" لأنه قام بعماد السید المسیح،و"الشھید" لأن حیاته انتھت بالاستشھاد عاش یوحنا المعمدان في البریة، ناسكًا، في ھدوء البریة مصلیًا، بسیطًا جدًا في ملبسه وحیاته وطعامه، وكان إنسانًا مھوبًا ثم خرج وبدأ ینادي للجمیع بمعمودیة الماء وھذه المعمودیة – بحسب مفھوم ذلك الوقت- ھي التي تساعدھم في مسح وغسل الخطایا فاجتمعت إلیه الجموع،إلى أن أتى الیوم الذي جاءه فیه السید المسیح فارتبك وقال "أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ"(مت ۳ : ۱٤) فقال له: "اسْمَحِ الآنَ"(مت 15:3)فأطاع وقام بمعمودیة المسیح وفي وقت معمودیة السید المسیح حدث أمر جلیل وھو الظھور الإلھي الآب من السماء یشھد "ھذَا ھُوَ ابْني الْحَبِیبُ الَّذِي بِه سُرِرْتُ" (مت ۳: 17) والابن في میاه نھر الأردن، والروح القدس مستقرًا علیه مثل حمامة. ۳- الصوت: إذا سألتك "من أنت؟" تقول اسمك وتذكر ألقاب كثیرة. أما یوحنا المعمدان فعندما سُئِل من ھو، قال "أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّیَّةِ" (یو1: 23 ) "أَعِدُّوا طَرِیقَ الرَّبِّ اصْنَعُوا سُبُلَه مُسْتَقِیمَةً"(مت ۳:3) أنا مجرد صوت لأن أقنوم الكلمة الحقیقي شخص المسیح "أَعِدُّوا طَرِیقَ الرَّبِّ" فأنا الملاك المھیئ لحضور المسیح "اصْنَعُوا سُبُلَه (طرقه) مُسْتَقِیمَةً"، فمن یرید أن یعیش مع المسیح لابد أن تكون طرقه مستقیمة غیر معوجة. أربعه معانى للصوت أرید الیوم أن أتأمل معكم في أربعة معاني للصوت، وكیف نأخذھا لنفوسنا ونستفید بھا، فقد كان صوت یوحنا: ۱- صوتًا نبویًا: یحمل نبوات العھد القدیم كلھا، فقد نطق بالعبارة التالیة وھو یشیر إلى المسیح "ھُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي یَرْفَعُ خَطِیَّةَ الْعَالَمِ" (یو ۱: ۲۹ ) "حَمَلُ" أي ذبیحة، و"یَرْفَعُ" أي "صلیب" یزیل خطیة الإنسان وأنت یجب أن یكون صوتك صوتًا كتابیًا إنجیلیًا "كتابیًا" بمعنى أن یكون صوتك وكلامك وأفكارك كلھا من الكتاب المقدس و"إنجیلیًا" بمعنى أن یكون مفرحًا فكلمة "إنجیل" تعني بشارة مفرحة، لأن المسیح ھو مخلص للعالم كله لأن "دَمُ یَسُوعَ الْمَسِیحِ ابْنه یطُھِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِیَّة"ٍ ( ۱یو7:1) ۲- صوتًا حكیمًا: یتكلم بحكمة ویزن الكلمة قبل أن ینطق بھا فقد قال عبارة قویة وھو یشیر إلى المسیح، في الوقت الذي كان فیه مشھورًا بینما المسیح لم یكن قد بدأ خدمته بعد، قال "یَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ یَزِیدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ" (یو ۳: ۳۰ ) ھذا صوت حكمة فسبب المشكلات ھو أن كل فرد یرید أن یكون ھو الأول لابد أن كل أب وأم مع أولادھما وكذلك كل خادم مع المخدومین یقولون ھذه العبارة إنھا حكمة المعاملات والعلاقات بین الناس، وھي تریحك كثیرًا في حیاتك وفي عملك. ۳- صوتًا ودیعًا: فقد كان یعیش حیاة صارمة في البریة، وكان صارمًا في ملبسه ومأكله، لكنه كان ودیعًا فیقول عن نفسه في علاقته مع المسیح "لَسْتُ أَھْلاً أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحُلَّ سُیُورَ حِذَائِه"(مر ۱: ۷) ما ھذه الوداعة والاتضاع وما النفسیة التي تقبل ھذا؟ وقال ھذا وھو مشھور ومعروف وله تلامیذ، أما المسیح فلم یكن قد اختار تلامیذه بعد وھذا ما قاله لنا المسیح "تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِیعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ" (مت ۱۱: ۲۹ ) ویقول القدیس یوحنا ذھبي الفم "الید التي خشیت أن تحل سیور حذاء المسیح،جعلھا المسیح توضع على رأسه" إنھا قاعدة ذھبیة قدیمة: إن الإنسان حینما یتضع یرفعه الهح، أما حینما یتكبر فینزل الله به. ٤- صوت حق: كان یوحنا المعمدان شخص حقاني، فحینما أخذ الملك امرأة أخیه، وقف بكل شجاعة وحق وقال له"لاَ یَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِیكَ" (مر ٦: ۱۸ ) وھو حي كان صوت حق كلفه أن تُقطع رأسه وأن یصیر شھیدًا ولكن صوت الحق یظل یتردد على الدوام ولا ینتھي بل یتكرر عبر الأجیال والأزمان ھذا ھو یوحنا المعمدان، صاحب الصوت، وھذا الصوت كان صوتًا مؤثرًا، وقویًا كان صوتًا نبویًا وحكیمًا وودیعًا وكان صوت حق. اﻟﻤعمودية وﺗﺠديد خلقتنا إن عید الغطاس ھو "عید تجدید خلقتنا" لأننا بالمعمودیة نولد من الماء والروح بخلقة جدیدة،ونصیر أبناء النور وأبناء السماء یصیر الإنسان جدیدًا لأن المعمودیة تمنحه حیاة جدیدة، وانتمائیةللسماء، فاحذر أن یغیب عنك أن لك نصیب في السماء لابد أن تحافظ علیه طوال حیاتك على الأرض نقول "قلبًا نقیًا اخلق في یا لله وروحًا مستقیمًا جدده في أحشائي" (مز ٥۰) الیوم كأننا كلنا نحتفل بمعمودیتنا التي تمت وعمرنا أسابیع تذكر الثوب الأبیض الذي ارتدیته، والزنار الأحمر رمز دم المسیح، وتذكرالدفنات الثلاث في میاه المعمودیة "مَدْفُونِینَ مَعَه فِي الْمَعْمُودِیَّةِ" (كو ۲: 12).ﻟﻴباركنا مسيحنا بكل بركة روحية وﻳﺤفظنا و يعطينا دائمًا أن تكون حياتنا مرضية أمامه إﻟﻰ اﻟﻨفس الأخير. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
16 يناير 2025

بدعة بورفيريوس

ولد في البثنية من أعمال حوران وتعلم في صور. ثم درس البيان و الفلسفة على لونجينوس في أثينة. فأعجب لونجينوس بشغفة بالعلم ومواهبه النادرة. وكان يدعى مالكاً فأطلق عليه لونجينوس اسم (الأرجواني) بورفيريوس. ولا نعلم ما إذا كان ولد مسيحياً كما يصرح سقراط المؤرخ. ولكننا نرجح أنه عرف اوريجانس العظيم وعلم أشياء وأشياء عن المسيحية التي كانت قد شاعت آنئذ في طول الساحل اللبناني وعرضه. ويرى بعض العلماء الباحثين أنه بالاضافة إلى لغته الأم تكلم العبرية وعرف جيداً طقوس الكلدانيين والفرس والمصريين ولعله أجاد فهم الأدب اليهودي غير المقدس والفينيقي. ويستبعد أن يكون بورفيريوس قد تذوق رسالة السيد المخلص في هذا الدور من حياته وأن يكون قد قدر عظمة التوراة حتى قدرها. فإنه في السنة 249 عندما بدأ داقيوس اضطهاده الشهير اتخذ موقف المدافع عن الامبراطورية وآلهتها وصنف رسالته في العرافة والعرافين وطرد قوساته Causatha من الحمام لأنه اعتبره شيطاناً رجيماً ولما بلغ بورفيريوس الثلاثين من عمره (263) رحل إلى رومة وأصغى إلى افلوطين فقال بفلسفته وأحب كثيراً أن يُغني ذاته في الوحدة الإلهية ويتحد بالواحد كما تسنى لمعلمه ولأفلاطون من قبله. واشتدت رغبته هذه حتى أنزفت قواه العصبية ففكر بالانتحار. ولكن افلوطين ردعه من ذلك مبيناً سخف هذا العمل وأشار عليه بالتجول. فرحل بورفيريوس في السنة 268 إلى صقلية وأقام في ليليبة. ولم يرَ أستاذه بعد ذلك وكان ما كان من أمر زينب التدمرية وحاجتها لفصاحة لونجينوس. وانقض القوط على ساحل ايجه وجزره. ففر لونجينوس ملبياً دعوة زينب وأقام معها. وعلم لونجينوس بما حل ببورفيريوس فكتب إليه أن يبرح صقلية ويعود إلى بلده الأم (270) ويحمل إليه بعض المصنفات. ولكن بروفيريوس آثر البقاء في صقلية فاستدرك بذلك خطر الموت الذي حل بلونجينوس في حمص السنة (272) على يد اوريليانوس وكان أفلطون المعلم يمقت البيان ويستثقل العناية بالجمل والألفاظ. وأدرك الحاجة إلى إعادة النظر فيما كتب فوكل ذلك إلى تلميذه بورفيريوس. فقبل التلميذ ولكنه لم ينفذ شيئاً منها إلا بعد وفاة معلمه. فدون في صقلية حياة أستاذه وجمع محاضراته في مجلدات ستة عرفت بالأقسام Ennead (التاسوعات) وشرحها. وكتب إليه تلميذه خريساريوس Chrisarios عضو مجلس الشيوخ الروماني أن يعينه على فهم كاتيغوريات Katrgoria (مقولات) ارسطو فصنف له بورفيريوس كتاب الايساغوجي Eisagoge (المدخل) وكسب بهذا السفر شهرة واسعة خالدة. برفيريوس والمسيحية: وعاد اوريليانوس من الشرق إلى رومة منتصراً وأحب أن يعمم عبادة الشمس فيجعلها دين الامبراطورية الأوحد فأشأ في السنة 274 هيكل الاله الشمس على الكورينال وبدأ يدعو لدين الشمس في أوساط العاصمة وفي الولايات. وعلم بروفيريوس بذلك فهب يهاجم النصارى والنصرانية وصنف رسائله الخمس عشر الشهيرة. وأمر الاباطرة المسيحيون في القرنين الرابع والخامس بمصادرة هذه الرسائل وابطالها فضاع نصها الكامل ولم يبق منها سوى شذرات مبعثرة في متون الردود التي صنفت ضدها. ثم ضاعت هذه الردود بدورها فلم يسلم منها سوى رد مكاريوس ويرى رجال الاختصاص أن هذا الرسائل خالية من أي تفكير فلسفي عميق. وهي في نظرهم أقرب إلى الجدل الفيلولوجي التاريخي منها إلى البحث الفلسفي. فإننا نرى بورفيريوس يسخر من قصة آلام السيد ويتطلب مثل الفريسيين من قبله عجائب عظمى. وهو يهزأ أيضاً من "تناقض" الأناجيل الأربعة ويلجأ في غالب الأحيان إلى اللجاجة والمماحكة مبتعداً عن إتخاذ موقف حاسم واضح.
المزيد
15 يناير 2025

لماذا حل السيد المسيح بيننا ؟

ونحن نحتفل بميلاد السيد المسيح من العذراء ، لعلنا نتساءل فيما بيننا : ما هي الأسباب التي دعت رب المجد أن يتخذ جسداً ويحل بينن ، ويصير في الهيئة كإنسان ، ويولد من إمراة كبني البشر ؟ لا شك أن الفداء هو السبب الأساسي للتجسد . جاء الرب إلى العالم ليخلص الخطاة ، جاء ليفديهم ، جاء ليموت وليبذل نفسه عن كثيرين هذا هو السبب الرئيسي الذي لو إكتفى السيد المسيح به ولم يعمل غيره ، لكان كافياً لتبرير تجسده جاء السيد المسيح ليوفي العدل الإلهي ، وليصالح السماء والأرض ويمكننا أن نقول أيضاً ـ إلى جوار عمل الفداء والمصالحة ـ إن السيد المسيح قد جاء لينوب عن البشرية وكما ناب عنها في الموت ، ينوب عنها أيضاً في كل ما هو مطلوب منها أن تعمله إن الإنسان قد قصر في كل علاقاته مع الله ، فجاء " إبن الإنسان " لينوب عن الإنسان كله في إرضاء الله وفي فترة تجسده أمكن للرب أن يقدم للبشرية الصورة المثالية لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان كصورة الله ومثاله قدم القدوة ، والمثال العملي حتى أن القديس أثناسيوس الرسولي قال إنه لما فسدت هذه الصورة التي خلق الله بها الإنسان ، نزل الله ليقدم لهم الصورة الإلهية الأصلية وأيضاً لما أخطأ الناس في تفسير الشريعة الإلهية وقدموها للناس حسب مفهومهم الخاطئ ، ومزجوا بها تعاليمهم الخاصة وتقاليدهم ، جاء الرب ليقدم للبشرية الشريعة الإلهية كما أرادها الرب ، نقية من الأخطاء البشرية في الفهم والتفسير وسنحاول الآن أن نتناول هذه الأسباب جميعها ، نتحدث عنها بمزيد من التفصيل ، ونري ما يمكن أن نستفيده من دروس روحية لحياتنا خلال هذا الشرح . 1 ـ الفداء هو السبب الأساسي للتجسد : - لقد أخطأ الإنسان الأول ، وكانت خطيته ضد الله نفسه : فهو قد عصي الله وخالف وصيته وهو أيضاً أراد أن يكبر وأن يصير مثل الله عارفاً الخير والشر ( تك3 : 5 ) وفي غمرة هذا الإغراء نري أن الإنسان لم يصدق الذي قال له عن شجرة معرفة الخير والشر : " يوم تأكل منها موتاً تموت " ( تك2 : 17 ) وعلى العكس من هذا صدق الحية التي قال : " لن تموتا " وبعد الأكل من الشجرة نري أن الإنسان قد بدأ يفقد إيمانه في وجود الله في كل مكان وقدرته على رؤية كل مخفي ، وظن أنه إن إختبأ وسط الشجر يستطيع أن يهرب من رؤية الله له . وفي محاسبة الله للإنسان بعد الخطية ، نري أن الإنسان يتكلم بأسلوب لا يليق ، إذ يحمل الله جزاءاً من مسئولية خطيته فيقول له : " المرأة التي جعلتها معى هي أعطتني " ( تك3 : 12 ) . إنها مجموعة أخطاء موجهة ضد الله : عصيان الله ، ومنافسة الله في معرفته ، وعدم تصديق الله في مواعيده ، وعدم الإيمان بقدرة الله ، وعدم التأدب في الحديث مع الله أخطأ الإنسان ضد الله ، والله غير محدود ، لذلك صارت خطيته غير محدودة والخطية غير المحدودة ، عقوبتها غير محدودة وإن قدمت عنها كفارة ، ينبغي أن تكون كفارة غير محدودة ، ولا يوجد غير محدود إلا الله لذلك كان ينبغي أن يقوم الله نفسه بعمل الكفارة هذا هو ملخص المشكلة كلها في إيجاز لقد أخطأ الإنسان ، وأجرة الخطية هي الموت ( رو6 : 23 ) وكان لابد أن يموت الإنسان ، وبخاصة لأن الله كان قد أنذره بهذا الموت من قبل أن يتعدي الوصية ، إذ قال له : " وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت " وهكذا استحق حكم الموت ، وكان لابد أن يموت كان موت الإنسان هو الوفاء الوحيد لعدل الله وإن لم يمت الإنسان ، لا يكون الله عادلا ، ولا يكون الله صادقاً في إنذاره السابق هذه النظرة يشرحها القديس أثناسيوس الرسولي باستفاضة في كتابه " تجسد الكلمة " وإذ يشرح لزوم موت الإنسان ، يشرح من الناحية المضادة المشاكل التي تقف ضد موت الإنسان فماذا كانت تلك المشاكل ؟ كان موت الإنسان ضد رحمة الله ، وبخاصة لأن الإنسان قد سقط ضحية الشيطان الذي كان أكثر منه حيلة ومكراً !! ( تك3 ) وكان موت الإنسان ضد كرامة الله ، إذ أنه خلق على صورة الله ومثالة ، فكيف تتمزق صورة الله هكذا ؟!وكان موت الإنسان ضد قوة الله ، كأن الله خلق خليقة ولم يستطع أن يحميها من شر الشيطان ! وهكذا يكون الشيطان قد إنتصر في المعركة !! وكان موت الإنسان ضد حكمة الله في خلقه للبشر وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي إنه كان خيراً للإنسان لو لم يخلق ، ن أن يخلق ليلقي هذا المصير !! وأخيراً كان موت الإنسان ضد ذكاء الله إذ كيف توجد المشكلة ولا يستطيع عقل الله أن يوجد لها حلاً !!إذن كان موت الإنسان ضد رحمة الله ، وضد كرامة الله ، وضد قوة الله ، وضد حكمته وذكائه . وكان لابد لحكمة الله أن تتدخل لحل هذا الإشكال وهكذا تدخل أقنوم الإبن لحل الإشكال والإبن كما يقول القديس بولس الرسول هو : " حكمة الله وقوة الله " ( 1كو1 : 24 ) ، ويسميه سفر الأمثال : " الحكمة " ( أم9 : 1 ) والآن نسأل : كيف أمكن لحكمة الله حل هذا الإشكال ؟ كان الحل هو الكفارة والفداء ، لابد أن يموت أحد عن الإنسان ، فيفديه ، لإنقاذه . ولم يكن يصلح لهذا الفداء أي كائن آخر ، غير الإنسان ذاته ، لا ملاك ، ولا حيوان ، ولا روح ، ولا أية خليقة أخري فلماذا ؟ كان لا يمكن لمخلوق أن يموت عن الإنسان لسببين :- أولاً ـ لأن كل مخلوق محدود ، لا يمكن أن يقدم كفارة غير محدودة ، توفي العقوبة غير المحدودة ، للخطية غير المحدودة . ثانيا ـ لأن الحكم صدر ضد الإنسان ، فيجيب أن يموت الإنسان . وكان الحل الوحيد هو التجسد : أن ينزل الله إلى عالمنا مولوداً من إمرأة ، فهو من حيث لاهوته غير محدود كإله ، يمكنه أن يقدم كفارة غير محدودة ، تكفي لمغفرة جميع الخطايا لجميع الناس ، في جميع الأجيال وهو من حيث ناسوته ، يمكنه أن ينوب عن الإنسان المحكوم علية في دفع ثمن الخطية من أجل هذا السبب كان السيد المسيح يتعمد أن يسمي نفسه : " إبن الإنسان " في كثير من المجالات هذا إذن هو السبب الأساسي لولادة السيد المسيح مع العذراء جاء ليحمل خطيتنا ، ويموت عنها ، لينقذنا من عقوبتها إن عرفنا هذه الحقيقة ، فما هي الدروس الروحية التي يمكن أن نتعلمها منها في حياتنا ؟ هذا ما نود الآن أن نتأمل فيه . تأمل أيها الأخ المبارك في أن كل خطية ترتكبها هي موجهة ضد الله ذاته ، ولا تختلف في دينونتها عن خطية آدم وحواء هي مثل خطيئتهما غير محدودة ، لأنها موجهة ضد الله غير المحدود وهكذا فإن عقوبتها غير محدودة ، ولا تغفر إلا بكفارة غير محدودة كل خطية ترتكبها هي عصيان لله هي نوع من التحدي لله وعدم المبالآة بوصاياه ، بل هي ثورة عليه وإنضمام لخصمه الشيطان وهكذا فكل خطية ترتكبها تحمل معني عدم محبة لله ، لأنه يقول : من يحبني وصاياي ( يو14 : 15 ) لذلك عندما أخطأ داود وزني وقتل ، لم يقل أخطأت ضد أوريا الحثي وزوجته ، بل قال لله : " لك وحدك أخطأت ، والشر قدامك صنعت " ( مز50 : 4 ) حقاً إن الخطية خاطئة جداً كما يقول الكتاب ( رو7 : 13 ) وكل خطية ترتكبها يحملها المسيح ، لأنه هو : " حمل الله الذي يرفع خطية العالم كله " ( يو1 : 29 ) " كلنا كغنم ضللنا ، ملنا كل واحد إلى طريقة . والرب قد وضع عليه إثم جميعنا " ( إش53 : 6 ) إنك يا أخي ربما تستسهل الخطية ، وتستسهل غفرانها ، وتظن أنه بمجرد الإعتراف بها تنتهي . ولا يتناول تفكيرك كيف تغفر هذه الخطية بالاعتراف لذلك تجد الأمر سهلاً ولا تشعر بفداحة ما تفعله!!خطيتك أيها لا تغفر إلا بدم المسيح ، لأنه : " بدون سفك دم ، لا تحدث مغفرة " ( عب9 : 22 ) فما هو موقف الكاهن من الغفران إذن ؟ هل مجرد قراءة التحليل أو عبارة : " الله يحاللك " هي كل شئ ؟! كلا بلا شك . فمجرد هذه الكلمة وحدها لا تكفي عندما يعطيك الكاهن المغفرة ، إنما يقوم بعملية تحويل يحول الخطية من حسابك إلى حساب السيد المسيح ينقل الخطية من على رأسك إلى رأس الحمل الذي يحمل خطايا العالم كله وحينئذ يمحوها السيد المسيح بدمه بل أتجرأ وأقول إن السيد المسيح نفسه عندما كان يقول لإنسان : " مغفرة لك خطاياك " لم تكن هذه العبارة وحدها تكفي بدون دم الرب إنما قول السيد الرب لإنسان : " مغفورة لك خطاياك " معناها : " إنني قبلت أن أموت عن هذه الخطايا ، وقبلت أن أمحوها بدمي لذلك أعتبرها مغفورة ، لأنها مغموسة في دمي " لأنه لو كانت مجرد عبارة المغفرة تكفي لماذا إذن كان التجسد ، ولماذا إذن كان الصلب والفداء ؟ بسبب خطيتك أيها الخ ، أخلي الرب ذاته ، وأخذ شكل العبد ، وولد كإنسان ، وأحتمل كل ضعف البشرية من أجل خطيتك صار طفلاً ، ومن أجلها هرب من هيرودس إلى مصر ، ومن أجلها جرب من الشيطان ، ومن أجلها إضطهده اليهود وأهين وشتم وبصق عليه وضرب وصلب ومات إن عرفت كل هذا ، فكيف تحتمل مشاعرك أن تخطئ ؟!يجب أن تعلم جيداً أن كل خطية لابد أن تقف أمام عدل الله ، لكي تعطي حساباً أمامه " ومخيف هو الوقوع في يدي الله الحي " ( عب10 : 31 ) لذلك في يوم ميلاد المسيح ، تأمل في محبته لك ، وفي سعيه لخلاصك وكيف أنه من أجلك جاء حقاً لقد جاء المسيح ليخلص العالم ( يو3 : 17 ) . جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك فهل كان هذا هو كل شئ ؟ كلا ، فإننا نلاحظ شيئاً آخر وهو أنه قد جاء لينوب عن البشرية . 2 ـ أتي المسيح لينوب عن البشرية :- إنه ناب عنا في دفع ثمن الخطية ، في الموت ، فمات عنا ولكن هذا لم يكن هو الشيء الوحيد الذي ناب عنا فيه بل أنه ناب عنا في كل عمل صالح ، في تكميل الناموس كله فاختتن وهو غير محتاج إلى الختان ، وصام وهو غير محتاج إلى الصوم ، وإعتمد وهو غير محتاج إلى عماد ، وهكذا داوليك ولعل نيابة الرب عن الإنسان هي التي جعلته يسمي نفسه في أحيان في أحيان كثيرة " إبن الإنسان " ، مشيراً إلى أنه جاء نائباً عن الإنسان أو نائباً عن البشرية فهو ليس إبن فلان من الناس ، وإنما هو إبن الإنسان عموماً وقد ناب عن الإنسان في موته وفي حياته وفي كل ما كان مطلوباً منه ولنبدأ أولاً بموضوع العماد ، كمثال ذهب السيد المسيح إلى يوحنا ليعتمد منه ولكنه بلا شك لم يكن محتاجاً مطلقاً إلى العماد معمودية يوحنا كانت للتوبة ، والتوبة عمل يقوم به الخطاة وليس الأبرار ويسوع المسيح القدوس البار ، الذي هو وحده بلا خطية ، لم يكن محتاجاً إلى التوبة ، وبالتالي لم يكن محتاجاً إلى معمودية يوحنا كان يوحنا صوتاً صارخاً في البرية ينادي : " توبوا لأنه قد أقترب ملكوت السموات "( مت3 : 2 ) " إصنعوا ثماراً تليق بالتوبة " " كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقي في النار " وهذا الصوت لم يكن بأي حال موجهاً إلى السيد المسيح ، الذي إعترف له يوحنا قائلاً : " أنا محتاج إلى أن أعتمد منك " ( مت3 : 14 ) . ويوحنا كان يأتي إليه ليعتمدوا " معترفين بخطاياهم " ( مت3 : 6 ) والسيد المسيح لمتكن له خطية يعترف بها فمادام لم يكن محتاجاً إلى التوبة ، ولا إلى المعمودية ، فلماذا ذهب إلى يوحنا ؟ ولماذا إعتمد ؟ لقد فعل ذلك " ليكمل كل بر " ، لينوب عنا في إطاعة الناموس إن البشرية فشلت في إرضاء الله الآب ، فجاء الإبن يرضيه .يريه : " إبن الإنسان ط وقد وقف كاملاً أمامه فناب عنا في تقديم هذه التوبة ... كما سينوب عنا في آخر الزمان في تقديم خضوع البشرية للآب وهكذا يقول الرسول : " ومتي أخضع له الكل ، حينئذ الإبن أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل " ( 1كو15 : 28 ) إن الخطية كانت لها نتيجتان : هلاك الإنسان ، واغتصاب قلب الله . وجاء السيد المسيح ليصلح الأمرين معاً : جاء ليخلص الإنسان الهالك ، إذ ناب عنا في الموت وفي دفع ثمن الخطية وجاء ليصالح لب الله الغاضب بأن يقدم له ناسوتاً كاملاً يرضيه ، وهكذا ناب عنا في تكميل الناموس وفي كل عمل صالح قام بالعملين معاً : أرضي قلب الله بحياته الطاهرة ، وأنقذ حياة الإنسان ، بموته الكفارى . وكما ناب السيد المسيح عن البشرية في التوبة والعماد وتكميل الناموس ، ناب عنها أيضاً في الصوم لم يستطيع الإنسان أن يكبح جماح جسده ، فأكل من طعام نهي الله عنه ، فسقط وجاء السيد المسيح ليصلح هذا الخطأ ، فبدأ خدمته بالصوم حتى عن الطعام المحلل للجميع نحن نصوم لنروض الجسد ونلجمه ونربيه أما جسد السيد المسيح فلم يكن جامحاً حتى يكبح جماحة ، فلماذا إذن صام ؟ ونحن نصوم لكي تصفو الروح وتسمو وروح السيد المسيح في صفائها وسموها ليست في حاجة إلى صوم يوصلها إلى العلو الذي توجد فيه بطبيعتها إذن لماذا صام ؟ لقد صام عنا ، أربعين يوماً وأربعين ليلة وفي ذلك الصوم قدم لله الآب ـ نيابة عنا ـ جسداً طاهراً لا يخضع لشهوة طعام ، إستطاع أن يبرهن عملياً على أنه : " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " ( مت4 : 4 ) لقد ناب السيد المسيح عنا في تقديمه للآب صورة الإنسان الكامل المطيع لوصاياه ، وفي نفس الوقت قدم للبشرية الصورة الإلهية التي خلقوا على مثالها . 3 ـ آتي ليقدم لنا الصورة الإلهية :- لقد خلق الإنسان على صورة الله ومثالة ( تك1 : 27 ) في البر والقداسة والكمال ، ولكنه شوه تلك الصورة الإلهية بخطاياه . لسنا نقول هذا عن مجموعة خاطئة معينة من الناس ، وإنما عن الكل : " الجميع زاغوا وفسدوا معاً ، ليس من يعمل صلاحاً ، ليس لا واحد " ( مز14 : 3 ) وهكذا فقدت الصورة الإلهية من الكون لعل تلك الصورة هي التي كان يعينها ديوجين الفيلسوف : [عن أي شئ تبحث ] ؟ فأجاب : [ أبحث عن إنسان ] !! إن الإنسان في وضعه الأصلي ـ كصورة الله ـ لم يكن موجوداً فأتي السيد المسيح ليقدم للناس هذه الصورة الإلهية ، بمثال عملي أمامهم يرونه فيحاكونه وهكذا قال لهم فيما بعد : " لأني أعطيتكم مثالاً ، حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضاً " ( يو13 : 15 ) بهذه الصورة رآه القديس بطرس الرسول : " تاركاً لنا مثالاً ، لكي تتبعوا خطواته " ( 1بط2 : 21 ) . وبنفس المعني يقول معلمنا يوحنا الرسول : " من قال إنه ثابت فيه ـ ينبغي أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضاً " ( 1يو2 : 6 ) قدم لنا صورة للإنسان المنتصر على الشيطان ، ليعالج بها صورة آدم وحواء اللذين إنهزاماً أمام إغراء الحية وإيحائها وهكذا بدأ خدمته بأن سمح للشيطان أن يجربه ، ليس مرة واحدة كما فعل مع أبوينا الأولين ، وإنما ثلاث مرات ( مت4 ) أعقبتها فيما بعد تجارب لا تعد وإذ كانت كلمة الله ووصيته على لسان الإنسان الأول ، ولكنها ليست ثابته في قلبه ، ولا منفذه عملياً في حياته ، كانت وصية الله وكلمته قوية وفعالة في فم السيد المسي ، هزم بها الشيطان فلم يستطع أن يرد عليه وفي حياة السيد المسيح قدم لنا صورة الإنسان الكامل ، الذي إستطاع أن يتحدى جميع مقاوميه قائلاً : " من منكم يبكتني على خطية " ( يو8 : 46 ) . ويقول عنه بولس الرسول إنه : " مجرب في كل شئ مثلنا بلا خطية " ( عب4 : 15 ) وقال عنه أيضاً إنه : " قدوس بلا شر ولا دنس قد إنفصل عن الخطاة ، وصار أعلى من السموات " ( عب7 : 26 ) . لذلك عندما بشر الملاك العذراء بميلاده قال لها : " القدوس المولود منك " ( لو1 : 35 ) هذا القدوس ، إذ لم تكن في حياته خطية يموت بسببها ، مات عن خطايانا نحن وإستحق أن يكون فادي البشرية يمكننا أن نتأمل حياته المقدسة ، ونأخذ لأنفسنا درساً من كل عمل ومن كل قول كانت حياته نوراً يرشدنا إلى ما ينبغي أن نعمله لذلك يسميه القديس يوحنا " النور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان " ( يو1 : 9 ) وإذ كانت خطية الإنسان الأولي هي الكبرياء ، لذلك جاء السيد المسيح يلقننا درساً في التواضع . 4 ـ درس عجيب في التواضع :- سقط أبوانا الأولان في الكبرياء عندما قبلاً إغراء الحية في قولها : " تصيران مثل الله " ( تك3 : 5 ) ومن قبلهما سقط الشيطان في هذه الخطية ذاتها إذ قال في قلبه : " أصعد إلى السموات أصير مثل العلي " ( إش14 : 13 ، 14 ) فجاء السيد المسيح يرد على هذه السقطة الإنسان الترابي أراد أن يرتفع ويصير مثل الله ، فإذا بالله ينزل ليصير شبه الناس !! الإنسان أراد أن يكبر ذاته ، فعالجة الرب بأن أخلي ذاته مقاييس العظمة كانت مرتكبة في حياة الإنسان فأصلحها له الرب كان يري العظمة في الكبرياء ، فشرح له الرب عملياً كيف أن العظمة في التواضع . ووضع ذلك المبدأ العجيب : " أكبركم يكون خادماً لكم فمن يرتفع نفسه يتضع ، ومن يضع نفسه يرتفع " ( مت123 : 11 ، 12 ) كان الناس يقيسون عظمة الشخص بمقدار انتفاخه وتوقير الناس له لذلك كان الكتبة والفريسيون : " يحبون المتكأ الأول في الولائم ، والمجالس في المجامع ، والتحيات في الأسواق ، وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي " ( مت23 : 6 ، 7 ) فجاء السيد المسيح يعطي مثالاً آخر للعظمة ، العظمة الهادئة المتضعة غير المنتفخة البعيدة عن الكبرياء ومديح الناس ، عظمة القلب النقي المنتصر على المجد الباطل ، عظمة البساطة والوداعة . ولأول مرة بدأنا نسمع عن جمال الإتضاع قبل السيد المسيح كانوا يرون العظمة ، كعظمة الملوك ، في فخامتهم وحسن منظرهم ، مثل شاول الملك الذي : " من كتفه إلى فوق ، كان أطول من كل الشعب " ( 1صم9 : 2 ) كانوا يرون العظمة في المركبات والسيوف واحاطة الشخص نفسه بالجنود ورجال الحاشية والعبيد والخصيان !! فأتهاهم السيد المسيح بصورة أخري للعظمة ، عظمة مالك السموات والأرض الذي ليس له أين يسند رأسه ،عظمة الشخص الذي ليس له مكان إقامة ، وليس له منصب ولا وظيفة في المجتمع ، ومع ذلك يهز المجتمع كله بأصابعه !! لقد جاء السيد المسيح بصورة أخري للعظمة لم يرها الناس من قبل كانوا يفهمون الكرامة بأن يجلس العظيم فلا يستطيع أحد أن يقترب إليه ، أو أن يمشي في هيبه ووقار لا تقرب منه إمرأة ولا طفل لذلك عندما إقترب الأطفال من المسيح ، إنتهرهم التلاميذ !! ( لو18 : 15 ) فقال لهم الرب " دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم ، لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله " وتعجب التلاميذ ، وكانوا يفكرون في قلوبهم : " ما هذا الذي نراه منك يارب ؟! إنك كبير عن هذا المستوي ، نجلسك على عرش عظيم ، والناس يسجدون لك من بعيد !! لا يستطيع الكبار أن يقتربوا إليك ، فكم بالأولي الأطفال !! " وكأن السيد المسيح يجيبهم عن كل هذا : " دعكم من هذه الصورة الخاطئة التي أخذها الناس عن العظمة " نفس الأمر تكرر في بيت الفريسي عندما أتت إمرأة خاطئة وبللت قدمي المسيح بدموعها ومسحتها بشعر رأسها ، وكانت تقبل قدميه وتدهنهما بالطيب ( لو7 : 38 ) فتأفف الفريس ، وتذمر في قلبه كيف يقبل السيد المسيح أن تلمسه إمرأة خاطئة وتقبل قدميه ! ولكن السيد المسيح دافع عن المرأة ، ورآها أعظم من الفريسي ، لأنها أحبت كثيراً ، فغفر لها الكثير لم تكن العظمة في نظر السيد المسيح هي الترفع عن الناس والتعالي على الضعفاء ، وإنما محبة الناس والعطف عليهم نفس الانتقاد وجهوده إلى الرب في جلوسه مع الخطاة والعشارين ، كما لو كان في جلوسه معهم أو اشتراكه في موائدهم ، انتقاض من قدرة وكرامته أما الرب فكان يرى الكرامة كل الكرامة في البحث عن هؤلاء الضالين وإنقاذهم مما هم فيه وهنا تبدو كرامته كراع ، ومعلم كل هذا يقنعنا بأن السيد المسيح ـ في مجيئه إلينا ـ كانت له إلى جوار الفداء اسباب أخري ، وإن كانت جانبية أسباب أخري لمجيئه : لقد جاء السيد المسيح لكي يصلح التعليم الفاسد الذي وقع فيه الناس ، ولكي يصحح المفاهيم الخاطئة للشريعة وللناموس وللمبادئ العامة في الحياة ذلك لأن الكتبة والفريسيين وزعماء اليهود وكهنتهم ورؤساءهم كانوا قد شوهوا كل شئ ، وفسروا الدين حسب مزاجهم الخاص ، وأبطلوا وصيه الله بسبب تقاليدهم ( مت15 : 6 ) ووضعوا على أكتاف الناس أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل ، وأغلقوا ملكوت السموات قدام الناس ، فلا هم دخلوا ، ولا جعلوا الداخلين يدخلون ( مت23 ) من أجل ذلك وبخهم السيد المسيح ، وكشف رياءهم أمام الناس وقال عن أمثال هؤلاء المعلمين الكذبة : " جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص " ( يو10 : 8 ) ذلك لأنهم غرسوا في أذهان الناس وقلوبهم تعاليم خاطئة ومفاهيم منحرفة لهذا جاء السيد المسيح ليقدم مفاهيم جديدة جاء يقلب تلك الأوضاع ، ويقيم ثورة ف الحياة الدينية أو كما قال للناس جئت لألقي ناراً على الأرض فماذا أريد لو أضطرمت " ( لو 12 : 49 ) جاء يشعل ثورة ، ما قبلها ثورة ، ولا بعدها ثورة ثورة على الفهم الخاطئ للدين ، والفهم الخاطئ للمبادئ أقام السيد المسيح دولة جديدة من الفكر العالي السامي ، لا يمكن أن يصل إليه تفكير البوذيين ولا تفكير الكنفوشيوسيين ولا تفكي البراهمة ولا تفكير الفلاسفة جميعاً جميع فلاسفة العالم إنحنوا في خضوع وفي توقير أمام تعاليم المسيحية وإذ بالمسيحية قد ارتفعت فوق كل تلك الفلسفات ، وغلبتها جميعاً الفسلفة وغلبت القوانين ، وغلبت الأنظمة الموجودة الجهلة الذين لا فكر لهم ، ولكن لهم فكر المسيح وإستطاع هؤلاء أن ينشروا تعاليم الرب في كل مكان : " مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح " ( 2كو10 : 5 ) حقاً لقد قدم السيد المسيح نوراً عجيباً للعالم نحن نفتخر ونفرح ونسر يمتلئ فمنا بركة وتسبيحاً ، لأن السيد المسيح أعطانا تعليماً عظيماً من هذا النوع يسمو على كل تعليم آخر صدقوني لو كانت المسيحية كلها ، ليست فيها سوي هذه الآية الواحدة التي تقول : " أحبوا أعداءكم ، باركوا لاعينكم ، إحسنوا إلى مبغضيكم ، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم " ( مت5 : 44 ) لو كانت المسيحية لا تحمل سوي هذه الآية الواحدة ، لكانت هذه الآية الواحدة تكفي هاتوا كل تعليم الفلاسفة لا تجودنه يوازي هذه الآية في سموها وعلوها وعمقها لقد جاء السيد المسيح إلى العالم فبهر العالم بتعليمه يقول معلمنا القديس متي بعد تسجيله لعظة السيد المسيح على الجبل : " فلما أكمل يسوع هذه الأقوال بهتت الجموع من تعليمه ، لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة " ( مت7 : 28 ، 29 ) كان تعليماً لا يدخل إلى الآذان والأذهان فقط ، وإنما يخترق القلب ويستقر فيه ، بسلطان ذلك لأن : " كلمة الله حية وفعالة ، وأمضي من كل سيف ذي حدين ومميزة أفكار القلب ونياته " ( عب4 : 12 ) ان يعطي التعليم ويعطي معه نعمة لتنفيذه وربما عن هذا قال القديس يوحنا الرسول : " لأن الناموس بموسى أعطي أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صاراً " ( يو1 : 17 ) لم يكن تعليم السيد المسيح مبهراً للشعب مبهراً للشعب فقط ، وإنما للرؤساء أيضاً ، حتي في طفولته إنه وهو صبي في الثانية عشرة من عمره ، جلس في الهيكل في أورشليم ، في وسط المعلمين ، في وسط الكتبة والكهنة والشيوخ وأعضاء مجلس السنهدريم : " وكل الذين سمعوه ، بهتوا من فهمه وأجوبته " ( لو2 : 47 ) . ولما بدأ كرازاته ، نسمع عن نيقوديموس أحد رؤساء اليهود وعضو مجلس السنهدريم ، أنه جاء إلى السيد المسيح ليلاً ، يسأل ويتعلم 0 يو3 : 1 ، 2 ) وفي سلطان السيد المسيح في التعليم ، وفي ثورته التعليمية ، نجده يقول في سلطان : " سمعتم أنه قيل وما أنا فأقول لكم " ( مت5 ) . من ذا الذي يستطيع أن يتكلم هكذا عن شريعة الله ؟! ولكنه السيد المسيح ، الذي أنار عقولنا بذلك السمو العجيب في فهم الدين ، وإستطاع أن يحول فكر البشرية وفهمها الناس قبل مجيئه كانوا يفهمون أن القوة هي العنف ، فأعطاهم مثلاً للقوة هو قوة المحبة الباذلة ، التى تبذل ذاتها عن الآخرين ، ومثلاً آخر عن القوة ، هو قوة الروح في الداخل والناس كانوا يفهمون الحية بمعني أن يفعل الإنسان ما يشاء فوضح لهم أن الحرية الحقيقية هي تحرر الإنسان من الخطية وتحرره من عبودية الشهوة ومن سلطان الجسد ، بل تحرره من الذات وفي تعليم السيد المسيح أعطي الناس فكرة جديدة عن الله ذاته كانوا ينظرون إلى الله كقوة جبارة لا يستطيعون الدنو منها حتى أنهم عند إعلان الوصايا العشر على الجبل ، كانوا مرتعدين ، " وقالوا لموسي : تكلم أنت معنا فنسمع ، ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت " ( خر20 : 19 ) أما في مجئ السيد المسيح ، فأراهم الله في صورة أخري وأخذوا فكرة عن الله المحب الشفوق ، الوديع المتواضع ، الذي : " لا يخاصم ولا يصيح ولا يمسع أحد في الشوارع صوته . قصبه مرضوضة لا يقصف ، وفتيلة مدخنه لا يطفئ " ( مت12 : 20 ) الله الذي يجول بينهم كراع يسعي في طلب الضال . وكطبيب يضمد الجروح ، وكنور يضمد الجروح ، وكنور حقيقي يشرق للضالين وغير العارفين هذه هي الصورة الجديدة التي قدمها لهم عن الله فأخبوه : " والمحبة تطرح الخوف إلى خارج " ( 1يو4 : 18 ) لأجل هذا كله فرح العالم بمجئ الرب وقف الملاك يحمل البشري للرعاة قائلاً : " ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب " ( لو2 : 11 ) أي أن الفرح لم يكن للرعاة فقط ، إنما لجميع الشعب وليس لليهود فقط ، إنما للعالم كله حقاً إنه فرح عظيم ، رأيناه وضحاً على وجه سمعان الشيخ الذي حل الطفل يسوع على ذراعية ، وبارك الله قائلاً : " الآن يارب تطلق عبدك بسلام لأني عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام جميع الشعوب " ( لو2 : 29 )إنه فرح بالخلاص المنتظر منذ زمان رأينا هذا الفرح على وجه حنة النبيه العابدة القديسة التي " وقفت تسبح الرب ، وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم " ( لو2 : 28 ) وظهر هذا الفرح على وجه اليصابات لما زراتها العذراء ، فامتلأت اليصابات من الروح القدس وقالت للعذراء : " من أين لي هذا ، أن تأتي أم ربي إلى . فهوذا حين صار صوت سلامك في في أذني ، ارتكض الجنين بابتهاج في بطني " ( لو1 : 41 ـ 44 ) حتى الجنين ابتهج ن لأنه كان نبياً ، ويعرف من هو هذا المسيح الذي أتي ولكن هل فرح الكل وابتهجوا ، أم أن هناك من قد حزن ـ للأسف ـ بسبب مجئ المسيح ؟‍ هذا ما سوف نحدثك عنه إن شاء الله في المحاضرة المقبلة . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
14 يناير 2025

تأملات فى عيد الختان

الختان فى العهد القديم ... كانت عادة الختان وما زالت سائدة بين كثير من الأجناس في أجزاء مختلفة من العالم في أمريكا وأفريقيا كما كانت هذه العادة شائعة بين الساميين من مصريين كعادة صحية دون غياب البعد الديني عنها كما عرف العبرانيين والعرب والموآبيين والعمونيين الختان ولكنها لم تكن معروفة عند الأشوريين والبابليين. وكذلك لم يكن الختان معروف لدى الفلسطينيين فى كنعان. لذلك كان يطلق عليها دائما وصف "الغلف" أي غير المختونين. وكان الختان بصفة عامة شرطاً أساسياً للتمتع بامتيازات دينية وسياسية معينة (خر12: 48،حز44: 9). ولأن الدين يشكل عنصرا هاماً في الحياة، غير هناك نظريات كثيرة فى أصل الختان واسبابه ويمكن القول بأن الختان نشأ كطقس ديني. فى العهد القديم كعهد بين الله وابراهيم ابو الاباء منذ الف وتسعمائة سنه قبل الميلاد تقريبا وكان الختان كعلامة أو كعهد على مستوى العلاقة الشخصية الداخلية بين الانسان والله ودخول فى رعوية الله حيث قال له الرب { أقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك . لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك. وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك، يختن منكم كل ذكر، فتختنون في لحم غلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم. ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم. وليد البيت والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك . فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً. وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي}(تك17: 7 ـ 14). وهكذا مارس موسى الختان لابنه وقامت زوجته صفورة بختان ابنها فى مديان لتبيان أهمية الختان فى طريق موسى للنزول الى مصر لقيادة الشعب للخروج من عبودية فرعون { وحدث في الطريق في المنزل ان الرب التقاه وطلب ان يقتله. فاخذت صفورة صوانة وقطعت غرلة ابنها ومست رجليه فقالت انك عريس دم لي. فانفك عنه حينئذ قالت عريس دم من اجل الختان.} (خر24:4-26). من يدل على أهمية الختان، لان ختان الابن كان فيه نجاة لموسى لأنها قالت له:{إنك عريس دم لي}. وكأن ميثاق وعهد زواجها قد تأيد بسفك الدم من ابنها في عملية الختان. هكذا توثق الختان فى شريعة موسى النبي بعد الخروج ايضا ولم يكن مسموحاً للنزيل والغريب أن يأكلا من الفصح ما لم يختتنا: {وإذا نزل عندك نزيل وصنع فصحاً للرب فليختن منه كل ذكر ثم يتقدم ليصنعه .. أما كل أغلف فلا يأكل منه}(خر12: 48). وقد صنع يشوع سكاكين من صوَّان وختن بني إسرائيل في تل القلف . ودعي اسم المكان "الجلجال" (أي الدحرجة يش5: 1 ـ 9). فكان الختان علامة مميزة لنسل إبراهيم. واستخدامهم آلات عفا عليها الزمن كسكاكين الصوَّان، لدليل على مدى تمسكهم بهذا الأمر . كما اننا نجد في كثير من فصول الكتاب المقدس، أمثلة للاستخدام المجازي "للختان"، فحتى الاشجار المثمرة كانت تحسب غير طاهرة مدة الثلاث سنوات الاولى من عمرها وفى السنة الرابعة تقدم باكورتها الى بيت الرب وفى السنة الخامسة يأكل اصحابها ثمارها { ومتى دخلتم الارض وغرستم كل شجرة للطعام تحسبون ثمرها غرلتها ثلاث سنين تكون لكم غلفاء لا يؤكل منها. وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قدسا لتمجيد الرب. وفي السنة الخامسة تاكلون ثمرها لتزيد لكم غلتها انا الرب الهكم.} (لا23:19-25). وبهذا تصير ثمار الاشجار صالحه للأكل ومباركة للطعام . فالختان هو عهد بين الله والمؤمن ليكون من شعب الله وبالختان يتمتع الطفل المختتن بكامل الحقوق الرعوية لشعب الله وعليه ان يطيع وصايا الله عند بلوغه سن الادراك ويسمى ابن او بنت الشريعة اي صار ملتزما باحكامها. عيد الختان المجيد ... تحتفل الكنيسة بتذكار ختان السيد المسيح له المجد، فى اليوم الثامن من عيد الميلاد كما جاء فى الكتاب المقدس { ولما تمت ثمانية ايام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل ان حبل به في البطن} (لو21:2). وهو من الأعياد السيدة الصغرى. وكان يسمى قديما بالاوكتافى اي " اليوم الثامن" توقيرا من المؤمنين واحتراما واجلالا لشخص الختن يسوع المسيح ربنا. لقد خضع السيد المسيح للناموس فى جسده اذ وجد فى الهيئة كانسان { واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب} (في 2 : 8 ) لقد أكمل الناموس كما قال { لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء ما جئت لانقض بل لاكمل }(مت 5 : 17). بخضوع المخلص لوصايا الناموس وباعطائه الكمال للوصايا فى بعدها الروحي واتمها عنا ليعتقنا من حرفيه الناموس الى روح الوصية وبعدها الروحي والاخلاقي وليعتقنا من ثقل هذه الوصية كما يقول القديس بولس { ان يسوع المسيح قد صار خادم الختان من اجل صدق الله حتى يثبت مواعيد الآباء } (رو 15 : 8). المعمودية من الماء والروح ... لقد أعتمد المخلص البار ووضع لنا طريق البنوة والدخول فى رعوية شعب الله والولادة الجديدة من الماء والروح لنكون له ابناء وبنات بالتبني كما قال الرب { من امن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن} (مر 16 : 16) لأنه لابد ان نولد من فوق بالماء والروح القدس لنصير ابناء الله بالتبني {اجاب يسوع الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله} (يو 3 : 5). ولهذا يقول الرسول بولس { وبه ايضا ختنتم ختانا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح. مدفونين معه في المعمودية التي فيها اقمتم ايضا معه بايمان عمل الله الذي اقامه من الاموات. واذ كنتم امواتا في الخطايا وغلف جسدكم احياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا} (كو11:2-13). لهذا يريد منا ان نحفظ الختان الروحي أي ختان القلب لنحيا له في والقداسة ولقد أكد الرب على أهمية الختان الروحي للإنسان المؤمن حتى فى العهد القديم. وعندما اثيرت مسألة دخول الامم الى الإيمان فى العصر الرسولي ونادا البعض من اليهودية فى الامم بضرورة الختان { وانحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلمون الاخوة انه ان لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم ان تخلصوا} (اع 15 : 1). انعقد اول مجمع رسولي فى عام 49م فى اورشليم بحضور الاباء الرسل منقادين بالروح القدس فى قرارهم بقبول الامم فى الايمان دون ان يثقلوا عليهم بختان الجسد ولكن بالمعمودية والبعد عن نجاسات الاصنام والزنا وأكل المخنوق أو الدم كدخول فى عهد ورعوية شعب الله { فاجتمع الرسل والمشايخ لينظروا في هذا الامر. فبعدما حصلت مباحثة كثيرة قام بطرس وقال لهم ايها الرجال الاخوة انتم تعلمون انه منذ ايام قديمة اختار الله بيننا انه بفمي يسمع الامم كلمة الانجيل ويؤمنون. والله العارف القلوب شهد لهم معطيا لهم الروح القدس كما لنا ايضا. ولم يميز بيننا وبينهم بشيء اذ طهر بالايمان قلوبهم. فالان لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع اباؤنا ولا نحن ان نحمله. لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن ان نخلص كما اولئك ايضا. فسكت الجمهور كله وكانوا يسمعون برنابا وبولس يحدثان بجميع ما صنع الله من الايات والعجائب في الامم بواسطتهم. وبعدما سكتا اجاب يعقوب قائلا ايها الرجال الاخوة اسمعونى. سمعان قد اخبر كيف افتقد الله اولا الامم لياخذ منهم شعبا على اسمه. وهذا توافقه اقوال الانبياء كما هو مكتوب. سارجع بعد هذا و ابني ايضا خيمة داود الساقطة وابني ايضا ردمها واقيمها ثانية. لكي يطلب الباقون من الناس الرب و جميع الامم الذين دعي اسمي عليهم يقول الرب الصانع هذا كله. معلومة عند الرب منذ الازل جميع اعماله. لذلك انا ارى ان لا يثقل على الراجعين الى الله من الامم. بل يرسل اليهم ان يمتنعوا عن نجاسات الاصنام والزنا والمخنوق والدم. لان موسى منذ اجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به اذ يقرا في المجامع كل سبت}( أع 6:15-21). لانه لا الختان الجسدي ولا الغرلة فى المسيحية هي حدود النجس أو الطاهر بل الايمان العامل بالمحبة { لانه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة بل الايمان العامل بالمحبة} (غل 5 : 6). الإيمان بمحبة الله المعلنة لنا فى المسيح يسوع بنعمة روحه القدوس { الذي فيه ايضا نلنا نصيبا معينين سابقا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب راي مشيئته. لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه ايضا انتم اذ سمعتم كلمة الحق انجيل خلاصكم الذي فيه ايضا اذ امنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده} (أف11:1-14). وامتد الختان الروحي ليشمل تقديس الحواس والفكر والقلب والعمل ليصبح المؤمن هيكل روحي مقدس ومكرس لله كما قال الرب يسوع فى تجسده وهو القدوس { ولاجلهم اقدس انا ذاتي ليكونوا هم ايضا مقدسين في الحق }(يو 17 : 19). ان التقديس هنا بمعنى التخصيص وتكريس الحياة . ونحن اذا نقتدى برئيس إيماننا ومكمله الرب يسوع نكرس حياتنا له فى خدمة باذلة ومحبة كاملة بكل الاعضاء الداخلية والخارجية والحياة لله سواء فى بتولية او زواج مقدس كما يشدد القديس بولس الرسول علينا { فاني اغار عليكم غيرة الله لاني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح }(2كو 11 : 2). الختان الروحي وتقديس المؤمن لله... ختان الشفتين ... ان الشفاة الخاطئة والظالمة والمتكبرة والمتكلمة بالاكاذيب والتي لا تمجد الله وتسبحه هي شفاه غلفاء حتى ان موسى النبي عندما دعاه الله ليرسله الى فرعون ليخرج الشعب من العبودية فى تواضع قال للرب { فتكلم موسى امام الرب قائلا هوذا بنو اسرائيل لم يسمعوا لي فكيف يسمعني فرعون وانا اغلف الشفتين }(خر 6 : 12). وهكذا فعل اشعياء النبي عندما راى مجد الرب احس بنجاسته امام مجد الرب { فقلت ويل لي اني هلكت لاني انسان نجس الشفتين وانا ساكن بين شعب نجس الشفتين لان عيني قد راتا الملك رب الجنود. فطار الي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمي وقال ان هذه قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك} (أش 5:6-7). لهذا يقول الرب على لسان هوشع النبي ان التسبيح وطلب مراحم الرب كذبائح مقدسة { خذوا معكم كلاما وارجعوا الى الرب قولوا له ارفع كل اثم واقبل حسنا فنقدم عجول شفاهنا} (هو 14 : 2). الاذان المختونة .. الاذان المختونة بالنعمة هي التي تسمع لصوت الله وتستطيع ان تميزه بين الاصوات الكثيرة والضجيج المحيط بنا لذلك كثيرا ما كان السيد المسيح يؤكد على سامعيه { من له اذنان للسمع فليسمع (مت 11 : 15). ويلوم على الشعب قديما لانهم رفضوا سماع كلمة الرب { فابوا ان يصغوا واعطوا كتفا معاندة وثقلوا اذانهم عن السمع }(زك 7 : 11). ولهذا لام السيد المسيح على سامعيه المعاندين { لان قلب هذا الشعب قد غلظ واذانهم قد ثقل سماعها وغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا باذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فاشفيهم} (مت 13 : 15).. ويدعونا لسماع صوته { اصغ يا شعبي الى شريعتي اميلوا اذانكم الى كلام فمي }(مز 78 : 1). ويمدح الرب المؤمنين الذين يبصروا ويسمعوا لصوت كلامه { ولكن طوبى لعيونكم لانها تبصر ولاذانكم لانها تسمع} (مت 13 : 16). ويوصينا الكتب ان نسمع ونصغى لصوت الرب ونطيعه { اليوم ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم }(عب 4 : 7). القلب المختون ... القلب المختون بالنعمة هو القلب المقدس الذى يحب الله حبا يملك الحب ويحب الجميع محبة روحية طاهرة من محبته لله { ويختن الرب الهك قلبك وقلب نسلك لكي تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا }(تث 30 : 6). لهذا يشدد القديس بولس الرسول على أهمية ختان القلب بالروح القدس { بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان الذي مدحه ليس من الناس بل من الله} (رو 2 : 29). لقد لام القديس استفانوس رئيس الشمامسة مقاومي الحق { يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والاذان انتم دائما تقاومون الروح القدس كما كان اباؤكم كذلك انتم }(اع 7 : 51). وقاوموا عليه ورجموه وهو ينظر الرب فى السماء ويقول فى قلب مختون بنعمة وقوة الروح القدس والحكمة محب حتى للاعداء { ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم يا رب لا تقم لهم هذه الخطية واذ قال هذا رقد }(اع 7 : 60). الختان الروحي اذن هو تقديس للحواس والفكر والارادة والعمل وتقديس الاعضاء الداخلية والخارجية ليصير المؤمن كهيكل مقدس لله. ولهذا عندما يعمد الداخل للإيمان يجحد الشيطان وكل اعماله الرديئة وحيله وطرقه ويعلن ايمانه المسيحي ليموت عن الانسان العتيق ويقوم فى جده الحياة وتقدس اعضاءه بالميرون المقدس ليكون هيكلا للروح القدس { اما تعلمون انكم هيكل الله و روح الله يسكن فيكم }(1كو 3 : 16){ام لستم تعلمون ان جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وانكم لستم لانفسكم }(1كو 6 : 19). القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
13 يناير 2025

التجسد وثماره عند القديس يوحنا ذهبي الفم

لقد حمل التجسد الإلهي للبشرية ثمارًا مفرحة وجديدة، ذلك لأنها ثمار روحية، أي ثمار يهبها الروح، وهذا هو الجديد، أن الهبات والعطايا الممنوحة للبشر، صارت لها ملامح متميزة، بسبب أن مصدرها روحي. عطية الروح القدس هذا ما يؤكده القديس يوحنا ذهبي الفم في عظة له عن الميلاد، قائلاً [ أخذ جسدي لكي أسع الكلمة في داخلي.. ومادام قد أخذ جسدي فقد أعطاني روحه، حتى تقدم لي كنز الحياة الأبدية. يأخذ جسدي لكي يقدسني. ويعطيني روحه لكي يخلصني] هنا يشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى عطية الروح، باعتبارها كنز الحياة الأبدية، ومصدر التمتع بالخلاص، كما ذكر [ يعطيني روحه لكي يخلصني]، ذلك لأن الروح هو في كل شئ يقود الإنسان نحو الكمال ولذلك فإن حضور روح الله وعمله سواء في الكتاب المقدس أو في التقليد الآبائي، قد ارتبط ارتباطًا وثيقًا بعطية الحياة. هكذا كُتب في المزمور 32 " بكلمة الرب تأسست السموات وبروح فيه كل قواتها" (6:32س). ولذلك لا تستطيع أي نفس أن تتمتع بثمار الروح، إن لم تدخل في شركة هذا الروح المحيي. يقول القديس مقاريوس: [ إن النفس العريانة والمقفرة من شركة الروح، الواقعة تحت فقر الخطية المرعب، لا تستطيع ـ حتى إذا رغبت ـ أن تثمر أي ثمر من ثمار روح البر بالحق. قبل أن تدخل في شركة الروح] . ليس هذا فقط، بل إن عطية الحياة العظمى والمتمثلة في الاتحاد بشخص المسيح، تتطلب شركة الروح. الاتحاد بشخص المسيح ومن أجل هذا، فقد أكد الرسول بولس على مدى الارتباط الوثيق بين نوال "قوة الروح القدس" وبين "حلول المسيح" بالإيمان في قلوب المؤمنين للحصول على كل ملء الله؛ " بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح.. لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" (أف14:3ـ17) هذه الرؤية التي تشدد على أهمية عمل الروح القدس داخل النفس الإنسانية، لنوال الشركة الحقيقية مع الله هى رؤية مشتركة لدى الآباء ولهذا فإن الثمر الفائق الوصف الذي ناله الإنسان بالتجسد، هو شخص المسيح نفسه. هذا ما يشرحه القديس يوحنا ذهبى الفم قائلاً: [ إن الاتحاد بالمسيح هو أعظم مكافأة لأنه هو الملكوت وهو الفرح، وهو المتعة، وهو المجد والكرامة، وهو النور، وهو السعادة غير المحدودة، الذي لا يستطيع الكلام أن يُعبّر عنه، غير الموصوف، غير المدرك ] . فالمسيح له المجد كان كل شئ بالنسبة للتلاميذ، ولم يكن في حساباتهم الفوز بملكوت السموات. يقول داود النبى: " ما لى في السماء ومعك لا أريد شيئًا على الأرض ". أى أنه لا يتمنى شيئًا من الأمور السمائية، ولا من الأمور الأرضية، لا شئ يتمناه سوى الله. إذن التمتع بالحياة الأبدية، لا يكون إلاّ عن طريق الاتحاد بالابن، كما يقول الرسول يوحنا: " إن الله أعطانا حياة أبدية. وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة. ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1يو11:5). وهو ما جعل الرسول بولس يقول: " ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة بل إني أحسب كل شئ أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه" (في7:3ـ8). نوال البنوة لله (التبنى) وأيضًا فإن نوال البنوة لله، لم يكن ممكنًا أن يتم إلاّ من خلال الابن كما أشار القديس بولس: " لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" (غل26:3)، ويشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى أهمية اتحاد الإنسان بالمسيح قائلاً: [ لقد أخذ جسدًا إنسانيًا لكي يسكن فينا] . وسكنى المسيح داخل الإنسان تعنى بالضرورة القدرة على السلوك كما سلك المسيح، هذا ما يؤكده القديس يوحنا الإنجيلي قائلاً: " من قال إنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك (المسيح) هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو6:2). نتائج اجتماعية ولم يكن المسيح له المجد بالنسبة للناس نموذجًا نمطيًا، لكنه كان يمثل اتجاهًا جديدًا، يحمل رؤية جديدة للحياة، قادت إلى تغيير جذري للتقاليد الاجتماعية التي كانت سائدة، ولذلك أحبه الجميع، لأنه أحب الجميع، والتف حوله كل الناس. وهذا ما دعا رؤساء الكهنة أن يقولوا " هوذا الكل قد صار وراءه". والحقيقة أن الكل قد صاروا وراءه، لأنه رفع من مكانة الفئات المتدنية في المجتمع، وألغى الفوارق الاجتماعية والعنصرية بين الناس. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن ميلاد المسيح العجيب [ ذاك الذي يفك ربط الخطية لُف في لفائف، لأن هذه هي إرادته، لأنه أراد للهوان أن يتحوّل إلى كرامة، وللعار أن يكتسي بالمجد، ولحالة الهوان أن تتحول إلى حالة الفضيلة] هذه الإرادة لتغيير حالة الإنسان من وضع الهوان والعار والمذلة إلى وضع الكرامة والمجد والفضيلة، تكشف عن المحبة غير المحدودة من قِبل الله تجاه الإنسان. فكل الفوارق الاجتماعية لم يعد لها وجود: " ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر وانثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع" (غل28:3)، أي أن الجميع صاروا واحد في المسيح، هكذا أكد القديس يوحنا ذهبي الفم وهو بصدد الحديث عن التناول: [ هل أنت غنى؟ حتى وإن كنت؛ فليس لك أفضلية على الفقير. هل أنت فقير؟ إنك لست أدنى من الغنى. فالفقر لن ينتقص من أفراح المائدة الروحية. لأن النعمة هى من الله وهى لا تميز بين الأشخاص. هذه هى العطايا الروحية، التى لا تقسم المجتمع بحسب المناصب، بل بحسب المستوى الروحى وبحسب استقامة أفكار كل أحد. ولهذا فإن الملك والفقير يتقدمان معًا نحو الأسرار الإلهية بنفس الثقة وبنفس الكرامة، لكى يتمتعا بالتناول منها. لأن لباس الخلاص هنا هو واحد للجميع أغنياء وفقراء، والرسول بولس يقول " لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح " (غل27:3) هذه هى ملامح الحياة الجديدة في المسيح، اختفاء كل أثر للتمييز بين البشر، الجميع في المسيح واحد، وهذا كان واضحًا منذ البداية، عندما دخل إلى المجمع ودُفع إليه سفر إشعياء النبي ليقرأ، فوجد الموضع الذي كان مكتوبًا فيه: " روح الرب علىَّ لأنه مسحني"، لماذا؟ لأبشر المساكين. لأشفي المنكسرى القلوب. لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر. لأرسل المنسحقين إلى الحرية. لأكرز بسنة الرب المقبولة.. " ثم طوى السفر وأعطاه للخادم وقال: اليوم قد تمّ هذا المكتوب في مسامعكم". أي أنه بحضور المسيح في الزمن، قد تحقق كل هذا، لقد رفع المسيح من شأن الفئات المُهمشة، والتي ليس لها أحد يذكرها. وفي حديث القديس يوحنا ذهبى الفم عن ميلاد المسيح العجيب يقول: [ إن الرجال أتوا لكى يسجدوا لذاك الذي صار إنسانًا وخلّص العبيد من الشرور التي أصابتهم. أتى الرعاة لكى يسجدوا للراعى الصالح الذي قدم حياته من أجل الخراف، أتى الكهنة لكى يسجدوا لذاك الذي أخذ شكل العبد لكى يمنح الحرية للمستعبدين ] هكذا أسس المسيح له المجد ملكوت الله في الزمن، وجعل الأرض سماء وجمع الناس مع الملائكة كما يقول القديس يوحنا ذهبى الفم في عظة له عن الصليب. د. سعيد حكيم
المزيد
12 يناير 2025

انجيل قداس الأحد الأول من شهر طوبة

تتضمن مدح أهل مصر ورهباتها مرتبة على قول الملاك ليوسف في الحلم بفصل اليوم قم وخذ الصبى وأمه وأهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك ( مت ٢ : ۱۳-۲۳ ) يا أحبائي إن مصر لما قبلت سيدنا يسوع المسيح سائرا إليها أولا فقد أصبح ملك المسيح فيها مشرقا وتعليمه بها لامعا وذلك السحر الذي كان ثابتا فيها وصادرا عنها مبطلا وتهاونت بحكمائها الأولين وبكتبهم وطلاسمهم وسارت تتشرف بالخيمي والعشار والصيادين وتتلوا نهارا وليلا رسائلهم وبشائرهم ويصدروا في كل جهاتها صليب سيدهم وهذا لم يوجد في مدنها وقرأها فقط بل وفي براريها وجبالها بالأكثر فأنه قد صار براريها ربوات ملائكة في أشكال إنسانية وجيش مسيحي وقطيع ملكوتي ومذهب القوات العلوية وهذا موجود في بلاد مصر ليس من الرجال فقط بل من النساء أيضا فليست السماء بهية بنجومها وافلاكها مثل بهاء برية مصر برهبانها ومساكنهم فى جميع جهاتها وبهذا يعرف قوة الشريعة المسيحية كلا من كان قد عرف حال مصر قديما بل أن أثار كفرها وجنونها تدل على ما بطل منها من ذلك كما أن أجتهادهم الآن في عيشتهم الروحانية وفلسفتهم فى سيرتهم السمائية تدل على ايمانهم القوى واملهم العلوى لأنهم تجردوا من قناياهم كلها وصلبوا انفسهم عن العالم كله وكدوا في أعمال الجسد لتكون لهم كفاية للقيام بطعام المحتاجين وعندما صاموا نهارهم وسهروا ليلهم يطلبوا البطالة بل قطعوا لياليهم بالتسبيح وصرفوا كل ايامهم في الصلوات وفي عمل أيديهم متشبهين في ذلك ببولس الرسول أفما نخجل نحن يا أحبائى الموسرين منا والمفترين من كون أولئك الزاهدين لما لم يمتلكوا شيئا سوى أعضاء بدنهم أجتهدوا أن يجدوا من هى الجهة عونا للمحتاجين ونحن لا نسعف المتضايقين ولو بفضلة مما هو مخزون في منازلنا لقد كان اولئك المصريون أسرع مبادرة من غيرهم إلى غيظهم وأشد الناس كلهم مثابرة على لذة جسمهم وهذه لما أعتادها اليهود عندهم صاروا يتذكرونها ويطلبونها حين مفارقتهم وارتحالهم عنهم إلا انهم لم تسلموا نار المسيح باشارهم صاروا في الامور الروحانية كما كانوا في الأمور الجسدانية وانتقلوا من الأرض إلى السماء وتركوا السيرة البهيمية الشيطانية وتشبهوا بالسير الملائكية ومن ذهب إلى مصر يعرف بالمشاهدة صحة ما قلناه ومن لم يمضى فليتفطن في حال السعيد انطونيوس الذي فرعته مصر بعد الرسل الباقى إلى ألان في أفواه المؤمنين كلهم الذي لم يندر من كونه في البلد الذى كان فيه فرعون لكنه اصبح اهلا للمناظر الإلهية وأظهر المذهب الذى تقصده شريعة المسيح والكتاب المدونة فيه سيرته يوضح ذلك ويتضمن ما ينبئ به من المضرة الكائنة من سقم أريوس فهذا الفاضل ( القديس انطونيوس )وأمثاله برهبان يشهد لنا بفضل شريعتنا. إذ لا يوجد أحد من الخارجين عن ديننا بهذه الصفات وأنا اسالكم أن تتصفحوا كتاب هذا القديس لتتعلموا فلسفته وان تجتهدوا بأن تماثلوه في اجتهاده. فقد علمتم أنه لا جودة البلد ولا فضل الأباء ولا رداعته وخستهم يمنعنا إذا شئنا التفلسف أو يوجبه علينا فأبراهيم كان ابوه كافراً ولم ! ولم يوجب له هذا تجاوز الشريعة. والثلاثة فتية كانوا في بابل. وكان طعام ملكها بقدم لهم. ولم يمنعهم هذا من تمسكهم بفلسفتهم وأظهارهم لها. ويوسف كان في وسط مصر في زمن جنونها لكنه تكلل بعفته. وقد تربى موسى أيضاً فى مصر حين تمردها. وبولس ورسل ربنا بشروا المسكونة وما حصل لواحد منهم تأخير في سعي فضيلته فسبيلنا يا أحبائى أن ندافع المدافعات ونمارس المجاهدات لنتمتع بالنعم الدهرية بمعونة ربنا والهنا يسوع المسيح الذى له التسبيح والقدرة والجبروت والمجد دائماً أبدياً أمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
11 يناير 2025

قتل أطفال بيت لحم والهروب إلى مصر

بسبب ميلادك يا واهب الحياة للكل ذبُح الأطفال! فلأنك أيها الملك ربنا رب الملوك ستذبح،من أجلك في غباوة ذبح الطاغية رهائن! الحمام في هديره صار يتأوه،لأن الحية (هيرودس) أهلكت صغارها! الصقر طار إلى مصر لينزل فيها،وتتحقق المواعيد! فرحت مصر به أنه جاء، فترد له دينها الذي سقطت فيه مع أبناء يوسف لقد عاد لعمل ويسٌد الدين لأبناء يوسف مبارك هذا الذي من مصر دُعي! كان الكتبة يقرأون يوميًا أن كوكبًا يشرق من يعقوب،فكان لهذا الشعب الصوت والقراءة،أما الأمم فكان لهم ظهور النجم وتفسير النبوة! كانت لهم الأسفار أما نحن فصارت لنا الوقائع! كانت لهم الأغصان، أما نحن فلنا الثمار! كان الكتبة يقرأون فيما هو مكتوب،والمجوس رأوا ما قد حدث استضاءة النجم المقروء عنه! مبارك هذا الذي سلمنا كتبهم! حملق الطاغية في المجوس عندما سألوا عن ابن الملك،وبينما كان قلبه متكدرًا تظاهر بالفرح! أرسل مع الحملان ذئابًا حتى يقتلوا "حمل الله" أجابه المجوس "عندما ترسل معنا خدامك، يخفي النجم عنا لمعانه، وتختفي عنا طرقه"،دون أن يعلم المباركون أن الملك يريد إرسال أعداء ألداء قتلة،لهم صورة المتعبدين،حتى يفسدوا الثمرة الحلوة التي يأكل منها المر فيصير حلوًا! عندما تسلم المجوس وصية منه أن يذهبوا ويبحثوا عن الطفل،كُتب عنهم أنهم رأوا النجم اللامع وابتهجوا! وهكذا عُرف أنه كان قد اختفي عنهم، لذلك ابتهجوا برؤيته لقد اختفى النجم ومنع القتلة،ثم ظهر ودعا العابدين لقد ألقى بجماعة (المجرمين) وجاء بأخرى! مبارك هذا الذي أنتصر في كلى الجماعتين! كيف أفلت "الطفل" من الرجل الفظ الذي قتل كل الأطفال؟! لقد عاقته العدالة عن تنفيذ أفكاره بأن يعود المجوس إليه وبينما بقى منتظرًا أن يلقي القبض على المعبود وعابديه،أفلت الكل من يديه! هرب العابدون بتقدماتهم من الطاغية إلى ابن الملك المجد لذلك الذي يعرف كل المشورات! إذ نام المجوس الذين بلا لوم، تأملوا في فراشهم،وصار النوم لهم كمرآة، وظهر لهم حلمًا كنورٍ؛رأوا فيه القاتل فارتعبوا، إذ لمع أمامهم غدره وسيفه لقد علم الناس الغدر، وسن سيفه للقطع، أما "الساهر" فعلم نائميه مبارك ذاك الذي يهب حكمة للبسطاء! البسطاء الذين يؤمنون يعرفون مجيئين للسيد المسيح،أما الكتبة الأغبياء فلم يدركوا حتى مجيئًا واحدًا الأمم ينالون حياة من مجيئه الأول، ويقومون في المجيء الثاني! الشعب الذي أعمى ذهنه، تشتتوا بمجيئه الأول، وينزع بالمجيء الثاني! مبارك الملك الذي جاء وسيجيء! أعلن الأنبياء عن ميلاده، لكنهم لم يوضحوا تمامًا وقت مجيئه! لقد أرسل المجوس، الذين وأظهروا وقته لكن المجوس الذين عرفوا الوقت لم يكونوا يعرفوا من هو هذا الطفل فإذا بنجم عظيم في نوره يظهر بمسيره، من هو هذا الطفل؟! وكم كان نسبه جليلًا؟! مبارك هذا الذي عُرف بواسطتهم جميعًا! لقد احتقر (اليهود الأشرار) بوق إشعياء الذي تغنى بكهنوته! لقد أسكتوا قيثارة الروح التي تغنت بملكوته! وفي صمت عميق أغلقوا على الميلاد العظيم،فإذا بالأصوات العلوية تصرخ مع الأصوات التي من أسفل مبارك هو هذا الذي ظهر في وسط صمت عميق! الكتبة صمتوا في حسدٍ،والفريسيون سكتوا في غيرة،ومتحجرو القلب (المجوس) صرخوا مقدمين تسبيحًا! أنشدوا في حضرة "حجر الزاوية"، الذي احتقره (اليهود)،وقد صار رأسًا (للزاوية) صارت القلوب الحجرية لحمية بواسطة "حجر الزاوية"وصارت لها أفواه تسبح،إذ جاءت الحجارة تنطق أمام "حجر الزاوية"مبارك هو ميلادك الذي جعل الحجارة تنطق! القمص تادرس يعقوب ملطي عن كتاب من تسابيح الميلاد للقديس مار أفرام السرياني
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل