المقالات

26 مارس 2025

شجعُوا صِغار النفوس

لا شك أن الله يحب الأقوياء، ويريد أن يكون كل مؤمن قويًا في حربه مع الشيطان، قويًا في إيمانه وجهاده، ويعطي الطوبى للغالبين المنتصرين. ولكنه مع ذلك.. بكل حب يشجع صغار النفوس، ويسند الضعفاء، ويتأنى عليهم..بل إن السيد المسيح جعل صغار النفوس هؤلاء في مقدمة الذين يخدمهم. فقيل عنه في نبوءة اشعياء «رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ.. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ» (إش61: 1-2).وهكذا جعل رسالته من أجل المساكين والمنكسرين والمسبيين والمأسورين والنائحين. وماذا تراه يفعل لأجل هؤلاء؟ إنه يقول: "لأعطيهم جمالًا عوضًا عن الرماد، ودهن فرح عوضًا عن النوح، ورداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة".هذا هو السيد المسيح الذي قيل عنه في تشجيعه للآخرين:"قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ".إنه يعطي رجاء حتى لهؤلاء، وينفخ في الفتيلة المدخنة فربما تشتعل بعد حين، وتضيء لآخرين.ولذلك لما كان يهوشع واقفًا بثياب قذرة والشيطان يقاومه، قال ملاك الرب للشيطان، لينتهرك الرب يا شيطان، لينتهرك الرب.. أفليس هذا شعلة منتشلة من النار.. وأمر أن ينزعوا عن يهوشع ملابسه، ويلبسوه ثيابًا مزخرفة طاهرة (زك3: 1-5).ومعلمنا بولس الرسول يهتم بصغار النفوس فيقول: «اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي الْجَسَدِ» (عب13: 3). ويقول الرب: "لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار"... وهو نفسه قد اهتم بكل صغار النفوس الذين قابلهم. ومن هؤلاء الخطاة والعشارون. وحتى المرأة التي ضُبِطت في ذات الفعل، وأحضروها إليه وهي في مرارة الذل طالبين رجمها، أنقذها من أيديهم ولم يشأ أن يخجلها، بل قال لها في حب: «وأنا أيضًا لا أدينك، اذهبي بسلام».طريقة الرب هي أن يبني النفوس المسكينة، لا أن يحطمها.ولذلك قال عبارته المملوءة حبًا وتشجيعًا «ما جئت لأدين العالم، بل لأخلّص العالم». وهكذا نراه يترك الجموع، ويقف عند خاطئ هو زكا رئيس العشارين، ويشجعه بعبارة حب هي «ينبغي اليوم أن أكون في بيتك»، بل يقول له: «اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت». ويريه أن خطاياه مهما كانت، لا تمنع عنه الخلاص. وأن سمعته مهما كانت ردية، لا تمنع دخول الرب في بيته.إن الرب في تشجيعه، يجعل باب الخلاص مفتوحًا للكل.حتى أمام اللص اليمين، في اللحظات الأخيرة من حياته، وهو مصلوب، يستمع قول الرب «اليوم تكون معي في الفردوس». وحتى مع المرأة السامرية، رأى فيها الرب شيئًا حلوًا، على الرغم من سيرتها الخاطئة، فقال لها في تشجيع «حسنًا قلتِ.. هذا قلتِ بالصدق» (يو4: 17، 18). إنه القلب الطيب، صاحب الكلمة الطيبة.ليست من فم الرب دينونة، بل من فمه كلمة بركة.حقًا إن حلقه حلاوة، وكله مشتهيات (نش5: 16).انظروا موقفه الجميل من بطرس الرسول، بعد أن أنكره ثلاث مرات، وكانت نفسه مرة للغاية، وقد بكى بكاءً مرًا.. ظهر له بعد القيامة، ولم يقل له كلمة توبيخ واحدة.. وإنما قال له في تشجيع «ارعَ غنمي. ارعَ خرافي» (يو21: 15، 16).وتوما الرسول، لما وجده الرب قد شك في القيامة، وأصر أن يرى ويلمس، ويضع إصبعه مكان الجروح، وإلا لا يؤمن..! لم يوبخه الرب، وإنما ظهر له، وسند ضعفه وقلة إيمانه، وحقق له رغبته، وقال له «لا تكن بعد غير مؤمن، بل مؤمنًا»..إنها طريقة الرب، منذ البدء، منذ آدم وحواء.كان آدم منكسر القلب، خائفًا، مختبئًا خلف الأشجار بعد سقوطه، لا يجرؤ أن يرى الله.. ولكن الله بطريقته في تشجيع صغار النفوس، ذهب إليه، وناداه، وفتح معه الحديث، ووعد بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية.ولما رأى الرب يونان النبي في صِغر نفسه. وقد اغتمت نفسه، وطلب الموت قائلًا: «موتي خير من حياتي»، لم يتركه الرب في صغر نفسه، وأنبت له اليقطينة لتظلّله، ثم ظلّ به حتى تفاهم معه، وخلصه من غمه، وشرح له الموقف مع أهل نينوى، وأنقذ نفسه كما أنقذهم.ولما رأى إيليا النبي خائفًا من إيزابل، ظانًا أنه قد بقى وحده بعد قتل الأنبياء، وقد طلبوا نفسه ليهلكوها، كلمه الرب وقال له «مالك هنا يا إيليا؟» وأرسل له معونة من عنده وقوّاه، وأخبره بأن هناك سبعة آلاف ركبة لم تنحنِ لبعل. وكلفه بأن يمسح أشخاصًا للقضاء على فساد الوثنية (1مل19).إن عبارة «شجعوا صِغار النفوس» عبارة مملوءة حنانًا.ولكن من هم صِغار النفوس الذي نشجعهم..؟إنهم الساقطون، واليائسون، والفاشلون، والأطفال، والخطاة، والخائفون. ومن تنهار نفوسهم وتضعف، ويفقدون الثقة في القدرة على القيام...هؤلاء لا ندينهم، ولا نشهّر بهم، ولا نستهزئ بهم أو نتهكم عليهم، ولا نعاملهم بقسوة، وإنما نسند ضعفهم بتشجيعنا.قيل عن القديس الأنبا إيسيذورس قس القلالي، إنه كان إذا طَرَدَ بعض الآباء خاطئًا ويئسوا منه، يأخذه الأنبا إيسيذورس إليه، ويطيل أناته عليه، ويظل به حتى يقيمه من خطيئته. وقد فعل هذا مع موسى الأسود، الذي كان في بدء حياته مُحارَبًا جدًا من العدو، حتى أنه أتى إلى الأنبا إيسيذورس 11 مرة في ليلة واحدة.. وبطول أناة معلمه تحول إلى قديس عظيم.لا تحتقر تفاهة في إنسان، إنما أنقذه من تفاهته.كن يدًا منقذة للضعيف، وكلمة رجاء لليائس، وافتح طاقة من نور أمام من أضلتهم الظلمة. ولا تكن قاسيًا ولا ديانًا. ولا توبخ أحدًا على سقطته، بل ساعده على القيام منها. ولا تتهكم على مستوى ضعيف لأحد من الناس، وإنما خذ بيده لكي ترفع مستواه..كان موسى النبي "ثقيل الفم واللسان"، و"ليس صاحب كلام" وقد اعتذر عن إرسال الرب له لهذا السبب، لكن الرب شجعه، وأعطاه هارون أخاه لكي يكون فمًا له.. وهذا الذي لم يكن صاحب كلام، صار لقبه كليم الله.وإرميا النبي كان صغير السن، وكانت نفسه صغيرة لهذا السبب، وقال للرب «لا أعرف أن أتكلم لأني ولد»، ولكن الرب لم يدعه يستسلم لضعفه، وإنما شجعه بقوله «هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود جديد، وأسوار نحاس على كل الأرض.. فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك يقول الرب لأنقذك» (إر1: 6، 18).ويشوع بن نون الذي صغرت نفسه بعد وفاة موسى النبي، ووجد نفسه أصغر من المسئولية، شجعه الرب بقوله «تشدد وتشجع.. لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسى أكون معك. لا أهملك ولا أتركك.. لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب» (يش1: 5، 9).إنها كلمات الرب المشجعة. وكثيرًا ما يشجع الرب بوعوده، أو بالمعونة التي يرسلها إلى الإنسان، فيقويه.وقد كان هذا التشجيع هو أيضًا عمل الأنبياء، وكان أنشودة في المزامير.وما أكثر التشجيع الذي يقوله الكتاب للخطاة.يقول إن الرب يغسل خطاياهم، فتبيضّ أكثر من الثلج، وأنه ينساها ولا يعود يذكرها، وأنه كبعد المشرق عن المغرب أبعد عنا معاصينا، لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن (مز103). ويقول الكتاب أيضًا: «لا تشمتي بي يا عدوتي، فإني إن سقطت أقوم»، ويقول إن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم!داود النبي لما رأى الجيش خائفًا أمام جليات شجعهم بقوله: «لا يسقط قلب أحد بسببه» (1صم16).ولم يشجعهم بالألفاظ فقط، إنما أيضًا بالقوة، بشجاعته.ونحميا وقف مع الشعب الضعيف اليائس المطحون، وشجعهم على بناء سور أورشليم، ليس بالكلام فقط، وإنما اشترك معهم في العمل، وشجعهم باشتراكه.وموسى النبي لما رأى الشعب وقد صغرت نفسه أمام عبودية فرعون، وإزادة الضغط عليهم، شجعهم بأن واجه الموقف بنفسه. وأيضًا قال لهم «قفوا وانظروا خلاص الرب. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون».وكانت الكنيسة تشجع الشهداء والمعترفين في ساحة الاستشهاد.حتى أثناء محاكماتهم، وأيضًا في السجون. وكم من كتب كتبها الآباء حثًا على الاستشهاد، وكم من أمهات شجعن أولادهن على تقبل الموت..حتى العمل الصغير الضئيل، كان يلاقي تشجيعًا.السيد المسيح لم يمتدح فقط الزرع الذي أتى بمائة أو بستين، وإنما حتى الذي أتى بثلاثين فقط قال عنه أنه زرع جيد.ليتنا نسلك بأسلوب المسيح، ونشجع الكل مثله. مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث
المزيد
25 مارس 2025

يوم الثلاثاء من الأسبوع الخامس (یو ۸ : ۱۲ - ۲۰)

ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً قَائِلاً: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلَا يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ». فَقَالَ لَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: «أَنْتَ تَشْهَدُ لِنَفْسِكَ. شَهَادَتُكَ لَيْسَتْ حَقًّا أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «وَإِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي حَقٌّ، لَأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَا تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ آتِي وَلَا إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. أَنْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ تَدِينُونَ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَدِينُ أَحَداً. وَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَدِينُ فَدَيْنُونَتِي حَقٌّ، لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. وَأَيْضاً فِي نَامُوسِكُمْ مَكْتُوبٌ: أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ حَقٌّ أَنَا هُوَ الشَّاهِدُ لِنَفْسِي، وَيَشْهَدُ لِي الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي». فَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ هُوَ أَبُوكَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «لَسْتُمْ تَعْرِفُونَنِي أَنَا وَلَا أَبِي لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً». هذَا الْكَلَامُ قَالَهُ يَسُوعُ فِي الْخِزَانَةِ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ. وَلَمْ يُمْسِكُهُ أَحَدٌ، لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ . أنا هو نور العالم «ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً : أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة». نحن الآن في عيد المظال، وكان يُجرى فيه طقس يسمى طقس النور، ويتم فيه إيقاد ٤ منارات مرتفعة داخل الهيكل، وكان هذا تذكاراً لعمود النور الذي أرسله الله لهم ليقودهم في برية التيه أثناء الليل. ولكن .. كان عمود النور هذا وقتياً، أما المسيح، فهو النور الذي جاء لينير العالم دائماً وإلى الأبد. وحينما يقول المسيح: «أنا هو نور العالم»، فهو يعني نور الحياة، هو النور المعطي الحياة، والتي لخصها ق. يوحنا فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، فالحياة في المسيح هي نور العالم. لقد دخل النور الحقيقي إلى العالم ملتحفاً جسد إنسان، وهو أصلاً اللابس النور كثوب جاء لينير البشرية من داخل كيانها، فصارت حياة الإنسان نوراً بعد أن كان يتخبط في ظلمة العالم. لقد استنارت حياة الإنسان بالنور الإلهي، فأنارت وصارت أنواراً في العالم: «أنتم نور العالم». ولا يزال المسيح هو هو عمود النور الذي يسير بالبشرية المستنيرة به وبالله، في طريقها الضيق الحرج، داخل برية العالم المظلم، يقودنا خطوة بعد خطوة. والذي يتبع النور لا يشعر بليل العالم، ولن تدركه الظلمة، هذه حقيقة يدركها كل من استنار بالمسيح والتصق به: الرب نوري وخلاصي ممن أخاف والواقع إن الطبيعة البشرية بالنسبة للنور الإلهي مظلمة خاطئة يدب فيها الموت، وشعاع الله لم يكن ينفذ إليها أبداً، ولكن حينما استعلن لنا الرب الطبيعة الإلهية التي فيه، وصيرنا شركاء فيها، هنا نفذ النور الإلهي إلى أعماقنا، فأدركنا طبيعة الله وأسراره واستنارت عقولنا وقلوبنا بفكره ومشيئته وكلماته. وهكذا دخل النور أي الطبيعة الإلهية، إلى طبيعتنا العمياء الخرساء، فتغيرت وتجددت، وصارت لها أذن تسمع ما لم تكن تسمع، وعين ترى ما لم تكن ترى، وقلب يستطلع بالروح حتى أعماق الله، وروح تحيا مع الله. « أنا هو نور العالم ». هذا القول يستحيل أن ينطقه إلا الله وحده: «وقال لي اكتب، فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة... والمدينة لا تحتاج إلى شمس ولا إلى قمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والخروف سراجها، وتمشي شعوب المخلصين بنورها ... لأن ليلاً لا يكون هناك». وإشعياء النبي يصف هذا الإشراق العجيب في ملء الزمان بالنسبة للكنيسة هكذا: قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك، لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم، أما عليك فيشرق نور الرب (أنا) هو نور العالم ومجده عليك يرى. فتسير الأمم في نورك، والملوك في إشراقك»، ويقول في موضع آخر: «لا تكون لكِ بعد الشمس نوراً في النهار ولا القمر ينير لك مضيئاً، بل الرب يكون لك نوراً أبدياً وإلهك زينتك. لا تغيب بعد شمسك وقمرُكِ لا ينقص، لأن الرب يكون لك نوراً أبدياً» والعجيب أنه بعد أن قال المسيح : أنا هو نور العالم"، قام بتفتيح عيني المولود أعمى، لتتم النبوة: «أنا الرب لقد دعوتك بالبر، فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب، ونوراً للأمم، لتفتح عيون العمي، لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة». وهنا يجمع النبي معاً بين النور وتفتيح العيون. أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة». كان عمود النور الذي قاد شعب بني إسرائيل في القديم هو رمز، كان نوراً خارجياً، ولكنه لم يدخل داخلهم؛ ولكن جاء المسيح، النور الحقيقي، لينير من الداخل. لكي يصير فينا لكي نأخذ هذا النور، لكي نحتويه ونمتلكه في داخلنا فتتحول فينا الرؤية إلى حياة أي يكون لنا نور الحياة وبالتالي نتبعه ولا نمشي في الظلمة. وهنا التبعية ليست ظاهرية، إنها تبعية داخلية بالكلمة؛ بمعنى السير إثر وصاياه. ماذا ستكون النتيجة عندئذ؟ سنكون بني النور، مولودين من النور مولودين من المسيح؛ لا لأننا صرنا نوراً؛ ولكن لأننا احتوينا النور، صار لنا نور الحياة. لأجل هذا هو قال: فليضئ نور کم هكذا أمام الناس، حتى يستعلن المسيح الذي فينا يلزمنا جداً أن نفهم أننا في رحلتنا إلى الأبدية نحن نسير في عالم الظلمة، عالم موضوع في الشرير تفعل فيه الخطية ما تشاء في الفكر والجسد، هنا جاء المسيح إلى العالم، لكي ينير للمؤمنين باسمه طريق الحياة من داخل العالم.في الحقيقة، إن الإنسان الذي ينير له المسيح سوف يرى أعز ما في العالم وكأنه ظلمة، سوف يكتشف الجهالة التي فيه. لذلك حق قول المسيح: من يتبعني فلا يمشي في الظلمة. لقد صار المسيح بالنسبة لنا هو عمود النور لرحلتنا السعيدة إلى الوطن السماوي على أساس أن نحتويه داخل قلوبنا، فيصبح سراجاً لأرجلنا ونوراً لسبلنا.والمسيح عندما قال: «أنا نور العالم هنا النور موصل، نور متحرك، نور ليس جامداً، ولكنه فعل يقود الإنسان، يعلن للإنسان حقائق العالم والحقيقة الأبدية. وهكذا المسيح يقود النفس من نور إلى نور، أي من حق إلى حق الإنسان الذي يجلس كل يوم ساهراً أمام المسيح، هذا الإنسان تنسكب الكلمة داخله بغنى، وينكشف له الحق، ويُبكت من الكلمة وتنكشف حقائق الحياة وحقائق نفسه، ويُعدّل ويُصحح المسيرة. فإن لم يمسك الإنسان بكلمة الحياة جداً، ويأخذ المسيح كشخص حقيقي وكمصدر للنور والحركة؛ فهذا الشخص لابد أن يتوه في متاهة هذه الدنيا، ليس فقط ٤٠ سنة كالشعب القديم؛ ولكن تتوه ٨٠ سنة ولا تفوق إلا آخر لحظة وتجد أن الوقت قد فات ولا فائدة أو مكان للتوبة. فالعالم هنا هو عالم تيه، ما لم يقودنا نور المسيح المسيح نور، ولكن نور فقط للسائرين، والذين يتبعونه يكون لهم النور في داخلهم، يقودهم للوطن السماوي. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
24 مارس 2025

حَسَنَةٌ هِيَ الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى (غلا4: 18)

كلمة غيرة في اللغة اليونانية ζηλος وتعني كفاح متحمس، وفي الترجمة السبعينية تأتي غالبًا بمعنى حماس موجَّه نحو الله. والكلمة قد يُقصَد بها أيضًا حسد ونيّة سيئة (مثل إخوة يوسف) فقد يكون شخص يريد الوصول لأهداف خيِّرة، أو فرد حسود وغيور. الله غيور: يقول الله في الوصايا العشر: «لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ» (خر20: 10). وغيرة الله في اتجاهين:- الأول:- غضب الله وعقابه العادل نحو الأشرار«هَلْ إِلَى الدَّهْرِ تَسْخَطُ عَلَيْنَا؟ هَلْ تُطِيلُ غَضَبَكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ؟» (مز85: 5)، وقد غار المسيح إلهنا وطرد الباعة من الهيكل، و«َتَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي» (يو2: 17). والثاني:- عمل الرحمة مع أولئك الذين يتقونه «لأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِشَعْبِهِ وَلأَتْقِيَائِهِ فَلاَ يَرْجِعُنَّ إِلَى الْحَمَاقَةِ لأَنَّ خَلاَصَهُ قَرِيبٌ مِنْ خَائِفِيهِ» (مز85: 8، 9) يقول إشعياء النبي «فَلَبِسَ الْبِرَّ كَدِرْعٍ وَخُوذَةَ الْخَلاَصِ عَلَى رَأْسِهِ وَلَبِسَ ثِيَابَ الاِنْتِقَامِ كَلِبَاسٍ وَاكْتَسَى بِالْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ» (إش59: 17). غيرة القديسين: الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي هو عمل جماعي، يقول معلمنا يعقوب الرسول «فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئًا عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ يُخَلِّصُ نَفْسًا مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا» (يع5: 20)، هكذا غار معلمنا داود النبي وملكتهُ الكآبة «لأَنَّ أَعْدَائِي نَسُوا كَلاَمَك» (مز119: 139) وكان القديس بولس الرسول غيورًا في خدمته لكل أحد فيقول «مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟» (2كو11: 29)، وقد احتدت روحه عندما وَجَد مدينة أثينا مملوءة أصنامًا (أع17: 16). ويقول القديس بولس للكورنثيين « فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ» (2كو11: 2)، فمحبته للمسيح وللقديسين جعلته يغير لئلا يقف أي شخص أو أي شيء حائلًا بينهم وبين المسيح. إنه لا يشفق على الذين بالتعاليم المُضلة يُبعدون القديسين عن المسيح أي مَنْ كان، فإن أتى رسول أو ملاك من السماء ليكرز بإنجيل آخر فليكن أناثيما (غلا1: 8). الغيرة الحسنى: هي الغيرة التي تؤدي إلى عمل بنّاء وليس عملًا هدّامًا، فالغيرة الهدّامة المرتبطة بالتحزُّب والثورة تؤدّي إلى أمور خارجة عن اللياقة، وهي من أعمال الجسد (غلا5: 19) وقد رفضها معلمنا يعقوب الرسول، إذ يقول «وَلَكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَّزُبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَّزُبُ هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ» (يع3: 14، 16) وقال القديس بولس الرسول عن الذين يغارون ولكن ليس عن صدق «يَغَارُونَ لَكُمْ لَيْسَ حَسَنًا» (غلا4: 17)، والباعث لمثل هذه الغيرة هو الرغبة فى المجد الذاتيّ، ولذلك يكمل الرسول قوله «بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوكُمْ لِكَيْ تَغَارُوا لَهُمْ» (غلا4: 17) بينما الغيرة الحسنى هي الغيرة المرتبطة بالمحبة والتواضع، تكون في المسيح. ترتبط الغيرة الحسنى أيضًا بالمعرفة السليمة، فالذي يكون مشوّشًا في تعليمه يغار غيرة خاطئة بجهل، متحمّسًا لمحاربة شيء دون معرفة، دون تحقيق، دون تدقيق، لمجرد السماع يشير الرسول بولس إلى حياته قبل الإيمان بالمسيح، وكيف كان شديد الغيرة على الديانة اليهوديّة وعلى مقاومة من يخالفها على أنه يعترف أن اضطهاده للمسيحيين صدر منه عن جهل، ويتكلم عن رحمة الله التى أدركته. كيف نقتني الغيرة الحسنى؟ الروح القدس هو الذي يشعل فينا الغيرة نحو مجد الله، فنهيئ أنفسنا لنتجاوب مع عمل الروح القدس فينا، والصوم فرصة ملائمة لاقتناء الغيرة الحسنى، فنزيد من قراءة الكتاب المقدس والصلاة، كذلك سير القديسين، فتلهب مشاعرنا نحو الله والأمر الهام أيضًا في اختيار الأصدقاء اختر صديقًا يرفعك روحيًا وعلميًا وليس صديق يثبّطك ويهوى بك إلى أسفل «لاَ تَضِلُّوا! فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (1كو15: 33). القمص بنيامين المحرقي
المزيد
23 مارس 2025

انجيل قداس يوم الأحد الرابع من الصوم الكبير

تتضمن الحث على ما يقال له سابق التحديد أو القضاء والقدر . مرتبة على فصل انجيل السامرية( يو ٤ : ١ - ٤٢ ) قال البشير بانجيل اليوم أن الرب لما علم أن الفريسيين سمعوا أن يصير ويعمد تلاميذ أكثر من يوحنا ترك اليهودية ومضى أيضا في الجليل وكان لابد له أن يجتاز السامرة فأتى إلى مدينة السامرة يقال لها سوخار ويلاحظ بعضهم قائلا: إن السيد عندما أرسل تلاميذه أوصاهم أن لا يمضوا إلى الأمم ولا يدخلوا مدن السامريين فكيف هو نفسه جاء السامرة وعلم امرأة عند بئر يعقوب ؟ والجواب على ذلك هو إن المسيح لم يخالف امره لتلاميذه الذين أرسلهم. أرس لأنه بقوله: " إلى طريق أمم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا " نهاهم عن الدخول والإقامة له المجد لا عن الإجتياز كما فعل هو ومن قول البشير " وكان لابد له أن يجتاز السامرة " يظهر أن اجتيازه كان ضروريا لوقوعها بين اليهودية والجليل. أما تمييز السيد للسامريين عن اليهود ونهيه لتلاميذه بأن لا يدخلوا مدنهم فهو لأنهم لم يكونوا يهودا ولا أمما فكانوا يخلطون عبادة اليهود بعبادة الأمم ولا يقبلون إلا خمسة أسفار موسى وماعدا ذلك من الأسفار المقدسة كانوا يرفضونه ويحسبون أنفسهم أيضا من نسب اسرائيل كما يظهر في قول السامرية للمسيح: هل أنت اعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا هذا البئر مع أن اصلهم من الأمم الذين أرسلهم ملك أشور إلى اقليم السامرة لتعميره بدل الأسباط العشرة الذين سباهم إلى بابل وبما أنهم كانوا من عبدة الأوثان أرسل الله عليهم أسودا فتكت بكثيرين منهم فلما علم بذلك ملك أشور أرسل إليهم كاهنا عبرانيا ليعلمهم عبادة إله اليهود فتتنحى عنهم الأسود فتم كل ذلك فكانوا يعبدون الأصنام كعادة وطنهم القديم ويعبدون إله اسرائيل ولهذه الاسباب كان اليهود يبغضونهم كوثنيين وغرباء الجنس وأما نهيه لتلاميذه بأن لا يمضوا إلى الامم ولا يدخلوا مدينة للسامريين فهو لان الناموس كان يحظر على اليهود معاشرة الامم الغريبة لئلا يتعلموا منهم أعمال الوثنيين فيتركون إلههم ويعبدون الأوثان كما حدث ذلك مرارا كثيرة ويخبرنا به المرتل داود بقوله" اختلطوا بالأمم وتعلموا أعمالهم وعبدوا أصنامهم فصارت لهم شركا أما السيد المسيح فلكونه تجسد ليخلص جميع البشر فقد جاء إلى سوخار ليخلص المرأة السامرية وكل من يريد الخلاص وبتدبير إلهى انت المرأة فوجدته جالسا على البئر لأن الخلاص لا يتأنى صدفة أو انفاقا بل بعناية الله وإلا فكيف يعقل أن يعطش ذلك الذي أخرج الماء من الصخرة في رفيديم بني اسرائيل حاشا لله ذلك وقد جعل طلبه من المرأة ليشرب سببا للمناقشة معها وجذبها للايمان به وهي ومن آمن بواسطة بشارتها في المدينة بقولها" هلموا انظروا إنسانا قال لـــــي كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح " لم تكن السامرية تفكر البتة بانها ستجد مخلص العالم عند بئر يعقوب ولكن الله جل وعز سبق فعرف بسابق علمه حسن نواياها وأميالها فحدد خلاصها ودبر لها أن يكون وصولها إلى البئر في حال وصوله اليها لكى تؤمن فتخلص بدليل قول الرسول " إن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم أيضا "فالله إذن متى رأى في الانسان ميلا إلى الصلاح ولو طفيفا فانه حالا يرسلى نعمته فيقويه على عمل الاعمال الصالحة أما إذا وجد الميل رديئا فانه ينزع نعمته ومعونته عن ذلك الانسان فيعمل الاعمال الرديئة وهو تعالى يسبق فيعين خلاص الانسان لاجل اعماله الصـالحة كما يسبق فيعين عذابه لأجل أعماله الطالحة وهو مخير مريد يفعل ما يريد إما لخلاصه وإما لعذابه ولو كان شئ يقع في الوجود من خير وشر يسبق الله فيحدده لكان تعالى عن ذلك علة للشرور وكان لا نفع من ارسل الرسل والأنبياء وكان المنزه سببا أوليا للزاني والقاتل وأشباه ذلك لأن المريد لشئ ما فقد ارتضاه وإذا ارتضاه فهو سببه وفاعله حاشا لله من ذلك وتعالى عنه علوا كبيرا فلا يصلح إذن اطلاق الإعتقاد في حق صاحب الجود المطلق أنه يريد شيئا ثم يعاقب الانسان عليه ولو نسب إلى صاحب هذا الرأى القاضى بأن الله يسبق فيحدد على الانسان فعل الشر أو الخير أنه سبب لبعض ما حدث من الشرور لنفى ذلك باجتهاد وأبعده عن نفسه بعدا بعيدا وما لا يرتضيه هذا الانسان فلا يجب أن يرتضيه لخالقه وبارئه ولنورد على ذلك بعض الأمثلة من الكتاب المقدس إن فرعون ويهوذا الاسخريوطي كانا معينين للهلاك فلو رجعا عن الشر لربحا الخلاص الأبدى وكذلك كان انقلاب نينوى سابقا تحديده غير أن أهلها تابوا فنجوا ( وحزقيا الملك كان سبق تحديد موته ولكنه بدموعه نال الحياة بدل الموت والخمس مدن ايضا قد سبق الله فعين إبادتها ولما توسل أليه ابراهيم بقوله عسى يوجد هناك عشرة أبرار قال جل وعز " لا أهلك من أجل العشرة " واسمع ماذا يقول الكتاب المقدس إن الرب أمر موسى في البرية أن يضرب الصخرة بالعصا ليخرج ماء ليشرب بنو اسرائيل فقال موسى بحضور هارون أخيه إلى الشعب " من هذه الصخرة نخرج لكم ماء " فقال الرب لموسى وهارون: " من أجل أنكما لو تؤمنا بي حتى تقدسانى أمام أعين بنـــــــى اسرائيل لا تدخلان هذه الجماعة إلى الارض التي أعطيتهم إياها فتأملوا جيدا أيها الأحباء وانظروا لماذا عاقب الله النبيين العظيمين على ترك التقديس وعلى الشك في قدرته تعالى إخراج الماء من الصخرة إذا كان يسبق فيحدد على الانسان شرا أو خيرا ولماذا قال في وجه هذا النبى لبنى اسرائيل " أنظر قد جعلت اليوم قدامك الحياة والموت الخير والشر " أشهد عليكم اليوم السماء والأرض قد جعلت قدامك الحيوة والموت البركة واللعنة فاختر الحيوة لكى تحيا أنت ونسلك " فمن هذا قد ثبت أن الانسان حر الأختيار إن إختار صلاحا فعل وإن اختار شرا فعل أما كون الإنسان حر الإرادة فهذا ثابت أيضا من العهد الجديد قال له المجد: " يا أورسليم يا اورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها ولم تريدوا. هوذا بيتكـــــم يـــترك لكـــم خرابا " وقال ايضا لمن سأله عن طريق الحياة " لماذا تدعونى صالحا ليس أحد صالحا إلا واحد وهو ولكن أن أردت أن تكون كاملا فأذهب وبع املاكك واعط الفقراء وتعال اتبعني " وقال ايضا " إن اردت أن تدخل الحيوة فاحفظ الوصايا فمن قوله تعالى " كم مرة أردت ولم تريدوا " وقوله " ليس أحـــد صالحا إلا واحد وهو الله " وقوله " إن أردت أن تدخل الحيوة فأحفظ الوصايا " يتضح جليا أن الله لا يسبق فيحدد على البشر شرا ولا خيرا بدون ملاحظة حرية ارادتهم أي انه تعالى ان رأى أميال الانسان نحو الخير ساعده بنعمته وان رأى أمياله نحو الشر تركه يعمه في غوايته إلى يوم القصاص العظيم فسبيلنا إذن أن ندع عنا البحث في موضوع " سابق التحديد " أو " القضاء والقدر " كما يدعوه البعض لأنه يفوق أدراك البشر ونستعيض عنه بفحص دواخلنا فحصا دقيقا مصلحين ما فسد منها.عارفين أن الله " سيجازى كل واحد حسب أعماله فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة متى جاء فى مجده مع الملائكة القديسين له المجد إلـــى الأبد آمين. القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
22 مارس 2025

النمو فى الحياة مع الله

مِنْ سِفر حزقيال النبِى إِصحاح 47 بركاته على جمِيعنا آمِين :[ ثُمَّ أَخْرَجَنِي مِنْ طَرِيقِ بَابِ الشِّمَالِ وَدَارَ بِي فِي الطَّرِيقِ مِنْ خَارِجٍ إِلَى البَابِ الخَارِجِيِّ مِنَ الطَّرِيقِ الّذِي يَتَّجِهُ نَحْوَ المْشْرِقِ وَإِذَا بِمِيَاهٍ جَارِيَةٍ مِنَ الجْانِبِ الأيْمَن وَعِنْدَ خُرُوجِ الرَّجُلِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْخَيْطُ بِيدِهِ قَاسَ ألْفَ ذِرَاعٍ وَعَبَّرَنِي فِي الْمِيَاهِ وَالْمِيَاهُ إِلَى الْكَعْبينِ ثُمَّ قَاسَ ألْفاً وَعَبَّرَنِي فِي الْمِيَاهِ وَالْمِيَاهُ إِلَى الرُّكبتينِ ثُمَّ قَاسَ ألفاً وَعَبَّرَنِي وَالْمِيَاهُ إِلَى الْحَقْوَيْنِ ثُمَّ قَاسَ ألفاً وَإِذَا بِنَهْرٍ لَمْ أسْتَطِعْ عُبُورَهُ لأِنَّ الْمِيَاهَ طَمَتْ مِيَاهَ ُسَبَاحَةٍ نَهْرٍ لاَ يُعْبرُ ] ( حز 47 : 2 – 5 ) ظهر ملاك لِحزقيال النبِى مِنْ الجانِب الأيمن لِلمذبح وَأخرجهُ مِنْ طرِيق جانِبِى نحو المشرِق فرأى مِياه جارية ، وَقاس الملاك ألف ذِراعٍ فوجد المِياه لِلقدمين ، ثُمّ قاس ألف ذِراعٍ أُخرى وَكانت المِياه لِلرُّكبتين ، ثُمّ ألف أُخرى وَالمِياه لِلحقوين ، ثُمّ ألف ذِراعٍ فوجد نهر لاَ يُعبر أىّ المِياه طمت فوق حزقيال صعب أنْ تتوّقف حياتنا مَعْ الله إِلَى حد مُعيّن وَنموِنا يتوّقف ، الحياة مَعْ الله ليست إِمتناع عَنْ سلبيات فقط لكِنْ يوجد جانِب مُهِم وَهُوَ الجانِب الإِيجابِى ، صعب أنْ تكُون حياتنا مُقاومة السلبيات فقط وَ لاَ نصِل لِلإِيجابيات ، بينما تقُول الوصيَّة [ حِدْ عَنِ الشَّرِّ وَأصنعِ الخيرأطْلُبِ السَّلاَمَةَ وَاسْعَ وَرَاءَهَا ] ( مز 34 : 14 ) ، أىّ مُقاومة سلبيات وَسعى لِلإِيجابيات المِياه كانت لِلكعبين ثُمَّ الرُّكبتين ثُمَّ الحقوين ثُمَّ نهر لاَ يُعبرُ أىّ مِلىء قامة المسِيح ،أىّ الحياة الرُّوحيَّة لاَ تعرِف التوّقُف وَ لاَ تعرِف حِدُود ، وَكُلّ إِنسان حسب سعيه وَنِعمة الله إِلَى ما لاَ نِهاية ،وَكُلّ ما ندخُل لِلعُمق نفرح بِهِ ندخُل لِعُمق أكبر وَهكذا ،لَوَ حياتنا مَعْ الله لاَ تنمو يكُون الوضع مُقلِق ، كطفل يأكُل وَيلعب وَلكِنْ لاَ ينمو 0 ضرورة النمو :- علامة صحِيحة وَصِحيَّة لِلحياة الرُّوحيَّة كالحياة الجسديَّة أنْ يكُون هُناك نمو ،وَإِذا لَمْ يكُنْ هُناك نمو إِذن يكُون هُناك مرض لابُد مِنْ عِلاجه وَمِحتاج أنْ أراجِع نَفْسِى وَأعرِف السبب لَوَ كُلّ النباتات تنمو نمو طبِيعِى ما عدا نبات واحِد وَنقّبنا حول هذا النبات سنجِد حولهُ خطرٍ ما يُعّطِل نموه ، هكذا الحياة الرُّوحيَّة نحنُ دائِماً نشتكِى أنَّنا إِمَّا نقِف عِند حدٍ ما أوْ ننزِل أىّ نتراجع ، عِلاقتنا مَعْ القُدّاس وَالصلاة وَالإِنجِيل وَعِلاقتنا بِالآخرِين ثابِته أين النمو ؟ هل نموِى الرُّوحِى يُواكِب نموِى الجسدِى ؟ عدم النمو فِى حد ذاته خطر وَمرض وَشيء مُخِيف ، حتَّى وَإِنْ كان لاَ يوجد شيء ملمُوس فِى حياتِى يتعِبنِى ، النمو عمل نِعمة الله وَهُوَ تدرِيجِى وَفِى البِداية يكُون غير ملحُوظ ثُمَّ نُلاحِظهُ بعد فترات النمو هُوَ دعوة إِنجِيليَّة وَعلامة صحيَّة وَعدم النمو مرض لاَ يُسكت عليه ، وَالله لَمْ يخلِقنا لِنصِل إِلَى حدٍ مُعيّن ثُمَّ نكتفِى لاَ الله خلقنا لِكى نكُون شُركاء مجده إِلَى كُلّ مِلىء الله ، معقُول هذِهِ الكلِمالت تُقال لِبشرٍ ؟ صعب لكِنْ الله بِالفِعل يقصِد أنّهُ يُرِيدنا أنْ نصِل إِلَى مِلىء قامتِهِ ، هذِهِ دعوة لِلكمال اللانِهائِى ، وَكُلّ ما أجتهِد أشعُر إِنِّى لَمْ أصِل بعد ، وَكُلّ عُمق يدفعنِى لِعُمقٍ أكبر ، وَكُلّ لذّة تدفعنِى إِلَى لذّة أكبر وَالّذى يحيا الكمال يشعُر أنّهُ مازال هُناك ما لاَ نِهاية حتَّى وَلَوَ صار الماء نهر لاَ يُعبرُ ، وَالّذى يحيا القداسة دائِماً يشعُر بِإِتضاع وَضآلِة نَفْسَ وَذلِك لأِنّهُ دخل لِعُمقٍ جدِيد ، فعرف مِلىء كمال الله ، لِذلِك نَفْسَه تصغُر فِى عينيهِ وَكُلّ ما الإِنسان سار فِى طرِيق بِر كُلّ ما شعر بِصِغر نَفْسَه ، لِذلِك نجِد قدِيسين عُظماء عاشوا نُسك وَطهارة وَصلوات لاَ تنقطِع ، وَنجِدهُمْ يشعرُون بِخطاياهُمْ أكثر مِنَّا ،لأِنّهُمْ دخلوا لِعُمق وَنهر لاَ يُعبرُ فشعروا أنّهُمْ أمام الله صِغار جِدّاً ، [ أسعى لِعلِّي أُدرِكُ ] ( فى 3 : 12 ) ، [أنسى ما هُوَ وراءُ وَأمتدُّ إِلَى ما هُوَ قُدّامُ ] ( فى 3 : 13 ) لِذلِك نُقاس بِمِلىء كمال الله فندخُل فِى معرِفة ذاتنا الحقيقيَّة أمام الله ، لِذلِك لمّا ننظُر لِلأنبا بولا نجِده ظلّ سبعِين سنة مُتوّحِد مَعْ الله ، تُرى هل لَمْ يشعُر بِملل أوْ بِإِكتفاء لاَ لأِنّهُ كُلّ ما ينمو كُلّ ما يجوع لِلكمال أكثر وَيشعُر بِلذّة أكبر وَيشعُر أنّهُ مازال فِى بِدايِة الطرِيق ، لأِنّ النَفْسَ الأمِينة يفتح لها الله أفاق جدِيدة لِلجِهاد ، بينما الّذى يقِف بعِيد عَنْ الله يشعُر أنّهُ وصل ، كُلّ ما إِجتهد الإِنسان كُلّ ما دخل فِى نِعم أكبر ، كُلّ ما فتح الله مجالات أكبر لِلجِهاد ، كُلّ ما تصغُر وَتتصاغر النَفْسَ أمام الله عِندما نقرأ [ إِنّ السَّماء غير طاهِره أمامه ] [وَإِلَى ملائِكتِهِ ينسِبُ حَمَاقَةً ]( أى 4 : 18 ) فكيف نكُون نحنُ أمامه ؟؟ لِذلِك كُلّ ما ندخُل فِى نمو جدِيد كُلّ ما نشعُر أنَّنا أمام الله أنَّنا غير مقبولِين وَنحتاج لِنقاء أكبر ، لِذلِك لاَ نستعجِب عِندما نقرأ فِى سِفر الرؤيا أنّهُمْ يطرحُون تِيجانهُمْ وَيصرخُون ، هذا مِنْ بهاء مجده فيشعرُون بِصِغرهِم أُدخُل فِى النِعمة تجِد أنَّك تسجُد بِالرُّوح وَتدخُل فِى تغّصُب وَحياة قوية ،لأِنّهُ يوجد عبُور جدِيد وَبِذرة تنمو فتدفعك لِلمزِيد مِنْ رعايتها ، الحياة الرُّوحيَّة كالنبات كُلّ ما ينمو كُلّ ما يفرح بِهِ الزارِع فِى العهد القدِيم كان لِلهيكل خمسة عشر درجة يصعدُون عليها وَهُمْ يتلون مزامِير المصاعِد ، كُلّ درجة يُقال بِها مزمور مُعيّن ،هكذا لِكى نصِل لِمُعاينة الله لنا درجات نصعدها بِتدرُّج وَ لاَ ننظُر على أىّ درجة نحنُ بل ننظُر كَمْ درجة تنتظِرنا ،[أنسى ما هُوَ وراءُ وَأمتدُّ إِلَى ما هُوَ قُدّامُ ] ( فى 3 : 13 ) ، هذا السُلم إِلَى الله لِتدرُّجنا وَالله يخاف علينا مِنْ القفزات لأِنَّنا لاَ نتحملها فنسقُط فِى الكبرياء كانت النَّاس قدِيماً تُقدِّس درجات الهيكل وَيقيِسُون بِها الزمن يُحسب بِوقُوع الظِل على أىّ درجة مِنهُمْ ، لِذلِك عِندما أطال الله عُمر حزقيا الملِك أعطاهُ علامة تراجُع الظِل عشر درجات مِنْ درجات الهيكل إِذن نموِى الرُّوحِى لابُد أنْ أجتازه بِأمانة درجة درجة ، وَ لاَ يلِيق أنْ أظِل على درجة مُعيّنة لِفترة طوِيلة ، الحياة الرُّوحيَّة ليس بِها توقُّف لأِنّ الله دعانا لِلنمو ، لأِنّ الطرِيق مُتسِع ، بحر مِنْ العطايا ، فيض ينابِيع ، لِذلِك الحياة مَعْ الله إِذا سِرنا فِيها نشعُر بِمجدها وَضآلِة أنفُسِناعِندما رأى إِشعياء النبِى مجد الله يملأ الهيكل وَالشاروبِيم وَالسيرافِيم يُسّبِحُون الله قال [ ويلٌ لِي لأِنِّي إِنسانٌ نجِسُ الشَّفَتينِ ] ( أش 6 : 5 ) ، لِذلِك المُتكّبِر لَمْ يدخُل بعد فِى طرِيق الله ، إِذا كان فِى ضآلِة نَفْسَه تكّبُر فكيف يكُون حالِة إِذا أعطاهُ الله عطايا ؟؟ دعوة صرِيحة مِنْ الله [ كونوا قدِيسين لأِنِّي أنا قُدُّوسٌ ] ( 1 بط 1 : 16 ) ،دعوه لِلإِمتلاء بِالرُّوح [أُركُضُوا لِكَىْ تنالُوا ] ( 1 كو 9 : 24 ) ، دعوه لِلقداسة ، لِذلِك لابُد أنْ تعرِف أنّ النِعمة تُوأزِرُنا وَالله يسير معنا ، لِذلِك لابُد مِنْ الإِستمرار فِى الطرِيق 0 مجالات النمو :- مجالات كثيرة جِدّاً مِنها : 1- مجال الصلاة :- هل لِى نمو فِى الصلاة ؟ هل وقُوفِى فِى حضرِة الله إِختلف كمَّاً وَنوعاً أم لاَ ؟ إِذا إِختلف نوعاً لابُد أنّهُ يختلِف كمّاً أيضاً ، لابُد أنْ نِرّكِز على نوعيَّة الصلاة وَالنمو فِيها وَستزِيد معها كميتها هل بدأنا نشعُر بِوجودنا فِى حضرِة الله وَنشعُر أنّهُ قادِر ضابِط الكُلّ مُعطِى جمِيع الّذين يتكِلُون عليه ما تشتهِيهِ الملائِكة ، هل نُكلِّم السيِّد المخُوف القُدُّوس بِوقارٍ وَحُب وَإِحترام ؟هل نشعُر أنّ كياننا كُلّهُ وَجسدنا وَعقلِنا مُتحِد بالله فِى الصلاة ؟ هل شعرنا بِحلاوِة الصلاة ؟ هل سنظِل طول حياتنا فِى تغصُّب ؟ هل سنظل على الشاطِىء وَالماء لِلكعبين فقط ؟ أثناء الصلاة هل إِستوقفتنا وَلَوَ كلِمة فِى المزمور ؟ يقُول القدِيسين إِذا إِستوقفتك كلِمة فِى مزمور أثناء الصلاة فإِعلم أنّ لَكَ فِيها كِنزاً ، لاَ تترُكها بل إِهذِ فِيها ، مُمكِنْ تكُون كلِمة تقولها كُلّ يوم لكِنْ يأتِى وقت وَتجِد نَفْسَكَ لاَ تستطِيع أنْ تترُكها ، قَدْ تكُون[ لَكَ وحدك أخطأت ] [ إِنضح علىَّ بِزوفاك فأطهُر ] ( المزمور الخمسُون ) وَتتلذّذ بِها وَتأخُذ مِنْ حلاوتها ما تشتهِى وَمِنْ قوّتها يقُول القدِيس أُوغسطِينوس [ حِينما يحزن المُرّنِم فِى المزمور إِحزن معهُ ، وَحِينما يفرح إِفرح معهُ ، وَحِينما يتنهّد تنهّد معهُ ، شكِّل رُوحك بِكلام المزمور إِلَى أنْ تصِير أنت نَفْسَكَ مزموراً ] ،تصِير أنت مزمور لأِنَّك تُشّكِل نَفْسَكَ بِهِ ، وَحتَّى إِنْ كُنت تسِير فِى أىّ مكان سيكُون لَكَ فِكرك الخاص لأِنَّك تعبُر مِنْ عُمق إِلَى عُمق ، وَلِتحذر فِى كُلّ عبُور أنّهُ ألف ذِراع وَليس عُبُور سهل ، وَأثناء الألف ذِراع يحدُث نمو لأِنّ نِهايتها تدخُل فِى عُبور آخر أىّ فِى ألف ذِراعٍ أُخرى إِذن كُلّ يوم نمو وَإِنْ كان غير ملحُوظ هادىء لأِنّ قامتنا الرُّوحيَّة لاَ تحتمِل الطفرات ، كما حدث مَعْ القدِيس مُوسى الأسود عِندما بدأ حياة التوبة أراد أنْ يأكُل مَعْ الشيُوخ وَلكِنّهُ لَمْ يحتمِل ، فذهب لأب إِعترافه فقال لهُ لابُد مِنْ تدرُّج وَقطع لهُ جِزع شجرة وَطلب مِنهُ أنْ يأكُل وزنها طعام كُلّ يوم ، وَبِالتدرُّج يوم وراء يوم بدأ الجِزع يجِف وَونهُ يقِل وَبِذلِك تدرّج مُوسى الأسود فِى طعامه وَفِى نموه نمو الصلاة وَمشاعِرنا فِى الصلاة وَمخافِة أجسادنا فِى الصلاة وَتقدِيسنا لها وَمحبِتنا لها وَكُلّ مجال مِنْ هذِهِ المجالات لابُد أنْ يحدُث فِيهِ نمو هل أنا أنمو ؟ هل لِى رُكن محبُوب فِى بيتِى أتقابل فِيهِ مَعْ الله ؟ 2- مجال المحبَّة:- هل أنا أنمو فِى المحبَّة أم مازالت محبتِى مُقتصِرة على ذاتِى وَمَنَ يُقدِم لها الخضُوع ؟ هل مازِلت أُحِب الّذين يُحِبوننِى فقط أم دخلت فِى درجِة محبِّة الجمِيع أم تعديتها لِدرجِة محبِّة الأعداء وَالمُسِيئين ؟ أم وصلت لِدرجِة مُباركِة الأعداء وَالمُسِيئين ؟؟ لأِنّ المحبَّة درجات ، فهل لِى نمو فِى محبّتِى ؟ هل لِى مجموعة مُميّزة فقط هى التَّى أُحِبُّها أم لِى إِستعداد أنْ أنفتِح على الجمِيع وَأُعطِيهُمْ محبَّة وَبذل ؟ [ وَإِنْ أحببتُمُ الّذين يُحِبُّونكُمْ فأىُّ فضلٍ لكُمْ ] ( لو 6 : 32 ) ،كُلّ ما ينمو الإِنسان فِى المحبَّة كُلّ ما يُخلِّصهُ الله مِنْ محبِّة ذاته وَمِنْ شروره ،الّذى يُحِب نَفْسَه فقط كلِمة واحِدة تُغضِبهُ ، المحبَّة لها نمو وَمقايِيس لِلنمو 0 3- مجال المعرِفة:- هل لِى نمو فِى المعرِفة ؟ المعرِفة تؤدِى إِلَى الله لأِنّ المعرِفة هى الله ، نحنُ نحيا لِمعرِفة الله [ قَدْ هَلِكَ شعبِي مِنْ عَدَمِ المعرِفةِ ] ( هو 4 : 6 )[ لأِنْ لَوْ عرفُوا لِمَا صلبُوا ربَّ المجدِ ] ( 1 كو 2 : 8 ) ، أحِب القِراءة وَالبحث وَالتنقِيب ، إِبتاع كُتُب تفاسِير وَتأمُّلات لِتُنّمِى معرِفتك فِى الإِنجِيل ، نحنُ فِى جِيل المعرِفة فِيهِ ضحلة جِدّاً ، هل لَكَ شغف بِمعرِفة الله لأِنَّك لَوَ عرفته ما أخطأت فِى حقِهِ سنظل طوال أعمارنا نتعرّف على الله ، بل فِى الأبديَّة كُلّها سنظل نتعرّف على الله[ وَهذِهِ هى الحيوةُ الأبديَّةُ أنْ يعرِفُوك أنت الإِلهَ الحقِيقِيَّ وحدكَ وَيسُوعَ المسِيحَ الّذي أرْسَلْتَهُ ] ( يو 17 : 3 ) ، الحياة الأبديَّة كُلّها لِكى نعرِفه ، لأِنّهُ توجد بعض المعرِفة الآن التَّى نستطِيع أنْ نتحّملها على قدرِ طاقتنا الضعِيفة ، اساسيات القُدّاس أساسيات العقِيدة أساسيات قانُون الإِيمان وَأساسيات تارِيخ الكنِيسة وَلَوَ بدأت المعرِفة تشغِلنا سنشعُر أنّ لِلوقت قيمة عالية جِدّاً ، بِالمعرِفة العقل ينمو ، وَالمعرِفة تنمو وَتتفتّح أمامك مجالات كبيرة لِلمعرِفة وَتشعُر أنَّك لاَ تعرِف شيء ،لاَ يكفِى أبداً أنْ تعرِف القشُور أحياناً بعد شرح الدرس لِلمخدومِين نشعُر أنّنا مُتساوِيين فِى المعرِفة معهُمْ لأِنَّنا ليس لنا إِستِفاضة فِى المعرِفة ،ركِّز وقتك لأمور البُنيان لأِنّ الوقت أثمن مِنْ أنْ تُضّيِعهُ ،إِرفع كِسر وقتك وَستجِد مِنهُمْ إثنى عشر قُفّة يُشبِعُوك لَوَ كُنت حازِم مَعْ نَفْسَكَ فِى أمر الوقت ستعرِف أنّ لَكَ إِحتياج لِنمو المعرِفة وَالفرح بِالله ، النَفْسَ التَّى تفرح بِالله يحدُث لها نمو داخِلَى ، فكيف يكُون خارِجها ؟ بالطبع نمو فِى الخِدمة وَالكلِمات وَالتأثِير وَأمانِة الخِدمة وَنتعلّم وَنتعامل مَعْ المخدومِين بِروح جدِيدة عِندما نعرِف الطرِيق نعرِف كيف نصِفه ؟ [ ذُوقُوا وَأنظُرُوا ما أطيب الرَّبَّ ]( مز 34 : 8 ) ،كُلّ ما الإِنسان ينمو فِى مجال رُوحِى كُلّ ما يتمنّى أنّ الّذين حوله يتمتّعُون مِثلهُ خِسارة أنّ الله يُعطِينا فِيض وَنحنُ نقِف على الشاطِىء ، الله يأمُر الكنِيسة بِالنمو وَيقُول أنَّها عمود الحقّ وَقاعِدتهُ ، وَهى تشهد لهُ وَهى عروسه وَإِقتناها بِدمِهِ لِيجِد كُلّ أولادها عيونهُمْ إِليه فيفِيض عليهُمْ عطايا وَهُمْ يُعطوه مجد وَهُوَ يُعطِيهُمْ بِر وَهُمْ يُعطوهُ خُضُوع وَهكذا ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمِين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس محرم بك الأسكندرية
المزيد
21 مارس 2025

مائة درس وعظة (٦٨)

كيف ندرس الكتاب المقدس؟ "طوبي للذي يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها،لأن الوقت قريب" (رؤ٣:١) نتعامل مع الإنجيل على النحو التالي أولا بالروح هناك شخص يتعامل مع الإنجيل بعقله فقط وهذا الأمر غير سليم، لأن الله روح وهو الذي حث التلاميذ على كتابة الأسفار المقدسة لذلك لا يمكن أن تتمكن من فهم الكتاب إلا بالروح تحكى كتب الآباء من راهب كان مقصراً في واجباته وقوانينه الروحية وعندما حان وقت نياحته اجتمع حوله الأباء كما هو متبع في البرية، وتعجب الآباء أنهم وجدوا هذا الراهب فرحاً جداً رغم ما يعرفوه عنه من تقصير في حياته فسأله أحد الآباء عن سر هذا الفرح، فقال لاني ساخل السماء فتعجي الاب وساله كيف هذا فقال إنى منذ أن دخلت الرهبنة لم ادن أحداً. وعندما أراد الملاك محاسبتي قلت له الكتاب يقول "لا تدينوا لكي لا تدانوا" ( مت١:٧) وأنا لم أدن أحداً منذ أن دخلت الدير وهنا توقف الملاك عن حسابي بسبب هذه الكلمات الأربع. ثانيا : بخشوع اقرأ وادرس الإنجيل، بخشوع فلا يصح أن تقرأ الكتاب، وانت منشغل بسماع شيء آخر سأو تقوم بعمل شيء آخر أو تأكل أو تشرب مثلاً او .. الخ بل يجب أن تقرأ الإنجيل بالوقار اللائق به.قبل قراءة الإنجيل في الكنيسة، يقول الشماس قفوا بخوف ورعدة، وأنصتوا لسماع الإنجيل المقدس فالكنيسة تلزمنا أنه في وقت قراءة الإنجيل لا يتحرك شخص من مكانه مهما كان الأمر احيانا البعض لا يعطى الوقار الكافي لكلمة الله لابد من التفريق والتمييز بين كلام الناس وكلام الله. وقديماً كانوا عند نسخ الأسفار المقدسة عندما تأتي كلمة "الله" يترك من يقوم بالنسخ الكتابة ويذهب للاستحمام ثم يعود لكتابة كلمة "الله" بقلم جديد. وكان يقوم بهذا العمل مع كل مرة تتكرر فيها كلمة"الله" نلاحظ أنه في أثناء قراءة الإنجيل في وجود قداسة البابا، نجد أن البابا يقوم بخلع التاج من على راسه كنوع من الاحترام والوقار، لأن الله يتكلم فالله يكون حاضرا في كلمته ثالثا: بالصلاة ينبغي أن نقرأ الكتاب المقدس بروح الصلاة، فلا يمكن الدخول إلى الانجيل إلا من خلال الصلاة فمثلاً في القداس الإلهي فقبل الدخول إلى عمق صلوات القداس نقرا البولس والكاثوليكون والابركسيس والإنجيل، ثم نبدا القداس . لا يمكن أن تفهم أو تعي أو تستوعب أو تعرف كلمة ربنا، إلا إذا دخلتها من خلال روح الصلاة وداود التي يقول "اكشف عن عيني فأري عجائب من شریعتك" (مز ۱۸:۱۱۹) ما أجمل أن تقف للصلاة قبل أن تقرأ الكتاب ولو لدقائق وتقول كما قال داود النبي يارب أعطى عقلاً يفهم، وقلبا يستوعب ما اقرأه، واكشف عن عینی فأری عجائب من شريعتك. رابعا بالانضاع يوجد نوعان من البشر نوع يرى أن عقله يفهم أكثر من الله، ومن هؤلاء يخرج الهراطقة. أما النوع الثاني فيري أن كلمة الله أعلى وأعمق من أن يستوعبها عقله، وهذا هو الاتضاع قد تظهر أمامنا في بعض الأحيان أمور غامضة، ولا تستطيع استيعابها في هذه الحالة يجب الا نفسرها حسب فكرنا الخاص، وكما يقول الكتاب "لانك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للأطفال" (لو ۲۱:۱۰-۲۸)، فلا يجب أن تتحدى كلمة الله بل تكون في قمة الاتضاع. خامساً بالتطبيق قراءة كلمة الله ليست للتحضير وللمعرفة فقط لكن للفائدة الشخصية، بمعنى لفائدة الشخص ومعرفته، فما أجمل أن تكون للشخص حصيلة كبيرة من الكتاب المقدس ويطبقها في حياته. قداسة البابا تواضروس الثانى عن كتاب صفحات كتابية
المزيد
20 مارس 2025

بدعة ستورنينوس

من الذين ظهروا في عصر الرسل أيضاً هو ستورنينوس الذي علّم في أنطاكية في عهد تريانوس الامبراطور (98-117) فصادف نجاحاً ملموساً. وقال بإله واحد أب خلق القوى والملائكة ورؤساهم. وأن سبعة من هؤلاء الملائكة كوّنوا العالم المنظور ثم قُدّر لهم أن يرمقوا الإله الأعلى بالرؤيا فخلقوا الإنسان على صورة هذا الإله ولكنهم جعلوه يزحف. فشمله الإله الأعلى بعطفه وحنانه لأنه كان على مثاله فأمر أن ينصب فيمشي على قدميه -الإنسان-. ومما يعزى إليه أيضاً أنه جعل إله اليهود أحد هؤلاء الملائكة وجعل الباقين مصدر وحي الأنبياء وأشرك الشيطان في هذا الوحي في بعض الأحيان. وجعل الملائكة السبعة في نزاع متواصل مع الإله الأعلى كما جعل هذه الإله يفصل عن نفسه مخلصاً ليقضي على هؤلاء الملائكة ويخلص الإنسان وأولئك البشر الذين أسعدهم الحظ بأن ينالوا من الإله الأعلى نعمة تمكنهم من الخلاص. والمخلّص في عُرْف ستورنينوس لم يولد ولادة بشرية ولم يكن له جسم بشري وعلّم أيضاً أن الزواج والتوالد من إعمال الشيطان وفرض عفة وزهداً شديداً ولم يدّعِ الألوهية ولهذا لاقى رواجاً في أنطاكية حيث علّم.
المزيد
19 مارس 2025

لست أريد شيئاً من العالم

هذا هو أول شيء يجب أن يقوله الإنسان الذي يحب أن يصل إلى انطلاق الروح: لست أريد شيئًا من العالم، فليس في العالم شيء أشتهيه، أنها تجارب تحارب المبتدئين. لست أريد شيئًا من العالم، لأن العالم أفقر من أن يعطيني لو كان الذي أريده في العالم، لانقلبت هذه الأرض سماءً، ولكنها ما تزال أرضًا كما أرى، ليس في العالم إلا المادة والماديات، وأنا أبحث عن السماويات، عن الروح، عن الله. لست أريد شيئًا من العالم، فأنا لست من العالم، لست ترابًا كما يظنون، بل أنا نفخة إلهية، كنت عند الله منذ البدء، ثم وضعني الله في التراب، وسأترك هذا التراب بعد حين وأرجع إلى الله لست أريد من هذا التراب شيئًا، من عند الآب خرجت وأتيت إلى العالم، وأيضًا أترك العالم وأرجع إلى الآب. لست أريد شيئًا من العالم، لأن كل ما أريده هو التخلص من العالم أريد أن أنطلق منه، من الجسد، من التراب! وأرجع -كما كنت- إلى الله، نفخة قدسية لم تتدنّس من العالم بشيء. لست أريد شيئًا من العالم، لأني أبحث عن الباقيات بل الخالدات، وليس في العالم شيء يبقى إلي الأبد، كل ما فيه إلى فناء، والعالم نفسه سيفنى ويبيد وأنا لست أبحث عن فناء. لست أريد شيئًا من العالم، لأن هناك من أطلب منه هناك الغني القوي الذي وجدت فيه كفايتي ولم يعوزني شيء إنه يعطيني قبل أن أطلب منه، يعطيني النافع الصالح لي ومنذ وضعت نفسي في يده لم أعد أطلب من العالم شيئًا. لست أريد شيئًا من العالم، لأن العالم لا يعطيني لفائدتي وإنما يعطي ليستعبد والذين أخذوا من العالم صاروا عبيدًا له. يعطيهم لذة الجسد، ويأخذ منهم طهارة الروح يعطيهم متعة الدنيا، ويأخذ منهم بركة الملكوت ويعطيهم ممالك الأرض كلها ليخرّوا ويسجدوا له ويعطيهم كل ما عنده لكي يخسروا نفوسهم أما أنا فقد خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح ( في 8:3 ) وهذا العالم الذي يأخذ أكثر وأفضل مما يعطي، هذا العالم الذي يستعبد مريديه، لست أريد منه شيئًا. لست أريد شيئًا من العالم لأنني أرقى من العالم إنني أبن الله صورته ومثاله إنني هيكل للروح القدس ومنزل لله. إنني الكائن الوحيد الذي يتناول جسد الله ودمه أنني أرقى من العالم، وأجدر بالعالم أن يطلب مني فأعطيه، أنا الذي أُعطيت مفاتيح السماوات والأرض وأنا الذي شاء الله في محبته وتواضعه أن يجعلني نوراُ للعالم وملحًا لأرض ( مت 5). لست أريد من العالم لأنني أريد أن أحيا كآبائي، الذين لم تكن الأرض مستحقة أن يدوسوها بأقدامهم هكذا عاشوا، لم يأخذوا من العالم شيئًا بل على العكس كانوا بركة للعالم من أجل صلواتهم أنزل الله الماء على الأرض، ومن أجلهم أبقى الله على العالم حياة حتى اليوم. لست أريد شيئًا من العالم لأن الخطية قد دخلت إلى العالم فأفسدته في البدء نظر الله إلى كل شيء فرأى أنه حسن جدًا إذ لم تكن الخطية دخلت بعد، حتى التنين العظيم في البحر باركه الرب ليثمر ويكثر، أمّا الآن وقد تشوهت الصورة البديعة التي رسمها الله في الكون فقد مجت نفسي العالم، ولم أعد اشتهي فيه شيئًا،هذا العالم الذي أحب الظلمة أكثر من النور. لست أريد شيئًا من العالم، لأني أريدك أنت وحدك،أنت الذي أحببتني حتى المنتهى، وبذلت ذاتك عني أنت الذي كوّنتني إذ لم أكن، ولم تكن محتاجًا إلى عبوديتي بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك أريد أن أنطلق من العالم وأتحد بك، أنت الذي أعطيتني علم معرفتك. مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
المزيد
18 مارس 2025

يوم الثلاثاء من الأسبوع الرابع (لو ٩ : ٥٧ - ٦٢)

وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي» . قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْ كَارٌ ، وَأَمَّا ابْنُ الْإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأَسَهُ». وَقَالَ لَآخَرَ : «اتَّبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللَّهِ». وَقَالَ آخَرُ أَيْضاً: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلَكِنِ الْذَنْ لِي أَوَّلاً أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاتِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللَّهِ ] . تبعية المسيح إنجيل هذا القداس هو عن الدعوة لاتباع الرب، هذا الإنجيل يخصنا في الصميم. أعطانا فيه المسيح ٣ أمثلة، تبلورها في البداية لكي تكونوا على وعي بها، وكلها واقعة تحت الخداع الأول شخص واقع تحت خداع المظاهر، الثاني: شخص واقع تحت خداع المجاملات، الثالث: واقع تحت خداع العواطف. الشخص الأول: «يا سيد أتبعك أينما تمضي». المنظر يبدأ هكذا كانت الرفقة تسير مع يسوع ملتفين حوله في سعادة غامرة، يسألون يسوع وهو يجيبهم بأحاديثه التي لا يمكن أن يجاريها حديث قيل عنها: إنه «ليس كالكتبة والفريسيين»، وإنه « لم يتكلم قط إنسان مثل هذا الإنسان». هذا الكاتب أخذ بالجماعة السائرة التي تتحدث بفرح وسعادة عن ملكوت الله، فكر في نفسه: لماذا لا يتبع ذلك المعلم كفاه قوانين الناموس وتعقيدات التلمود. لم يدر هذا الكاتب أن هذا الفرح والسرور وهذه البهجة ثمرة نباتها مر علقم، نباتها اسمه الضيقة. وبدون الضيقة لا يمكن لإنسان أن يذوق فرح ولا بهجة سماوية انخدع الكاتب بالمظهر الخارجي لأنه وجد أن كلام المسيح شهي، حياة تبدو أنها جميلة جداً، لم يكن يعلم ما وراءها، لم يعمل حساب النفقة طبعاً الذي تغره المظاهر من المستحيل أن يسأل عن الأتعاب التي وراءها. هذا المعلم الذي تريد أن تتبعه أيها الكاتب وراءه صليب يُحمل من دون الصليب لا يمكن أن يكون هو معلم صح، ولا أنت تلميذ صح كان رد المسيح لهذا الشخص، كما لكل إنسان: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، أما ابن الإنسان فليس له أن يسند رأسه». لم يقصد المسيح أن ييس هذا الكاتب، ولكن أن يُوَعيه، فإن كان هو يطلب حقاً الفرح الحقيقي الذي يدوم معه، لابد عليه أن يُفرِّط، لابد أن يترك الأرض التي هو ممسوك بها والمواريث التي تقيده وكل ما يتعلق بالماضي والحنين إليه قال له المسيح: أنا ليس لي مكان أستريح فيه على الأرض، مكان راحتي هو في قلب الآب؛ فإن كنت تراني فقط كإنسان يستطيع أن يعطيك ما تطلبه وما ترتاح له، فأنت مخطئ. أما إن كنت تستطيع أن تبقى كالثعالب وكالطيور، لا يكون لك جحر يأويك وعش ترجع إليه، تكون كطائر سماوي، هنا فقط تقدر تتبعني.المسيح هنا يضع الحد الفاصل بين أهداف مربوطة بالأرض وأهداف مربوطة بالسماء. الله قال لإبراهيم: اخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك. دعاه ليخرج من وطنه الأكبر أي أرضه، ومن وطنه المتوسط أي عشيرته، ثم يخرج من وطنه الأصغر أي بيته. هذه هي الأشياء التي تحجبه عن الله، التي تمنعه من الاستمرار في المسيرة السماوية. قال له اترك كل هؤلاء! أطاع إبراهيم. ولكن كيف استطاع إبراهيم أن يطيع، على أي أساس، ونحن نقول إنَّ الغريزة تتملك في الإنسان مثل هذا التملك؟! اسمع أعجب ما في الإنسان إنه يحوز غريزة أقوى، غريزة الخلود، غريزة الحياة الأبدية. هذه الغريزة هي الأفضل وهي الأقوى، إذا صحيت في الإنسان تخمد الغريزة الجسدية، لا يعود لها وجود. لذلك سمع إبراهيم الصوت وأطاع، لأن صوت الله أحيا فيه الحنين إلى ما فوق. الشخص الثاني هنا الرب هو الذي يدعو : وقال لآخر اتبعني. فقال يا سيد الذن أولاً أن أمضي وأدفن أبي كلمة: أولاً، أتعبت المسيح جداً، المسيح لا يلقي الدعوة جزافاً، إنه يدعو إنساناً وجده مستحقاً وجديراً بالدعوة، إلا أنه أحس بأن هناك ربط تكبله بالأرض ولا تجعله قط قادراً أو مهياً لملكوت الله فانتهز له فرصة أو بالحري مأزق ومحك شديد، دعاه لحظة وفاة أبيه وهو ما يزال بعد في البيت لم يُدفن. هذا الإنسان كان . مربوطاً بالأصول والواجبات، دعاه المسيح وهو في أحرج المواقف، ولكن كان قصد المسيح أن يحرره إلى الأبد من ربط المجاملات التي كانت كفيلة بأن تطمس معالم الحياة الأبدية من قلبه إلى الأبد. هذا الموقف نجح فيه أنطونيوس، ترك أباه، وانطلق. الشخص الثالث: أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لي أولاً أن أودع أهل بيتي». هذا هو الشخص المربوط بالعواطف والمجاملات، المسيح استطاع أن يفكه منها. في الحقيقة إن الذي يحب أهل بيته أكثر من الله إنما هو يهين الله، والذي يحب العالم يكون عدواً لله . «محبة العالم عداوة لله». لذلك حقاً قال المسيح: «أعداء الإنسان أهل بيته». قصة بنت يفتاح في العهد القديم، التي أمر أبوها بتقديمها ذبيحة، فقالت له: أعطني مهلة 3 شهور أبكي فيها عذراويتي، ثم اذبحني بعدها. وكأني بهذا الرجل يريد أن يبكي عذراويته يبكي موته. يذهب إلى الحياة ليبكي موته! هنا معكوسة. المسيح لا يدعو إلى الموت، إنه يدعو إلى الحياة. هل الشخص المدعو للحياة يذهب ليودع الموت والموتى!! مشورة الجسد مسمومة هذا الشخص يريد أن يعود للجسد ليتلقى قبلة الأم، فتكون سهماً في قلبه لا يعرف أن يتخلص منه للأبد. كان رد المسيحعليه أشد الردود جميعاً، وأكثرها قطعاً ومنعاً: «ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله». المحراث هو الإنجيل، والذي يحرث لابد عليه أن ينظر لفوق حتى تخرج الخطوط مستقيمة. أن ننظر للوراء معناه أن المحراث سوف يفلت منا، معناه حرث معوج، معناه إهانة لله الله وضع للإنسان بعدين: بعد للأمام للملكوت، وبعد خلفي للبيت ولأهل البيت. فإذا سرت صح من أول خطوة في الطريق؛ ستأخذ قوة للترك وللاندفاع إلى الأمام، وتكون مثل بولس: «أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام». يا تيموثاوس: امسك بالحياة الأبدية التي إليها دعيت». المتنيح القمص متى المسكين
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل