المقالات

10 يناير 2025

الميلاد واستجابة الإنسان

أهنئكم أيها الأحباء بالعام اﻟﻤيلادي اﻟﺠديد، وعيد ميلاد السيد اﻟﻤسيح اﻟﺬي أﺗﻰ متجسدًا من أجل خلاص ﻛﻞ البشر لقد كانت الشعوب في عصور العھد القدیم ترفع الصلوات والطلبات من أجل مجيء المخلص، وكان الله یستجیب بإرسال الأنبیاء والأبرار والصدیقین،لكي ما یقودوا الناس في تلك العصور القدیمة،وكانت استجابة الله للطلبات والصلوات سبب فرح للإنسان. وتعلَّم الإنسان أن یختم دائمًا صلواته بكلمة "آمین"، وھي الكلمة المشھورة في جمیع لغات العالم التي تعني "استجب یا رب" وعلى الجانب الآخر، كان الله یطلب من الإنسان أن یستمع وأن یستجیب لوصایاه، ولذلك نرى ھذه الكلمات تتكرر بین أسفار الكتاب المقدس: "مَنْ لَه أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْیَسْمَعْ" (مت ۱۱: 15, مر٤ :9, لو 8:8, رؤ ۳ : ٦) ، وتتحدث عن الأذن التي تُمثِّل جھاز السمع والإصغاء لدى الإنسان وبھا یستمع لكل ما یقال حوله، فھي بمثابة جھاز استقبال ولا نتحدث عن ھذا العضو الصغیر الموجود في رأس الإنسان فقط، إنما أیضًا الأذن الداخلیة للإنسان، وتتمثل في قلبه، فكل الأحادیث والآراء التي حولنا تدخل ھذا الجھاز وتُترجم قلبیًا، ولنا بعد ذلك الاختیار والحریة لقبول ما نسمع أو رفضه أوالاستجابة له حسب ما یقرر قلبنا وعقلنا وحكمتنا ھل لاحظت أن كلمة "قلب" بالإنجلیزیة وتعني heart تحوي داخلھا كلمة ear أي "الأذن"، لذا دائمًا ما نجد ارتباط بین الأذن والاستجابة بقلب الإنسان، فما یسمعه بأذنه یترجمه قلبه، وتكون الاستجابة بحسب ھذه الترجمة وإذا انطلقنا في رحلة الإنسان على مدار أیام حیاته على الأرض، نجده یقابل الكثیر من المواقف التي تحتاج منه إلى قرارات، بدایة من أصدقاء الطفولة،نوع الألعاب، ما یفضله من أنواع الطعام، إلى اختیاراته للدراسة والعمل والارتباط وغیرھا من القرارات الكثیرة والیومیة، وبحسب استجابته للمواقف تسیر أیامه، وبحسب اختیاراته یرسم حیاته،وھكذا صار على مر الزمان نرى في الأیام الأولى للحیاة على الأرض كیف استجابت حواء لنداء الحیة، وبعد الحدیث معھا أذعنت لطلبھا، وھكذا أیضًا امتثل آدم لطلب حواء أن یأكل الثمرة، وبحسب خضوعھما للحیة واختیارھما لسماع كلماتھا، سارت حیاتھما، فطُردا من الفردوس بعد أن كسرا وصیة الله كذلك نتذكر كیف كان نوح البار ینادي للجمیع أن یتوبوا وینضموا معه إلى الفلك، لكنھم رفضوا بسبب قساوة قلوبھم، بل تھكموا على من یبني مركبًا على سفوح الجبال، وھكذا ھلكوا بالطوفان، وھناك أحداث كثیرة على مرالعصور توضح اختلاف استجابة الإنسان بحسب رؤیته للمواقف ونحن نؤمن أن الله یستجیب، فقد قال بوعد: "ادْعُنِي فِي یَوْمِ الضِّیقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي" (مز ٥۰ : ۱٥ )، فھو یرید الاستجابة لنا، لكن استجابته تتغیر بحسب الزمان والمكان والطلب، وأیضًا بحسب قلب السائل، إن كان یطلب بإیمان، أو یطلب كما لقوم عادة، فقد طلب أبونا إبراھیم من الله ابنًا له، ولم یمل من الطلب، فأعطاه الله نسلاً بعد وصوله وزوجته إلى الشیخوخة، وقد قبل الله لصلاة یونان النبي بعد مكوثه في جوف الحوت ثلاثة أیام وثلاث لیالٍ، أیضًا استمع الله للقدیس سمعان الخراز في نقل جبل المقطم، وغیرھا الكثیر من الأمثلة. وفي احتفالنا بمیلاد السید المسیح له المجد، تظھر أمامنا مجموعات مختلفة من الاستجابات البشریة وھو ما أود أن أتأمله معكم الیوم: استجابة القلب المطیع: فتاة عذراء تجد ملاكًا یبشرھا بولادة ابن الله منھا ویقول لھا: "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ یَحِلُّ عَلَیْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلكِ، فَلِذلِكَ أَیْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ یُدْعَى ابْنَ للهِ" (لو ۱ : ۳٥ )، وبكل الطاعة تجیب: "ھُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ لِیَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو۱: ۳۸ )، وتستجیب لبشارة الملاك، وتستعد لاستقبال ابن الله داخلھا مع أن مریم فتاة صغیرة، لكنھا تعلمت كیف تطیع الله، وتؤمن بكلماته، وتعمل كل ما یطلبه منھا ومن اتضاعھا الجمیل عندما تعلم أن نسیبتھا ألیصابات العاقر حبلى تذھب مریم عبر الجبال لتخدم ألیصابات في حملھا بیوحنا المعمدان،وتقدِّم مثال التواضع للكل، لذلك نطوبھا ونمجدھا لأنھا صاحبة استجابة قویة ونخصص لھا شھرًا كاملاً ھو شھر كیھك نقدِّم فیه الصلوات والتسبیحات ونطلب شفاعتھا أمام المسیح إلھنا. استجابة القلب النقي: رعاة ساھرین في جو بارد، وھواء الشتاء الرطب، یرعون خرافھم باجتھاد في السھول والودیان، وفجأة تنیر السماء بملاك الرب یبشرھم قائلاً: "أَنَّه وُلِدَ لَكُمُ الْیَوْمَ فِي مَدِینَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ ھُوَ الْمَسِیحُ الرَّبُّ" (لو ۲: ۱۱ )، ویدلھم على مكانه، ثم یظھر جمھور من الجند السماوي مسبحین الله قائلین: "الْمَجْدُ ﻟﻠﮫِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو ۲: ۱٤ )، "قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُھُمْ لِبَعْضٍ لِنَذْھَبِ الآنَ إِلَى بَیْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ ھذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِه الرَّبُّ فَجَاءُوا مُسْرِعِینَ، وَوَجَدُوا مَرْیَمَ وَیُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ" (لو ۲: 15 -۱٦ )، ففرحوا بالعطیة الإلھیة، واستجابوا لنداء الملائكة "ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَھُمْ یُمَجِّدُونَ اللهَ وَیُسَبِّحُونَه عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِیلَ لَھُمْ" (لو ۲: 20). استجابة القلب الواسع: بیت لحم، القریة الصغیرة، كانت تعاني من ازدحام شدید بسبب الاكتتاب خلال ھذه الفترة، فقد رجع كل إنسان إلى مكان میلاده لیكتب اسمه في السجلات، لیتم عد الشعب بأمر أوغسطس قیصر، فكان الازدحام شدیدًاولا یوجد مكان لإنسان، وكانت البلاد في ذلك الزمان عبارة عن مساكن للبشر ومساكن للحیوانات،ولم یجد یوسف النجار مكانًا یذھب إلیه مع مریم العذراء خطیبته ویبیتوا فیه، حتى عرض علیھم صاحب بیت، لا نعرف اسمه، أن یستقبلھم، لكن ولضعف إمكانیاته، في مذود البقر، وھكذا استقبل أھل بیت لحم المولود في قریتھم، فتباركت ھذه البلدة من الله بسبب استقبالھا للطفل یسوع. استجابة القلب المتلھف أو المشتاق: أناس علماء یدرسون الفلك والنجوم، رأوا سماءً ملیئة بالنجوم ولكن بینھم نجم خاص، فتركوا كل شئ وذھبوا وراء النجم، لم یعلموا إلى أین یقودھم، وقد تطول فترة سفرھم بالشھور، لكنھم لم یفكروا كیف یسیرون،لأنھم یثقوا أن ھناك حدث عظیم ویجب أن یسیروا وراءه، واختاروا المسیر، ووصلوا إلیه بعد تتبع النجم، وفي مقابلتھم للطفل یسوع قدَّموا أثمن الھدایا،واثقین أنه لیس طفلاً عادیًا حتى لو مولود في مذود متواضع بسیط، وبعد مقابلتھم له غیروا طریق عودتھم لأنھم آمنوا أنه ملك بقلوبھم لا بعیونھم. استجابة القلب الشریر: إنه مَلك خاف على مُلكه حین سمع من المجوس أن النجم الظاھر ھو لملك عظیم، قتل الآلاف من الأطفال حتى یستمر مُلك ھیرودس ولا یزعزعه أي قادم، وغضب من المجوس بسبب عدم عودتھم له، وعدم إخباره بمكان المولود، لم یفكر سوى بنفسه ومملكته وسلطته. وھكذا ومواقف كثیرة أخرى في حادثة المیلاد تظھر التباین بین الاستجابات بحسب القلوب، ومازالت الأصوات تعلو في العالم تنتظر استجابة: صوت الله یطرق على كل قلب، لیختار الإنسان أن یفتح لیدخل الله ویقیم في قلبه، أو یغلق ولا یسمح ﻟﻠﮫ بالدخول. صوت الوصیة الإلھیة، لیستجیب الإنسان لھا أو أن یكسرھا بإرادته ویفعل ما یحلو له في العالم،ویسیر في طریق الإلحاد وخطایا المثلیة والإدمان بكل أنواعه وغیرھا الكثیر. صوت الإنسانیة الصارخة، ونحن جمیعًا نسمعھا الآن، من خلال الحروب التي انتشرت حولنا، ورد فعل العالم لھا، وكیفیة استجابة الشعوب لھذا الصراخ، تسمع وتستجیب أم تصم أذنیھا عن الأنین الخارج من الشعوب المحطمة في الحروب. لقد كانت فترة الصوم المیلادي فرصة لإصلاح الأذن الداخلیة في قلب الإنسان، لیستطیع الاستماع والاستجابة،ومكتوب: "یستجیب لك الرب في یوم شدتك" (مز ۲۰: ۱)، فإذا كانت القلوب نقیة فإنھا تعرف كیف تسمع وتستجیب، ولأن العالم یضج بالحروب والنزاعات فھو لا یستطیع أن یستمع للصوت الإلھي الصارخ من أجل الدمار والصغار والنساء والقتلى والمجروحین والأنین الخارج من النفوس المحطمة. وقد خصصت الكنیسة شھر كیھك كاملاً للصلاة من أجل إحلال السلام في العالم كله، لیحل السلام من ملك السلام المولود في النھایة ھذا الیوم ھو فرصة لكل إنسان أن یراجع استجاباته السید المسیح أتى لینیر الإنسانیة ویضيء قلوب البشریة، یطلب منا أن یحل السلام،فھل یستجیب العالم لندائه ؟ سؤال ینتظر إجابة من كل إنسان كل عام وأنتم بخیر. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
09 يناير 2025

رحمة الله الظاهرة للبشر في تجسد ابن الله للقدّيس يوحنا الذهبي الفم

يقول القديس بولس الرسول: "لأنّه هو سلامنا جعل الإثنين واحداً ونقض في جسده حائط السياج الحاجز أي العداوة" (افسس2: 14) الحق! إن المتجسد من العذراء نقض حائط السياج الحاجز، وصار الاثنان واحداً. تبدّد الظلام وأشرق النور وغدا العبيد أحراراً والأعداء بنين. زالت العداوة القديمة وساد السلام المرغوب من الملائكة والصِدّيقين منذ القديم، لأن الأمر المدهش قد تمّ، وهو أنّ ابن الله صار إنساناً، فتبعته الأشياء كلّها، المخلص يضع ذاته ليرفعنا، ولد بالجسد لتولد أنت بالروح. سمح للعبد أن يكون له أباً، ليكون السيد أباً لك أيها العبد. فلنفرح ونبتهج كلنا. لأن البطريرك "إبراهيم قد ابتهج ليرى فرأى وفرح" (يوحنا8: 56) فكم بالحري نحن الذين رأينا الرب في الأقمطة! لذلك، يجب علينا أن نسَّر ونبتهج بعظمة إحسانه إنه لأمر يستحق الانذهال. لقد ساد السلام لا لمبادرتنا إلى الرب نحن الذين أخطأنا إليه وكدرناه، بل لأن الساخط علينا نفسه قد شفق علينا. "فأسألكم من قبل المسيح أن تتصالحوا مع الله" (كورنثوس الثانية 5: 20) إذ خلق العلي بنعمته وحدها الانسان وأعطاه على الأرض أجمل مكان ليعيش فيه، ووهبه وحده العقل بين المخلوقات كلها، وسمح له برؤيته تعالى، والتلذذ بالحديث معه، ووعده بالخلود، وملأه بالنعم الروحية حتى أن الإنسان الأول تنبأ؛ ولكنه بعد هذه الخيرات كلها رأى العدو أجدر بالايمان ممن وهبه جميع ما ذكر، فاحتقر وصية الخالق وفضل من كان يعمل على هلاكه بكل الوسائط. ومع ذلك فما أباد الله الارض كما تقتضي العدالة، لما أظهر الإنسان من العقوق وعدم معرفة الجميل. بل صار يُعنى به أكثر من الأول، لأن الخطر اشتد كثيراً بعد استسلام جنسنا للإثم، وتعرضه للهلاك. ولكن الآب السماوي اهتم للخاطئ وحدثه كصديق مبيناً له خطر الهلاك المحدق به، ثم أعطاه الشريعة كمساعد له، وأرسل الأنبياء لتعلمه ما يجب عليه أن يفعل. "ثم أرسل له وريثه نفسه – أي ابنه – مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلاطية4: 4و5) لذلك نرى نبي الله متعجباً من حكمة الضابط الكل وصارخاً : "هذا هو إلهنا قد تراءى على الأرض وتردد بين البشر" (باروك 3: 38) ابن حقيقي لاب أزلي لا يعبر عنه ولا يدرك، اجتاز أحشاء بتولية، وتنازل ان يُولَد من عذراء، ولم يكفّ عن العمل والشروع بالأشياء حتى جاء بنا نحن الأعداء إلى الله، وصيّرنا اصدقاء له، فكان كمن يقف بين اثنين متقابلين باسطاً ذراعيه لهما ليوحدهما معاً. هكذا فعل ابن الله موحداً الطبيعة الإلهية مع البشرية، أي خاصته مع خاصتنا. هذه وفرة نعمة الرب. إن الذي غضب يسعى للسلام قاهراً المغتصب. قد يخلع الملك تاجه أحياناً ويلبس حلة جندي بسيطة حتى لا يعرفه أحد من أعدائه. أما السيد المسيح فقد جاء لابساً حلتنا حتى يُعرف، ولا يدع العدو يفر هارباً قبل القتال، ويدعو أتباعه إلى الاضطراب، إن غاية ابن الله هي الخلاص لا الإرهاب ربما تقول: لماذا لم تكمل هذه المصالحة بواسطة أحد الأرواح غير المتجسدة أو أحد البشر، بل بواسطة كلمة الله؟ فالجوابلأنه لو حصلنا على الخلاص بواسطة أحد الصديقين لما علمنا مقدار عظم اهتمام السيد بنا، ولما أصبح موضوعاً للإعجاب مدى الأجيال. فانه ليس بالأمر المدهش الفريد لو دخل مخلوق في الاتحاد مع مخلوق آخر؛ وبالتالي، لما قدر الإنسان أن يعمل عملاً إلهياً. وسرعان ما يسقط الأرضي، كما عمل اليهود، إذ حوّلوا خلاصهم المعطى لهم بواسطة موسى إلى شرور أشدّ من التي تحمّلوها في أرض مصر، وكادوا يؤلهون موسى بعد موته. إنهم أرادوا أن ينادوا به إلهاً، وهم يعلمون أنهم معه من طبيعة واحدة. وأخيراً لو أرسل ملكاً أو بشراً لاجل إنقاذنا من السقوط لما حصلنا على الخلاص ولا قدرنا أن نقترب من الذي حصلنا عليه الآن. ولو أن قوام خلاصنا حصل من طبيعة ملائكية أو بشرية فكيف يُعطى لنا أن نجلس عن يمين الآب السماوي ونصير أعلى من الملائكة ورؤساء الملائكة، ونستحق ذلك الشرف الذي تتمنى القوات العلوية الدخول في مجده. ولو حرم الجنس البشري من هذا النصيب المغبوط ألا يظهر عدونا القديم كبرياء أعظم من الاولى ويفكر بتهييج السماء ذاتها؟ فمن أجل هذه الاسباب وغيرها أخذ ابن الله الطبيعة البشرية وكمّل خلاص الجنس البشري كله وعليه إذا تصورنا عظمة تنازل الله فلنعطِ السيد الشرف الواجب، لأننا لا نقدر أن نكافئه إلا بخلاص نفوسنا، وبالاهتمام بالقريب. وليس من عيد أفضل من اهتمام المسيحي الحقيقي بالقريب، والاجتهاد بخلاصه. لأنّ المسيح لم يرضِ ذاته بل الكثيرين. هكذا يقول رسول المسيح: "غير طالب ما يوافقني بل ما يوافق الكثيرين لكي يخلصوا " (كورنثوس الاولى 10: 33). عن كتاب منهج الواعظ لأبيفانيوس مطران عكار، 1971
المزيد
08 يناير 2025

تساؤلات فى التجسد

التجسد الإلهي هو جوهر الحياة المسيحية إن فهمناه فهمنا عقيدتنا المسيحية بعد ولادة ربنا يسوع المسيح اضطرب هيرودس الملك وأمر بقتل أطفال بيت لحم من سِن سنتين فما دون كان يجب أن يكون الطفل يسوع وسطهم لكن الملاك ظهر ليوسف البار وقال له قم وخُذ الصبي وأمه واهرب إلى أرض مصر .. لو كان ربنا يسوع أتى ليموت ويفدينا كان يمكنه أن يموت وسط أطفال بيت لحم وانتهى الأمر .. فهل كان يليق أن يموت وسط أطفال بيت لحم أم لا ؟ ولماذا ؟لا يليق أن يموت المسيح وسط أطفال بيت لحم .. لماذا ؟ أولاً لكي تتحقق فيه النبوات . ثانياً لكي يمر بمراحل حياة الإنسان المختلفة لأنه لما تجسد أخذ طبيعتنا وجسدنا فيمر بمراحل حياتنا ويُقدسها كلها . ثالثاً لابد أن يفدينا عن طريق الصليب وليس بسيف هيرودس أيضاً كان لابد أن يعيش ويكون له أصدقاء وأحباء وعائلة وأعداء ويُبارك حياتنا ويعيش حياتنا بحيث أنه يأكل ويشرب ويحزن ويتألم ويفرح ويتضايق ويجوع ويئِن ويتهلل ويتعامل مع كل الفئات ويُبارك الحياة بكل ظروفها ويُبارك الطبع البشري كله ويُعلِّمنا كيف نسلك ونُحارب عدو الخير ويُصلب ويغلب الموت لذلك صار إنسان كواحد منا . لماذا لم يمُت وسط أطفال بيت لحم وينتهي الأمر أليس هو موت ؟ لا لكن لكي يحمل خطايانا ويأخذ لعنتنا ﴿ ملعون كل من عُلِّقَ على خشبة ﴾ ( غل 3 : 13) لأن موت يسوع كان له شروط هي :- 1. أن يكون موت إرادي ﴿ أسلم ذاته بإرادته وحده ﴾ كان يمكنه أن يهرب من البستان لكن عندما سأله الجنود " نريد يسوع الناصري " أجابهم " أنا هو " . 2. لابد أن يموت موت به إشهار وإعلان أي فضيحة فإن مات وسط أطفال بيت لحم ألـ 144000طفل كيف سنعرف يسوع وسط كل هؤلاء ؟ لكن بالصليب كل الناس عرفت أن يسوع قد مات . 3. لكي يجتاز به عقوبات من مختلف الأنواع لكي يُبررنا من خطايانا الكثيرة التي فعلناها كل هذا تعبير عن طبيعة الفداء الذي فدانا به . يقول معلمنا بولس الرسول في رسالته للعبرانيين ﴿ لأنه لاقَ بذاكَ الذي من أجلهِ الكل وبهِ الكل وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد ﴾ ( عب 2 : 10) فهل يليق بالله أن يصير إنسان ؟ الله هو جوهر إلهي لا يليق أن يكون إنسان لكن " لاقَ بذاكَ " هو لا يليق لكن لكي يُنقِذنا لاق به نعم قد نتعجب من الأمر لكن لأجل محبتهِ لاق به لأنه لا يليق أن ينظر الله الإنسان يموت وينتظر فداء الله ولا يتدخل الله لكن لكي يُكمِّل خلاصنا لاق به واشترك معنا في اللحم والدم هل يليق يا الله أن تأخذ شكل المحدود وأنت غير محدود تأخذ شكل الزمني وأنت غير زمني ؟ نعم من أجل الصلاح وحده﴿ لأنه صالح ومُحب البشر ﴾ عندما نتعجب من تصرفات يسوع وأفعاله قُل أنه صالح ومُحب البشر سواء جاع أو عطش أو نام أو بكى لأنه صالح ومُحب للبشر . إذا ذهب طفل مع والده إلى الكنيسة وأثناء مسيرة سقط الطفل في بِركِة ماء غير نظيف وكان يرتدي ملابس جديدة هل يتركه الأب ويسير أم ينادي من يُنقِذه أم ؟ بالطبع ينتشله بسرعة ولا يهتم بمظهره وملابسه لأنه إن لم ينتشله بسرعة يكون مُخطِئ في حق ابنه نعم لا يليق أن الله يتجسد لكن أيضاً لا يليق أن لا يفدينا . يقول الكتاب ﴿ لأجلهم أُقدِّس أنا ذاتي ﴾ ( يو 17 : 19) هل يحتاج يسوع للتقديس ؟ توجد قاعدة مهمة وهي أن يسوع كنائب عنا أخذ جسد بشريتنا لكي يُقدسه الجسد الذي فسد وانحرف وجمحت تيارات الشر بمقاصده كان لابد أن يُصلَح ويُحوِّل تيارات الشر التي فيه إلى تيارات بر من يفعل ذلك ؟ أبونا إبراهيم ؟ نعم هو بار لكنه كِذِب وموسى النبي ؟ أخطأ داود الملك ؟ نعم قلبه حسب قلب الله لكنه زنا وأخطأ وإذاً الجميع زاغوا وفسدوا ليس من يفعل الصلاح ليس ولا واحد ( رو 3 : 12) كل الزرع البشري ورث الفساد كيف يُصلِح الأمر ؟ أن المسيح أصلح البذرة في نفسه يُقدس ذاته أي يُقدسنا نحن فيه نحن جسده أي يُقدسنا نحن أي طبعِنا يتجدد ويتغير الجسد الذي ازدادت فيه حدة الشهوة لابد أن تُحد بتقديس الجسد عندما يأخذ ربنا يسوع هذا الجسد يُقدسه لم يكن مُمكناً أن الشهوات الطبيعية تكُف عنا إلاَّ إذا صار جسد مذلتنا جسد خاص بالابن الكلمة ليُبيد الشر داخلي ويسحقه ويجعل جسدي البشري الخاضع للفساد لا يفسد ولن يُباد الموت إلاّ بالحياة فورثنا جسده بالمعمودية ميلاد الفداء والخلاص الميلاد الفوقاني فيتقدس بها جسدنا ﴿ أُقدِّس أنا ذاتي ﴾ أي يُقدسنا فيه ويضبُط الحركات المغروسة في جسدنا لأن الخطية صارت في جسده مائتة ﴿ ليكونوا هم أيضاً مُقدسين في الحق ﴾ ( يو 17 : 19) لذلك يقول له ﴿ باركت طبيعتي فيك ﴾ هو نائب عنا وأعماله كلها تؤول إلينا . لذلك كل إيجابيات المسيح لم يعملها لنفسه بل لنا هو قادر أن يغلب عدو الخير على الجبل لكنه فَعَل ذلك لنا يغلِب الموت على الصليب ويصعد لنا كل أعماله الخلاصية لأجلنا لتنتقل لنا لذلك صرنا قائمين في المسيح ومن سكان السماء في المسيح فإن قال لك شخص أن معه في العمل زملاء مُتعبين ومُنحرفين وكارهين لنا أقول له اُنظر المسيح عاش كل هذا لأن حياته من أجلنا لذلك جسده نحن ورثناه في أمور كثيرة جداً نحن داخل جسده أعضاؤه لحم من لحمه وعظم من عِظامه ( تك 2 : 23 ) كيف نفهم أن يسوع يصوم أو يصلي ؟ ولمن يصلي ؟ ﴿ الذي في أيام جسدهِ إذ قدم بصُراخٍ شديدٍ ودموعٍ طِلباتٍ وتضرعات ﴾ ( عب 5 : 7 ) كيف نفهم ذلك عن الله ؟ كيف يصرخ ويطلب ويتضرع ؟كان يصلي لنفسه كيف ؟ وكيف يصلي إلى درجة البُكاء ؟ هل هو محتاج لذلك ؟ هذه صفة ناسوتية لنتعلم منه نحن كنا فيه ومادُمنا داخله إذاً الذي يفعله يفعله لأجلنا إن صلى نُصلي معه وإن صام نصوم معه وكأنه يقول العلاقة التي فسدت بين آدم والله أنا أتيت لأُصلِحها وكأني الجسد بينكم وبين الله جعل جسد بشريتهِ وسيلة تصالُح مع الله ولأن صلاته مقبولة لدى الآب صارت صلاتنا مقبولة فيه لدى الآب كذلك الصوم ولذلك لما نصلي نصلي باسم يسوع المسيح ولما نصوم نصوم باسم يسوع المسيح الكنيسة وضعت الصلاة الربانية كما هي في الكتاب المقدس وأضافت لها " بالمسيح يسوع ربنا " كأننا نقول صلاتنا مقبولة في اسمه ونقول له أنت وقفت وصليت اجعل صلاتي الآن لا أظهر فيها أنا بل اظهر فيها أنت وقَّع على صلاتي لتُعطيها قوة لذلك لما صلى علَّمنا كيف تُقبل صلاتنا لدى الآب باسمه لأن صلواتنا ضعيفة ومملؤة طياشة لكنها محمولة في قوة صلاة يسوع لله عندما صلى جعل لنا صِلة بالآب التي كانت قد قُطِعت من قبل لأن الابن الوحيد هو القادر أن يُصلِحها لأنه لا يليق بشخص عادي أن يُعيد علاقتنا بالآب لأنه مُخطِئ مثلنا لكن الابن هو الوحيد الذي له هذا السلطان فصرنا مقبولين فيه لذلك صلى بلسان إنسان وبجسدنا من أجلنا بدليل أنه كان يِعرَق ويقضي الليل كله في الصلاة لذلك صلاة يسوع هي لتُقبل صلاتنا من خلالها وكأنها فتحت لنا الباب المُغلق وصارت صلاتنا مقبولة لدى الآب من خلاله لذلك يقول مُعلمنا بولس الرسول ﴿ الذي في أيام جسدهِ إذ قدم بصُراخٍ شديدٍ ودموعٍ طِلباتٍ وتضرعات ﴾ كأنه يقول عندما نقدم صلاة من خلال حياة يسوع يسمع لها من أجل تقوى يسوع نفسه لأن أي تقوى خارجة عنه تقوى مُزيفة لذلك هو الذي جدد طبعنا فصار طبعِنا مقبول في صلاته ويسمع لها من أجل تقواه هو لذلك قال في صلاته الوداعية ﴿ أنا علمت أنك في كل حينٍ تسمع لي ﴾ ( يو 11 : 42 ) نحن أيضاً نقول له أنا علمت أنك تسمع لي كل حين في شخص يسوع أيضاً صام لأننا داخله فصُمنا معه وكأنه يقدم للآب صوم عنا ويقول له هذا الجسد البشري الذي فسد عن طريق الأكل يقدم لك صوم من جديد وأصلحته قال أنتم أولادي ترثوني ﴿ إن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً ﴾ ( رو 8 : 17) صومه كان لينزع عار البشر لأن آدم غُلِب بالأكل فقدم به علاج لذِلِّة آدم أفعال يسوع كانت هامة لأنها تمس خلاصنا ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
07 يناير 2025

لسقوط وقيام كثيرين

كانت نبوءة من سمعان الشيخ عن السيد المسيح إنه : " لسقوط وقيام كثيرين ولعلامة تقاوم " ( لو2 : 34 ) فمتي تحققت هذه النبوءة ؟ وهل كانت عن مناسبة الميلاد فقط ، أم امتدت إلى نهاية هذا الدهر ؟ كون مجئ المسيح لقيام كثرين ، هذا أمر معقول يقبله لكل ولكن عجيبة حقاً هي عبارة " لسقوط كثيرين " فكيف ذلك ؟ سنشرح كيف تمت هذه العبارة ، ولنضرب المثل الأول : إن كان المجوس قد فرحوا فرحاً عظيماً لما رأوا النجم الذي أرشدهم إلى مكان الرب ( مت1 : 10 ) ، فذهبوا وقدموا له هداياهم فإنه في نفس الوقت قيل عن هيرودس الملك إنه لما سمع عن ميلاد المسيح " اضطرب وجميع أورشليم معه " ( مت2 : 3 ) كان ميلاد المسيح سبب فرح للمجوس ، وسبب اضطرب ! أهو ملك حقاً ؟ وهل يوجد ملك غيري ؟! وكيف أتركه يملك ؟! إن هذا مستحيل . لذلك اضطرب وفكر أن يقتل المسيح !مسكين أنت يا هيرودس ! هل ظننت في جهلك أن السيد المسيح قد جاء لينافسك في ملكك ! حقاً إنه ملك الملوك ، ولكن مملكته ليست من هذا العالم ( يو18 : 36 ) هل أنت خائف منه لئلا يهو عرشك ويسلبك تاجك ؟ اطمئن إن لعبة التيجان تليق بالصغار أمثالك يتلهون بها أما السيد المسيح فهو اسمي من التيجان واسمي من العروش السماء هي عرشه والأرض بما فيها عرشك ـ هي موطئ قدميه ( مت5 : 34 ) لقد جاء السيد المسيح من أجلك أيضاً ، ليحررك : يحررك من عبودية الذات ، ومن عبودية الشهوات، ويحررك من إغراء التيجان والعروش يجعل نفسك طليقة تعلو في السماء كالنسور تعلو مستوي التيجان والعروش والنياشين لو كان هيرودس يفكر في خلاص نفسه ، لفرح بمجئ المسيح وكان يمكنه أن يفرح أيضاً ، لو كان يهمه خلاص العالم ، أو على الأقل كان يفرح لأن النبوءات تحققت في عهده ولكنه كان أحد الذين سقطوا لأنه تمركز حول ذاته لذلك فكر أن يقتل المسيح أراد أن يقتل من بيده مفاتيح الحياة والموت ، الذي حياة هيرودس معلقة بمشيئته ولإرادة هيرودس لم تكن عن جهل ، بل عن معرفة ، بعد أن سأل الكهنة والكتبة وسمع النبوءة . وفي غضبه تحدى الله فهل أنت يأخى كهيرودس ـ تخاف أن يكون المسيح ملكاً ؟ فترفض أن يملك عليك ، لئلا يحطم اصناماً داخل ذاتك . وتري أن ملك المسيح هو صليب سوف تحمله ، يقف ضد رغباتك الخاطئة هل تخاف أن حريتك بدخول المسيح في حياتك . وتقول خير لي أن المسيح لا يوجد ، لكي أوجد أنا [ حسب منطق الوجوديين ] ؟! كان المسيح لقيام كثيرين كيوحنا المعمدان الذي قال : " ينبغي أن ذاك يزيذ وأني أنا أنقض " ( يو3 : 30 ) . وكان لسقوط كثيرين مثل هيرودس الذي انطبقت عليه عبارة : " من وجد نفسه يضيعها " ( مت10 : 39 ) كثيرون لا يفرحون بمجيء المسيح لأنهم غير مستعدين للقائه لو عرفوا أن المسيح قد جاء يخافون أن يكشفهم ، أو يضبطهم في خطية ، أو يحرمهم من مشغوليات تبهجهم ، وهم غير متفرغين له ! كذلك في المجيء الثاني سيكون المسيح لسقوط وقيام كثيرين ! سيفرح المؤمنين الحقيقيون بمجيء الرب ، إذ يأخذهم معه على السحاب في المجد ، ويكونون مع الرب كل حين بينا آخرون " يقولون للجبال غطينا ، وللتلال اسقطي علينا " ( رؤ6 : 16 ) لأنه " مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي " ( عب10 : 31 ) إنها ساعة يتقرر فيها المصير ، مثل عبور البحر الأحمر ، كان سبب خلاص أولاد الله ، وسبب هلاك فرعون وجنوده . من الذين سقطوا بمجيء المسيح ؟ لاشك أولهم الشيطان قال الرب عنه : " أبصرت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء " ( لو10 : 18 ) نعم إن كل ما فعله الشيطان ـ وما سيفعله ـ ضيعه الرب كله حينما قال على الصليب قد أكمل فصار تعب الشيطان باطلاً بالنسبة إلى المفديين . وختم الرب على هذا السقوط بقوله : " رئيس هذا العالم قد دين " ( يو16 : 11 ) . وعبارة سقوط كثيرين لا تعني الشيطان فقط بل كل جنده أيضاً ، إذ قد طرح الذي كان يضل العالم " وطرحت معه ملائكته " ( رؤ12 : 7 ـ 9 ) من الأعداء الكثرين الذين يسقطون : الإنسان العتيق إن الرب بتجسده وفدائه ، منح نعمة للمؤمنين ينالونها في المعمودية ، إذ يسقط الإنسان العتيق ، يموت ويدفن ( رو6 ) ؟ ويقوم إنسان آخر في " جدة الحياة " قد لبس المسيح ( غل3 : 27 ) حقاً في المعمودية سقوط وقيام كثرين . ومن الأمثلة الجميلة للسقوط القيام ، شاول وبولس : سقط شاول الطرسوسي الذي كان يضطهد الكنيسة ، يجر رجالاً ونساء إلى السجن ، وقام مكانه بولس الرسول الذي تعب في الكرازة أكثر من الجميع وصنع معجزات ، وأسس الكنائس ، وأرسل الرسائل ، ونال إكليل الشهادة . وسقط كهنة اليهود ، ليقوم كهنة على طقس ملكي صادق قال السيد المسيح في تغيير هؤلاء الوكلاء : " إن ملكوت الله ينزع منكم ، ويعطي لأمه تصنع ثماره " ( مت21 : 43 ) . وبالمثل فعل مع الناموسيين والصدوقيين ، وشهد العالم سقوط وقيام كثيرين . وقام كهنوت على طقس ملكي صادق . سقط المعلمون الكذبة وفي مقدمتهم الكتبة والفريسيون والشيوخ سقطت هيبتهم في أعين الناس ، وسقط تعليمهم ، وسقطت كبرياؤهم وافحمهم السيد المسيح في كل مناقشة ، وأثبت للكل فساد ما يفعلون به ورأي الناس أنه قد قام معلم عظيم " بهتوا من تعليمه " يعلمهم بسلطان وليس كالكتبة . وأخيراً تحطم الكتبة والفريسيون بقول السيد لهم في ( مت23 ) : " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون " حيث شرح في تفصيل شديد كل أخطائهم وانتهوا من تاريخ اليهود ، ليقوم مكانها معلمون آخرون اختارهم الرب . وفي سقوط كثرين نذكر أيضاً الوثنية بكل رجالها كل فلسفاتها قد سقطوا ، سواء مدرسة الإسكندرية الوثنينة التي سقطت بقيام مدرسة الإسكندرية اللاهوتية التي أقامها مارمرقس . أو مثلما حدث في قصة أسطفانوس الشماس الأول الذي قيل عنه إنه وقفت ضده مجامع الليبرتينيين ، والقيروانيين ، والإسكندريين ، مع الذين من كيليكيا وآسيا " ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به " ( أع6 : 9 ، 10 ) وقامت المسيحية منتصرة في صراعها مع الأديان الأخري قال السيد المسيح : " ما جئت لألقي سلاماً على الأرض بل سيفاً " أي الصراع الذي يقوم بين الإيمان وكل معارضية أما الذي سقط في هذا الصراع فهو الأديان الأخري كلها : الأديان الرومانية بزعامة جوبتر ، والأديان اليونانية بزعامة زيوس ، والأديان المصرية بزعامة رع ، وأديان أخري كثيرة في الشرق ، مع عبادات الأرواح والنار والأجداد وسقطت الوثنية وكل فلسفتها وكل حكمتها وشهد العالم فترة من الكرازة ومن الاستشهاد ، ظهر فيها سقوط وقيام كثيرين وتحقق قول الرسول : " اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء . واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء . واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجود " ( 1كو1 : 27 ، 28 ) . وإذا بالصبا الأمي يقف أمام اساطين مجمع السنهدريم ، ليقول لهم في شجاعة " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس " . ويقف السيد المسيح ليقول : " أحمدك أيها الآب لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء ، وأعلنتها للأطفال " ( مت11 : 25 ) وشهد التاريخ في إنتشار المسيحية سقوط وقيام كثيرين لذلك كان المتواضعين في مقدمة الذين قاموا لقد تحققت تسبحة العذراء التي قالت فيها : " انزل الأعزاء عن الكراسي ، ورفع المتواضعين " ( لو1 : 52 ) هنا انزال ورفع : سقوط وقيام هذه العذراء المسكينة اليتيمة التي سلموها لنجار يرعاها ، أصبحت جميع الأجيال تطوبها . ومزود البقر مزاراً للعالم كله ، مكاناً مقدساً ، تنحني أمامه رؤوس الأباطرة والملوك تطلب بركة ترابه . والصيادون الفقراء صاروا قادة العالم وكهنته ورعاته ومعلميه " الأشياء العتيقة قد مضت . هوذا الكل قد صار جديداً " ( 2كو5 : 17 ) . ومن الكثرين الذين سقطوا ، مفاهيم كثيرة ... مفاهيم الناس السابقة عن العظمة والقوة والحرية وما أشبه ، تغيرت إلى العكس سقطت وأقام السيد مكانها مفاهيم جديدة . فلم يعد القوي هو الذي يضرب غيره على الخد والخد الآخر . إنما القوي هو الذي يحتمل ، كما قال الرسول : " يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتل ضعفات الضعفاء " ( رو15 : 1 ) و العظمة صارت في الاتضاع وليس في الكبرياء . ووضع الرب هذه المبادئ الجملية " من رفع نفسه يتضع . ومن وضع نفسه يرتفع " " من وجد نفسه يضيعها . ومن أضاع نفسه من أجلي يجدها " إننا على أبوابها عام جديد . ونريد أن تنطبق علينا عبارة " قيام كثيرين " فيقيمنا الرب بنعمته وبروحه القدوس ، وبعمله الدائم فينا . يقيمنا عن يمينه ويقول لنا : " تعالوا يا مباركي أبي ، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم " ( مت25 : 34 ) إنه أقام كثيرين لا نستطيع أن نحصي عددهم ، ربوات ربوات وألوف ، اولئك الذين ينشدون للرب أغنية جديدة في ملكوته . فلنكن من هؤلاء . بقي أن نقول إن السقوط والقيام على الأرض هو بصفة مؤقته يمكن أن تتغير بعد حين ، لتعد لسقوط أو قيام أبديين . وليت الجمع يهتمون بأبيتهم من الآن وليتنا نتناول باستحقاق في بداية هذا العام ولنعرف : إن التناول هو أيضاً وسقوط كثيرين قيامهم في حالة الاستحقاق ، إذ يثبتون في الرب ( يو6 : 56 ) السقوط في حالة عدم الاستحقاق ، إذ يتناولون دينونة لأنفسهم ( 1كو11 : 29 ) . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
06 يناير 2025

الرسالة البابوية لعيد الميلاد المجيد

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين. أهنئكم أيها الأحباء بالعام الميلادي الجديد وعيد الميلاد المجيد. أهنئكم من أرض مصر، من أرض القديس مارمرقس الرسول كاروز مصر وأهنئكم بهذا العيد وأرسل التهنئة باسم كل الأقباط في مصر إلى كل الإيبارشيات والكنائس القبطية الموجودة في ربوع العالم أهنئ الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكهنة، القمامصة والقسوس وأهنئ مجالس الكنائس والشمامسة وأهنئ كل الشعب القبطي الذي يحتفل بعيد الميلاد بحسب التقويم الشرقي الذي يوافق يوم ٧ يناير التأملات كثيرة جدا في عيد الميلاد المجيد وربما يكون السؤال المهم الذي يشغلنا جميعًا "أين هو المسيح؟" العالم فيه الكثير من الاضطرابات والحروب والنزاعات ولكن السؤال المطروح منذ تجسد السيد المسيح هو " أين نجد يسوع؟"الرعاة عندما ظهر لهم الملاك وبشرهم بقوله" أبَشِّرْكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشعب" (لوقا ٢ :١٠) ، كانوا رعاة يعملون عملاً بسيطا جدا ولكنهم في نفس الوقت يهتمون بالرعية وكانوا في البادية في الصحراء وكانوا في الليل يحرسون القطعان التي يرعونها ثم نجد أن هؤلاء الرعاة عندما أشار إليهم الملاك بهذا الفرح العظيم، ينتقلون إلى المذود ويرون السيد المسيح طفلاً مقمطا بأقمصة صغيرة وكان هذا فرحهم وبعد ما رأوا المسيح انصرفوا نفس السؤال كان مطروحاً مع حكماء المشرق المجوس الذين أيضاً بحسب كتبهم وعلمهم وبحثهم في النجوم، عندما يظهر نجم له مواصفات خاصة ويتحرك من الشرق الى الغرب، تكون النتيجة إنهم يصلون الى ملك اليهود الذي يولد حديثا وقد أرهقوا في السفر وكلنا نعلم جميعًا إن إمكانيات السفر قديمًا كانت محدودة للغاية يستغرقون في الطريق أسابيع وشهورًا ويصلون إلى بيت الملك المولود في بيت لحم ويجدونه ويقدمون له هداياهم، ذهبا ولبانًا ومرا نفس السؤال " أين نجد المسيح المولود؟" ، شغل هيرودس ملك اليهودية ولكن كان قلبه شريرا فأراد ان يبحث عن الصبي وتظاهر إنه يريد أن يكرمه باعتباره ملكًا ولكنه في الحقيقة كان يضمر شرا ونسمع بعد ذلك إن هيرودس هو الذي أمر بقتل أطفال بيت لحم قلبه كان شريرًا السؤال الذي يشغلنا ونحن نحتفل بالميلاد "أين نجد المسيح؟"ربما نبحث عن المسيح في البيوت الكبيرة والأماكن الغالية الغنية والأماكن التي تعيش في رفاهية التكنولوجيا بكل صورها أو في المواضع التي نظن أن المسيح يسكن فيها كأماكن القصور والأماكن صاحبة المعيشة العظمى ولكن الحقيقة إن المسيح نجده في أماكن ربما لا نتوقعها ربما نجده في مكان مثل بيت لحم وهي قرية صغيرة مغمورة لا أحد يعرفها ونجده ليس في مساكن البشر ولكن في مذاود الحيوانات نجده في مكان لا نتوقع أن يوجد فيه هذا المكان يتميز بالبساطة وبالنقاوة ولذلك عندما تريد أن تبحث عن المسيح، ابحث عنه في الأماكن البسيطة والأماكن النقية والأماكن التي تتميز بالطهارة وبالنقاوة وبالبراءة في الحياة نجد المسيح في القلوب الضعيفة. ابحث عنه ولذلك أيها الحبيب، إذا أردت أن تحتفل بعيد الميلاد، الاحتفال ليس مجرد الثياب الجديدة والطعام وشجرة الميلاد والزينات الكثيرة هذا احتفال مفرح ولكنه على المستوى الاجتماعي أما على المستوى الروحي فيجب أن تبحث عن المسيح، وتجد في أثره تبحث عنه لتراه وتفرح به تبحث عنه في كل إنسان متواضع القلب تبحث عنه في كل إنسان يبحث عن السلام ابحث عنه في كل إنسان يريد أن يخدم الآخرين ابحث عن المسيح أتذكر إنه في يوم من الأيام جاءت مجموعة شباب من أستراليا وطلبوا أن يخدموا فأرسلتهم إلى قرية صغيرة بمحافظة البحيرة، قريبا من الإسكندرية ولما رجعوا الشباب من خدمة هذه القرية، التعبير الوحيد اللي قالوه قدامي هو: "إننا هناك وجدنا المسيح" لذلك احتفال الكريسماس ليس هو احتفال الأخذ هو احتفال العطاء، أنك تقدم تقدم جهدك ووقتك وفكرك ومالك وخدمتك و من خلال هذه التقدمات الكثيرة سوف ترى المسيح فلا تعش لذاتك ولا تعش بمفردك أنانيتك ولكن عش من أجل الآخرين وابحث عن كل النفوس التي فيها ضعف النفوس التي تعاني من ضيقات أو أمراض أو متاعب، أو ثقيلي الأحمال، كما يعبر الكتاب المقدس اجعل الكريسماس ليس مجرد وقت ميلاد المسيح الذي تحتفل به في نهاية شهر كيهك لكن اجعل الكريسماس طوال السنة بينما أنت تبحث عن المسيح في كل مكان وستكون النتيجة إنك ستجد فرحًا كبيرًا يملأ قلبك أتذكر قصة جميلة عن إنسان كان يبيع أشجار عيد الميلاد عندما أراد أن يبيع الأشجار الأخيرة التي معه في ليلة الكريسماس، لم يتقدم أحد لشرائها فشعر بخيبة أمل انه سيرجع البيت بدون دخل كاف ليس لديه ما يكفي أن يحضر به طعامًا أو يقدم به هدية لابنته فاقترحت عليه ابنته بما ان الكريسماس على وشك الانتهاء، خذ هذه الأشجار وقدمها هدايا للآخرين فابتدأ يختار بعض البيوت الموجودة في الحي الذي يسكنه فذهب إلى البيت الأول وقدم شجرة هدية فاستقبله أصحاب البيت، رجل وامرأته مريضة بشدة، وفرحوا جدا بتلك الشجرة ثم ذهب إلى البيت الثاني ليقدم لهم شجرة ووجد أن الأم في هذا البيت فقدت ابنتها فكانت في حالة حزن ولا تحتفل بالكريسماس فلما قدم لها الشجرة هدية، عادت إليها فرحة عيد الميلاد ثم ذهب للبيت الثالث ليقدم لهم شجرة فوجد زوجا وزوجة في خلاف والزوجة على وشك الطلاق فلما قدم الشجرة، فرحوا بالشجرة وفرحوا بعيد الميلاد وكانت النتيجة الجميلة ان البيت الأول الذي كان فيه الزوج مع زوجته المريضة إنهم أرادوا أن يعبروا عن فرحتهم فقدموا طعامًا لهذا الرجل ثم بعد قليل في البيت الثاني، أرادت الأم التي فقدت ابنتها أن تعبر عن فرحتها وتقدم له هدية فكانت تشغل بيديها معطفا لابنتها التي توفيت فاخذت المعطف وقدمته هدية للرجل فأخذه الأب وقدمه هدية لابنته والبيت الثالث الذي كان على وشك الطلاق، لما جاءت إليهما شجرة الميلاد، ابتدأ الزوج والزوجة يراجعان نفسيهما ومزقا ورقة الطلاق وعاد البيت في سلام وبعد رجوعهما لبعضهما، قدما عطايا لهذا الرجل ففرح هذا الرجل وابنته بالطعام وبالهدايا وبالعطايا المادية وكانت هذه فرحتهما في عيد الميلاد أنا سعيد أن أرسل إليكم هذه الرسالة إلى كل كنائسنا وإيبارشياتنا إنني سعيد بأننا نلتقي عبر هذه الرسالة في احتفالنا بعيد الميلاد المجيد وأرجو لكم فرحا وسعادة تملأ قلوبكم في هذا الميلاد مع بداية العام الجديد وأكرر تهنئتي الى جميعكم، إلى كل الكنائس والإيبارشيات والأديرة وإلى كل المدارس والإكليريكيات وهذه التهنئة أرسلها لكم من أرض مصر التي تباركت بزيارة العائلة المقدسة في القرن الأول الميلادي وتباركت بالنبوات التي نقرؤها في سفر إشعياء وتباركت أيضا بكرازة القديس مارمرقس الرسول ربنا يحافظ عليكم ويكون معكم كل سنة جديدة وأنتم بخير وعيد ميلاد مجيد. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
05 يناير 2025

انجيل قداس الأحد الرابع من شهر كيهك

تتضمن ميلاد يوحنا المعمدان ثم نتأمل في رحمة الله مرتبة على قول البشير بفصل اليوم "وأما اليصابات فتم زمانها لتلد فولدت ابنا وسمع جيرانها واقرباؤها أن الرب عظم رحمته لها ففرحوا معها ( لو ١ : ٤٧ - ٨٠ )أيها الأحباء يخبرنا البشير بفصل انجيل هذا اليوم عن ميلاد طفل عجيب لأنه ولد على طريقة خارقة العادة ليكون بشيرا أمام المسيح بمدينة يهوذا ونذيرا بقرب قدومه ونورا مضيئا فى الكنيسة وهذا الطفل هو يوحنا المعمدان الذي يقول عنه بعض الآباء أنه وإن لم يكن من تخوم بيت لحم حيث قتل الأطفال بأمر هيرودس الملك إلا أنه كان يخشى عليه بسبب شهرة ميلاده. ولذا قد هربت به أمه اليصابات الى البرية واختفيا في مغارة وبعد أربعين يوما ماتت أمه وكان يعوله ملاك الرب إلى يوم ظهوره لاسرائيل وقيل إن اختفاءه كان سببا لقتل أبيه زكريا بأمر هيرودس بين الهيكل والمذبح وقد سمعتم قول البشير عــن اليصابات " أن الله عظيم رحمته لها " وهو قول حق. إنه لولا مراحم الله لما بقيت سالمة إلى ساعة الولادة ولما أمكن لها أن تصير أما ليوحنا المعمدان الذي قال عنه سيد البرايا " أنه ليس بني أعظم منه بين المولودين من النساء " فالرب قد عظم رحمته لاليصابات بقصد اتمام نبوة ملاخى النبى القائل " هأنذا ذاك أرسل ملاكي فيهي الطريق أمامي فيهئ الطريق أمامي) ونبوة أشعياء القائل " صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب أن الله كثير الرحمة لكل الداعين إليه ومراحمه على كل أعماله فتأملوا في العالم تروا ذلك من تلك التأثيرات الظاهرة في كل مكان فتشوا الكتاب المقدس تجدوا في إحدى زوايا الفردوس آدم وحواء عريانين خائفين ورحمة الله متجلببة بشعائر المحبة وتدعوهما كأم حنون لتكسوهما وتطمنهما وأيضا يسمعون في البرية شرقي عدن صوت الرحمة الإلهية ينادى قايين القاتل لأخيه هابيل قائلا له " أين أخاك " تنبيها له لكى يتوب فيغفر له ويطمنه بقوله " كل من قتل قايين سبعة أضعاف ينتقم منه " تشجيعا لضعفه ليرجو الغفران وماذا نرى أيضا في الكتاب المقدس؟ نرى رحمة الله توعز إلى نوح البار أن ينذر الماس الاشرار ويصنع فلكا لخلاص من يريد النجاة من مياه الطوفان ونرى رحمة الله تفتش على عشرة أبرار فقط في تلك المدينة الفاسقة حتى لا تباد بالنار ونرى الرحمة في برية سيناء تناجى موسى من وسط عليقة في شبه نار لتبعث به إلى ارض جاسان لإنقاذ الاسرائيلين من عبودية فرعون ونرى رجلا واقعا بأيدى اللصوص في طريق أريحا ورحمة الله تضمد جراحه كطبيب ونرى ذلك الولد الشاذ الذي بدد أمواله في الخمور والشرور ورجع تائبا إلى بيت أبيه قد قبل وأقيمت له كل ولائم السرور فما أعظم رحمة الرب وعفوه للذين يتوبون إليه قال أرستوتالس الفيلسوف " إن سهولة الغضب تصدر من الضعف "نعم فإننا نرى الضعيف أسرع إلى الغضب من القوى والمرأة أسرع من الرجل كما أن الشيخ أسرع من الشاب والفقير أسرع من الغنى وهكذا وهاكم مثالا على ذلك ما قاله أدريانوس لمن كان قد أهانه قبل أن يصير ملكا وهو : " لقد نجوت يا أنسان لأني أنا الآن قد صرت ملكا " إن الهنا أقوى من أدريانوس قيصر يمقدار لا يقع تحت حصر وقدرته العظيمة دليل على رحمته الكثيرة فإذا عاقب أثيما فانما يكون ذلك لمصلحته لأنه كالجراح الذي لا يستعمل الكئ بالنار في جسم العليل إلا بعد تحققه من عدم نجاح الادوية البسيطة فيا لعظم رحمة إلهنا التي نراها كل يوم تهطل سحبها على قلوب الخطاة فترويها لتثمر ثمار التوبة وتشرق شموسها على بصائر الصالحين فتردهم إلى سبل الهدى إن الله يدعونا إيها الاحباء فهلم نعود إليه بالتوبة والاعتراف بالذنوب لأن هذا هو الزمان المقبول فلا تقسوا قلوبكم ولا تصموا آذانكم عن سماع صوت الرحمة لئلا يصيبكم ما أصاب ديوجانس من طيباريوس قيصر الذي طلب قبل أن يصير ملكا مقابلة ديوجانس فأجابه بأنه لا يمكنه مقابلته إلا بعد سبعة أيام وقبل انتهاء هذه المدة صار طيبارويس ملكا فخاف الفيلسوف وسعى لدى الوزراء بقصد مقابلة الملك فكان سعيه باطلا إذا جاءه الجواب ليس إلى سبعة ايام كجوابه للملك بل إلى سبع سنين فسبيلنا أيها الاحباء أن لا نؤخر الرجوع إلى الهنا بل نبادر بالاعتراف والندامة ومناولة الاسرار ولا نتباطاً من يوم إلى يوم فإن غضب الرب ينزل بغتة ويستأصل في يوم الانتقام مفتدين خطايانا بالصدقات منظفين قلوبنا بالدموع لننال الغفران فنحظى بملكوت ربنا الذى له المجد إلى آباد الدهور كلها أمين. القديس يوحنا ذهبي الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
04 يناير 2025

الأحد الرابع ميمر ميلاد يوحنا المعمدان للقديس يوحنا ذهبي الفم

أريد الآن أن أشرح لكم مديح القديس يوحنا المعمدان فأقول أنا الناقص طوباك أيها المغبوط يوحنا المعمدان ولوالداك زكريا الذي طلب من الله فرزق بك طوباك أيها القديس يوحنا وطوبى لوالدتك اليصابات التي ولدتك وأرضعتك لبن ثدييها الطاهرين أي لسان جسداني يقدر أن ينطق بميلادك كما يليق بكرامتك فانه لا يستطيع لسان ملائكي أن ينطق بكمال سيرتك الا من كان الله معه طوباك أيها القديس يوحنا لأنك بالحقيقة قلت الحق طوباك أيها القديس يوحنا وطوبى لوالدتك اليصابات التي ولم تغير في أقوالك ولم ترجع عن الحق أشاء اليوم يا كاهن الله العلى أن أتكلم بقدر يسير من فضائلك وحسن سيرتك وتأخرت عن ذلك لاني انسان و عاجز وثقيل اللسان كثير الخطايا فليس لى أن اكمل سيرتك أو أن أسرد نسكيات فأنا أعرف ضعفى وعدم معرفتي يا سيدي يوحنا ان سيدك متحنن ورؤوف وقبل من الأرملة المسكينة الفلسين اللذين القتهما فى الخزانة أكثر من أموال الأغنياء فلتقبل منى تقدمتى الحقيرة في خزائنك المملوءة غنى من الخيرات الدائمة لأنك غنى بالرب ولا تحتاج الى أقوال هذا العالم فان السيد مدحك ودعاك الملاك المرسل أمام وجهه فما تحتاج الى مديح البشر لأن سيرتك تشبه سيرة الملائكة ،ومن في جميع الأبرار والرؤساء يستطيع أن يصف ما يليق بك ؟ من فى الحكماء والفلاسفة يستطيع أن ينطق أقوالا توافق كرامتك ؟ وتطابق جنسك الكريم أيها النبي الصادق والكاهن الحقيقى المتقدم أمام عمانوئيل والكارز القوى ، والبتول العفيف الذى لا يعرف شهوات العالم ان قلت أنك ملاك فأنت الملاك الجسداني ،والانسان الروحاني لأنك تشبهت بسيرة الملائكة ،وان قلت انك نبي فأنت أفضل من نبى كما شهد عنك ربك وسيدك ،وان قلت أنك شهيد فأنت أول شهيد في العهد الجديد قد قطعت رأسك وان قلت انك ناسك فأنت أول من سكن البرية وتنسك فيها بالحياة الشظفة ،وان قلت انك راهبا فأنت رئيس الرهبان وأول من لبس ثوب البر على جسده وتمنطق بمنطقة على حقويه وان قلت انك رسول ومنذر ومبشر فأنت أول من كرز وبشر بمجيء السيد المسيح عمانوئيل فكنت تقول للجميع "أنا أعمدكم بماء للتوبة ولكن يأتى بعدى من هو أقوى منى الذي لست أهلا أن أحمل حذاءه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار " ( مت ۳ : ١١) لقد كنت مبشرا قدامه ولم تستح أن تقول الحق لهيرودس حتى الموت لم ترهب سطوته فماذا أقول وفكرى منذهل ومتعجب،ومن أهلا في هذا العالم أن يشاركني مديحك أو يفهمني الكلام الذي يليق بك ! أريد غبريال الملاك الذي ابتدأ يمدحك بقوله عنك لزكريا أبيك ( يكون عظيما أمام الرب وخمرا ومسكرا لا يشرب ومن بطن أمه يمتلىء من الروح القدس ) ( لو ١ : ١٥ ) وقال عنك أنك تتقدم الابن الكلمة بالروح بقوة ايليا فترد قلوب الآباء الى الأبناء ، والعصاة الى عالم الأبرار وتعد للرب شعبا مستقيما احتاج اليوم الى جبرائيل الملاك وزكريا ليمدحوك عنك ( وانت أيها الصبي نبي العلى تدعى لانك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه لتعطى شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم » ( لو ١ : ٧٦ - ٧٧ ) احتاج اليوم الى جبرائيل الملاك وزكريا ليمدحوك بالسنتهم الصادقة ، الواحد ناري من السماء ،والآخر انسان من الأرض ملاك الرب النار المتقدة ،وكاهن العلى خادم الهيكل المقدس فقد مدحك السمائيون والأرضيون لا سيما سيد الخليقة جميعها قال عنك للجموع « لم يقم في مواليد النساء أعظم من يوحنا المعمدان » فأهل الأرض لا يستطيعون مديحك ،وأنا المسكين لا أستحق أن أذكر اسمك الطاهر على شفتى النجستين وانما تجاسرت بشرح اليسير من سيرتك لأجل فرح الشعب المجتمع معنا اليوم في تذكارك متهللا فرحا مسرورا طالبين شفاعتك والرحمة من الله لأجل اسمك فان كنتم تحبون يوحنا المعمدان فاسمعوا أقواله توبوا فقد اقترب منكم ملكوت السموات اعملوا أعمالا تليق بالتوبة أيها الرعاة ارعوا رعية الله التي دفعت اليكم بمحبة وفرح لكيما اذا ظهر رئيس الرعاة تفتخرون لديه أيها الرهبان احبوا النسك مع الصوم والصلاة لتكونوا أولادا ليوحنا المعمدان البار والكارز المختار فرح البراري والقفار أيها النساء أحببن الطريق المستقيمة لتكونوا بناتا لاليصابات البارة أيتها البنات ،والعذارى أحببن الطهارة والنقاوة لكيما تكن بنات لمريم القديسة العذراء أيتها الأرامل أحببن الله من كل قلوبكن واخد منه بمخافة لتكن بنات لحنة النبية بنت فنوئيل فانها أقامت أربعة وثمانين سنة ملازمة الهيكل ليلا ونهارا كونوا محبين بعضكم بعضا مصلين بعضكم لأجل بعض شاكرين عمانوئيل الهنا الذى بمجد أبيه وروح قدسه له المجد الدائم الى الأبد آمين . المتنيح القمص سمعان السريانى عن كتاب روحانية قراءات شهر كيهك
المزيد
03 يناير 2025

مائة درس وعظة (٤٣)

أعياد الميلاد «خلاصي بك » "لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب نور إعلان للأمم، ومجدا لشعبك إسرائيل" (لو ٣٠:٢-٣٢) فترة أعياد الميلاد تستمر اربعين يوماً من عيد الميلاد إلى عيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل، وتشمل خمسة أعياد ولها معان في حياتنا اولا عيد الميلاد بداية جديدة (٧ يناير۲۹ كيهك) الله في محبته يعطينا باستمرار فرص البداية. ١- الصلاة وتعبر عنها في بداية صلواتنا ونقول "فلنبدا بدنا حسنا" ٢- الأمل البداية تعنى للإنسان الأمل والتفاؤل والرجاء وتعنى أيضا روح الحماس والاستبشار بالخير. ٣- الفرح في عيد الميلاد بشر الملاك الرعاة بفرح عظيم لم تختبره البشرية من قبل وهذا الفرح يكون لجميع الشعب فرح يحوي في داخله النور والمجد مع الميلاد ابدا بدءاً جديداً ضع أمامك تعهداً أو وعداً جديداً. ثانيا عيد الختان السمة الجديدة (١١يناير ١ طوبة) ١- العهد كان الختان علامة في الجسد للذكور فقط من الشعب اليهودي، وفيها سفك الدم، والعهد الذي يتم بالدم هو عهد لا ينقض، وكان هو العلامة المسيرة للشعب اليهودي وفيه لقطع جزء من الجسد ويرمز للختان الروحي فالقلب المختون يعني القلب المخصص أو المكرس. ٢- التكريس فقلبي يصير مخصصاً لله . الختان يعنى انك تقيم عهداً جديداً مع مسيحك وتمتلك قلباً جديداً.إنزع منى القلب الحجرى وأعطنى قلبا جديدا لحميا يشعر ويتأثر ويكون حساسا للخطية أسع ان يكون لك قلب جديد توجد أصنام كثيرة ممكن أن تحتل القلب مثل التكنولوجيا أو العمل ٣- العضوية الختان يعطى المختتن أن يكون عضواً في شعب الله، فالختان يعنى السمةالجديدة والاسم الجديد ثالثا: عيد الغطاس: الولادة السمائية (١٩ يناير ١١ طوبة) ١- باب الأسرار بدون المعمودية لا يستطيع الإنسان أن يأخذ أي سر من أسرار الكنيسة ونكرر في هذا العيد "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت (مت ٧١:٣) وتنقسم العبارة إلى جزءين الأول "هذا هو ابني الحبيب" ويرمز إلى سر المعمودية والثاني "الذي به سررت "ويرمز إلى سر التوية والاعتراف الذي هو تجديد المعمودية. ٢- الثوب الأبيض عيد الغطاس هو عيد تمارس فيه تذكار معموديتنا، والمعمودية تعنى امتلاك الثوب الأبيض، وصارت رحلة الإنسان أن يحافظ على هذا الثوب الأبيض نقيا. ٣- بداية الطريق المعمودية كانت أول الطريق.بينما التوبة هي طول الطريق وهذه التوبة هي التي تحول كل الخطاة إلى أبرار وتسمى سر التوبة معمودية ثانية، لأن من علامات التوبة الحقيقية دموع التوبة،وهي من الماء أيضا. رابعا عيد عرس قانا الجليل الأسرة الجديدة (٢١ يناير ١٣ طوية) ١- عرس مفتوح حضر المسيح العرس في قانا الجليل وتمت المعجزة ولم يذكر اسم العريس أوالعروس، فهو عرس مفتوح لكل البشرية. ٢- كنيسة جديدة يصير للإنسان الأسرة الجديدة في الكنيسة. ٣- مسئولية جديدة الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده، بل يحتاج إلى مجتمع، فيصير الإنسان عضواً في أسرة جديدة فيها روح الله. عيد عرس قانا الجليل عيد يجدد عضويتنا في كنيستنا وهو أيضا عيد لكل أسرة. خامسة عيد دخول المسيح الهيكل الأبدية السعيدة (١٥ فبراير - ۸ أمشیر) ١- - الخلاص المنظور، لأن عيني قد ابصرتا خلاصك نظر سمعان الشيخ خلاص المسيح على الصليب وهذا الخلاص لجميع الشعوب الفرح يكون نورا للامم ومجدا لليهود ٢- السماء المفتوحة الهيكل يرمز إلى السماء إذا ما وقفنا في هيكلك المقدس نحسب كالقيام في السماء، إذا انشغل الإنسان بالسماء تهون عليه كل مشاكل الأرض ٣- النصيب الأبدى الإنسان الذي ينظر نصيبه الأبدي كل يوم وإذا سرت في حياتك بحسب هذه الأعياد الخمسة يكون لك هذا النصيب في السماء. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
02 يناير 2025

مصالحة السماء والأرض

أول شئ نتذكره في ميلاد الرب هو عمق محبته للناس . فمن أجل محبته لهم سعي لخلاصهم . ومن أجل محبته لهم أخلي ذاته ، وأخذ شكل العبد ، ونزل من السماء ، وتجسد وصار في الهيئة كإنسان ( في2 : 7 ، 8 ) إن التجسد والفداء ، أساسهما محبة الله للناس . فهو من أجل محبته لنا ، جاء إلينا . ومن أجل محبته لنا ، مات عنا . لهذا يقول الكتاب : " هكذا أحب حتى بذل إبنه الوحيد " ( يو3 : 16 ) أنظروا ماذا يقول : " هكذا أحب حتى بذل " نحن إذن في تجسده ، نذكر محبته التي دفعته إلى التجسد وإعترافاً منا بهذه المحبة ، نتغنى بها في بدء كل يوم ، إذ نقول للرب في صلاة باكر : " أتيت إلى العالم بمحبتك للبشر ، وكل الخليقة تهللت بمجيئك " . قبل ميلاد السيد المسيح ، كان هناك خصومه بين الله والناس فجاء السيد المسيح لكي يصالحنا مع الله ، أو جاء لكي نصطلح معه هو قبل مجيئه كانت هناك خصومة بين السماء والأرض . ومرت فترة طويلة كانت فيها شبه قطيعة بين السمائيين والأرضيين : لا رؤي ، ولا أحلام مقدسة ، ولا أنبياء ، ولا كلام من الله للناس ، ولا ظهورات مقدسة ولا أية صلة واضحة !! كانت الأرض بعيدة عن السماء طوال تلك الفترة كانت خطايا الناس كاليالي الشتاء : باردة ومظلمة وطويلة وكانت تحجب وجه الله عنهم . وكانت الخصومة بينهم وبين الله ، يثلها في الهيكل الحاجز المتوسط اليذ لا يستطيع أحد من الشعب أن يختاره إلى قدس الأقداس وزادت خطايا الناس ، وأحتدم غضب الله عليهم ، وإستمر القطيعة ولم يحاول البشر أن يصطلحوا مع الله ثم جاء السيد المسيح ، فأقام صلحاً بين الناس والأرض ، وأرجع الصلة بينهما . وبدأت تباشير الصلح تظهر ورجعت العلاقات كما كانت من قبل وأكثر ولكي أوضح الأمر لكم أقول : تصوروا أن دولتين متخاصمين ، قد رجع الصلح بينهما ، فماذا تكون النتيجة : طبعاً ترجع العلاقات كما كانت : يعود التمثيل السياسي بينهما ، وإرسال السفراء والقناصل وفي ظل المودة الجديدة تبرم أتفاقية اقتصادية ، إتفاقية عسكرية المهم أنه توجد علاقة وصلة . كذلك لنفرض أن شخصين متخاصمين قد إصطلحا ، في ظل الصلح نري العلاقات قد بدأت ترجع ، تعود التحيات والابتسامات والزيارات والأحاديث ، وتعود المودة هكذا حدث بين السماء والأرض وبدأت تباشير الصلح تظهر بمجئ السيد المسيح أو في خطوات وممهدات مجيئه . تباشير الصلح . وأول شئ شاهدناه من تباشير هذا الصلح هو كثيرة نزول الملائكة إلى الأرض في مجئ السيد المسيح وقبيل مجيئه إزداد ظهور الملائكة بشكل واضح ظهورات متوالية ، فردية وجماعية ، كسفراء للرب وتهلل الملائكة بفرح عظيم ، وأرادوا أن يشتركوا في هذا الحدث العجب وهو تجسد الرب وميلاده فظهر ملاك يبشر زكريا بولادة يوحنا ( لو1 : 11 ) ، وملاك يبشر العذراء بولادة السيد المسيح ( لو1 : 26 ) ، وملاك ظهر ليوسف في حلم يخبره بحبل العذراء ( مت1 : 20 ) وملاك ظهر للرعاة يبشرهم بالميلاد الإلهي ( لو2 : 9 ) وملاك ظهر ليوسف في حلم وأمره أن يهرب بالطفل يسوع وأمه إلى مصر ( مت2 : 13 ) بالإضافة إلى هذا جمهور من الملائكة الذين ظهروا مسبحين الله وقائلين : ط المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة " ( لو12 : 23 ، 14 ) إن ظهور الملائكة بهذه الكثرة ، يدل على أن العلاقات بدأت ترجع بين السماء والأرض ، وتدل على فرح الملائكة بالخلاص المزمع ، وإشتراكهم مع الأرضيين في هذا الفرح وظهور الملائكة في فترة الميلاد كان مجرد طلائع للملائكة الذين ملأوا العهد الجديد ملائكة كانوا يخدمون الرب على جبل التجربة ( مر1 : 13 ) ، وملائكة القيامة الذين ظهروا لنسوة ، ومثل الملاكين اللذين طمأنا الرسل وقت صعود الرب ( أع1 : 10 ) كان هؤلاء جميعاً طلائع نعرف بهم الملائكة غير المرئيين المحيطين بنا إن ، الذين قال عنهم القديس بولس الرسول : " أليس جميعهم أرواحاً خادمة ، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص " ( عب1 : 14 ) ولم يكتف السماء في صلحها مع الأرض بظهور الملائكة ، بل إمتدت إلى الأحلام المقدسة بما فيها من توجيه ومن إعلان إجتمع الأمران معاً بالنسبة ليوسف الصديق : ملاك ظهر له في حلم يخبره بالحبل المقدس ( مت1 : 20 ) وملاك ظهر له في حلم يأمره بالذهاب إلى مصر ( متت2 : 13 ) ثم بعد ذلك ظهر له ملاك في حلم أرض مصر يأمره أن يرجع إلى بلدة لأنه " قد قام الذين كانوا يطلبون نفس الصبي " ( مت2 : 20 ) ولما خاف أن يذهب إلى اليهودية بسبب أن أرخيلاوس كان يملك هناك ، " أوحي إليه في حلم " أن ينصرف إلى نواحي الجليل ، فذهب وسكن في الناصرة ( مت2 : 22 ) هؤلاء الملائكة الذين ظهروا ليوسف الصديق في الأحلام ، يعطوننا فكرة عن سمو مكانه العذراء فالعذراء ظهر لها الملائكة عياناً في صحوها ، رأتهم بعينيها وسمعتهم بأذنيها ، أما يوسف الصديق فرأي وسمع في الأحلام . إن هذا يذكرنا بالفرق الكبير بين مركز موسي النبي ومركز هارون ومريم اللذين وبخهما الرب عندما تقولا على موسي ، فقال لهما : " إن كان منكم نبي للرب ، فبالرؤيا إستعلن له ، في الحلم أكمله وأما عبدي موسي فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي فماً إلى فم وعياناً أتكلم معه " ( عد12 : 6 ـ 8 ) لقد كلم الملائكة يوسف الصديق عن طريق الأحلام وهكذا حدث أيضاً مع المجوس إلى هيرودس ، فانصرفوا إلى كورتهم " ( مت2 : 12 ) وحديث المجوس يذكرنا بظهورات مقدسة أخري صاحبت حديث الميلاد ، ونقصد أولاً النجم الذي ظهر للمجوس ، وأرشدهم إلى مكان المزود المقدس( مت2 : 1 ـ 12 ) لم يكن ذلك النجم عادياً ـ كما شرح القديس يوحنا ذهبي الفم ـ بل كان قوة إلهية أرشدتهم ذلك أن مساره كان غير عادي من المشرق إلى الغرب ، وكان يظهر حيناً ، ويختفي حيناً آخر ، ويقف حيناً ثالثاً كذلك يقول عنه أنه : " وقف حيث كان الصبي " هذا النجم كان ظهوراً مقدساً ولم يكن نجماً كباقي النجوم وفي صلح السماء مع الأرض الذي جبلته بركة الميلاد لم تقتصر الصلة على ظهور الملائكة والأحلام المقدسة والظهورات المقدسة ، بل أيضاً رجعت روح النبوة مرة أخري ، ورجع عمل الروح القدس في الناس وامتلاؤهم منه نقرأ عن يوحنا المعمدان في بشارة الملاك عنه أنه : " من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس " ( لو1 : 15 ) ونقرأ في بشارة الملاك للعذراء قوله لها : " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك " ( لو1 : 35 ) ونقرأ في زيارة العذراء للقديسة اليصابات أنه : " لما سمعت اليصابات سلام مريم ، إرتكض الجنين في بطنها ، وإمتلات اليصابات من الروح القدس " ( لو1 : 41 ) . ونقرأ عن زكريا الكاهن ـ بعد إنقضاء فترة صمته ـ " وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلاً " ( 1 : 67 ) . ونقرأ أيضاً عن سمعان الشيخ أنه كان رجلاً باراً : " والروح القدس كان عليه وكان قد أوحي إليه بالروح القدس " ( لو2 : 25 : 26 ) عجيب جداً هذا العمل الواسع للروح القدس في الناس في تلك الفترة المقدسة وعجيب هذا الإمتلاء من الروح القدس وهذا الحلول ، وهذا التنبوء أيضاً لقد تنبأ زكريا الاهن ، وتنبأت إمراته اليصابات ، وتنبأ سمعان الشيخ ، وتنبأت حنة بنت فنوئيل ( لو2 : 36 ) وبدا أن الله رجع يتكلم في أفواه الأنبياء وكل ذلك كان من بوراد إنتهاء الخصومة بميلاد السيد المسيح ، أو كانت هذه هي تباشير الصلح الذي تم على الصليب وكان من تباشير الصلح أيضاً رجوع المعجزات والمعجزات دليل عمل يد الله مع الناس كان إنفتاح رحم اليصابات العاقر هو المعجزة الأولي وكان صمت زكريا الكاهن ثم إنفتاح فمه بعد تسعة أشهر معجزتين أخريين وكانت معجزة المعجزات هي ولادة السيد المسيح من عذراء وكان إرتكاض الجنين بإبتهاج في بطن اليصابات تحيه الإله الذي في بطن العذراء هو معجزة أخري . ولا نستطيع أن نحصي المعجزات التي رافقت ميلاد المسيح وطفولته . أما معجزاته في أرض مصر ، فلعل أبرزها هو ما يشير إليه أشعياء النبي قائلاً : " هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجه ، ويذوب قلب مصر داخلها " ( إش19 : 1 ) وفعلاً سقطت أوثان مصر بدخول الرب إليها كل هذا يدل على أن يد الرب قد بدأت تعمل ، وأن ميلاد السيد المسيح كان مقدمة لصلح السماء مع الأرض ، الصلح الذي قلنا إن أولي تباشيره كان ظهور الملائكة ويحسن أن نقف وقفة تأمل بسيطة عند ظهورات الملائكة هذه أول ملاك ظهر وذكره الإنجيل المقدس ، كان هو الملاك الذي ظهر لزكريا الكاهن إنها لفته كريمة من الرب يعطى بها كرامة للكهنوت ، فيكون ظهور الملائكة اولاً للكهنة ، بعد فترة الإحتجاب الطويلة ولفته كريمة أخري للكهنوت ، أن يظهر الملاك في مكان مقدس : " واقفاً عن يمين مذبح البخور " وفي لحظة مقدسة عندما كان زكريا البار يكهن للرب ويرفع البخور أمامه ( لو1 : 8 ـ 10 ) جميل من الرب أنه عندما أرسل خدامه السمائيين أولاً إلى بيته المقدس وإلى خدام مذبحة الطاهر ولا شك أن هذا كله يشعرنا بجمال المذبح الذي وقف الملاك عن يمينه في أول تباشير الصلح . كم بالأكثر جداً مذبح العهد الجديد في قدسيته الفائقة للحد ، حيث ملاك الذبيحة الصاعد إلى العلو يحمل إلى الله تضرعنا نعود إلى الملاك الطاهر الذي ظهر لزكريا الكاهن كان ملاكاً يحمل بشارة مفرحة . لقد عاد الرب يفرح وجه الأرض التي حرمت كثيراً من أفراحه في فترة القطعية والخصومة . وهل هناك فرح أعظم من تبشير زوج العاقر بأنها ستلد إبناً : ط لم يقم بين المولودين من النساء من هو أعظم منه " ( مت11 : 11 ) ، إبناً سيكون : " عظيماً أمام الرب " ( لو1 : 15 ) !! عبارات : " الفرح " تدفقت من فم الملاك ، فقال : " لا تخف يا زكريا ، لأن طلبتك قد سمعت ، وامرأتك اليصابات ستلد لك إبناً ، وتسميه يوحنا ، ويكون لك فرح وإبتهاج ، وكثيرون سيفرحون بولادته " وكانت إيحاءه جميلة من الرب في تباشير هذا الصلح ، أن يسمي الطفل " يوحنا " وكلمة يوحنا معناها : " الله حنان "!! وكأن الله يقصد أنه وإن تركنا زمناً ، إلا أن محبته دائمة إلى الأبد ، " مياة كثيرة لا تستطيع أن تطفئها " ( نش8 : 7 ) وأنه وإن حجب وجهه حيناً ، فإنه لا يحجب قلبه الحنون . فعلي الرغم من فترة القطيعة بين السماء والأرض التي سبقت ميلاد السيد المسيح ، وعلى الرغم من الخصومة القائمة ، كان الله ما يزال كما هو ، كله حنان وشفقة " الله حنان " أو " الله حنون " لعل هذا يذكرنا بقول الرب من قبل : " لأنه كإمراة مهجورة ومخزونة الروح دعاك الرب ، وكزوجة الصبا لحيظة تركتك ، وبمراحم عظيمة سأجمعك بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة وبإحسان أبدي أرحمك "( إش54 : 6 ـ 8 ) إنها نبوءة أشعياء عن مصالحة الرب لشعبه وكنيستة ، قد بدأت تتحقق تلك النبوءة العجيبة ، الجميلة في موسيقاها ، التي بدأها الرب بنشيده العذب : " ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد " ( إش54 : 1 ) تري أكاذيب اليصابات : " العاقر التي لم تلد " رمزاً للكنيسة في إفتقاد الرب لها ؟ وهل كان إسم إبنها يوحنا : " الله حنان " رمزاً أيضاً لمصالحة الله لكنيستة ؟ وهل ترنم اليصابات : " العقر التي لم تلد " كان بشيراً يتحقق باقي مواعيد الله إذ يقول لكنيسته في نفس النشيد :" كما حلفت أن لا تعبر بعد مياة نوح على الأرض ، هكذا حلفت أن لا أغضب عليك ولا أزجرك فإن الجبال تزول ، والآكام تتزعزع ، أما إحساني فلا يزول عنك ، وعهد سلامي لا يتزعزع ، قال راحمك الرب " أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية ، هأنذا أبني بالأثمد حجارتك ، وبالياقوت الأزرق أؤسسك وأجعل شرفاتك ياقوتاً ، وأبوابك حجارة بهرمانية ، وكل تخومك حجارة كريمة وأجعل كل بنيك تلاميذ الرب ، وسلام بنيك كثيراً " ( إش54 : 11 ـ 13 ) هل كان هذا الإصحاح الرابع والخمسون من نبوءة اشعياء موضع تأمل القديسة اليصابات في خلاص الرب القريب ، طوال الستة أشهر التي مرت ما بين بشارة الملاك لزكريا وبشارة الملاك للعذراء ؟! إن هذه الفكرة تملأ قلبي ، وتضغط على عقلي بإلحاح شديد ولا شك أن هذه القديسة الشيخة التي كانت تحمل إبناً نذيراً للرب في أحشائها ، كانت تشعر أنه ليس بأمر عادي هذا الذي حدث لها وإذ نتأمل في هذا الفصل من اشعياء ـ الذي ينطبق عليها وعلى الكنيسة ـ يهز كيانها كله هذا " النبي الإنجيلي " إذ يقول : " ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو إسمه عمانؤئيل " ( إش7 : 14 ) قلنا إنه من تباشير الصلح بين السماء والأرض كان ظهور الملائكة للبشر . وكان الملاك الأول هو الذي بشر زكريا الكاهن . أما الملاك الثاني ، فكان جبرائيل ، الذي بشر السيدة العذراء نلاحظ أن هذا الملاك كان له مع العذراء أسلوب معين لقد بدأها بالتحية ، بأسلوب كله توقير وإحترام لها في بشارة زكريا لم يبدأه الملاك بالتحية ، وإنما قال له " لا تحف يا زكريا فإن طلبتك قد سمعت " أما في بشارة العذراء فقال لها الملاك : " السلام لك ايتها الممتلئة نعمة الرب معك " وعندئذ ـ بعد هذه المقدمة ـ بدأ الملاك في إعلان رسالته وحتى هذه الرسالة أدمجها بعبارة مديح أخري فقال : " لا تخافي يا مريم ، لأنك قد وجدت نعمة عند الله " ثم بعد ذلك بشرها بالخبر الذي جاء من أجلة : " ها أنت ستحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع " إنه اسلوب إحترام عجيب يليق بالتحدث مع والدة الإله الممجدة ، المملكة الجالسة عن يمين الملك لم يستطع رئيس الملائكة جبرائيل أن ينسى أنه واقف أمام أقدس إمرأة في الوجود ، وإنه واقف أمام أم سيده ، التي ستكون سماء ثانية لله الكلمة فخاطبها بأسلوب غير الذي خوطب به الكاهن البار زكريا هنا نلاحظ أنه لم يبدأ فقط صلح بين السمائيين والأرضيين ، بل بدأ تقدير وتوقير من سكان السماء لسكان الأرض في شخص أمنا وسيدتنا العذراء مريم فمرحباً بهذا الصلح . أما الظهور الثالث ، فكان ظهور ملاك الرب للرعاة هنا نجد تقدماً ملموساً في العلاقات ، إذ لم يقتصر الأمر على أن " ملاك الرب وقف بهم " بل يقول الكتاب أكثر من هذا : " ومجد الرب أضاء حولهم " . وبعد أن بشرهم الملاك " بفرح عظيم " يكون " لجميع الشعب " ، وبولادة " مخلص " ، " ظهر بغتة ـ مع الملاك ـ جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين : " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المسرة " وهنا نسمع عبارات الفرح ، والمسرة ، والسلام ، والخلاص وبدلاً من ظهور ملاك واحد ، نري جمهوراً من الجند السماوي يسبحون إنها تباشير الصلح العظيم ، المزمع أن يتم على الصليب ونلاحظ أن هذا الصلح قد بدأه الله لا الناس أول ما نتذكره في هذا المجال ، هو أن الله يسعى لخلاص الإنسان ، حتى لو كان الإنسان لا يسعى لخلاص نفسه نلاحظ هذا منذ البدء : عندما أخطأ آدم وسقط ، لم يسع لخلاص نفسه ، بل نراه ـ على العكس من ذلك ـ قد هرب من الله ، وخاف من الله ، وإختفي ، بل نراه . لم يحدث أنه سعي إلى الله ، طالباً الصفح والمغفرة ، وطالباً النقاوة والطهارة بل إنه : " لما سمع صوت الرب الإله ماشياً في الجنة " اختبأ هو وإمراته من وجه الرب " تك3 : 8 ) . وهكذا أوجد حجاباً وحاجزاً بينه وبين الله . وبدأت الخصومة من الذي سعي لخلاص آدم ؟ إنه الله نفسه ، دون أن يطلب آدم منه ذلك آدم شغله الخوف عن الخلاص أو حتى عن مجرد التفكير فيه وهكذا بحث الله عن آدم وأعطاه وعداً بأن نسل المرأة سوف يسحق رأس الحية ( تك3 : 15 ) لقد أعتبر الله أن المعركة الدائرة هي بينه وبين الشيطان ، وليست بين الشيطان والإنسان أعتبر أن قضيتنا هي قضيته هو وإذا بنسل المرأة الذي يسحق رأس الحية هو الله نفسه الذي أتي في ملء الزمان من نسل المرأة هو الله إذن الذي دبر قصة الخلاص كلها ، لأنه : يريد أن الجميع يخلصون ، وإلى معرفة الحق يقبلون " ( 1تى2 : 4 ) هو يريد خلاصنا جميعاً ويسعى إليه ، حتى إن كنا نحن ـ في تكاسلنا أو في شهواتنا ـ غافلين عن خلاص أنفسنا ! في قصة الخروف الضال ، نرى أن هذا الخروف الضال لم يسع لخلاص نفسه ، وإنما تائهاً وبعيداً والراعي الصالح هو الذي جرى وراءه هو الذي فتش عليه وسعي إليه ، وهو الذي تعب من أجله إلى أن وجده ، وحمله على منكبيه فرحاً ، ورجع به سالماً إلى الحظيرة وفي قصة الدرهم المفقود ، نجد نفس الوضع أيضاً فإن تعطل خلاص الإنسان ، يكون السبب بلا شك راجعاً إلى الإنسان ذاته وليس إلى الله وهذا الأمر واضح في تبكيت الرب لأورشليم ، إذ قال لها : " يا أورشليم يا أورشليم ، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها . كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ، ولم تريدوا " ( مت23 : 37 ) أنا أردت ، وأنتم لم تريدوا مثال أخر هو عروس النشيد الله هو الذي سعي لخلاصها " طافراً على الجبال ، وقافزاً على التلال " وقال لها : " افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي ، لأن رأسي قد إمتلأ من الطل وقصصي من ندي الليل " ( نش5 : 2 ) وتكاسلت النفس في الإستجابة ، وتعللت بالأعذار فماذا كانت النتيجة كانت أنها عطلت عمل النعمة فيها بعض الوقت وصاحت في ندم : " حبيبي تحول وعبر " تأكد أنك إن كنت تريد الخلاص من الخطية ، فإن الله يريد ذلك أضعافاً مضاعفة المهم إنك تبدي رغبتك المقدسة هذه هناك عبارة لطيفة قالها أحد القديسين قال : [ إن الفضيلة تريدنا أن نريدها لا غير ] يكفي أن نريد ، إرادة جادة ، والله يتولي الباقي بل حتى هذه الإرادة هو يمنحها لنا ، لأجل خلاصنا ومن القصص العجيبة عن سعي الله لخلاصنا ، ما يقوله الله ـ في سفر حزقيال النبي ـ للنفس الخاطئة الملوثة : " مررت بك ورأيتك مدوسة بدمك وقد كنت عريانة وعارية . فمررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب فبسطت ذيلي عليك ودخلت معك في عهد ـ يقول السيد الرب ـ فحممتك بالماء ، وغسلت عنك دماءك ، ومسحتك بالزيت وجملت جداً جداً ، فصلحت لمملكة " ( خر16 ) تلك النفس المسكينة ـ لو تركت لذاتها ـ لبقيت على حالها مطروحة وملوثة ، عريانة وعارية ولكن الله فعل من أجلها الكثير ، وأنقذها مما هي فيه ولكن ليس معني سعي الله لخلاصنا ، أننا نتكل على ذلك ونكسل ! كلا وإلا فإنه يتحول ويعبر كما حدث مع عروس النشيد إنما يجب أن تتحد إرادتنا بإرادته . وعملنا بعمله هو ينزل إلى عالمنا ، ونحن نقدم له ولو مزوداً ليستريح فيه إن الله يسعى لخلاصنا ، ويسعى ليصالحنا معه الصلح يبدأ من جانب الله إنه درس لنا حينما تكبر قلوبنا على أخوتنا الصغار ، فلا نسعي لمصالحتهم بحجة أننا الكبار !!الكبير يسعى لمصالحة الصغير في كل تباشير الصلح التي ذكرناها نرى أن الله هو الساعي لمصالحة البشرية النور الذي لا يدنى منه ، يسعى لمصالحة التراب والرماد ! ملك الملوك ورب الأرباب يتقدم ليصالح عبيده نراه أنه هو الذي أرسل الملائكة للبشر وهو الذي بعث إليهم برسائل في الأحلام . وهو الذي أرجع لهم روح النبوة ، وهو الذي عمل على إعادة العلاقات كما كانت بل هو الذي أرسل إليهم إبنه الوحيد ليخلصهم ، من فرط محبته لهم وكما قال القديس يعقوب السروجي : [ إنه كانت هناك خصومة بين الله والإنسان فلما لم يتقدم الإنسان لمصالحة الله نزل الله ليصالح الإنسان ] ولم يحدث هذا في الميلأد فقط ، وإنما كان هو دأب الله دائماً نراه وهو الكبير العالي غير المحدود يسعى لمصالحة الإنسان . يقول : " أنا واقف على الباب وأقرع . من يفتح لي أدخل وأتعشى معه " ( رؤ3 : 29 ) . ونحن نتساءل في عجب : كيف يارب تقف على الباب وتقرع . البشر هم الذين أذهب إليهم . أنا لست أبحث عن كرامة لي ، وإنما أبحث عن خلاصهم هم ، ولا أستريح حتى أطمئن على خلاصهم حقاً ، ما أعجب قلب الله المحب ، وما أعجب تواضعه الله يرسل الأنبياء والرسل لكي يصالحوه مع البشر . يعترف القديس بولس الرسول بهذا فيقول : " نسعي كسفراء عن المسيح ، كأن الله يعظ بنا ، نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله " ( 2كو5 : 20 ) حقاً : هل كان هناك عمل آخر للأنبياء سوى عقد صلح بين الله والناس والله هو الذي طلب الصلح فأرسل أنبياءه ! بل ما أعجب الرب في سعيه للصلح إذ يقول :" بسطت يدي طول النهار ، إلى شعب معاند ومقاوم " ( رو10 : 21 ) مازال الرب باسطاً يده ، يطلب صلحاً معنا ويقول : " هلم نتحاجج " ( إش1 : 18 ) الله هو الذي صالح يونان النبي لما إغتم وإغتاظ ، مع أنه غضبه لم يكن حسب مشيئة الرب . أعد له يقطينه : " فارتفعت فوق يونان لتكون ظلاً على رأسه ، لكي يخلصه من غمه " وظل يجاذبه الحديث قائلاً له : " هل اغتظت بالصواب ؟ " ويونان يجيب : " اغتظت بالصواب حتى الموت " لم يزل به حتى أقنعه وصالحه ( يون4 ) والسامرة التي أغلتق أبوابها في وجهه ، لأن وجهه كان متجماً نحو أورشليم ، لم يتضايق من تصرفها هذا ، ولم ينزل ناراً من السماء ليحرقها كما لإقترح التلمذان ، بل ذهب إليها ليصالحه ، وهي المخطئة وبذل من حبه حتى أصلحها وصارت له ( يو4 ) . وفي قصة الابن الضال ، نرى أن الإبن الكبير لما غضب ورفض أن يدخل ، ورفض أن يشترك في الفرح برجوع أخيه ، مع أن غضبه لم يكن مقدساً ، ومع أن إرادته كانت ضد إرادة إلآب ، إلا أن الآب ذهب إليه ليصالحه وفي ذلك يقول الكتاب : " فخرج أبوه يتول إليه " ( لو15 : 28 ) مع أن كلام هذا الإبن كان قاسياً في حديثه مع أبيه ، وكانت إتهاماته كثيرة وظالمة ، إلا أن الأب إحتمله ، وأطال أناته على حتى صالحة ولم يقل له كيف وأنت صغير تكلمني هكذا ! ولما أخطأ القديس بطرس وأنكر السيد المسيح ، لم ينتظر الرب حتى يأتي القديس بطرس تائباً ومعتذراً ، بل هو الذي بداه بالكلام ، وسهل الأمر عليه ، وأرجع العلاقات كما كانت ، بنفس الدالة إن الرب لا يرى في سعيه للصلح إنقاصاً لقدرة أو إضاعة لكرامته ، بل على العكس إنه يبرهن على محبه وعلى وتواضعه فيزداد حب الناس له وإن كان الله بميلاده قد جاء ليصالحنا ، فإذهب أنت يا أخي وصالح غيرك لا تقل كيف أذهب أنا ؟ هم الذين يأتون كلا ، فإن الذي يقوم بالصلح ، هو الذي ينال بركته ولا تقل كيف أصالح ابني ، أو أخي الأصغر ، أو خادمي ، أو مرؤوسى ، وأنا الكبير ؟! إعرف أن الكبير هو الكبير في قلبه وفي حبه ، في فضائله وفي احتماله . والله لا يقيس الناس بمقياس السن أو المركز ، بل بنقاوة القلب ومهما كنت كبيراً ، فلن تكون مطلقاً في درجة الله الذي سعي لمصالحة عبيده ومخلوقاته ! وحاذر من أن تطلب إحتراماً يليق بك ، حتى لو كان يليق بك المجد والكرامة !! بل أطلب محبة الناس وبركتهم وفي ذكري الميلاد تذكر تواضع الرب الذي نزل من سمائه إلينا ، فكيف لا نتنازل بعضنا للبعض وفي مصالحة الناس ، لا تفكر في خطية غيرك ـ كبيراً كان أم صغيراً ـ وإنما فكر في نقاوة قلبك ، وضع أمامك تواضع الرب في مصالحته للبشر . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل