المقالات

25 أبريل 2023

براهين القيامة - القبر الفارغ والكفن المقدس

عثر الباحث جوردرن سنة ١٨٨١على حديقة صغيرة عند سفح جبل الجلجثة إلى الغرب، وذلك تحت خمسة أقدام من القمامة، حيث وجد بها قبرا منحوتا في الصخر، مع ممر أمامي، وحجر ضخم مدحرج عند فوهة المكان. ولم تكن بالقبر أية آثار لموتى أو تعفن، وهو يتسع لمجموعة صغيرة من الأشخاص، كي يلتقوا فيه. ومن المعروف أن الإمبراطور الروماني هادريان (١٣٥ م)،كان قد بنى معبدا للإلهة فينوس فوق قبر المسيح. وقد عثر جوردون على آثار وأطلال هذا المعبد، مع تمثال لفينوس، وذلك لأن الملك قسطنطين حين آمن بالمسيح حطم معبد فينوس (٣٣٠ م). وهذا القبر الفارغ برهان قوي على حقيقة القيامة. فالرب تركه فارغا، وانطلق بجسده الجديد، يظهر لتلاميذه ، ثم يصعد إلى السموات. ولنا في القبر عدة ملاحظات: ١. أنه قبر جديد: وهذا شيء هام، فلو كان القبر قديما، ودفن فيه كثيرون، فمن أدرانا أن الذي قام هو الرب، وليس أحدا آخر؟ لكن القبر كان جديدا، نحته يوسف الرامي في صخر، ولم يدفن فيه أحد قط، قبل السيد المسيح. ٢. الدراسات العلمية والتاريخية: تؤكد أنه قبر السيد المسيح، فهو موجود بأورشليم ومنذ مئات السنين كان مزارا للمسيحيين، يلتمسون منه بركة المسيح الظافر. إن كافة الحفريات والدراسات العلمية، وأقوال المؤرخين تؤكد لنا أنه قبر السيد المسيح، الذي كان قد دفن فيه، وقام منه. ٣. أقوال البشيرين: ولقد تحدث البشيرون عن حقيقة القبر الذي وجدوه خاليا من الجسد، الذي وضعوه فيه بأيديهم... + "إذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء، وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه، وكان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثلج، فمن خوفه ارتعد الحراس، وصاروا كأموات" (مت ٢:٢٨-٤) + فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع... وإذا رجلان وقفا بهن... وقالا لهن: ليس هو ههنا لكنه قام"(لو ٢٤: ٣-٦). + "قام بطرس وركض إلى القبر ونظر الأكفان موضوعة وحدها، فمضى متعجبا في نفسه مما كان"(لو 24: 12). + سبق التلميذ الآخر (يوحنا) بطرس وجاء أولا إلى القبر وانحنى فنظر الأكفان موضوعة، والمنديل الذي كان على رأسه... ملفوفا في موضع وحده..." (يو ٢٠: ٢-١٠). وهكذا اتفق البشيرون جميعا أن القبر كان فارغا والكفن متروكا في تنسيق بديع، يؤكد قيامة الرب نافضا عنه أكفان الموت! ٤. كلام الحراس: وهذا من أقوى الأدلة على قيامة المسيح! فأولئك الذين جاءوا لحراسة القبر، بعد أن طلب رؤساء الكهنة ذلك من بيلاطس قائلين:" يا سيد، تذكرنا أن ذلك المضل قال - وهو حي - إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث. لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا أنه قام ... فأجابهم بيلاطس: "عندكم حراس. اذهبوا واضبطوه كما تعلمون" فمضوا وضبطوا القبر بالحراس. وختموا الحجر. إذن فهناك توقع من رؤساء الكهنة أن يحدث شيء وأن هذا الشيء سيحدث بالذات في اليوم الثالث، والحراس جاءوا من طرفهم لا من طرف بيلاطس، ولاشك أنهم أوصوهم كثيرا أن يراقبوا الأمور خشية سرقة التلاميذ للجسد في اليوم الثالث بالذات. لكن ماذا حدث؟ زلزلة رهيبة، وملاك نزل من السماء ودحرج الحجر وجلس عليه متحديا، وإذ بالقبر خال من الجسد! فهرول الحراس في رعب شديد واجتمعوا مع الشيوخ... وتشاوروا... وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين: قولوا أن تلاميذه أتوا وسرقوه ونحن نيام... وإذا سمع ذلك الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين... فأخذوا الفضة وفعلوا كما علموهم.." (مت ٢٨: ١١-١٥). والسؤال هنا: - + لو كان الحراس نياما، فما هي مهمتهم إذن؟ خصوصا في اليوم الثالث؟ هل من المعقول أن يناموا في اليوم المهم؟ ألم يرتبوا كالمعتاد دوريات حراسة؟ + وإذا كانوا نائمين، فكيف علموا أن تلاميذه بالذات هم الذين أتوا وسرقوه؟ + وألم يكن كافيا ذلك الصوت الرهيب المنبعث من التلاميذ وهم يدحرجون الحجر لكي يستيقظوا ؟ ولكونهم جنودا مدربين ومسلحين، حتما سيطردون التلاميذ.+ والتلاميذ العزل الخائفين، من أين واتتهم هذه الجرأة؟ ألم يهربوا ساعة الصلب؟ ألم يقضوا الأيام بعد الصلب خلف أبواب مغلقة بإحكام؟ هل حدث أن سلحوا أنفسهم لمهاجمة الحراس؟ إذن فأين الإصابات بين الحراس؟ + وكيف وجدت الأكفان مرتبة، والمنديل ملفوفا وموضوعا لوحده، هل من يسرق ينسق بقايا سرقته، أم يتركها في ارتباك؟ شكرا الله، أن هذه الأكذوبة أكدت لنا شيئا غاية في الأهمية، أن الحراس أنفسهم شهدوا أن القبر كان فارغا ولم يكن جسد المسيح فيه، اعتبارا من يوم الأحد، حقا... "ليس هو ههنا لأنه قام كما قال" (مت ٦:٢٨) 5. الكفن المقدس: وهذا دليل إعجازي على قوة قيامة الرب. فلقد اكتشف العلماء- بعد دراسات علمية ومعملية غاية في الدقة - أن الكفن المقدس الذي تركه الرب في ترتيب لأنه قام بجسده النوراني دون ضرورة بعثرته، يحمل بين طياته أدلة علمية تؤكد صدق كل ما نعرفه من أحداث الصلب والقيامة. ومن بين هذه الأدلة ما يلي: ١. أن الصورة المنطبعة على الكفن سلبية (Negative) والصورة التي التقطت لها إيجابية واضحة. ٢. أن الدراسة التشريحية الدقيقة تؤكد أن المسامير لم تكسر حتى أصغر العظام، لأنها دخلت فيما بينها تماما كنبوة العهد القديم "إن عظما لا يكسر منه". ٣. إن الصورة لا تبدو واضحة حينما تقترب منها، ولا حين تبتعد عنها بمقدار ذراع... مما يستحيل معه أن يرسمها فنان، إذ كيف يتابع ما يرسم دون أن يراه؟! 4. ولا توجد في الصورة - بكل الوسائل العلمية - أية آثار لمادة تلوين، ولا أماكن مشبعة باللون أكثر من غيرها، ولا أثر ليد فنان يرسم. ٥. والصورة لا تتأثر بالحرارة ولا بالماء ولا كيميائيا. ٦. والدم الذي على الكفن دم حقيقي ويحوي مادة الهيموجلوبين فعلا، وبعد إزالة كل أثر للحديد وجدت أيضا مادة البورفرين. ٧. وهي صورة ثلاثية الأبعاد. ٨. والدراسات العلمية للكتان أكدت أنه يرجع إلى القرن الأول ، وبه القطن الذي لا ينمو إلا بالشرق الأوسط، بل وبعض حبوب لقاح لنباتات لا تنمو إلا بأورشليم. ٩. أما مسار الدماء التي نزفت من يدي المخلص وقدميه، فموضوع دراسة عجيب ومذهل. ١٠. وأما آثار السياط التي جلدوه بها فهي موضوع خشوع وانسكاب، فهي سياط ثلاثية تركت جروحا في ظهر المخلص، وهي واضحة في صورة الكفن بصورة ترينا قسوة الضرب، وبشاعة خطايانا. ١١. والدراسة المتأنية للأيقونات القديمة تحوي تشابهات دقيقة وكثيرة مع ما نراه بالكفن . ١٢. كذلك آثار إكليل الشوك، والضرب على الوجه، والطعنة، وخروج الدم والماء، وعدم وجود آثار تعفن في قماش الكفن . ١٣- إنها صورة إعجازية نتجت عن وهج نور قيامة المخلص وهي دليل يضاف إلى كل ما ذكرناه سابقا.ولكن أقوى دليل هو قيامة الرب في حياة كنيسته وأبنائه... له كل المجد! 6. أقوال بولس الرسول: لقد حاول بعض نقاد الكتاب أن يشككوا في قيامة الجسد، فقال "شميدل" أن المسيح قام بروحه فقط، أما فكرة القيامة بجسده، فهي تطور تال. وقال "وايزساكر " أن الرسول بولس لم يتحدث عن قيامة المسيح بجسده، لأنه لم يكن يعلم عنها شيئا، وقال "هارناك" أن قيامة المسيح جسديا أمر وارد ولكنه ليس يقينيا. لكن الرسول بولس حين تدرس كتاباته وأقواله يؤكد على حقيقة الجسد القائم ويلغي تصوراتهم الخاطئة... وهذه مجرد أمثلة: + كيف رجعتم إلى الله من الأوثان، لتعبدوا الله الحي الحقيقي، وتنتظروا ابنه من السماء، الذي أقامه من الأموات" (١ تس ١: ٩). + "إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضا معه" (1 تس ١٤:٤) + أنني سلمت إليكم في الأول (في اليونانية En Prwlois First and foremost = أي أهم شيء) ما قبلته أنا أيضا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دفن، وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب" (١ كو ١٥: ٣-٤). والدفن هنا مقابل القيامة، دفن بجسده، وقام بجسده. + "الآن قد قام المسيح من الأموات، وصار باكورة الراقدين" (١ كو ١٥: ٢٠)، وهل سنقوم نحن بأرواحنا فقط أم بكياننا كله؟ إنها نظرة غير مسيحية من نقاد الكتاب حيث يتعاملون دائما مع الجسد بأسلوب هندي، إذ يرون فيه انه سجن الروح، وأنه للهلاك. أما المسيحية فهي تقدس الجسد وتجعلنا متوقعين التبني. فداء أجسادنا" (رو ٨: ٢٣). وسوف نتغير إلى صورة جسد مجده" (في ٣: ٢١). إذن فالجسد... للرب، والرب للجسد" (١كو ٦: ١٣). ونحن حينما نقمع أجسادنا بالصوم، فليس إلى الهزال والمرض أو أضعاف قدراتنا البدنية، ولكنه مجرد زهد اختياري لتنطلق الروح في العبادة ولينضبط الجسد في السلوك. + "الذي أقام يسوع من الأموات... سيحيي أجسادكم المائتة..." ( رو ٨: ١١). + "ولما تمموا كل شيء، أنزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر ولكن الله أقامه من الأموات، وظهر كثيرا للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم" (أع ١٣: ٢٩-٣١). + "إن يؤلم المسيح، يكن هو أول قيامة الأموات" ( أع ٢٦: ٢٣). + " المسيح بعدما أقيم من الأموات، لا يموت أيضا. لا يسود عليه الموت بعد..." (رو ٦: ٩-١٠). هذا ما كتبه معلمنا بولس عن قيامة الرب، وكتب الكثير غيره، مؤكدا حقيقة القيامة حسب الكتب (=Kata tis Graphia) فالقيامة الحقيقية عاينها الرسل فعلا، ولكنها تتميم لنبوات العهد القديم" أنا اضطجعت ونمت هم استيقظت" (مز 3: 5). أخبر باسمك إخوتي، وفي وسط الكنيسة أسبحك ( مز 22: 22) مشيرا إلى ظهور الرب المتكرر لجماعة التلاميذ عقب قيامته المجيدة.إذن، فلنتحن هاماتنا أمام القبر الفارغ.وأمام الكفن المقدس.وأمام شهادة الشهود.ونبوات الأنبياء. فالقيامة يقين أقوى من الشمس! نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
18 أبريل 2023

براهين القيامة

التحول الرسولي "نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا" (أع ٤: ٢٠) من أقوى براهين القيامة، ذلك التحول الفذ، الذي حدث في حياة الرسل، إنه حقا أمر عجيب! كيف أن الذين قبعوا خلف أبواب مغلقة، في خوف ورعب من اليهود، انطلقوا فجأة يعلنون بشرى الخلاص لكل الأمم. كيف تحولوا في لحظات من الحزن إلى الفرح، ومن الضعف إلى القوة، ومن الخوف إلى الشجاعة، ومن اليأس إلى الثقة؟! كيف استطاع هذا النفر من البسطاء أن يفتنوا المسكونة" بأسرها دون سند بشری، ودون حرب ضروس، ودون مادة أو علم؟! إنه يقين القيامة، ورؤية الرب الظافر! فهم أمام معجزة المعجزات، يسوع قال لهم إنه سيقوم، ولكن هل حقا سيقوم؟! لقد انتظر الرسل في رعب شديد أخبار القبر الفارغ، والكفن المنظم. والملائكة، والزلزلة، والحجر المدحرج، والحراس المرتعبين من هول المفاجأة وقوة الأسد الظافر... وحالما تأكدوا من الأنباء وحل الرب في وسطهم بنفسه، ولمسوه، وأكل قدامهم وشرب، تفجرت فيهم طاقات مذهلة، فانطلقوا في قوة لم يحدث لها مثيل في تاريخ البشرية، يبشرون بالمصلوب القائم، وبالرب الذي أحبنا إلى المنتهى. انطلقوا في قوة هزأت بالموت، وبسيفه المسلط على رقابهم كل يوم، لأنهم وثقوا في القائم من الأموات ، القادر أن يقيمهم أيضا. انسكب في قلوبهم إيمان أبيهم إبراهيم، الذي على خلاف الرجاء، أمن على الرجاء، آمن به، الذي يحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة (رو ٤: ١٧-١٨). نعم، انسكب فيهم نفس إيمان أبيهم، الذي أخذ إسحق إبنه من الموت مرتين: مرة من جسده الممات مع جسد سارة، ومرة أخرى من فوق المذبح، بعد أن افتداه بذبيحة أخرى. هكذا انطلق الرسل في يقين القيامة، يقدمون البشارة، ويستهينون بالموت، ويواجهون الحكام في قسوتهم والفلاسفة الوثنيين في مكرهم وينتصرون بالرب الظافر فيهم.وهكذا انتشرت المسيحية بسرعة في كل العالم المعروف آنذاك، وسرت فيه سريان النار في الهشيم، وتبدلت الوثنية الضاربة في أعماقه إلى مسيحية تنشر الحب والحق والنور.الحقيقة إذن ليست أن "المسيح قام" وحسب، بل أن "المسيح حي" إلى الأبد. فلقد ترك المسيح القبر فارغا لا ليصعد إلى السموات وينفصل عنا، بل ليسكن في أحشائنا ويحيي موتها. المسيح الآن حي، حاضر، وفعال. إنه رفيق الطريق، وزميل الموقف، وأنيس النفس ومخلصها. إنه يسير معنا في دروب الحياة، حتى في انحدارنا من أورشليم المرتفعة، مدينة الأحداث، إلى عمواس المنخفضة، مدينة الاهتمامات العالمية. يسوع يأتي إلينا، ويرافقنا في الطريق، وإذ يرانا في عبوسة وشك، يفتح أذهاننا لنفهم الكتب، ويلهب قلوبنا بأقواله الإلهية، وأخيرا يعطينا جسده ودمه لنأكل، ثم يختفي من أمامنا لأنه صار فينا، وهكذا تصعد من جديد إلى أورشليم الجديدة، حيث الجماعة الشاهدة، والكنيسة الحية.إنه يسوع الحي... رفيق موائدنا اليومية... الذي ينادينا في كل وجبة غذاء ويقول: "هلموا تغدوا" (يو ٢٠: ١٢). وقبل أن نأتي نحن بما اصطدناه من خير بنعمته، نجده وقد أعد لنا سمكا مشويا وخبزا، ويدعونا إلى مشاركته وهو الغني عنا. إنه يسوع المحب الذي لا يطرح من أنكره خارجا، بل يعاتبه في نظرة حب، فيذيب قلبه في داخله، وإذ يبكي بكاء مرا، يعيده في رفق إلى رسوليته وخدمته. يسوع الحنان... الذي تراف بتلميذه حين شك، فداوي شكه في ظهور خاص، وداوى كل الشكاكين معه. إنه يسوع العطوف... الذي كفكف دموع المجدلية، بصوته الحاني وهو يناديها "يا مريم"، ليؤكد لي أنه يعرفني باسمي، ويحبني كما أنا، مع أني أول الخطاة". يسوع الذي لا يكف عن التجول بين المنازل والقرى، وفي الطريق إلى دمشق يلتقي بشاول القاسي، فيحوله إلى بولس الحنون.وما أكثر من قابلت يا رب، بعد قيامتك، فحولت آثامهم إلى فضائل، وضعفاتهم إلى انتصارات! وهل هناك دليل أقوى من هذا: أن يتحول نفر قليل من الصيادين إلى جيش قادر قهار، يقتحم القلوب والأذهان في حب سخي، يصل إلى حد الموت؟! نعم فيسوع هو الحب! والحب لا يقهر! الحب لا يقبر! الحب لا يموت! وهل حدث يوما أن مات حب؟!" المحبة قوية كالموت"، إذن فالموت لا يستطيع أن يقهرها. "لهيبها لهيب نار، لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفيء المحبة، والسيول لا تغمرها. وإن أعطي الإنسان كل ثروة بيته، عوض المحبة. تحتقراحتقارا" (نش ٨: ٦-٧).هل كان من المعقول أن يضحي الرسل بأنفسهم، أرضيا وأبديا، من أجل أكذوبة اختلقوها؟! وهل للكذب أن يبقى؟! لقد رأوا الرب مرات كثيرة، وفي أماكن كثيرة، وبأعداد كبيرة، وفي يقظة روحية وبدنية، لمسوه، وحاوروه، وأكلوا معه، واستمعوا إلى خطابات مستفيضة عن ملكوت الله، ولذلك وثقوا بالقيامة وبربها، وانطلقوا يكرزون في قوة وجبروت. ومضى بطرس الذي أنكر السيد أمام جارية قبل حلول الروح القدس عليه، مضى يوبخ رؤساء الكهنة ويعلن حقيقة القيامة، فقال: "يسوع الناصري... الذي بأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه... أقامه الله ناقضا أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه... يسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعا شهود لذلك" (أع ٢: ٢٢-٣٢). وفي خطابه الثاني كرر القول: "رئيس الحياة قتلتموه... الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود لذلك" (أع ٣: ١٥).هكذا يبقى أن نختبر نحن هذا السر "سر حضور المسيح فينا"، أو "سر المسيح رفيق الحياة اليومية". فيسوع الآن على استعداد تام أن يحيا فينا، وأن يرافقنا في ظروفنا اليومية: حين ننام وحين نقوم، حين نغتسل وحين نخرج إلى العمل، حين نلتقي بالناس وحين ننعزل عنهم، في البيت والشارع ومعهد العلم. وإذا كان داود قد اختبر حضور الرب فقال: "جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع... لذلك فرح قلبي..." (مز ١٥: ٨-٩)، يمكننا أن نقول نحن "جعلت الرب حيا في أعماقي، ذهنا ومشاعر وإرادة، فهو سرفرحي ونصرتي .فليملأ الرب حياتنا من سر حضوره الدائم، وليبقي لنا نعم الرفيق، كل الطريق! نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
04 أبريل 2023

أبعاد حياة الشركة الثبات في الله

تحدثنا في العدد السابق عن أربعة أبعاد لحياة الشركة هي : ١ ـ الاتحاد بالمسيح رأس الكنيسة . ٢ ـ الاتحاد بالقديسين ، الأعضاء السماوية المنتصرة . ٣ ـ الاتحاد بالمؤمنين ، الأعضاء المجاهدة على الأرض . ٤ ـ الأهتمام بالعالم ، كشهادة للمسيح الساكن فينا . واليوم تركز أنتباهنا على البعد الأول والجوهري : الاتحاد بالمسيح والثبات في الله . لماذا ؟ لا شك أن الاتحاد بالسيد المسيح جوهرى جداً للأسباب التالية : ١ - السيد المسيح هو رأس الكنيسة ، ومن غير المعقول أن ينفصل العضو عن رأس الجسد، لأن شبكة الأعصاب وامكانية التفكير والقيادة ، تكمن في الرأس . ٢ - كذلك فالسيد المسيح هو مخلص الجسد ، بمعنى أنه « ليس بأحد غيره الخلاص » ( أع ٤ : ١٢ ) ... هو الذي يغفر لنا خطايانا بفدائه العجيب ، وهو الذي يطهرنا منها بدمه الطاهر، كما أنه هو الذي يقدس كياننا و يكرسه لشخصه المحب . فهو طريقنا الوحيد إلى الخلاص من حكم الدينونة ، والفساد الذي أصاب طبيعتنا البشرية بالسقوط . ٣ - والرب يسوع هو شبع القلب ، ففي أعماقنا جوع لا نهائي ، لا يشبعه إلا كائن لا نهائي . ومهما حاولنا أن نطرح في بئرنا من مياه مالحة كمياه الخطيئة، لن تمتلىء أبدأ... ولن يشبع قلب الإنسان المثلث إلا الله المثلث الأقانيم ... والكرة الأرضية كلها لا تشبع هذا - القلب المثلث ، إذ ستبقى زواياه فارغة . من هنا نرى كيف كان الرب هو شبع القديسين فكرياً ونفسياً ووجدانياً ، فساروا وراءه حتى إلى الجبال والمغاير والاستشهاد ، وفي أعماقهم احساس واحد : « من " لى في السماء ، ومعك لا أريد شيئاً في الأرض » ( مز٧٣ : ٢٥ ) . ٤- والرب يسوع هو أيضا النور والطريق ، فهو لم يرشدنا إلى طريق معينة أو نور كشاف بل هو هو بنفسه صار لنا الطريق والنور « أنا هو الطريق ...» (يوحنا ١٤: ٦)، «أنا هو نور العالم » (یو٨ : ۱۲ ) . وطوبى لمن تمسك بهذب ثوب المخلص ، لأنه سيسير في طريق يؤدي به إلى الأبدية السعيدة ... « هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي .... و يسوع المسيح الذي أرسلته » ( يوحنا ١٧ : ٣). إذن ... كيف ؟ إن كان الاتحاد بالرب هكذا مهما ... فما هي وسائله ؟ ١ ـ الصلاة : فهي الجلسة التي فيها نغتذي سراً على طعام الحياة الأبدية . وهي التيار الحي الذي يسكب حياة الروح في أحشائنا . فالمزامير، والصلوات السهمية، والصلوات التلقائية ، كلها نافعة في دعم صلتنا بالرب واتحادنا به. ٢ - الكلمة : فهي الخبز المشبع ، والنور القائد ، والسيف البتار، والمطرقة الساحقة للشر، والنار التي تأكل آثامنا ، والغسيل اليومي الذي ينقينا ... « أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به» (يو١٥: ٣). ٣ ـ الأسرار : حيث تتحد بالرب ونثبت فيه ... « من يأكل جسدى و يشرب دمى يثبت في وأنا فيه » (يو٦ : ٥٦ ) . ٤ ـ الخدمة : حيث نرتبط بأعضاء الكنيسة المحتاجين روحيا أو مادياً ، فيحسب لنا ذلك ارتباطاً بالرب نفسه « فبما أنكم فعلتموه بأحد اخوتى هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم » ( متى ٢٥ : ٤٠ ) . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
28 مارس 2023

أبعاد حياة الشركة

الشركة ( كينونيا ) سمة أساسية في الحياة الكنسية ، فالكنيسة في الأساس هي جماعة المؤمنين ، أعضاء الجسد المقدس ، الذي رأسه هو السيد المسيح له المجد . والمؤمنون بالمسيح قسمان : سماوی ، يشمل القديسين ، وأرضى يشمل التائبين المجاهدين . من هنا يكون للمؤمن المجاهد على هذه الأرض علاقات أساسية ، بدونها لا يكون مسيحياً ولا كنسياً ، وهذه العلاقة أو الأبعاد هي : ١- الاتحاد بالسيد المسيح له المجد ، بصفته رأس الجسد المقدس أي الكنيسة . . ۲- الاتحاد بالقديسين في السماء ، بصفتهم الأعضاء الظافرة التي وصلت إلى الفردوس ، في إنتظارنا وفى إنتظار المجد السماوى . ٣ - الاتحاد باخوتنا في الأرض ، الذين يجاهدون مثلنا ، ليصلوا إلى ما وصل إليه القديسون السمائيون . 4- الاهتمام بالعالم ، حيث يحس المؤمن بأنه مطالب بالشهادة المسيحية اليومية ، أثناء مسيرته في هذه الحياة . كيف تتحقق هذه الأبعاد :- تتحقق هذه الأبعاد من خلال ممارسات محددة ، تعبر عن اتجاهات باطنية وذهنية ، وقناعات في الكيان الإنساني ، وهكذا تتحول الفكرة إلى عمل ، وسلوك وتعبير يومي ، فمثلاً : 1 - الاتحاد بالسيد المسيح : يتحقق من خلال قنوات أساسية محددة مثل: أ ـ الصلاة : كفرصة حوار يومي متصل ، وحديث مستمر مع الرب ، الذي يسمع صلواتنا و يستجيب في حدود . ب ـ الكلمة ، حيث تلتقى بالرب يسوع متكلماً من خلال الكتاب المقدس . ، وعاملاً فينا من خلال كلماته التي هي « روح وحياة » ( يو ٦ : ٦٣ ) . ) . كما أنها سراج ومواعيد وخبرات أساسية في طريق الروح . ج ـ التناول ، حيث يستعد المؤمن بالتوبة والاعتراف للثبات في الرب ، والاتحاد به . د ـ الخدمة ، حيث يتلامس المؤمن مع إخوة الرب ، أعضائه الفقيرة والمحتاجة والجريحة ، « بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتى هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم » ( مت ٢٥ : ٤٠ ) . ٢ - الاتحاد بالقديسين : من خلال التشفع اليومى بهم ، والاقتداء بسيرتهم العطرة ،والتمثل بإيمانهم ، ودراسة أقوالهم التي هي بمثابة الشموع تنير لنا طريق الجهاد الروحي والملكوت السمائي . ٣ ـ الاتحاد بالإخوة : من خلال الافخارستيا ( سر الشركة ) حيث تتناول جميعنا من مائدة روحية واحدة ، علامة وحدتنا في المسيح يسوع . 4ـ الاهتمام بتقديم المسيح للعالم : من خلال المحبة ، والسلوك المقدس ، والشهادة اليومية ، التي تجعلنا منفذين لوصية الرب : « هكذا فليضيء نوركم هكذا قدام الناس ، لكي يروا أعمالكم الحسنة ، فيمجدوا أباكم الذي في السموات » ( مت ٥: ١٦ ) مع المسيح ... عشرة ... صلاة ، وإنجيل وتناول ، وخدمة ... مع القديسين ... شفاعة وقدوة ودراسة لأقوالهم ...مع المؤمنين ... افخارستيا وشركة واتحاد بالحب ... مع العالم ... شهادة للرب بالمحبة والقدوة ... هذه هي أبعاد حياة الشركة ، وإلى مزيد من التفصيلات بنعمة إلهنا . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
21 مارس 2023

كيـف أعتـرف ؟

لـكـى يـكـون الاعـتـراف مفيداً في حياة الإنسان يجب أن يتسم بما يلى :- 1- الاستقرار أي أن يـعـتـرف الإنسان على يد كاهن واحد ... يستقر لديه إلى أن تنشأ ضرورة قصوى قاهرة تدعوه إلى التغيير كالسفر ، أو المرض أو غير ذلك . فالاستقرار يعطى فرصة النمو وللـتـوجـيـه المتزن لفترة طويلة ، مما يساعد على تماسك الإنسان وصفاء نفسه ، ووضوح مسيرته الروحية والسلوكية . ٢ ـ الإنتظام : يستحيل أن يكون الاعتراف مفيداً من الناحية السلوكية ، حينما تتباعد المدة بين اعتراف وآخر فالضعف يزداد والعبودية لأمر ما تتضاعف وبصمة الخطيئة تتثبت وعلاقات الإنسان بالآخرين تسوء والفتور الروحي يستثرى وزاوية الإنحراف عن الحق والـصـواب تنفرج أكثر فأكثر .والمعدل المـعـقـول للإعتـراف بالنسبة للشباب هو مرة شهرياً . 3 ـ الإستعداد : - لا قيمة للإعتراف دون استعداد روحی مسبق ، في جلسة هادئة مع الله : فيها يكشف الإنـسان نـفسـه ، و يكتشف أعماقه ، و يعلن نـدمـه عـن كـل خـطـأ ، وعـزمـه على تصحيح السيرة ، وضعفه الشديد المحتاج إلى معونة إلهية مـن الـنـعـمة . فإذا ما أستعد الإنسان هكذا ، تـقـابـل مـع أبـيـه الـروحي ، مقدماً تقريراً عن حـيـاتـه لـروح الله الـعـامـل في السر ، وسوف يحـصـل بـالـقطع على « الحل والحل » ، كما عـلـمـنـا قداسة البابا . الحل . أي الغفران ، والحل . أي الإرشاد الروحي المناسب . 4 ـ الأمانة :- لا قـيـمـة أيـضـاً لاعـتـراف يحتاج إلى أعـتـراف ، بمعنى أنه كاذب أو ناقص أوغير أمين . فـالمـعـتـرف الذي يخدع أباه الروحي ، تماماً كالمريض الذي يخفى مرضه عن طبيبه .كلاهـمـا لـن يـسـتـفـيـد من ذلك ، بل سيزداد المرض استشراء ، وتزداد الخطيئة تشبثاً . ومهما كان الخجل ، فهو بحد ذاته مفيد إذ يضبطنا عـن الخـطـأ إلى أن نكرهه من أعماقنا . ويمكن أن يـسـتـخـدم المـعـتـرف ورقة صغيرة لتسهيل الاعتراف ، يمزقها بعد الاعتراف مباشرة . ٥ـ الإيجابية : - الاعتراف لـه شـقان : سلبى وإيجابي ... السلبي تفهمه وتركز عليه دائماً وهو الخطايا المـتـنـوعـة في مجالات : الـفـكـر ، الحواس ، المشاعر ، العلاقات ، العادات . أما الشق الإيجابي فهو نواحي التقصير في وسائط النعمة : كالصلاة ، والشبع بالإنجيل ، والتناول ، والـقـراءات الروحية ، والاجتماعات الروحية ، والخدمة ... إلخ . من المهم أن يـراقـب الشاب نفسه في هذه الزوايا الإيجابية ، تماماً كما يراقبها في الزوايا السلبية . ٦- الطاعة :- حيث أن روح الله هو العامل في السر ، لذلك يجب أن يطيع المعترف ارشادات أبيه الروحي ، سواء في التصرف في مشكلة معينة ، أو في الانـتـظـام في تـداريـب روحـيـة بـناءة . ويجب أن يقتنع الشباب بأن لا ينتظروا دائماً مـن آبـائـهـم في الاعتراف الموافقة على كل ما يريدون ، فـربمـا يشتهى الإنسان شيئاً يضره . ولكن من حق المعترف أن يتنافس مع الأب ، في روح مسيحية غير جدلية ، حتى يستريح للارشاد أو التدريب المطلوب . ٧ـ عدم الدالة :- يجب ألا يـكـون لـك دالة أثناء الاعتراف مع أب أعترافك ، لا تطلب ذلك ، ولا تتضايق حين لا يسمح لك بذلك ، حيث أن الدالة كما قال القديسون « تشبه ريح السموم » ، أو أنها « كالثعبان الذي يسرق كل يوم البيضة من الدجـاجـة » ... فـلا تـقـدم ولا نمـو ... لأنه قد يحـدث مـنـك أحياناً خطأ مخجل فلا تقوله ، أو يحدث الخطأ المخجل فتذكره باستخفاف ، دون ندم وأنسحاق . ٨- التركيز : لا داعي « للدردشة » والحديث الطويل والتفاصيل عديمة الجدوى ، فالاعتراف السليم لسماع الغفران والارشاد . فلا تضيع الوقت على نفسك وعلى أبيك الروحي وعلى أخوتك المنتظرين ، بأحاديث تافهة . بل كن مركزاً ، والرب سيعطيك سؤل قلبك . الـرب يـبـارك و يقبل أعترافاتنا وتوبتنا ، و يعطينا أن نحيا في رضاه كل أيام حياتنا . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
14 مارس 2023

من معالم الطريق الروحي ( ٥ ) التوبة حياة مستمرة

يقظة وتغيير للذهن : الـتـوبة هي مدخل طريق الملكوت ، وهي صـحـوة . فربما كان أصل كلمة « تاب » هو « ثـاب » أي أسـتـيـقـظ وعاد إلى رشده . وفى الـيـونـانـيـة الـتـوبة = ميطانيا ( ميطا = تغيير ، نـوس = ذهـن ) وفهى إذن تجـديـد الـذهـن بحسب تعبير الـرسـول بـولس في رومية ١٢ « تـغـيـروا عـن شـكـلـكـم بتجديد أذهانكم » ( رو ۱۲ : ۲ ) ۔ والـتـغـيـر يـبـدأ بالذهن ، وكما أن الخطيئة بدأت بـفـكـرة ، فـالـتـوبة أيضاً تبدأ بفكرة ، مقارنة ذهنية واعية بين حياة البعد عن الله ، والحيادة داخل حظيرة الرب وبيته المقدس . حينما أسقطت الحية حواء ، أستخدمت باب الذهن والشك في وعود الله ووصاياه ، إذ بـيـنـما كانت حواء تعلم وصية الرب : « موتاً تموت » ... قالت لها الحية : « لن تموتا » !! ( تك ٣ : ١-٤ ) ، ثـم تحـايـلـت عليها قائلة : « بل الله عـالـم أنـه يـوم تـأكلان منه ، تنفتح أعـيـنـكـمـا ، وتـكـونـان كـالله ، عارفين الخير والشر » ( تك 3 : ٥) . إذن فـالـتـوبـة صـحـوة ، يقظة ، مقارنة ، أقـتـنـاع ، تحرك ذهـنى من أتجاه إلى أتجاه آخر جـديد ... ولعل خير مثال لذلك الابن الضال ، الذي فـكـر ، وقارن ، ثم قرر ، ونفذ !! التوبة ببساطة هي عودة النفس إلى الله ، شاعرة بمرارة البعد ، والحاجة إلى القرب ، وحينما تقرر النفس ذلك ، ينيرها روح الله ، و يقودها بنور الكلمة إلى بيت الله ، ودسم النعمة وشركة القديسين . التـوبـة قيامة : يـنـاديـنـا الـرسـول قـائـلاً « أستيقظ أيها الـنائـم ، وقـم من الأموات ، فيضىء لك المسيح » ( أف ٥ : ١٤ ) . فـكـمـا أن أجرة الخطية موت ، وحالة الخاطيء أنفصال عن الله الحي ، كذلك فـالـتـوبة هي حياة جديدة في المسيح ، حياة مستمرة حتى إلى الخلود . وكما أن خـطـيـئـة الشعب القديم قادته إلى الموت في « قـبـور الـشـهـوة » ( قبروتا هتأوه ) ، كذلك قـادتـهـم الـتـوبـة إلى الحياة ( عدد ١١ : ۳۱ - ٣٥ ) . لذلك وعدهم الرب قائلاً : هأنذا أفتح قـبوركـم ، وأصعدكم من قبوركم يا شعبی ، وأجـعـل روحـي فـیـکم فـتـحـيـون » ( حزقيال ۳۷ : ١٢- ١٤ ) . وقد دعا الكتاب المقدس التوبة « القيامة الأولى » ( رؤيا ٢٠ : ٦ ) ، في انتظار القيامة العامة في اليوم الأخير . التوبة تجديد مستمر : لأنه مادامت التوبة قيامة وحياة ، فهي إذن مـسـتـمـرة لا تـتـوقـف إلا بعد خلع الجسد الـتـرابـي ولـبـس الجسد السمائي . ولذلك فالإنسان لا يتوقف عن عملية تجديد الذهن طوال حياته على الأرض . مـن هـنـا تـكـون التوبة نوعاً من التجديد الـيـومـي ، بالاغتسال في دم المسيح ، ودموع الـنـدم ، وأمـانـة الجهاد . هكذا تجددت حياة الإبـن الـضـال ، إذ أغـتـسـل ، ولبس حذاء السـلام والـقـداسـة ، وخـاتـم العهد الجديد ، وشـبـع بـالـسـمـنـات الروحية والجسد والدم الأقدسين ، ودخـل إلى شـركـة الـقـديسين في الكنيسة ... « نأكل ونفرح » !! ميطانيا الجسد : وفى تـقـلـيـد كـنـيـسـتـنا الرائع ، نعبر عن مـيـطـانـيـا الذهن بميطانيا الجسد ، إذ ننسكب كـل يـوم أمام الله في توبة مستمرة متجددة ، في سـجـود حتى تلمس جبهتنا التراب ، أنسحاقاً أمام الله ، ثـم نـقـوم مـع الـرب في نصرة الحياة الجديدة ، وذلك مرات عديدة يصحبها قرع للصدر وطلب الرحمة ، في الأيام العادية ما عدا السبت والأحد والخمسين والأعـيـاد . إنه تدريب روحی طیب ، يعطى الإنسان فرصة يومية لتجديد العهود مع الله ، وطلب المراحم ، وقوة القيامة . استمرارية التوبة : ممـا تـقـدم يـتـضـح أن من سمات التوبة الأرثوذكـسـيـة الاسـتـمـرار مـدى الحيـاة . فـالـكـتـاب المـقـدس يـؤكـد لنا أننا نخطىء بـاسـتـمـرار ، ونـحـتـاج إلى « غسل أرجلنا » باستمرار ( يو ۱۳ : ٨ ) ، وإن إنساننا الداخل « يـتـجـدد للـمـعـرفـة حسب صورة خالقه » ( کو ٣ : ١٠ ) . فليعطنا الرب أن نتوب كل يوم ، بل كل لحظة ، بـل قبل أن نخطىء ، حتى تدخل إلى حياة « الـقـداسـة الـتـي بـدونها لا يرى أحد الرب » ( عب ١٢ : ١٤ ) . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
07 مارس 2023

أساسات أخرى للإعتراف

تحدثنا في الـعـدد الماضي عن الأساس الـكـتـابي لممارسة الاعتراف ، وذكرنا آيات وأدلة كثيرة من العهدين القديم والجديد على ضرورة الإعـتـراف على يد الأب الكاهن ، تحت قيادة و بفعل روح الله القدوس . والـيـوم نستكمل حديثنا عن الأساسات الأخرى للإعتراف وهي :- ١ ـ الأساس الكنسى ٢ ـ الأساس الإرشادي . ٣ ـ الأساس النفسي . ١ ـ الأساس الكنسى :- الإعـتـراف في كنيستنا ثابت في التقليد الكنسى ، وقد تسلمناه جيلاً بعد جيل . ومن منا لا يذكر اعترافات القديس الأنبا موسى الأسـود ؟ أو قـصـة المرأة التائبة التي جاءت لـتـعـتـرف للـقـديس باسيليوس بخطاياها ، فـوجـدتـه قـد رقد في الرب ، فأخذت تبكى حزينة أن الرب لا يقبلها ولا يعطيها فرصة للـتـوبـة ، وفجأة أكتشفت أن الورقة التي دونت فيها خطاياها صارت بيضاء كالثلج ، - تماماً كقلبها التائب . والكنيسة تعلمنا من خلال أقوال الآباء أن الإعـتـراف وقـفـة تـوبة أمام الله ، وليس مجـرد تـصـفـيـة حسابات معه . فالرب أساساً يهدف إلى تـقـديسنا لنكون أدوات خير و بر وطـهـارة . وكتابات الآباء زاخرة بارشادات من ذلك في كتابات بستان الرهبان ، ليعرف أن كـنـيـسـتـنـا تمارس هذا الأمر منذ نشأتها وحتى اليوم . أما القوانين الكنيسة المتعاقبة ، وما فيها مـن تـوجـيـهـات وترتيبات وتأديبات روحية بناءة ، فهي دليـل ثـالـث ـ بجوار التقليد الكنسى وأقوال ومماراسات الآباء . يؤكد روسخ خـطـوة الإعـتـراف كمكمل أساسي للتوبة الأرثوذكسية . ٢ ـ الأساس الإرشادي : « في الإعـتـراف نأخذ حلا وحلا » وهكذا علمنا قداسة البابا شنوده الثالث . وهذه حقيقة ، فنحن نأخذ في الإعتراف الـحـل والـغـفران لخطايانا ، والحل والإرشاد لمشاكلنا . ومعروف روحياً واختبارياً أن « الذين بـلا مـرشـد ، يسقطون كأوراق الخريف » ... فالإنسان يحتاج إلى إرشاد في مسيرته الروحية ، لـيـتـمـكـن مـن أن يجـد إجـابـة لتساؤلاته ، وحسماً لحيرته ، وفرصة لاتخاذ القرار الصائب ، وتوجيها يبنيه ، و يبعده عن تـيـار الخطيئة وضغطات الإنحراف . الإرشاد الروحي أساسي في خلاص الإنسان ، إذ يكون له ثان ليقيمه » ( جا ٤ : ١٠ ) ... والإرشاد هنـا لا ينبع من خيرات أب الإعـتـراف الروحية فقط ، بل من روح الله القدوس الحاضر والفاعل في السر . فنحن لا نعتمد في خلاصنا لا على ذراعنا ولا على غـيـرنـا ، بل على عمل روح الله فينا ، الذي يوجه جهادنا الوجهة القانونية السليمة . ومـن مـنـا يستطيع أن يعتمد على حكمته الذاتية ، والكتاب ، يقول لكل منا : « لا تكن حكيما في عيني نفسك » ( أم ٣ : ٧ ) . و يـقـول أيضاً : « حيث لا تدبير يسقط الشعب ، أما الخلاص فبكثرة المشيرين » ( أم ١٢ : ١٤ ) . ٣ ـ الأساس النفسي : لاشك أنـهـا ثـمرة رائعة من ثمار ممارسة الإعـتـراف ، أن يجد الإنسان آخـر يـستمع إليه ، ويحفظ سره ، و يشبعه بالحضور الإلهى والتوجيهات السمائية ، يمتص كل شحنات الـتـوتـر والحيرة والقلق والندم والغيرة والحسد والإثارة والخوف والأوهام التي يؤثر بلاشك على صحة الإنسان بطريقة شاملة : جسدية ونفسية وروحية ، وليس خير من الاعتراف أمام الله وفى حـضـور الأب الكاهن المحب والحـنـون ، وفى كتمان أبدى لكل ما باحث به النفس من شجون وآلام . لذلك فالاعتراف هو الطريق السليم إلى النـفـس الـسـلـيـمة ، فهو خير سند لإنسان العصر ، في صـراعـاتـه الـداخـلـية والخارجية الكثيرة ، وهو ليس مجرد سند إنسان لإنسان ، بل سند الله لنا في مسيرة هذه الحياة . فهيا أيها القارىء الحبيب إلى فرصة تـوبـة أمام الله ومـراجـعـته ، يعقبها لقاء مع أبيك الروحى في حضرة المسيح ، وفعل الروح القدس ، والرب معك . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
28 فبراير 2023

هـل الاعــــــــتراف ضــــــــرورة كتـابيـة

كثيراً ما يثير الجدل بين الشباب بخصوص « ضرورة الاعتراف » ، وهل الاعتراف بدعة جديدة في الكنائس التقليدية ، أم أن له الأساس الإنجيلي والحقيقة أننا نشكر الله أن كنيستنا التقليدية إنجيلية جداً ، وأن هناك آيات في الإنجيل يستحيل أن نحياها أو تطبقها إلا من خلال الاعتراف . وبالاضافة إلى هذا الأساس الكتابي ، هناك أسس أخرى نبنى عليها ضرورة الاعتراف لضمان سلامة حياتنا الروحية . 1 ـ الأساس الكتابي :- الاعتراف واضح في العهد الجديد كامتداد للعهد القديم . ففي العهد القديم كان المخطىء يضع يده على رأس الذبيحة المقدمة ، ويقر بخطاياه أمام الكاهن ، وكان خطاياه انتقلت من عليه إلى الذبيحة ، التي يسفك دمها عوضاً عنه ، حيث أن « أجرة الخطية هي موت » ( رو ٢٣:٦ ) « فإن كان يذنب في شيء من هذه يقر بما قد أحطأ به ، ويأتي إلى الرب بذبيحة لإثمه عن خطيته التي أخطأ بها ... فيكفر الكاهن عنه » ( لا ٥: ٥ - ٧ ) . لكن إن أقروا بذنوبهم التي خانوني بها ... أذكر ميثاقى » ( لا ٦ : ٤٠ - ٤٢) « اذا عمل رجل أو امرأة شيئاً من جميع خطايا الإنسان ... فقد اذنبت تلك النفس ، فلتقر بخطيتها التي عملت » ( عد٦:٥ -٧). + قال يشوع لعاخان : « یا اپنی اعط الآن مجداً للرب ... اعترف له واخبرنى الآن ماذا عملت ، لا تخف عنى » ( يش ٩:٧) - قال داود لناثان : « أخطأت إلى الرب » فقال له ناثان : « والرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك ... لا تموت » ( ۲ صم ١٢ : ١٣ ) « من يكتم خطاياه لا ينجح ... ومن يقر بها ويتركها ... يرحم » ( أم ٢٨ : ١٣) أمتد الاعتراف إلى العهد الجديد حين قال الرب لتلاميذه :أعطيك مفاتيح ملكوت السموات ، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات ، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السموات » (مت ١٦ : ١٩ ) كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء ، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء » ( مت ۱۸ : ۱۷ - ۱۸ ). « من غفرتم خطاياه تغفر له ، ومن امسكتم خطاياه أمسكت » ( یو ۲۰ : ٢٣) ضوابط هذا السلطان : ليس سلطان الحل والربط سلطاناً مطلقاً للكاهن على الشعب ، بل هناك ضوابط هامة نوجزها فيما يلى : ۱ ـ هذا سلطان للبناء لا للهدم ... فالكاهن يستخدم هذا السلطان ليبني أولاده ، حتى إذا ما ربطهم ومنعهم عن التناول ، فلسبب يراه بالروح القدس وبموضوعية كاملة وحب شديد . ٢ - فإذا ما كان المعترف تائبا نادماً أخذ الحل ، أما إذا تمسك بخطيته فإن الكاهن مضطر أن يربطه( أى يمنعه عن التناول ) حتى يتوب . « إن لم يسمع من الكنيسة ، فليكن عندك كالوثني والعشار » ( مت ۱۸ : ١٧ ) أي أنه حالياً خارج الحظيرة والمائدة ... نكن له الحب ونصلى من أجله إلى أن يتوب . ۳ - الروح القدس هو جوهر سر الاعتراف ، فهو الذي يسمع المعترف ، وهو الذي يرشد الكاهن ، وهو الذي ينطق بالحل أو الربط . وهذا واضح من منطوق التحليل الكنسي الذي فيه يضع الكاهن نفسه مع المعترف طالباً الحل : « ابنك فلان وضعفی .بارکنا وحاللنا وطهرنا » . 4 - حين كذب حنانيا وسفيرة على بطرس قال لهما : « لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس .ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب » (اع ٣:٥-٩) وهنا ربط واضح بين الكاهن وحلول وفعل الروح القدس في الأسرار . 5 ـ وحتى في حالة الانحراف العقيدي أو الإيماني ، تعطى الفرصة كاملة للإنسان ليفهم خطأه ويتوب عنه ، وإلا تتم محاكمته بطريقة عادلة ، و يصدر عنه الحكم الكنسى . لأنه إذا كان الرسول بولس قد فعل ذلك مع شاب ( تزوج ) امرأة أبيه « باسم ربنا يسوع المسيح إذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح ... يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد ، لكى تخلص الروح في يوم الرب » ( ۱ کوه : ٤ ، ٥ ) ... إن كانت خطية جسد أستوجبت هذا الحكم ، فكم بالحرى خطايا الإيمان والعقيدة ؟ ! إن سلطان الحل والربط في الكنيسة ليس تحكم بشر ، بل هو مسئولية رهيبة إذ يجب أن يخضع فيها الكاهن للروح القدس تماماً ، في تجرد كامل ، وموضوعية أكيدة ، وحب شديد . وبعد أن تطمئن يا أخى الشاب أن الأساس الكتابي للاعتراف راسخ بطول العهدين : القديم والجديد ، ننتقل إلى أسس أخرى هي : الأساس الكنسي ، والإرشادي ، والنفسي للاعتراف . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
21 فبراير 2023

الكتاب المقدس وأثره في الحياة الروحية ( ب )

ذكرنا في العدد الماضي أن أهمية الكتاب المقدس في حياة المؤمن تأتى من انه كـلام الله ونستكمل موضوعنا . ٢- الكتاب المقدس هو تاريخ البشرية:- وفیه دراسة لتاريخ البشرية من بدايته إلى نهايته ، وفيه نلمس معاملات الله مع النفس البشرية على اختلاف احوالها وأنواعها انه مدرسة لأخذ الخبرات فمثلا في سفر التكوين تتعرف على خبرة ادم وحواء في خطوات السقوط ، واثار الخطية ووعد الخلاص ، وفي قصة قايين تعرف على ضرورة وإمكانية النصرة على الخطية ، وعلى خطوة الخضوع لصوت العدو ، وفى إبراهيم تتعرف على معنى تبعية الرب في إيمان وثقة ، وفي إسحق نثق في مواعيد الله الصالحة ، وفي يعقوب نتعرف على خطورة التسرع والخداع والعاطفة ، كما نتعرف على اسلوب التصالح مع الناس ، ومن يوسف نتعرف على حنان الله إذ يدبر خلاص الجميع ، ومع يشـوع نتعرف على سر النصرة في أريحا ، وسر الهزيمة في عاي ، وفي القضاة نرى ابطال ايمان ، ونتعرف على بركات الطهارة وخطورة الانحراف في شمشون وهكذا وهكذا. مدرسة واسعة متعددة المراحل تبدأ في التكوين ، وتنتهي في الرؤيا حيث صراع الكنيسة والعـالم ونصرة الله النهائية .. خبرات لا تنتهي ناخذها كعصارة جاهزة لبنيانا نحن الذين انتهت الينا أواخر الدهور » ( ۱ کو ۱۱:۱۰ ) . ٣- الكتاب المقدس هو مكان لقاء واتحاد مع الله :-إلا أننا حينما نجلس هادئین متأملين في كلمة الله نتقابل مع الرب وسرعـان مـا نتـحـد به انفسنا إن فرصة دراسة الكتاب حين تكون بروح الصلاة والحب لله نصير شبيهة بجلسة مريم عند قدمي المسيح حيث اختاريت مریم النصيب الصالح الذي لن ينزع منهـا ( لو ٤٢:١٠). ومـا هو النصيب إلا الرب ... الرب لن ينزع منها فقد اتحدت به وأحبته وتحولت بسبب كثرة الجلوس عند قدمية ، إلى شبه صورته القدسية الم يقل الرسول « ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف ، كما في مرأة ، تتغير إلى تلك الصورة ، من مجد إلى مجد ، كما من الرب الروح » ( ٢كــو ٣ : ١٩ ) الـم يقـل أيضا : « لأن الذين سبق فعرفهم سبق ليكونوا مشابهين صورة ابنه ، ( رو ۸ : ۲۹ )؟ إن مداومة القراءة في كلام الله بروح الصلاة ، تعطى النفس اتحادا وثباتا شخصيا في الرب يسوع. ختاما فلنسمع ذلك القول المأثورة يوجد أعظم رجـاء لأعظم خاطئ يقرأ الكتاب المقدس ، ويوجد أعظم خطر على أعظم قديس يهمل الكتـاب وباختصار الكتاب المقدس يكشف لي حـاجــتى إلى الله وانتظار الله لي ... إنه نقطة لقـاء الخـاطي المسكين مع قلب الله المحب ، ان فـقـرة واحـدة قـراها اوغسطينوس كانت كفيلة بأن تخلص نفسه وتجعل منه قديسا في الكنيسة إنها الآيات التي وردت في ( رو١١:١٣ - ١٤ ) أفتح كـتـابك الآن واقراها بخشوع وتأمل لتدرك أثر الكتاب فى حياتك ، والرب معك. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل