المقالات

14 يونيو 2024

"أعظم قوة"

من الكلمات المبھرة في الحیاة الإنسانیة كلمة "القوة" وھي كلمة واسعة المعاني وعدیدة الأبعاد والمجالات فھناك قوة العلم والمعرفة والمعلومات وھناك قوة المال والثروة والكنوزوھناك قوة البدن والصحة والعضلات وھناك قوة الفكر والأدب والفلسفات وھناك قوة النسك والزھد والتقشف وھناك قوة السیطرة والاستحواذ والتحكم وغیر ذلك كثیر ونوعیات ربما یصعب حصرھا وذات يوم تساءلت ما ﻫﻲ أعظم قوة ﻓﻲ حياة الفرد؟!أو حياة اﻟﻤجتمع؟!أو حياة الشعوب وشغلني السؤال وأنا أقرأ في كتب التاریخ وقصص الزمان، ووجدت أن كل أنواع "القوة" تظھر على مسرح الزمان وتستمر وقتًا ثم تنتھي وھكذا كانت الممالك والإمبراطوریات الكبیرة والجیوش العتیدة وھكذا كان الملوك والأباطرة والطغاة، ومن كان دكتاتورًا في زمنه وانقضى ومن كان متمیزًا ومشھورًا في جیله وانتھى ومن صار علامة في حیاة البشر إیجابًا أو سلبًا حتى أن سلیمان الحكیم یقول في سفر الجامعة "بَاطِلُ الأَبَاطِیلِ، الْكُلُّ بَاطِلٌ مَا الْفَائِدَةُ لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِه الَّذِي یَتْعَبُه تَحْتَ الشَّمْسِ؟" ( ۱: ۲ ،3) ویظل التساؤل: ما ھي أعظم قوة في حیاة الإنسان؟ وما ھي ھذه القوة التي تحمي الإنسان من السقوط في الخطأ؟! إنھا قوة "الغفران" التي ینالھا الإنسان من لله،وھي قوة "التسامح" أو المسامحة التي یقدمھاالإنسان لأخیه الإنسان وقبیل صعود السید المسیح إلى السماء بعد قیامته ظل أربعین یومًا یظھر لتلامیذه قائلاً: "ھكَذَا كَانَ یَنْبَغِي أنَّ الْمَسِیحَ یَتَألَمَّ وَیَقوُمُ مِنَ الأمَوَاتِ فيِ الْیَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ یُكْرَزَ بِاسْمِه بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَایَا لِجَمِیعِ الأُمَمِ" (لو ۲٤: 46،47) أمام الخطایا یظھر إله الغفران: "إِله رَحِیمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِیرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِیَةِ وَالْخَطِیَّةِ وَلكِنَّه لَنْ یُبْرِئَ إِبْرَاءً" حتى أن موسى النبي یصلي ویقول "إِنَّه شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةُ وَاغْفِرْ إِثْمَنَا وَخَطِیَّتَنَا وَاتَّخِذْنَا مُلْكًا"(خروج ۳: 6-9)إن الإنسان یعیش في عالم ملئ بالجروح والمشاعر السلبیة والإساءات التي تصیبه من الآخرین، وتكون النتیجة ھي إصابته بمشاعر المرارة والغضب والقلق والخوف والظلم والاكتئاب والانتقام وكل ھذه الجروح والمواقف تسبب له حالة إحباط نفسي یختلف من وقت لآخر وھذا یؤثر على جسده ونفسه وروحه وبالتالي على سلوكیاته وتصرفاته سواء في البیت أو الكنیسة أو المجتمع وتنشأ عنده حالات الكراھیة والیأس والانطواء وغیاب الفرح مع أعراض أخرى مدمرة قاسیة ولا یجدي مع ذلك النسیان أوالإنكار أو الابتعاد ویقف الإنسان حائرًا ماذا یفعل؟! ولیس ھناك علاج أو مخرج من ھذه الحالة إلا بالغفران والمسامحة إن قوة التسامح ھي المنقذالوحید للخروج من ھذه المشاعر السلبیة التي شعرت فیھا النفس بالإیذاء النفسي العمیق ومعروف أن الشریعة في العھد القدیم لا تقتصرعلى وضع حد للانتقام "عَیْنًا بِعَیْنٍ" (خروج ۲۱: 23) ولكنھا أیضًا تنھي عن بغض الأخ لأخیه، كما تحرم الانتقام والحقد نحو القریب (لاویین ۱۹: ۱۸-۱۷) وقد تأمل ابن سیراخ الحكیم في ھذه التشریعات واكتشف الرابطة التي تربط بین غفران الإنسان لأخیه وبین الغفران الذي یلتمسه الإنسان من لله: "اِغْفِرْلِقَرِیبِكَ ظُلْمَه لَكَ فَإِذَا تَضَرَّعْتَ تُمْحَى خَطَایَاكَ"(سیراخ ۲۸: 2) والقاعدة واضحة جدًا أمام الإنسان؛ أن الله لا یمكن أن یغفر لمن لا یغفر لأخیه ومن أھمیة ذلك أن السید المسیح وضع ھذه القاعدة في الصلاة الربانیة التي نرددھا كل یوم حتى لا ننساھا إن مسامحة أخیك شرط طلب الغفران الإلھي (لوقا ۱۱: 4٤؛ متى ۱۸: 23) ولذا نجد السید المسیح یفرض على بطرس الرسول ألا یمل من الغفران (متى ۱۸ )، ونقرأ أن إستفانوس الشماس الأول مات وھو یغفر لراجمیه (أعمال ۷ :10) لأن الذي "یحب" علیه أن یعي أن ھناك فعلین یعملھما: أن یسامح وأن ینسى أیة إساءة إن الإنسان المسیحي یجب أن یغفر دائمًا ویغفربدافع المحبة أسوة بالمسیح (كولوسي ۳: 13) ولا یقاوم الشر إلا بالخیر (رومیة ۱۲: ۲۱ ) إن السید المسیح لم یدعو الخطاة إلى التوبة والإیمان فقط، بل أعلن أنه لم یأتِ إلا لیشفي ویغفرإن مقابلة الخیر بالخیر ھو عمل إنساني، ومقابلة الخیر بالشر ھوعمل شیطاني، أما مقابلة الشر بالخیر فھو عمل إلھي فالغفران عمل صعب على البشر لأنه لیس من طبیعتھم، ولكنه یحتاج قوة إلھیة خاصة نابعة من المحبة التي سكبھا لله في قلب الإنسان المسیحي (رومیة ٥:5)،وبھا یغفر ویسامح ویغسل قلبه ونفسه من الإساءة ومن المرارة، ولذا نصلي یومیًا "قَلْبًا نَقِیًّا اخْلُقْ فِيَّ یَا الَلهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِیمًا جَدِّدْ فِي أحْشَائِي" (مزمور ٥۰) یا صدیقي: أن تسامح الإنسان الآخر الذي أساء إلیك ھو قرارك بإرادتك ورغبتك واختیارك ولكن اعلم أن مكسبك كبیر للغایة وھو الحصول على قدر أكبر من الرحمة الإلھیة والشفاء الداخلي الذي تحتاجه في حیاتك الحاضرة والآتیة أیضًا كما نصلي في مدیحة الصوم الكبیر طوبى للرحما على المساكین فإن الرحمة تحل علیھم والمسیح یرحمھم في یوم الدین ویحل بروح قدسه فیھم والمساكین ھنا لیس فقط فقراء المال والعوز ولكن أصحاب الشخصیة الفقیرة في السلوك والتصرف والأدب والأخلاق والمعاملة. لتكن صلاتك: أعطني یارب طاقة تسامح وغفران لكل من أساء إليَّ املأ قلبي بمحبتك فأستطیع أن أحب حتى الذین أساءوا إليَّ في مشوارحیاتي لا تدعني أحمل ضغینة ضد أي أحد علمني أن أسامح وأن أغفر وأن أحب رغم الضعف والفكر والمیول القلبیة الشریرة التي تحاربني وتبعدني عن طاعة وصیتك الغالیة "اِغْفِرُوا یُغْفَرْ لَكُمْ" (لوقا ٦: 37) أوعدك یارب أن أبدأ صفحة جدیدة كلھا تسامح وغفران وتوبة وحیاة نقیة أطلب فیھا نعمتك وروحك القدوس مرشدًا ومعینًا لحیاتي آمین. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
07 يونيو 2024

معونة للمساكين

اﻟﻤساكين ثلاثة أنواع: ۱- مساكین بالروح: "طُوبَى لِلْمَسَاكِینِ بِالرُّوحِ،لأَنَّ لَھُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (مت ٥: 3) المسكین بالروح ھو الإنسان الذي یعیش في اتضاع ووداعة ونقاوة. یعیش على الأرض لكن یخاف على نصیبه في السماء، لذلك حیاته على الأرض تكون مستقیمة وصحیحة. وإن سقط أو ارتكب أیة خطیة یتوب سریعًا لیكمل مشواره بطریقة صحیحة.والمساكین بالروح یعیشون في مخافة الله على الدوام. مثال لھم أمنا العذراء مریم التي قالت: "لأَنَّه نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِه" (لو ۱: ٤۸ )، وھي التي اختارھا الله لنقاوتھا الفائقة لیتجسد منھا ویولد، وصارت ھي فخر جنسنا. ۲- مساكین الاحتیاج: الكل لھم احتیاجات متعددة، وأحیانًا من لا یجد احتیاجه یقع في الخطأ یقول السید المسیح: "تَعَالَوْا یَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِیسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَیْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِیبًا فَآوَیْتُمُونِي. عُرْیَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِیضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَیْتُمْ إِلَيَّ" (مت ۲٥ :34 -36)،ھنا ذكر ٦ احتیاجات. وفي الصوم الكبیر نردد مدیحة "طوبى للرحماء على المساكین"، فأنت في كل مرة تخدم إنسانًا صاحب احتیاج أنت تخدم المسیح مباشرةً. ۳- مساكین لا یعرفون الله: ھؤلاء حملوا الجھل في قلوبھم ولم یعرفوا طریق الرب. وأي إنسان لا یعرف الله ھو إنسان جاھل ومسكین ویستحق الشفقة لأنه لا یعرف الله صاحب الخیرات والنعم. طلب الله منا أن نهتم باﻟﻤساكين:- "طُوبَى لِلَّذِي یَنْظُرُ إِلَى الْمَسْكِینِ. فِي یَوْمِ الشَّرِّ یُنَجِّیه الرَّبُّ. الرَّبُّ یَحْفَظُهٌ وَیُحْیِیه. یَغْتَبِطُ فِي الأرَضِ، وَلا یُسَلمِّهٌ إلِىَ مَرَامِ أعَدَائِه الرَّبُّ یَعْضُدُه وَھُوَ عَلَى فِرَاشِ الضُّعْفِ" (مز ٤۱: 1-3) "مَنْ یَحْتَقرِ قرَیبَهُ یخُطِئُ، وَمَنْ یَرْحَم المْسَاكِینَ فَطُوبَى لَهُ" (أم ۱٤: 21) "مَنْ یَسُدُّ أذُنَیْه عَنْ صُرَاخِ المْسْكِینِ، فھَوُ أیَضًا یَصْرُخُ وَلاَ یُسْتَجَابُ" (أم ۲۱: 13) مساكين ذكروا ﻓﻲ الكتاب المقدس: داود النبي قبل أن یكون ملكًا في بعض الأوقات كان مسكینًا لا یجد طعامًا له ولا لمن حوله ویرسل یطلب من نابال. وإرمیاء النبي أیضًا كان مسكینًا وحمل في جسده وقلبه آلام شعبه. وأیوب بعد أن ضُرب كان مسكینًا. بل بولس الرسول یقول عن السید المسیح نفسه: "فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا یَسُوعَ المْسِیحِ، أنَّهُ مِنْ أجَلكِم افْتَقرَ وَھُوَ غَنيِّ، لكِيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ" ( ۲كو8 :9) الفقراء الفقیر ھو الفقیر فعلاً الذي تضیق به الحیاة ویقول القدیس یوحنا ذھبي الفم عنھم: "الفقراء حراس الملكوت". هناك نوﻋﺎن من اﻟﻨاس: ۱- غیر محتاج یأخذ من مسكین: مثل آخاب الملك الذي اشتھى قطعة الأرض الصغیرة التي لنابوت الیزرعیلي، واغتصبه. وھذا شر. ۲- مسكین یعطي من احتیاجه: مثل الأرملة التي قدمت الفلسین فأشار إلیھا السید المسیح وقال: "الْحَق أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ ھذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِیرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِیعِ الَّذِینَ أَلْقَوْا فِي الْخِزَانَةِ، لأَنَّ الْجَمِیعَ مِنْ فَضْلتَھِمْ ألَقَوْا. وَأمَّا ھذِهِ فَمِنْ إعِوَازِھَا ألَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَھَا، كُلَّ مَعِیشَتِھَا" (مر ۱۲: 43-44) ھذا ھو قمة العطاء، وھو یدل على عظم الإیمان. طريقة خدمة اﻟﻤساكين من قصة أعرج باب الهيكل الجميل ( أع 3 :2-10) ۱- التقدیر: "فَتَفَرَّسَ فِیه بُطْرُسُ مَعَ یُوحَنَّا" أي بدءا ینظرا إلیه باھتمام واحترام ویتحدثا معه. من المھم أن نتعامل مع المساكین عمومًا بتقدیر لشخصھم. ولنعلم أن أي منا كان من الممكن أن یكون في نفس ظروف ھذا المسكین (مشرّد، بلا مأوى، إلخ). ۲- استعداد العطاء: "لَیْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَھَبٌ،وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِیَّاهُ أُعْطِیكَ". أي تكون مستعدًا دائمًا للعطاء والتقدیم. إیاك أن تقول "لا یوجد"لأنك إن قلتھا فلن تجد بالفعل، أما إن قدَّمت بحسب قدرتك فسوف یبارك لله ویعطي أكثر وأكثر،والقصص في ھذا المجال كثیرة جدًا. ھناك من یغلق یده، ویقسي قلبه، ولا یعرف أن یعمل عمل رحمة، لكن ھناك من ھو متكل على الله ویقدِّم وھو یعلم أن الله ھو الذي یغطِّي الاحتیاجات. بالنسبة لمن یخدم الفقراء في الكنیسة، فلیعلم أن ما في یده لیس له فضل فیه، وإن الله ھو الذي یحرك القلوب، وأما وظیفته ھو، فھي أن یكون أمینًا.ومن المھم أن نعلم الأطفال العطاء من الصغر، وأن نحرص على تقدیم عشور دخلنا ﻟﻠﮫ لبركةالبیت كله. ۳- القیام بعمل: "بِاسْمِ یَسُوعَ الْمَسِیحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ. وَأَمْسَكَهٌ بِیَدِهِ الْیُمْنَى وَأَقَامَهٌ، فَفِي الْحَالِ تَشَدَّدَتْ رِجْلاَهُ وَكَعْباهُ، فَوَثبَ وَوَقَفَ وَصَارَیَمْشِي". تكلم الرسولان مع الأعرج بابتسامة وحنیة وإیمان قوي، فنال الرجل شفاءً كاملاً. نوعيات اﻟمعونة للمساكين: في العھد القدیم ذكر حجر المعونة stone of help"فَأَخَذَ صَمُوئِیلُ حَجَرًا وَنَصَبَه ٌبَیْنَ الْمِصْفَاةِ وَالسِّنِّ، وَدَعَا اسْمَهٌ" حجر المعونة" وَقَالَ: إِلَى ھُنَا أَعَانَنَا الرب" ( ۱صم ۷: ۱۲ ).وكلمة "حجر" تعني أن یستند الإنسان على أساس. ۱- معونة نفسیة: ھناك من یحتاج إلى تشجیع وتقدیر واھتمام وحب. البعض عندھم شعور أن لا أحد یحبھم. وفي نظریات التربیة یقولون إن الوالدین بین الحین والآخر لابد أن یسألوا الأبناء إن كانوا یشعرون بمحبتھم لھم أم لا، لیتأكدوا أن أولادھم یشعرون بمحبتھم. الشخص الفقیر دائمًا مجروح وخجل، فكیف تستطیع أن تقدم له المعونة النفسیة وتساعده؟ ۲- معونة روحیة: كیف یندمج الشخص في وسط الكنیسة ویكون له دور وخدمة، كیف تكون له أجبیة خاصة وإنجیل خاص.. نقدم لكل شخص بحسب ظروفه. ۳- معونة مادیة: ھناك مجالات واسعة جدًا للعطاء مثل: السكن، التعلیم، العلاج، زواج البنات إلخ.نحن نحاول أن نعمل مشروعات صغیرة، من خلالھا یكبر الشخص ویعیش حیاة طیبة بعمله. فلم نعد نسمیھا "خدمة أخوة الرب" بل نسمیھا "مكتب التنمیة". نرید في كل بیت عمل وتعب وتنمیة.ھناك بلاد كبیرة قامت على المشروعات الصغیرة.وھذه المشروعات الصغیرة تتجمع وتعمل مشروعًا كبیرًا. ٤- معونة اجتماعیة: أن یشعر الشخص بحضوره في المجتمع، وأنه محبوب لذاته، وله تقدیر ومكانة في المجتمع. والحقیقة من أعظم الإنجازات التي تمت في مصر في السنوات القلیلة الماضیة أن الدولة أزالت المناطق العشوائیة وعملت مساكن جدیدة محترمة یسكن بھا الناس ویعیشوا حیاة وقورة. كذلك مشروع "حیاة كریمة"ھذا المشروع یرتقي بالحیاة.. فحاول أن تكون لك مساھمة حتى ولو قلیلة جدًا، وتذكر الولد الذي كان معه خمسة أرغفة وسمكتین، وأنھا لما وضعت في ید المسیح شبع منھا خمسة آلاف رجل ماعدا النساء والأطفال وفضل عنھم ۱۲ قفة. إن المعونة الاجتماعیة ھي أن تحب كل إنسان وتقدم حتى ولو فلسین معونة للمساكین. ختام: یجب أن نشعر أننا كلنا مساكین أمام الله، كل إنسان مھما كبر به نقطة ضعف (صحیة، نفسیة،روحیة، اجتماعیة)، لذلك نقول في المزمور: "أَمِلْ یَا رَبُّ أُذُنَكَ. اسْتَجِبْ لِي، لأَنِّي مَسْكِینٌ وَبَائسِ أنَا"(مز ۸٦ : 1) والمعونة التي تقدمھا لتكن بمحبة، لیس كفرض أو واجب أو مظھریة. وما تقدمه بمحبة سیأتي بنتائج ویكون له أثرًا كبیرًا.نصلي ونقول: "معونة للمساكین"، فتذكَّر حجر المعونة، أي أن یكون كل مسكین واقفًا على أرض صلبة فلا یشعر بالضیاع وسط أي مجتمع. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
24 مايو 2024

وداعة للفضلاء

من هم الفضلاء؟ كلمة "الفضلاء" جمع كلمة "فاضل" من"الفضیلة"، فالفاضل ھو من ینمو في الفضیلة إن كل إنسان مسیحي ھو صورة للمسیح في كل مكان یحل فیه، لأن السید المسیح قال لنا: "أَنْتُم مِلْحُ الأَرْضِ أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ" (مت ٥: 13, 14) وقیل أنتم "رَائِحَةُ الْمَسِیحِ الذَّكِیَّةِ" ( ۲كو ۲: 15) یقول القدیس بطرس: "نِھَایَة كُلِّ شَيْءٍ قَدِاقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَاصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ. وَلكِن قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِیدَةً،لأَن الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَایَا. كُونُوامُضِیفِینَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِلاَ دَمْدَمَةٍ (تذمر). لِیَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أخَذَ مَوْھِبَةً، یَخْدِمُ بِھَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَوُكَلاَءَ صَالِحِینَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ"(۱بط ٤: 7-10 )ھذه الكلمات ھي دعوة للحیاة الفاضلة. وقد أعطى الله كل إنسان موھبة معینة لكي نكمِّل بعضنا بعضًا. لذلك قال معلمنا یعقوب: "كُل عَطِیَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْھِبَةٍ تَامَّةٍ ھِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ" (یع ۱: 17) كيف نكسب الفضيلة؟ یسمح لله للبعض أن یولدوا بالفضیلة، وھي حالات خاصة مثل یوحنا المعمدان الذي قیل عنه "من بَطْنِ أُمِّه یَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (لو ۱: 15) ومثل إرمیا النبي الذي قال الله له "قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ" (إر ۱: 5). أما غالبیة الناس فیجاھدون من أجل الوصول لحیاة الفضیلة، مثلما نسمع عن جھاد القوي القدیس الأنبا موسى الأسود. ﻟﻤاذا نقول "وداعة للفضلاء"؟ لأن الفضیلة لا تعیش ولا تظھر إلا بوداعة الإنسان، فمن لیست عنده وداعة لا تظھر فضیلته.والفقرة التي نقرأھا في صلاة باكر توضح ذلك"فَأَطْلُب إِلَیْكُمْ، أَنَا الأَسِیرَ فِي الرَّبِّ أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا یَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِیتُمْ بِھَا بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ،وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِینَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ مُجْتَھِدِینَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِیَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ"(أف ٤: 1-3) في ھذه الفقرة نجد ثلاثة أمور: ۱- السلوك: "أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا یَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ" فكل منا له دعوة مختلفة عن الآخر (أب، كاھن، خادم،مدرس، مھندس، طبیب، إلخ.) یجب أن یسلك في ھذه الدعوة بكل أمانة. وفي سلوك الإنسان یقول الله تعبیر مطمئن: "لا تَخَفْ، أَیُّھَا الْقَطِیعُ الصَّغِیرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ یُعْطِیَكُمُ الْمَلَكُوتَ" (لو ۱۲: 32) ۲- الاحتمال: "مُحْتَمِلِینَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ"، وھذه الفقرة نقرأھا كل صباح في صلاة باكر قبل أن نخرج ونتعامل مع البشر، لنتعلم أن نحتمل بعضنا بعضًا في المحبة، فلا نتأثر بتعبیروجه أو كلمة أو تصرف. بل السید المسیح قال "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ" (مت ٥ :44) لذلك یجب أن یكون القلب مفتوحًا لكل إنسان. ۳-الاجتھاد: "مُجْتَھِدِینَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِیَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ"، بمعنى احفظ سلامة أسرتك،وسلامة خدمتك، وسلامة المجتمع الذي تعیش فیه أن یكون مجتمعًا ثابتًا وقویًا، وھكذا ما ﻫﻲ الوداعة؟ كل إنسان منا لابد أن یقدِّم الفضیلة وھي محفوظة بالوداعة. وقال السید المسیح: "اِحْمِلُوانِیرِي عَلَیْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِیعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (مت ۱۱: 29) المسیح الذي فیه كل كمالات الفضائل كانت الوداعة والتواضع ھما الفضیلتان الأساسیتان التي علمنا وطلب منا أن نقتدي به فیھما. وطوبى للإنسان الذي یحتمل ویعرف إنه بذلك یتشبه بسیده وكلمة ودیع أو لطیف ھي أسماء جمیلة ھومعنى اسم القدیسة دمیانه، وأحد معاني اسم داود النبي ونتذكر أن السیدة العذراء قالت في تسبحتھا: "أَنْزَل الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِینَ" (لو ۱: 52) وقال القدیس موسى الأسود: "وداعة القلب تتقدم الفضائل كلھا والكبریاء ھي أساس كل الشرور". كيف نعيش الوداعة؟ التواضع یحتاج الوداعة: التواضع فضیلة تحتاج للوداعة وأنت تمارسھا. مثال لذلك قصة داود النبي ونابال الكرملي: ذھب رسل داود إلى نابال لیطلبوا بعض الطعام في یوم احتفاله، فغضب وطردھم وتصرف بحماقة كمعنى اسمه (نابال=حماقة) فقرر داود أن ینتقم منه، ولما علمت زوجته أبیجایل الحكیمة، جمعت مأكولات وخرجت مع بعض الغلمان فقابلت داود ورجاله في الطریق ثم بدأت تتكلم بكلام لطیف وودیع ومتضع، وقدّمت لداود نصیحة فتراجع عن انتقامه لنفسه، وقال لھا "مُبَارَك عَقْلُكِ" ( ۱صم ۲٥: 33) ھكذا فإن وداعة الإنسان تصرف الغضب ویقول الكتاب "اَلْجَوَاب اللَّیِّنُ یَصْرِفُ الْغَضَبَ،وَالْكَلاَمُ الْمُوجعُ یُھَیِّجُ السَّخَطَ" (أم ۱٥: 1) انتبه وأنت تتحاور مع أي إنسان ألا یخرج منك لفظ یتعب أو یجرح أو لا یقبله الآخر. الوداعة تحمي المحبة: إن عالم الیوم جوعان للمحبة، ھو عالم غارق في المادیات والتكنولوجیا والاختراعات الحدیثة ومنصات التواصل الاجتماعي والأفكار الغریبة الشاردة، كما قال السید المسیح "الْعَالم كُلَّه قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّیرِ"(1یو ٥ :19) یقول القدیس موسى الأسود "قساوة القلب تولد الغیظ والوداعة تولد الرحمة"علِّم نفسك أن تقول الكلمة التي تتسم بالوداعة لما أحضروا للسید المسیح امرأة ضبطت في الخطیة، وأوقفوھا في الوسط، وأمسك كل منھم حجرًا لیرجمھا، جلس ھو بمنتھى الھدوء والوداعة وكتب خطایاھم على الأرض بدون تحدید وقال لھم "مَن كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِیَّةٍ فَلْیَرْمِھَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ" (یو ۸: 7) فانصرفوا. لم یھاجمھم ولم یفضحھم بل تصرف بمحبة ووداعة، ثم نظر للمرأة في وداعة وقال لھا "أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ وَلا أَنَا أَدِینُكِ. اذْھَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَیْضًا" (یو ۸: 10-11)ھكذا نقدِّم فضیلة المحبة بالوداعة. الوداعة مع الشجاعة: لابد أن یكون الإنسان شجاعًا لكن الشجاعة بدون وداعة تكون تھورًا طرد السید المسیح الباعة والصیارفة الذین یبیعون ویشترون بشكل لا یتناسب مع قدسیة الھیكل وطھر الھیكل، وقال: "بَیْتِي بَیْتَ الصَّلاَةِ یُدْعَى وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لصُوصٍ" (مت ۲۱: 13) وھي عبارة فیھا تعلیم ومبدأ ونصیحة دانیال النبي وھو في الأسر، اتھموه بأنه یعصى الملك لأنه یرفض أن یسجد لتمثال الذھب، وكانت النتیجة أنه ألقي في جب الأسود،وفي الیوم التالي عندما ذھب إلیه الملك ووجده حیًا، رد على الملك بمنتھى الوداعة قائلاً "یَا أَیُّھَا الْمَلِكُ، عِشْ إِلَى الأَبَد! إِلھِي أَرْسَلَ مَلاَكَه وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ" (دا ٦: 21,22) الوداعة في العبادة والصلوات: "تَأَوُّهَ الْوُدَعَاءِ قَدْ سَمِعْتَ یَا رَبُّ. تُثَبِّتُ قُلُوبَھُمْ. تُمِیلُ أُذُنَكَ" (مز ۱۰: 17) الإنسان الودیع الذي یقدم مع صلاته بكاء أو تأوه ھذا یستمع له الله یقول القدیس أمبروسیوس "إن الوداعة ھي القاعدة الأولى الجدیرة بالاتباع في التسبیح والترتیل. وصلواتنا نفسھا تكون بالوداعة مقبولة ومرضیة جدًا وتكسبنا نعمة عظیمة لدى الله" فالعبادة التي تقدَّم ﻟﻠﮫ بوداعة تكون مقبولة أمامه. الوداعة ﻟﻬا هذه الصفات اﻟﺜلاث الرئيسية: ۱- اللطف: "كُونُوا لُطَفَاءَ" (أف ٤: 32) إن مجرد كلمة لطیفة یكون لھا أثر كبیر یستمر لزمن طویل. ۲- التسامح: "اغْفِر لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَیْضًا لِلْمُذْنِبِینَ إِلَیْنَا" (مت ٦: 12) والشخص المتسامح یمرر الأمور ولا یعقدھا. ۳- الاتضاع: ھو "أرض حاملة لكل الفضائل"،كما یعلمنا الآباء. ختام تعلمنا الكنیسة أن نصلي لمن ھم في موضع تقدیم الفضیلة (الفضلاء)، فنطلب أن یشملھم الله بالوداعة، لتظھر الفضیلة بالوداعة. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
17 مايو 2024

صلاًحا للأغنياء

ما هو الغنى؟ في معجزة إشباع الجموع قدَّم طفل صغیر خمس خبزات وسمكتین باركھا السید المسیح فتم توزیعھاعلى خمسة آلاف، وأكل الجمیع وشبعوا بل وفضل عنھم ۱۲ قفة من الكسر (مت ۱٤) والمقصود بالغنى أساسًا ھو البركة، فھذا الطفل یعتبر غنیًا، بالرغم من أن ما بیده كان قلیلاً،والمرأة صاحبة الفلسین كانت لدیھا عملة بسیطة جدًا، قدمتھا من أعوازھا، لكن قال السید المسیح "إِنَّ ھذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِیرَةَ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنَ الْجَمِیعِ"(لو ۲۱: 3 ,4) إن الغنى لیس ھو غنى المال فقط. أنواع من الغنى ۱- الغني بالحب: عنده طاقة حب: "إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلكِنْ لَیْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا یَطِنُّ أَوْ صَنْجًا یَرِنُّ" ( ۱كو ۱۳ :1) ۲- الغني بالعطاء: عنده روح العطاء فیعطي من الأعواز: "الْجَمِیعَ مِنْ فَضْلَتِھِمْ أَلْقَوْا وَأَمَّا ھذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِھَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَھَا، كُلَّ مَعِیشَتِھَا"(مر ۱۲ :43 ,44) ۳- الغني بالإیمان: إیمانه قوي "أَمَا اخْتَارَ للهُ فُقَرَاءَ ھذَا الْعَالَمِ أَغْنِیَاءَ فِي الإِیمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ" (یع ۲: 5) مثل الشھداء ٤- الغني بكلمة ربنا: تكون الوصیة في لسانه وفي حیاته، ویعیش الوصیة. ٥- الغني بالستر: القدیس الأنبا أبرآم كان یقول "لا حُزنا ولا عُزنا". في التاریخ الكتابي ھناك أغنیاء كثیرون كانوا قدیسین مثل: إبراھیم أبو الآباء، وإسحاق،ویعقوب، ویوسف الصدیق، وأیوب، ودانیال النبي، وداود الملك، وسلیمان، ومتى العشار،وأكیلا وبریسكلا، ویوسف الرامي، وغیرھم. وفي التاریخ المسیحي: الأنبا أنطونیوس، والأنباأرسانیوس معلم أولاد الملوك، ومكسیموس ودومادیوس، والملكة أناسیمون السائحة، والملكة ھیلانة، والملك زینون، والمعلم إبراھیم الجوھري وغیرھم. یقول القدیس أغسطینوس: "لیس الشر في أن یكون لدیك ممتلكات بل في أن الممتلكات تمتلكك". الصلاح الصلاح صفة من صفات الله. حینما قال الشاب الغني للمسیح "أَیُّھَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَیَاةَ الأَبَدِیَّةَ؟ فَقَالَ لَه یَسُوعُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَیْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَھُوَ اللهُ" (مر ۱۰ : 17, 18)وكلمة "صلاح" نسمیھا باللغة الحدیثة "التدبیرالحسن". لذلك یجب أن نعرف المبدأ الذي قدَّمه الكتاب المقدس: "أَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِالَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِیمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعِ كَثِيرَةٍ" (اتي6: ١٠). فليس "المال" إنما محبَّة المال أَصْلِّ لِكُلِّ الشَّرُورِ" لأن المال من نعم الله. معنى كلمة صلاح من أحرفها "ص" = صدق: "السالِكُ بِالْكَمَالِ يَخْلُصُ، وَالْمُلْتَوِي في طَرِيقَيْنِ يَسْقُطُ فِي إِحْدَاهُمَا" (أم ۲۸:۱۸) الصادق هو إنسان مستقيم، لا يكسب ماله بطرق ملتوية. "ل" = لين: ألا يكون صاحب قلب قاسي. ولا تنسوا أن الله قال: "لا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ" (مت ٦ : ٢٤) هنا المال وضع في مكانة كأنه إله، وهو بالحقيقة صنم. القلب الرحيم لا يعرف الغلظة، بل هو قلب ممتلئ رحمة وحنانا قدم لنا السيد المسيح مثل الغني ولعازر كان الغني يسكن قصرًا، وكان لعازر الفقير يستعطي على بابه، تلحس الكلاب قروحه لكن تبدل الحال لما انتقلوا، فصار الغني يشتهي أن يأتي هذا الفقير الذي أهمله ليبرد لسانه بطرف أصبعه احترزوا فإن أحد أعراض المال إنه يقسى القلب لذلك قيل" مَحَبَّةُ الْمَالِ أَصَلِّ لِكُلِّ الشَّرُورِ " ( ١ تي ٦ :١٠). "أ" = اكتفاء: أن يكون الإنسان مكتفيا من الداخل وليس عنده جشع ولا أنانية ولا انفرادية ولا ذاتية. "في يَوْمٍ مُعَيَّنِ لَبِسَ هِيرُودُسُ الْحُلَةَ الْمُلُوكِيَّةَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِي الْمُلْكِ وَجَعَلَ يُخَاطِبُهُم فَصَرَخَ الشَّعْبُ: هَذَا صَوْتُ إِلَهِ لَا صَوْتُ إِنْسَانٍ فَفِي الْحالِ ضَرَبَهُ مَلَاكُ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْمَجْدَ للَّهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ الدودُ وَمَاتَ"( اع ۱۲ : ۲3-۲1). "ح" = حكمة: يقول يوحنا ذهبي الفم: "ليس هناك أية خطيئة في كونك غنيًا ولكن الخطيئة أن تكون غنيا بدون عقل". مثل الغني الغبي الذي أعطاه الله ثروات كثيرة فقال: "أعمل هذا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي اعظم، وَاجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غلاتي وَخَيْرَاتِي وَأَقُولُ لِنَفْسي يَا نَفْسٌ لَكِ خَيْرَاتٌ كثيرة، موضوعة لسنين كَثِيرَةٍ. اسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهَذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ" (لو ۱۲: ۱۸-20)، أي كانت النتيجة أنه أخذ لعنة. أما الطفل الذي قدم الخمس خبزات والسمكتين الطعام الذي يكفيه لكنه فكر في الجموع فكانت النتيجة أنه أخذ بركة. قال القديس غريغوريوس النزينزي: "الثروة لیست شرا، ولكن هي شر إذا استخدمت بشكل طمعي وجشعي".هذه كلها نقاط مهمة في معنى عبارة "صلاحا للأغنياء". خطة بولس الرسول (٢-٤-٢) تحت عنوان صلاحا للأغنياء": أولاً: ينهي الأغنياء عن أمرين "أَوْصِ الْأَغْنِيَاءَ فِي الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أَنْ لَا يَسْتَكْبِرُوا ، وَلَا يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى بَلْ عَلَى اللهِ الْحَيِّ الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنى للتَّمَتَّع " ( ١ تي ٦ : ١٧). ١- "لا يَسْتَكْبِرُوا": لأن قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ،وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُحُ الرُّوح" (أم ١٦: ١٨). ٢- " لَا يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى : اجعل رجاءك على الله، لا تظن أن غناك يسندك يمكن أن يضيع في لحظة. يقول سفر الجامعة: "من يُحِبُّ الْفِضَّةَ لَا يَشْبَعُ . مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لا يَشْبَعُ مِنْ دَخل هذا أَيْضًا بَاطِلٌ" (جاه: ۱۰) وقال السيد المسيح: "لأنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الْإِنْسَانُ لَو ربح العالم كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ" (مت ١٦: ٢٦). ثانيا: ينصح الأغنياء بأربعة أمور وَأَنْ يَصْنَعُوا صَلَاحًا، وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَالَ صَالِحَةِ، وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي الْعَطَاءِ، كُرَمَاءَ فِي التوزيع" (اتي ٦: ١٧-١٨). ١- أَنْ يَصْنَعُوا صَلَاحًا": اصنع بمالك أعمالاً صالحة، وإياك أن تستخدمه في أمر غير صالح. ٢- أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَال صَالِحَة : تُقدِّم لأخوة الرب الأصاغر لمشروعات الكنيسة لمدارس الأحد، للإكليريكيات والمعاهد اللاهوتية لنشر الكتب والأبحاث، لمشروع "بنت الملك"، ولا بد أن يتسع ذهنك لاحتياجات أخرى كثيرة في الكنيسة. ٣-أَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي الْعَطَاءِ": عندما تكون سخيا في عطائك سيكون الله سخيا معك،ويعود عليك بنعم في أشياء كثيرة. ٤- "كُرَمَاءَ في التوزيع": كن كريما في التوزيع، وحتى إن لم يكن لديك لا تمتنع. ثالثا: يضع أمام الأغنياء هدفين مهمين مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أَسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبَلِ لِكَيْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّة" ( ١ تي٦: ١٩). ۱ - مُدَّخِرِينَ لأَنفُسِهِمْ أَسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبَلِ"، يكون الإنسان مدبرًا صالحًا لما في يده ويضع أساسا صالحًا للمستقبل. ٢- لِكَيْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ"، "طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى الْمِسْكِينِ (بكل الأشكال) فِي يَوْمِ الشَّرِّ يُنَجِّيهِ الرَّبُّ" (مز ١:٤١) قال يوحنا ذهبي الفم: "إن الفقراء حراس - الملكوت" أنت أيها الغني لكي ما يكون عملك صالحًا انظر دائما إلى الحياة الأبدية وأمسك بها، اجعل أمامك نصيبك الذي في السماء، واجعل نظرك إلى الله يقول سفر الأمثال: "الرَّجُلُ الْأَمِينُ كَثِيرُ الْبَرَكَاتِ، وَالْمُسْتَعْجِلُ إِلَى الْغِنَى لَا يُبْرَأ" (ام ۲۸: ۲۰) فإن أعطاك الله نعما، فكن مدبرًا حسنا فيما أعطاك واخدم به وفرح به آخرین. فالفرح يأتي عندما تعطي وليس عندما تأخذ. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
10 مايو 2024

قيامة المسيح

عيد القيامة هو العيد الأول في مسيحيتنا فلولا القيامة ما كانت المسيحية ولا كانت كنيسة ولا كان كتاب مقدس ولا كانت صلوات ولا كان أي شيء في الغرب يسمون عيد القيامة Easter والكلمة مشتقة من East وتعني الشرق فهو عيد مشرقي، يشرق على البشرية جميعًا ونحتفل به كما حدث في التاريخ يوم الأحد، ويوم الأحد كما نعرفSunday هو يوم النور وهذا العيد لا نحتفل به يوما واحدا، ولكن حسب الطقس الكنسي تحتفل به لمدة خمسين يوما ونعتبر أن هذه الخمسين يوما يوم أحد طويل الكنيسة تصلي فيها بنغمة الفرح، حتى صلوات الجنازات نصلي بها بنغمات الفرح القيامة في معناها المختصر هي عبور ، عبور من حالة الموت إلى حالة الحياة وهي عبور أيضًا من حالة الخطية إلى حالة البر يا إخوتي الأحباء إن كنا نحتفل بعيد القيامة من الموت فيوجد أموات في الفكر، وأموات في الروح، وأموات في الرجاء بعض الناس هم أموات في الفكر، والفكر الميت هو الفكر الحرفي أو الفكر الناموسي، وهو الفكر الذي لا يفكر، هو إنسان لكن لا يفكر ! ربما أقرب مثال إلينا في الكتاب المقدس هو شاول الطرسوسي كان إنسانا يهوديًا فريسيا متعصبا ، وكان متعلما تعليمًا راقيًا، وكان يفتخر أنه تعلم عند قدمي غمالائيل أشهر معملي اليهود في زمانه، لكن للأسف كان فكره مينا ، فكان يضطهد كنيسة الله بإفراط ولكن الله لم يشأ أن يتركه، ففي الوقت المناسب ظهر له السيد المسيح وهو مسافر على طريق دمشق وتبدل الحال تماما ، وقام من هذا الفكر الميت، وصار شاول الطرسوسي هو القديس العظيم بولس الرسول وصارت له قامة روحية عالية لأنه قام من موت الفكر الإنسان الميت في الروح هو الذي يعيش في الترابيات والأرض ولا يرفع نظره للسماء أبدا هذا الإنسان الميت في الروح ينطبق عليه قول الكتاب: «أنا عارف أعمالك ، أن لك اسمًا أنَّكَ حَيَّ وأَنتَ مَيت» (رؤيا 3: ۱)، بين الناس لك اسم أنك حتي ولكن الله يقول لك إنك في نظري ميت أحد الأمثلة في الكتاب المقدس لذلك هو زكا العشار كان إنسانا يهوديا يعمل عشارًا أي جابيًا للضرائب وكان كل عالمه في المال، وبسبب هذا المال ظلم الكثيرين، وكان جشعًا وعدوانيًا لأنه كان يسلم الذين يرفضون دفع الضرائب للسلطات الرومانية وعندما يتقابل زكا مع السيد المسيح يتبدل الحال، ويتحوّل زكا الذي كان ممسكًا بماله أو بمعنى أدق المال هو الذي كان يمسكه ويقيده، ويعلن أمام السيد المسيح أن نصف أمواله للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد له أربعه أضعاف ويتخلى عن المال ويتحوّل إلى إنسان قديس وبار، أو على الأقل إنسان قائم من موت الروح نوع آخر من الأموات هم الأموات في الرجاء وهؤلاء البشر الذين ليس لهم رجاء لا أدري كيف يحيون ؟! وهؤلاء تمثلهم في قصة القيامة رجاء، عالمها هو عالم الخطية؛ ولكن عندما تقابلت مع السيد المسيح وأخرج منها شياطين الخطية ثابت وقامت وصار لها رجاء، وأعطاها المسيح أن تكون أول مبشرة بقيامته، فهي التي نقلت خبر القيامة إلى سائر التلاميذ. كان الإنسان قبل القيامة عندما يموت، يموت في الأرض وتنتهي سيرته ليس أمامه فردوس، فالفردوس مغلق أمامه منذ سقطة آدم الأولى أما بالقيامة فقد انفتح الباب ، وصار الإنسان لا يعرف المستحيل، وغير المتسطاع عند الناس مستطاع عند الله الذي لا يعسر عليه شيء فالقيامة تعطي للإنسان أن مستقبله فيه باب مفتوح أحيانا يعيش الإنسان ويشعر أن المستقبل مغلق، ولكن الإحساس والشعور بالقيامة يعطي أملاً ويعطي الباب المفتوح أمام الإنسان القيامة أيضًا تمنح الإنسان فرحا بعد الحزن كان التلاميذ يعيشون في حزن فقد طلب السيد المسيح معلمهم أمامهم، ولكن عندما قام السيد المسيح في يوم الأحد لم يترك تلاميذه حزاني بل أعطاهم فرحا لذلك فكل يوم جمعة الذي هو تذكار الصليب له يوم أحد(تذكار القيامة)لا تعلمنا القيامة فقط أنه لا مستحيل، وتعطينا بعد الفرح في حياتنا بل هي تعطينا أيضا نوعا من الرجاء ضد اليأس.يُصاب الإنسان أحيانًا في حياته اليومية بالإحباط أو اليأس، ولكن في القيامة ينفتح باب الرجاء والنصرة أمام الإنسان، فالله ضابط الكل هو الذي يقود هذا العالم، وكل الخليقة ممسوكة في يد الله، ولذلك على الدوام يوجد الرجاء ويوجد الأمل الله لا يترك خليقته أبدا، فهو يعتني بالإنسان أينما كان ، الأمر الوحيد الذي لا يريده الله في الإنسان هو الخطية، لذلك إن قام الإنسان من خطيته سيجد يد الله الحانية تنظر إليه وتعينه القيامة فرح نعبر عليه في حياتنا في صلواتنا الصباحية ونعبر عليه في كل أسبوع في يوم الأحد ونعبر عليه أيضًا في الشهور القبطية في يوم ۲۹ من الشهر القبطي حيث نحتفل بالقيامة ونعبر عنه سنويا في فترة الخماسين التي تمتد الي خمسين يوما بعد عيد القيامة هذه القيامة التي نحتفل بها في هذه الليلة المباركة نفرح وتمتلئ قلوبنا بالفرح ويزداد فرحنا بحضور كل الأحباء ومشاركتهم معنا المشاركات التي تجمعنا سويًا في مناسباتنا الدينية والاجتماعية والقومية وهذه المشاركة التي يمكن أن نسميها المشاركة المصرية الدافئة هي التي تجمعنا جميعا في كل هذه المناسبات .لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
05 مايو 2024

المسيح قام بالحقيقة قد قام

اهنئكم جميعا بعيد القيامة المجيد نحتفل بالقيامة المجيدة بعد هذا الصوم الطويل، الصوم المقدس والذى امتد الى 55 يوما نحتفل بالقيامة كما فى كل عام وكما تعلمون أن احتفال القيامة هو احتفال بأساس إيماننا وهذا الاحتفال بالقيامة هو احتفال بالمسيحية، والاحتفال بالإيمان بالمسيح ولذلك نحتفل بالقيامة فى كل يوم فى صلاة باكر بالاجبية، ونحتفل بها فى كل أسبوع فى يوم الأحد لأنه يوم القيامة ويوم النور، ونحتفل بها أيضا فى كل شهر فى تاريخ 29 من الشهر القبطى، وهو تذكارات للبشارة وللميلاد وللقيامة وتحتفل بها كل عام فى عيد القيامة المجيد ويمتد احتفالنا إلى 50 يوما تسميها الخماسين المقدسة والحقيقة إن عطايا القيامة عطايا كثيرة جدا فى حياة الإنسان وأود أن أتحدث معكم عن عطية من العطايا الغنية التى فى قيامة رب المجد هذه العطية هى عطية العين الإيجابية للحياة، الإنسان خلق له الله العين كعضو للنظر، خلق له عينان فى وجهه لكى ينظر الى الحاضر وينظر الى المستقبل ولم يخلق له عينا فى الخلف حتى لا ينظر إلى الماضى جعله ينظر إلى الأمام دائما وهذه العين على الرغم أننا نشترك جميعا فى تركيبها، التركيب الفسيولوجى والتركيب التشريحى، ولكن نظرة العين تختلف من واحد إلى آخر لنفس الشىء، لذلك العين الإيجابية للحياة تتميز بثلاث ميزات، الميزة الأولى أنها عين واقعية تنظر للأمر فى واقعيته وفى حدوده وفى شكله وليس فى الخيال وتنظر للأمر فى واقعيته أنه أمر واضح أمام الإنسان ولا يحتمل أى تأويل الجانب الآخر للنظرة الإيجابية للحياة، أنها نظرة إنسانية يعنى يجب أن تشتمل نظرة الإنسان للأمور على عمل الرحمة لأن عكس الرحمة توجد القساوة والقساوة امتلأت بها قلوب كثيرة فى العالم، ولذلك نظرتها ليست نظرة إنسانية الجانب الآخر للعين يجب أن تكون النظرة متكاملة وليست نظرة متناقصة كما تدرون جميعا أننا نقول الكوب الذى فيه جزء من الماء، هذا الكوب ممتلئ أم ناقص؟ البعض يراء كوبا ممثلا من الماء، هذه نظرة إيجابية ونظرة متكاملة والبعض يراه كوبا ناقصا، وبالتالى هذه نظرة سلبية هذه الأمور، النظرة الواقعية والنظرة الإنسانية والنظرة المتكاملة تشكل جميعها العين الإيجابية للحياة، وسأعطيكم بعض الأمثلة من أحداث الصليب والقيامة كانا يوحنا الحبيب، ويهوذا الاسخريوطى، تلميذين من الاثنى عشر، اختار هما السيد المسيح، ورأيا تعاليم السيد المسيح ومعجزاته وكانا معه، وبالتأكيد كان هناك حوارات بينهما وبين السيد المسيح يوحنا الحبيب كان له النظرة والعين الإيجابية للحياة نراه يرتبط بالسيد المسيح، يصل معه حتى الى الصليب والى المحاكمات ونراه يجد المتعة الكبيرة فى أنه يتكى برأسه على صدر السيد المسيح وهو أطلق على نفسه التلميذ "الذى كان المسيح يحبه" "يوحنا 26:19" فى المقابل، يهوذا الاسخريوطى كانت نظرته مادية، وكانت نظرته سلبية، ولم ير فى المسيح أنه المخلص الفادى الذى جاء لأجل خلاص العالم، ولأنه لم يجد فيه تحقيق الطماعة المادية أو الأرضية ولذلك باع سيده بثلاثين من القضة وفى النهاية ذهب وشنق نفسه ومات وخسر نصيبه الأبدى الاثنان لهما نفس الموقف واحد له العين الإيجابية والآخر له العين السلبية مثال آخر نراه فى أحداث الصليب عندما تنظر إلى اللصين وهما اللص الذى كان عن شمال المسيح والآخر عن يمين المسيح، صلبوا الصين مع السيد المسيح إمعانا أنه اللص الشمال كان له حديث كبير إذا كنت أنت المسيح، "فخلص نفسك وايانا" "لوقا 23: 39"، وارفع عنا الألم الذى نحن فيه ألم الصليب اللص اليمين كان له نظرة فى نفس الموقف وفى نفس التوقيت ونفس الشواهد اللص اليمين ينظر نظرة إيجابية، ويقطن إلى رؤية مغايرة اما نحن فبعدل "لأننا ننال استحقاق ما فعلنا" "لوقا 23 "41" ونظر إلى المسيح وقال: "اذكرنى يا رب متى جنت فى ملكوتك" "لوقا 23 "42" كانت هذه العبارة، عبارة صلاة عبارة توبة، عبارة نداء عبارة رجاء وقبلها السيد المسيح فى آخر ساعات حياة اللص اليمين وقال له: "الحق أقول لك: أنك اليوم تكون معى فى الفردوس" "لوقا 23: 43 هذه الصورة تنطبق فى نماذج كثيرة جدا للعين الإيجابية للحياة، ولذلك أيها الأحياء، تمسك أن تكون لك عين إيجابية تنظر للأمور فى إيجابيتها لكل أحداث حياتك اليومية، أحداث العمل والخدمة والأسرة كل هذه الأحداث يجب أن تكون لك فيها النظرة الإيجابية هذا هو فعل القيامة المجيدة فى حياة الإنسان واجعل قلبك دائما مرفوعا وتقول: يا رب أعطنى العين الإيجابية التى ترى الأمور فى حقيقتها وفى جمالها وفى إيجابيتها، ابعدنى عن النظرة السلبية أو النظرة الضيقة أو النظرة التى لا ترى إلا ما هو سيىء الحياة فيها جمال ممتد فى كل عمل صالح أنا سعيد أن أرسل لكم هذه الرسالة أقدم التهنئة القلبية باسم الكنيسة القبطية وباسم المجمع المقدس، وأقدمها من هنا من مصر إلى كل الإيبارشيات وإلى كل الكنائس والأديرة فى ربوع العالم كله أهنئ أخوتى الأحباء الأباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكهنة والآباء الرهبان والأمهات الراهبات ومجالس الكنائس وكل الشباب وكل الخدام وكل الشمامسة وكل الشعب وأيضا إلى كل الأطفال أهنتكم جميعا أينما كنتم فى أوربا، إفريقيا آسيا أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية، أو فى قارة أستراليا أهنئكم جميعا، وهذه التهنئة أحملها إليكم إلى كل فرد طالبا من ربنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات أن يفرحكم على الدوام وأن يعطيكم العين الإيجابية لكل عمل ولكل حدث فى حياة الإنسان لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
04 مايو 2024

في انتظار القيامة

في ليلة سبت الفرح تصعد الكنيسة بنا الى السماء بكل ما فيها من جمال وكأننا في حلم جميل، فهذه الليلة هي العبور من الموت إلى الحياة الألحان تنتقل من النغمة الحزايني إلى الفرايحي، فيقال اللحن نصفه بالنغمة الحزايني والنصف الآخر بالفرايحي كذلك نجد القراءات عبر هذه الليلة تنتقل من الموت إلى الحياة : تسبحة موسي - صلاة حبقوق النبي - صلاة يونان في بطن الحوت صلاة حزقيا الملك - تسبحة الثلاثة فتية في أتون النار - قصة سوسنة العفيفة. وتنتقل بنا الكنيسة إلى فرح القيامة حينما تختم الليلة في فجر السبت مع «أبو غالمسيس» وهي كلمة يونانية أصلها أبو كاليسيس أي رؤيا، وفيها نقرأ سفر الرؤيا بأكلمه وبذلك نقضي فجر السبت مع هذا السفر العميق لتنفتح أعيننا، ليس على أسرار القيامة فحسب، بل على أسرار ما بعد القيامة أيضا والكلام عن هذه الليلة يطول جدا ، ولكن أجملها هو الحديث عن القيامة: ما هي القيامة؟ القيامة كلمة جديدة ظهرت في العهد الجديد عندما قال السيد المسيح لمريم ومرثا أمام قبر لعازر : «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يوحنا ٢٥:١١) إذا القيامة قوة، ومعجزة المعجزات، فالسيد المسيح ذهب للصليب بإرادته وقام بسلطان لاهوته. أنواع القيامة: القيامة نوعان: قيامة أولى، أي ترك الخطية وحمل الصليب والجهاد ضد الشيطان، حتى توضع الأكاليل في القيامة الثانية تأتي ساعة فيها يسمع الذين في القبور (قبور الخطية) صوته والسامعون يحيون، وتأتي ساعة (في المجيء الثاني) يسمع الذين في القبور صوته فيخرج الذين صنعوا الصالحات إلي قيامة الحياة قيامة السيد المسيح فتحت أمام البشرية باب الحياة بالإيمان بدمه لغفران الخطايا، وبالجهاد حتى النفس الأخير لكي نحيا معه كل حين . فالقيامة أعطت البشرية بابا مفتوحا لحياة السماء بلا موت بالموت داس الموت والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية (تسبحه القيامة) فالموت لا يكون فيما بعد بل من أمن بالرب يسوع ولو مات فسيحيا سعيد ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى، إن هؤلاء لا يكون للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنة لله والمسيح (رؤيا٢٠: ٦). القيامة مع المسيح إن الإنسان لا يستفيد من القيامة إلا إذا استيقظ من نومه وقام من رقاده، أي يقوم من بين الأموات، وكل أنظارنا متجهه نحو ملكوت السموات: « فإن كنتم قَدْ قَمْتُمْ مَعَ المسيح فَاطَّلَبُوا مَا فَوْقَ ، حَيْثُ المَسِيحُ جَالس»(كولوسي ۳ : ۱) فما أجمل أن تكون سمائيين بالفكر والمشاعر والاتجاهات لا تكن مثل هيرودس وحنانيا وقيافا الذين لم يستفيدوا من قيامة المسيح بل أنكروها، ولا تكن مثل الحراس الذين شاهدوا القيامة وأنكروها نظير رشوة مال، بل كن مثل التلاميذ الذين بشروا مجاهدين بقيامة المسيح واحتملوا في سبيل ذلك الآلام والعذاب ، كل ذلك من أجل محبتهم في المسيح وإيمانهم القوي بالقيامة، لأنهم أيقنوا أنه لا قيامة بدون صليب ولا صليب بدون قيامة عش هذه الأيام بالرجاء والفرح فكل صليب بعده قيامة وكل مشكلة بعدها حل،وكما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث «ربنا موجود، كله للخير، مسيرها تنتهي.وكل عام وأنتم بخير . قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
19 أبريل 2024

رحمة للتائبين

استكمالاً ﻟﺘأملاتنا ﻓﻲ سلسلة الصلوات القصيرة من القداس الغريغورى نصل إﻟﻰ عبارة "رﺣﻤة للتائبين وما أجمل قطاع التائبین في كنیستنا فالكنیسة لیس لھا عمل سوى الاھتمام بتوبة كل إنسان ھذا ھو عملھا الرئیسي كل الأنشطة والصلوات والمناسبات والنھضات والقداسات العشیات إلخ ھي من أجل أن تتوب النفوس، لأن التوبة أحیانًا تكون بعیدة عن الإنسان. مثل الفریسي والعشار (لو ۱۸: 9-14) طائفة الفریسیین كانت من الطوائف الیھودیة والفریسي ھو الشخص الناموسي الحرفي الذي یظن أن عنده كل المعرفة أما العشار فھو جابي الضرائب، وھي فئة لم تكن محبوبة في المجتمع الیھودي، لأنه كان یجمع الضرائب لیسلمھا للسلطة الرومانیة التي كانت تحكم البلاد ھذا المثل قاله السید المسیح كنموذج، فكل منا إما في جانب الفریسي أو العشار سل نفسك وأحكم ھل أنا في جانب الفریسي أم العشار؟ وقد قال المسیح ھذا المثل لأنه یوجد "قَوْم وَاثِقِینَ بِأَنْفُسِھِمْ أَنَّھُمْ أَبْرَارٌ، وَیَحْتَقِرُونَ لآخَرِینَ" (لو ۱۸:۹)، إحساسھم الداخلي أنھم أبرار، وھذه لیست الحقیقة، ومن لا یكتشف مرضھ یضیِّع على نفسه فرصة الشفاء. والأخطر ھو أن یحتقر الآخرین صعد الفریسي والعشار إلى الھیكل لیصلیا.فتقدَّم الفریسي الصفوف ووقف رافعًا یدیه وعینیه،كنوع من لفت النظر، وھو یقول: "اَللّھُم أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِینَ الظَّالِمِینَ الزُّنَاةِ" (لو ۱۸: 11) یفتتح صلاته ﻟﻠﮫ بأنه أفضل من كل الناس، ویشكر الله على ذلك وفي نظره الناس ثلاثة أنواع: خَاطِفِینَ ظَّالِمِینَ زُّنَاةِ لا یرى أحدًا صالحًا إلا نفسه. ثم نظر للخلف حیث العشار وحدد "وَلاَ مِثْلَ ھذَا الْعَشَّارِ"، وأضاف "أَصُوم مَرَّتَیْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِیه" (لو18: 12) كأنه یقول ﻟﻠﮫ لن تجد مثلي. إیاك أن تكون مثل الفریسي الذي مدح نفسه واحتقر غیره فكانت النتیجة أن "ھذَا (العشار) نَزَلَ إِلَى بَیْتِه مُبَرَّرًا (أخذ حكم براءة) دُونَ ذَاكَ (الفریسي)" (یو ۱۸: 14) رﺣﻤة للتائبين ربنا یسوع المسیح بدأ خدمته بقوله "قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ للهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِیلِ" (مر ۱: ۱٥ )، "تُوبُوا، لأَنَّه قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ" (مت ۳ :2) )، "لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" (لو ٥: 32) فھو قد جاء لكي تتوب كل نفس وتتغیر وتستیقظ ویقول معلمنا بولس الرسول "صَادِقَة ھِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول أَنَّ الْمَسِیحَ یَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِیُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِینَ أَوَّلُھُمْ أَنَا" ( ۱تي1: 15) وھو ھنا لا یقول إنه خاطئ بل إنه أول الخطاة الذین تجسد المسیح لیخلصھم من الخطیة. حوار الرﺣﻤة أرید أن أكلمكم عن حوار الرحمة (حدیث بین اثنین) في أربع خطوات: ۱- نداء من الله: تبدأ التوبة بنداء یتردد ویتكررموجه للجمیع من الله "تُوبُوا" حینما أخطأ داود الملك والنبي العظیم ولم ینتبه لخطیته، جاءه ناثان وقال له "لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَیْنَیْه؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِیَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّیْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَه لَكَ امْرَأَةً، وَإِیَّاهُ قَتَلْتَ بِسَیْفِ بَنِي عَمُّونَ"( ۲صم ۱۲: 7-9) فبدأ داود یسكب الدموع وقال مزمور التوبة ببكاء وندم وحسرة مقدمًا لنا قطعة من أروع قطع الصلاة الفردیة: "اِرْحَمْنِي یَا لَلهُ كَعَظِیم رَحْمَتِكَ" (مز ٥۱: 1) "إِلَیْك وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَیْنَیْكَ صَنَعْتُ" (مز٥۱: 4) مثال آخر، ھو بطرس الرسول الذي كان أحد تلامیذ السید المسیح المتقدمین، لكنه أنكر المسیح أمام جاریة، ثم ظن أن لیس له رجاء فعاد إلى صید السمك، فأتاه المسیح وھو یصطاد وناداه ثلاث مرات: "یَا سِمْعَان بْنَ یُونَا، أَتُحِبُّنِي.. ارْع خِرَافِي"(یو ۲۱: 15) فعاد إلى مكانته ورسولیته وإلى الكرازة والخدمة حتى صلب منكس الرأس إن الإنجیل ھو نداء المسیح، وكل مرة تقرأ الإنجیل أنت تستمع إلى نداء التوبة والمسیح صباحًا ومساءً ینادي ویقول"تُوبُوا" بصیغة الجماعة (أنا أتوب وأساعد الآخرین على التوبة). ۲- استجابة من الإنسان: إن سمعت نداء المسیح "تُوبُوا"، علیك أن تستجیب، والاستجابة یجب أن تكون یومیة، لأن لنا خطایا وضعفات یومیة ذھب النبي یونان لأھل نینوى وقال "بَعْد أَرْبَعِینَ یَوْمًا تَنْقَلِبُ نِینَوَى" (یون ۳: 4) فاستجابت المدینة وتاب أھلھا كلھم من الملك مثال آخر قال بولس لسجان فیلیبي "آمِن بِالرَّبِّ یَسُوعَ الْمَسِیحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَھْلُ بَیْتِكَ" (أع ۱٦: 31 ) فاستجاب وآمن أما الابن الضال فاستجاب للنداء الداخلي فقط وقال "أَقُومُ وَأَذْھَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَه یَا أَبِي، أَخْطَأْتُ" (لو ۱٥: 17-18)ونسمع عن زكا العشار إنه صعد على الشجرة لیرى المسیح فقال له المسیح: "یا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّه یَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْیَوْمَ فِي بیْتِكَ" (لو19 : 5) فتغیرت حیاتھ تمامًا وصار قدیسًا. وفي المقابل ھناك أناس لا یستجیبون، مثال: یھوذا الإسخریوطي وعخان ابن كرمي وحنانیا وسفیرة. ۳- فتح الباب من لله: إذا استجبت لنداء لله یفتح أمامك باب الرجاء، لأن التوبة تحمي الإنسان من الیأس والقلق والمتاعب النفسیة، ویقول الكتاب "ھكذاَ یَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاء بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ یَتُوبُ أكَثَرَ مِنْ تسِعَة وَتسِعِینَ بَارًّا لا یَحْتَاجُونَ إلِىَ تَوْبَة"ٍ (لو۱٥: 7) أتوا بالمرأة التي أمسكت في ذات الفعل لیرجموھا لكن السید المسیح تعامل مع الموقف بطریقة كلھا حكمة ورحمة، وفتح لھا باب الرجاء قائلاً: "أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟... وَلاَ أَنَا أَدِینُكِ اذْھَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَیْضًا" (یو ۸ : ۱۱-۱۰) والابن الضال أثناء عودته كان یفكر أفكارًا كثیرة لكنه فوجئ أن الأب "تَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِه وَقَبَّلَه" (لو ۱٥: ۲۰ ) وأعطاه الحُلة الأولى والخاتم والحذاء وذبح العجل المسمن إنه الرجاء. ٤- نوال الجائزة: الجائزة ھي كمال الرحمة أوحالة الفرح التي یصل إلیھا الإنسان التائب، لأن الخطیة ثقل، لذلك قال السید المسیح "تَعَالَوْا إِلَيَّ یَا جَمِیعَ الْمُتْعَبِینَ وَالثَّقِیلِي الأَحْمَالِ،وَأَنَا أُرِیحُكُمْ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (مت ۱۱: ۲۸، ۲۹) ،تجدوا راحة البال وراحة القلب والسعادة والعجیب إن أكثر كلمة تكررت في مثل الدرھم المفقود، والخروف الضال، والابن الضال (لو15 ) التي تتكلم عن التوبة ھي كلمة فرح (وردت 10-11 مرة) بینما لا نجد كلمة توبة ولا مرة(انظر لو ۱٥: 5, 6, 9, 23, 24, 32). اﻟﺨلاصة حینما نقول "رحمة للتائبین" كأننا نقول أرجع لھم الفرح. في كل مرة یقدِّم الإنسان توبة یحصل على كنز ھو الفرح وھذا الكنز یدوم ویبقى. إن أردت أن تشعر بالفرح وراحة البال والسلام في وسط العالم المتوتر والھائج بأزماته وضعفاته وأخباره فكن من التائبین في الكنائس قدیمًا كان یوجد خورس للباكین أو التائبین، وما أشھى أن یقف الإنسان في مخدعه ویقدم دموعه التي تغسل خطایاه إذا حدث أن قابلت المسیح ماذا ستطلب منه سوى الرحمة ارحمني كعظیم رحمتك ليعطينا اﻟﻤسيح أن تكون حياتنا تائبة،ونشتهى الرحمة التى يسكبها الله علينا ﺟﻤيعًا،ونسمع نداءه " توبوا ، لأنه قد أقترب ملكوت السماوات" ( مت 3: 2). قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
12 أبريل 2024

حياة صالحة للذين في الزيجة

البولس في صلاة الإكلیل (أف٥ :22-33) استكمالاً ﻟﺘأملاتنا ﻓﻲ الصلوات القصيرة من القداس الغريغورى نصل إﻟﻰ"حياة صاﻟﺤة للذين فى الزيجة". الصلاح ھي كلمة كبیرة من الكلمات المشھورة في الحیاة الكنسیة، والصلاح ھو ثمرة من ثمار الروح القدس، (غل ٥ : ۲۲ ،23) ثلاثة أمور هامة ﻓﻲ تكوين الأﺳﺮة ۱- الزواج ھو قمة العلاقات الإنسانیة الرسمیة في العالم كله، لذلك فإن الأفراح والأكالیل أمور ھامة جدًا بالنسبة للأفراد، وبالنسبة للدول أیضًا،لأن كل زیجة توثق في عقد ككیان وعلاقة رسمیة داخل البلد. وتنتج عن الزیجة مسئولیات. ۲- الزواج ھو رابطة ثلاثیة من خلال سر كنسي مقدس، یعمل فیه روح لله من أجل وحدة ھذا الكیان الجدید أي الأسرة. یدخل الاثنان إلى الكنیسة وتتم صلوات الإكلیل من خلال كاھن شرعي أمام الھیكل، ثم یخرجان كزوج وزوجة ومعھما المسیح، مكونین ما نسمیه رابطة ثلاثیة Triple Bond ھذا ما قال عنه الكتاب: "الْخَیْطُ الْمَثْلُوثُ لاَ یَنْقَطِعُ سَرِیعًا" (جا ٤ : 12)،ھذه ھي الزیجة المسیحیة، فاحترس لأن حولنا أمورًا لیست في معنى الزواج المسیحي، فلا تقلد ما تراه. ۳- كیان الأسرة ھو أیقونة الكنیسة، كما قال القدیس یوحنا ذھبي الفم وكلمة أیقونة ھنا معناھا الجمال المقدس ومجموع الأسر ھو الجمال المقدس في الكنیسة لذلك فإن كیان الأسرة ھو كیان خطیر لذلك نطلب أن كل أسرة تعیش حیاة صالحة. كيف تعيش الأﺳﺮة حياة صاﻟﺤة؟ الأسرة یكون فیھا المسیح: المسیح الذي أخذناه من أمام الھیكل ودخلنا به إلى البیت، وظیفته في كل أسرة أن یحفظ لھا دوام المحبة. لأن الزوجة/الزوج ھو ھدیة المسیح التي اختارھا للطرف الآخر، وبما أنھا ھدیة من ید المسیح إذن ھي ثمینة جدًا وتوضع على الرأس. وعلى ھذا الأساس یكون المسیح ھو صاحب ھذا البیت، والشاطر ھو من یشعر بوجوده، بوجود علاقات المحبة وكلمات المحبة إذا اھتممتم بالمسیح داخل البیت، بالصلوات الدائمة والإنجیل الدائم، تزداد المحبة بینكما ویصیر البیت أكثر من رائع. لینظر كل طرف إلى الطرف الآخر على أنھ عطیة المسیح وعطیة المسیح لا تتقادم، لذلك یقول "لِكَيْ یُحْضِرَھَا لِنَفْسِه كَنِیسَةً مَجِیدَةً، لَا دَنَسَ فِیھَا وَلَا غَضْنَ أوَ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلكِ، بَلْ تَكُونُ مُقدَّسَةً وَبلِاَ عَیْبٍ" (أف5 :27) وتظل ھكذا. أما إن كان البیت خالیًا من المسیح، یحیا حیاة العالم بكل صورھا،ستكون النتیجة أن المسیح ینزوي ویحزن لا تحزنا مسیحكما وإن حدث أي خلاف -وھو أمر وارد- فلن یحله سوى المسیح، لأن الصلوات والإنجیل یجعلان الطرفین یفھما بعضھما بعضًا جیدًا، أما إھمال وجود المسیح فنتیجته خطیرة. إن المسیح ھو صمام الأمان داخل الأسرة، لذلك نضع صلیب داخل باب المنزل لأنه علامة أمان وأیضًا علامة حضور المسیح، فیكون أول من تودعه وأنت تغادر وأول من تراه عند دخولك. ۲- الأسرة كنیسة: "كنیسة" تعني ھیكلًا ومذبحًا، أي لابد أن یكون القلب مرفوعًا ﻟﻠﮫ على الدوام من خلال الصلوات. یكون البیت ممتلئًا من روح الصلاة التي تلد قدیسین، لأن كل أسرة ھي مصنع للقدیسین. یقول الكتاب عن زكریا وألیصابات والدي یوحنا المعمدان "وَكَانَا كِلاَھُمَا بَارَّیْنِ أَمَامَ للهِ" (لو1 : 6) وكانت النتیجة یوحنا المعمدان السابق والصابغ والشھید أعظم موالید النساء، الذي نحتفل به إلى الیوم والحقیقة إن الحیاة القاسیة التي نعیشھا في الأزمات الحاضرة من الناحیة الاجتماعیة والاقتصادیة ھذه لا یسندھا إلا روح الصلاة إن روح الصلاة تعلمك، وتستر على بیتك، وعلى كل أفراده، وتبارك ما فیه، وتعطي روح الرضى الداخلي مھما كانت الأحوال. ۳- الأسرة كتاب مقدس: كل أسرة تتكون ھي إنجیل مفتوح، مقروء من جمیع الناس، لأن الزوجین یأخذان الوصیة ویعیشا بھا ویلقناھا لأولادھما، فیتربى الأولاد بالنعمة بالمعرفة الكتابیة. یجب أن تكون التعاملات داخل الأسرة بالمبادئ الكتابیة وأحد أھم المبادئ ھو مبدأ الاحترام أرجوكم أن تتجنبوا أي موقف بأي صورة من الصور یكسر أو یجرح ھذا الاحترام،لأن كسر الاحترام للأسف لا ینجبر ولا یُمحى، وھذا یؤثر على سلامة بیوتنا والحیاة الصالحة فیھا. ٤- الأسرة منارة: تتكون داخل الأسرة الجدیدة منارة. والمنارة معناھا الاستقامة، مثلما نقول: "قلبًا نقیًا اخلق فِيّ یا لله، وروحًا مستقیمًا جدّد في أحشائي" (مز ٥۱ : 10) الأسرة التي ترید أن تعیش في الصلاح لا یصح أن تعیش متقلقلة وبعیدة وتائھة، بل لا بد أن تعیش حیاة الاستقامة وفي اللغة العربیة یقولون عن الاستقامة كان حرف الألف حرفًا مثل كل الحروف، ولكنه عندما استقام جعلوه أول الحروف. المنارة تعبیر عن استقامة ھذا البیت. لذلك قال السید المسیح عن عروس النشید (كل أسرة): "كُلُّكِ جَمِیلٌ یَا حَبِیبَتِي لَیْسَ فِیكِ عَیْبَةٌ" (نش ٤ :7) والاستقامة ھي: الصدق والوضوح والطھارة، وھي عدم اللف والدوران،وعدم الكذب، عدم وجود أمر مخفي، عدم وجود سلوك منحرف، عدم وجود علاقات ردیئة. إن وجود مثل ھذه الأمور یكسر البیوت. إننا نقول في الصلوات "بیوت صلاة، بیوت طھارة، بیوت بركة"، فالصلاة والسلوك بطھارة یجلبان البركة وحیاة الصلاح في الأسرة ھي الاستقامة في كل شيء والاستقامة تشمل في داخلھا حیاة الطھارة والنقاوة. ٥- الأسرة أسرار: الكنیسة محل الأسرار السبعة، وكل أسرة ھي موضع للأسرار، أي موضع للخصوصیة. كلمة "سر" تعني نعمة غیر منظورة ننالھا من خلال طقس منظور بفعل الروح القدس ومن الدعوات الشعبیة الجمیلة التي تقال للعروسین ربنا یھدي سركم حیاة الصلاح في البیت المسیحي یقصد بھا الخصوصیة في البیت،أي ألا یتكلم الطرفان عن خصوصیاتھما مع أي إنسان مھما كان إیاك أن تجرح ھذه الخصوصیة لأن ھذا سر علیك أن تحفظه الوحید الذي تستطیع أن تكلمه عن ھذه الخصوصیات ھو الله. أتجاسر وأقول إنه أحیانًا تكون ھناك مشكلة صعبة داخل بیت، وربما لو أشركنا أولادنا فیھا یتعبون، لذلك یجب أن تظل بین الزوجین فقط، یصلیان من أجلھا وأضیف أن أكثر ما یحفظ الخصوصیة ھو حیاة الرضى. یا لسعادة البیت العمران بالرضى الداخلي، فھذا یجعل من یعیش في مكان بسیط أكثر سعادة ممن یعیش في قصر. اﻟﺨلاصة عبارة "طھارة للذین في البتولیة" ھي لكل شاب وشابة إلى أن تأتي مرحلة الزواج، ثم نقول: "حیاة صالحة للذین في الزیجة". والحیاة الصالحة ھي في خمس نقاط:- ۱- المسیح صمام الأمان ومعطي المحبة في الأسرة، ۲- الكنیسة ھي موضع الصلاة لنحب بعضنا أكثر، ۳- البیت كتاب مقدس وحیاة وصیة نعیش فیھا لنفھم ما یریده المسیح منا، ٤- حیاة الصلاح تشبھ المنارة المستقیمة من حیث الحیاة والسلوك والنقاوة، ٥- حیاة الأسرار ھي خصوصیة الحیاة. كان البابا كیرلس دائمًا یقول: "داري على شمعتك تقید". ﻟﻴحفظكم الرب ويبارك أسركم ويعطيكم دائماً الحياة الصالحة. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل