المقالات
08 يوليو 2023
انجيل عشية يوم الأحد الأول من شهر أبيب
تتضمن الحث على عمل الفضيلة الموصلـة لرتبـه أولئك الافاضل مرتبة على قول البشير : " ودعا تلاميذه الاثنى عشر واعطاهم قـوة وسلطانا علـى جميـع الشياطين وشـفاء الأمراض " ( لو ٩ : ١- ٦) .
إن كان الاثنى عشر رجلا لفضل سيرتهم القوا خمـيـرة فـي قلـوب أهـل المسكونة جميعها فما بالنا نحن الذين لا يحصى عددنا لا يمكننا أن نصلح ونتلافـى الآخرين ؟ وقد كان ينبغي لنا أن نكون خميرا صالحا ونخمر ألوفا من الناس . فـان قال احدكم إن اولئك كانوا رسلا مؤيدين بالروح . أقول إنهم كانوا أولا يسيرون العالم ويتعاطون الصنائع ويتقلبون تحت تصاريف الاحوال ويشاركوننا فـي القيـام بحاجات المعيشة . ولما أهملوا أنفسهم وصيروها آنية طاهـرة بأعمالهم الصالحـة به استحقوا بذلك نوال مواهب الروح فان قلت ما هي الاعمال التي أهلتهم لنيـل هـذه المواهب ؟ أجبتك هي الإزدراء بالأموال وما يتعلق بها من التنعم والسرف والسـكر وبقية اللذات البدنية والإتضاع وإنسحاق القلب والروح وعـدم الصلـف والكبريـاء وبقية أنواع الفضائل . وإن قلت إن اولئم كانوا يصنعون الآيات فليس لنا أن نتشـبهم . أجبتك إلى متى نتعلل بالمعجزات ونجعلها سبباً لإهمالنا ؟ وكيف لا ننظر إلـى الذين أخرجوا الشياطين باسم ربنا ثم عثروا بحجر الاضطجاع والافتخار فسقطوا إلى قاع الرذيلة وعوقبوا عقاباً شديداً . وإذا كان هؤلاء صنعـوا المعجـزات التـي بواسطتها اجتذبوا الناس . فماذا صنع يوحنا الصابغ حتى اجتذب الكثيرين من أهـل المدن والقرى إلى معمودية الغفران ؟ وكذلك داود وأيوب وإبراهيم وإسحق ويعقوب . أية آية صنعوا حتى ظـهرت اعمالهم وأشرقت أنوار فضائلهم وجعلهم الله قدوة للمقتدين ؟ أمـا تـعلـم يـاهذا أن التماس ظهور الآيات قد جلب على كثيرين ضرراً عظيماً . كما فعل سيمون الساحر الذي طلب أن يتبع سيدنا ليستفيد عمل الآيات . فقال له : للثعـالب أوجـرة ولطيـور السماء أوكار وابن البشر ليس له موضع يسند اليه رأسه . وأمثال هـؤلاء يطلبـون عمل الآيات بعضهم لتحصيل المال وبعضهم لإكتساب المجد الباطل فقط . ولكـن الاهتمام بالسيرة الفاضلة والاجتهاد في عمل الصالحات هو الذي يريـده الله منـا . ولذلك قال : ليرى الناس أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات . ولم يقلى : ليروا آياتكم لأن الفاضل السيرة يخلص أنفس كثيرين . بعضهم بتعاليمـه وبعضـهم بالاقتداء بسيرته . وبعضهم بطلب التشبه بفضيلته . ولست أعنى بالسيرة الفاضلـة أن تصوم دائماً وتفرش تحتك الرماد وتلبس مسوح الشعر . بل الفاضل السيرة هـو ذاك الذي يزهد في جمع الاموال ويطعم الجائع ويكسو العريان ويحب جميع خليقـة الله ويبتعد عن الغضب ويتجنب الحسد . ولا يبغض ولا يكذب ولا يسرق ولا يفعل مـا يخالف الناموس لان الذي يسير هذه السيرة يقهر الشيطان عدوه . وقهره إيـاه هـو عمل كل عجيبة لان الشيطان قد قهر ألوف ألوف مـن النـاس واستولى عليـهم بسلطانه . فاذا أنت بارزته في ميدان الحرب وظهرت منـك لوائـح الغلبـة عليـه وطعنته برمحك فألقيته إلى الأرض . وسلبت سيفه وكسرت ترسه وشدخت رأسـه وهزمت عسكره واخذت تاج الظفر ولبست إكليل الغلبة . وأي فخر يكـون كفخـرك وأي آية تشبه أيتك هذه العظيمة ؟
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
01 يوليو 2023
انجيل عشية يوم الأحد الرابع من شهر بؤونة
تتضمن الحث على تجنـب الحلـف بـالله وتعالى . مرتبة على قوله تعالى : " لا تحلفوا البتة ( مت ٥ : ٣٤-٤٨ ) إذا كان الذين يتجاسرون على الحلف برأسا لملك الأرضي ، الـذى نهايتـه الفساد والإضمحلال يعاقبون ويهانون . فما بالنا نحن نتجاسر على الحلـف بـخـالق الكل الذي هو ملك الملوك وسلطان السلاطين . وليس اننا نحلف به صادقین فقط بل احيناً كثيرة نكون كاذبين وحانثين . وإن كنت ياهذا غافلا عن عظم جسـارتك هذه . فاسمع قول سيدنا : لا تحلفوا بالسماء ولا بـالأرض ولا بأورشليم . لأن هـذه المخلوقات كلها منسوبة إلى الخالق . فإذا كان قد أمرك أن لا تحلف بالكرسي ولا بالمدينة المنسوبين اليه . فكيـف تجسر أنت على الحلف بذاته . وذلك ليس حينما تكون صادقاً أو مضطراً إلى الحلـف بل في معرض الهزل واللعب والمجون . و فإن قلت فلماذا أباح الحلف به للإسرائيليين . أجبتك الامم قبـل الشـرائع كانوا يحلفون بالاصنام فنقلتهم شريعة العدل إلى الحلف بالله . ثـم : نقلت شـريعة الفضل إلى ترك الحلف مطلقاً اعتماداً على صدق المؤمنين . فإن قلـت وإذا كـانت السنتنا قد الفت المبادرة إلى الحلف من غير قصد . فما السبيل إلـى نقـص هـذه العادة ؟ قلت انك بقوة الله وصدق عزيمتك تستطيع أن تحول لســانـك عـن عـادتـه الردية ؟ أم سمعت ما قيل عن أهل هلاط انه كان منهم أناس يلثغون فـى كلامـهم ولكثرة القراءة وعناية المعلمين رجعوا عن اللثغة إلى صحة اللفظ . وأنـاس كـانوا يرفعون أكتافهم عن المشى ويحركونها تحريكاً شنيعاً . فأمر أصحاب السياسـة أن يوضع على كتف كل واحد منهم سيف مجرد حتى إذا ارادوا أن يرفعـوا أكتافـهم على عادتهم المألوفة يخافون خطر السيف فلا يحركونها إلى ان ثبتوا علـى هـذه العادة وتركوا تلك . فإن قلت هل يمكن أن ينصب بأزاء اللسان سيف . أجبتك نعـــم . ولكن ليس ذلك السيف المعتاد . بل بأن تجعل لك وسائط أخرى تقوم مقاومة . وذلـك أن توصى زوجتك وأولادك وعبدك وجارك . بأنه متى رآك أحد منهم عازماً علـى الحلف ينبهك على الامساك عنه . وليس عليك في ذلك مشقة ولا كلفـة . إذ ليـس يلزمك غرامة ولا مقاومة ولا تعب . فإن قلت وما الحاجة إلى ان يكلـف الانسـان الدخول تحت هذه الضيقات كلها في النهي عـن الحلـف وحـب المـال واللـذات والمراتب العالية وبقية الوصايا . وفي الأمر بإحتمـال المشـقات . مثـل أن تحـب الاعداء . وتحول خدك للطم . وتبذل مالك للمحتاج وخــــبزك للآكـل وأمثـال هـذه التكاليف الصعبة . أجبتك إن الله تعالى اخرجك إلى هذه الارض ليجربك . هل تكـون مطيعاً لاوامره أم مخالفاً لها ليجازيك في الآخرة . ولا توجد تجربة أعظم من الامـر بترك المحبوبات والدخول في المكروهات . انظر كيف جعل ابراهيم وإسحق مثـالا للطائعين . إذ قال لابراهيم خذ ابنك الحبيب وارفعه قرباناً على الجبل . ولمـا أطلـع على إخلاصه قلبه ومبادرته إلى ذبح ولده . الذي امتزج حبه بصميـم قلبـه . امـره بترك ما عزم عليه وجازاة مجازاة تقصر الالسن عن وصفها . لانه جعل نسله مثـل النجوم والرمل . وأقام الرسل والانبياء والملوك من بنيه . ومن ذريته ظهر المسـيح بالجسد . ووعد من يدخل دار النعيم السموى بالجلوس في أحضانه . فسبيلنا أن نحارب أهوآنا البشرية . ونحافظ على العمل بمشيئة ربنا . الذي لـه المجد إلى الابد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
24 يونيو 2023
انجيل عشية يوم الأحد الثالث من شهر بؤونة
تتضمن الحث على الصلاة . مرتبة على قوله تعالى : " أسالوا تعطوا . اطلبوا تجدوا " ( مت ۷ : ۷-۱۲ )
إذا كان ربنا برحمته ورأفته يريد منا أن نسأله فيجود علينا وأن نطلب منـه فيعطينا أضعاف مطلوبنا وأن نقرع باب رحمته فيفتح لنا . فما بالنا نتهاون في طلـب الخلاص ؟ أنه قبيح بنا ومخالف لمقاصده تعالى أن نلتمس منه ما تلتمسه الخـوارج . فنطلب منه الزيادة في الأموال وكثرة الخصب والغلبة على الاعداء واشــــــبـاه ذلـك ، لان هذه الامور يطلبها البعيدون عن شريعة المسيح . اما الذين اشتراهم المسيح بدمه وفداهم بنفسه واعد السـماء مسكنا وأمرهم أن لا يقفوا في الفضيلة عند حد التشبه بالملائكة بل دعاهم إلى التشبه بسـيد البرايا كلها . فينبغي أن يكون طلبهم موافقا لإرادته لكي يخولهم المملكـة السـموية والسعادة التي لا نهاية لها . فإن قلت وإذا كان الله المعطى رؤوفـا رحيمـا جزيـل العطاء بهذا المقدار كثير التحنن على شعبه . فما الحاجة إلـى تكـرار الطلـب ودوام السؤال ؟ قلت إن ذلك لكى يتبين للمهملين أنـه يحـكـم بـالعدل ويقسـم المواهـب بالإنصاف . لأن ارباب الممالك الارضية إذا قصـدوا أن ينعمـوا علـى رجالـهم الناصحين لهم العاملين بمقتضى إرادتهم ، فالذين يخدمونهم كما ينبغي فأنهم يـأمرون بحشد العساكر واجتماع كبراء المملكة ثم يـأمرون أولئـك بالمكافحـة ليظـهروا شجاعتهم . فيرى الباقون إنه إنما جاد على المستحقين وأنعـم علـى المسـتأهلين . وحينئذ يندمون على الكسل ولا يتظلمون . وإذا كان الذين يقصدون نوال الجوائز الارضية يجهدون ذواتهم ويكلفـون أنفسهم اتعابا جسمية كالمصارعين والذين يلعبون على الحبـال والذيـن يـنـاضلون بالسهام والذين يتبارزون في السباق والذيـن يحملـون الاثقال الباهظـة والذيـن يروضون السباع والخيل . انهم يحتملون هذه المشقات لكي ينالوا الجوائـز القليلـة والمديح الباطل . وكذلك الحكماء والفلاسفة فإنهم يجهدون ذواتهم ويتكلفـون سـهر الليل وصيام النهار ويتوحدون في الخلوات البعيدة ويهجرون التنعم واللهو واللـذات . ويزعجون أفكارهم في تحقيق المسائل وإنشاء المصنفات . كل ذلك ليظـهر فضلـهم بين الناس وينالوا أحسن الصيت والكرامة . بل مالي أذكر هؤلاء واترك الذين يخدمون الملوك ويتجندون لـهم . فانـهم يعرضون أنفسهم لضرب السيوف وطعن الرماح ورمى النبــال . ويتكلفـون نقـب الأسوار ويلقون أنفسهم في المهاوى والخنادق ليأخذوا إكليل الغلبة من ملوكهم . فياللعجب من الذين وعدوا بملك السماء وسعادة الأبد . والقيام لـــــــدى مـنـبر المسيح وأخذا الأكاليل النورانية . كيف لا يهتمون ولا يجاهدون في تحصيـل هـذه الجوائز العظيمة ؟ وما أعظم رحمة سيدنا فإنه لعلمه بقصر ايامنا وأننا بعد المـوت لا نجد فرصة نتوب فيها عن ذنوبنا . ينهض عزائمنا تارة بالمثال وتارة بالتنبيـهات . ويعدنا تارة ويتوعدنا أخرى . ويرغبنا في الطلب بقوله إذا كنتم أنتم الذيـن تتقبلـون بين الضرورات يحملكم حب الأولاد المطيعين لكم الطالبين منكم على أن تمنحوهـم أفضل مما يطلبون . فكم بالأحرى أبوكم السماوي القادر على كل شئ . وانا اقول لأرباب الأموال والأغنياء . يا للعجب من كون أحدكــم إذا كـان يضيع ثوره أو حماره أو غير ذلك من أمواله فانه يجتهد فـى طلبـه ويبـالغ فـى الاجتهاد ويعد الحراس وحفظة الشوارع . ويفـرغ جـهـده فـي السـعي والسـؤال والاستقصاء من الجيران وهو في ذلك بين الشك واليقين في وجود المفقود . وأنتـم ترون سعادة الملكوت هاربة من الخطاة ولا تجتهدون في طلبها . فإذا كنـت تجـهد نفسك هكذا في طلب الدنايا الفاسدة بطبائعها ، فما بالك لا تطلب النفائس الباقية إلـى الأبد ؟ ولماذا لا تفعل في طلب هذه كما تفعل في طلب تلك ؟ ولماذا لا تفـرق بيـن الطالب والمطلوب منه . لأن الذين يكررون الطلب من الآباء والإخـوة والأصدقـاء يستثقلونهم ويتضجرون منهم . وربما يغلقون الأبواب في وجوهـهم . وأمـا الذيـن يطلبون من إلههم فكلما كرروا الطلب وداوموا السؤال والتضرع . كثـرت عنايتـه وتحننه عليهم ومنحهم أفضل مما يطلبون . فسبيلنا أن نترك الطلب من المخلوقين مثلنا . ونواصل الطلـب مـن الـرب إلهنا . الذي له المجد إلى الأبد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
17 يونيو 2023
انجيل عشية يوم الأحد الثاني من شهر بؤونة
تتضمن الحث على حفظ التعاليم الالهية والاستخفاف بالذخائر العالمية . مرتبة على فصـل شـفاء حمـاة بطرس . ( لو ٤ : ٣٨- ٤١ )
إذا كان الشرط في مداواة الاجساد البشـــرية أن يكـون الطبيـب مـاهرا والمريض مطيعا والخدام فرحاء موافقين . سيما وقد علمنا الآن عظم قدر المشـفى لأمراضنا والحامل لأوجاعنا . فكيف لا يجـب علينـا أن ننصـت نـحـن لأوامـره متفهمين . ونسارع إلى قبولهم مبتهجين . ونتعلم منه قوانيـن المـداواة الروحانيـة ومنافع العقاقير السماوية . لكي نقدر على معالجـة الامـراض الشيطانية وننقـذ المؤمنين من عذابها . ونتأهل أن يمسك بأيدينا ويرفعنا من بحار الرذيلـة وإذا كـان الذين يتعلمون العلوم الخارجية يحتاجون فـي تثبيتـهـا إلـى المذاكـرة والتكـرار . وملازمة القراءة ليلا ونهارا ثم يعلمونها للآخرين . كل ذلك قصدا منهم فـي ضبـط المعاني وتثبيتها في الأذهان كما ينبغى . وكذلك الذين يغرسون الحقول ويزرعـون الأراضي التقية يحتاجون في انجابها إلى التعهد بالسقى والقيام بخدمة الأرض كمـا يجب . وإلا فيخسروا واخراجها ويتعبوا فيها باطلا . فعلى هذا القياس يجب على الذين يسمعون العظات . ويتبعون فـى سـماع التعاليم الالهية أن يحفظوها بالمفاوضة والتكرار ليكونوا لها متذكرين فيتأهلوا بـأن يكونوا معلمين للآخرين . واسمع ياهذا قول الرسـول : " كونـوا عـاملين بالكلمـة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم . لانه إن كان أحد سامعا للكلمة وليس عاملا فـذاك يشبه رجلا ناظرا وجه خلقته في مرأة . فإنه نظر ذاته ومضى وللوقـت نسـى مـا ويكون كالذي بنى بيته على الرمل " كما قال الكتاب المجيد . ويقول أيضا : أن كان أحد يظن أنه حكيم وعالم بينكم فلير اعماله بـالتصرف الحسـن فـي وداعـة و الحكمة . . ولاجل ذلك أنا لا أكف عن تذكيركم وتنبيهكم ومفاوضتكم فيمـا يجـب حتى أراكم ذاكرين لقراءآتكم . حافظين لتعاليمكم . عاملين بأقوال ربكم متغايرين فـي الفضائل . متباعدين عن مسالك الرذائل.لأسر أنا بحسن اعمـالكم وابتـهـج بجميـل مجازاتكم وأفرح بدخولكم إلى النعيم . فإن قلت وما الذي يدل على ذلك من أعمالنـا ؟ قلت بأن أراكم محبين لعمل الفضائل كالصلاة والصوم والرحمة والرأفـة والمحبـة وأمثال ذلك . مبغضين للرذائل أعنى الغضب والحسد والنميمة وحب الأموال وسـائر أقسام الرذيلة . لأن حب الأموال سبب لتوليد الشرور كلها وأداة لعمل الهالكين . فـإن قلت وكيف نقدر على بغض المال وقد جعل واسطة لتحصيل الامـور الضروريـة المحتاج إليها ؟ قلت حديثنا الآن هو عما يحب لذاته وينفق في إنالة اللذات البدنيـة . لا فيما يكسب من وجوه الحلال وينفق في اللوازم المحتاج إليها لقوام الحيـاة وفـي مصالح المقلين . فلا تظنن ياهذا أن طرح الاموال أمر جسيم . فإنك إذا امعنت النظـر رأيت كثيرا من الناس يفعلون ذلك لأجل طلب المديح من الناظرين . وذلك إنك تجـد قوما يخرجون عن الأموال الكثيرة . ويدعـون الأمـلاك والضيـاع والبضـائع والزراعات . وينقطعون في الجبال والمغائر طلبا لتصيد المديح من النـاظرين لـهم والسامعين لأخبارهم فقط . وتجد آخريـن يجـهدون أنفسهم ويتعبـون اجسـامهم ويماحكون ويظلمون ويحصلون الأموال من أرذل وجوهها . ولحبهم في المديح مـن الناس يصرفونها في ثمن الثياب الفاخرة والمركبات والأواني النفيسة وما لا تدعـو إليه ضرورة الحياة . وذلك لكي يراهم الناس فيمدحونهم ويعظمونهم . وتـرى قومـا أخرين يهتمون بالأطعمة الشهية ويروقون الخمر المعطر ويعدون الأنقال والأزهـار والملهين وغير ذلك . ويتبعون ويغرمون غرامات أخرى كثيرة يطول شـرحها ثـم يستدعون أناسا أغنياء ومتمولين ومن لا حاجة به إلى طعامهم ليقبلوا منهم المديـح الذائل لساعته تلك . ولعلهم لو عبر بهم في ذلك الوقت سائل جائع وعطشان وسـأل سد جوعه وعطشه لأعادوه خائبا بل وأوسقوه شتما وســـبا . ولـهذا تتقلـب اكـثر مسراتهم إلى الشرور المنكدة والمخاصمات القبيحة وأمور ردية يطول وصفها . وإذا كان هذا يغرم الأموال الجزيلة ليقبل المجد من الناس . وهذا ينفـق المبـالغ الجمـة ليكسب المديح الزائل وشيكا " وهذا يبذر ماله مجانا فيما يستحيل إلى الفساد ويقـذف به إلى المزابل سريعا . فكيف لا نتأمل نحن إلى هذه النقائص بعيون عقلنا ونكشـف عنها ستور الظلمات . وننظرها بالاذهان السليمة وتقدها بالأفكار المستقيمة . ونصـد المائلين إلى فعلها المتمسكين بذيول فخرها لننجو من بحارها سالمين . ياللعجب مـن كوننا نصرف الأموال الجمة وننفق المبالغ الكثـيرة . ونتعـب اجسـامنا وخدامنـا واولادنا في طلب المديح الزائل . المماثل الدخان أو البرق أو الـهواء أو الظـل أو الغبار وما أشبه ذلك في سرعته الاضمحلال . ولا نجعل ذلك لما لا يزول . وكيـف يحسن بالعقلاء أن يطلبوا الشرف من معادن الخساسة ولا يطلبون من الخالق تبـلرك وتعالى ؟ كيف يجمل بنا نحن أن نطلب المديح من العـاجز والنـاقص والمسـتحيل والمائت والخائف والمتقلب والذليل . ونعدل عن الطلب من السيد القادر الحكيم الحـى الرؤوف الباقي الذي لا يزول . الخالق لطبائعنا والمدبر لنظام حياتنا . والجائد بمثـل هذه المكارم على جنسنا . والمعد لنا وراثة النعيم . فسبيلنا أن نقتدى بآثار الفضائل ونعدل عن طرقات الاراذل ونتمسك بوصايا الحياة طائعين . لننال ملكوت ربنا يسوع المسيح الذي له المجد دائما آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
10 يونيو 2023
انجيل عشية يوم الأحد الأول من شهر بؤونة
تتضمن توبيخ الذين يقرضون بالربا . مرتبـة علـى قول البشير : وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطـرس ويعقـوب ويوحنا وصعد بهم إلى جبل عال متفردين " ( مت ۱۷ : ۱-۱۳ )
يجب علينا أن نطهر ذواتنا وننقى سرائرنا ونجتهد في العمل بـأقوال ربنـا وننتظر سعادة الملكوت لنرى مجده الذي لا يوصف متجلياً علينا لا في رأس جبـل . بل في حضيض من الارض عندما يجلس على كرسى الدينونة . ولا مع ثلاثة مـن الناس . بل مع جمهور من السمويين . وكيف يمكن أن نكون منتظرين سعادة الابـد وطائعین اوامر ربنا . ونحن نغلق أبوابنا في وجوه المساكين . ونسد آذاننا عن سماع تضرع المحتاجين . بل عن سماع أقوال الانبياء والمرسلين أيضاً . لانك إذا سمعت بولس يبشر ويوحنا ومتى يخبران بالعظائم التي للمسيح . وأنـت لا تصغـي إليـها . فكيف تصغى إلى سؤال الفقراء والمساكين ؟ ويا للعجب من كونك إذا رجعت من دفن أخيك أو صاحبك . تبادر إلى غسل يديك ورجليك وتصب الماء على رأسك بينما أنـت لا تفعـل كذلـك إذا تنجسـت بالخطايا . وكيف لا تكون نجساً بالنفس والجسد حينما تصاحب الزوانـى والفاسقين والمرابين والسحرة والمنجمين . وتعرض عن تضرع المساكين ؟ وأنت لا تصـاحب الاشرار فقط . بل تدعوهم إلى منزلك وتهتم بطلباتهم وتشاركهم في أعمالهم الخبيثـة . وإذا كان لك سعة من المال وجامك محتاج متضرعاً إليك أن تفـرج كربتـه بـأن تقرضه ما يقضى حاجته به . فإنك تقابله بالاعتذار ثم بالجفاء والعبوسة . فإن رأيتـه قد زاد به القلق واشتدت لجاجته فانك تعطيه الصنف مضاعف وتكتب عليـه بسعر صكاً بالثمن . فيخرج من منزلك وقد غمرته أمواج الفكر وقيدته حبال الحاجة . ثـم لا يلبث زماناً يسيراً حتى تطالبه بالوفاء . فإن ابطأ شكوته إلى الوالي فأمر بحبسه حتـى يضطر إلى بيع ما يملك حتى أمتعة بيته . أفرايت عظم هذا الداء ورداءة جريرتـه لقد طلب أخوك منك إسعافاً فألقيته في السجن وقيدته بالأغلال . وياللعجب من اولاد كنيسة الله وبنى المواهب الجليلة الذين ندبتهم الشـريعة إلى ترك الإهتمام بالمكاسب المحالة بعد تحصيل كفاية المعيشـة . كيـف صـاروا ينهشون لحوم المساكين حراماً . وينبهون بيوت الارامل والايتام كالبرابرة ؟ انظـر ياهذا إلى محبة المال والارباح العالمية . كيف تعمى العيــون البـاصرة . وتغشـى البصائر السليمة . وتصم الآذان السامعة . وتغير عواطف القلوب ؟ أيها المرابي : لقـد علمت أن الدنيا سريعة الزوال . وأن الآخرة دائمة البقاء . فكيف لا تميز بيـن هـذه الارباح الكاذبة وبين الارباح الصادقة في السعادة الأبدية ؟ أرايـت كيـف سـددت أذنيك عن سماع اوامر إلهك وحجبت بصـيرتك عـن تعقـل أقـوال النـاصحين . وأعرضت عن سماع الزواجر والتنبيهات حتى صرت ترى الناس يزرعـون ورداً وأنت تزرع عوسجاً . تراهم يشربون مآ زلالا وانت تشرب ما زعاقـاً . لان اولئـك يستقبلون المحتاجين بالبشاشة والوداعة ويهتمون بقضـاء حاجاتهم . وأنـت تفتـل لـهـم حبالا وتصنع لهم أغلالا . لعمري ان الذين يتاجرون في البلاد البعيدة والذين يعانون زراعة الضيـاع وإن كانوا يكابدون أتعابا وهموما وغرامات شتى . فهم لا يبلغون إى حـد الخسـارة الصائر أنت اليها . لان التجار يكابدون مصاعب الطرق ومخاوف اللجـج وأهـوال اللصوص والخطفة . إلا انهم يتفرجون في البـلاد الغريبـة . وإن قصـرت أربـاح البضائع فلا اقل من حصولهم على راس المال . وكذلك الذيـن يـهتمون بزراعـة الارض . فإنهم ولو اتعبوا أنفسهم بتحصيل المهمات والمواشي والبــــذار والعمـار . وتنغصوا تارة بقلة المطر . وأخرى بفساد الزرع . فلابـد أن يحصلـوا ولـو علـى البذار . وتكون أفكار الفريقين مستريحة من سوء العواقب . بخلاف جنود الربا فإنـهم يفرغون صناديقهم من المال ويبدلونه بالصكوك والدفاتر . ويتوهمون أن لهم أمـوالا . وهم على هذه الحالة يشترون بهذه الاموال دركات الجحيم . ولابد أن تكون أفكـارهم مضطربة من هذه العاقبة الخبيثة . فسبيلنا أن نهرب من هؤلاء . ونتجنب سوء أعمالهم . لنفوز بملكـوت ربنـا يسوع المسيح . الذي له المجد إلى الابد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
03 يونيو 2023
انجيل عشيه يوم الاحد السابع عيد الخمسين
تتضمن الحث على الايمان والأعمال . مرتبة علـى قوله تعالى بفصل الإنجيل : " من أمن بى كـمـا قـال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى ( یو ۷ : ٣٧- ٤٤ ).
لما كان السيد له المجد في عبر البحر قرب كفر ناحوم قال للآتين اليـه " اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحيوة الأبدية الذي يعطيكم ابن الانسان فقالوا له ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله . فأجاب وقال لهم : "هذا هـو عمـل الله . أن تؤمنوا بالذي أرسله " وقال ايضاً : " كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حيـوة أبدية وأنا اقيمه في اليوم الأخير " فما أعظم قوة الايمان وما أعجب نتيجته إذ ما يجنيــه الانسـان منـه لا يوصف . ولكن هل يكفي أن يؤمن الانسان فيخلص ؟ كلا . بـل يـجـب أن يقـترن الايمان بالأعمال الصالحة . إن الايمان قسمان : نظري وعملي . والمطلوب أن يكون إيماننـا عمليـاً لا نظرياً . فإن قلت ما هو الإيمان العملي وما هـو النظـرى ؟ أجبتـك : أن الايمـان النظري هو ما تجرد من الأعمال الصالحة . والعلمي هو ما اقترن بها .فالايمان إذن بدون اعمال لا يخلص الانسان . كما يقول الرسول يعقوب : " ما المنفعة يا أخوتي إن قال أحد أن له إيماناً ولكن ليس له أعمال . هل يقدر الايمـان أن يخلصه" . أو " هل تريد أن تعلم ايها الانسان الباطل أن الايمــان بـدون أعمال ميت . ألم يتبرر ابراهيم أبونا بالأعمال إذ قدم اسحق ابنه على المذبح . فـتـرى أن الايمان عمل أعماله وبالأعمال أكمل الايمان . وتم الكتاب القائل فآمن ابراهيـم بالله فحسب له برأ ودعى خليل الله ". ترون أذن أنه بالأعمــال يـتـبرر الإنسـان لا كذلك راحاب الزانية أيضاً أما تبررت بالأعمـال إذ قبلـت الرسـل وأخرجتهم في طريق آخر ؟ لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت هكذا الايمان أيضـاً بدون أعمال ميت بالأيمان وحده . وهو ما يدعوه الرسول بولس : " الايمان العامل بالمحبة " وفي موضع آخر يمدح القديسين ويثني على عظم أعمالهم بقوله : " أخـرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل . وأخرون تجربوا في هزء وجلد ثـم في قيود أيضاً وحبس . رجموا نشروا جربوا ماتوا قتلا بالسيف طافوا في جلود غنـم وجلود معزی معتازين مكروبين مذلين . وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم . تائهين براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض من هذا قد اتضح جلياً أن الايمان الخلاصي إنما هـو المقـترن بالأعمـال الصالحة لأن الايمان يساعد الاعمال والأعمال تكمل الايمان فقولوا لي من منا أعماله تطابق تعاليم دينه ؟ إن الديـن يأمرنـا أن نحـب عدونا . ونحن لم نكتف بأن نبطن له الحقد بل نبغض ونحقد على أخينا أيضاً . الدين يقضى بأن نكون نشطين حارين في عبادة الخالق . ونحن كمـا نحـن نصرف زمان العبادة في محال الملاهي والمسكرات . ونقضى زمان الصلوات فـارتكاب المعاصي والمنكرات . وبعضنا يفضل حشد الأموال على خير الاعمال . الدين يقضى بإغاثة الفقير . ونحن نشتمه ونعيره بالبطالة والكسل . والبعـض منا يستبدل الاعتراف بالاصرار علـى الخطـا . ومناولـة الاسـرار بالاستخفاف والازدراء . فأين إيماننا من إيمان إبراهيم أبي الأباء ؟ واين اعمالنا من أعماله ؟ فهو قـدم ابنه أسحق ضحية الله . ونحن لا نقدم أبناءنا إلى الكنيسة ليتمموا واجبات دينهم . وأيـن احتمالنا من أحتمال الشهداء الذين صبروا على أشـد الضيقـات . واحتملـوا امـر العذابات ولم يحيدوا عن الدين يمنه ولا يسره . ونحن نرى البعض منا . لأدنى ربـح . أو لأخف بلية . يترك الدين . ويسب الله ورجاله الامناء المخلصين . فإيمان امثال مـن ذكرناهم باطل وميت لا يفيدهم شيئا . فسبيلنا ايها الأحباء نحن الذين آمنا بالله من دون أن نراه . أن نقرن إيماننـا بعمل الفضائل المرضية لعظمته تعالى . حتى نصير بذلــك مسـتأهلين لان نسـمع صوته القائل : " طوبي للذين آمنوا ولم يروا " " . له المجد إلى ابد الآبدين أمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
27 مايو 2023
انجيل عشية يوم الأحد السادس من الخمسين المقدسة
تتضمن تبكيت الذين يتجاسرون على قراءة الكتـب الالهية . ويحرفون ألفاظها ويغيرون معانيها . وتوبيـخ الذين يتقدمون إلى الكهنوت وهم غير عارفين بأمور الشريعة . مرتبة على قوله تعالى : " اسمع يااسرائيل الرب إلهنا رب واحد ( مر ۱۲ : ٢۸-٣٤ )
إذا كان واجبا علينا من الطريقة الشرعية والآداب العقلية أن نحـب خالقنـا ورازقنا ومدبر حياتنا والمتحنن على جنسنا والباذل نفسه عنـا . مـن كـل قلوبنـا ونفوسنا وافكارنا وضمائرنا . وأن نحب القريب في الإيمان كما نحب أنفسـنا . فمـا بالنا نوجد في الأول مقصرين . وعن الثاني متغافلين . فإن قلت وهل يوجد بيننا الآن من لا يحب الله تعالى . قلـت إنكـم تحبونـه ولكن ليس كما ينبغي . اسمعوا قوله لليهود : " يا مراؤون حسنا تنبأ عنكم إشعياء قائلا . يقترب هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عنـى بعيـدا فإننا لو أحببناه كما أحبنا لبذلنا أيضا في العمل بوصاياه وفرائضه . ووقفنا دائما يديه بالقلوب الطاهرة والعقول الصافية والمحبة الكاملة وتقدمة القرابين المختارة وأمثال ذلك . وابتعدنا عن جميع النقائص والعيوب غير اللائقة بجلاله تعالى . فإذا كان الذين يقدمون له خروفا مريضا أو اعرجـا أو نـاقص الخلقـة أو اعوارا يرذلون عنده ويهانون إذ انهم لم يكرموه كما ينبغى . لأن المحبـة الخالصـة تقتضي الإهتمام بتقديم أشرف ما يوجد من المخلوقات لخالق البرايا . فما بالك أنـت تتقدم اليه بجسد مدنس بالخطايا ملطخ بالأوزار . ه وإذا كانت أحاديث القبائل وأخبار الملوك وأشعار البلغـاء . إذا قرئـت فـي المحافل تختار لقراءتها أصحاب الدراية الذين يفهمون أقوالهم ويتدربون في تـلاوة ألفاظهم . إجلالا للقائلين . واحتفالا بمكانة السامعين . فما بالنا نحن نســـــتهين بـأقوال ربنا ولا نحتفل بأوامره حتى يتقدم إلى قراءتها الأغبياء العاجزون ؟ وإذا كان الذين يغلطون في إنشاد قصائد الملوك ويحرفون الألفاظ يــهانون ويذمون من الحاضرين . فماذا أن يصيبك ايها المجترئ على كـــلام خـالقك المفسد معانی کتبه ؟ عسی فإن كنت تريد بقراءتك التقرب من الله والمديح من النــاس . فقـد انقلبـت خاسرا للأمرين جميعا . وفضلا على ذلك اكتسبت الذم والنقيصة والوصف بالجهالـة والرجوع بالخيبة . اسمع ياهذا قول القانون المقدس : وأمـا الذيـن يتقدمـون إلـى الكهنوت فينبغي أن يختبرهم كبير القسوس ومقدم الشمامسة . هل هم مـاهرون فى قراءة الكتب ولهم خبرة بسنن الكهنوت وعارفون بحقوق الكنيسة . فإذا ثبت عندهمـا أنهم مستحقون الكهنوت يقدمون حينئذ ويقبلون . ويقول أيضا في باب الكهنة : وكلهن يقر ويكفر يجب أن يمنع من القراءة . وإذ زاد فليخرج لئلا يسجس الناس . أو يـروه غير متأدب ولا واقف عند حده . ويقول أيضا ولا يصير أحد كاهنا وهو لا يعـرف كلام الكتب الالهية جيدا . وأيضا يقول : وكاهن لا يعرف الشـريعة ولا يعمـل بـها
فيسقط من درجته . وإذا كان الله بقول الذين يقدمون الخروف الذي به عيب : إنكـم تغضبونـی وتهينون اسم قدسي . فماذا عساه يقول الذين يفسدون أقوال شريعته . ويحرفون كـلام كتبه ويتجاسرون عليه ولا يخجلون ؟ فسبيلنا أن نتأدب بما سمعناه . ونحترم أقوال ربنا . الذي له المجد إلى الأبـد . آمین .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
20 مايو 2023
تقرأ بعد انجيل عشية يوم الأحد الخامس من الخمسين
تتضمن تبكيت الذين يصنعون الأعـراس بـالطبول والزمور والأغاني فانهم يغضبون الله بهذا الصنيع . مرتبة على قوله تعالى : " الذى عنده وصايـاى ويحفظـهـا فـهـو الذى يحبني " ( يو ١٤ : ٢١-٢٦ ).
إذا كان ربنا له المجد قد وعد الذين يحبونه ويحفظون وصاياه بأن يحبهم ويظـهر لهم ذاته ويأتى إليهم ويتخذ له منزلا عندهم . ونحـن نعلـم أن البـارئ الصـادق الوعـد القادر على الوفاء الجزيل العطاء . فما بالنا لا نحبه بكل اسـتطاعتنا . ونقـدم لـه ذواتنـا . ونبذل في طاعته نفوسنا . ونتشوق إلى رؤيته بعقولنـا وقلوبنـا وضمائرنـا وجميـع حواسنا كما ينبغي اسمع ياهذا قولا لكتاب : وخرج يعقوب هاربا من عيسـو أخيـا وسار إلى سوريا إلى لابان خاله . وكان للابان ابنتان تسمى الواحد ليئـة والأخـرى راحيل . ولما رأى يعقوب راحيل أحبها حبا شديدا واشتهى أن تكون زوجة له . ولمـا سمع لابان قال له أرع غنمي سبع سنين وأنا أزوجك بها . فبادر إلى قبول ذلك بأشـد رغبة وخدم الاغنام سبع سنين . وكانت عنده كايام قليلة لأجل محبته الفتاة . فإذا كـان هذا الصديق اختار أن يتعبد عدة سنين شوقا إلى رؤية الجارية . التي من شـأنها أن تموت وتتلاشي هي وحسنها وتسقط زهرة جمالها . وكابد لأجلها التعـب والخـوف والسهر وحر الصيف وبرد الشتاء ومخاطر اللصوص . فما بالك لا تشتاق إلى رؤيـة باريك ومبدعك . الذي انعم عليك بأنواع الخيرات وأصناف المسرات والسعادة التـى لا تزول ؟ ولم يكلفك أن تحتمل المشقات عدة سنين كما احتمـل يعقـوب . بـل أن تتمسك بوصاياه وتتبعه في كل تصرفاتك . وإذا كان لابان الكافر بالله العابد الأوثان . لما أكملت ايام خدمة يعقوب له لـم يرد أن يزف ابنته إليه بالطبول والابواق والملاهي وأمثال ذلك . مـع وجـود هـذه الاشياء وكثرة الإشتغال بها في زمانهم . بل أنه جمع العشيرة وصنـع لـهم طعامـا وزفها إليه بحضرتهم . فما بالك أنت أيها السامع الكلمات الالهية . المثقف بالشـرائع المسيحية . المأمور بترك الملاهي العالمية . تستبيح أن تزف ابنتك إلى الختن بمحفـل من الشياطين . وكيف لا تخجل من حالتك حين تدخل إلى منزلك السفهاء واصحـاب الخلاعة والمجون بينما إخوة المسيح يتضورون جوعا ويتحرقون عطشا ؟ وما بالك تستهل صرف الأموال وبذل الجهود وتهون عليك التكاليف في إعـداد مثـل هـذه الولائم السمجة ؟ ولا تفعل ذلك في الاحتفال بالضعفاء والمساكين . بل لو جاءك احـد اخوتك عاريا أو جائعا أو ملهوفا أو مريضا . وطلب منك شيئا يســرا مـن هـذه النفقات الكثيرة لرددته خائبا كئيبا . وقابلته بوجه عابس وكلام غليظ قائلا : إنكم قـد اتخذتم التسول عادة وغلب عليكم الطمع في أموال الناس . وإذا كان الفضلاء يحجبون أولادهم عن سماع الاقوال السفيهة والاحــــاديث السمجة . والحضور في مجالس الهزل والخلاعة خوفا من فساد عفافهم وأدبهم . فمـا بالك أنت تستحسن أن تسمع ابنتك وجوهرتك وعروس المسيح الاقـوال الخبيثـة وألفاظ الخلاعة وسوء الأدب التي تحرك بلابل الضمير وهواجس الأفكار الرديـة ؟ وكيف لا تخاف افتتان الختن بسماع تلك الالفاظ الوقحة وشغفه بمنـاظر اللعـب المصنوعة لاستهواء ذوى الصيانة والعفاف ؟ وكيف لا تفكر أن بعض الراقصـات والمغنيات قد تشغفه بتثنى أعطافها وتخدعه بعذوبة كلامها فتخمد نار شـوقه إلـى القرينة الطاهرة . وتشتعل نحو تلك الفاسدة ؟ وحينئذ تنتشب بينـه وبيـن قرينتـه المخاصمات والفتن . وتنتزع من بينهما المحبة والإلفة فيعيشان عيشة مر شـــريرة . فإن قلت إليس إن هذه الأعمال صارت عادة وسنة تجرى عليها جميـع النـاس ولا سبيل إلى إبطالها ؟ قلت حينئذ لا يتوجه اللوم إلى الزاني والسارق والقـاتل وعـابد الاصنام وأمثالهم . لانهم يقولون كيف يمكن أن نترك عوائدنا المألوفة . وإذا كان رجوع هؤلاء عن عوائدهم الردية ممكنا . فأسهل منه وأكثر إمكانـا رجوعك عن عادات تنال بتركها القرب من الله والمديح من الناس . وحلول البركـات الكثيرة وتوفير النفقات الجزيلة . وتجعلك بإتخاذها غاضبا شريرا . بعيدا عن رحمـة الله قريبا من الابالسة . فسبيلنا أن نهرب من العوائد الرديـة . ونجعـل أفراحنـا أدبيـة واعيادنـا ومواسمنا روحية . لننجو من الاشراك الشيطانية . ونفوز بسعادة النعيم الابدية . بنعمـة وتحنن ربنا الذي له المجد إلى الابد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
13 مايو 2023
تقرأ بعد انجيل عشية يوم الأحد الرابع من الخمسين
تتضمن الحث على طهارة النفس قبل التقدم إلـى الاسرار الالهية . مرتبة على قولـه تعـالي بفصــل الانجيل : " كما أرسلني الأب الحـي وأنـا حـى بالاب فمن يأكلني فهو يحيا بى" ( يو ٦ : ٥٧-٦٩ ).
يجب أن نهرب ايها الأحباء من محبة المال والشراهة وطلب الإكثـار مـن حطام الدنيا . لأن المريض بهذا الداء يشتهى أن تمطر السماء ذهباً وتثمـر الأرض سبائك . وتنبع العيون فضة . وتستحيل الجبال معادن . ويبغض الأغنياء حسداً علـى مالهم . ويكره الفقراء خوفاً من الجود عليهم . وينكر الأهل والأقـارب لئلا يثقلـوا عليه . وبذلك يستعد لعقوبة عظيمة من الله . فإن يهوذا الذي كان تلميذا ورسولا للسيد المسيح وكان مشاهداً عجائبه ومعجزاته . لما أصيب بمحبة المال سلب منه هذا الـداء صحته . فصار عديم العقل مظلم البصيرة . وحشى الطباع . ردئ السريرة . عارياً من الايمان . غارقا في بحار الغدر والخيانة . بائعا سـيـده بـأبخس ثمـن . مخلـدا مع الشياطين في الدركات الجهنمية . أما تلك الأمرأة الصحيحة العزم فانها لما اسـتهانت بمالها استحقت أن تمس قدمى يسوع الطاهرتين وتبلهما بدموعها وتمسحها بشـعرها فنالت مغفرة خطاياها الكثيرة . وإذ قد عرفنا الآن سبب سقوط يهوذا وإنتشال هذه الخاطئة . فلنجتـهـد فـى إجتناب محبة المال والهروب من كل رذيلة . وأن لا نتقدم إلى جسد سيدنا كما تقـدم يهوذا الخائن ونحن متمسكون بحب الفضة . مظهرون الورع . مضمـرون الخبـث والحسد . فنكون بذلك مذنبين إليه ونأخذ أعظم دينونة . إن الذين يريدون شرب الدواء لإزالة أمراضهم يأمرهم الاطباء أولا بالحمية والإمتناع عن تناول الأطعمة الرديئة . ويكلفونهم استعمال المنضجـات والأغذيـة اللطيفة ويحددون لهم أوقات الغذاء وأوقات الرياضة . لكي تنقطع الأخلاط اللزجـة وتتلطف الفضلات الكثيفة وتتفتح المجاري المقفولة . وبعـد ذلـك يصرحـون لـهم استعمال الدواء . لعلهم أن الدواء إذا استعمل على خلاف مقتضـــاه يـشـوش نـظـام الطبيعة ويثير الأخلاط الساكنة ويعرض البدن لحدوث أمراض أخرى . كذلك الذيـن يريدون زرع اراضيهم فانهم يتقدمون أولا بحرثها وإصلاحها وتنقيتها من الأشـواك والحجارة . وبعد ذلك يلقون بذارهم فيها وهم مطمئنون . كذلك الذين ينتظرون زيـارة الملوك لهم فإنهم يتقدمون أولا بتنظيف الاوساخ وإخـراج الزبالـة . ثـم يفرشـون الابسطة والطنافس ويصففون أواني الأشربة . ويزخرفــون المجـالس بقـدر مـا يستطيعون وإلا فيعتريهم الخجل والهوان . فإذا كان الذين يريدون شرب الدواء ، والذيـن يبـذرون الـزرع . والذيـن يضيفون الملوك يتقدمون بهذا الاحتياط والاهتمام . وكل فريق منهم يخشى أن يكـون قد قصر في عمل الواجب عليه . فما بالنا نحن نتقدم لتناول الجسد الإلهي من غـير أن نطهر ذواتنا وننقى قلوبنا من الآثام . ونتزين بالصفات الكاملة اللائقة بإقتبالنا هـذا السر العظيم ؟ وكيف لا نذوب وجلا وخجلا إذا تقدمنا إلى المسيح وتعرضنا لتنـاول جسده الطاهر ونحن ملطخون بأقذار الخطايا ؟ أسمع ايها الحبيب ما يقوله بولـــس إن من يأكل من هذا الخبز ويشرب من هذا الكأس وهو غير مسـتحق لذلـك فـهو مذنب إلى جسد ربنا ودمه الكريم وإنما يأكل دينونة لنفسه إذا لم يميز جسـد الـرب ولذلك تكثر فيكم الأمراض والعلل والذين يموتون بغتة فليمتحــن الانسـان نفسـه ويصلحها وحينئذ يأكل من هذا الخبز ويشرب من هذا الكأس والقانون المقـدس يقول : إذا تكاملت الصلوات كلها فليقل القسيس أو أحد الشمامسة . من كـان طـاهراً فليدن من الأسرار الطاهرة ومن كان غير طاهر فلا يدن منها لئـلا يـحـترق بنـار اللاهوت ومن كانت له عثرة مع أخيه أو كان فيه فكر زنـى أو كـان سـكيراً أو غاصباً أو غير ذلك من أهل المعاصي فلا يدن منها . ويقول الروح القـدس علـى لسان النبي للخاطئ : " قال الله لماذا أنت تخبر بعدلى وتأخذ عهدي بفمك . وأنت قـد أبغضت التأديب وألقيت كلامي خلفك . إذا رأيت سارقا تجرى معـه ومـع الفاسـق جعلت نصيبك وفمك يكثر من الشر ولسانك يخترع غشاً وإذا جلست تتكلم على أخيك . يقال إن أحد القديسين مكث سائحاً في الجبال والبراري والمغاير أكثر مـن أربعين سنة حتى أظهر الله له الخفايا وأنست به الوحوش الضارية وخدمته السـباع الهائلة . وبعد ذلك اشتاق إلى تناول الأسرار الطاهرة . فوقف أمام الله وصلى ليــأذن له في الذهاب إلى بعض الديورة ليتناول الجسد المقدس . فأتاه صوت مـن السـماء قائلا اختبر ذاتك . فإن وجدتها كعمود النور الصافي الذي لا دنس فيه فاذهب وتناول القربان المقدس . فما بالنا نحن نتسابق إلى تناول جسـد الـرب ودمـه كالأطفـال ونتزاحم كالوحوش ونتدافع كالمجانين . ينبغي لنا أن ننتبه من غفلتنا . ونتقـدم بقلـب نقى وغيمان وثيق إلى جسد ربنا كما قال الرسول : ويجب أن تكون قلوبنا مرشـومة نقية من الهواجس الردية وأجسادنا مغسولة بالمياه الصافية متمسـين بـالاعتراف برجائنا غير حائدین يا للعجب من أن أحدنا إذا عزم على مخاطبة الملك فإنه يجتمع أولا ببعـض رجال دولته ليهتبر أخلاق الملك وعاداته . ليهذب أخلاقه طبقاً لذلك . وإذا لـه فـي الدخول يسير برهبة ويقف خائفاً مرتعداً . وإذا أشار عليه أحد رجاله بـأن لا يقـدم على الملك لأجل قذارة ثيابه أو لأجل ما يبلغ الملك عنه من رداءة سيرته فانه يشكر ذلك المشير لأنه حذره ونصح له قبل وقوع المكروه به لأنه لو دخل الملـك وهـو غير أهل لذلك لخرج مطروداً مهاناً . وأنت أيها العزيز يقول لك الكاهن الـذي هـو أحد رجال دولة المسيح : لا تتقدم اليه لئلا تحترق بنار اللاهوت لأنـه بلغنـى أنـك فاسق أو سارف أو سكير أو غير ذلك فتغضب من كلامه ولا تلتفت إلى نصيحتـه . فكيف تغضب من كلام النصوح المحب لك المشفق عليك ؟ اسمع قول الله لموسـى النبي في القرابين المأخوذة من شحم الحيوان : إن كل نفس تتقدم إلى المذبـح وهـى غير طاهرة تهلك تلك النفس من شعبها " . وإذا كان الطبيب يمنع المريـض مـن تناول الدواء بدون استعداد إشفاقا عليه ، والكاهن من تناول الاسرار بدون استحقاق إشفاقاً على من يريد أن يتناولها وخوفاً من حلول العقوبة به . فكيف يغضب الجـهلاء من الذين ينصحونهم ويعرضون أنفسهم للبلاء العظيم . فإن كنت ياهذا جاهلا قيمـة جسد سيدك فاسمع يوحنا مخاطباً الكهنة حيث يقول : أي يد تتجاسر على الدنو مـن هذه الذبيحة ؟ وأي نظر يستطيع أن ينظر عظم شرفها ؟ وكيف لا يجب أن تكـون أبهى من الشمس وأرفع من السماء . بعيدة من كل نقيصة ولهذا تكون عقوبتكم غـير صغيرة لأنكم لم توزعوا هذه الذبيحة بحرص شديد لأنك إذا عرفت عن إنسان أنـه ردئ السيرة وسمحت له بتناولها فدمه يطلب منك . ولو كان رئيساً أو حاكما أو قـائد جيش أو صاحب تاج أو أرفع شأنا من ذلك لأنك قد أعطيت السلطان على التصرف في هذه المائدة . وإذ كان سلطانها مسلماً إليك هكذا فلماذا لا تكون وكيلا أمينا ؟ فسبيلنا أن نطهر سرائرنا وننقى ضمائرنا قبل التقدم إلى الجسد الطاهر لكـى نفوز بملكوت ربنا الذي له المجد إلى الأبد . آمين .
القديس يوحنا ذهبى الفم
عن كتاب العظات الذهبية
المزيد