المقالات
23 أكتوبر 2020
«مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَح»
الخطيّة هي التعدّي أو قُل أنّها فِعل الإرادة عندما تنفصل عن الله. أو هي عمل الإرادة الذاتية في مخالفة وصايا الله. وقال الكتاب أنّ أجرة الخطيّة هي موت.وبداية سقوط الإنسان كانت مخالَفة وصيّة خالِقه، ومع المخالفة صار الانفصال عن الله -عن مصدر الحياة والنور- ومع الخطية دخل الموت، وساد على الإنسان بإرادته عندما ابتعد عن الحياة، لذلك قال: «مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ» (أم28: 13). المسيح جاء للخطاة -أي للموتي بالخطايا- جاء إليهم ليهب الحياة للميّت. جاء ليقيم الموتى ويحييهم. ولما كان هو غير الخاطئ وحدَه.. لذلك حمل خطيّة الخاطئ، ودفع أجرة الخطيّة عنه لما مات على الصليب، ووفّى الدين بالكامل، وخلّص الخاطئ من حكم الموت. لذلك عندما اشترانا المسيح من الموت، وسدّد الدين، وعَتَقَنا من العبودية، صرنا مديونين للمسيح. وصِرنا أحرارًا من العبودية لمّا محا الصكّ الذي كان علينا.
سؤال: بعد أن تحرّرنا بنعمة المسيح من الموت، لماذا مازلنا نخطئ؟
المسيح لما اشترانا لم يَلغِ إرادتنا ولم يُنهِ حرّيتنا بل قال: «إِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يو8: 36).
تقديس الإرادة وتقديس الحريّة هو هدف الحياة في المسيح. ليست الحرية أن أفعل ما أريد، بل الحريّة هي أن لا أُستعبَد لشيء بَطَّال.. «كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يو8: 34).. الخطيّة تُفقِدني الحرّيّة الداخلية، وتتسلّط على إرادتي فأصير ضعيفًا..أنا ضعيف، وأنا مُعَرّض للسقوط.. هذا حق. قد أَسقُط، ولكنّ الصِّدّيق يسقط والرب يقيمه. الخطية لم تعُد من طبيعتي، بعد أن تجدّدتُ بالمعمودية.. الخطية عنصر غريب.. بل قُل هي مرض الموت. كِتمان الخطيّة واخفاؤها هي كَمَن يُخفي مرضَهُ عن الطبيب. هذا يصير في خطر الموت.
من أكبر النعم التى حصلنا عليها في المسيح غفران الخطايا.
نحن نكشف قلبنا للنور فتتبدّد الظلمة. الشيطان وكلّ قواته لا يعمل إلاّ في الظلام.
كَشْفُ الخطايا يجعل إبليس يهرب. أنا أعترف أمام الكاهن.. هو وكيل الله كقول الرسول ووكيل سرائر الله. وفى نفس الوقت هو أبي..
عندما أعترفُ، أنا أرجع إلى أبي، أقول أخطأتُ وأطلبُ غفرانًا. لمّا أخطأ داود النبي وأخفى خطيّته قال: «لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي» (مز32: 3)، صار مُعَذّبًا، ولمّا اعترف أمام ناثان النبي وقال: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ». فقال له النبي في الحال: «الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ» (2صم12: 13).التوبة هي عقدٌ للصلح بيني وبين الله الذي أخطأتُ إليه. أنا راجع مِثل الابن الضال.. باكيًا نادمًا حزينًا بعد أن بدّدتُ مالي وصرتُ في العوز. عقدٌ للصلح بين اثنين: الخاطئ الراجع، والآب السماوي، ويُمَثِّله وكيله. الوكيل يمثل الله، وينوب عنه، ويمضي العقد، لأنّه مُفَوَّض بتوكيل. أنا أسمع كلمة غفران من فمِ الوكيل.الوكيل لا يملك شيئًا بل هو مؤتَمَن على أموال موكِّله، هو يمثّله في كلّ شيء. لذلك لا يصح أن اعترف بخطاياي أمام أي أحد ليس عنده توكيل. الوكيل لا يعطي من ذاته ولا يصرف من خزانته. الوكيل يتصرف بحسب أوامر سيده.الكاهن يضع يده بالصليب على رأس المعترف.. فالصليب هو الذي دفع ثمن الخطيّة بموت المسيح عليه.. في الصليب الغفران، ودم يسوع المسيح يطهّرنا من كلّ خطيّة. والكاهن يقول لله: «الذين أحنوا رؤوسهم تحت يدك» فيد الكاهن المنظورة تشير إلى يد الله غير المنظورة..أنا أطلب الحل والغفران فيقول الكاهن: «الله يحالك من خطيتك».رباطات الخطية هي رباطات الموت.. والكاهن وكيل الله أخذ هذا من فم المسيح «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ» (يو20: 23). هو قال للرسل الأطهار لما أقام لعازر: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ» (يو11: 44). أنا أخرج من الاعتراف في قمّة الفرح، لأجل غفران الخطايا، وكسر القيود، وحلّ الرباطات التي كنتُ مربوطًا بها.أشعر أنّ روحي عادت إلى حريّتها ورونقها ورجائها. قد تبدّدت الظلمة. لم يعد في نفسي شيء أخجل منه.. أشرق النور داخلي.. أعودُ أجدّد عهودي، وأسترد قوتي للجهاد الروحي، والسعْي نحو خلاصي وتمتُّعي بالنعمة.
المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
16 أكتوبر 2020
قدِّموا أجسادكم ذبيحة لله
«أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (1كو3: 16).
جسدى هو هيكل للروح القدس الساكن فيَّ.
أنا لا أبغض جسدي بل أقوته وأربيه، كما فعل المسيح بجسده، الذي هو الكنيسة.
بما أنّ جسدي هو هيكل للروح، فيجب أن يكون جسدي مقدسًا.
الخطيّة –بالذات خطايا النجاسة- تسيء إلى الجسد.. الخطيّة تُهين الجسد، الذي يزني يخطئ إلى جسده.
أنا أمجّد الله في روحي وفي جسدي، لأنّ المسيح اشتراني فصرتُ مِلكًا له «مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (1كو6: 20).
أعضاء جسدي صارت أعضاء جسد المسيح.. «أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ جسد الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا للخطية؟» (1كو6: 15) «حَاشَا! نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟» (رو6: 2).
عندما يُشاغب الجسد ويقع تحت تجارب العدو أقول مع الرسول: «أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ» (1كو9: 27).
أنا أدرّب جسدي ليخدم خلاصي.. بدون تدريب الجسد يتمرّد ويجرّني إلى التراب.
أجساد الوحوش والحيوانات تقودُها الغرائز التى أوجدها الله فيها، فلا تنحرف عن الغرض الذي خُلقت من أجله. فإذا جاع الحيوان تقوده الغريزة للأكل، وإذا عطش تقوده إلى الشرب، فإذا امتلأ يكفّ عن الأكل والشرب. الغريزة وُضِعَتْ لإبقاء الحياة.. الغرائز في الحيوان لها أوقات لا تتعدّاها. انحراف الغرائز موجود فقط في الإنسان لأنّ الإنسان يتمتّع بنفسٍ عاقلة والعقل يوجِّه حياة الإنسان.
العقل واقع بين الجسد والروح، كما يقول القديس أنبا مقار. فإن انحاز العقل نحو الجسد وغرائزه وشهواته، يصير الإنسان جِسدانيًا شهوانيًا، والعقل يُزيِّن له ويخترع له طُرُقًا لا تنتهى، ويَستهلك الإنسان. فينحدر الإنسان في هوّة عميقة بلا شبع. وإذا انحاز العقل للروح.. فبالروح يقدر أن يُخضع الجسد ويُميت أعماله.
أنا أقدِّم جسدي ذبيحة كوصية الرسول بولس، أخدم المسيح بجسدي بالصوم والصلاة والتأمُّل وكلّ أنواع الخِدَم.. أبذل جسدي في مساعدة أخوتي.. وأتعب لراحتهم.
زينة الجسد هي اهتمام العالم كلّه.. أمّا زينة الروح فيعرفها الإنسان المسيحي.
زينة الجسد مؤقَّتة، محكوم عليها بالزمن، فالجسد اليوم صحيح ولكن غدًا مريض. ملوك الجمال الجسدي اليوم يأتي عليهم الزمن فيصيروا بلا اعتبار وبلا جمال. ولكنّ الذين اهتموا بزينة أرواحهم بالفضائل، صاروا من مجد إلى مجد. زينة الروح في الداخل تبقى وتدوم.
الذين يزرعون للجسد فمن الجسد يحصدون فسادًا.. لأنّ الجسد بالنهاية فاسد. أمّا الذين يزرعون للروح فمِن الروح يحصدون حياةً وسلامًا.
إن كان طبع الوحوش قد أُخضع لتدريب الإنسان، فقد أَثبَت الإنسان أنّه يقدر أن يُخضِع الغرائز التي للحيوانات.. فبالأولى يقدر أن يدرّب غرائزه الخاصة.
التدريب ليس بالأمر السهل.. ولكنه ليس مستحيلاً. ملايين البشر استهوتهم طرق التدريب.. التدريب الرياضى للياقة الجسد خلقَ أبطالاً فى جميع الألعاب الرياضيّة، والمسابقات في الأولمبياد.. أشياءٌ يتعجّب لها كلّ من يشاهدها، ويندهش كيف وصل هؤلاء؟
الموهبة، مع الأمانة في التدريب، مع الاستمرار، هي التي خَلَقَت البطولات الخارقة. أنا أملك الموهبة والنعمة.. نعمة البنوة لله، وموهبة الروح القدس.
ينقصني التدريب الروحي، والأمانة، والاستمرار فيه، عندئذ تَظهر في الإنسان بطولات الإيمان، وبطولات القداسة والمحبة والاتضاع، وكلّ الفضائل التي ظهرت في القديسين، وفَتَنوا بها المسكونة.
العيب فينا أنّنا أهملنا الموهبة التي فينا.. ونسينا التدريب في الحياة الروحية. القديس بولس الرسول قال: «أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي ضَمِيرٌ صالح» (أع24: 16) وقال: «أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا» (1كو9: 27).
أُدرِّب فكري أن يلهج في ناموس المسيح ليلاً ونهارًا.. بالصلاة الدائمة.
أُدرِّب عينيّ لكي لا تنحرِف نحو النظر البطَّال.. لأنّ سراج جسدي هو عيني.
أُدرّب لساني أن يكون ينبوع للبركة، وألاّ تخرج كلمة رديّة من فمي.
أُدرّب قلبي أن يكون دائم النقاوة.
أُدرِّب نفسي على عمل الخير.
أُدرِّب نفسي على ضبط النفس والوداعة، وأُخضِع قوّة الغضَب والسُّخط، لكي لا تملكني.
إنّ تدريب النفس في الحياة المسيحية أمرٌ يغطِّي الحياة كلّها.. أُدرِّب نفسي كلّ يوم وكلّ ساعة.
قد أفشل أحيانًا.. ولكنّ الفشل لا يمنعني من المسيح.
قد أسقُطُ أحيانًا ولكنّي أقوم وأكمل جهادي.
وأخيرًا بنعمة المسيح أَصِل إلى ميناء الخلاص. «جاهدوا الجهاد الحسن».
المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
09 أكتوبر 2020
جعلت الرب أمامي في كلّ حين
هل اختبرتَ الحياة في حضرة المسيح ولو ليومٍ واحد؟ وهل شعرت إنّه يرافقك كلّ اليوم؟ ويشترك معك في كلّ عمل؟
إنّه بالفعل اختبار فائق لا يمكن وصفه. فصُحبة المسيح تملأ اليوم بالنور الحقيقي، فتَسعَد به لأن الظلام يهرب، وحضوره الحقيقي يُفرِّح القلب «فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ» (يو20: 20). بل قُلْ إنّ هذا هو الفرح. هذا ليس فكرًا ولا خيالاً. لأنّ المسيح يسوع هو الحق ذاته.
هو قال: «أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ» (مت28: 20)، وقال: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً. (يو14: 23)، وقال: «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي» (يو14: 21).
فالأمر إذن مُعَلَّق بحبّ يسوع وحفظ وصاياه. وكأن هذا هو المدخل للحياة في المسيح أو للحياة بالمسيح أو للحياة مع المسيح.
لما تجسّد رب المجد وصار إنسانًا أخذ الذي لنا.. وشاركنا في كلّ شيء من تفاصيل حياتنا البشرية، ما خلا الخطية وحدها. فجميع الأعمال اليومية التي نمارسها، من صحو ونوم، ومشي وجلوس، وأكل وشُرب، شاركنا ويشاركنا فيها بدون أدنى شك.
فإن أحببناه من كلّ القلب وحفظنا وصاياه فإنّنا سنراه ونلمسه في كلّ تفاصيل الحياة.. نرى يده تعمل معنا وتعمل بنا، ونلمس حضوره.. ننادي اسمه القدوس فيجيبنا، ونطلبه فيوجَد لنا، نراه فتفرح قلوبنا.
وحينئذ نفهم أنّه بدونه لا نقدر أن نفعل شيئًا. هو العامل فينا، وحينما نبتعد عنه بإرادتنا أو بانشغالاتنا الباطلة أو بخديعة العدو واغراءاته الكاذبة، نشعر في الحال أنّنا ابتعدنا عن مصدر فرحنا، فتَلَفّنا الظلمة في داخل النفس، ونشعُر بالفراغ والبؤس، وكأنّ حياتنا قد تفرغت تمامًا من معناها، فنشعر أنّ وجودنا بلا قيمة، إذ قد اختفى هدف وجودنا الحقيقي.
ولكن عندما نعود نطلبه يشرق علينا ويبدد ظلمتنا في الحال.
الآباء علمونا كيف تكون الحياة في حضرة المسيح بالصلاة الدائمة.. مارسوها وأحبّوها وعاشوا في نعيمها. نادوا اسم يسوع بحُبٍّ ودالّة فوجدوه حاضرًا دائمًا. فلما ذاقوا هذه الحياة الفردوسية واظبوا على الصلاة ليلاً نهارًا بفرحٍ لا ينطق به.
وشعروا بحضور الرب الدائم، حتى أنّهم من كثرة ما نادوا الاسم المبارك صار في أفواههم تسبحةً بغير سكوتٍ ولا فتور.. حتى أنّهم لما أسلموا أنفسهم للنوم ظلّت قلوبهم تلهج بالتسبيح كَمَن يقول: «أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ» (نش5: 2).
وبالنسبة لنا نحن الذين نعيش في العالم، يمكن أن ندرِّب أنفسنا شيئًا فشيئًا على مناداة اسم الخلاص الذى لربنا يسوع المسيح.. نناديه بحقّ وحبّ، ونثق أنّنا عندما نناديه نجده حاضرًا.. وهذا يُدخل إلى عالمنا بهجةً وفرحًا، ويصبغ أعمالنا البسيطة بصبغة الروح والقداسة في آنٍ واحد. فتتقدّس الأعمال وتتبارك بحضور الرب، وتنال نعمةً ونجاحًا إذ قد اقترنَت بالصلاة.
وممكن لأكثر الناس مشغولية أن يمارسوا هذه الصلاة العميقة، لأنّها على الرغم من قلّة كلماتها إلاّ أنّها تُدخل الإنسان للحال في الحضرة الإلهية؛ فتُزيل الهموم مهما كانت، وترفَع القلب في الحال إلى السماء.. فما أجملها حياة.
وقد مارسها أناسٌ كثيرون عندما اقتحمتهم الأمراض الصعبة والآلام فوجدوا عزاءًا وعونًا في حينِهِ. فالربّ سامع الصلاة ومستجيب لكلّ مَن يدعوه. فصار اسم يسوع لهم عزاءًا يغلب الألم، ويجدّد الصبر، ويسند الضعف. فقد تَمَثّل أمام أعينهم يسوع المسيح وإيّاه مصلوبًا، وكان في حضوره إنّه «فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ» (إش63: 9).. فأحَبوا الآلام لكونهم شركاء آلامه، بل إنهم لم يطلبوا أن تُرفع عنهم الآلام، ولكن طلبوا الشركة الدائمة «لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا» (2كو1: 5).
نؤمن أنّ ربنا غير زمني، لا يحدّه زمان ولا مكان، فهو الكائن الذي لا بداية له ولا نهاية.. فهو موجود معنا على الدوام بحسب وعده، وحين نطلبه نجده.
في قصة القديس أنبا أنطونيوس لما اعتدَتْ عليه الشياطين وضربوه حتى قارب الموت. ففي أنين الألم نادى قائلاً: يا رب يسوع.. فوجد الرب قائمًا بجواره، فعاتبه عتاب الأحباء قائلاً: لماذا تركتني للشياطين ولم تنقذني؟ فأجابه الرب قائلاً: حينما طلبتني وجدتني. فبالرغم من وجود الله معي في حجرتي، فلن أشعر بوجوده أو بصحبته دون أن أطلبه من كلّ قلبي، وأتوسل إليه أن يوجَد معي. حينئذ يبدأ الحوار وتتحرّك الحواس الروحيّة لإدراك حضوره الإلهي.
المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
02 أكتوبر 2020
خبز كل يـــوم
تعودنا أن ندرس كلمة الله ونتغذى عليها كل يوم. وكمثل المن النازل من السماء الذي عال به الرب الشعب أربعين سنة، هي مدة غربتهم، حتى وصلوا إلى أرض الميعاد، هكذا تكون كلمة الله تُشبع وتُغني الساعين نحو الوطن الأفضل.وهى كما كان المن -جديدة متجددة كل صباح- ويلتقط الواحد منها ما يكفيه لسعي يوم بيوم. ولا يكفي ما التقطه بالأمس لمواجهة احتياجات اليوم. وأيضًا كما اختبر الآباء الأولون كيف يأكلون الكلمة.. إذ أعطاهم الرب هذه النعمة كما فعل حزقيال وإرميا وداود وغيرهم. اختبروا مذاقة الكلمة وحلاوتها، وأيضًا مُرَّها فى الباطن وتبكيتها الشديد. ثم طعمها الذى كالعسل حلاوة.وفي عهد النعمة قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس مُشجعًا إيّاه على اللهج في ناموس الرب أن يواظب على القراءة والدرس.. يأكل الكلمة ويُعلِّمها ويستأمن أُناس أكفاء يعطيهم مما تحصَّل عليه من النعمة بواسطة الإنجيل ليُعلِّموا آخرين أيضًا.لذلك وجدنا أن نشجع شعبنا على القراءة اليومية والدرس الروحي العميق لكلمة الله، بدون فلسفة أو جدل.. لكي تتحول الكلمة إلى طعام روحي وخبز كل يوم، الذى لا يستغني عنه السائر فى الطريق. ويَتبع التأمُّل الروحي العميق للكلمة تطبيقها فى الحياة اليومية إذ تكون النفس قد تشبّعت بروح الإنجيل وتأدبت بكلام الحياة الأبدية، فلم تعُد تصدر عنها أفعال إلا المضبوطة بفعل الكلمة. لأنّ الأعمال هي الترجمة الحقيقية للإيمان.. «لأَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ» (يع 2 : 20). لذلك نحن نقدم عينة تصلح أن تكون بداية لتدريب النفس على الانحياز لكلمة الله والتلمذة للإنجيل، بعيدًا عن فلسفة الكلام وحكمة العقل البشري، ومماحكات الكلام.. فنحن نؤمن أنّ الإنجيل هو الحياة.فالكلمة فعلاً «حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ» (عب 4 : 12). وليبارك المسيح إلهنا في كل كلمة لمنفعتنا وخلاص نفوسنا.
المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد