المقالات

23 يونيو 2021

التوازن في الفضائل

قال بعض الحكماء في تعريف الفضيلة:'إن الفضيلة هي وضع متوسط بين الإفراط والتفريط' أي التوسط بين الإفراط في الزيادة، والتفريط الذي هو النقص أي أن يسلك فيها الإنسان بميزان الاعتدال. لا يبالغ حتى يصل إلي التطرف، ولا يتهاون فيصل إلي الإهمال..فالمبالغة مرفوضة سواء كانت سلبًا أو إيجابًا.. فما هو ميزان الفضيلة في التدين مثلًا؟ التدين هو الوضع المتوسط بين المغالاة إيجابًا إلي حد التطرف، والمبالغة سلبًا إلي مستوي الاستهتار. كذلك هي الوضع المتوسط بين التشدد في التطبيق إلي درجة التزمت، والمغالاة في التساهل إلي درجة الاستباحة. كذلك في التعامل مع الناس، ما أجمل المثل المصري القديم: 'لا تكن لينًا فَتُعْصَر، ولا يابِسًا فَتُكْسَر' إنها نفس سياسة الاعتدال فلا يصح أن يكون الإنسان متساهلًا في حقوق نفسه، حتى يدوس الغير عليه في امتهان ولا مبالاة. ولا يكون عنيفا في تعامله مع الآخرين، بحيث يصبح موضع بطشهم وانتقامًا منه بسبب شدة تعامله. وأتذكر أنني في شبابي، رثيت احد أساتذتنا الأفاضل، فقلت في بعض أبيات من الشعر: يا قويا ليس في طبعه عنف ووديعا ليس في ذاته ضعف يا حكيما أدب الناس وفي زجره حب وفي صوته عطف لك أسلوب 'نزيه' طاهر ولسان أبيض الألفاظ عف وهكذا توجد حدود للطيبة فلا يبالغ فيها حتى تبدو وكأنها لون من ضعف الشخصية كما لا يبالغ في الحزم حتى يتحول إلي عنف وبهذا توضع قاعدة للتربية، يسلك بها الآباء نحو أبنائهم. يشعر فيها الابن بحب أبيه وعطفه، وفي نفس الوقت بكرامة أبيه وهيبته والأب في معاملة الابن، يحنو بغير تدليل، ويؤدب بغير قسوة. لا يهمل التأديب بسبب الحب، ولا ينسي الحب حينما يؤدب. نفس الوضع بين الاحترام والدالة: ففي علاقة كل شخص برؤسائه وأولي الأمر منه: عليه أن يحترم رئيسه في غير خوف وان عامله رئيسه بدالة، لا يستغل الدالة بحيث يفرط فيما يليق بالرئيس من هيبة وتوقير. وتطبق نفس القاعدة بالنسبة إلي الطاعة: فعلي الصغار أن يطيعوا الكبار، ولكن ليس بلون من العبودية أو صغر النفس. وعليهم أن يطيعوا الأوامر، لا بأسلوب يفقدون فيه شخصياتهم، أو يصبحون كقطع من الشطرنج يحركها الكبار..! إنما يكون هناك توازن في الطاعة. بحيث يطيع كل شخص رئيسه، وفي نفس الوقت يطيع ضميره، ويطيع القيم السليمة. ولا مانع في سبيل ذلك من السؤال والحوار وإبداء الرأي. إن عبارة 'الطاعة العمياء' تحتاج إلي تفسير ولا تنفذ ألا في حدود معينة لا تتنافي مع القيم. مبدأ التوازن يطبق أيضًا في موضوع الحرية: بحيث تأخذ الحرية وضعًا متوسطًا بين الكبت والتسيب فلا تمنع الحرية في كبت وإجبار، حيث يفقد الشخص الشعور بإنسانيته، كما يفقد إرادته، وكأنه مسير رغم أنفه! ومن الناحية الأخرى لا تطلق الحرية بلا ضابط، حتى تصل إلي التسيب، ويتصرف فيها الشخص بلا رادع يردعه عن أخطائه!والحل الأمثل هو الوضع المتوسط بين الضبط والضغط.وحبذا لو حدث ذلك عن طريق التوعية والتربية والإرشاد. بحيث يسلك الإنسان في طريق مستقيم، منضبطًا بدافع من اقتناعه ونقاء قلبه، دون ضغط عليه من الخارج. التوازن ينطبق أيضا علي الوضع المتوسط بين الصمت والكلام: فلا يبالغ الإنسان في الكلام حتى يصل إلي الثرثرة، أو التحدث في ما لا يليق، وما لا يخصه، وما ليس في معرفته. ولا يكثر من الكلام حتى يمل سامعوه. كما يحرص أن يتكلم دون أن يخطئ، ودون أن ينطبق عليه قول الحكيم 'لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتًا. يَكُونُ ذلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً' (سفر أيوب 13: 5).ومن الناحية الأخرى لا يبالغ في الصمت، حتى يحسب عيبًا.. بل يتكلم حين يحسن الكلام، ويصمت حين يجب الصمت. ويحفظ التوازن بين صمته وكلامه. هناك توازن أيضا في معني الشجاعة وفي استخدامها: الشجاعة لازمة في الدفاع عن الحق، وفي نصرة المظلوم، وفي رفض الظلم (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)والاستبداد ولكن لها حدودًا. فلا يجوز أن تصل إلي التهور واللامبالاة. كما لا تكون بأسلوب من الطيش والاندفاع وعدم التروي ولا يكون الدافع إليها بأسباب خاطئة أنها شيء محبوب إذا مورست في حكمة، وبطريقة سليمة. نتكلم أيضا عن توازن في مفهوم القوة واستخدامها القوة لا يجوز أن تتطور إلي العنف أو البطش أو الاعتداء علي الغير. إنما تكون أولا في قوة الشخصية وقوة الإقناع، وفي الحكمة وحسن التصرف، والبعد عن التجبر وتهديد الآخرين. التوازن يكون أيضا في المديح وفي النقد: فالمديح المتزن يكون تعبيرا عن تقدير الغير في صفاتهم السامية، أو تصرفاتهم الحسنة. ولكن لا يجوز أن يبالغ احد في المديح، حتى يصل إلي التملق أو النفاق، ولا يكون برياء أو عدم صدق! كذلك لا يبالغ احد من الناحية المضادة، بحيث لا يمدح علي الإطلاق! وإنما يجب أن يعطي لكل ذي حق حقه من التكريم بالنسبة إلي الكبار، ومن التشجيع بالنسبة إلي المبتدئين والصغار.كذلك في النقد، لا يصح أن يصل إلي مستوي الذم والسب والإهانة والتشهير. فلك أن تنقد ­في مجال النقد­ ولكن ليس لك أن تجرح الناس أو تحط من كرامتهم فللنقد حدود. وفي هذا المجال، هناك فرق بين الصراحة والإهانة: بدافع من الإخلاص، يمكن للصديق أن يتكلم في صراحة، لكن في مودة ولا تخرج الصراحة عن حدودها إلي جرح المشاعر. فهنا تعتبر إهانة، ولا تكون مقبولة وأيضا في غير مجال الصداقة، يمكن أن يكون الإنسان صريحًا. إنما لا يكون هدامًا في صراحته. له أن يوضح الأمور، وقد يذكر الأخطاء، في أدب وبغير تحقير. وأيضًا يكون عادلا، لا يتجني في صراحته. كما تكون صراحته ممتزجة بالصدق، مع ذكر نقاط المديح أن وجدت مختلطة بالأخطاء. كأن يمدح الهدف مثلًا، وينقد الوسيلة. وفي الحياة الخاصة يكون هناك توازن في المتعة واللهو والمرح: من حق الإنسان أن يتمتع بأمور جائزة ومحللة. ولكن لا يبالغ في المتعة بحيث تصل إلي الفجور. ولا يخرج المرح عن حدوده، حتى يصل إلي التهريج! أو أن يمتزج اللهو بأخطاء لا يرضي عنها الضمير. كذلك من حق الإنسان أن يفرح، بحيث لا يتبذل في أفراحه.أيضا من حق المرأة أن تتزين، دون أن تبالغ في زينتها حتى تصل إلي التبرج وإلي الفتنة وإعثار الآخرين! الفن أيضًا يجب ألا يخرج عن معناه، وان يحتفظ بتوازنه فلا يتطور إلي أساليب ومعان لا تليق..! إننا لا ننكر جمال الفن ولزومه. ولكن تبقي أمامنا أسئلة: ما هو الفن؟ وهل كل ما يسمونه فنا، هو فن بالحقيقة؟ ثم ما هي أهداف الفن؟ وهل هو يحقق أهدافه؟ الرسم فن، والموسيقي فن، والغناء فن، والتمثيل فن، والتصوير فن، والنحت فن.. وما أجمل أن تكون للفنون أهداف سامية ورسالة نبيلة وحش هو لقب 'الفنون الجميلة' وحبذا لو وجد التوازن بين الهدف من الفن، والوسيلة في الأداء والتعبير.. وهذا الموضوع طويل. أخيرا نقول أن كل ما ذكرناه في موضوع التوازن، هو مجرد أمثلة بسيطة للتوضيح ويبقي المجال مفتوحًا. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
22 يونيو 2021

فخر الرسل

ونحن نتمتع في هذه الأيام بصوم آبائنا الرسل أتذكر قول القديس البابا كيرلس عمود الدين في مقدمة قانون الإيمان واصفًا السيد المسيح بأنه: "فخر الرسل، إكليل الشهداء، تهليل الصديقين، ثبات الكنائس، غفران الخطايا". وكأن القديس كيرلس قد لخص بإيجاز بارع مركزية السيد المسيح، فهو اللؤلؤة كثيرة الثمن التي من أجلها باع آباؤنا الرسل كل شيء لكي يقتنوها. لقد كان السيد المسيح هو الموضوع المحوري لكرازة الرسل. ولأنهم شعروا بعظم فقرهم، وجهلهم، وضعفهم فإنهم لما نالوا نعمة البنوة لله من خلال السيد المسيح صار هو موضع فخرهم وزهوهم. وقد برع بولس الرسول في وصف ذلك في قوله: «فانظُروا دَعوَتَكُمْ أيُّها الإخوَةُ، أنْ ليس كثيرونَ حُكَماءَ حَسَبَ الجَسَدِ، ليس كثيرونَ أقوياءَ، ليس كثيرونَ شُرَفاءَ، بل اختارَ اللهُ جُهّالَ العالَمِ ليُخزيَ الحُكَماءَ. واختارَ اللهُ ضُعَفاءَ العالَمِ ليُخزيَ الأقوياءَ. واختارَ اللهُ أدنياءَ العالَمِ والمُزدَرَى وغَيرَ المَوْجودِ ليُبطِلَ المَوْجودَ، لكَيْ لا يَفتَخِرَ كُلُّ ذي جَسَدٍ أمامَهُ. ومِنهُ أنتُمْ بالمَسيحِ يَسوعَ، الّذي صارَ لنا حِكمَةً مِنَ اللهِ وبرًّا وقَداسَةً وفِداءً. حتَّى كما هو مَكتوبٌ: مَنِ افتَخَرَ فليَفتَخِرْ بالرَّبِّ» (1كو1: 26-31).لقد انحرف الكثير من الخدام على مر العصور فحادوا بموضع فخرهم عن السيد المسيح. لقد صاروا يفتخرون إما بقدراتهم ومواهبهم الشخصية، أو بأرصدة كنائسهم في البنوك، أو برصيدهم من المحبة والشعبية لدى المخدومين، أو بتقدمهم في السن وخبراتهم، أو بممارساتهم النسكية وبرهم الذاتي، أو بدراساتهم وشهاداتهم العلمية، أو بتاريخهم الحافل بالمنجزات والمشاريع. أما آباؤنا الرسل فلم يقتنوا لأنفسهم أيًا من هذه الأمور بل قدموا نموذجًا رائعًا لكل أسقف، وكاهن، وخادم حيث تهللوا مع المرنم قائلين: «باللهِ نَفتَخِرُ اليومَ كُلَّهُ» (مز44: 8)، وانطبق عليهم قول المزمور: «لأنَّكَ أنتَ فخرُ قوَّتِهِمْ» (مز89: 17).وعبارة "فخر الرسل" لا تحمل زمانًا، بمعنى أن السيد المسيح لم يكن فقط فخر الرسل في حياتهم على الأرض بل أنه سيبقى فخرهم إلى أبد الآبدين في الدهر الآتي. فالافتخار هنا ليس فعلًا في زمان محدد بل هو حالة دائمة. ولا يمكن لأحد أن يفتخر بشيء أو بشخص يشعر بأنه وضيع بل دائمًا ما يفتخر الناس بأمور يثمّنونها ويشعرون بعلوّ قيمتها. من ثَمّ لم يكن الرسل ليفتخروا بالسيد المسيح ابن الله لو لم يكونوا قد قبلوا شهادة الآب عنه التي سمعوها بآذانهم في معموديته وتجليه على جبل طابور، وكذلك شهادة الروح القدس عنه في قلوبهم. والافتخار مرتبط بالفرح. فما من أحد يفتخر بشيء أو شخص ثمين وهو حزين معبس الوجه. إنه إذ يشعر بعظم النعمة ومجانية العطية الإلهية الفائقة يبتهج متهللًا. وهو أيضًا مرتبط بالشكر والتسبيح إذ أنه حيثما يوجد الفخر لا يوجد موضع للتذمر والدمدمة بل للحمد والتهليل.ليتنا نتعلم جميعًا كيف نثبّت أنظارنا على السيد المسيح فيصير هو وحده موضع فخرنا كمثل الآباء الرسل فنتهلل مع عذراء النشيد بفرح قائلين: «هذا حَبيبي، وهذا خَليلي، يا بَناتِ أورُشَليمَ» (نش5: 16). نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية
المزيد
21 يونيو 2021

الخادم والصوم

المفهوم العام للصوم:- الصوم هو حرمان من بعض الأطعمة، ويتدرج حتى يصبح زهدًا اختياريًا. فهو ليس إضعافًا للجسد بل قمعًا وإذلالًا لإنعاش الروح. وهو ليس فرضًا موضوعًا علينا، لكننا نُمارسه لشعورنا بالاحتياج إليه من أجل شقاوتنا وجسدنا المشاغب. وهو لم يُرتب للتكفير عن الذنوب والخطايا، ولكن لإعداد النفس لاقتبال الله إذ لا يوجد عمل ما يكفّر عن الخطايا سوى دم السيد المسيح المسفوك على عود الصليب. مركز الصوم في الحياة الروحية في رأي القديسين:- "إن جهاد الصوم ينبغي أن يتقدم كل الجهادات الأخرى في الحياة الروحية، لأنه هو الذي يُمهد لها الطريق". "كل جهاد ضد الخطية وشهواتها يجب أن يبتدئ بالصوم، خصوصًا إن كان الجهاد بسبب خطية داخلية" (القديس مار اسحق). "مُخلِّصنا الصالح حينما أظهر نفسه للعالم عند الأردن ابتدأ من هذه النقطة فحينما اعتمد قاده الروح إلى البرية مباشرة وصام أربعين يومًا وأربعين ليلة وكل الذين يريدون أن يتبعوا خطواته عليهم أن يضعوا أساس جهادهم على مثال عمله" (القديس مار اسحق). إن أول قضية وُضعت على طبيعتنا في البدء كانت ضد تذوق الطعام ومن هذه النقطة سقط أول جنسنا لذلك فإن أولئك الذي يُجاهدون من أجل خوف الله يجب أن يبدأوا البناء من حيث كانت أول ضربة. مكانة الصوم عند آباء الكنيسة إن كافة القديسين بلا استثناء مارسوا الصوم، وبرعوا فيه بعد أن أدركوا فوائده، ودوّنوا لنا اختباراتهم عنه في كتاباتهم بل دُعي بعضهم بـ "الصوامين". "لقد نُفينا من الفردوس الأرضي لأننا لم نصُم فيجب أن نصوم لنرجع إلى الفردوس السمائي، لأن الصوم يرُد لنا الخسائر المُسببة عن عدم صوم آدم، ويُصالحنا مع الله" (القديس باسيليوس الكبير). "إن مَنْ كان بريئًا من كل خطية (السيد المسيح) صام أربعين يومًاوأنت أيها الخاطئ تكره هذا الصوم وتأباه!! ها هوذا صومًا من جديد يدوم مدة أربعين يومًا لا تزال السماء فيها هاطلة علينا بأمواه النعم الإلهية وبه تغرق خطايانا وتحفظ قلوبنا الفضائل والقداسة" (القديس امبروسيوس أسقف ميلانو). "الصوم هو بدء طريق الله المقدس. هو يتقدم كل الفضائل، بداية المعركة، جمال البتولية، حفظ العفة، أبو الصلاة، نبع الهدوء، مُعلّم السكوت، بشير الخيرات" (القديس مار اسحق السرياني). "الكبير البطن أحلامه الرديئة تكدّر قلبه، والذي ينقص من أكله يصير في كل وقت منتبهًا، لأن مثلما يظلم الجو من الضباب كذلك يظلم العقل إذا امتلأت من المأكولات" (القديس غريغوريوس رئيس متوحدي قبرص). لماذا نصوم؟ 1- كثرة المأكولات تحرك الشهوات:- الأقوياء الأشداء لديهم استعداد أكثر للغضب والقتل وربما الزنا وهذه الطاقة تخرج في صورة تصرفات عنيفة فالقصد من الصوم هو إذلال الجسم وإخضاعه فضلًا عن الحد من تغذيته. القديس يوحنا كاسيان "حينما تمتلئ المعدة بكل أنواع الطعام فذلك يولد بذور الفسق، والعقل حينما يختنق بثقل الطعام لا يقدر على توجيه الأفكار والسيطرة عليها". "فليس السكر من الخمر وحده هو الذي يذهب العقل، لكن الإسراف في كل أنواع المآكل يضعفه، ويجعله مترددًا، ويسلبه كل قوته في التأمل النقي". "فإن كانت زيادة الخبز وحده أدت إلى مثل هذا السقوط السريع في الخطية عن طريق رذيلة الشبع، فماذا نقول عن أولئك الذين لهم أجسام قوية ويأكلون اللحم ويشربون الخمر بإفراط، وغير مكتفين بما تتطلبه حاجة أجسادهم، بل ما تمليه عليهم رغبة العقل المُلّحة". 2- الصوم لجام قوي للجسد:- "لأنَّ الجَسَدَ يَشتَهي ضِدَّ الرّوحِ والرّوحُ ضِدَّ الجَسَدِ، وهذانِ يُقاوِمُ أحَدُهُما الآخَرَ، حتَّى تفعَلونَ ما لا تُريدونَ" (غل5: 17)."لأني لستُ أفعَلُ الصّالِحَ الذي أُريدُهُ، بل الشَّرَّ الذي لستُ أُريدُهُ فإيّاهُ أفعَلُ فإنْ كُنتُ ما لستُ أُريدُهُ إيّاهُ أفعَلُ، فلستُ بَعدُ أفعَلُهُ أنا، بل الخَطيَّةُ السّاكِنَةُ فيَّ إذًا أجِدُ النّاموسَ لي حينَما أُريدُ أنْ أفعَلَ الحُسنَى أنَّ الشَّرَّ حاضِرٌ عِندي فإني أُسَرُّ بناموسِ اللهِ بحَسَبِ الإنسانِ الباطِنِ ولكني أرَى ناموسًا آخَرَ في أعضائي يُحارِبُ ناموسَ ذِهني، ويَسبيني إلَى ناموسِ الخَطيَّةِ الكائنِ في أعضائي ويحي أنا الإنسانُ الشَّقيُّ! مَنْ يُنقِذُني مِنْ جَسَدِ هذا الموتِ؟" (رو7: 19-24)"ليس لأن الله الرب وخالق الكون يجد منفعة في قعقعة أمعائنا وخلو معدتنا والتهاب رئتنا ولكن لأن هذه هي الوسيلة لحفظ العفة" (القديس جيروم)."الصوم بالنسبة للشهوات كالماء بالنسبة للنار" (القديس يوحنا الأسيوطي). 3- الصوم هو بدء طريق الروح:- الإنسان مكوّن من روح وجسد، وبقدر ما يغلب أحدهما على الآخر بقدر ما يصبح روحانيًا أو جسديًا. "مُخلِّصنا الصالح حينما أظهر نفسه للعالم عند الأردن ابتدأ من هذه النقطة فحينما اعتمد قاده الروح إلى البرية مباشرة وصام أربعين يومًا وأربعين ليلة وكل الذين يريدون أن يتبعوا خطواته عليهم أن يضعوا أساس جهادهم على مثال عمله" (القديس مار اسحق). 4- الصوم مُمهد للفضائل والمواهب:- "حينما يبدأ الإنسان بعمل فلاحة البر بذاته، فأول عمل يعمله هو أن يصوم، لأنه بدون النسك جميع فضائل فلاحة الذات مرتخية فالصلاة لا تكون نقية والأفكار لا تكون متنقية، والذهن لا يصفو والإنسان الخفي لا يتجدد" (القديس مار فيلوكسينوس). 5- الصوم مُهذب للجسد ومُدرب للحواس:- يقول داود النبي: "أذلَلتُ بالصَّوْمِ نَفسي" (مز35: 13).ويقول مُعلِّمنا بولس الرسول: "بل أقمَعُ جَسَدي وأستَعبِدُهُ" (1كو9: 27).والقمع هو ما يحدث عادة في الثورات التي تقوم في الدول وضد الأمن العام "لقد جرّب آباؤنا الصوم كل يوم فوجدوه نافعًا وموافقًا لنقاوة النفس، ونهونا عن امتلاء البطن من أي طعام كان، حتى من الخبز البسيط أو من الماء أيضًا" (القديس يوحنا كاسيان)."إن فمًا تمنع عنه الماء لا يطلب خمرًا، وبطنًا تمنع عنها الخبز لا تطلب لحمًا" (القديسة سارة). 6- الصوم خير مُقوي للإرادة:- سبب سقوط الإنسان في الخطية هو ضعف إرادته إزاء الإغراءات الخارجية المختلفة والصوم – خاصة الانقطاعي – هو في مقدمة الوسائل الفعّالة لتقوية الإرادة البشرية وفي الصوم نقوي إرادتنا على أن نمتنع عن بعض الأطعمة بإرادتنا. فوائد الصوم 1- الروح تكون في حالة أقوى وقت الصوم:- في الصوم تكون صلواتنا أعمق، وتأملاتنا أعمق، وتكون صلتنا بالله أقوى وكل مناسبات وأعياد الكنيسة وأسرارها يسبقها أصوام. 2- الصوم في وقت الضيق:- صوم أستير الملكة وشعبها كله"اذهَبِ اجمَعْ جميعَ اليَهودِ المَوْجودينَ في شوشَنَ وصوموا مِنْ جِهَتي ولا تأكُلوا ولا تشرَبوا ثَلاثَةَ أيّامٍ ليلًا ونهارًاوأنا أيضًا وجَواريَّ نَصومُ كذلكَ وهكذا أدخُلُ إلَى المَلِكِ خِلافَ السُّنَّةِ فإذا هَلكتُ، هَلكتُ" (أس4: 16). صوم نحميا عندما عرف أن سور أورشليم منهدم وأبوابها محروقة بالنار "فقالوا لي "إنَّ الباقينَ الذينَ بَقوا مِنَ السَّبيِ هناكَ في البِلادِ، هُم في شَر عظيمٍ وعارٍ. وسورُ أورُشَليمَ مُنهَدِمٌ، وأبوابُها مَحروقَةٌ بالنّارِ" فلَمّا سمِعتُ هذا الكلامَ جَلستُ وبَكَيتُ ونُحتُ أيّامًا، وصُمتُ وصَلَّيتُ أمامَ إلهِ السماءِ" (نح1: 3-4). 3- الصوم والخدمة: أبرز مَثَل هو السيد المسيح نفسه الذي بدأ خدمته بصوم أربعين يومًا كذلك الآباء الرسل صاموا "حينَ يُرفَعُ العَريسُ عنهُمْ، فحينَئذٍ يَصومونَ في تِلكَ الأيّامِ" (مر2: 20). كيف أنمو في الصوم؟ 1- بضبط شهوات النفس: الصوم وسيلة وليس غاية، فهو وسيلة لإخضاع الجسد وقهر ميوله المنحرفة وتدريب حواسه. 2- بالصوم الإنقطاعي: لا يوجد صوم بدون انقطاع فترة الانقطاع هي المحور الرئيسي الذي يتركز عليه الصوم فقد ذُكر عن السيد المسيح أنه "جاعَ أخيرًا" (مت4: 2). 3- بالتذلل: الغرض من الصوم هو ضبط شهوات النفس وتهذيبها، ولذا فهو يُقترن دائمًا بالتوبة. 4- بالاعتدال في الصوم: ليس للشخص حرية تحديد ميعاد الانقطاع أو إلغائه ويقول القديس الأنبا أنطونيوس "لا تضعف جسدك بزيادة لئلا يضحك عليك أعداؤك". 5- بالصوم ونوع الطعام:- الامتناع عن الأكل كلية (الانقطاع) والامتناع عن بعض الأطعمة الدسمة "أمّا دانيآلُ فجَعَلَ في قَلبِهِ أنَّهُ لا يتنَجَّسُ بأطايِبِ المَلِكِ" (دا1: 8) "جَرّبْ عَبيدَكَ عشَرَةَ أيّامٍ. فليُعطونا القَطانيَّ لنأكُلَ وماءً لنَشرَبَ" (دا1: 12). 6- بضبط الفكر:- كما نضبط جسدنا نضبط فكرنا ونبتعد عن أفكار الشر وأفكار الدنس "وكُلُّ مَنْ يُجاهِدُ يَضبُطُ نَفسَهُ في كُل شَيءٍ" (1كو9: 25). الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد
20 يونيو 2021

الروح القدس المعزى

فِى هذا اليوم المُبارك ياأحبائىِ الّذى تحتفِل بهِ الكنيسة بِحلول الروح القُدس على الكنيسة كُلّها هو نُقطة الإِنطلاق بعد أن أكمل ربنا يسوع كُلّ تدبير الفِداء ، وبعد أن تجسّد وقام وصعد 0 مزمور العشية مز٥٠ :١٢ امنحنى بهجة خلاصك وبروح رئاسى عضدنى انجيل العشية يو٧ :٣٧ فى العيد الكبيرمن يعطش فليقبل الىّ ليشرب من يؤمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء الحياة قال هذا عن الروح القدس الذى كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه. مزمور باكر مز١٠٣ :٢٨ ترسل روحك فيخلقون انجيل باكر يو١٤ :٢٦ متى جاء المعزى الروح القدس.. لو كنتم تحبوننى لكنتم تفرحون بأنى أمضى الى الآب البولس ١كو١٢ أما من جهة المواهب الروحية ليس أحد يقدر أن يقول يسوع هو الرب إلا بالروح القدس فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد. الكاثوليكون ١يو٢ :٢٠ أما انتم فلكم مسحة من القدوس وتعرفون كل شئ الابركسيس أع٢ :١ -١٢ فلما حضر يوم الخمسين وكان الجميع معاً بنفس واحدة وصار فى السماء بغتةً صوت كصوت الريح العاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين وظهرت لهم ألسنة منقسمة مثل النار واستقرت على كل واحد منهمفكان لابُد أن يمكُث مع الكنيسة إِلى الأبد ويُرافِق الكنيسة فِى كُلّ عمل ، فوجود ربّ المجد يسوع بالكنيسة صار شىء أساسىِ بالنسبة لهل ، فلا تقدِر أن تستغنى عنهُ أبداً ، وبعد أن قام إِفتقد الكنيسة وإِبتدأ يظهر ويُثّبِت الكنيسة ولكِن هُنا وجدنا ربنا يسوع يقول شىء عجيب جداً " أنّهُ خير لكُمْ أن أنطلِق " ، كيف يارب فهذا صعب جداً علينا ، " أنّهُ خير لكُمْ أن أنطلِق لأنّهُ إِن لمْ أنطلِق لا يأتيكُم المُعزّىِ "( يو 16 : 7 ) ، " ومتى جاء ذاك يُبكّت العالمْ على خطيّة وعلى بِر وعلى دينونة " ، وإِبتدأ يتكلّم عن عمل الروح القُدس فينا ، فهو بيضعنا فِى إِختيارين 00فمُمكِن أن أظِل معكُم كإِله مُتجسِّد ولكِن إِن مضيت فأنا سأحِلّ بروحىِ فِى كيان كُلّ أحد وهذهِ هى العطيّة العظيمة التّى ستأخُذها الكنيسة بِنعمة ربنا أُريد أن أتكلّم معكُم فِى نُقطة واحدة وهى أنّ الروح القُدس إِسمه المُعزّىِ0 المُعزّى :- " يأتيكُمْ المُعزّى "وهُنا فِى أول الإِنجيل الّذى قُرِأ يقول " ومتى جاء المُعزّىِ "، فما معنى المُعزّى ؟! يعنىِ يسنِد يعنىِ يرشِد يعنىِ يفرّح يعنىِ يرفِع الحُزن عن الإِنسان ، عِندما يكون إِنسان فِى ظروف صعبة أو فِى تجرُبة مُرّة أو عِندهُ حالة وفاة ، فالإِنسان عِندما تحدُث حالة وفاة يقول أنا ذاهِب لأُعزّىِ ، أى لأُخفّف عنهُ الحِمل ، الروح القُدس هو المُعزّىِ ، فالتعزية هى دور الروح القُدس ، فهو الّذى يرفع عنّا الهم والضيق فهو إِسمهُ " الباراقليط " لِذلك ما أروع وما أجمل الروح القُدس ياأحبائىِ ، فهو الّذى يُعزّىِ النفوس الحزينة والنفوس المكسورة والُمكتئبة ، ربنا يسوع يعرِف أنّ طريقنا طويل ، والباب ضيّق ، ويعرِف أنّ الطريق كرب ، وستواجِهنا ضغوط كثيرة ، مِن الجسِد ومِن المُجتمِع ، فمُمكِن أن نواجِه الفشل ، مُمكِن أن نواجِه الحُزن ، ولكِن ما الّذى يرفع كُلّ هذا ؟ الروح القُدس هو الّذى يفتقِد الإِنسان بِمسرّات روحه فهل فِى مرّة حدث أننّا كُنّا نُصلّىِ ووجدنا أنفُسنا فرحانين ، مسنودين ، فرح غير فرح العالمْ ، فهو العامِل فينا الآن ، هو عزاءنا وهو قوّتنا هو فرحنا هو الّذى يُطمِئن ويحمِل البُشرى السعيدة للإِنسان ، فعندما يكون طالب فِى إِمتحان فنجِد أُسرتهُ تسنِدهُ وتُطمئنهُ ، وهذا هو عمل الروح القُدس الّذى يُعطىِ الرجاء ، ويُعطىِ السِند ، ويُعطىِ الأمل ، وبِدون هذا المُعزّىِ نخور فِى الطريق ، والضيقات تهزِمنا ، فهو الّذى يجعِل الطريق سهل ، ويجعلنا نُفطِم عن مسرّات العالم وذلك لأننّا وجدنا مسرّة أجمل فنُفطِم عن البشر ويُشبّه الروح القُدس بالماء ، فالماء هو الّذى يُحولّ الصحراء إِلى جنّة ، " سواقىِ الله ملآنة ماء " ، عمل الله غزير جداً كثيراً ما يمُرّ كُلّ واحِد فينا بِفترة جفاف فِى حياته ولو تلامس مع الروح القُدس يكون مِثل الأرض العطشانة التّى ترتوىِ مِن الماء ، ولِذلك يقول داود النبىِ فِى المزمور " صارت نِفَسىِ أمامك بِلا ماء " ، فتتحّول صحراء نفوسنا إِلى أرض مملوءة بالأثمار ، الروح القُدس يرفع عن الإِنسان روح الفشل وروح الضعف فكثيراً ما عدو الخير بِيجعل الإِنسان يشعُر أنّهُ مُستحيل أن يُكمِل الطريق ، ويشعُر أنّ نفسه ضعيفة ، فالروح القُدس بِينقِل النِفَس مِن روح الفشل إِلى روح القوّة وروح النُصرة فموسى النبىِ أرسل جواسيس لأرض الميعاد ، وهى الأرض التّى كانوا يتمنوها فهى التّى تفيض لبناً وعسلاً ، فأرسل 12 رسول فأتوا وهُم معهُم مِن أثمار الأرض وذهبوا بِها إِلى بنىِ إِسرائيل ، فالناس فرِحت جداً ، ووجدوا أنّ 10 مِن ألـ 12 بيقولوا لهُم أنّ الأرض تأكُلّ سُكاّنها وليس لها أمان ، معقول بعد 40 سنة نجِدها تأكُلّ سُكّانها ! وقالوا لهُم أيضاً نحنُ وجدنا بنىِ عِناق وهُم عماليق ، مُحترفىِ حرب ، وهؤلاء ألـ 10 أشاعوا مذّمة الأرض ، فالناس ثارت ، والعجيب أنّ الكِتاب المُقدّس يُحدّثنا عن موقف يشوع وكالِب فهُم أسكتا الشعب وقالوا لهُم " أنّها أرض جيّدة جداً جداً ، إِن سُرّ الرّبّ أن يُعطيها لنا " ، ويقول الكِتاب أنّهُ كان معهُم" روح آخر " وهو روح الله المُعزّىِ ، فهو الّذىِ كان رافعهُم فوق مستوى الضعف وفوق الرؤية البشريّة المملوءة صعوبة كثيراً ما تحزن النِفَس وتتضايق عِندما تواجِه صِعوبة الطريق ، فنحنُ مُحتاجين أن يكون معنا روح آخر ، الروح المُعزّىِ وهو الروح الّذىِ إِستودعهُ فِى الكنيسة وجعلهُ مِسحة ثابِتة فينا ، كثيراً ما نُصاب بِحُزن ياأحبائىِ وتكون نفوسنا صغيرة ، ولكِن الروح يُحِب أن يرفعها فوق مستوى الضعف فنوح وهو فِى الفُلك أرسل حمامة لِكى يعرِف أحوال الأرض ، وكان نوح بِيسمع أصوات مُرعِبة ، وهى أصوات الناس الّذين خارِج الفُلك لأنّهُم بيواجهوا الموت ، وبعد أن أرسل الحمامة رجعِت إِليهِ لأنّها لمْ تجِد مكان تقِف عليهِ ، ثُمّ أرسل غُراب ولمْ يرجِع لأنّهُ يُحِب الجُثث الميّتة ، ثُمّ أرسل حمامة فأتت وهى معها غُصن زيتون ، فهى التّى أعطتهُ حياة ، وهى العزاء والسِند ، وعِندما يراها يفرح ، وعرِف أنّ الحياة قد عادت مرّة أُخرى ، وقد إِقتبلها ربّ المجد يسوع على الأرض وعاد وقبلها فِى نفسهِ فالعزاء هو الحياة التّى تدُب فينا وسط الموت ، وهو الندى ، فربنا يسوع عارِف إِحتياجاتنا ولِذلك قال أُرسِل لكُم المُعزّىِ فيُعطىِ أمل وفرح وإِطمئنان ، مسكين الإِنسان الّذى يلتمِس عزاء مِن الأرض ، مسكين الإِنسان الّذى يظُن أنّ المال أو الشهوة أو حياة اللهو هى التّى يُمكِن أن تُعطيه عزاء ، ولكِن هذا مُستحيل لأنّ الروح سخىِ يُريد أن يُعطىِ كُلّ نِفَس رجاء وعزاء فوق كُلّ مستوى بشرىِ والنِفَس التّى ذاقت هذا العزاء فإِنّها تستهين بأى عزاء أرضىِ بشرىِ ، فما سرّ فرحة الشُهداء وفرحة الرُهبان رغم أنّ مظهرهُم لا يوحىِ بالسعادة ؟ ولكِن هُم معهُم روح آخر وهو الّذى يسندهُم ويُفرّحهُم ، فالحل هو مع الروح القُدس وهو المُعزّى ، وهذا هو الّذى أنا مُحتاج إِليهِ ، فيجِب أن أتودّد إِليهِ لِيحلّ فىّ ، فالعزاء الّذى يحتاج إِليهِ الإِنسان جداً هو الروح القُدس ، ويجعل الإِنسان يشعُر فِى مُمارسته الروحيّة أنّهُ مسنود ومتعزّىِ ، وعِندما يُصلّىِ يشعُر أنّهُ فِى حضرة الله ومتعزّىِ ويخرُج وهو محمول على أجنحة الروح ، فهذا هو العزاء فالروح القُدس هو الّذى غيّر الضعف البشرىِ الّذى فِى أنفُسهُم وجعلهُم جبابِرة وجعلهُم لا يصمُتوا عن الشِهادة لله ، فالروح القُدس المُعزّىِ هو الّذى حلّ على الكنيسة مِثل ألسِنة نار تحرِق كُلّ ضعف ، فهذا هو عمل الروح القُدس فِى الكنيسة ومِن الرموز الجميلة عن الروح القُدس فِى الكِتاب المُقدّس وهى عِندما أراد أبونا إِبراهيم أن يُزّوِج إِبنهُ إِسحق فأرسل لِعازر الدمشقىِ ليختار زوجة لإبنهِ إِسحق ، فقال أنا سأأخُذ مَنْ لها علامة مِن الله ، ومَن يُرشِدهُ الله لها ، فصلّى ، وذلك لأنّها مُهمّة صعبة ، فربنا قال لهُ أنّ مَنْ تسقىِ جِمالك وتُسقيك وتخدُمك بِهمّة ونشاط تكون هى ، فوجِد رِفقة بِتسقيه وتُسقىِ جِماله بِنشاط وليس هذا فقط بل قالت لهُ يوجِد عِندنا تِبن للجِمال ، فتأكّد أنّها هى ، وطلبها مِن والِدها ، وكلّمهُم عن إِسحق وأقنعهُم وأخذها معهُ ، وهو فِى الطريق كان يُكلّمها عن إِسحق لأنّ إِسحق بالتأكيد غير معروف عِندها ، فمَنْ الّذى عرّف رِفقة بإِسحق ؟ لِعازر الدمشقىِ ، يُقال أنّ لِعازر هو " الروح القُدس " الّذى يخطُب النِفَس بالله ويُعرّف النِفَس بالله ، ورِفقة أكيد مُتعلّقة ببيت أبيها وأكيد بتفكّر فِى إِخواتها وكُلّما تسمع عن إِسحق يحدُث لها إِنسحاب تدريجىِ نحو إِسحق ، فعمل الروح القُدس هو أنّهُ يسحبنا مِن مشاعرنا ويسحبنا مِن رباطتنا ويُدخِلنا فِى عهد زيجىِ جديد فكُلّما تصغُر نفسىِ وأشعُر أنّ مشوارىِ صعب علىّ وأحسّ إِنّىِ سأُحرِم مِن أمور أحبّها وأنا فِى طريقىِ مع ربنا ، فربنا يقول لىِ : أنت ستأخُذ أضعاف أضعاف ، ستأخُذ حياة أبديّة ، وستأخُذ مجد فِى السماء والأرض فالروح القُدس هو الّذى يُعطينا العِوض ، ولِذلك قال ربّ المجد يسوع " إن أحبّ أحد أباً أو أُماً أو إِخوة أكثر منّىِ فلا يستحقنىِ " ، فنقول لهُ يارب إِنّ هذا الكلام صعب جداً ، فيقول لك ربّ المجد إِن لمْ أكُن قد أعطيتك الروح القُدس لكان هذا الكلام صعب ولكِن الروح القُدس هو الّذى يجعلك لىِ فاليوم هو يوم نُصرة ويوم فرحة ، ربنا ملك علينا عِندما أرسل روحه لِكى يكون روحه فينا ونكون ورثة ، ما أجمل النِفَس التّى تعرِف ما الّذى ستأخُذهُ بِعشرتها معهُ ، فأنا مُمكِن أن أكون محدود فِى فضيلتىِ ، ولا أقدِر أن أنفّذها ، ولكِن ربنا يقول عن الروح القُدس أنّهُ " يأخُذ ممّا لىِ ويُعطيكُم "ربنا يسوع الّذى أرسل روحه القُدّوس على تلاميذهُ الأطهار لازال يُرسِل روحه على كنيستهُ مِثل ألسِنة نار فيُعطينا تقديس وإِرشاد ربنا يُثّبت روحه فِى أرواحنا ويسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمتهُ ولإِلهنا المجد دائماً أبدياً آمين0 القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك
المزيد
19 يونيو 2021

ميمر في عيد العنصرة

سبيلنا أن نتفلسف في العيد قليلاً. ليكون تعييدنا روحانيّاً. وذلك لأنَّ لكل أحدٍ غيرنا عيداً يخصه. وأما خادم الكلمة. فعيدهُ النطق. ومن النطق ما كان ملائماً للوقت. وليس شيءٌ حسنٌ يسرُّ ھكذا لأحدٍ من مؤثري الحسنات مثل حضور من يودّ الأعياد والمواسم الروحانية. ويجب علينا أن ننظر ھكذا. وذلك أن اليھودي يعيّد ولكن بما يخصُّ الكتاب لأنه قصد الناموس الجسداني فلم يصل الى الروحاني.والصابئَ يعيّد أيضاً ولكن بما يلائم الجسم وعلى حسب مذھب آلھتِه وشيطانية الذين منھم مَن أبدع عوارض الفساد على رأيھم أنفسھم ومنھم من كان تكريمهُ من ھذه الأعراض فلذلك صار تعييدھم مضاھياً للفساد حتى يكون تكريم الإله عندھم الإثم بعينِه فيفرّ إليهِ عوضاً من الفساد كأنه محمدة. ونحن نع يد أيضاً ولكن بحسب رأينا في الروح. والرأي عندنا: إما أن نقول شيئاً مما ينبغي. وإما أن نعملهُ. وھذا ھو تعييدنا أن نخزن للنفس شيئاً مما يثبت وينضبط لا مما ينحلُّ وينصرف. ويطرب الحسَّ قليلاً ويفسدهُ كثيراً ويضرُّ به. على حسب الرأي عندي يكفي الجسم شرَّ ذاتِه فلِمَ يزادِ اللھيب مادَّةً ولِمَ للوحش أن يغمر طعاماً حتى يزيد التمكُّن منهُ بعداً ويصعب على الفكر انقياده. فمن ھھنا يجب أن نعيّد تعييداً روحانياً.فأول الكلام فيما يجب أن نقوله وإن طال الشرح قليلاً فيجب على وامقي الكلام أن يؤثروا التعب في ذلك لنخلط ذلك في ھذا الموسم مثل ملذَّة ما وذلك أن أولاد العبرانيين يكرمون السابع على سنَّة موسى. كما أكرم أصحاب بيثاغوروس بعدھم الرابع فجعلوه لھم قسماً. وكما أكرم أصحاب آل سيمون ومركيون عدد الثمانية وعدد الثلاثين فقد سمُّوا دھوراً تسامي ذلك في العدد ولست أعلم على أي رأي وقياس ذلك؟ وأية قوَّة لھذا العدد فيكرمونه بھا. ولكن على كل حال ھم لذلك مكرومون. إلا أن الظاھر في ذلك أن لله عزَّ وجلَّ أبدع الھيولى في ستة أيام وصوَّرھا وزيَّن ھذا العالم المنظور بأنواع وصور شتَّى لما خلقه. فلما كان اليوم السابع استراح على ما يدلُّ عليهِ اسم السبت فإنهُ باللغة العبرانية يدلُّ على الراحة. فإن كان ھھنا رأي آخر أشرف فيتفلسف فيه غيرنا.والكرامة عندھم (عند العبرانيين) ليست في الأيام وحدھا بل ھي واصلة الى السنين. فكرامة الأيام ولَّدت لھم ھذا السبت الذي يكرّمونه دائماً وعلَّته من عدد أيام رفع الخمير عندھم. وأما كرامة السنين فمنھا صار السابع من السنين عام الفصح والتسريح. وليست الكرامة عندھم في السبعة وحدھا بل في سبعة السابعين وذلك متشابهٌ عندھم في الايام والسنين. فأمّأ سبعة الأيام فولدت يوم الخمسين يوماً مدعواً عندھم "مقدساً" وأما سبعة السنين فولدت العام الذي يسمونه يوبيلاً وفيه يكون عندھم تسبيل الأرض وعتق العبيد وإطلاق ما اقتني بثمنٍ. فبذا القبيل ليس يزكي لله بواكر الغلات والأبكار وحدھا بل نواجم الأيام والسنين أيضاً. فعدد السبعة المكرَّم عندھم بعث لنا كرامة البنديقستي وذلك أن السبعة إذا كرِّرت بمثلھا سبعة كانت خمسين إلا واحداً وھو اليوم الذي أخذناهُ من الدھر المستأنف فھو بعينه يزم ثامن وأول بل ھو واحد لا ينحلُّ ولا يزول وھناك ينبغي أن تنتھي سبوت النفوس كما يجب أن بعطى جزءٌ للسبعة بل للثمانية أيضاً بحسبما رأى قوم ممن كانوا قبلنا في قول سليمان.إلا أن إكرام السبعة لع شھادات جملة فيكفينا قليل من كثير. كما أن ھھنا أرواح سميت كريمة لأن أشعياء عندي (أي حسب رأيي) أنه كان يؤثر أن يدعو أفعال الروح أرواحاً. وكلام الرب مطھَّر سبعة أضعافٍ عند داود. والصدّيق مخلَّص من الشدائد ست دفعات والسابعة فھو فيھا غير مجروح. والخاطئ فمصفوح عنه ليس سبع مرات فقط بل سبعةً في سبعين وبضدّ ذلك عقاب الشرّ ممدوح فقايين أُخِذَ منه الثأر سبع مرات. أي طولب بالثار عن قتلهِ أخاه. وأما لامخ فمؤَدٍّ ذلك سبعةً في سبعين لأنه كان قاتولاً بعد الناموس وفرائض الدين. وأما الذين كانوا ذوي شرور فصاروا آخذين في حضونھم سبعة أضعاف ما بُذِر منھم. وبيت الحكمة كان مدعوماً من العمد بسبعة وحجر زربابل فبعدد ذلك عيوناً كان مزيناً. ولله ممجدٌ بالتسبيح سبع مرات بالنھار. والعقر ولدت سبعة وأتت بالعدد الكامل وھي ضدٌّ لمن كانت غير تامَّة الأولاد.وإن تدرجت في النظر في العھد العتيق وجدت أخنزخ السابع في السالفين بالنقلة من المكرمين. ووجدت ابراھيم الحادي والعشرين برئاسة الأبوًّة من الممجدين بزيادة في السرّ مضاعفة لأن السبعة إذا ثُلِّثت كانت بھذا العدد آتية. وقد يجسر أحد من المتجاسرين في كل شيءٍ على الأقدام على آدم الجديد الذي ھو إلھنا وربنا يسوع المسيح فيجدهُ من آدم العتيق الذي كان تحت الخطيئة سابعاً وسبعين في العدد بحسب نسبة لوقا المعكوسة. وأرى أيضاً سبعة ابواق يشوع ابن نون ودورات الكھنة. كذلك بھذا المقدار من الأيام فد ھُدِمت أسوار أريحا. وأرى عودة إيليا النبي الثالثة لما عاد على ابن الأرملة الصرفندية قد نفخَت فيه الروح المحيي وأرى نضحهُ على شقق اللحم بھذا العدد قد استدعى ناراً منزلة من عند لله أحرقت الضحية وحكمت على أنبياءِ الخزي لما لم يقدروا على مثل ذلك بما قدموهُ من دعائھم. وأرى كذلك مراقبة الغمام وقد أمر بھذا الغلامَ سبع مراتٍ. وأرى من أليشع سبع عطفات على ابن الصومانية قد عطفت بالحياة عليه. ومن ھذا المعنى أيضاً أذكر الآن منارة الھيكل ذات السبعة القوائم والسرج السبعة. وفي سبعة أيام أرى الكاھن متمّماً وفي مثلھا الأبرص مطھَّراً والھيكل في عدد مثلھا مجدّداً. والشعب في السنة السبعين من السبي عائداً ليكون ما تقدم في الآحاد في العشرات مكرراً وسرُّ السابع في عددٍ أتمَّ من غيره مكرماً. وما لي أطيل في القول ويسوع نفسه الذي ھو التمام النقي قد رأى أن بغذي في القفر بخمس خبزات خمسة آلاف وبسبع أيضاً أربعة آلاف. وفضل عنھم بعد ما شبعوا أما ھناك فاثنتا عشرة قفة وأما ھنا فسبعة سلال وليس شيء من ذلك في ظني بغير قياس ولا بعيد من استحقاق الروح. وأنت إذا تفقدت في نفسك وجدت أعداداً كثيرة فيھا ما ھو أعمق من ظاھرھا إلا أم ما تحتاج إليه في ھذا الوقت أن العبرانيين إمَّا على ھذه الأحوال. و‘ما على ما يقرب منھا. وإما على ما ھو أجلُّ منھا يكرمون البنديقستي (العنصرة) ونكرم ذلك نحن أيضاً كما أن ھھنا أيضاً من رسوم العبرانيين أشياءَ أُخر كثيرة معمولة على جھة الرسوم وعائدة عندنا على معنى السرّ.فإذا كنا قد قدَّمنا في ھذا اليوم ھذا المقدار من الكلام فسبيلنا الآن أن نصير الى ما يتلو ذلك فيما بعد من القول. فنقول إننا معيدون عيد الخمسين وورود الروح وصلوا الميعاد وتمام الأجل. والسرُّ عظيم القدر وكريم من كل جھة. فجسدنيات المسيح قد انتھت بل الذي انتھى ھو أحوال قدومهِ الجسداني لأنني متوقف عن أن أسباب الجسد قد انتھت ما دام لا يقنعني قول بأن الأجود انتزاحهُ عن الجسد.وقد ابتدأت الآن أسباب المسيح؟ فھي بتولٌ وميلادٌ ودذود وتقميط وملائكة يمجدون ورعاة يتسارعون ومسير كوكب وسجود مجوس وحملھم ھدايا وقتل ھيرودس اطفالاً وھرب يسوع الى مصر وعودتهُ من مصر وختانتهُ ومعموديتهُ والشھادة لهُ من العلو وامتحانهُ ورجمهُ بالحجارة لأجلنا نحن الذين كان ينبغي أن يعطينا مثالاً للتألم من أجل الكلمة وتسليمهُ وتسميرهُ ودفنهُ ونشورهُ (قيامته) وصعودهُ وأتيانهُ وما نالهُ كثيراً والآن إمّا من قِبل ماقنيهِ من المسبة واحتمالهِ لھا لأنهُ طويل الأناة. وأمّا من قبَل وامقيهِ (محبيه) فمن الاقتضاءِ والتسخُّط وھو ينظر فكما يؤخر الرجز عن أولئك كذلك يؤخر الصلاح عن ھؤلاء. أما أولئك فيمھل لھم عطية وقت يكون لتوبتھم وأما ھؤلاء فيمتحن ودَّھم ألاّ يكونوا في الأحزان ناكصين وفي الجھاد عن حسن الديانة مقصرين وذلك أصل في التدبير الإلھي وشأن لأحكامهِ التي لا تدرك وبھا يقوّم أحوالنا بحكمته. فھذه أحوال المسيح وھذا شأنھا وستبصرھا فيما بعد زائدة شرفاً. ويا ليتنا كذلك عندھا.وأما أحوال الروح فايحضرني الروح لذكرھا ويجود عليَّ بنطق بمقدار ما أؤثر. ولإن لم يكن بھذا المقدار فبالمقدار الذي يكون مضاھياً للوقت. وعلى كلٍّ فسيحضر ھو كما يحضر سيد لا كما يحضرعبدٌ ولا ينتظر من غيرهِ أمراً كما ظنَّ قومٌ بل يھبُّ أينما يشاءُ وعلى من يشاءُ ومتى أراد بالقدر الذي يختارهُ. وكذلك ألھمنا نحن أن نعتقد ونقول في الروح فأما الذين يحطون الروح القدس الى أن يكون خلقة فھم شاتمون وعبيد اشرار وشرٌّ من كل شرير. لأن العبيد الأشرار من شأنھم إنكار الولاءِ والمروقُ والمعاندة لصاحبھم وتصيير الحرّ مساوياً لھم بالعبودية.وأما الذين يعتقدون أن الروح إلهٌ فأولئك إلھيّون وفي أذھانھم بھيون. وأما الذين سمونهُ بذلك فإن سموَّهُ كذوي طاعةٍ ومحافظةٍ فھم رفيعون. وأن سموَّهُ كمنخفضين فليسوا مدبّرين إذ ايتمنوا طيناً على جوھرة وسمعاً فاسداً على صوت رعد وألحاظاً ضعيفة على النظر الى الشمس. ومَن كان بعدُ يرضع لبناً على الطعام الصلب. وقد كان من الواجب أن يستجروھم الى قدام رويداً رويداً ويھبوا لھم الضوءَ بالضوءِ ويفيدوھم الحقَّ بحقٍّ.إلا أننا نترك الكلام الكامل الآن في ذلك إذ كان ليس ھذا وقتهُ ونخاطبھم ھكذا يا قوم أن كان عندكم أن الروح القدس ليس إلاّ مخلوقاً. وليس إلا تحت زمان فھذا بلا محالة فعل الروح النجس. فسلموا للغيرة أن تجري أن تجري قليلاً وإن كنتم قد وصلتم الى ھذا المقدار من الصحة والسلامة حتى تحيدوا عن الكفر المبين فتجعلوا من يجعلكم أحراراً من العبودية برياً فانظروا فيما يتلو ذلك مع الروح ومعنا. لأنني أثق بأن معكم شيئاً منهُ فأخالطكم حينئذٍ في النظر كما يخالط الأخصون. أو سلموا إليَّ شيئاً يتوسط فيما بين الملك والعبودية حتى أضع ھناك رتبة الروح. وإن ھربتم من العبودية فلا يخفى أين ترتبون المطلوب أفأنتم لمن يصعب عليه الحروف ويتعثر باللفظ وذلك لكم حجر عثرة وصخرة شكٍّ لأن المسيح قد صار كذلك لقومٍ. إن ذلك لألمٍ بشري. فسبيلنا أن نوافق بعضنا بعضاً بالروح ونكون ذوي محبة للأخوة أكثر من الودّ لذواتنا. وسلموا قوة اللاھوت حتى يسلم إليكم الصفح عن الاسم. واعترفوا بطبيعتهِ بألفاظٍ أخرى وإن وجب أن تكونوا منھا خجلين ونحن أذ ذاك نطببكم كما نؤاسي أي نكبب المرضى. متحياين في شيءٍ نسرفهُ لكم مما تكونون به متلذذين. فقبيح قبيح وبعيد من القياس جداً أن تكونوا في النفوس معافَيْن وفي الكلام وتضايقين كأننا نستر كنزاً لغيرنا حاسدين.أو تجزعوا من أن تقدسوا اللسان فرقين. وأقبح من ذلك ان يدخل علينا ما نشكوهُ ونكون على البخل بالكلام لا يمين فنتضايق نحن ايض اً في الحروف. فاعترفوا يا قوم أن الثالوث من لاھوت واحدٍ وإن شئتم من طبيعة واحدة فنطلب نحن لكم الاسم الذي ھو الإله من الروح إذ كنت أعلم حسناً أن الذي أعطي الأول سوف يعطي الثاني لا سيما إن كانت المعاندة جناية روحية ولم تكن دفعاً شيطانياً.وأنا أقول ما ھو أب ين من ھذا وأوجز لا تلومونا نحن في اللفظة العالية فليس حسداً من أجل استعلاءٍ الى ما ھذه صورتهُ فلا نشكو نحن منكم أيضاً اللفظة التي لم تصلوا الى سواھا ما دمتم صائرين الى ھذا المعنى بطريق أخرى إذ كنا لا نطلب أن نغلب بل أن نحتضن أخوة نحن منزعجون لفراقھم. فھذا قولنا لمن نجد عندهُ شيئاً من آلة الحياة وھم معشرة الاصحاء في امر الإبن الذين نحن من سيرتھم متعجبون إلا أننا لسنا لرأيھم حامدين. فيا من عندھم أسباب الروح اتخذوا الروح لكيلا تجاھدوا فقط بل يكون ذلك على موجب الناموس الذي منهُ الإكليل يا ليت ھذا يكون لكم ثواب اعن سيرتكم أن تقرُّوا بالروح اقراراً كاملاً وتنشروا ذكرهُ معنا وقبلنا بمقدار ما ھو أھلهُ فإني أجسر من أجلكم على ما ھو أكثر من ھذا وذاك أن أقول كما قال السليح ھذا مقدار محاماني عنكم ومقدار استحيائي من لباسكم الحسن زيُّهُ ومن لونكم المنبيء بنسككم ومن مجامعكم الطاھرة والبتولية اللطيفة النقية التي فيكم والصلاة الليل أجمع. ومحبة الفقراءِ وودِّ الأخوة ومقة. الضيافة حتى أني أرضي أن أكون عن المسيح في ناحيةٍ وأن يلحقني شيءٌ مما يلحق الذي قد وجب عليهِ الحكم إذا أنتم وقفتم معنا ومجدنا الثالوث معاً.وأما غيركم فماذا ينبغي أن أقول فيھم وقد ماتوا بالكلية وليس لاحدٍ غير المسيح أن يقيمھم إذ كان ھو المحيي الأموات بقدرتهِ وھم المنفصلون بالموضع انفصالاً ردياً وإن كانوا بالقول معافين فھم بھذا المقدار في مخالفة بعضھم لبعضٍ بمقدار مقلتين منقلبتين شاخصتين الى شيء واحد فھما من حيث وضعھما لا من حيث الناظر بل مختلفتان ھذا متى وجب أن نشكو منھم الإعوجاج ولم يكن العمى ھو الشكوى منھما. والآن فإذا كنا قد أتينا بمقدار القصد فيما بيننا وبينكم فھات نعود الى الروح وأظن أنكم تتبعونني. إن الروح القدس كان وھو كذلك الآن ولا يزال لا بداءة له ولا نھاية ولكنه منتظم ومتصل ومعدودٌ مع الآب والابن أبداً لأنه ما حسن قط أن يخلو الآب من الابن ولا الابن من الروح وإلا لو كان ذلك لكان اللاھوت عادماً للمجد في أكثر الأشياء. كأنه صار الى تمام كمال على تدرّج من رأي الى رأي. إلا أن الروح لم يزل ينال منه ولا يحتاج الى النوال. يتمّم ولا يتمَّم يكمّل ولا يكمَّل. يقدّس ولا يقدَّس. يؤلّه ولا يؤلَّه. وھو شيءٌ واحدٌ في ذاته موافق لھا دائماً ولمن ھو مرتَّب نعھا. لا يبصَر ولا يحويه زمان ولا يسعهُ مكان لا يستحيل. ولا يشوبهُ كيفية ولا كمية ولا صورة ولا لمسٌ ھو متحرك بذاته. ودائم بذاته. وقدرتهُ كلية. وإن كان الى العلة الأولى منتسباً فكما أن أسباب الابن الوحيد الى الآب راجعة كذلك أسباب الروح أيضاً. فھو حياةٍ ومحيٍ وھو نور ومانح نوراً. ھو في ذاته خير ومعدن للخيرات ھو روح مستقيم. رئيس. سيدٌ. مرسَل. مميّز. صانع محلاتٍ لذاته. ھادٍ . فاعل كما يشاءُ. موزع المواھب. ھو روح النبوة والحقّ والحكمة والفھم والمعرفة والكرامة والرأي والقوة والخوف ھذه الاشياء التي ھي معدودة. بهِ يعرَف الآب ويمجَّد الابن. ومنھما وحدھما يعلم بهِ فالانتظام واحد. والعبادة واحدة. والسجود واحد والقوة والتمام والتقديس – وما لي أطول – كلما للآب فھو للابن ما خلا أن ذاك غير مولود. وكلما ھو للابن فھو للروح ما خلا أن ذاك مولودٌ. وھذه الأشياء فليست بحسب رأيي تميّز جوھراً بل ھي تمييز حول الجوھر. فإن كنت تتمخض على المعاندة فإني أنا أتلھف على ارسال الكلام. فأكرم يوم الروح واضبط لسانك قليلاً إن كان ذلك ممكناً فإن الكلام في ألسنٍ اخرى فاستحي منھا أوفخفھا فإنھا شوھدت كالنار. فسبيلنا اليوم أن نذكر الرأي مطلقاً ثم نصفهُ في غدٍ من حيث الصناعة وأن نعيد اليوم ونشتھر بالقبح في غدٍ. ويكون ھذا من معنى السرّ الروحاني وذاك من معنى مشاھد الھزل. ويكون ھذا في البيع وذاك في الاسواق. وھذا لمن كان صاحياً وذاك لمن كان سكران. ھذا لذي الجدّ وذاك لمن ھم في الھزل من قصدھم الروح والآن إذا كنا دفعنا الغريب فھات نصلح القريب.فھذا الروح لم يزل فعلهُ قديماً في القوات السماوية الملائكية وكل ما كان منھا حول لله لأنه لم يكن لھا التمام والنور وبعد الخفوف الى الشرّ وعدم الحركة إليهِ بالكلية من جھة أخرى لا من جھة الروح القدس. ثم كانت آثارهُ بعد ذلك في الآباءِ والأنبياءِ. فنھم من تخيل لله أو عرفه. ومنھم من سبق فعرف ما يكون بما نقشه الروح في صفوة عقله فصاروا مشاھدين المستقبل كمشاھدة ما ھو حاضر إذ كانت كذلك قوة الروح. ثمَّ ظھر فعله في تلاميذ المسيح وأنا أترك أن أقول في المسيح الذي كان معهُ حاضراً ولم يكن فيهِ كفاعل بل كان كما يكون المشارك في الكرامة موافقاً. وكان اتصالهُ بالتلاميذ من ثلالثة اوجه بمقدار ما كان في طاقتھم أن يسعوهُ في أوقاتٍ ثلاثة منھا قبل تمجُّد المسيح بالأمم وبعد تمجيده بالقيامة وبعد ارتقائه وعودته الى السموات. أو غير ذلك مما ينبغي أن يقال. ويدلُّ على ذلك تطھيرھم في الأول من الأمراض والأرواح. وأن ذلك لم يكن خلواً من الروح. ثم النفخة بعد تمام التدبير ومن البيّن أنھا كانت منحة تزيد على غيرھا في الإلھية. وبعد ذلك ھذا التقسيم وتوزيع الألسن النارية الذي نحن معيّدوهُ اليوم إلا أن الأول كان خفياً والثاني كان أوفر بياناً وھذا أتمُّ. لأنه لم يكن حضوره في العقل والأثر كما كان في القديم بل كان ملابساً ومطابق اً كما قد يكاد الانسان يقول بالجوھرية وقد كان لائقاً لما نجانا الابن بالجسم أن يظھر ھذا من معنى جسم ولما عاد المسيح الى ذاته أن ينحدر إلينا ذاك قادماً كربّ مرسلاً كموافق غير مخالف. وھذه الألفاظ تدلُّ على الموافقة أكثرمن دلالتھا على فصل الطبائع ومن أجل ھذا كان ذلك بعد المسيح حتى لا نخلو من معزٍّ. ومن قبيل آخر لتذكر أنت المساواة في الكرامة. لأن الآخر إنما ھو آخر ھواناً وھذا إنماھو اسم للمشاركة في الملك وليس ھو اسماً للھوان لأنه لا يقال آخر على من كانت طبائعه غريبة بل على من كان متفقاً بالجوھر.أما ظھوره في أَلسنٍ فلوضع اختصاصه بالنطق. وأما كونھا نارية فأنا أطلب في ذلك إحدى الخصلتين. إما أن يكون ذلك من أجل الطھارة. لأن القول عندنا قد عُرف ناراً مطھرة بحسب ما يعرف ذلك من يريدهُ من مواضع كثيرة. وإما من أجل الجوھر لأن إلھنا نار ونار مھلكة للفساد وإن كنت أنت تتسخط من حيث يضيق عليك أن يكون في الجوھر مساوياً. وأما أن الألسن كانت منقسمة فذلك كرسيّاً كان لاختلاف المواھب. وأما أنھا كانت جالسة فلأجل الملوكية والاستقرار في القديسين لأن ھو الشاروبيم. وأما نزوله في علية فإن لم يُظَنَّ بي التجاوز عن الواجب فذلك لاستعلاءِ القابلين إياه وارتفاعھم عن الأرضيين لأن ھنا علالي مكنوفة بمياه إلھية يسبح لله. ومع ذلك فيسوع نفسه في علية شارك في السرّ الذين كملوا في الرفيعات ليبيّن ھذا أنه في بعض المعاني ينبغي أن يتطأطأ لله إلينا بحسب ما عرفت أنه كان في القديم بموسى مصنوعاً وفي معنى آخر سبيلنا نحن أن نرتفع إليهِ ثم يصير ھكذا الاتصال فيما بين لله وبين البشريين بامتزاج الرتبتين. ولكن إذ أثبت كل واحد منھما فيما يخصهُ أحدھما في شرفه والآخر في ذلتهِ فالجود حينئذٍ ممسك عن المخالطة في النوال والتفضل على البشر فلا وصول للمشاركة فيهِ. وقد حصل فيما بينھما ھوة عظيمة لا سبيل الى عبورھا ولا تكون مانعة للغني وحدهُ عن ألعازر وأحضان ابراھيم المأثورة بل تمنع الطبيعة الكائنة الزائلة عن غير الكائنة الثابتة. وھذا الروح قد أنذر بهِ الأنبياءُ حسب ما قيل "روح الربّ عليَّ الذي بهِ مسحني". وسوف يستقرُّ عليهِ سبعة ارواح. وانحدر روح الربّ فھداھم وأرشدھم. وروح علم أفعم بصلئيل رئيس صنَّاع قبَّة الزمان. وروح جديد رفع إيلياس على عجلة. وطلبهُ أليشع مضاعفاً. وداود اعتضد واھتدى بروحٍ صالح رئاسي وھذا الروح وعد بهِ في الأول على لسان يوئيل النبي في قولهِ: سيكون مؤمن وعلى بنيكم وبناتكم. وما الخ. في الايام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل جسدٍ أي جسدٍ ووعد به أيضاً يسوع المسيح بعد ذلك لما مجَّد ومُجّد اي مجَّد الآب وجَّدهُ الآب وأما الميعاد فعمرٌ جزيل وھوأن يدوم الى الدھر ويثبت. أي مع المستحقين له الآن على ممرّ الأوقات. وفي الآخرة مع مَن يستأھله ھناك. إذا نحن حفظناهُ في سيرتنا كاملاً وام نطرحهُ بمقدار خطايانا. ھذا الروح خلق الخليقة والقيامة مع الابن ويحقق ذلك عندك قوله بكلمة الرب تشددت السموات وبروح فيهِ كل قواتھا. وقوله روح الإله صنعني ونسمة ضابط الكل ھي التي تعملني وقولهُ في موضع آخر ترسل روحك فيخلقون وتجدّد وجه الأرض. وھو الذي يصنع الميلاد الثاني الذي ھو روحاني. ويحقق ذلك عندك قولهُ: إنهُ لا يمكن أحد أن يرى ملكوت السموات أو يصل إليھا إذا لم يولد من فوق بالروح. وإن لم يتطھر من المولود الأول الذي ھو سرٌّ من أسرار الليل بخلقة نھارية مضيئة يخلقھا كل أحدٍ في ذاته. ھذا الروح حكيم جدّاً يحبُّ البشر حبّاً شديداً فإن أخذ شاباً من الرعاة جعله مظفراً بالغرباء ولك شھادة على ھذا ظفر داود بجليات وجعلهُ طارداً الأرواح النجسة بالحانهِ وترنمهِ وأشھرهُ على اسرائيل ملكاً وإن أخذ راعي غنم مق لماً ثوبهُ جعلهُ نبيّاً فاذكر في ذلك داود وعاموص وموسى كليم لله. وإن أخذ غلاماً ذكياًّ جعلهُ مع صغر سنهِ قاضياً على الشيوخ ويشھد بذلك دانيال الذي غلب الاسد في الجبّ. وإن مجد صيّادين صادھم المسيح ليتصيدوا العالم بشصّ كلامھم وخذ لي في ھذا بطرس وأندريا وبني الرعد الذين أرعدوا الروحانيات. وإن كانوا عشَّارين فھو يربح منھم التلمذة ويصنعھم وصار اليوم بشيراً وإن كانوا ◌ً تجاراً ليسافرون بالأرواح والقائل ذلك متى الذي أمس عشّاراَ مضطھدين ملتھبين أَحال غيرتھم وجعلھم كبولس بدلاً من شاول وبلغوا في حسن العبادة ما بلغوهُ في الشرّ وھذا الروح ھو روح دعةٍ إلا أنه يحتدُّ على الخطأة فسبيلنا أن نباشرهُ وديعاً لا غضوباً باعترافنا بما ھو أھلهُ ونفورنا من مسبَّتهِ ولا نؤثر أن نراهُ ساخطاً سخطاً لا غفران لهُ. وھذا الروح ھو الذي جعلني لكم اليوم نذيراً جرياً فإن لم ينلني شيءٌ من المكروه فللَّه المنَّة ولإن نالني فالمنَّة أيضاً كذلك. ففي الأول من ھذين الإشفاق على مبغضينا. وفي الثاني يقدسنا. ويكون ھذا الثواب خدمتنا في بشارتهِ أن نتوفى بدمائنا. وأما أن كلامھم كان بألسن غريبة ليست ألسن آبائھم فإن ذلك لعجب عظيم كلامٌ نطق ممن لم يكن قد تعلمهُ والآية في ھذا للكفار وليست للمؤمنين لتكون خصماً لمن لا إيمان له. وقد كُتِب في ذلك "أني سأخاطب ھذا الشعب بشفاهٍ أخرى وألسنٍ غير ھذه ولا ھكذا يسمعون قال الرب". وأما في القول عنھم أنھم سمعوا فأمسك ھھنا قليلاً واشكك وانظر كيف نميز القول. فإن في اللفظة شكّ اً بيانهُ في الوقوف على ھذه النقطة. ھل سمع كل واحدٍ كلاماً بلغتهِ كأن الصوت كان في انطلاقهِ واحداً ثم سُمع أصواتاً كثيرة من جھة انفصالهِ في طنين الھواء. وإن زدت كلامي بياناً قلتُ كأن الصوت صار أصواتاً. أو سبيلنا أن نقول سمعوا ونقف ثم أنھم كانوا يتكلمون بلغاتھم ونضمُّ اللغات الى ما يتلو حتى يكون كلامھم بلغات السامعين التي ھي غريبة عند الناطقين فھذا ھو رأيي لأن العجيبة إذا كان الأول تكون من السامعين أكثر منھا من الناطقين. وأما كونھا ھكذا على المعنى الثاني قتكون من الناطقين الذين نُسِبوا الى السكر عندما صنعوا ھذه العجيبة بالروح في اللغات. إلا أن تشتُّت اللغات في القديم كان ممدوحاً عندما بنى البرج الذين كان اتفاق لغاتھم من الرداءّة صادراً والى الكفر مؤدياً كما يتجاسر البعض في ھذا الوقت. إلا أن اتفاق رأي أولئك القدماءَ لما انحلَّ باختلاف لغاتھم انحلَّ مع ذلك مرامھم. وأما العجيبة التي كانت الآن في انقسام ھذه الألسن فھي أشدُّ عجباً وبحسب ذلك وصفھا ونعتھا: فأولاً لأنھا نعمة انصبَّت من روحٍ واحدٍ الى جماعة ثمَّ اجتمعت الى نظامٍ واحدٍ وصار الفرق في المواھب محتاجاً الى موھبة أُخرى في تمييز الأفضل وإلاّ فكلّھا لا تحلو من شيء ممدوح. وھذا الانقسام أيضاّ جيّدٌ وھو الذي ذكرهُ داود في قولهِ: "غرّق يا ربّ وفرّق ألسنتھم" لماذا؟ لأنھم أحبوا كلام التغريق كلهُ وألسناً مغتالة كانت دغلة إنما كان الألسن التي ھھنا ظاھراً وھي التي تبترُ اللاھوت. ھذا من الكلام فلينتهِ الى ھھنا مقدارهُ.إلا أن الألسن لما كان خطابھا لسكان أورشليم من أتقياءِ اليھود من الفرس وأھل خراسان والعجم والديلم وأھل الأھواز والأقباط والإفريقيين والإقريطشيين والعرب وأھل الجزيرة وأھلي أناالكبادوكيين ومن كان من كلّ أمّة تحت السماءِ قد اجتمع ھناك من اليھود بحسب ما يفھمهُ الإنسان. فمن الواجب أن ننظر مَنْ كان ھؤلاءِ؟ ومن أيّ سبيٍ اجتمعوا لأن النقلة الى مصر والى بابل قد كانتا محدودتين ثمَّ انحلَّتا بالعودة. وأما نقلتھم وتشتيتھم من قبل الروم فلم يكن تمَّ بعدُ بل كان عتيداً أن يقدعقوبةً على ما جسروا عليهِ ضدَّ المخلّص. بقي الآن أن نتوھم أن ذلك من سبي أنتيوخس الذي لم يكن بعيد القدمة من ھذه الأوقات. فإن كان أحد لا يقبل ھذا الشرح وكان فيهِ فضلٌ في البحث من حيث الاحتجاج بأن السبي لا يكن عتيقاً ولم ينبسط في جميع المسكونة وطلب ھذا الانسان ما ھو أقنع مما ذكرناهُ فيجوز أن نرى ما ھو أكثر بياناً من ھذا. إن ھذه الأمة قد جُلِبت دفعاتٍ وسباھا جماعة بحسب ما ذكرهُ عزرا الكاتب فعاد عدة أسباط وتأخَّر منھا جماعة تفرقوا في أممٍ شتى فجاز أن يكون قد حضر جماعة منھم في ذلك الوقت فوصلوا الى ھذه العجيبة. وقد فحص عن ھذا محبُّو العلم فحصاً لعلَّهُ لا يُنسَب الى زيادة على ما يحتاج إليهِ. ومھما أحضرهُ غيرنا لھذا اليوم فھو مشارك لنا فيما أحضرناهُ.والآن قد حان لنا أن نطلق ھذا الجمع إذ كان فيما قلناهُ كفاية. وأما الموسم فلا نسرحهُ ابداً بل سبيلنا أن نعيّد دائماً أمّا الآن فأعياداً بعضھا جسمانية وأما بعد قليل فكلھا روحانية بحيث نعرف أحوال ھذه الأشياء معرفة جلية بيّنة بالكلمة نفسهِ الذي ھو الھنا وربنا يسوع المسيح الذي ھو العيد الصادق والفرح الأھل الخلاص المجدُ والعزُّ والكرامة للآب الأزلي. معهُ. ومع الروح القدس المحيي دائماً الآن والى الدھر. آمين. القديس غريغوريوس اللاھوتي
المزيد
18 يونيو 2021

عمل الروح القدس

الأسبوع الأخير من رحلة الخماسين المقدسة والكنيسة أمامها يومان وتستقبل أغلى عطية وأعظم هدية تعطى لها وهي الروح القدس لذلك تقرأ علينا الكنيسة موقف عندما وقف ربنا يسوع في يوم عيد وقال داخل الهيكل ﴿ من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي ﴾ ( يو 7 : 38 ) بالطبع كان الناس يفهمون الكلام حرفي فيقولون كيف تجري من بطنه أنهار ماء حي ؟ قد نقول قليل ماء لكن أنهار ماء ؟ بالطبع كان ربنا يسوع يتكلم عن الروح القدس المتدفق من الداخل فيقول ﴿ تجري من بطنه أنهار ماء حي ﴾ واضح أنها عبارة ليس المقصود بها المعنى الحرفي لأنه كيف تجري من بطنه أنهار ماء حي ؟ ﴿ قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه ﴾ ( يو 7 : 39 ) هذا حال الكنيسة الآن نحن مزمعين أن نقبل الروح القدس فتقول الكنيسة نحن نقبل الروح القدس كأنهار ماء حي متدفق داخلنا نحن كثيراً نفتقد معنى الروح القدس كثيراً ما لا يكون لنا وعي بالروح القدس كثيراً ما تكون كلمة الروح القدس كلمة مجهولة بالنسبة لنا ما معنى الروح القدس ؟نحن نسمع عن الآب ونعرف الإبن أما الروح القدس فلا نسمع عنه أبداً الآن نريد أن نتعرف على الروح القدس في وقت بسيط جداًما هو الروح القدس ؟ عمل الروح القدس :- إن أردت أن تعرف الروح القدس فهو له أربعة مهام في الإنسان كعطية أعطاها الله له :- 1- الروح القدس يقدس :- أنا محتاج للتقديس أنا داخلي أمور دنسة أفكاري دنسة كلامي ردئ خيالاتي رديئة نيتي رديئة ودوافعي للقداسة بطيئة وبليدة لأن هناك عوائق كثيرة تمنع هل تريد أن تتقدس ؟ لن يقدسك سوى الروح القدس هنا عمل الروح القدس داخل النفس الروح القدس مسئول عن تقديس النفس أول شئ يعمله الروح القدس داخلك هو أن يقدسك كل من خضع للروح القدس نال تقديس وكل من خضع للروح القدس نراه يعمل أعمال قداسة تفوق طاقة البشرلماذا تفوق طاقة البشر ؟ لأنها عمل الروح القدس فيه الروح القدس أعطاه طاقة قداسة أعلى بكثير من الطاقة البشرية لأنه قد تجد شخص طيب القلب لا يحب الكذب له أخلاقيات جيدة وذلك لأنه تربى على ذلك لكن الروح القدس لا يجعل الإنسان مجرد شخص له صفات تربى عليها ومؤدب لا الروح القدس هو روح قداسة ترى الفرق واضح بين شخص مؤدب بحسب المقومات الإجتماعية وشخص قديس مهما كان الشخص مؤدب إلا أنك لا تعرف ما بداخله إلا أنه له ضعفات ألا أنه قد ينقلب الضد الإنسان الذي داخله روح قداسة يعمل أعمال فائقة فتجد عنده حب بلا حدود عنده عطاء بلا حدود بر بلا حدود ما سر ذلك ؟ ما سر قداسة القديسين ؟ الروح القدس المهم أنهم خضعوا له هم خضعوا له وهو شكلهم فصاروا قديسين لأن إسمه روح القداسة إن أردت أن تتقدس فليس لك وسيلة إلا الروح القدس لذلك ربنا يسوع المسيح أعطانا هذه الهدية التي تقدسنا عندما يسكن روح ربنا داخلي فهو المسئول عن قداستي الروح القدس يقدس يطهر يشفي الروح القدس عمله داخل النفس يحرق أشواك الخطايا يحرق نيران الشهوة الملتهبة هو يلتهمها ويحولها لنيران القداسة وبدلاً من أن تكون داخل الإنسان طاقات غضب تصير طاقات قداسة وبدلاً من أن تكون داخله طاقات كره تصير طاقات حب هذا هو عمل الروح القدس الذي أرسله الله ليعمل في الإنسان لأن الله يعرف طبع الإنسان فأعطاه الروح القدس ليقدسه ويخلص به هل تريد أن تتقدس ؟ لا تقديس خارج الروح القدس لذلك إن كانت هناك خطية أتعبتك أطلب من روح ربنا أن يعطيك نعمة كي تغلبها أطلب من روح ربنا أن يعطيك قوة لتطهيرك من هذه الخطية . 2- الروح القدس يصلي :- فرق بين إنسان يردد كلمات بشفتيه وآخر يصلي كواجب وثالث يصلي كروتين وإنسان يصلي بالروح أي لا يشعر بمن حوله ولا يشعر بالزمن وكلماته ليست بنتاج فكر عقلي أحياناً عندما نصلي نفكر ماذا نقول هذه ليست صلاة بالروح هذه صلاة عقل أي يفكر ويتكلم هذه أيضاً صلاة جيدة نعم ليتنا نقف أمام الله ونطرح أفكارنا لكن توجد صلاة بالروح وهي الأجمل هي التي تبدأ عندها الصلاة تكلم بالروح لذلك بولس الرسول يقول ﴿ لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها ﴾ ( رو 8 : 26 ) أي الروح ينخس فيك يشفع فيك الروح يشهد لك وينطق فيك ويحركك هذا عمل الروح القدس في النفس أنه يصلي صلي بالروح عندما تقف أمام الله أطلب من الروح القدس أن يرشد ذهنك للصلاة وينطق فيك بكلمات الصلاة هو يتكلم فيك لذلك هناك فرق بين صلاة الروح والصلاة العقلية وصلاة الشفتين الصلوات مراحل :- مرحلة الشفاه أي نطق بدون عقل مجرد كلام ألا يحدث معك ومعي أن نقول* إرحمني يا الله كعظيم رحمتك * ونفاجأ أننا أنهيناها ؟ لماذا ؟ لأننا نقول بالشفاه دون العقل . وحد عقلك بشفتيك وهي مرحلة تقول فيها الصلاة وأنت تعي وتفهم ما تقول . وحد عقلك مع شفتيك مع قلبك وهذه مرحلة أجمل . وحد عقلك وشفتيك وعقلك بمساندة الروح القدس وهذه هي الأجمل هنا تبدأ الصلاة هنا تشعر أنك لا ترى ما حولك لكنك ترى كل ما هو روحي هنا تركز في الصلاة ولا تنتبه لأي تأثير خارجي هنا تبدأ الصلاة بالروح . أدعوك أن تصلي بالروح أن تقف لتصلي أرجو يكون لوقفة الصلاة تقديس وزمن واهتمام لن نصلي أبداً إن لم نعطي الصلاة إهتمامنا ما الذي يجعل الإنسان ضعيف إنسان ساقط إنسان مهزوز إنسان مهزوز في سلوكياته وإيمانه ؟ لأنه لم يأخذ قوة من الأعالي لذلك عندما يرى شئ يسلك بطبعه البشري والطبع البشري يميل للشراسة يميل للشهوة يميل للذات هذا هو الطبع البشري لكن عندما يتحد بالله يتقدس بالروح ويصلي بالروح . 3- الروح القدس يرشد :- قال ﴿ يرشدكم إلى جميع الحق ﴾ ( يو 16 : 13)﴿ يذكركم بكل ما قلته لكم ﴾( يو 14 : 26 )ما أجمل الإنسان الذي يسلك بالروح ؟ الكتاب يوصينا أن ﴿ أُسلكوا بالروح ﴾( غل 5 : 16) أي سلوكياتي تكون محاطة بتأييد الروح القدس أن أشعر أن حياتي ومشورة نفسي كلها مسلمة للروح القدس﴿ الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ﴾ ( رو 8 : 14) ما أجمل إنسان مثل بولس الرسول الذي عندما أراد أن يذهب لمدينة قال﴿ منعنا الروح ﴾عندما يريد أن يذهب لمدينة ليكرز بها يقول له الروح القدس لا لتظل هنا أنا لي أناس كثيرون في هذه المدينة وقد كان يريد أن يظل في كورنثوس شهر لكن الروح جعله بها سنة ونصف الروح القدس ألزمه لذلك يقول الروح القدس للتلاميذ ﴿ إفرزوا لي برنابا وشاول للعمل ﴾( أع 13 : 2 )الروح القدس يرشد ويقود ويقول للإنسان ما يفعل وما لا يفعل هل أنا سالك بمشورة الروح ؟ هل مشورة الروح هي التي تهديني أم مشورة فكري ؟ الروح القدس يرشد وعمله هو أن ينير الطريق الذي به مخافة الله عمله أن ينبه لما هو صحيح وما هو خطأ لذلك يجب أن ينقاد الإنسان لروح الله وليس بفكره أو رأيه الروح القدس عمله هو أن يوبخ الإنسان على الشئ الردئ ويشجعه على الشئ الجيدعمله هو أن يرشد هناك كثير من الأمور كما يقول عنها معلمنا بولس ﴿ الأمور المتخالفة ﴾ ( رو 2 : 18) أي أمور محيره هل أفعل هذا الشئ أم لا ؟ هل أذهب لهذا المكان أم لا ؟ هل أسافر أم لا ؟ أمور قد لا أستوعبها جيداً وبالتالي لا أعرف لها قرار من يرشد إذاً ؟ الروح القدس هو الذي يرشد لذلك يسمى * روح المشورة * يشير عليك بقوة أن تفعل هذا ولا تفعل ذاك ما أجمل إنسان يعيش بمشورة الروح القدس ويسلك في أمان لأنه لم يتكل على رأيه الشخصي أو ذكائه بل يتكل على روح الله ما أجمل روح الله عندما يقود الإنسان يعرفه كل شئ في أحد المرات كان طيار يقود طائرته في رحلة وأثناء القيادة تعرض لأمر غريب فجأة أصيب بإنفصال شبكي مفاجئ ووجد نفسه لا يرى شئ أمامه ماذا يفعل ؟ إتصل بالقاعدة التي يتبعها وقال لهم أنه صار أعمى لا يرى فقالوا له إفعل ما نقوله لك وكان يحفظ لوحة المفاتيح فكانت القاعدة ترشده لأي مفتاح يضغط وهو يعمل ما يقولونه له إضغط على المفتاح الأول ثم المفتاح الثاني أنر المفتاح الثالث وهكذا أرشدوه حتى آخر خطوة وهو يسمع لهم حتى هبطت الطائرة بسلام وقالوا له نحن ننتظرك بسيارة إسعاف من هذه القصة ليتنا نفعل ذلك في حياتنا لا نفعل أي خطوة إلا بمشورة الله لا نُقدم على شئ إلا بمشورة الروح القدس هو الذي يرشد ويقود يقول يمين يمين يقول يسار يسار قل له أنا أعمى فقد قدت نفسي في أمور كثيرة فوجدت نفسي كثيراً ما أسقط وكثيراً ما أذِل إتبعت مشورتي وهواي وكانت النتيجة رديئة أريد الآن أن أتبعك أنت عمل الروح القدس هو أن يرشد هو يعرف كيف يميز الأمور عمله في الإنسان أن يقود ويرسم له الطريق . 4- الروح القدس يعزي :- الطريق طويل وكرب الطريق به أتعاب كثيرة الطريق به ضيقات كثيرة الطريق لا يسير بطريقة ثابتة ليس مستقيم بل به منحنيات ومرتفعات قد يتعب الإنسان وهو سائر في طريق الملكوت قد يضعف وقد يفتر ولا يريد أن يكمل المسير قد يقلق أو يخاف أو قد يقول ماذا سأنال من كل هذا التعب ؟ ماذا يفعل الروح القدس هنا ؟ يعزي يقول لك لا تخف كما تقول كلمات تشجيع لأولادك أثناء الإمتحانات هكذا الروح القدس المعزي يقول لك لا تخف أنت تسير في الطريق الصحيح وقد قطعت كثير من الطريق إنتبه أن المكافأة جميلة يعطي تعزيات التعزية هي فعل نعمة هي فعل فوقاني هي مساندة سماويةهذه التعزية من المسئول عنها ؟ الروح القدس لذلك يسمى * الروح المعزي * عندما يكون إنسان في ضيقة أو فقد أحد أحبائه تقول أنا ذاهب لأعزيه ماذا تعني كلمة * أعزي * ؟ أي أقول له أنك إن كنت قد فقدت شخص غالي عليك فنحن كلنا بجانبك أقول له كلمات تشجيع وأفرحه بأن هذا الفقيد في السماء الآن ونحن كلنا غرباء من الذي يعزينا في غربتنا الصعبة التي نحياها الآن على الأرض ؟ الروح القدس يقول لك لا تخف نعم الأحزان كثيرة لكن الأفراح تنتظرك نعم أنت تتعب هنا لكن المكافأة عظيمة هناك ولأني أعرف أنك شخص مادي بعض الشئ فبدلاً من أن أعدك بتعزيات سماوية فقط لا أنا لابد أيضاً أن أعطيك تعزيات على الأرض وأربطك بيَّ أعطيك عزاء على الأرض أعطيك سلام وهدوء وفرح أعطيك عربون عزاء الأبدية هذا هو الروح القدس يوجد تشبيه لطيف عن أليعازر الدمشقي الذي ذهب ليخطب لأبينا إسحق قال له أبونا إبراهيم لا تخطب لأبني من بنات الأرض إذهب لأهلي وعشيرتي واخطب له من هناك فقال أليعازر يارب هذه مهمة صعبة كيف أخطب لإبن سيدي ؟ ثم قال التي أقول لها إسقيني فتقول أسقيك وأسقي جمالك تكون هي من إختارها الرب لإسحق ( تك 24 : 14) فوجد رفقة تقول له أسقيك وأسقي جمالك ولك مكان مبيت عندنا فقال هذه من الله وكلم أبيها وخطبها لإسحق وألبسها الذهب وأخذها وحدها معه ليعطيها لإسحق زوجة وسار بها في الطريق أريدك أن تتخيل أن رفقة خائفة تقول لقد تركت أهلي وشعبي وأسير إلى رجل لا أعرفه من الذي يطمئنها لإسحق ؟ أليعازر يقول لها لا تخافي إسحق إنه طيب القلب ومؤدب جداً سخي جداً وغني جداً مادامت رفقة في رحلة غربتها أليعازر يطمئنها ويعزيها هذا هو عمل الروح القدس الروح القدس أتى للعالم ليخطبنا لله ولكن حتى نصل لله الطريق طويل والرحلة شاقة فيعزينا طول الطريق ويقول عريسك جميل عريسك غني وسخي عريسك محب متواضع وديع يعطيك صفات فيه تطمئنك ويزينك ويغدق عليك بالعطايا كما فعل أليعازر لرفقة ألبسها أقراط ذهب * أقراط * أي أشياء جميلة وثمينة وغالية في كل جسدها في أنفها وعنقها ويديها وأرجلها و عمل الروح القدس يعزي يعزينا طوال هذا الطريق الكرب الضيق المملوء أتعاب يقول لنا إطمئنوا لا تخافوا توجد مكافأة والمسيح ينتظركم نعم إن العالم به مسرات ومكاسب وغنى أرضي وشهوات من يعزيني عن فقدان كل هذه الأمور ؟ الروح القدس يجعلني أدوس على كل هذا بغنى وعز لماذا ؟ لأن معي الأجمل والأغلى معي من يعزيني عن أي شئ مفقود فلا أشعر أن نفسي تميل لأي شهوة في العالم لأن الروح القدس قد ملك على رغباتي عمل الروح القدس أنه يفطم الإنسان عن مسرات العالم ويغدق عليه بمسرات روحية هذا عمل الرح القدس المعزي ما الذي يجعل أحد القديسين يعيش فوق قمة جبل أو في مغارة ؟ ما الذي يجعله يترك كل مسرات العالم ؟ ما الذي يجعله يعيش بدون أسرة وزوجة وأولاد وأحباء ؟الروح القدس الذي ملك على كيانه وعزاه ومادام قد عزاه فهو ليس بحاجة لشئ لذلك نحن مقصرين جداً في حق الروح القدس نحن ليس لنا عشرة عميقة مع الروح القدس في حين هو روح الله الذي إستودعنا إياه لنضع أنفسنا في مقارنة هل يكون المسيح معنا أم الروح القدس ؟ كلنا سنختار أن يكون المسيح معنا لكن المسيح نفسه إختار لنا غير ذلك قال سأعطيكم الأفضل قد لا نصدق أنفسنا لكننا نصدق المسيح يسوع ما هو الأفضل يارب أن نظل معك أم تتركنا ؟ يقول خير لكم أن أنطلق( يو 16 : 7 ) لماذا ؟ لأني إن ظللت معكم لن أعطيكم الروح القدس لذلك الكتاب يقول﴿ قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد ﴾ مجد بعد أي صلب لأن الروح القدس هو ثمرة من ثمار الصليب في حياتنا لذلك ليتنا نتودد للروح القدس ونطلب منه كثيراً ما أجمل آبائنا الذين علمونا قائلين صلوا قطع الروح القدس بعد كل قطع الأجبية أي بعد أن نقول قطع باكر نقول ﴿ أيها الملك السمائي المعزي روح الحق ﴾ أيضاً بعد قطع صلاة الغروب من أين أخذوا هذا الأمر ؟ من أن الروح القدس حل في الساعة الثالثة لكن هل حل في نصف الليل ؟ الكنيسة تضع قطع الروح القدس في صلاة نصف الليل إذاً يجوز إنها تقال في أي وقت لأن طلبة الروح لابد أن تكون طلبة متجددة الذي يعرف قيمة الروح القدس يظل دائماً يقول ﴿ هذا لا تنزعه منا أيها الصالح لكن جدده في أحشائنا ﴾ توقع الروح القدس إنتظر الروح أسلك بالروح وعمل الروح القدس داخلنا لا نريد أن ننساه يقدس يصلي يرشد يعزي ربنا يعطينا نعمة الروح ونكون مستحقين لها ويكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك
المزيد
17 يونيو 2021

شركة الروح القدس والنعمة

شركة الروح القدس تعني أن الروح القدس يشترك مع الإنسان في العمل، وهي تُقال في البركة في نهاية كل اجتماع، كما ورد في (2كو13: 14).وهي ما عبّر عنه القديس بطرس الرسول بقوله: «لكي تصيروا شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد» (2بط1: 4). أي شركاء في العمل. وعن هذه الشركة يصلي الآب الكاهن في أوشية المسافرين قائلًا: "اشترك في العمل مع عبيدك في كل عمل صالح". ويقول القديس بولس الرسول عن نفسه وعن أبولس «نحن عاملان مع الله» (1كو3: 9). والشركة مع الروح القدس هي على نوعين. إمّا أن يبدأ الروح القدس بعمل فينا، ونحن نشترك معه في العمل. وإما أن نبدأ نحن، والروح يشترك معنا. لا يهم بأي الأمرين يبدأ العمل. المهم في الشركة. والحياة الروحية تتلخص في هذه العبارة "الشركة مع الله في العمل". يقول الكتاب «الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا لأجل المسرة» (في2: 13). ولكن المهم هو أن نشترك مع الله في العمل.النعمة تعمل في الكل. زيارات النعمة تفتقد كل أحد. فالذي يشترك معها، ويستجيب لها، ويقبلها، هو الذي يستفيد ويحيا بالروح. يتوقف نجاحنا الروحي على هذه الاستجابة، على مدى الـResponse. أمّا الذي لا يستجيب لعمل النعمة، فإنه يفقد هذه المعونة الإلهية. النعمة عملت حتى في يهوذا الأسخريوطي. فبعد أن خان سيده، وباعه بثلاثين من الفضة، وسلّمه لأعدائه.. عملت النعمة فيه، وبكّته ضميره. فذهب وأرجع المال إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلًا لهم «قد اخطأت إذ أسلمت دمًا بريئًا» (مت27: 3، 4). لكن يهوذا لم يكمل العمل مع النعمة. بل استلمه الشيطان، وحول ندمه إلى يأس. «فمضى وخنق نفسه» (مت27: 5). النعمة لا ترغم إنسانًا على أن يحيا بالروح. ولكنها واقفة على الباب تقرع، كما قال الرب في (رؤ3: 20). من يفتح لها، تدخل وتعمل فيه، ومعه. لنا مثل واضح ورائع فيما حدث مع عذراء النشيد. قالت «صوت حبيبي قارعًا: افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي. لأن رأسي امتلأ من الطل، وقصصي من ندى الليل» (نش5: 2). لكنها لم تستجب لصوت النعمة، واعتذرت.. فماذا كانت النتيجة؟ لقد قالت «حبيبي تحول وعبر. نفسي خرجت حينما أدبر. طلبته فما وجدته. دعوته فما أجابني» (نش5: 6). هناك إذًا عاملان في خلاص النفس: العمل الإلهي، وأيضًا العمل البشري في اشتراكه مع العمل الإلهي. إنها شركة الروح القدس. شركة القلب والإرادة مع عمل النعمة في الإنسان. يقول الكتاب «بالنعمة أنتم مخلّصون» (أف2: 8). ويقول أيضًا «متبررين مجانًا بنعمته بالفداء» (رو3: 24). ولكن هل الجميع خلصوا؟! كلا. بل خلص الذين استجابوا، الذين «نخسوا في قلوبهم" وآمنوا، واعتمدوا» (أع2: 37، 41). الذين فتحوا قلوبهم لعمل الروح فيهم. واشتركوا معه في العمل.. إذًأ خذها قاعدة أساسية في حياتك: كل عمل لا يشترك معك فيه الروح القدس، اتركه وأبعد عنه.. الكنيسة المقدسة بدأ تأسيسها بالروح القدس يوم الخمسين (أع2). ومنح الآباء الرسل موهبة التكلم بألسنة، لكي ينشروا الإيمان للجميع.. وكثرت مواهب الروح (1كو12، 14). وحتى في اختيار الشمامسة السبعة، اُشتُرِط أن يكونوا مملوئين من الروح القدس والحكمة (أع6: 3). وفي العهد القديم أيضًا كان الروح القدس يعمل. لقد حلّ الروح القدس على شاول الملك فتنبأ (1صم10:10). كذلك حل روح الرب على داود لما مسحه صموئيل النبي (1صم16: 13). وقبل شاول وداود، نسمع عن شمشون أن «روح الرب كان يحركه» (قض14: 19؛ 15: 14). وروح الرب كان يحل على الأنبياء. ولذلك نقول عنه في قانون الإيمان «الناطق في الأنبياء". وفي ذلك يقول القديس بطرس الرسول «لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس» (2بط1: 21). ومع أهمية عمل الروح، توجد خطورة شديدة في مفارقة الروح. فشاول الملك قيل عنه «وفارق روح الرب شاول، وبغته روح رديء من قبل الرب» (1صم16: 14). ما أخطر هذا: أن الذي يفارقه روح الله، يمكن أن تتسلط عليه الشياطين. لذلك فإن المرتل يصرخ قائلًا للرب في المزمور «روحك القدوس لا تنزعه مني» (مز51: 11). ومن الناحية الإيجابية، يقول لنا الكتااب «امتلئوا بالروح» (أف5: 18). أي افتحوا قلوبكم للروح لكي يملأها. وكونوا مؤهلين لذلك. كونوا هياكل للروح القدس لكي يسكن الروح فيكم (1كو3: 16). وعندما يسكن الروح فيكم ويعمل، اشتركوا معه في العمل. لقد حل الروح القدس على التلاميذ، واشعلهم للخدمة. هذا هو الجانب الإلهي. وماذا عنهم هم؟ ملأوا الدنيا كرازة ونشاطًا. الروح القدس منح الموهبة للتلاميذ، وهم وعظوا وعمّدوا. ولم يهملوا النعمة التي عملت فيهم. وهكذا يقول القديس بولس الرسول: «بنعمة الله أنا ما أنا. ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة. بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي» (1كو15: 10). ومع أنه ينسب العمل إلى النعمة، إلا أنه يقول أيضًا «جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان.. » (2تي4: 7). هذا هو الجانب البشري المشارك لعمل النعمة. الروح القدس يتكلم. ولكن من له أذنان للسمع فليسمع. حتى في التوبة. الروح القدس يبكت النس على خطية (يو16: 8). ويدعوهم إلى الحياة الروحية. فمنهم من يقبل ويتوب. أما الباقون فيقول لهم الرسول «إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم» (عب3: 8، 15). الروح القدس ينخس القلب، ويعطي الرغبة في التغيير. ولكنه لا يرغم أحدًا على السير في الطريق الروحي.. هو يعطي كلمة للمبشرين، ويعطي تأثُّرًا للسامعين. وعليهم الاستجابة. يونان النبي نادى لشعب نينوى. فتأثروا وتابوا بمناداته.وكم من آخرين قتلوا الأنبياء، ورجموا المُرسَلين إليهم (مت23: 37) ورفضوا التوبة، ولم يشتركوا مع الروح. بل كانوا مقاومين الروح القدس كما وبخهم الشماس القديس اسطفانوس (أع7: 51). الفلك مفتوح للجميع. وكل من يدخله يخلص.وقد خلصت فيه ثماني أنفس بالماء (1بط3: 20). بل دخلته أيضًا حيوانات وطيور. أمّا الذين لم يدخلوا إلى الفلك، فقد هلكوا جميعًا بمياه الطوفان، مع أن الفرصة كانت مقدمة لهم. نفس الفرصة كانت متاحة لأصهار لوط في سادوم. كان الغضب سيحل على سادوم وتحترق بالنار بسبب شذوذها وزناها. وكلّم لوط أصهاره وقال «قوموا أخرجوا من هذا المكان، لأن الرب مهلك المدينة، فكان كمازح في أعين أصهاره» (تك19: 14). وهلك أصهار لوط، لأنهم لم يستجيبوا لدعوة الروح لهم على فم لوط.. إنها مأساة، نهاية الذين رفضوا مشاركة الروح في عمله. نفس الوضع في رفض عمل الروح، حينما تحدث القديس بولس في أثنيا. ولم يستجب الفلاسفة الأبيقوريون والرواقيون لكلامه، بل قال بعضه «ترى ماذا يريد هذا المهذار أن يقول؟!» (أع17: 18). ولكن استجاب لعمل الروح ديونسيوس الأريوباغي (أع17: 34) الذي قيل إنه صار أسقفًا فيما بعد. كما استجابت امرأة اسمها دامرس وآخرون. كان اليهود أيضًا من الذين رفضوا عمل الروح فيهم. إذ يقول الإنجيل عن الرب «إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله» (يو1: 11) «النور أضاء في الظلمة، والظلمة لم تدركه» (يو1: 5). وقال الرب عن الروح القدس «روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه» (يو14: 17). وطبعًا لا يقبله لأن قلوب هذا العالم مغلقة أمام الروح لا تريد أن تعرفه. كان عملًا من أعمال الروح هو ظهور العذراء في جيلنا، وبخاصة في الزيتون. كثيرون قبلوا عمل الروح، وتعمق الإيمان في قلوبهم. وبعضهم استحقوا أن ينالوا معجزات شفاء. ولكن البعض رفضوا شركة الروح، وأخذوا يعللون الظهور المعجزي والأنوار الإلهية بأمور عالمية تحرمهم من عمل النعمة فيهم. بل أن البعض قد جدف على ذلك الظهور!! فحرم نفسه من الشركة مع الروح، وحرم نفسه من بركة العذراء. إن العقل البشري الذي يسلم فكره لتجديف الشياطين ويرددها، إنما هو إنسان يقاوم عمل الروح القدس. عكس ذلك المولود أعمى، الذي طلى الرب مكان عينيه بالطين، ثم قال له «اذهب اغتسل في بركة سلوام» (يو9: 6، 7). فهذا لم يقاوم الروح. ولم يقل كيف أُشفى بطين يمكن أن يعمي البصير؟! وكيف أغتسل في البركة، والغسيل يزيل الطين؟! بل أطاع ونفذ، فاستحق معجزة الشفاء. حقًا إن بساطة الإيمان تساعد على الشركة مع الروح القدس. لقد تاه الخروف الضال، والنعمة بحثت عنه فوجدته (لو15).وسلّم هذا الخروف نفسه للراعي، فحمله على منكبيه فرحًا. ولو أنه عاند ورفض العودة إلى الحظيرة، لبقي تائهًا في البرية.إن الطاعة وحياة التسليم من خصائص الشركة مع الروح. مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
16 يونيو 2021

الروح القدس.. لاهوته واقنومه

قال القديس بطرس "إن الكذب على الروح القدس معناه الكذب على الله" (أع5: 23). ومادام هو روح الله، (أي 33: 3) (2كو3: 3)، وهو روح السيد الرب ( اش61: 1)، إذن هو الله.هذا المعزي، روح الله، حل على التلاميذ في يوم الخمسين (أع2: 1 4). وهو الذي وعد به الله في سفر يوئيل النبي قائلًا "ويكون بعد ذلك أنى أسكب روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويحلهم شيوخكم أحلامًا، ويري شبابكم رؤى" ( يؤ2: 28). وقد ذكر القديس بطرس أن هذه النبوءة تحققت في يوم الخمسين (أع2 : 16، 17).هو روح الله، وهو "روح ابنه" (غل4: 6) "روح المسيح" (1بط1: 11). وهو "روح الرب" (اش11: 2) "روح السيد الرب" (اش61: 1). قيل في سفر أيوب الصديق "روح الرب صنعني" (أي33: 4). وقال حزقيال النبي "وحل على روح الرب وقال لي..." (خر11: 5). وقال القديس بطرس في توبيخ ما فعله حنانيا وسفيرا " ما بالكما قد اتفقتما على تجربة روح الرب" (أع5: 9). وهو " روح الحق" (يو14: 17). وقال عنه السيد المسيح "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26). وقال أيضًا " متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو16: 13). ويثبت لاهوت الروح القدس أنه في الثالوث القدوس.إنه واحد مع الآب والابن. وفي ذلك يقول السيد المسيح الرب أرسله القديسين "تلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (أع28: 19) ولاحظوا هنا أنه يقول "باسم" وليس "بأسماء"... وهذا يوافقه أيضًا ما ورد في رسالة القديس يوحنا الأولي، إذ يقول " فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب والكلمة (اللوجوس) والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو5: 7 ). ويثبت لاهوته أيضًا أنه الحي ومعطي الحياة.ولذلك يسمى "روح الحياة" (رو8: 2). وقد ورد في سفر حزقيال النبي، أنه هو الذي يحيى الموتى (حز37: 9، 10). ومن الذي يستطيع أن يحيى الموتى ويقيهم، إلا الله وحده. الروح القدس هو أقنوم الحياة. هو مصدر الحياة في العالم كله، سواء الحياة بمعني الوجود أو البقاء، أو الحياة مع الله. وبصفه قانون الإيمان بأنه " الرب المحيى". ويثبت لاهوت الروح القدس، أنه مصدر الوحى وقانون الإيمان يصف لروح القدس بأنه "الناطق في الأنبياء". ولعل هذا يوافق ما ورد في الرسالة الثانية للقديس بطرس الرسول عن الوحي الإلهى إذ قال "لأنه لم تأت نبوءة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 21). ومادام الوحى من الروح القدس، إذن هو من الله، لأنه من روح الله. لذلك قال القديس بولس الرسول "كل الكتاب موحي به من الله، ونافع للتعليم" (2تى3: 16). يقول الرسول أيضًا "حسنًا كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبى قائلًا.." (أع28: 25-27). وكمثال لهذا الوحي قال حزقيال النبى "... وحل على روح الرب وقال لي ك قل هكذا قال الرب..." (حز11: 5). ويقول الوحي الإلهى في سفر اشعياء النبى " أما أنا فعهدي معهم -قال الرب- روحى الذي عليك وكلامى الذي وضعته في فمك لا يزول من فمك، ولا من فم نسلك... من الآن وإلى الأبد" (اش59: 21). ثانيا: أقنوم الروح القدس شهود يهوه لا يعتقدون أن الروح القدس أقنوم (شخص Hypostasis)، بل يرونه مجرد قوة!!، وللرد على ذلك نقول إن ما ورد عن الروح القدس في الكتاب المقدس، يدل أنه شخص ... فهو يتكلم: ويقول الرب في ذلك لتلاميذه القديسين " لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت10: 20). ويقول الرسول أيضًا عنه " إن سمعتم صوته ، فلا تقسوا قلوبكم" (عب3: 7-9). وهو الذي قال " افرزوا لي برنابا وشاول، للعمل الذي دعوتهما إليه" (أع13: 3). فهو هنا يتكلم، وأيضًا يدعو... وهو يعلم، ويذكر، ويرشد، ويخبر، ويبكت.وفي ذلك يقول الرب لتلاميذه عن الروح القدس "يعلمكم كل شيء، يذكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26). وأيضًا "متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق... ويخبركم بأمور آتية" (يو16: 12، 13). وهو أيضًا الذي يبكت على خطية (يو16: 8). وهو يقود المؤمنين جماعات وأفرادًا. يقول الرسول " لأن الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله" (رو8: 14). وهو يقيم الرعاة: وعن ذلك قال القديس بولس لأساقفة أفسس " احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس عليها أساقفة" (أع20: 28). وهو الذي يحدد تحركات الخدام. فيقول القديس لوقا الإنجيلي عن القديس بولس الرسول وأصحابه " وبعد ما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية، منعهم الروح القدس أن يتكلمون بالكلمة في آسيا. فلما أتوا إلى ميسيا، حاولوا أن يذهبوا إلى بيثينية، فلم يدعهم الروح " (أع16: 6، 7). والروح القدس يعزى المؤمنين ويشفع فيهم. يقول السيد المسيح " وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد" (يو15: 26). ويقول الرسول " الروح نفسه فينا بأنات لا ينطق بها" ( رو8: 26). إذن هذا الذي يتكلم ويعلم ويذكر، ويرشد ويخبر، ويبكت، ويقود المؤمنين ويقيم الرعاة، ويحدد تحركاتهم، ويعزى ويشفع... أليس هو شخصًا؟! أما القوة فهي إحدى نتائج حلوله على المؤمنين (أع1: 8). كما نقول أيضًا إن حلوله يمنح غيره وحرارة، ويمنح حكمة ومعرفة... إلخ. مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
15 يونيو 2021

الروُح القُدس مع التلاميذ

السيد المسيح – بعد القيامة – بعد أن قضى مع رسله القديسين أربعين يومًا يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله (أع1:­3).. قبل أن يفارقهم ويصعد إلى السماء، قال لهم «فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي» (لو24: 49).وماذا كانت تلك القوة التي كان لابد أن ينتظروها؟قال لهم «لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أع1: 8). نعم، ما كان ممكنًا لهم أن يبدأوا الخدمة والعمل الروحي الكرازي، إلا بعد أن يلبسوا تلك القوة من الأعالي، بحلول الروح القدس عليهم..لقد تتلمذوا على السيد المسيح نفسه أكثر من ثلاث سنوات. يسمعون تعاليم هذا المعلم العظيم، «الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ» (كو2: 3)، بكل ما في تعليمه من عمق وقوة وتأثير.. وما يرونه منه عمليًا في أسلوب التعامل مع الكل، وفي طريقة الخدمة، وفي العجائب والمعجزات.. نعم لم يرَ الرب هذا كله كافيًا لهم، ولا كذلك مدة الأربعين يومًا التي قضاها معهم بعد القيامة..بل كان لابد لهم في الخدمة من نوال قوة من الروح القدس. وهكذا ضرب لنا الرب مثلًا عمليًا في إعداد الخدام..إننا كثيرًا ما نُخطئ في سرعة تقديم خدام للعمل في كرم الرب، قبل أن ينضجوا، وقبل أن ينالوا قوة من الروح القدس..! ليس المهم في عدد الخدام، وإنما في قوتهم الروحية.وليس المهم في سرعة إعدادهم، إنما في طريقة امتلائهم.إن عظة واحدة من القديس بطرس الرسول – بعد حلول الروح القدس عليه يوم الخمسين – كانت كافية لجذب ثلاثة آلاف شخص، نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ وتقدموا لقبول المعمودية (أع2: 37، 41).وهكذا كان عمل الروح قويًا مع باقي الرسل الذين كانوا «وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ» (أع4: 33). لذلك نقرأ عن خدمتهم أنه «وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ» (أع2: 47). ولذلك نقرأ أيضًا أنه «وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدًّا فِي أُورُشَلِيمَ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ» (أع6: 7).هذه أمثلة واضحة من الخدمة المثمرة، التي كان روح الرب يعمل فيها باستمرار، وهو الذي يُعطي كلمة للمُبشرين. ما أوسع وما أعمق عمل الروح القدس في الكنيسة الأولى.كان الروح القدس هو الذي يختار ويأمر برسامتهم.إنه هو القائل للآباء «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ» (أع13: 2). يقول الكتاب «فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا. فهذان إذ أُرسلا من الروح القدس، انحدرا إلي سلوكية..» (أع13: 3، 4).إذًا الروح القدس دعا الرسولين بولس وبرنابا، وأرسلهما.. بل كان أيضًا يحدد أماكن الخدمة.. كما قيل مرة أن الروح القدس منعهم من أن يتكلموا بالكلمة في آسيا، وفي بِثِينِيَّةَ.. ثم أرشدهم أن يذهبوا إلى مقدونية (أع16: 6-10).كان الروح القدس أيضًا هو الذي يقود المجامع المقدسة.فأول مجمع مقدس عقده الآباء الرسل في أورشليم سنة 45م، ختموا قراراته بقولهم «قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ..» (أع15: 28). إذا كان عمل الروح القدس لازمًا للآباء الرسل بهذا الشكل، فكم بالأولى يكون أكثر لزومًا للخدام العاديين، الذين إذا اخطأوا يكونون عثرة للخدمة وللشعب.فإن كان البعض قد خدموا وفشلوا في خدمتهم، أو على الأقل كانت خدمتهم ناقصة لم تصل إلى مستوى الكمال المطلوب، يكون السبب الأساسي أنهم كانوا يخدمون بدون عمل الروح القدس فيهم. وهذا يُرينا أهمية قيادة الروح القدس للخدمة.أول عمل للروح القدس أنه يُعطي قوة. هو أيضًا يُعطي معرفة وحكمة وإرشادًا. ويُعطي أيضًا سلطة.والروح القدس يُعطي مواهب متعددة ومتنوعة، ذكرها القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى كورنثوس إصحاح 12.فمن جهة القوة في الخدمة، فهو ليس فقط يُعطي كلمة للخادم كما طلب بولس الرسول الصلاة من أجله قائلًا «لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ» (أف6: 19).. إنما بالأكثر فإن الروح يُعطي للكلمة تأثيرًا وفاعلية في النفوس، ويُعطي قدرة على التنفيذ، ويعمل في الإدارة. ويُعطي أيضًا ثمرًا للكلمة. ومن اهتمام الكنيسة بعمل الروح القدس لأجل كل إنسان، وضعت لنا ضمن الصلوات اليومية: صلاة الساعة الثالثة الخاصة بحلول الروح القدس وعمله.أنا أعرف أن غالبيتكم تصلون صلاة باكر وصلاة النوم. ولكن هل تهتمون – على نفس القدر – بصلاة الساعة الثالثة، التي تقولون فيها للروح القدس "أيها الملك السماوي المُعزي، روح الحق الحاضر في كل مكان والمالئ الكل، كنز الصالحات ومُعطي الحياة. هلّم تفضل وحلَ فينا وطهَرنا من كل دنس أيها الصالح، وخلَص نفوسنا".إن لكم علاقة بالآب ظاهرة في غالبية صلواتكم وفي صلاة الشكر. ولكم علاقة بالابن المخلص الفادي، وبالذات كما في صلاة الساعة السادسة، التي تقولون فيها "يا مَنْ في اليوم السادس والساعة السادسة، سمَرت على الصليب لأجلنا..". ولكن ما هي علاقتكم بالروح القدس، وأنتم لا تستطيعون أن تحيوا في حياة البر بدونه؟..إننا في الساعة الثالثة نطلب نعمة الروح القدس، وعمل هذه النعمة فينا، وبخاصة لأجل تطهيرنا.ونقول في تحليل الساعة الثالثة "نشكرك لأنك أقمتنا للصلاة في هذه الساعة المقدسة، التي فيها أفضت نعمة روحك القدوس بغنى على التلاميذ خواصك القديسين..".ونكرر عبارة نعمة الروح القدس، فنقول "أرسل إلينا نعمة روحك القدوس، وطهرنا من دنس الجسد والروح. وانقلنا إلى سيرة روحانية، لكي نسعى بالروح ولا نكمل شهوة الجسد".لاحظوا هنا إنه بالنسبة إلى الروح القدس، نتكلم عن حلول النعمة، وليس عن حلول الأقنوم، كما يخطئ البعض..وحلول النعمة هو للرسل، ولنا نحن أيضًا..ولاحظوا أيضًا عمل الروح القدس لأجل طهارة الجسد والروح.وحسن أن الإنسان يطلب طهارة نفسه عن طريق عمل الروح القدس فيه، وليس بمجرد جهاده البشري الذي يقع فيه ويقوم.. هناك أعمال أخرى للروح القدس، حيث نقول عنه في صلاة الساعة الثالثة: روح النبوة والعفة، روح القداسة والعدالة والسلطة.ويقول عنه سفر إشعياء النبي «رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ» (أش11: 2). كل هذا، نطلب عمله فينا في صلواتنا.أما عن السلطة، فهي خاصة أولاً بالكهنوت وعمله.وفي ذلك سلطان مغفرة الخطايا، كما قال الرب لتلاميذه بعد القيامة «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» (يو20: 22، 23).فالكاهن حينما يغفر الخطايا للمعترفين التائبين إنما يغفر بسلطان الروح القدس العامل فيه. كما يقول للرب عن الشعب في آواخر القداس الإلهي "يكونون محاللين من فمي بروحك القدوس".وروح السلطة بالنسبة إلى المؤمنين العاديين:إما أن يكون لهم سلطة على أنفسهم بضبط النفس، أو أن يكون لهم سلطة على الشياطين، فلا يمكنوها من أنفسهم أو من إرادتهم.. والروح القدس هو أيضًا روح الحق (يو15: 26) وروح العدالة.فالذي يعمل فيه روح الله، يكون حقانيًا وعادلًا يفصّل كلمة الحق بالاستقامة، ولا يأخذ بالوجوه، ولا يتكلم بالباطل.ولا نستطيع أن نضع حدودًا لعمل الروح القدس، الذي هو كنز الصالحات، ومُعطي الحياة، ومُعطي المواهب، كما ورد في (1كو12) يُعطي كلام حكمة، وكلام علم، ولآخر إيمان، وبنوة، وأعمال شفاء، وعمل قوات..وأيضًا لا ننسى عمل الروح القدس في كل أسرار الكنيسة.فنحن نولد في المعمودية من الماء والروح. ثم ننال سرَ المسحة المقدسة (بزيت الميرون المقدس) حيث نثبت في الروح، ونصبح هياكل للروح القدس، وروح الله يسكن فينا (1كو3: 16)... مع عمل الروح القدس عن طريق باقي أسرار الكنيسة. مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل