المقالات

05 أغسطس 2022

ومهما قال لكم فافعلوه

هذه هى الكلمات المعدودة للقديسة مريم العذراء قالتها فى سياق أول معجزة صنعها السيد المسيح فى عرس قانا الجليل (يوحنا ٢ : ٥).ويعتبرها أباء الكنيسة بمثابة "أقصر" عظة فى الكتاب المقدس. ونحن على هدى الكلمات نعيش ونعمل ونمارس خدمتنا وعلاقتنا بالجميع.. فماذا قال لنا؟… لقد أخذت فقط ثلاثة مواضع مما قاله:- ١‫-‬ إسألوا تعطوا. إطلبوا تجدو. إقرعوا يفتح لكم (متى ٧ : ٧) هذه هى قوة الصلاة الجماعية حيث يستجيب الله ويعطى ويفتح الأبواب. فقط قدموا صلواتكم فى خشوع وفى ثقة الايمان بالله القادر علي كل شئ، و لا تدع شيئاً يزحزح إيمانك سواء أشخاص أو أحداث أو حتي تقلباتالزمان . ٢‫-‬ كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يوف يعطون عنها حساباً يوم الدين (مت٣٦:١٢) الكلام هو أكثر نشاط يقوم به أي إنسان كل يوم و هناك الكلام الجيد الذي فيه "الملافظ سعد" وأيضاً الكلام الردئ بكل أشكاله وعباراته. ولكن يا أخوتى لا تتضايق قلوبكم من الذين يقولون كلاماً رديئاً عنكم فإنهم يوقعون أنفسهم تحت طائلة العقاب الإلهى الذى يرحم يوم الدين وإنما صلوا لأجلهم. ٣‫-‬ أحبوا أعداءكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. باركوا لاعنيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم (لو ٦ : ٢٧). هذه هى صورة المسيحيين الحقيقيين، ليس لنا عدو إلا الشياطين. أما البشر الذين يجعلون أنفسهم أعداء، فإننا نراهم أحباء لنا!! ومهما صدرت منهم أفعال أو أقوال فإننا نستمر نحبهم لأن هذه هى وصية المسيح لنا حتى وإن أنغصونا ولعنونا وأساءوا إلينا دون سبب فإننا نحبهم ليس بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق (١يو ٣ : ١٨) إن الخطية هى التى تقف وراء هذه الأفعال الرديئة فمثلاً الاعتداء على بيوت الناس ومحال أرزاقهم لهو خطية ولكن هذه الخطية تتضاعف فوق رؤوس فاعليها حينما يمتد الاعتداء إلى الأبنية العامة فى المجتمع وتزداد بالأكثر عندما يصل هذا الاعتداء إلى بيوت العبادة سواء كانت معبداً أو مسجداً أو كنيسة ومهما قال لكم فافعلوه: نحبهم ونباركهم ونصلى من أجلهم. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
04 أغسطس 2022

شخصيات الكتاب المقدس عيسو

عيسو "فباع بكوريته ليعقوب..." مقدمة تعد قصة من أعجب القصص وأغربها أمام الذهن البشري!!.. أليست هي القصة التي يقف الإنسان فيها حائراً أمام الاختيار الإلهي: "لأنه وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيراً أو شراً لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو قيل لها أن الكبير يستعبد للصغير كما هو مكتوب "أحببت يعقوب وأبغضت عيسو".. بل أليست هي القصة التي أثارت الصراع الدفين بين عقل إسحق أبيه وقلبه؟.. وقد بلغ هذا الصراع ذروته، يوم طلب إسحق من عيسو أن يتصيد له صيداً ويجهزه ليدرك أن أخاه سبقه إلى أخذ هذه البركة، وإذ تبين إسحق ما فعل الصغير: "فارتعد إسحق ارتعاداً عظيماً جداً وقال فمن هو الذي اصطاد صدياً وأتى به إليَّ فأكلت من الكل قبل أن تجيء وباركته. نعم ويكون مباركاً".. لقد ثاب إسحق إلى رشده وأدرك أنه بارك، من خصصت له بركة السماء دون ذاك الذي أوشك أن يأخذ البركة، وهو مرفوض، بمجرد العاطفة المتحيزة الأبوية.. إن عيسو هو الابن الثاني في مثل المسيح القائل: "ماذا تظنون كان لإنسان ابنان فجاء إلى الأول وقال يا ابني اذهب اعمل اليوم في كرمي، فأجاب وقال ما أريد ولكنه ندم أخيراً ومضى، وجاء إلى الثاني وقال كذلك.. فأجاب وقال: ها أنا يا سيد، ولم يمض".. كان عيسو حسب الظاهر أفضل من يعقوب بما لا يقاس، ولكنه في الحقيقة أتعس وأشر،.. كان الظاهر فيه هو الذي جعله أدنى إلى قلب أبيه وأحب، ولكن وازن القلوب أدرك طبيعته الدنسة الشريرة الملوثة الخربة، ومن ثم رفضه، وقدم عليه الصغير المختار، وهل لنا بعد هذا كله أن نتأمل الرجل الذي يصلح أن يكون نموذجاً عظيماً "للرجل العالمي" على العكس من الآخر الذي أحبه الله، وطهره من الشوائب المتعددة التي لحقت بقصته وحياته،. ومن ثم يمكن أن نرى عيسو من الجوانب التالية: عيسو ذو المظهر الرائع من المؤكد أنك ستفتن به وتحبه، عندما تتطلع إليه لمظهره الخلاب،.. ومن المؤكد أنك ستحبه، كما أحبه أبوه إسحق لما يبدو عليه من جلال الصورة، وجمال المنظر،.. ومن المؤكد أنه كان شيئاً يختلف تماماً في الصورة عن أخيه الأصغر، فهو أشعر بفروة حمراء، متين العضلات، رائع البنيان،.. لو أنه ظهر في أيامنا لكان من أولئك الذين يمكن أن يدخلوا مع العالم في مباريات كمال الأجسام، أو الملاكمة، أو المصارعة، أو ما إلى ذلك من صور يعتز بها من كان البنيان الجسدي عندهم، هو أهم ما يملكون أو يفضلون في هذه الحياة، ومن المؤكد أن قوته البدنية كانت كافية لأن يصرع بها أخاه، عندما فكر أن ينتقم منه، لتعديه عليه في البركة وسلبها منه، كما فعل بالخداع والختال والمكر عندما أخذ البكورية أيضاً.. ومن المؤكد أنه كان سريع الحركة، بطلاً في العدو وهو يجري وراء الحيوانات في الأحراش والغابات يحمل قوسه وسهمه،.. ويصرعها ويحملها على منكبيه، ليهييء منها طعاماً لنفسه وأبيه الذي كان يؤخذ بعظمة ابنه الصياد وما يصطاد من حيوانات شهية دسمة، دون أن يطيش سهمه، وترجع قوسه خائبة إلى الوراء،.. ومن المؤكد أنه كان جذاب المنظر، مهيب الطلعة، يقف نداً للحثيين وغير الحثيين الذين يخشون بطشه فيما لو حاول أحدهم التصدي على بيته الكبير وأسرته العظيمة.. ومن المؤكد أن بنات حث اللواتي تزوج منهم أكثر من واحدة، كن يعجبن به، وتشتهي كل أنثى فيهن أن تكون زوجته أو حبيبته على حد سواء.. ومن المؤكد أنه أكثر من أخيه مروءة وشهامة،.. ولو أن أخاه عاد جائعاً من الحقل، ووجد عنده صيداً، وسأله طعاماً، لأعطى لأخيه من أشهى ما عنده دون أن يطلب ثمناً أو ينتظر مقابلاً،.. وهل لنا أن نراه في كل هذا الإنسان البشوش الضاحك، إنسان المجتمعات الذي يتعلق بالآخرين، ويتعلق الآخرون به، والذي يربط نفسه بصداقات متعددة، حتى أن أربعمائة على استعداد أن يلبوا إشارته عند أقل طلب، بل على استعداد أن يقاتلوا في سبيله ومن أجله، في أي معركة يدفعهم إليها!!.. وهل تتعجب بعد هذا من حب إسحق له وولعه به وكلفه بشخصه، وميله العميق من أن يعطيه البركة رغم أن الوعد بها للأخ الأصغر،.. وهل تتعجب لمن يملك مثل هذه الخلال الصفات من الرجولة والشهامة والكرم والحركة والقوة والشجاعة، كيف لا يأخذ مكانه الطبيعي دون أن يسلب من أخ مهما يكن شأنه، فهو أضأل وأصغر فيها جميعاً من كل الوجوه!!.. على أي حال أن عيسو هو أروع النماذج والصور "لإنسان العالم"، والذي قد يعتبر في كثير من النواحي البدنية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية من يصح أن نطلق عليه "إنسان الله"!!.. عيسو ذو الداخل الخرب إذا كان عيسو على هذا المظهر الرائع الخلاب، فكيف يمكن أن يقال أن الله أبغضه وأحب يعقوب؟!! وهنا نحن نقف أمام الحقيقة العظيمة، التي أدركها فيما بعد صموئيل النبي، وهو يتحدث عن الملك المختار لإسرائيل من بين أبناء يسى البيتلحمي، إذ قال له الرب: "لا تنظر إلى منظره وطول قامته، لأني قد رفضته لأنه ليس كما ينظر الإنسان. لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب".. وفي الحقيقة أن عيسو كان خرب الحياة والقلب أمام الله، وإذا صح أن نصفه فلا يمكن أن وصفاً أدق أو أبرع من وصف المسيح للكتبة والفريسيين في أيامه، إذ كانوا يشبهون القبور المبيضة التي تظهر من الخارج جميلة، وهي من الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة!!. عيسو الخرب في العلاقة بالله كان عيسو يمثل الإنسان العالمي‎، الخرب العلاقة بالله، وصف كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "مستبيحاً" والكلمة في أصلها اللغوي: تعني الرجل الذي لا "قدس" في حياته،.. أو في لغة أخرى: هو الرجل الذي يعيش في الدار الخارجية، ولا قدس أو قدس أقداس في حياته، الرجل الذي غاب عن الله، وغاب الله عن حياته، فلم يمنحه النعمة التي تلمس قلبه، وتفتحه على العالم غير المنظور، سأل أحدهم هذا السؤال: ألا يوجد ملحدون يبرزون الكثيرين من المؤمنين في صفاتهم ومزاياهم وأخلاقهم في الجوانب الكثيرة من الحياة، فهل هم أفضل عند الله أو الناس من هؤلاء المؤمنين؟!!.. وجاء الجواب: قد يكون هذا صحيحاً، ولكن أضعف مؤمن عند الله، أعظم بما لا يقاس من أي ملحد، مهما تسلح هذا الملحد، بالكثير من المظاهر الخلقية في الحياة!.. ولعل أكبر دليل على ذلك الحيوان نفسه، فإن في الغرائز الحيوانية ما هو أسمى من الإنسان وأجمل وأعظم،.. فمن له شجاعة الأسد؟، أو وداعة الحمام؟ أو وفاء الكلب؟، ولكن الأسد؟ والحمام والكلب –مع هذا التفوق الغريزي- لا يمكن أن يفضل عن الإنسان، لأن الإنسان يملك إلى جانب هذه الصفات: الضمير الذي يؤكد له أن هذه الصفات عطية من الله له، وأنه إذ يستخدمها، إنما يستخدمها كعطية من الله، على العكس من الحيوانات التي لا تعرف شيئاً كهذا ولا تستطيع أن ترد فضل الله بالشكر لأنه أعطاها مثل هذه الصفات!!.. وهذا حال الملحد الذي قد يفعل في كثير من المواطن بالغريزة ما لا يفعله الكثيرون من المؤمنين، فهو مرات أكثر دقة وتعففاً وسمواً دون أن يملك إلى جوارها جميعاً الإحساس بأنها نعم الله في حياته، وأنه يعطي مما أعطاه الله وهو لا يدري،.. على العكس من المؤمن الأضعف، ولكنه الأسمى إحساساً بعطايا الله، والشكر على هذه العطايا والنعم،.. كانت الضربة القاتلة لعيسو أنه ابن الموعد بدون ميراث، وابن المذبح بدون ذبيحة، والابن الذي كان يمكن أن يكون شديد التعلق بالله،.. ولكنه كان وثنياً من هامة الرأس إلى أخمص القدم.. إذ رضى لنفسه أن يكون خرب العلاقة بالله، لا يستيقظ على موعد صلاة، أو يترنم في الغابة أو البيداء لإله، أو يعيش مستمعاً لكلمات أبيه إسحق عن الله!!.. كان عيسو الإنسان الذي يصح أن يقال عنه: بلا إله!!.. عيسو بائع البكورية مثل هذا الإنسان لا معنى للبكورية عنده، إذ هو أعمى عن جميع القيم الروحية في الحياة،.. كان الإنسان البكر هو سيد العائلة وممثلها أمام الله، وهو كاهنها الذي يتقدم بالذبائح نيابة عنها أمام المذبح الإلهي وهو الذي يصلي معها ولها ويباركها بما يأخذ من بركات الله، وهو الذي يرث في المستقبل بعد أبيه نصيب اثنين مما يملك،.. ولكن جميع القيم الروحية كانت بلا معنى أو مذاق أمام عيسو وهو مغلق العين والقلب بالنسبة لها جميعاً، وأقل ما في الحاضر أفضل من كل ما ينتظر في المستقبل، وعصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة،.. ومن ثم كانت البكورية لا معنى لها ما دامت ترتبط بمستقبل قريب أو بعيد،.. وعندما عرض عليه أن يبيع البكورية بطبق من عدس، كان الطبق أفضل بما لا يقاس وهو يعي عن كل بركات البكورية في المستقبل، وباع عيسو بكوريته بأكلة عدس!.. ومع أن الإعياء قد يكون واحداً من الأسباب التي شجعت عيسو على هذه الصفقة القاسية الخاسرة، إلا أنه بالتأكيد ليس السبب الأول،.. لقد باع عيسو في سره، كما يقول الكسندر هوايت البكورية آلاف المرات، لقد كانت حقيرة في عينيه قبل أن يعرض عليه أخوه ثمنها البخس الغريب!!.. وما يزال عيسو إلى اليوم أبا لكل بائع لبكوريته بمثل هذا الثمن التافه الحقير!!.. هل تتوقف معي للبكاء على الرجل الذي باع هذا الامتياز بمثل هذا الثمن الغريب؟.. وهل تسير معي في درب الحياة لكي نقف عند كل واحد من أبنائه المنكوبين بهذه الضربة القلبية القاسية؟!!.. كم من شاب أضاع عفته، وفقد بكوريته بمتعة وقتية قبيحة لا تلبث أن تنتهي لذتها ونكهتها بانتهاء مذاق العدس الأحمر في فم عيسو القديم،.. وكم فتاة فقدت طهارتها وامتيازها إذ باعت في لوثة جنون أعز ما تملك، ثم عاشت بعد ذلك تعض بنان الندم!!.. لم يقف عيسو في الانحدار عند حد، وبائع البكورية سيفقد معها كل شيء، وقد انفتح طريق الانحدار أمام عيسو بلا توقف أو نهاية، فهو لا يرى بأساً من مخالطة الوثنيين أو إدخالهم حياته وبيته وعائلته، ورأى إسحق ذات يوم، وإذا يهوديت ابنة بيري الحثي وبسمة بنت إيلون الحثي تقحمان عليه البيت وتضحيان كنتين إذ جاء بهما عيسو زوجتين تدخلان بما فيهما من الشر والوثنية إلى عقر داره، وعانى إسحق ورفقة ما عانيا، من هذه الوثنية الشريرة داخل البيت،.. ولم يقف عيسو عند هذا الحد، بل كان زانياً بكل ما تحمل الكلمة من معناها الحرفي!!.. كان عيسو في الحقيقة حيواناً في صورة إنسان، ومهما يكن جسمه الأشعر وفروته الحمراء، فهو على أي حال حيوان كالدب القطبي الجميل الفروة، مهما تسليت بمنظره أو حدقت الرؤية في شكله فهو أولاً وأخيراً حيوان، وحيوان متوحش، حتى ولو كان جميل المنظر، غزير الفروة، رائع البنيان!!.. عيسو فاقد البركة علم إسحق –ولاشك- بالصفقة بين ولديه، وتبادل مركز البكورية بالقسم بينهما، وكان ولا شك أسبق علماً بالنبوة الخاصة بكليهما، عندما قال الرب لرفقة: "في بطنك أمتان ومن أحشائك يفترق شعبان، شعب يقوى على شعب، وكبير يستعبد لصغير" وكان من الطبيعي –والحالة هكذا- أن يعرف إسحق، من هو صاحب البركة والمستحق لها،.. غير أن إسحق كما أشرنا في الصراع بين عقله وعاطفته، استجاب للنداء العاطفي دون نداء العقل والحكمة والصوت السماوي،.. ولا نستطيع أن نفسر معنى القول: "فارتعد إسحق ارتعاداً عظيماً جداً وقال فمن هو الذي اصطاد صيداً وأتى به إليَّ فأكلت من الكل قبل أن تجيء وباركته. نعم ويكون مباركاً" دون أن ندرك أنه في تلك اللحظة التي صعق فيها بما حدث، ثاب إلى رشده، وأدرك أنه مهما تكن عواطفه فإن مشيئة الله أصدق وأحق وأعظم،.. ولهذا صاح في مواجهة بكره: "نعم ويكون مباركاً".. وهنا صرخ عيسو صرخته المرة الأليمة، وأدرك فداحة ما ضاع منه، ولم تكن صرخته تعبيراً عن التوبة الحقيقية لما أضاع بحماقته واستباحته، أو رجوعاً عن الحياة الملوثة التي يتمرغ فيها، أو اقتراباً إلى الله العلي الذي جهله ونسيه أياماً بلا عدد، بل هي نوع من الإحساس بالخسارة التي يحس بها المجرم إذا سجن، والمريض إذا سقط فريسة مرضه المتولد عن الخطية، أو التلميذ الذي يرسب في الامتحان نتيجة إهماله وعدم مذاكرته، أو ما أشبه، دون أن تتحول إلى تغيير الحياة والنهج والأسلوب، ويكفي أن تسمع أنه كان يصرخ لأبيه أن يعطيه بركة ولو صغيرة إلى جانب ما استأثر به أخوه من بركات جليلة مجيدة عظيمة!!.. ولعله من الملاحظ أن الشراح وهم يفسرون قول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "فإنكم تعلمون أنه أيضاً بعد ذلك لما أراد أن يرث البركة رفض إذ لم يجد للتوبة مكاناً مع أنه طلبها بدموع ".. اختلفوا في المقصود بالتعبير: "طلبها بدموع" فرد البعض إلى البركة وليس إلى التوبة آخذين القرينة مما جاء في سفر التكوين، إذ لم تكن صرخة عيسو هناك تعبيراً عن توبة، بل كانت حزناً على خسارة وضياع أصاباه بقسوة بالغة فيما لم يكن قد تنبه إليه سابقاً بفطنة أو تأمل أو وعي،.. وهل كانت صخرة فرعون إلى موسى وهرون توبة عندما قال: "أخطأت إلى الرب إلهكما وإليكما، والآن أصفي عن خطيتي هذه المرة فقط".. لقد كانت رعباً من الضربات المتلاحقة، دون أدنى إحساس بالاتجاه الصحيح أمام الله، وهل كانت صيحة شاول بن قيس تعبيراً عن التوبة، عندما قال لصموئيل: "أخطأت لأني تعديت قول الرب وكلامك لأني خفت من الشعب وسمعت لصوتهم" بقدر ما هي أسى وأسف لقضاء الرب الذي حكم به عليه؟.. إن التوبة الصحيحة أمام الله هي التي ينظر الإنسان فيها إلى الإساءة إلى الله ومجده، قبل أن يراه نوعاً من الخسارة البشرية في شيء، ولذلك قال داود معبراً عنها في خطيته الكبرى: "إليك وحدك أخطأت والشر قدام عينيك فعلت".. لكن هذ لم يكن عند عيسو أو معروفاً لديه،.. وقد شجع هذا الشراح الآخرين إلى أن يردوا الكلمة إلى التوبة، ولكنها ليست توبة عيسو، بل هي بالأحرى توبة إسحق التي لم تستطع دموع عيسو أن تغير فكره واتجاهه، بعد أن ارتعد ارتعاداً عظيماً، لأنه أدرك أنه كان موشكاً أن يقع في أقسى خطأ لو أنه أعطى البركة لعيسو، وهي معطاة من الله للابن الآخر الأصغر!!.. وهو إذ يقف من ابنه الصارخ الباكي لا يستجيب على الإطلاق لبكائه ودموعه، إذ كان قد تاب عن الفعل الذي رتب أن يفعله مخالفاً المشيئة الإلهية العالية، ومن ثم نراه يصيح وهو يتمشى وراء هذه المشيئة العظيمة: "نعم ويكون مباركاً".. وأياً كان اتجاه هذا التفسير أو ذاك،.. فإن العلامة الأساسية في كل توبة، هو تحول الاتجاه الكامل عن الماضي، الأمر الذي لم يحدث في حياة عيسو من قرب أو بعد، والذي سار في طريقه البشع إلى النهاية، مما أخرجه تماماً من كل بكورية أو بركة، كانت أساساً له، ثم فقدها بما عاشه من حياة الاستباحة والزنا والبعد المتوالي عن الله في أرض الوثنية والشر!!. عيسو والمصير التعس وأي مصير تعس أكثر من أن يوصف بأنه الإنسان الذي يبغضه الله: "وأبغضت عيسو".. وهل يمكن أن تحل كارثة إنسان أكثر من أن يكون مكروهاً من الله،.. ما أوسع الفرق بين مشاعر الله ومشاعر الناس خطاة كانوا أو قديسين، هذا الرجل الذي أحبه الحثيون والذي سار وراءه أربعمائة رجل، يرون فيه فخر الرجال ومجدهم وعظمتهم،.. هذا الرجل الذي فتنت به الحثيات، وتطلعن إليه كما يتطلع العالم إلى الأبطال والجبابرة والعظماء،. هذا الرجل الذي أحبه أبوه من جماع قلبه، وكان يرى فيه صورة متلالئة مضيئة للرجولة والبهاء والعظمة،.. هذا الرجل بعينه كان مكروهاً وممقوتاً ومبغضاً من الله، أيها الشاب!!.. أيها الشابة: هل عرفتما السر في ذلك؟ كان ذلك لأن عيسو كان موجوداً أمام العالم، ولكنه ميت أمام الله،.. وكان ممدوحاً من البشر، وهو والقيء سواء عند الله،.. وأنت أيها الشاب، وأنت أيها الشابة: احذرا من أن يبيع واحد منكما بأي ثمن بكوريته وامتيازه، وبركته وحياته ومجده أمام الله العلي، احذرا أن تريا الأحمر في طبق عدس أو حفل ماجن، أو رقصة خليعة، أو شرود هناك أو هنا من صور التجارب المختلفة في الأرض فتعزيا بالباطل، وتدفعا أقسى ثمن إذ تطيحا بنقاوتكما وبكوريتكما وبركتكما!!.. لم يكن عيسو ضياعاً لنفسه وحده، بل كان أكثر من ذلك أصل مرارة، يصنع الضياع والانزعاج والمرارة في حياة الآخرين،.. ومن الناس من يكون نبعاً صالحاً يرتوي، ويروي غيره من الناس بالماء العذب القراح،.. ومن الناس من يكون على العكس نبع مرارة لا ينتهي لنفسه وجيله وعصره وأجيال أخرى تتعاقب وتأتي في أثره، وكان عيسو كذلك،.. ولا تحسبن عيسو –وهو يقود أربعمائة رجل وهو بمثابة الزعيم- إنه كان سعيداً، كلا وألف كلا، فإن الذي ينحرف عن خط الحياة الإلهي، والذي يحتقر البكورية والبركة، والذي يتمشى على رأس الناس في العالم، يمكن أن يأخذ كل شيء، ولكنه لابد أن يأخذ كأس العلقم والافسنتين والمرارة جزاءاً وفاقاً للبعد عن الله، لأنه لا سلام قال إلهي للأشرار،.. وعيسو الذي أدخل يهوديت وبسمة إلى بيت أبيه وأمه، فكانتا كلتاهما مرارة لإسحق ورفقة لابد أنه أدخل المرارة لا إلى بيته فحسب الذي لم يعد يعرف هدوءاً أو أمناً أو سلاماً، بل مد المرارة إلى كل من عاشره أو اتصل به أو تعاقب بعده، وهل يمكن لإنسان أبغضه الله، وحلت لعنة القدير عليه بعد أن فقد بركته إلا أن يكون كذلك؟.. عندما رفع عيسو صوته أمام أبيه وبكى وأخذ إسحق يبحث له عن بقايا من بركة هنا أو هناك: "قال له هوذا بلا دسم الأرض يكون مسكنك، وبلا ندى السماء من فوق. وبسيفك تعيش ولأخيك تستعبد. ولكن يكون حينما تجمح أنك تكسر نيره عن عنقك".. وهكذا عاش أدوم في الصراع لأجيال طويلة مع شعب الله، حتى سمع القول الإلهي الرهيب المخيف: "من أجل ظلمك لأخيك يعقوب يغشاك الخزي وتتعرض إلى الأبد يوم وقفت مقابلة يوم سبت الأعاجم قدرته ودخلت الغرباء أبوابه وألقوا قرعة على أورشليم كنت أنت أيضاً كواحد منهم.. كما فعلت يفعل بك. عملك يرتد على رأسك".. أيها الشاب.. أيتها الشابة: احذرا من بيع البكورية، وفقد البركة، والطريق الذي سلكه عيسو فانتهى به إلى الكارثة والضياع والخراب الأبدي!!..
المزيد
03 أغسطس 2022

كلمة أخرى عن الخير

تكلمنا في المقالات السابقة عن: الخير، والعمل الخيِّر، والإنسان الخيروبقى أن نكمل هذا الموضوع بكلمة بسيطة عن الخير وعن وسائله أيضًا قلنا من قبل إن الخير لابد أن يكون في ذاته، وخيرًا في هدفه، وخيرًا في وسيلته، وبقدر الإمكان يكون خيرًا في نتيجته ونحن نتكلم عن الخير بمعناه النسبي فقط، أقصد بالنسبة إلى ما نستطيع إدراكه من الخير، وما نستطيع عمله من الخير.. وأقصد الخير بقدر فهمنا البشرى له، وبقدر طاقتنا المحدودة في ممارسته لذلك فالإنسان الخير يعمل باستمرار على توسيع طاقاته في عمل الخير. ولا يرضى عن الخير الذي يعمله من أجل اتجاهه نحو خير أكبر.. وفي اشتياقه نحو اللامحدود، يشعر في أعماقه بأن هناك آفاقًا في الخير أبعد بكثير وأوسع مما يفهمه حاليًا وربما بعدما نخلع هذا الجسد المادي، وندخل في عالم الروح.. سننظر إلى ما عملناه قبلًا من خير، فنذوب خجلًا! ونتوارى منه حياء!! فكم بالأولى ما قد ارتكبناه من شر..؟! لهذا فإن مستوى الخير عند القديسين أعلى من مستواه عند البشر العاديين. ومستوى الخير عند الملائكة أعلى بكثير من مستواه عند البشر أجمعين. أما مستواه عند الله، فإنه غير محدود، وغير مدرك.. حقًا ما أعجب قول الكتاب عن الله: "إن السماء ليست طاهرة قدامه، وإلى ملائكته ينسب حماقة"إن الله هو صاحب الخير المطلق، وأعمالنا تعتبر خيرًا بقدر ما تدخل فيها يد الله.. وبقدر ما نسلم إرادتنا لمشيئة الله الصالحة، فيعمل الله فينا، ويعمل الله بنا، ويعمل الله معنا.. ونكون نحن مجرد أدوات طيعة في يد الله الكلية الحكمة والكلية القداسة وبقدر بعدنا عن الله، نبعد عن الخير يبعد الإنسان عن الخير، عندما يعلن استقلاله عن الله عندما يرفض أن يقود الله حياته. وعندما تبدأ إرادته البشرية أن تعمل منفردة! أما القديسون فإنهم يحيون حياة التسليم، التسليم الكامل لعمل الله فيهم.. هؤلاء لا تكون عليهم دينونة في اليوم الأخير.. وكأن كلا منهم يقول للرب في دالة الحب: (على أي شيء تحاكمني يا رب؟ وأنا من ذاتي لم أعمل شيئًا! كل شيء بك كان، وبغيرك لم يكن شيء مما كان.. فيك كانت حياتي، وفي يدك استسلمت إرادتي..). حياة الخير إذن، هي حياة التسليم. هي الحياة التي فيها يسلم الإنسان نفسه لله كل فكره، وكل مشاعره، وكل إرادته، وكل عمله.. فإذا ما فكر، يكون له فكر الله، وإذا عمل فإنما يعمل ما يريده الله، أو ما يعمله الله بواسطته فهل أعمالك أيها القارئ العزيز هي أعمال الله؟ أم هي أعمال بشرية قابلة للزلل والخطأ والسقوط..؟ والخير كالماء.. دائمًا يمشى، ولا يقف و إن وقف، أصابه الركود! لذلك فالخير باستمرار يمتد إلى قدام، وينمو ويكبر. وباستمرار يتحرك نحو الناس ونحو الله.. لا يتوقف وينتظر مجيء الناس إليه يخطبون وده، بل هو يتجه إليهم، ويذهب دون أن يطلبوه.. ولأنه الخير، لذلك فيه عنصر المبادرة والخير فيه لذة. حتى إن كان مملوءًا آلامًا، فآلامه حلوة، تريح القلب، ويجد الإنسان فيها عزاءًاوالخير لا يشترك إطلاقًا مع الشر، لأنه أية شركة للنور مع الظلمة لذلك نحن لا نوافق إطلاقًا على المبدأ المكيافيللى Machiavelli القائل بأن الغاية تبرر الواسطة (الوسيلة)، أي أن للغاية الخيرة يمكن أن تكون تبريرًا للواسطة الخاطئة..! إن وسيلة الخير ينبغي أن تكون خيرًا مثله. والخير لا يقبل وسيلة شريرة توصل إليه. إذ كيف يجتمع الضدان معًا؟! فالذي يلجأ إلي الكذب لينقذ إنسانًا، والذي يلجأ إلي القسوة والعنف لكي ينشر بهما الحق أو ما يظنه حقًا، والذي يلجأ إلي الرشوة لكي يحقق لنفسه خيرًا، والذي يلجأ إلي الإجهاض لكي ينقذ فتاة، كل أولئك استخدموا وسائل شريرة لكي يصلوا بها إلي الخير أو ما يظنونه خيرًا ولكن لعل البعض يسأل ماذا نفعل إذن، إن كنا مضطرين إلي هذه الوسائل؟! أقول إن هذه كلها وسائل سهلة وسريعة، يلجأ إليها الإنسان تلقائيًا دون أن يحاول أن يبذل مجهودًا للوصول إلي الخير، دون أن يبذل تضحية، ودون أن يتعب أو يحتمل فالكذب مثلًا حل سريع وسهل. أما الإنسان الحكيم الخير، فإنه يفكر ويجهد ذهنه بعيدًا عن هذه الوسيلة ويقينًا أنه سيصل إلى وسيلة أخرى تريح ضميره كذلك العنف والقسوة، كلاهما حل سهل يلجأ إليه إنسان لا يريد أن يتعب في الوصول إلي حل آخر وديع ولطيف إن الخير يريدك أن تتعب لأجله ولا تلجأ إلي الحلول السهلة، السريعة الخاطئة وبمقدار تعبك من أجل الخير، تكون مكافأتك عند الله. وبهذا المقياس تقاس خيريتك إن الحل السهل أو التصرف السهل، يستطيعه كل إنسان. أما الذي يكد ويتعب للوصول إلي تصرف سليم، فإنه يدل على سلامة ضميره وحبه للخيرقال السيد المسيح له المجد: (أدخلوا من الباب الضيق) لأنه واسع هو الباب، ورحب هو الطريق الذي يؤدي إلي الهلاك، وكثيرون يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق، الذي يؤدي إلى الحياة. وقليلون هم الذين يجدونه..) إذن ينبغي أن تتعب من أجل الخير، ينبغي أن تجد لذة في هذا التعب عليك أيضًا أن تفحص الوسائل التي تستخدمها للوصول إلى الخير، وتتأكد من أنها وسائل خيرة.. لأن هناك طرقًا رديئة قد يسلكها البعض من أجل محبتهم للخير!! وكما قال البعض: (كم من جرائم قد ارتكبت باسم الفضيلة)!! إن الشيطان عندما يفشل في إقناعك بطريق الشر، ويجدك مصرًا على طريق الخير، حينئذ يقول لك: "خذني معك"..! وهكذا قد تسير في طريق الخير، ويسير معك الشيطان، ويرشدك في الطريق ويوجهك، ويقدم لك الوسائل، والخطط، والحلول..!! والشيطان حينما يفقد السيطرة على الهدف أو على نوع العمل، قد يقنع بالسيطرة على الوسيلة. أما أنت أيها القارئ المبارك، فلا تترك للشيطان شيئًا فيك، ولا تدخله معك في خططك ومشروعاتك الخيرة، ولا تجعله يكسب أية جولة في صراعه معك واطلب من الله أن تكون نتائج عملك خيرًا أيضًا ولا شك أنك قد لا تستطيع أحيانًا أن تتحكم في النتائج. وقد تتدخل في الأمر عوامل شريرة خارجة عن إرادتك، محاولة أن تفسد نتائج مجهوداتك الخيرة إنك كما تجاهد بكل قوتك في أن تعمل الخير، كذلك فإن الشيطان يعمل بكل قوته لكيما يعرقل عملك.. ولكن لا تيأس، فإن الله موجود لهذا قلت إن العمل الخير، تكون نتائجه -بقدر الإمكان- خيرًا أيضًا.. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
02 أغسطس 2022

والدة الاله

"ها ان العذراء تحبل وتلد ابنا ، وتدعو اسمه عمانوئيل""اشعياء ١٥:٧" وقد كان ذلك كله ليتم ماقاله الرب بفم النبي القائل "ها ان العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانوئيل ، الذي تفسيره ( الله معنا )"متى ٢٢:١'٢٣" "لأنه يولد لنا ولد ، ونعطى ابنا وتكون الرئاسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيبا مشيرا ، الها قديرا ، اب أبديا ، رئيس السلام" "أشعياء٦:٩" "وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا ، وتسمينه يسوع وهذا يكون عظيما وابن العلي يدعى" "لو٣١:١'٣٢" ١- العذراء في بيت أبويها أبو العذراء هو يواقيم وأمها هي حنة ، وكان كلاهما بارا نقيا لكنهما كانا مجربين بتجربة الحرمان من النسل وظلا يسألان الرب أن يرزقهما بنسل دلیل رضاه تعالى عليهما ، ولنزع عارهما من بين الناس ، وقد نذرا نظرا أن الابن أو الابنة التي يرزقان بها يهبانها لله خادمة في هيكلـــــــه واستجاب الوهاب العظيم طلبتهما وأرسل لحنة أولا ولزوجها يواقيم ثانيا الذي كرس أربعين يوما يقضيها في تعبد البرية لهذا الغرض ، أرسل الرب لهما الملاك غبريال ( جبرائيل ) الذي بشرهما بميلاد ابنة يدعوانها مريم ومنه يكون خلاص آدم وذريته وتم الوعد الالهى بميلاد السيدة العذراء في يوم الأحد الذي يـقـابـل بـحسب تقويمنا القبطى ( أول بشنس ) وظلت فـى عناية والديها اللذين لمسا فيها منذ صغر سنها بوادر عظمـة شأنها ، وقد بذلا في تربيتها في خوف الله وتقواه اهتم الوالدين اللذين يقدران الفضيلة وطهارة السيرة لأنهم كانا بارين سالكين في جميع وصايا الرب بلا لوم بقيت العذراء في بيت أبويها مدة سنتين وسبعة شهور وسبعة أيام حتى حان الموعد الذي فيه كان لابد للوالدين أن يبـرا بنذرهما أمام الله. ( ۲ ) العذراء في الهيكل : ـ كان يوم الأربعاء 3 كيهك هو يوم وفاء النذر بتقديم العذراء لخدمة الهيكل المقدس ... وبدأت منذ ذلك اليوم تخدم الله بطهارة نفسها وقد وجدت نعمة عند كهنة الهيكل وعند جميع من رآها ، وكان الجميع يشعرون بحياتها السمائيـة لدى تطلعهم الى وجهها النورانی ... قضت العذراء الطاهرة مدة بقائها في الهيكل في عبادة وصلوات وكانت الملائكة تحدوها بعناية شاملة وكانت تقدم لها طعاما سمائيا بينمـا كانت تعطى هي طعامها للفقراء والمساكين ولما بلغت سن البلوغ تشاور الكهنة في مصيرها لأن لا يجوز أن تبقى في الهيكل بعد هذا السن ... غير أن موقف العذراء يحتاج الى تفكير وروية لأن العذراء عند بلوغها هذه السن كانت يتيمة من الأب والأم ، فأبوها قد مات بعد ست سنوات وأمها بعد ثماني سنوات من عمرها ، وتعيد الكنيس بنياحة يواقيم البار في 7 برمودة من كل عام . أوعز الملاك الى زكريا أن يجمع عصى شيوخ المدينة وشبابها ويكتب على كل عصا اسم صاحبها وفي اليوم التالي افرخت العصا التي كان مكتوبا عليها اسم يوسف ، وزاد علـى ذلك أن حمامة بيضاء جميلة استقرت على رأسه . ففهم الكهنة أن هذه دلالة على أن ارادة الله اقتضت أن تكون مريم فى حمى يوسف ... وأحسوا أن الله تعالى يحب هذه العذراء حتى أنه زودها بهذه العجائب . وحرصا على سمعة العذراء التي ستدخل في كنف رجـــل ، رأى الكهنة وجوب عقد زواج رسمى بينهما ، وكانت الحكمة الالهية وراء ذلك اكمال التدبير الالهى بتجسد الفادی ، لأنــــه ان حبلت العذراء دون أن يكون بينها وبين يوسف عقد زواج رسمی لرجمت بالأحجار حسب الشريعة قبل أن تلد المسيح ويتم تجسد الفادي ولما كان العقد رسميا لذلك استطاع يوسف أن يأخذهـا الى بيته وأن تنطلق معه الى حيث شاء هو أن ينطلق فقد ذهبت معه للاكتتاب في بيت لحم وقد سافرت معه إلى مصر وبقيت في بيته حتى وفاته والدليل الثالث على أن العقد بين يوسف والعذراء كـان عقد زواجی رسمی انما هو أقوال الكتاب ونصوصه التي تثبت أن العذراء زوجة يوسف من ذلك قول الانجيلي " فيوسف رجلـهـا كان بارا" مت١٩:١ ثم أن الملاك ظهر ليوسف فى الحلم وقال " يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امراتك "مت٢٠:١... فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمـره ملاك الرب وأخذ امرأته مت٢٤:١، وقال القديس لوقا "فصعد يوسف ليكتتب مع مريم امراته " لو٥:٢ . ولهذا يكون قد اتضح لنا بالدليل التاريخي ، والدليل العقلي ، وأخيرا بالدليل الكتابي أن مريم العذراء كانـــــــــت مرتبطة مع يوسف بعقد زواج رسمی ... أما قول الكتاب أحيانـا عن العذراء أنها مخطوبة كقوله : " لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف مت١٨:١ ... ، وكقول القديس لوقا : فصعد يوسف ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى "لو٥:٢ ، فذلك لأنه رغم العقـد الرسمي بينهما كانت العذراء تنوى أن تظل بتولا ، وكذلك يـوسف الذي كان شيخا نحو التسعة والثمانين من عمره لم يكن يفكر في أن يعيش مع مريم كزوج مع زوجته بل كخطيب مع خطيبته فهـي امرأة رسما واسما وخطيبة فعلا وعملا نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات اللاهوتية العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي عن كتاب السيدة العذراء
المزيد
01 أغسطس 2022

مكانة العذراء

مع قرب صوم العذراء يليق بنا أن نتأمل في مكانه العذراء في الإيمان الأرثوذكسي المستقيم، إذ اختارها الله دون بنات العالم لتكون والدة الإله، والوسيلة الرئيسية لإتمام التجسد الإلهي، لكي يُتمّم خلاص البشرية بالصليب والقيامة والصعود وحلول الروح القدس، لنعيش هذا الخلاص..1) العذراء اُختيرت من بنات الهيكل وعذارى مختارات، وشهد لها الوحي الإلهي قائلًا: «لأن الملك راق له طهركِ (اشتهى حسنكِ)، لأنه هو ربكِ وله تسجُدين» (مز45: 11). وفي بشارة رئيس الملائكة لها قدم لها تحية تليق وتشهد لقداستها «سلامٌ لكِ أيَّتُها المُتلِئةُ نِعمَةً! الرَّبُّ معكِ. مُبارَكَةٌ أنتِ في النِّساءِ» (لو1: 28).فرغم أنها كانت محتاجة للخلاص كسائر البشر لكنها تميزت بعلاقة خاصة مع الله، لذلك شهدت لها أليصابات بالروح القدس « فمِنْ أين لي هذا أنْ تأتيَ أُمُّ رَبّي إلَيَّ؟ فهوذا حينَ صارَ صوتُ سلامِكِ في أُذُنَيَّ ارتَكَضَ الجَنينُ بابتِهاجٍ في بَطني. فطوبَى للّتي آمَنَتْ أنْ يتِمَّ ما قيلَ لها مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ» (لو1: 43-45). ولأنها "مباركة في النساء، ومباركة ثمرة بطنها". وهذه شهادة الروح القدس عنها على فم أليصابات، إذ مجرد سماع صوتها تكلمت بالروح القدس أن العذراء مباركة وممتلئة نعمة.2) بحلول ابن الله الكلمة في بطن العذراء صارت سماء ثانية جسدانية، لذلك شهدت هي عن ما حدث لها قائلة: «تُعَظِّمُ نَفسي الرَّبَّ، وتَبتَهِجُ روحي باللهِ مُخَلِّصي، لأنَّهُ نَظَرَ إلَى اتِّضاعِ أمَتِهِ. فهوذا منذُ الآنَ جميعُ الأجيالِ تُطَوِّبُني، لأنَّ القديرَ صَنَعَ بي عَظائمَ، واسمُهُ قُدّوسٌ، ورَحمَتُهُ إلَى جيلِ الأجيالِ للّذينَ يتَّقونَهُ» (لو1: 46-50)، فهي مطوَّبة من القديسين، لذلك ننظر للعذراء كسماء في سموها ورفعتها وانفرادها بصفات لا تجتمع في إنسان. ولعل اتضاع العذراء يتجلّى في تسبحتها لله على نعمته واختياره لها، بأن نسبت كل الفضل لله: «صَنَعَ قوَّةً بذِراعِهِ. شَتَّتَ المُستَكبِرينَ بفِكرِ قُلوبهِمْ. أنزَلَ الأعِزّاءَ عن الكَراسيِّ ورَفَعَ المُتَّضِعينَ. أشبَعَ الجياعَ خَيراتٍ وصَرَفَ الأغنياءَ فارِغينَ. عَضَدَ إسرائيلَ فتاهُ ليَذكُرَ رَحمَةً، كما كلَّمَ آباءَنا» (لو1: 51-55).3) ما ورد في (إش19: 1) عن قصة مجيء العذراء لمصر مع طفلها والقديس يوسف: «هوذا الرَّبُّ راكِبٌ علَى سحابَةٍ سريعَةٍ وقادِمٌ إلَى مِصرَ، فترتَجِفُ أوثانُ مِصرَ مِنْ وجهِهِ، ويَذوبُ قَلبُ مِصرَ داخِلها»، ووصف العذراء بسحابة يدل على السمو والارتفاع الذي نالته العذراء بتجسد ابن الله الكلمة منها، لذلك صارت شفيعة أمينة للجنس البشري كأم حنونة تشعر باحتياجات أبنائها، ويرى كثير من الآباء أن العذراء حين سمعت من السيد المسيح عند الصليب أن يوحنا ابنها «هوذا ابنكِ»، وأكّد أنها أمه «هوذا أمك» (يو19: 26-27)، وبعدها أخذها يوحنا إلى خاصته بمعنى أنه صار يهتم بها كابن لها حسب تكليف السيد المسيح له، وببنوته للعذراء كان الإعلان بأنها أم لجميع المؤمنين، لذلك نثق في شفاعتها وصلواتها كأم حنون تشعر بآلام أولادها، ونترنم لها ونقول "أنتِ الشفيع الأكرم عند ابنكِ يا مريم"، وتعبير الشفيع الأكرم تعني الأقرب والأقوى لنا، لأنها الأقوى في الدالة وقوة التأثير، وتشعر بنا بقوة، لذلك نطلب شفاعتها وطلباتها لأجلنا لمكانتها العظيمة وقربها من قلب الله المحب. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
31 يوليو 2022

المسيح هو الحياه في مواجهة الموت ووراثة الخطية

تحدثنا الكنيسة في هذة الفترة عن عمل ربنا يسوع المسيح داخل الكنيسة، وعمل الكنيسة في وسط العالم، وعن قوة الحياة التي بدأت حينما تجسد ربنا يسوع المسيح، وصار علي الأرض، الإله الذي هو خالق كل شئ، اراد أن يدخل إلي ضعفنا وطبيعتنا وصورتنا، ليكون مشاركاً لنا. هذا الحال الذي هو السجن، والذي صرنا فيه من بعد السقوط والخطية المسيح هو الحياة "أنا هو القيامة والحياة"، والإله الصانع كل شئ هو عمق الحياة، فحينما يوجد الإله توجد الحياة، وخارج الوجود الإلهي موت، فلذلك الخطية هي موت، لأنها رفض الوجود والحياة مع الله، الخطية هي عمل دخيل علي الطبيعة الإنسانية، لأنه حينما خلق الله الإنسان، خلقة يحمل شبهه ومثاله، الشبه هو الحياة. الوجود الإلهي ضد كل ما هو موت تحمل الكنيسة سلطان الحياة من وجود المسيح فيها، فحينما يوجد المسيح لا يوجد موت، بل تتحول كل صور الموت إلي صور حياة حينما يحل الروح القدس علي مياة المعمودية، تتحول المياة من مجرد أمور مادية زائلة، إلي إمكانية وجود حياة، فنولد من جديد. وحينما يحل المسيح بذاته علي المذبح، ويتخذ المادة التي علي المذبح بصورة جديدة، تتحول تلك المادة من مجرد ترابيات، إلي المسيح الذي يعطي الحياة، فتكون الأفخارستيا والتناول هو الحياة. آتي المسيح لكي يواجه الموت وجهاً لوجه "معجزة إقامة لعازر" مواجهة الموت لم تكن فقط في القبر، لأنه ليس كل الأموات مدفونين في القبور، هناك أموات مدفونه في الصدور والقلوب، وفي الأفكار، هناك أموات تحمل أكفاناً مزركشة، وملامح قد يراها الآخرين أنها جميلة، ولكنها تخفي الموت. جاء المسيح لكي يغير تلك الصورة، ويعطي للحياة إمكانية الوجود والصمود أمام الموت الذي في داخلنا وينهشنا.كان الموت فينا، وفي كل من يولد "بالخطية ولدتني أمي" والخطية هو صورة الموت، لأننا نولد ونحن نحمل صورة الموت. ولذلك الكنيسة في طقوسها، تري أن المرأة التي تحمل دم سواء جنين، إنه دم يحمل موت، وتقول للأم: "فلتطهر من نجاساتها" لم تقصد الكنيسة هنا نجاساتها الشخصية، أو صورة خطية، أو النجاسة بمعني النجاسة الفعلية، ولكنها هنا هي دم الإنسان الذي يولد، وهو يحمل صورة الموت ففي العهد القديم ذكر الله هذة الفكرة يقول "تصير نجسة سبعة أيام، ثم تطهر من نجاساتها"، تكلم عن المرأة التي في داخلها هذا الدم، الذي هو بداية فكرة تكوين الإنسان في رحمها وفي احشائها، يقول عنها أنها نجاسة وهؤلاء الأشخاص الذين لا يفهموا غير الأمور السطحية ويقولوا: وهل الله يخلق نجاسة؟ يقصد الله بالنجاسة هي ميراث الخطية نفسها. الدم هنا يحمل ميراث الخطية؟ رو13:5 "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلي العالم، وبالخطية الموت، وهكذا إجتاز الموت إلي جميع الناس، إذ أخطأ الجميع"الترجمة العربي ضعيفة، بينما الترجمة اليوناني مع الأصل القبطي متطابقة جداً وتقول: "وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس، إذ جميعهم أخطأوا فيه "في آدم" وبمعني آخر "بسبب الذي فيه "آدم" اخطأوا الجميع".الذي فيه "إنختف" باللغة القبطية (في كيانه)، أخطأ الجميع. ففي عقيدتنا نحن نولد ونحن نرث خطيئة، نحن جميعنا طبيعة أخطأت. هرطقة البيلاجية التي ظهرت في إنجلترا بداية القرن الخامس ترفض تماماً ميراث الخطية، و نتيجة الحوار بين القديس أغسطينوس، والقديس جيروم والأباء في هذة الفترة، والمجامع التي حرمت هذة الهرطقة، صار ما يُسمي "نصف بيلايجة" ينادوا بأنهم لم يرثوا خطية آدم، ولكن ورثنا نتيجة الخطية.بيينما إيمان الكنيسة وتعليمها أننا ورثنا الخطية، يقول البابا أثناسيوس"لم يكن مستطاعاً لأحد أن يرد البشر عن الفساد الذي حدث، غير كلمة الله الذي خلقهم منذ البدء،فهو وحده الذي يليق بطبيعتة ان يجدد خلقة كل شئ".إيماننا أننا نولد ونحن نرث الخطية، فقد ورثنا حالة كاملة، خطية بنتائجها، فلا يمكن أن أرث النتيجة دون أن أرث الطبيعة الخاطئة، نحن نولد وقد ورثنا طبيعة أخطأت في آدم، لم يكن آدم وحواء أفراد، ولكنهم طبيعتنا الأولي.لذلك تجسد المسيح ليحمل طبيعتنا، ويحمل هذة الصورة، ولأنه هو الحياة، لم يكن ممكناً ابداً للموت أن يغلبه، لأنه مصدر الحياة. "فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس"رو 17:5 "الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح""صارت الهبة إلي جميع الناس لتبرير الحياة" هو جاء ليقف أمام الموت في داخلنا، نحن نحمل طبييعة مائتة لأننا نحمل طبيعة خاطئة وساقطة، أما هو فقد جاء لكي يضخ في هذا الخاطئ الذي هو أنا، سواء بطبيعتي الأولي فأعطاني الفداء والمعمودية، أو بسواء بخطيئتي المتجددة عن ضعف، فيأتي ويقف أمام الموت الذي في داخلي، ويدخلني إلي شركة الكنيسة، فأدخل في شركة الحياة بالأفخارستيا.رو 23:6 "لأن أجرة الخطية موت، أما هبة الله فهي حياة أبدية".1كو53:13 "لأن هذا الفاسد يلبس عدم فساد، هذا المائت يلبس عدم موت".هذا الفاسد والمائت هو أنا، وهذا الذي نحمله في داخلنا يبتلع موتنا هو المسيح نفسه. رو 9:5 " ونحن متبررون الآن بدمه، نخلص من الغضب".كل من يحتمي فيه، ويتحد به، يخلص من الغضب.كو13:1 "الذي أنقذنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلي ملكوت إبن محبته" عب 15:9 " لأجل هذا هو وسيط عهد جديد، لكي يكون المدعون ( بمعني إكلسيا أو كنيسة) إذ صار موت لفداء التعديات الذي في العهد الأول، يناولوا وعد الميراث الأبدي. 1بط 24:2 "الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده علي الخشبة، لكي نموت عن الخطايا فنحيا في البر".إذاً الموت في داخلنا يعمل في كل أمور حياتنا، فالذي يحيا بدون المسيح، يحيا في الموت، وتنتهي حياته إلي لا شئ، أما الذي في المسيح، تتغير الحياة. هذا المائت الذي ولد بطبيعة مائتة، يمكنه أن يصير قديساً "نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا قديسين". يقول القديس كيرلس الكبير:"كان يلزم لأجل خلاصنا أن كلمة الله يصير إنساناً، لكي يجعل جسد الإنسان الذي تعرض للفساد، خاصاً له لكونه هو الحياة، ليبطل الفساد الذي فينا".من يريد الحياة، فليأخذ المسيح.كان الأنبا أنطونيوس يقول لأولادة: "تنسموا المسيح دوماً".هكذا عاش القديسيون، وهكذا تحول الموت الذي كان هو حالة رعب وبكاء دائم إلي فرح أبدي. نحن ننظر إلي الموت الآن، أنه المعبر إلي الحياة الأبدية، فلم يعد الموت شر، ولا حالة العدم التي يخاف منها المريض، ولا الذي يدخل يعاني من الشيخوخة، ويظن أن أيامه أنتهت، بل أيامه ستبدأ حينما يدخل في الحياة الأبدية. يقول القديس أغسطينوس: "إني أشتهي الموت لكي آراك".ويقول الأنبا أنطونيوس: "الموت يحررنا من الأمراض التي نخضع لها في هذة الحياة".لم يقصد أمراض الجسد، ولكن أمراض الخطية. يقول ذهبي الفم: "هذا هو حال القيامة، إنه مات لكي لا نموت".يقول الشهيد كبريانوس: "بالموت نترك الأتعاب المؤلمة، ونتخلص من أنياب الشياطين السامة، نذهب إلي دعوة المسيح، نحن متهللون بالخلاص الأبدي".لم يعد الموت هو هذة الأمور التي نرتعب منها، بل صار الموت هو طاقة النور التي ننتظرها لنعيش فيها، صار الموت هو الجسر الذهبي الذي يعبر بنا من أرض متعبة مزعجة، وأمور كلها تدخلنا في صراعات والآلام إلي الراحة الأبدية، إلي الوجود مع المسيح "لا يكون موت بعد، ولا بكاء، ولا ألم، ويمسح الله كل دمعة من عينونكم".نحن ننتظر أن نعبر لأننا نؤمن بأن المسيح قد أعطانا حياة أبدية.لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين. القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
30 يوليو 2022

معنى وقيمة لحياتك

ونحن نسير فى برية هذا العالم لابد ان يكون لحياتنا أهداف نسعى لتحقيقها والوصول اليها والإ تصبح حياتنا بلا قيمة ولا معنى ، ونعانى مشاعر الأحباط والقلق والحزن ، ونسير فى الحياة من كريشة فى مهب الريح حائرة لا تستقر على حال من القلق ، ان الكثيرين ممن نقابلهم يحتاجون للمساعدة فى أكتشاف المعنى والقيمة من حياتهم ، اننا فى المسيح يسوع مخلوقين لاعمال صالحة سبق الله فاعدها لنسلك فيها ، ولهذا قال القديس بولس الرسول { أسعى نحو الغرض لأجعل جعالة دعوة الله العليا} (فيلبي3: 14) اننا لابد ان نعرف لماذا نوجد وما هى رسالتنا فى الحياة وماذا يحدث بعد الأنتقال الى السماء . كثير من سكان هذا كوكبنا لهم أهداف مادية متعددة والكل يبحث عن السعادة وتحقيق الذات سوا في جمع المال او نيل الرغبات او الوصول الي سلطة اومنصب وكلها اهداف مرحلية ستنتهي حتي بعد حين بانتهاء حياتنا علي الارض . والمؤمن الحكيم يجعل الأولوية لتحقيق الأهداف الروحية، على مثال القديسين الحكماء والعارفين بالهدف السليم والروحي والاول في حياتنا وهو ان نحب الله من كل القلب والفكر والنفس ونربط انفسنا بالله ، فعشرتنا مع الله تنمو وتذداد الي ان نصل الي السماء حيث نوجد معة كل حين ونفرح بوجودنا معة الي الابد ومع محبتنا لله يجب علينا ان ننمو فى محبة الإخرين ونحب أنفسنا أيضا محبة سليمة تقودها الى الخلاص والنمو والوصول الى الإبدية السعيدة . لقد اوجد الانسان الكثير من الوسائل التى تساعده للوصول الى أهدافه ، والحاجة أم الإختراع كما يقولون ، فمن أجل الوصول من مكان الى أخر أوجد كل وسائل الانتقال من الباخرة الى القطار ثم السيارة وحتى الطائرة ومن أجل سهولة الاتصال والتواصل أكتشف التلغراف والتليفون والمحمول والنت وكل وسائل الاعلام ، وهكذا أوجدنا كل الأختراعات من أجل تحقيق اهداف سامية والتى قد ينحرف بها الانسان عن هدفها الاصلى الى أهداف باطله او حتى سيئة، ولهذا يجب علينا ان نتسأل ما هو الهدف من وجودنا وهل أنحرفنا عن هذا الهدف لنصحح طرقنا ونعدل من درجة أنحراف البوصلة لنصل الى بر الأمان والأيمان . الأنسان ورسالته السامية ... جاء السيد المسيح له المجد ،كلمة الله المتجسد ، لكى يتمم خلاصنا ويعلن لنا محبة الأب السماوى ويقترب لنا بالمحبة والتواضع لنقترب الية ونتعلم منه { فقال لهم يسوع ايضا سلام لكم كما ارسلني الاب ارسلكم انا } (يو 20 : 21) نعم { انكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي لا في الواح حجرية بل في الواح قلب لحمية} (2كو 3 : 3). ولاننا غرباء على الارض ووطننا الحقيقى هو السماء فنحن سفراء لله وللسماء على الارض { اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله} (2كو 5 : 20) . والسفير توفده بلده ليمثلها فى البلد المضيف ويحمل قيمها ولغتها ويعمل على أعلاء مبادئها وتمثيلها التمثيل اللائق والمشرف ، فهل نحن كذلك ؟ ملح الارض ونور العالم ... يلخص السيد المسيح له المجد رسالة المسيحى على الارض فى العظة على الجبل بقوله { انتم ملح الارض و لكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا و يداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. و لا يوقدون سراجا و يضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة و يمجدوا اباكم الذي في السماوات} مت 5:13-16نعم الملح يعطى مذاقة للطعام ونحن نعطى مذاقة روحية لمجتمعنا والملح رخيص الثمن والمسيحى يجب ان يكون متواضعا وهو ضرورة فى مجتمعه رغم تواضعه والملح يحفظ الطعام من الفساد وهكذا المسيحى الحق يحفظ مجتمعه من الفساد ويبكته على خطاياه ، وهكذا راينا الله يرحم العالم لوجود قلة صالحة فيه ولكن لنحترس لأنفسنا لئلا نفسد ونطرح خارجاً ونداس من الناس. اننا نكون نورا للعالم عندما نقترب من النور الحقيقى ، شمس برنا ونكون حباً للأخرين عندما نثبت فى محبة الله ونعلن محبته لكل أحد والنور ضرورى للسائرين فى ظلمة هذا العالم يعطى قدوة ويهدى الضالين لا بالكلام واللسان بل بالعمل والحق { كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الايمان في الطهارة }(1تي 4 : 12). علينا ان نثمر ثمراً صالحا نبنى به أنفسنا ومجتمعنا واقربائنا وأنفسنا .ولكل منا وزنات معطاه له وقدرات وطاقات يجب ان يتاجر بها ويربح ليقدم ثمر الروح والإيمان العامل بالمحبة . ليكون لحياتنا معنى ... علينا اذا على المستوى الشخصى ان ننمى أنفسنا وان نتعلم كيف نكون سفراء صالحين للسماء نعلن محبة الله للبشرية الخاطئة وان نكون نوراً فى العالم وملحاً يعطى مذاقة وسعادة لمن حوله فكل منا يمكنه ان يكون محباً للإخرين فالمحبة لا تسقط أبداً ، علينا ان نسعى للنجاح ونجاهد بامانة لكى نؤدى عملنا باخلاص وننمو فى النعمة والقامة والحكمة وان نسعى فى أثر السلام والصلح والفضيلة مما يعطى لحياتنا هدف ومعنى ، علينا ان نحافظ على حياتنا ومن حولنا وان نمد يد العون للمحتاج ونشجع صغار النفوس و هكذا سنكون سعداء ونجد من يقدرنا ويسعى لخيرنا ويكون لحياتنا معنى وقيمة كما ان تبنينا لقضايا أسرتنا وكنيستنا ومجتمعنا وأوطاننا والسعى الى تحقيقها وتبنى قيم الحرية والمساواة والديمقراطية ومساعدة الفقراء والمحتاجين واى أهداف سامية فى الحياة تجعل للحياة هدف نناضل للوصول اليه مع بقاء الهدف الروحى الثابت ان نفعل مرضاة الله ووصاياه يهبنا سلاما وفرحاً داخلياً يشعرنا باهميتنا داخل نطاق الاسرة والكنيسة والمجتمع . كان هدف دانيال وأصحابة أن يعيشوا – مع الله – رغم فساد البيئة الوثنية في القصر البابلي (دا 8:1)وكذلك مارست أستير الصوم في القصر، حتى تدخل الله فى الأمور وانقذها الله وشعبها من ظلم الاشرار. وقال القديس بولس الرسول لكنيسة فيلبي:{"ليس أني قد نلت (الهدف) أو صرت كاملاً، ولكني أسعى لعلي أدرك ... وإنني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا انسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض}(في3: 13-14). وهذا هو المثال الجيد لكل مؤمن. ووضع القديس أرسانيوس هدفه الروحي أمامه، وقال: "تأمل يا أرسانيوس فيما خرجت من أجله" (خلاص نفسه). وأعلن البشير لوقا أن الرب يسوع "ثبت وجهه إلى أورشليم" (نحو الصليب) (لو9: 51)، أي لتحقيق هدف مجيئة الأساسي للعالم. الشيطان دائماً يوجه نظر الإنسان إلى الإنشغال الدائم بمحبة الذات والشهوات، وأمور العالم التي تعوقه عن السير في طريق خلاصه فهو يلهينا باي شي الا أمر خلاصنا وحياتنا الابدية الانسان يتلهي وينشغل بامور كثيرة ولكن الحاجة الي واحد . لقد صار هدف الكثيرين الآن هو البحث عن لذة الطعام والشراب، ولذة الحواس، وجمع المال او المناصب ولا يفكرون في أهم هدف، وهو كيفية الإستعداد لمغادرة هذا العالم الفاني. ويقول قداسة البابا شنودة: "إن كان هدفك هو الله فسينحصر كل اهتمامك بالله وملكوته و كنيسته و انجيله و خدمة أولاده .... إلخ، ومسكين من ينحرف عن هدف خلاص نفسه، ويستمع لضلال الشيطان وحيله. فلنحاسب أنفسنا ونسأل أنفسنا ما هو هدفي من حياتي؟ وهل أسير في طريق تحقيق الهدف الأسمى وهو "ربح ملكوت الله" أم ربح الأرضيات فقط، أم نفعل هذه ولا نترك تلك . لنبحث فى حياة العظماء ورجال الله القديسين الذين كانت لهم أهداف روحية عظيمة، وصبروا حتى تحققت رغم ما لاقوه من صعاب وتجارب من أجل تحقيق هدفهم مثل يوسف الصديق و دانيال النبى والقديس الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا والقديسين والشهداء والمعترفين فما اصعب أن نركز هدفنا على أمور عالمية زائلة وباطلة وفانية، لا توصلنا إلى السعادة الأبدية، ولا حتى إلى الراحة الوقتية في الدنيا. نحتاج ان نتعلم من الله .. تعبنا في الطريق بدونك ايها الاب الحاني والصديق . نبحث عن السعادة ولا نجدها ، نبحث عن الحب فنجده سراب . نرجو ان نكون شيئاً فلا نجد الا التعب وعدم التقدير . لاننا نبحث عن السعادة بعيداً عنك، لاننا نبحث عن الامتلاك من دونك، لاننا نبحث عن الحب في عالم ملئ بالشهوات. ربي علمنا ان نبحث عنك فنجدك . علمنا ان نحبك فانت قريب منا ، داخلي وانا ابحث عنك بعيداً بعيد. دعني اكتشفك داخلي ايها الحب المطلق فاجد الكنز السماوي. لتكن انت هدفي واكون سفيرك علي الارض . لاحيا لا انا بل انت تحيا في . أمين القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
29 يوليو 2022

التطبيقات العملية للحياة الروحية

۱- مداومة الصلاة القلبية بحب : كلمـة مداومـة تعني الاستمرار ، وكـمـا يقـول الكتاب : " ينبغي أن يصلى كل حين ولا يمل " ( لو ١٨ : ١ ) ... فصـلواتنا هـي العلاقة الشخصية التي تربطنـا بالله ... وأجمل تعريف للصلاة ، قاله معلمنا داود النبي : " جعلت الرب أمامي في كل حين ، لأنّه عن يميني فلا أتزعزع " ( مز 16 : 8 ) . ففي كل مرة ترفع قلبك إلى الله للصـلاة ، تزداد اشتياقاً وكأنـك بصـلاتك ترتفع درجة إلى السماء . الصلاة الحقيقية يا عزيزي هي الصلاة القلبية المملوءة حباً ... فلا يقـدس أوقاتنا وأعمارنا إلا الصلاة ، ولتسأل نفسك دوماً : ما هي قامتك الروحية ؟ وما هي صلواتك ؟ وما هو قانونك مع أب اعترافك ؟ وهذا هو التطبيق العملي الأول مداومة الصلاة القلبية بحب والثاني ممارسة الأسرار الكنسية بوعي . ٢- ممارسة الأسرار الكنسية بوعي :- إن أكثر الأسرار الكنسية التي تمارسها باستمرار : سـر الاعتـراف وسـر التناول . وهذه الأسرار ما هي إلا قنـوات للنعمة ، والكتـاب يـذكرنا في المزمـور الأول " فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه " ( مز 1 : 3 ) . والمقصود " بمجاري المياه " هي قنوات النعمة ، فجلسة الاعتراف ، ما هـي إلا قناة للنعمة . لذا يجب أن أكون بوعي فيها . أذكـر خطيتـي بقلـب تائب أمام الله في حضور الأب الكاهن ، وأقـيـم وعـداً جديداً في حياتي الروحيـة مـع الله ولسان حالي يقول " تعهدات فمي باركها يارب " ( مز ۱۱۹ ) . أما أثناء القداس أشعر وكأنني في السماء ، وبالتالي يرتفع قلبي وفكري نحو الله خلال مردات وألحان القداس الإلهي . وقد يقول أحـد إنـنـي أحضـر القـداس ، وأمـارس سـر الاعتراف ، لكننـي لا أستفيد شيئاً ! السبب في ذلك يا صديقي ، هو غياب الوعي القلبي لديك ، ويمكن تشبيه ذلك بشخص يتكلم مع آخر وهذا الآخر غير منتبه إلى حديثه ، لأنه مشغول بقراءة شيء أمامه مثلاً فكيف له أن يدرك قـول ومشـاعر محدثه ؟! وعـلى النقيض هناك آخـر ينصت ويستمع بمنتهى التركيز ، وهـذا الإنصات يسمى إنصات تفاعلي ، فيدرك الرسالة الموجهة إليه بل ويتفاعل معها . وعلى هذا الأساس اسأل نفسك : كيف تحضر القداس الإلهي ؟ هل عقلك مشغول بأمور أخرى ، أو يجذبه العالم باهتماماته ومشاكله وبالتالي يكـون جسدك في القداس ، أما عقلك وقلبك في مكان آخر ! ٣- معايشة كلمة الكتاب بانتظام :- أود أن أطرح عليك هنا سؤالاً : هل تقرأ الإنجيل بانتظام يومياً ؟ هل تدرس الكتاب المقدس كل يوم ؟ أم أنك تقرأ وتدرس وتتأمل ؟ فقراءة الكتاب المقدس درجة روحية ، يعلوها دراسة كلمة الله ... أمـا مـا هو أسمى فهو الدراسة والتأمل والحياة بكلمة الله بشكل عملي . إذا لم يقم الإنسان بكل هذا ، كيف يقول عن نفسـه أنـه يحيـا بالإنجيـل ؟! وكيف يكون الإنجيل بالنسبة له " روح وحياة ؟! " . دعنا نتأمل سوياً في هذه القصة لتدرك مفهـوم الحياة بالإنجيـل بشكل أعمق أصيب رجل في أحد أحياء مدينة تكساس بأمريكا في انفجار ، فقـد فيـه يديه ، كما أصيب وجهه بجراحات خطيرة . فقد الرجل عينيه ، فلـم يعـد قـادراً على القراءة . ووسط مرارة نفسه اشتاق أن يقرأ الكتاب المقدس ، فبدأ يسأل : " كيف يمكنني قراءة الكتاب المقدس ، وقـد فقـدتُ عينـي ويـدي ؟! " . قيـل لـه " توجد سيدة في انجلتـرا تستمتع بقراءة الكتاب المقدس بواسطة شفتيها ، إذ تستخدمها بدلاً من الأصابع لتقرأ الكتاب المقدس بطريقة برايل Braille method بالحروف البارزة " . أرسل إلى الهيئة المختصة لكي ترسـل لـه الكتاب المقدس البارز ليتعلم القراءة بشفتيه . لكن قبل أن يصل إليه الكتاب المقدس اكتشف أن أعصـاب شفتيه قد تحطمت تماماً . إذ وصله الكتاب المقدس المكتوب بحروف بارزة بـدأ يتعلم القراءة بلمس الكتابة بلسانه ! وكان يجد عذوبة في قراءته .. وفي تعليـق له يقول : " لقد قرأت الكتاب المقدس أربع مرات ... وقرأت بعض الأسفار مرات ومرات . " وهكذا .. تحولت ضيقة هذا الإنسان إلى خبـرة التمتع بكلمـة اللـه التي تهب النفس عذوبة وتعزية . ... " إن هذا الإنسان يديننا ... لأنه تعلم أن يقرأ الكتاب المقدس بلسانه بعـد أن فقد يديه وعينيه وأعصاب شفتيه . أي عذر لنا ؟! نتحجج بحجج واهية ... إنه لا يوجد وقت !! ويشغلنا إبليس بالعالم واهتماماته ومسئولياته ... فما أكثر الذين يعتذرون عن عدم القراءة في الكتاب المقدس بأنه ليس لديهم وقت !! بينما يجدون وقتاً للتسلية والمقابلات العديدة . والحقيقة أن ليس لديهم رغبة !! يا حبيبي ومخلصـي .. هب لي أن أختبـر عذوبة كلمتك ، لأقرأهـا بـكـل كياني ! لأختبـر قـوة كلمتـك فأحيـا بهـا وأتمتع بمواعيـدك .. بهـا أنطلـق إلى الأحضان الأبوية الإلهية .. بها أنعم بالمجد الأبدي . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
28 يوليو 2022

شخصيات الكتاب المقدس عوبديا

عوبديا " وإن كان عشك موضوعا بين النجوم فمن هناك احدرك يقول الرب "" عو 4 " مقدمة لا يكاد المرء يعلم شيئاً عن عوبديا النبى، سوى أنه « عابد الرب » أو « خادم الرب » على ما يفهم من معنى اسمه فى اللغة العبرانية، فهو الإنسان الذى يعبد الرب أو يخدمه، وسفره أصغر سفر فى العهد القديم، على أن نبوته كانت - كما هو واضح - عن أدوم، وتقع أرض أدوم شرقى البحر الميت على طول مائة ميل، وعرض عشرين ميلا من أقصى جنوب البحر حتى خليج العقبة، والأرض غير مستوية وجبلية، ممتلئة بالشعاب والمسالك الوعرة، فهى تشبه إلى حد كبير حياة من سكنوها من أبناء أدوم، وأدوم هو عيسو، وقد كان أخا يعقوب، وكما تزاحما فى بطن أمهما، هكذا تزاحم نسلاهما وتصارعا، وقد كان أبناء أدوم كأبيهم، أدنى إلى الوحشية وأقرب، وكانوا شوكة فى جنب الإسرائيليين، وقد ضايقوهم فى عصور متعددة، وانتهزوا فرص هجمات الآخرين عليهم، وتعاونوا على مضايقتهم،... ولذلك رأى عوبديا رؤياه التى كشفها الرب له ضد الأدوميين، ومن خلال رؤياه ستعرف - ما أمكن - على طبيعته، ورسالته، وما من شك بأنه، وهو يندد بشر الأدوميين وصفاتهم القبيحة، كان يكشف فى الوقت نفسه، عن خبيئة نفسه، وكراهيته للخطايا التى يندد بها ولعلنا نستطيع بذلك أن نتابعه فيما يلى:- عوبديا ومحاجئ الصخر كان أدوم يعيش بين محاجئ الصخور، وقد بنى بيوتاً منحوته فى الصخر، ولعله وهو يبنى هذه البيوت، كان يهنئ عبقريته التى تلوذ بالحصون التى لا يمكن اقتحامها،... كان أدوم شديد الاعتداد بعقله وذكائه وحكمته، شأنه فى ذلك شأن كل إنسان لا يعلم أن العقل البشرى، مهما وصل فإنه أحمق وضعيف، إذا لم يأخذ حكمته من اللّه،... وكان عوبديا كعبد أو خادم للّه، يرجع فى كل ما يعمل، إلى الحكمة السماوية النازلة من السماء!... فى أيام الثورة الفرنسية عندما أرادوا أن يلغوا الدين والعبادة، أقاموا معبوداً دعوه « العقل البشرى »... وكانوا يقولون إن العقل هو الإله الذى ينبغى أن نعبده،... والعقل البشرى يحاول اليوم وهو يغزو الفضاء، أن يصنع عشه هناك بين النجوم، إلى الدرجة التى قال فيها « جاجارين » الروسى، وهو يسبح فى الفضاء، إنه بحث عن اللّه هناك ولكنه لم يره،... وهيهات له ولأمثاله أن يروا اللّه، لا لأن اللّه غير موجود، فهو يملأ كل مكان، بل لأنه هو أعمى لا يستطيع أن يبصر أو على حد قول الرسول بولس: « إذ معرفة اللّه ظاهرة فيهم لأن اللّه أظهرها لهم لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولا هوته حتى أنهم بلا عذر. لأنهم لما عرفوا اللّه لم ليمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا فى أفكارهم وأظلم قلبهم الغبى » " رو 1: 19 - 21 ".. وكما قضى اللّه على جا جارين، سيقضى على كل متحصن وراء عقله ليقول له: « وإن كان عشك موضوعاً بين النجوم فمن هناك أحدرك »... ومن المعلوم أن أدوم كان يتحصن وراء شئ آخر، ثروته المنيعة، والمحفوظة بكيفية يستحيل على المقتحم أو المهاجم أن يصل إليها، وهو فى محاجئ الصخر، وما أكثر الذين يفعلون اليوم فعل أدوم، من أمم وجماعات وأفراد، إذ يتحصنون وراء الثروات الخرافية التى يظنون أنها تحميهم من كدارات الحياة، أو هجمات الأيام والأزمان، وهم يجلسون على تلال من ذهب، لم تعد تكفيهم الألوف أو الملايين، بل دخلوا فيما يطلق عليه البلايين والمليارات!!.. لقد بنوا أعشاشهم فوق الريح كما يقال، ووزعوا أموالهم كاليهود فى سائر أرجاء الأرض،... ولكن كلمة عوبديا تلاحقهم فى كل زمان ومكان: « وإن كان عشك موضوعاً بين النجوم فمن هناك أحدرك يقول الرب »... على أن محاجئ الصخر كانت عند أدوم شيئاً آخر، إذ كانت تمثل القوة،... فبلاده لا يسهل اقتحامها، على أنه من المثير والغريب فى تاريخ الجنس البشرى أن القوة المادية أو العسكرية، والتى يبنيها الإنسان لحمايته والدفاع عنه، تتحول آخر الأمر إلى وحش غير مروض، ويكون صاحبها فى كثير من الأوقات أول ضحاياها، ولعله مما يدعو إلى العجب، أن أقوى دولتين فى العالم الآن، وهما الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية وما تملكان من قنابل ذرية وهيدروجينيه، هما أكثر الدول رعباً وخوفاً من الحرب، ومن قوتها المدمرة،... ومهما تحصن الإنسان، ووصل إلى النجوم ليجعلها مراكز غزو فى الفضاء، فإن كلمة عوبديا النبى تلحقه هناك: « وإن كان عشك موضوعاً بين النجوم فمن هناك أحدرك يقول الرب ».. عوبديا وشر أدوم كان الشر القاسى لأدوم، أنه عاش بلا إله، فهذا هو الذى وضع فاصلا بينه وبين أخيه يعقوب،... وقد ورث أبناؤه عنه هذه السمة، فتحولوا عن اللّه، واستقلوا، وعاشوا بلا إله فى العالم، وبنوا عظمتهم على أساس الاستقلال عن اللّه، وعندما يبنى الإنسان عشه بعيداً عن اللّه، فإنه يبنى الكارثة لنفسه مهما كانت عظمته بين الناس!!... ولعل دراسة التاريخ فى ذلك خير شاهد على الحقيقة،... لقد حاول الشيطان أن يبنى عظمته على أساس الاستقلال عن اللّه: « والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم، حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام » " يهوذا 6 " وسقط آدم وحواء فى نفس التجربة إذ أرادا أن يكونا مثل اللّه، فطردا من جنة عدن، ليسجل التاريخ مأساة البشر الكبرى فى كل العصور،... لقد خدعتهما الحية بالاستقلال عن اللّه،... ورفض المسيح التجربة عندما حاول الشيطان أن يجربه بالاستقلال:... إن خررت وسجدت لى أعطيك!!.. عندما خرج قايين من حضرة اللّه، إلى أرض نود أو أرض البعد، خرج إلى التيه والضياع، والعذاب، الذى لاحقه الحياة كلها!!.. كانت مأساة الابن الضال القاسية، هى بعده عن بيته، ولم يتذوق الراحة، حتى عاد إلى بيت أبيه، بل ما يحمل البيت من حياة وهدوء وسلام وأمن وراحة، وتعلم ألا يستقل عن أبيه البتة!!.. وكان أدوم آثما إلى جانب ذلك بالكبرياء التى ملأت قلبه، كان الأدومى عملاقا فى الجسد، متحصناً وراء ما سبقت الإشارة إليه سواء فى الذهن أو الثروة أو القوة، ومن ثم ذكر عوبديا « تكبر قلبك » أو خطية الكبرياء والتى لحقت بالكثيرين ممن حاولوا أن يبنوا عشهم بين النجوم. وهل ننسى وصف إشعياء فى الأصحاح الرابع عشر وهو يهجو ملك بابل: « كيف باد الظالم بادت المتغطرسة... الهادية من أسفل مهتزة لك لاستقبال قدومك منهضة لك الأخيلة جميع عظماء الأرض. أقامت كل ملوك الأمم عن كراسيم كلهم يجيبون ويقولون لك أ أنت أيضاً قد ضعفت نظيرنا وصرت مثلنا. أهبط إلى الهاوية فخرك رنة أعوادك تحتك تفرش الرمة وغطاؤك الدود كيف سقطت من السماء يازهرة بنت الصبح؟ كيف قطعت إلى الأرض ياقاهر الأمم. وأنت قلت فى قلبك أصعد إلى السموات أرفع كرسى فوق كواكب اللّه وأجلس على جبل الاجتماع فى أقاصى الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلى. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب. الذين يرونك يتطلعون إليك يتأملون فيك. أهذا هو الرجل الذى زلزل الأرض وزعزع الممالك؟ » " إش 14: 4 - 16 " وما أكثر الذين جاءوا بعد ملك بابل لينالوا المصير نفسه، نابليون بونابارت، وهتلر، وموسولينى وأمثالهم كل هؤلاء الذين بنوا عشهم، بين النجوم، ومن هناك أحدرهم اللّه القادر على كل شئ!!.. وكان أدوم أيضاً مصاباً بنعرة الجنس، ولم يعد يبالى بأخيه يعقوب، بل يناصبه العداء، وقد فقد كل عواطف الأخوة،... وما يزال العالم إلى اليوم يعانى، أقسى المعاناة من التعصب الجنسى،... كان سسل رودس يقول عن الشعب البريطانى إنه أعظم شعب فى العالم، وها نحن إلى اليوم نرى المشكلة الروديسية بين البيض والسود، وكأنما يلوم البيض اللّه لأنه خلق أجناساً سوداء اللون،... كان فوليتر يقول: سيأتى الوقت الذى يقال مدحاً فى الآخرين: هذا فرنسى المذاق.. وقال أحد السياسيين الأمريكيين: إن اللّه لم يصنع شيئاً أو أحداً يساوى الأمريكيين، ولا أظن أنه سيصنع!!.. وهل هناك حماقات تؤذى البشر أكثر من هذه الحماقات!!؟. وقد تمكنت من أدوم عاطفة من أقبح العواطف وأثرها فى الإنسان، وهى عاطفة الشماتة فضلا عن أنها عاطفة بغيضة جداً فى نظر اللّه إذ هى تيار أسود ملئ بالحقد والضغينة وعدم المروءة، فهى أمر غير إنسانى وقبيح، فمن سوء الأخلاق وضعتها وانحطاط النفس، أن نقف من تعاسات الآخرين وعجزهم وضعفهم موقف المتشفى المبتهج بهذا العجز والألم والتعاسة والضيق!. ولم يقف أدوم عند حدود الشماتة، بل تعدى الأمر إلى الظلم متمشيا مع التعبير الشعبى القائل: عندما تقع البقرة تكثر السكاكين،... وعندما حدثت المأساة لشعب اللّه، فرح أدوم، واتهمهم بكل نقيصة وشر، ووسع دائرة الاتهام، وألصق بهم مالم يفعلوه، وحملهم النتائج القاسية التى وصلوا إليها.. مع أن الخصم النبيل ولا نقول الأخ،... هو الذى لا يضرب إنساناً ساقطاً أمامه!!.. ولا يجهز على بائس مسكين يترنح من الضربات التى تكال له!!.. لكن أدوم أكمل شره بالقساوة الباغية، فقد تربص للضعفاء الهاربين من الغزو على مفارق الطرق ليقضى على المنفلتين، وهم فى عمق بؤسهم وضيقتهم، بشدة ولؤم وخسة!!.. عوبديا وخداع أدوم سقط أدوم فريسة الخداع، ويبدو أن خداعه جاء من اتجاهين: خداع الأصدقاء، وخداع النفس: « طردك إلى التخم كل معاهديك. خدعك وغلب عليك مسالموك. أهل خبزك وضعوا شركاً تحتك. لا فهم فيه »... " عو 7 " والذين يخدعون الآخرين قد يكونون مدفوعين بالخوف أو التملق أو المصلحة،... كان نيرون صاحب صوت منكر، ولكنه كان يعتقد أن صوته من أرخم الأصوات، وكان يلزم الآخرين أن يسمعوا غناءه، وكانوا يبدون إعجابهم الكبير بالصوت، خوفاً على حياتهم من بطشه وانتقامه،... وقد تملق الصوريون والصيداويون وهم « يلتمسون المصالحة لأن كورتهم تقتات من كورة الملك، وفى يوم معين لبس هيرودس الحلة الملوكية وجلس على كرسى الملك، وجعل يخاطبهم. فصرخ الشعب: هذا صوت إله لا صوت إنسان. ففى الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يعط المجد للّه. فصار يأكله الدود ومات.. » " أع 12: 20- 23 " والإنسان متى سمح للآخرين أن يخدعوه، فسينتهى به الأمر إلى الاتجاه الآخر، إن يخدع نفسه بنفسه، « تكبر قلبك قد خدعك » " عو 3 ".. «والقلب أخدع من كل شئ وهو نجيس من يعرفه ». " إر 17: 9 " والإنسان من تاريخه الأول إلى اليوم ضحية الخداع،.. وكما ذهب الشيطان إلى أبوينا الأولين فى جنة عدن، وبدأ معهما هناك بقصة الخداع، فهو إلى اليوم يضلل ويخدع فى كل مكان وزمان!!.. ولعله يوحنا ويسلى الذى وعظ ذات يوم عظة رائعة عظيمة، وما أن نزل من المنبر، حتى استقبله أحد السامعين بالقول... « ما أروعها وأعظمها من عظة ». وإذا بالواعظ العظيم يقول: لقد قال لى غيرك ذلك!!.. وقال السامع: ومن هو!!؟ وأجاب الواعظ: إنه الشيطان!!؟.. قالها له قبل أن ينزل من فوق المنبر،... وإذا كان يفعل ذلك فى أقدس الأماكن، فكيف يكون الأمر فى أحطها وأشرها؟!!. عوبديا وسقوط أدوم ونتعرض أخيراً لسقوط أدوم البشع، ولعل أول مظهر من مظاهر سقوطه، كان فى الفرصة الضائعة، لقد أصيب أخوه يعقوب بالنكبة التى كانت تقتضى منه المسارعة إلى المعونة، لا الوقوف موقف المتفرج، أو الإجهاز على بقايا المنفلتين. وما أكثر ما يقف الناس على الطريق فى موكب الحياة، موقف أدوم القديم: « يوم وقفت مقابله يوم سبت الأعاجم قدرته ودخلت الغرباء أبوابه وألقوا قرعة على أورشليم كنت أنت أيضاً كواحد منهم. ويجب أن لا تنظر إلى يوم أخيك يوم مصيبته ولا تشمت ببنى يهوذا يوم هلاكهم ولا تغفر فمك يوم الضيق. ولا تدخل باب شعبى يوم بليهم. ولا تنظر أنت أيضاً إلى مصيبة يوم بليته ولا تمد يداً إلى قدرته يوم بليته. ولا تقف على المفرق لتقطع منفلتيه ولا تسلم بقاياه يوم الضيق »... " عو 11 - 14 " وما أكثر ما يفعل الناس هكذا وهم مشغولون بأنانيتهم وكبرياء قلوبهم.. فى أسطورة وثنية قديمة، أن واحداً من الرؤساء القدامى حفر بئراً، وأمر بألا يشرب منها أحد غيره وغير عائلته، وكانت النتيجة أن البئر لم تعط ماء، فطلب العرافين الذين قالوا له إن البئر لا يمكن أن تعطى ماء إلا إذا شارك الشعب فى الانتفاع بها، فما كان منه، مدفوعاً بأنانيته، إلا أن يصدر قراراً بأن يشرب الشعب منها فى الليل، وهو وبيته يشربون منها فى النهار،... وحدث أن البئر فاضت بالماء عند غروب الشمس، وظلت طوال الليل تعطى ماء، وفى الصباح جفت، وعندئذ علم أن المشاركة الصحيحة هى أن يشرب هو والشعب فى وقت واحد،... وفاضت البئر عندئذ ليلا ونهاراً.. إن الحياة فى حقيقتها هى الإيثار لا الاستئثار وهى الخدمة الباذلة المضحية، وليست الأنانية أو الوصولية أو النفعية التى يعيشها ملايين الناس على الأرض!!.. فى ساحة إحدى الكنائس عبارة مكتوبة: « ما أعطيه أملكه وما أحفظه أفقده »،.. لقد زمجر عاموس - فيما ذكرنا عند التعرض لشخصيته - لحياة الأنانية التى تنسى آلام الآخرين: « ويل للمستريحين فى صهيون.. أنتم الذين تبعدون يوم البلية وتقربون مقعد الظلم، المضطجعون على أسرة من العاج والمتمددون على فرشهم والآكلون خرافاً من الغنم وعجولا من وسط الصيرة، الهاذرون مع صوت الرباب، المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود، الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان ولا يغتمون على انسحاق يوسف ».. " عا 6: 1 - 6 " إن الأنانية وحدها بشعة كل البشاعة، ولكنها أكثر بشاعة عندما تكون فى مواجهة النفس والمنكوب والمتألم والمتضايق!!.. وسقط أدوم أيضاً عندما لم يدرك أن الزمن دوار، وطوبى للرحماء لأنهم يرحمون.... فى أساطير عيسوب أن الحمار الضعيف المسكين توسل إلى زميله الحصان أن يحمل عنه بعض حمله، وقال له إنه إن لم يفعل فالنتيجة ستكون أنه سيموت، وسيحمل الحصان الكل،... ولم يبال الحصان بالكلام، فسقط الحمار تحت ثقله ومات، ونقل صاحبهما كل حمل الحمار ووضعه على الحصان، بل أكثر من ذلك أنه وضع عليه جثة الحمار الميت، وقال الحصان: يا لى من أحمق! لقد رفضت أن آخذ شيئاً من حمل الحمار، وها أنا لا آخذ حمله فحسب، بل أحمل جثته أيضاً!!.. لعل من أطرف ما قيل، أن أحد المرسلين - وكان جراحاً فى مدارس بالهند رأى ذات يوم عند بابه كلباً صغيراً مكسور القدم، فما كان منه إلا أن جبر ساقه، وقال المرسل إن الشئ الغريب الذى حدث أنه أحس بخربشة فى اليوم التالى عند الباب وعندما فتح الباب وجد الكلب، وقد صحب كلباً آخر صغيراً مكسور الساق، وقد جاء به ليعالج،.. لئن صحت الرواية، فإن الإنسان مرات كثيرة يكون أحط من الحيوان، وأكثر أنانية،... ولعل هذا ما حد برئيس الأساقفة هو يتلى أن يقول: إذا سألتنى أن أخبرك عما يسبب الاضطراب الأكبر، والذى يهدد بأقسى الأخطار، فإنى أستطيع أن أقول لك إنك إذا تطلعت إلى المرآة، هناك سترى أصدق صورة لذلك!.. ومن المؤسف حقاً أن الناس فى كثير من أدوار الحياة تنسى أن الدنيا لا تبقى إنساناً على حال فهى ترفع المنخفض، وتخفض المرتفع، وهى تغنى الفقير وتفقر الغنى، وهى تقوى الضعيف، وتضعف القوى.. إنها الساقية التى تدور بسرعة أو ببطء، لكنها على أية حال تدور!!... وقديماً قال أحدهم للنعمان: إن كنت تعلم يا نعمان أن يدى قصيرة عنك، فالأيام تنقلب وقال آخر: أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ولم تخف سوء ما يأتى به الغير وسالمتك الليالى فاغتررت بها وعند صفو الليالى يحدث الكدر والمثير فى الأمر على الدوام، أن الجزاء من جنس العمل: « كما فعلت يفعل بك، عملك يرتد على رأسك. لأنه كما شربتم على جبل قدسى يشرب جميع الأمم دائماً يشربون ويجرعون ويكونون كأنهم لم يكونوا » " عو 15 و16 ".. عندما قبض الإسرائيليون على أدونى بازق وقطعوا أباهم يديه ورجليه، قال الرجل: « سبعون ملكاً مقطوعة أباهم أيديهم وأرجلهم كانو يلتقطون تحت مائدتى. كما فعلت كذلك جازانى اللّه »... " قض 1: 7 " وقال جدعون، « لزبح وصلمناع: كيف الرجال الذين قتلتماهم فى تابور؟ فقالا مثلهم مثلك. كل واحد كصورة أولاد ملك. فقال هم اخوتى بنو أمى. حى هو الرب لو استحييتماهم لما قتلتكما ».. " قض 8: 18 و19 " ولم يدر هامان وهو يجهز الصليب المرتفع ليصلب عليه مردخاى، أنه يجهز لنفسه المصير التعس الذى سيصل إليه!!.. كان أدوم يرى نفسه، كما لاحظنا، القوة والمنعة، وهو « القائل فى قلبه من يحدرنى إلى الأرض » (عو 3) لقد وضع عشه بين النجوم أو أعلى من أن تصل إليه يد بشرية، ولكن المثل الشائع يلحقه: ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع لقد فكر أدوم فى قدرة البشر وهو يلقى على نفسه السؤال: « من يحدرنى إلى الأرض »،... ونسى أنه توجد يد أعلى من كل يد بشرية، خالقة الكواكب والنجوم ذاتها،... « ومن هناك أحدرك يقول الرب!!... " عو 4 " وحسب المقاييس البشرية ماذا ينقص أدوم وقد ارتفع بعشه فوق الزوابع والعواصف والمحن التى تتلف الكرة الأرضية، ولكنها تغلف جوها دون أن تبلغ النجوم، أما الذى يبلغ من المناعة ما يعلو به على الريح، فهو آمن من ثورة الطبيعة والإنسان، ومن غدر الزمان، كما يحلو للمخدوع أن يتصور ولكن هذا الإنسان، فرداً كان أو أمة، ينسى أن المصير دائماً تحكمه اليد الإلهية العليا،... وأن هذه اليد تسمح أن يرتفع الجبار إلى أعلى ما يتصور الخيال البشرى، حتى يسقط سقوطاً ملحوظاً من كل البشر، بل ومن كل التاريخ أيضاً!!.. ويكون سقوطه عظيماً!!.. كان سقوط أدوم رهيباً، لأنه كان سقوطاً من النجوم العالية إلى الأرض أو الحضيض كما يقولون،... وها نحن لا نعرف عن أدوم الآن شيئاً، لقد ضاع وانتهى إلى الأبد، وتحولت جباله وصخوره إلى مقابر رهيبة لمجده وجلاله ومتعته وتاريخه بأكمله،ونحن لا نستطيع أن ننهى القصة دون أن نتعمق إلى ما هو أعظم وأكمل وأبهى، إذ أن الدورة عادت لتصحح الوضع المقلوب، لقد أضحى القوى ضعيفاً، وعاد الضعيف قوياً، وجاءت نهاية أدوم بيد يعقوب جزاءاً وفاقاً لإثمه وشره وخطيته وحقده وانتقامه، ولذلك نقرأ: « ويكون بيت يعقوب ناراً وبيت يوسف لهيباً وبيت عيسو قشا فيشعلونهم ويأكلونهم ولا يكون باق من بيت عيسو لأن الرب تكلم »... " عو 18 " ونحن نسأل عن السر، وهل هو نوع من الانتقام رد به يعقوب على عيسو فى يوم من الأيام!!.. لا نظن إذ أن الأمر أعلى وأسمى، وليس هو مجرد صراع بين جماعات تدور بها الأيام وتلف، بين غالب ومغلوب، لقد أعطانا عوبديا الصورة الصحيحة الحقيقية، إذ ختم نبوته بما يمكن أن نطلق عليه « مسك الختام » فى القول: « ويكون الملك للرب »... " عو 21 " وهذا يحولنا بدورنا من الأرض أو النجوم، إلى من هو فوق الاثنين، إلى الحاكم المطلق الأبدى الذى يضع ولا أحد يرفع، ويرفع ولا أحد يضع!!.. ويقود التاريخ فى كل أدواره صوب النهاية المؤكدة، التى تجعلنا نغنى مع عوبديا بكل بهجة ويقين: « ويكون الملك للرب »..!!..
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل