المقالات

02 ديسمبر 2021

شخصيات الكتاب المقدس راحاب

راحاب «فذهبا ودخلا بيت امرأة زانية اسمها راحاب» مقدمة قال واحد من القضاة لفتاة كانت تعمل في جيش الخلاص: لست أعتقد أن امرأة تزل يمكن أن تنهض مرة أخرى، ولا أستطيع أن أصدق أية قصة تزعم غير ذلك، ما لم أسمعها مباشرة من صاحبة الشأن ذاتها! وردت الفتاة وقالت له: ولكني أستطيع أن أحدثك بكل يقين عن وقائع فتاة تمرغت في الوحل، وأستطيع أن أقص عليك قصتها دون أقل ظل من مبالغة أو شك، وأستطيع أن أؤكد لك أنها انتقلت من حياة اللوثة والأثم والدنس والفساد، إلى حياة من أعظم ما يمكن أن يحياها الإنسان في ظل الله والحق والنعمة والقداسة، وأنا أعرف هذه الفتاة معرفة يقينه تامة، وهز القاضي رأسه في شك وهو يقول «ولكني مع ذلك لا أصدق، ان لم أسمع القصة من الفتاة نفسها، وأمحصها تمحيصًا!! وردت الفتاة بكل هدوء وأناه! وقالت: أنا يا سيدي القاضي هي الفتاة بعينها!! وذهل القاضي لما سمع وما رأى، اذ كان المعروف عن هذه الفتاة، أنها واحدة من أعظم العاملين في خدمة الله، وجيش الخلاص، ولعل قصة راحاب الوثنية الزانية القديمة، هي خير ما يمكن أن تروى أو تذكر من هذا القبيل، اذ كيف تحولت هذه المرأة التي أوغلت في الأثم بين عشية وضحاها، الى واحدة من أشهر القديسات والمؤمنات، وكيف أصبحت نورا مشعاً، ومصباحًا هاديًا لكل من ضل الطريق وانحرف، ليعود مرة أخرى إلى المخلص والفادي الذي لم يستح أن يدعونا أخوة بل رضى أكثر من ذلك، أن تأتي هذه المرأة في الطريق، في سلسلة أجداده وأنسابه، تأصيلاً وتأكيداً للقاعدة التي أعلنها بموته وصليبه، ليست هناك خطية على الإطلاق، أكبر من غفرانه، وأبعد من أن تصل إليها رحمته، إذا جاء صاحبها في روح التوبة ليقول: «اللهم ارحمني أنا الخاطيء...» حقًا قال الرسول العظيم: «صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا»... ومن هذا المنطلق يمكن أن نبدأ في دراسة وتحليل شخصية راحاب الزانية. راحاب والنعمة المتفاضلة:- يكرر الكتاب في أكثر من موضع عن راحاب أنها كانت زانية، ولعله لم يكن في أريحا كلها من هو أشر أو أدنس أو أكثر فسادًا منها... ولقد حاول الكثيرون أن يخففوا من وقع التعبير، فقال بعضهم لعل التعبير لم يكن يقصد به سوى الماضي الذي فارقته قبل أن تقبل الجاسوسيين بسلام، وقال آخرون إن هناك تقاليد تقول إنها كانت صاحبة خان تستقبلا الوافدين إلى المدينة.. وقال غيرهم أن المعنى الشائع وقتئذ يختلف عن المعنى الذي نعرفه أو نراه الآن، وأن الحياة الوثنية كانت تنضج بالفساد، حتى أن الفسق أو الفجور كان شيئًا عاديًا في حياة الناس في ذلك الوقت، على أني أعتقد أن الكتاب كان يقصد العكس تمامًا اذ أراد أن يسجل قصتها كامرأة زانية، بل أراد أكثر من ذلك أن يأتي باسمها في الصفحة الأولى في الإنجيل في سلسلة أنساب المسيح، مع ثامار، وبثشبع، الخاطئتين الملوثتين، ليعلن بوضوح عن عظمة النعمة الإلهية، وكيف تصفح عن الإثم والخطية والدنس والفجور، بلا حدود أو قيود أو سدود أمام جميع الناس. وأن نهر النعمة يمكن أن يسبح فيه الجميع أو يغتسلوا بدون أدنى تفرقة أو تمييز، ولعل هذا ما كان يرن في ذهن الرسول وقلبه وهو يصرخ: «وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يحسب له براً».. أو ما قاله وهو يردد أنشودة عن نفسه: «أنا الذي كنت قبلاً مجدفًا ومضطهداً ومفتريًا ولكنني رحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان، وتفاضلت نعمة ربنا جدًا، مع الإيمان، والمحبة، التي في المسيح يسوع» ولعل هذا بعينه ما كان يقصده يوحنا نيوتن وهو يعرض قصة حياته، وكيف أخذ سبيله على ظهر سفينة تتاجر بالعبيد الذين تقتنصهم من أفريقيا، وكيف ترك وطنه ليغرق في الفجور أو على حد قوله: «لقد ذهبت إلى أفريقيا لأكون حرًا في ارتكاب الإثم كما يشتهي قلبي، وكنت كالوحش الطليق في الأرض الأفريقية حتى جاء السيد الذي أمسك بي وروضني وما أعظم ذلك اليوم: يوم 10 مارس 1748 الذي جاءني في السيد من الأعالي، وأنقذني من المياه العميقة القاسية الطافية فوقي...» وما أكثر الملايين من الأشرار والفاسقين والزناة الذين سيتم فيهم قول السيد الذي ذكره لرؤساء الكهنة وشيوخ الشعب عن اليهود عندما قال: «الحق أقول لكم أن العشارين والزواني يسبقوكم إلى ملكوت الله لأن يوحنا جاءكم في طريق الحق فلم تؤمنوا به وأما العشارون والزواني فآمنوا به» وقد قال أحد الكتاب حقًا في عرض هذه الحقيقة: «إن الرجاء يتدفق في قلوبنا، ونحن ننظر إلى المرأة راحاب، بالنسبة لكل ضائع ومستهتر ومهمل ومنبوذ». راحاب وإيمانها المرتفع:- لعله من المناسب أن نلاحظ أن التغيير - أي تغيير - يحدث في الإنسان نتيجة إيمانه برأي أو فكر أو مبدأ ومعتقد، فاذا حدث انقلاب في حياة فرد أو جماعة، فلابد أن يكون لهذا الانقلاب ما يبرره من بواعث أو أسباب وقد رد كاتب الرسالة إلى العبرانيين كل ما حدث في حياة راحاب إلى الإيمان أو يقول: «بالإيمان راحاب الزانية»! فما هو يا ترى هذا الإيمان الذي أحدث مثل هذا الأثر الثوري في حياة المرأة القديمة!! لقد بدأ هذا الإيمان خوفًا من الله وقدرته الباطشة العجيبة، اكتسحت في طريقها كل الشعوب الآثمة الوثنية والتي كمل شرها وجاء يوم دينونتها والقضاء عليها... ولم تعد راحاب ترى في الأمر مجرد معارك عادية، يمكن أن يكون فيها الغالب أو المغلوب، بل بدا الأمر أمامها بوضوح لا شبهة فيه، أن يد الله تمتد لتقتص من الشرير والآثم والفاجر والطاغية!! وأنه اذا كانت هذه اليد القادرة، تأتي على الأشرار كجماعات على هذه الصورة المرهبة المفزعة، فإن الفرد لا يمكن أن يفلت بالضرورة من عقوبة آثمه وشره وخطيته، ولعل هذا ما أفزعها وروعها كزانية وفاسقة وخاطئة. والخوف في العادة قد يكون مرحلة أولى في اتجاه الإنسان أو عودته نادمًا تائبًا إلى الله إذ هو في الواقع عودة به إلى إدراك وضعه الصحيح كمذنب ضعيف عاجز أمام الله القادر العادل القدوس ولا بأس على الإنسان أن يخاف أو يرتعب إذا كان هذا الخوف دافعاً له للتأمل في المأزق القاسي الشديد الذي بلغه عندما وقع في الإثم أو أوغل في الخطية. على أن الخوف إذا توقف عند هذه النقطة، دون أن يحرك صاحبه خطوات أخرى في الطريق الصحيح إلى الله، انما ينتهي به إلى عذاب رهيب لا يوصف، ومن ثم فإن الإيمان الحق يتقدم بالمؤمن خطوات تالية متلاحقة فيكشف له لا عن جرم الخطية وبشاعتها وقسوتها فحسب بل ليظهر له شخص الله في عظمته وجلاله وجوده وإحسانه، وأغلب الظن أن راحاب رأت الله على هذه الصورة، فلم تعد تراه إلهاً صغيرًا محدودًا كهذه الآلهة المحلية الصغيرة التي كان يتعبد لها الوثنيون، بل رأته الإله الحي الحقيقي الذي يبس بحر سوف والقادر على كل شيء، وهو الله في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت، هذا الخوف من الله واليقين بقدرته وعظمته قاداها في الطريق إلى خطوات أبعد، إذ قاداها إلى طرح الآلهة الوثنية، والتنكر لها والتمسك بالله وحده، والمجيء إلى حبه وحنانه وجوده ورحمته والإدراك الكامل بأن لا فرق عند الله بين إنسان وآخر، كل من يقصد بابه ليلوذ برحمته، ويستظل بجناحيه أو يأخذ حمايته، من دون ما تمييز بين يهودي وأممي، أو ذكر وأنثى، أو ساقط في الخطية أو غارق فيها إلى ما فوق الأذنين. على أن السؤال الجوهري الذي لا بد منه، ونحن بصدد هذا الإيمان، ولكن كيف وصل النور إلى راحاب بهذه الصورة وهل بلغها على مراحل متعاقبة، أو ومض أمام عينيها كما يسلك البرق أو يأتي الشهاب، إن الحقيقة كثيرًا ما تنبلج أمام الإنسان فجأة، كما جاءت إلى اللص التائب في لحظة، أو كما بلغت بولس عندما أبرق حوله نور من السماء، أو كما وصلت أوغسطينس عندما وقعت عيناه على الكلمات الأخيرة من الأصحاح الثالث عشر من رسالة رومية «قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور...» أو عندما قرأ توماس بليني للمرة الأولى: «صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا». أو كما قال لاكوردير عن نفسه: «غير مؤمن في المساء، ومسيحي في اليوم التالي بيقين لا يتزعزع» على أنها مرات أخرى قد تأتي كما قال سليمان في سفر الأمثال: «أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل» أو تبلغ النفس في هدوء وأناة وعمق وتأمل.. إن الواضح أن راحاب استقبلت النور فجأة وكانت أقرب في إيمانها إلى سجان فيلبي الذي هزه الزلزال من الأعماق دون أن تكون كليدية بياعة الأرجوان التي فتح الله قلبها لتصغي إلى بولس!!.. وأيا كان الأمر، فإنها مثل السجان القديم قد تداعت أسوار نفسها وقلاع الشيطان المتمكنة منها لفتح الطريق أمام حق الله ليصل إلى قلبها!!.. فاذا كانت ثمة حقائق أخرى قد جاءتها بعد ذلك، فإنما جاءت لكي تمكن وتثبت ما آمنت به دون ريب أو شك أو تردد!!... راحاب وحياتها المقدسة:- ومن المناسب أن نلاحظ ههنا أن راحاب سلكت الخط العكسي تمامًا لما كانت عليه من حياة فاسدة فاسقة شريرة، إذ عادت تقطع جميع الربط التي كانت تربطها بالماضي البشع القديم، وقد بدأت أول الأمر بقطع الصلة التامة بديانتها الوثنية، فلم تعد هذه الديانة وممارستها وطقوسها وفرائضها وشعبها بذات صلة لها، ومع أننا لا نستطيع أن نقبل أو نقر، من وجهة النظر المسيحية، ما ذكرته من أقوال، أو لجأت إليه من وسائل تمويهية كاذبة، في سبيل حماية الرجلين الغريبين اللذين لجآ إليها ودخلا بيتها، إلا أننا لا ينبغي أن نغفل أو ننسى أن الحكم عليها بالمقاييس المسيحية الكاملة، أشبه بمن يحكم على الأطفال بما ينتظر من الرجال، أو الصغار بما يرضي من الكبار، أو الناشئين بما هو مطلوب من الأقوياء المتمرسين الناضجين!! ولعل هذا يشجع كما يقول الكسندر هوايت على الترفق بمن يأتي إلى المسيحية من غير المؤمنين وهم في مطلع معرفتهم وحداثة إيمانهم، حتى لا نقصف من بينهم من هو أدنى إلى القصبة المهتزة المرضوضة أو نطفيء فيهم من هو أقرب إلى الفتيلة المدخنة المرتعشة، بل بالحري نتعامل معهم على أكبر قدر من الحب والحنان والصبر والأناة لنقوم فيهم ما يمكن أن يكون لهم من أيد مسترخية أو ركب مخلعة، لكي لا يعتسف الأعرج، بل بالحري يشفى، ولا شبهة في أن هذا ما حدث بالتمام، مع راحاب الزانية، التي تغيرت حياتها وسيرتها، على نحو واضح أكيد ملحوظ، فلم تأخذ مكانها بين شعب الله فحسب، بل تزوجها سلمون لينجب منها بوعز، والسلسلة العظيمة التي جاءت فيما بعد من داود وأنساله المتعددين حتى مريم العذراء والمسيح سيدنا مخلص العالم، وهكذا نرى كيف فتح زوجها الباب أمام التائبة لتأخذ مكانتها العظيمة بين المكرمين والشرفاء، على أمجد الوجوه من المساواة، بدون عودة إلى تاريخ ذهب وانتهى أو ماض بغيض قبيح هيهات أن يرجع أو يعود...! ولا أحسب أن هناك كلمات يمكن أن ننهي بها قصتها أفضل من كلمات الملك آرثر التي نطق بها وهو يتحدث إلى زوجته التائبة على أبواب الدير التي لجأت إليه وختمها بالقول من قصيدة تينسون: والكل قد مضى... والخطية قد انتهت.... وأنا أنا!! أغفر لك.... نعم أغفر... كما غفر لنا... الله السرمدي!!..
المزيد
21 أكتوبر 2021

شخصيات الكتاب المقدس حزقيا

حزقيا " والتصق بالرب ولم يحد عنه "2مل 18: 6 مقدمة يتفق الكثيرون " مع فيكتور هوجو " على أن نابليون خسر معركة ووترلو لا لشىء إلا لأن اللّه كان ضده،.. كما يؤكد آخرون أن انسحاب الإنجليز من " دنكرك " فى الحرب العالمية الثانية قد تم بمعجزة إلهية، ولو أن هتلر هاجم انجلترا فى ذلك الوقت - ولم يتحول إلى روسيا - لكسب الحرب، ولكن القدير كان قد رتب له الهزيمة فانهزم،.. وعندما دخل ماك آرثر معاركه الضارية مع اليابان، بعد تدمير الأسطول الأمريكى فى بيرل هاربر، لم يستند قط إلى قوة أمريكا العسكرية، أو عبقريته كرجل من رجال الحرب العظام، بل كان سنده الأعظم الالتجاء إلى القدير، وقبيل خوض المعركة أرسل إلى راعى كنيسته يقول له: ها أنا أواجه معركة قاسية مجهولة فأرجو أن تركع أمام اللّه وتصلى من أجلى فى نفس المكان الذى ركعت أنا فيه عندما انضممت إلى عضوية الكنيسة، وحيث تعودت المثول فى حضرة الله هناك، ونجح ماك آرثر مستنداً إلى ذراع القدير!!... كان الملك القديم حزقيا واسمه يعنى " الرب يقوى " قد وضع شعاراً عميقاً بسيطاً له، هو أعظم شعار يمكن أن يضعه إنسان أمامه فى الأرض: الالتصاق بالرب... وهو شعار مثير فى بساطته، وقوته، فالالتصاق شئ يمكن أن يفعله الطفل الصغير وهو يلتصق بأمه أو يمسك بأبيه، وهو فى قوته الشئ الوحيد الذى به يواجه الإنسان الأمور فى كل أوضاعها المختلفة فى الأرض،... وهو أقصرالطرق وأضمنها إلى النجاح والفلاح.وها نحن لذلك نتابع قصة الملك القديم فيما يلى:- حزقيا والظروف السيئة التى أحاطت به:- لم تكن الطريق أمام حزقيا سهلة هينة ميسورة، بل إن هذا الرجل القديم تفتحت عيناه على الخرائب والأطلال من كل جانب فى الداخل أو الخارج على حد سواء،... كان أبوه آحاز الملك الذى حكم يهوذا لمدة عشرين عاماً، وكانت من أسوأ السنين التى عرفتها البلاد،... فقد أغرقها فى الشر والوثنية، إذ نبذ عبادة الله، وأغلق الهيكل بعد أن دنسه ونجسه، وعبر ابنه فى النار، وعبد الآلهة الوثنية بكل ما اشتملت عليه عبادتها من شر وشهوانية وقسوة، ومن ثم توالت عليه، وعلى شعب يهوذا، الفواجع والكوارث، إذ هاجمه الأراميون والإسرائيليون وعاثوا فى الأرض فسادا، وقتلوا وذبحوا العشرات من الألوف، وسبو لأنفلسهم سبايا لا تحصى ولا تعد،... ومع ذلك فقد أبى أن يستعين عليهم بالرب، بل استعان بملك آشور، فلم يعنه الملك الذي بعد أن قضى على أضداده، تحول إليه، ونكل به وبشعبه تنكيلا قاسياً بعد أن استولى على الكثير من كنوز بيت الرب والملك والرؤساء!!.إن قصة حزقيا تصلح أن تكون تعزية وتشجيعاً لأولئك الذين تتفتح عيونهم على الحرب والأنقاض، حيث أفسد آباؤهم كل شئ وتركوا لهم تركة مثقلة قاسية ومع أنهم ليسوا مسئولين عما فعله الآباء، لكنهم يستطيعون - بالاستناد إلى اللّه - السير فى أرض الخراب وإعادتها إلى المجد السابق، إن كان لها مجد قديم، أو ربما إلى ما هو أفضل من الماضى المجيد، حتى ثبت إيمانهم فى الله، واعتمادهم عليه!! حزقيا والإصلاح العظيم الذى قام به:- ويعتبر حزقيا واحداً من أعظم المصلحين الدينيين فى التاريخ، وكل إصلاح فى العادة يبدأ بظهور رجل من أبطال اللّه يقود حركة الإصلاح، أو كما قال أحدهم: " إن النهضة التى حدثت فى قرية سامرية - كما جاء فى إنجيل يوحنا - بدأت بامرأة تشهد عن يسوع وما فعل معها، ونهضة يوم الخمسين ظهرت بقيادة بطرس بقوة الروح القدس، والنهضات التى حدثت فى آسيا الصغرى وشمال اليونان فى القرن الأول، كانت ثمرة وعظ الرسول بولس، وقد ألهب سافونا رولا فلورنسا، وأيقظ لوثر أوربا، وقامت نهضة الوسليين وهو ايتفيلد، لتحول الحياة الدينية والأدبية فى إنجلترا تحويلا كاملا، وقام فنى بنهضته العظيمة فى منتصف القرن التاسع عشر، وأشعل مودى النهضة فى الجزر البريطانية وأمريكا فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر!!.. وفى الحقيقة أن النهضات لا تبدأ عشوائية، بل يلزم أن يكون وراءها رجل، ورجل للّه!!.. وهذا الرجل يلزم، ودائماً، أن يكون خاضعاً بالتمام للروح القدس، ومحفوظاً فى النقاوة بسكنى الروح القدس، وممتلئاً بالعاطفة الملتهبة لخلاص النفوس، وفاهما بالتمام لمشيئة اللّه، وممسوحاً بمسحة القوة، حتى ولو بدا وعظه وتعليمه بسيطين، فإن الجماهير الغفيرة تقبل تحت الإحساس بذنبها، إلى الاعتراف بالرب مخلصها.وفى النهضة التى نشير إليها نجد رجلا استخدمه اللّه ليغير الحياة الدينية لأمته تغييراً كاملاً، ولم يكن هذا الرجل إلا حزقيا، الملك الذى يقف على رأس أمة ممزقة تعسة ضعيفة "...! ولعلنا نستطيع إدراك قلب الرجل الملتهب متى تبينا أنه لم يضع دقيقة واحدة فى القيام بحركة الإصلاح، إذ بدأه فى السنة الأولى لتولى العرش، وكان فى أوج القوة والشباب، فى الخامسة والعشرين من عمره،... لقد كان - كما يبدو - ضيق الصدر محزون النفس بما يفعل أبوه من شرور وآثام، ويبدو أن أمه" أبى بنت زكريا " هى التى كانت تغذى فيه هذا الضيق على الدوام كما يبدو أن إشعياء كان له أيضاً دخل فى الأمر، ولعل الأحوال السيئة التى باتت عليها المملكة جعلته يؤمن إيماناً سديداً بأن الكوارث التى حاقت بها، لم تأت إلا لابتعاد الشعب عن اللّه. وتستطيع أن تدرك هذا بوضوح من حديثه النبيل العظيم مع الكهنة واللاويين إذ يقول: " لأن آباءنا خانوا وعملوا الشر فى عينى الرب إلهنا وتركوه، وحولوا وجوههم عن مسكن الرب وأعطوا قفا... فكان غضب الرب على يهوذا وإسرائيل.. "إن اللّه دائماً فى حاجة إلى رجل ليصنع به الإصلاح العظيم،... ولقد أشرنا إلى يوحنا وسلى عندما انحطت انجلترا فى القرن الثامن عشر إلى أحط الدركات الخلقية، إذ كانوا - كما يقولون - يجدون حانة للخمور مقابل أربعة بيوت للسكن، وانتشرت الدعارة وتزايدت الجرائم، إلى أن أنهض اللّه له رجلا، لم يكن صاحب عرش أو جيش أو ثروة أو سلطان، إذ كان مجرداً منها جميعاً، ولكنه كان يملك ما هو أعظم، فقد كان يوحنا وسلى " رجل الله، الرجل الذى نادى فى إنجلترا، بإنجيل المسيح، ولقد ظل وسلى يتنقل فى انجلترا من مكان إلى مكان ما بين الشوارع والأزقة والمدن والقرى والمصانع والمناجم، يعظ يومياً ما بين عظتين وخمسة عظات، فعل مالا تفعله قوات العالم مجتمعة!!. فإذا كان وسلى قد فعل كل هذا فى القرن الثامن عشر بعد الميلاد، واحتمل فى سبيل ذلك، مالا يكاد يحتمله بشر، فإن حزقيا فعل الشئ ذاته فى القرن الثامن قبل الميلاد،... لقد أدرك حزقيا قوة الكلمة الإلهية، وأرسل الوعاظ والسعاة إلى جميع إسرائيل ويهوذا، ينادون بالعودة إلى الرب، واستقبل الناس الكلمة، كما يحدث فى النهضات، ما بين ساخر وضاحك، وبين مؤمن وتائب: " فكانوا يضحكون عليهم ويهزأون بهم إلا أن قوما من أشير ومنسى وزبولون تواضعوا واتوا إلى أورشليم " " 2 أى 30: 10 و11 "وغير خاف أن العنصر الأول من عناصر الإصلاح، لابد أن يكون شيئاً سلبياً، إذ هو التطهر من كل دنس وشر، ولا يمكن لأية نهضة أن تقوم، ما لم تبدأ بالتوبة، والتائب الأول هو رجل النهضة وخادمها.ولقد دعا حزقيا الكهنة واللاويين: " وأدخل الكهنة واللاويين وجمعهم إلى الساحة الشرقية وقال لهم: اسمعوا لى أيها اللاويون. تقدسوا الآن وقدسوا بيت الرب إله آبائكم وأخرجوا النجاسة من القدس " " 2 أى 29: 4 - 5 ". وأى خادم لا يستطيع المناداة بالتطهير ما لم يكن هو قد تطهر وتقدس؟ أوكما يقول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس: " فإن طهر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح " " 2 تى 2: 21 ". وإلى جانب الخادم المطهر يأتى بيت الله المطهر،... وقد أخرج حزقيا الأصنام والنجاسات من الهيكل، وطهر الأوانى المقدسة، وأعد بيت الله للعبادة الطاهره النقية وهى حقائق تشير إلى ما ينبغى أن تكون عليه الكنيسة، إذا رامت أن تغير العالم أو تصلحه وتنهضه،.. ولقد أدرك حزقيا، فى هذا كله أن الروح لابد أن يسبق الحرف، وأن العبرة - كل العبرة - ليست بمجرد الطقس فى حد ذاته، بل بماوراء الطقس من معنى ومغزى، ومن ثم نجده يتجاوز عن عمل الفصح فى وقته، إذ أن الميعاد قد فات، وهو لا يمكن أن ينتظر إلى العام التالى، لئلا تفتر المشاعر المتوثبة الملتهبة، ولا مانع عنده من أن يعمل الفصح فى الشهر التالى... إن حزقيا يدرك جيداً أن اللّه لا يخدعه الطقس الخارجى أو المظهر الشكلى دون الحقيقة الداخلية المباركة العميقة!!.. وهذا حق، وليس أدل عليه من أن قيافا صنع الفصح وأكله،.. ثم صلب يسوع المسيح وهكذا ارتكب أكبر جريمة فى التاريخ!!.. عمل حزقيا الفصح واشترك إسرائيل ويهوذا فى إقامته معا لأول مرة بعد سليمان، وإذ أهمل الشعب هذه الفريضة، نسى نظامها وشروطها، ومع ذلك صلى حزقيا إلى الله وقد هيأوا قلوبهم لها، فشفاهم الرب متجاوزاً عن نقصهم وضعفهم،... ولا يجوز لنا أن ننسى أن لب الاصلاح والنهضة عند الملك القديم، على أي حال، كان الفصح،... وهو ذات الشئ فى كل نهضة واصلاح فى العصر الحديث، لأن فصحنا المسيح قد ذبح لأجلنا،...ولا نهضة إلا بالتبشير بيسوع المسيح وإياه مصلوباً... عندما عاد " مودى " من رحلته الموفقة الأولى إلى انجلترا، وتحدثت الصحف عن نجاحه هناك، حدث أن امرأة كانت تسمعه يتكلم كثيراً عن الصليب قبل ذهابه، وإذ عاد ذهبت لتسمعه، فإذا بأول عظة يعظها أيضاً كانت عن دم المسيح، فاقتربت منه المرأه وقالت له: كم أنا آسفة يامودى إذ سمعتك اليوم تتكلم عن هذا الموضوع المخيف، لقد ظننت أنك أسقطته من وعظك، والآن أعرف أنك لا يمكن أن تكون واعظاً ناجحاً، وإذا بمودى يجيبها: يا سيدتى: إذا لم يكن المسيح قد تكلم عن هذا الموضوع، وكذلك أيضاً الرسل، بل إذا لم يكن المسيح قد وعظ به، فإنى أكون قد قرأت كتابى المقدس بكيفية خاطئة هذه السنين الطويلة، ولا أكون قد عثرت على مفتاح الكتاب... ويكون الكتاب بجملته مغلقاً أمامى، وإذا لم أعظ عن الصليب، وأهملته، فلا يكون هناك شئ بعد لأعظ عنه،... احذفى العقيدة المباركة عن الدم من الكتاب،... وإذا بكل شئ ينهار!!..نجح حزقيا وكانت عناصر نجاحه: الواعظ الطاهر، وبيت الله المقدس، وكلمة الله الحية الفعالة، ورسالة الدم االمسفوك، وهى عناصر كل نهضة عظيمة عرفها التاريخ بعد ذلك.. حزقيا والسياسة البشرية العقيمة: - ويبدو أنها حكمة الله الدائمة، أن يتركنا لنجرب جهدنا البشرى الخائب، وسياسة الذكاء أو التحالف مع الأشرار أو مهادنتهم، ومن الحق أن حزقيا لم يبدأ بالتحالف مع ملك آشور، بل هذه كانت التركة التى خلفها له أبوه، الذى كان يدفع الجزية لآشور، وعندما اعتلى حزقيا العرش ضاق بهذا الوضع فاتفق مع الفلسطينيين والفينيقيين على أن يقوم جميعهم بالعصيان الشامل العام على آشور، ووعدتهم مصر التى كانت فى ذلك الوقت دولة قوية بالمؤازرة والمعونة، وقد تحمس الشعب اليهودى تحمساً بالغاً لهذا العصيان، ولكن إشعياء لم يكن موافقاً على هذه الحركة إذا لم يكن مطمئناً إلى الاستناد إلى أية قوة غير قوة الله، ولكن الحماس الوطنى غطى فى ذلك الوقت على صوت النبِى، وقام الشعب بتحصين أورشليم حتى اضحت - كما قال أحدهم - أشبه بجبل طارق،... فى هذا الوقت كان سنحاريب مشغولا بإخضاع الممالك الشرقية، ولما تم إخضاعها تحول كالسيل الجارف ناحية الغرب، فأخضع المدن الفلسطينية، وعند عقرون التقى بجيش مصر فهزمه وأخذ يتحرك ناحية مدن يهوذا، وأخذ يخضعها الواحدة تلو الأخرى، ورأى حزقيا فشل سياسته، فأرسل يعلن استعداده للتسليم بشروط الصلح، ولندع سنحاريب نفسه يصف الموقف فيما جاء من كتاباته التى اكتشفها رجال الآثار فى أوائل هذا القرن: " أما حزقيا ملك يهوذا الذى لم يركع أمام قدمى فقد حاصرت واستوليت على 46 مدينة من مدنه القوية وقصوره ومدنه الصغيرة كما سبيت 150 و200 شخصاً من الأشخاص صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً، وحصلت على خيول وبغال وجمال وقطعان ماشية، مما لا يحصى ولا يعد، أما أورشليم عاصمته فقد بدت كالعصفور المحبوس فى قفص أمامى، وقبل سنحاريب ما قدمه حزقيا، وكان ثمناً فادحاً، جعله يقشر الذهب الذى على أبواب الهيكل ليرد الغزو، وتراجع سنحاريب، ونحن لا نعلم لماذا سمح الله بتسليم مدن يهوذا، ولكنه يبدو أنه أراد أن يلقن حزقيا الدرس الذى يحتاجه المؤمنون فى كل عصر وهو خطر التحالف مع الأشرار، أو الاتكال على الجهد البشرى الذى لا ينفع، أو الدبلوماسية التى إن نجحت فإن نجاحها على الدوام ناقص مشوه مبتور، ولا تستطيع أن تصل بالممسكين بها إلى بر الأمان والسلامة!!.. حزقيا والاتكال على الله:- ونحن هنا أمام درس من أعظم دروس التاريخ وأصدقها وأبقاها على مدى الأيام، لقد عاد حزقيا كالطفل الصغير يلوذ بأبيه ويلتصق به، ولم يصنع أكثر مما يفعله الطفل الباكى الصارخ الذى يرتمى فى حضن أبيه!!.. لقد عاد سنحاريب، بعد أن ترك أورشليم، إلى محاصرتها من جديد،.. وكان حزقيا والمدينة أشبه بالفأر فى المصيدة أو العصفور فى القفص، أو السمكة فى الشبكة،... واستلم حزقيا رسائل التهديد: " فأخذ حزقيا الرسائل من أيدى الرسل وقرأها ثم صعد إلى بيت الرب ونشرها حزقيا أمام الرب ". " 2 مل 19: 14 " وسنقرأ القصة كلها من هذه الرسائل بل سنتعلم منها جميعاً كيف نبسط فى بيت اللّه أية أوراق يمكن أن تكون فاصلة فى أعظم المآزق التى نتعرض لها فى حياتنا على هذه الأرض!!.لقد بدت أوراٍق سنحاريب المهددة لحزقيا أوراق: " شدة وتأديب وإهانة "... ولعله يقصد بالشدة أنه وصل إلى يوم من أشد الأيام وأقساها التى مرت بحياته،... وحسن جداً فى الأيام الشديدة من الحياة، أن نحمل أوراق الموت والإعدام، ونبسطها أمام اللّه، فنكشف أمام عينيه خطر الحياة أو الاضطهاد أو الرضى أو التعب أو المعاناه،... ليست كل أيامنا واحدة، أو رخاء أو هدوءً أو أمناً أو سلاماً أو راحة،... إذ سرعان ما تتغير وتتبدل الأيام، وتأتى أيام سنحاريب القاسية التى نضعها أمام اللّه،... ولم يكن الأمر فى نظر حزقيا شدة فحسب بل تأديباً أيضاً،... ولعله أدرك أن مهادنة الأشرار أو الثقة بهم أو الاطمئنان إليهم تحمل معها كل الكوارث،... لقد دفع ما يقرب من نصف مليون من الجنيهات، فى محاولة التفاهم الأولى مع سنحاريب، وقشر الذهب الذى على الهيكل، لعل هذا يرضيه،... وكانت النتيجة أنه فتح شهيته أكثر للعدوان والابتلاع، وهو يدرك الآن النتيجة الحتمية للمداورة مع الخطاة أو الاتفاق مع الأثمة. وكان الأمر الثالث عنده " الإهانة " وهى إهانة لاسم اللّه الذى جدف عليه قبل أن تكون إهانة لحزقيا والأمة كلها... لقد قرأ حزقيا أوراقاً قاسية ومذلة ومهينة!!. ذهب حزقيا بالأوراق إلى بيت اللّه، ونشرها هناك أمام اللّه، ولعلك تلاحظ كيف نشرها فى حضرة القدير،.. لقد نشرها أولا وقبل كل شئ: متضعاً، إذ مزق ثيابه وتغطى بمسح وركع فى حضرة اللّه، والنفس المتضعة تكسب كل شئ فى حضرة الله.. وعلى العكس ليس هناك شئ يمقته القدير مثل النفس المتعجرفة المتكبرة، وشتان ما بين حزقيا المتضع، وسنحاريب الذى قال له اللّه: " من عيرت وجدفت؟ وعلى من عليت صوتاً وقد رفعت إلى العلاء عينيك على قدوس إسرائيل" " 2 مل 19: 22 ".عندما أراد الرومانيون أن يصنعوا تمثالا للامبراطور قسطنطين، كانت طلبته أن يصنعوا تمثاله، وهو راكع على قدميه،... إن أى إنسان مهما قوى فى الأرض لا يزيد فى واقع الحال عن الصورة التى ذكرها إشعياء: " هل تفتخر الفأس على القاطع بها أو يتكبر المنشار على مردده، كأن القضيب يحرك رافعه، كأن العصا ترفع من ليس هو عوداً " " إش 10: 15 " ولا يجوز لإنسان ما أن يرفع عينيه تجبراً وتكبراً على اللّه... ونشر حزقيا الأوراق تائباً،... لقد ذهب إلى اللّه يعترف بحماقته فى محاولة التفاهم أو الاتفاق مع سنحاريب، أو الاتجاه إلى المصريين أو غيرهم ضده، أو كما أفصح ارميا بعد ذلك: " هكذا قال الرب: ملعون الرجل الذى يتكل على الإنسان ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه... مبارك الرجل الذى يتكل على الرب ويكون الرب متكله ".. ونشر حزقيا الأوراق مقراً بعجزه الكامل، فهو لا يأتى مستنداً إلى جيش أو قوة بشرية أو معونة تأتيه من هنا أو هناك، بل هو مثل المرأة الماخض: " لأن الأجنة قد دنت إلى المولد ولا قدرة للولادة "... وليس هناك إحساس بالعجز مثل هذا الإحساس على أنه كان عظيماً وهو يقدم الأوراق إلى شريكه الأعظم، الذى قال: " جدف على غلمان سنحاريب "... وخير لنا أن ندرك أن اللّه شريكنا فى كل شئ، وأنه من واجبنا أن نضع الأوراق بين يدى الشريك الذى معه أمرنا... فى تلك الأيام التى كثرت فيها الحروب بين أسبانيا وفرنسا، حدث ذات مرة أن الأسبان حاصروا جيشاً فرنسيا حصاراً قاسياً، وطلبوا من قائده التسليم، وإذا بالقائد يمسك ورقة ويربطها فى سهم ويقذف بالسهم، وكان على العبارة: " لا يمكن أن نسلم ومعنا ملك " ونحن نستطيع فى كل الظروف أن نؤكد للعالم أن قوتنا فى الشريك الذى لا يمكن أن يتخلى عنا!!... وآخر كل شئ أنه بسط الأوراق مصلياً، وقد صلى معه اشعياء، ولم تكن صلاته فى الواقع إلا كشفا للأمور كلها، ومع أن اللّه يعلم كل شئ،... لكنه يريدك أن تبسط المشكلة بنصها وفصها!!... ومع أن اللّه فى كل مكان، ويسمع ولو من أطراف الأرض، إلا أنه يسر كثيراً بالنفس التى تشق الطريق إليه وتركع بين يديه!!.. وإذا كان آخر ما تتجه إليه أفكار العسكريين فى حروب المستقبل استخدام الفضاء والكواكب الأخرى فى شن الهجوم على المواقع التى يريدون اكتساحها فى الأرض،... وإذا كانت هذه هى آخر أحلام عباقرة الحروب فمن اللازم أن نذكرهم أن هذا ليس بالأمر الجديد على المؤمن،... لقد طلب حزقيا نجدة من عالم آخر غير عالمنا الأرضى، فجاءته نجدة السماء من العالم غير المنظور،... وضرب ملاك اللّه فى ليلة واحدة مائة وخمسة وثمانين ألفاً من جيش سنحاريب، وإذا هم فى الصباح جثث هامدة، وإذا بالطاغية يعلم أن: " الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون "... وإننا نستطيع أن نغنى أغنية المرنم العظيم: " لولا الرب الذى كان لنا لولا الرب الذى كان لنا عندما قام الناس علينا إذا لابتلعونا أحياء، عند احتماء غضبهم علينا إذا لجرفتنا المياه، لعبر السيل على أنفسنا، إذا لعبرت على أنفسنا المياه الطامية، مبارك الرب الذى لم يسلمنا فريسة لأسنانهم، انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا، عوننا باسم الرب الصانع السموات والأرض "..!!. حزقيا والمرض القاتل الذى شفى منه:- وإذ نتحول من معركة سنحاريب، إلى معركة أخرى دخلها الملك حزقيا، وهى أيضاً معركة حياة أو موت،.. بل هى - فى تتعبير أدق - معركة انتزاع الحياة من بين براثن الموت، أو معركة إلغاء حكم الإعدام، إن صح هذا التعبير،... وهى معركة تفجر عدة قضايا ما تزال تشغل الناس فى كل جيل وعصر، وتثير سيلا من الأسئلة المحيرة، والتى لابد من مناقشتها، ولعل أهمها:- أولا: قضية العمر المحدود، وقد درجنا على القول " العمر بيد اللّه "، فإذا " كانت أيامه محدودة وعدد أشهره عندك وقد عينت أجله فلا يتجاوزه " " أيوب 14: 5"، فكيف يقال إن اللّه بعد أن حكم عليه بالموت، عاد فأطال عمره خمسة عشر سنة، ومع أننا لا نستطيع أن نبلغ القصد الإلهى الأعلى، إلا أن نفس الإطالة تؤكد أن العمر محدود، وإن اللّه لا يترك حياة الإنسان تتخبط فى الأرض حتى يوقفها حادث عابر، أو حظ عاثر كما يقولون،.. فما يبدو عابراً أو مصادفة أو شيئاً غير متعمد، لو أدركنا الحقيقة لوجدناه يخضع لحكمة إلهية عظيمة، ولعل خير مثال على ذلك ما حدث مع يهوشافاط وآخاب فى راموت جلعاد: " وأمر ملك آرام رؤساء المركبات التى له الاثنين والثلاثين وقال: لا تحاربوا صغيراً ولا كبيراً إلا ملك إسرائيل وحده، فلما رأي رؤساء المركبات يهوشافاط قالوا: إنه ملك إسرائيل فمالوا عليه ليقاتلوه فصرخ يهوشافاط... وإن رجلا نزع فى قوسه غير متعمد وضرب ملك إسرائيل بين أوصال الدرع فقال لمدير مركبته: رد يدك وأخرجنى من الجيش لأنى قد جرحت " " 1 مل 22: 31 - 34 ".. لقد دافع اللّه عن يهوشافاط عندما صرخ، وأطلق اللّه السهم غير المتعمد بيد الجندى ليقضى على الرجل الذى كان لابد أن يموت فى المكان والزمان المعينين: " فمات الملك وأدخل السامرة فدفنوا الملك فى السامرة وغسلت المركبة فى بركة السامرة فلحست الكلاب دمه وغسلوا سلاحه حسب كلام الرب الذى تكلم به " " 1 مل 22: 37 و38 ".. إن الكلب الذى يقف خصيصاً للحس الدم، لا يترك مجالا لتصور الصدفة!!... والقضية الثانية التى يفجرها مرض حزقيا هى تشابك الأسباب الإلهية بالأسباب الظاهرة البشرية،.. فمن المؤكد أن مرض حزقيا كان كافياً لقتله، وكان اللّه صادقاً كل الصدق فى إبلاغه بالموت، كالقول إن المسموم الذى يسرى السم فى جسمه لابد أن ينتهى إلى الموت، وأغلب الظن أن خراجا قاتلا أرسل السم فى جسم حزقيا، غير أن المسموم يمكن أن يجد مجالا للنجاة، إذا عمل مثلا مشرط الطبيب فيه أو استخدمت وسائل ناجحة فى الوقت المعين... أو أن القضية - فى لغة أخرى - تشابك الإرادة الإلهية وحرية الإنسان،... وقد دخل على المرض القاتل أمران بشريان لو تخلف واحد منهما أو كلاهما لمات الملك بدون أدنى شك، وهذان الأمران هما: الصلاة الصارخة إلى اللّه، واستخدام الوسيلة البشرية بوضع قرص تين على الدبل فيبرأ، وكلا الأمرين جزء من قانون اللّه الذى وضعه للناس، فى قدرة الصلاة، واستخدام الوسائل البشرية من أدوية أو أطباء، أو كما قال واحد من أبرع الأطباء العالميين، وكان جراحاً إنجليزياً: " أنا أجرى العملية واللّه الذى يشفى "،... وهنا نفهم كيف يفعل اللّه كل شئ، لأنه أمر فى قضائه الأعلى أن يجتاز حزقيا أبواباً، وأمر أن تنطلق الحرية البشرية فى أوسع حدودها، فإذا بحزقيا يصرخ أمام الله، ويقبل اللّه صراخه، ودموعه،... ويقبل الوسيلة التى هى فى حد ذاتها لا شئ، ولكنها إعلان لنشاط الإنسان فى حدود طاعة اللّه، ويجوز أيضاً القول إن حزقيا ساهم فى الشفاء باستسلامه لمشيئة اللّه، فهو لا يملك إلا أن يصرخ ويصلى، وساهم أيضاً باستخدام الوسيلة البسيطة القاصرة فى حد ذاتها، واثقاً من القدرة الكامنة خلفها!! والقضية الثالثة التى يثيرها المرض المشار إليه: هو: " هل للصلاة قدرة على أن توقف الإرادة الإلهية أو تغيرها، كما يبدو من ظاهر الأمر "؟.. والحقيقة أن الصلاة لا تغير إرادة اللّه، بل بالحرى تتمها وتنفذها، أو هى الجزء الفعال الخفى فى إتمام هذه الإرادة الصحيحة، المجيدة المباركة، ولو تخلف هذا فى قصة حزقيا لكان المرض كافياً لقتله، أعلن اللّه حقيقة المرض، وترك للمريض مع ذلك استئناف الحكم الإلهى!!.. واللّه يريد فى القصة أن يفتح الباب بلا حدود أو سدود أو قيود أمام قدرة الصلاة العجيبة أمام اللّه،... لقد طلب حزقيا علامة، وكانت العلامة رجوع الظل الدرجات " التى نزل بها بدرجات آحاز عشر درجات إلى الوراء"، فرجعت الشمس عشر درجات من الدرجات التى نزلتها،... ومهما اختلف الشراح فى تفسير هذه المعجزة، وهل هى كسوف للشمس كما يعتقد البعض، أو هى رؤية صحيحة، حدثت أمام العيون للمزولة التى كان يقاس بها الزمن فى ذلك التاريخ أو هو تغيير دوران الأرض، كلها، كما حدث يوم يشوع،؟... فإنها على أى حال معجزة كبيرة بالنسبة للإنسان، وصغيرة جداً بالنسبة للقدرة الإلهية، ومهما كانت المعجزة فى نظر الإنسان، فهى لا شئ أو أقل من لا شئ، أمام اللّه جلت قدرته!!... واللّه يمكن أن يهز الكرة الأرضية كلها عند صرخة واحد من أولاده فى ضيق أو مأزق!!... وفى هذا تشجيع دائم للإنسان ليقتحم المستحيل أو الطريق المسدود،... وهى صوت يكرر أمام الموت الثابت المؤكد قول المسيح لمرثا قديماً: " ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد اللّه "؟... ما أروع وأعظم استئناف حكم الموت أمام الجلال الإلهى! حيث يصلى الإنسان صلاة حزقيا الملك، أو حيث يصرخ إيليا إلى الرب: " وقال أيها الرب إلهى: أ أيضاً إلى الأرملة التى أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها "؟! " 1 مل 17: 20 "، أو حيث تترك الشونمية ابنها مسجى فى البيت، إلى اليشع الذى يعيده مرة أخرى إلى الحياة!!.. يا أبناء اللّه فى كل جيل وعصر: ليست هناك حدود إلى الأبد أمام إيمان أصغر أبناء اللّه، فعليكم بالصلاة فى كل مشكلة ومأزق!!..وهكذا اجتاز حزقيا باب الموت، الذى دخله أمامه فى يوم وليلة مائة وخمسة وثمانون ألفاً من جنود سنحاريب ملك آشور. حزقيا وغيمة الغروب:- وجاءت الغيمة الغريبة التى طالما لفت الكثيرين من الأتقياء من ملوك يهوذا عند الغروب، ونحن ما نزال نلح فى السؤال: لماذا يصر الكتاب على ذكر هذه الغيمة التى خيمت على حياة حزقيا والتى وصفها كاتب سفر الأخبار " وهكذا فى أمر تراجم رؤساء بابل الذين أرسلوا إليه ليسألوا عن الأعجوبة التى كانت فى الأرض، تركه اللّه ليجريه ليعلم كل ما فى قلبه "2 أى 32: 31 ".. لقد جاء هؤلاء من بابل موفدين من قبل الملك لتهنئة حزقيا على شفائه، وأعجب به الظل الراجع فى المزولة!!... وأراهم حزقيا مجده وكنوزه وعظمته!!.. وعادوا إلى بابل وعيونهم مفتوحة على هذه الكنوز، حتى يأخذوها ويسلبوها فى يوم من الأيام!!... وقد أوضح الكتاب هذه الحقيقة ليؤكد أكثر من مغزى ومعنى، أولها وأهمها: أن الترك الإلهى لأقوى مؤمن فى الأرض، أشبه بالتيار الكهربائى الذى ينتهى من السلك فى نفس اللحظة التى يعزل فيها التيار عنه فنضحى فى الحال لعبة الشيطان مهما كانت قوتنا واختبارنا السابقين، ونحن، نرى هنا كيف يفشل الإنسان الذى: " تركه الرب ليجربه ليعلم كل ما فى قلبه "... كما أن الغيمة فصلت الرجل الذى أخذ بالإعجاب بنفسه بعد الأعجوبة الكبرى، ومركز القوة الذى وصل إليه،... وهى للأسف تجربة الناجحين عندما يأخذهم الشيطان بالغرور والكبرياء، وقد نسو للحظة دموع الألم والفشل والقنوط التى كانوا عليها،... لقد عاد الرجل من أبواب الموت، وهز اللّه من أجله الأرض كلها، وارجع الشمس إلى الوراء ومن مثله بين الناس؟!!.. وفى ظل الغيمة دخل الرجل فى الحماقة القاسية إذ فتح كنوزه أمام اللص الذى يسيل لعابه، وطرح القدس للكلاب، والدرر أمام الخنازير التى تدوسها بالأقدام، وترجع لتمزقه!!... مسكين حزقيا إنه واحد منا جميعاً أمام ذاك الذى " السماء ليست بطاهرة أمام عينيه وإلى ملائكته ينسب حماقة فكم بالحرى سكان بيوت من طين الذين أساسهم فى التراب ويسحقون مثل العث "!!... وهو واحد منا نحن الذين نحتاج على الدوام لحكمته وسنده وقوته وعونه ورحمته صارخين مع موسى: " إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من ههنا " ومع داود: " لا تطرحنى من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه منى "..!!... المكان أعطى السلام يقول رب الجنود »... "حجى 2: 9 ".
المزيد
29 ديسمبر 2022

الديانة الطاهرة النقيه عند الله

ونحن في نهاية هذا العام الميلادي يهمنا أن نراجع مبادئنا الروحية ، ومن الأمور الجميلة في الكتاب المقدس أنه يقدم لنا تعاريف محددة للموضوعات الكبرى ، وأهمية التعريف المحدد في حياتنا أن الإنسان يستطيع أن يقيس عليه نفسه . أحد التعاريف القوية التي يقدمها الكتاب المقدس هو تعريف « الديانة الطاهرة النقية عند الله الأب » . يقول القديس يعقوب الرسول : « إن كان أحد فيكم يظن أنه دين ، وهو ليس يلجم لسانه ، بل يخدع قلبه ، فديانة هذا باطلة . الديانة الطاهرة النقية عند الله الأب هي هذه : افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم ، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم » ( يعقوب ١ : ٢٦ ، ٢٧ ) . النقطه الأولى هي أن مفتاح الديانة النقية المقبولة أمام الله هو أن يلجم الإنسان لسانه ، وهذا تعبير قوي جدا ! لأن الأنشطة التي يعملها الإنسان في كل يوم هي متعددة جدا ، لكن يقف على قمتها نشاط الكلام والاستماع والكتابة والقراءة ، وهي أكثر أربعة أنشطه يمارسها الإنسان في كل يوم ، لهذا قال القديس داود النبي : « اجعل يا رب حارسا لفمي . احفظ باب شفتي » ( مزمور 141 : 3 ) . المفتاح الثاني هو قوله « الديانة الطاهرة النقية عند الله » ... لكي يعيش الإنسان هذا المفهوم لابد أن يعرف أن البشر على أنواع ثلاثة : 1- الإنسان الطبيعي ، وهو الذي يعيش الإنسانية من أفكار ومبادئ وما إلى غير ذلك باعتبار أن الإنسان هو قمة الخليقة ، فالله بعدما أوجد هذا الكون وضع على قمته الإنسان بمثابة المالك لهذه الخليقة والساكن في هذا القصر ( الخليقة ) ، وهناك إنسان ينحدر عن طبيعته الإنسانية فيصل إلى ما نسميه : 2- الإنسان الجسداني ، وهو الذي يعيش على مستوى التراب أو الجسد فقط ، وهذا شخص يقع في خطايا متنوعة وأشكال متنوعة من الخطايا ، إن كان حب الشهوة ، أو حب القنية ، أو حب التطلع والمناصب ، وبأية صورة من الصور ، وبهذا يمكن أن يعيش في الخطر والإرهاب والعنف وكل هذه الصور . وهناك إنسان يرتقي فوق الإنسان الطبيعي فيصل إلى 3- الإنسان الروحاني ، أي أن الروح هو الذي يقوده ، وهذا الإنسان هو صاحب الديانة الطاهرة النقية . ولكي تفرق بينهم نجد أن الإنسان الروحاني يعيش حياته ممزوجة بين الجهاد الروحي والنعمة الإلهية ، مبدؤه في الحياة أن يد الله هي التي تقود كل خطوة ، أما إذا كان إنسان على المستوى الطبيعي فهو إنسان يحاول أن يجاهد ولكن بدون نعمة ، فيظن أن الموضوع بقوته أو بممارسة الطقوس كافة سواء قراءات أو صلوات إلى آخره ، لذلك لا يجد تعزية ، ونجده يعيش في المجتمع الذي يملأ حياته . أما النوع المتدني جدا فهو الإنسان الجسداني ، وهذا الإنسان هو الذي لا يرتبط لا بجهاد ولا بنعمة . الديانة الطاهرة النقية عند الله الأب تحتاج هذا الإنسان الروحاني الذي يعرف تماما أن القداسة من الداخل ، ويعرف هذا الإنسان الروحي أن ، وصيه ربنا يسوع المسيح « بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا » ( يوحنا5:15) النقطة الثالثة عندما ندخل في تعريف . الديانة الطاهرة تضع لهذا التعريف جناحين : الجناح الأول في الديانة الطاهرة النقية هو افتقاد الأرامل في ضيقهم ، فكان في الحياة الاجتماعية القديمه في زمن السيد المسيح والقرون الأولى أن الفئات الأكثر ضعفا وتهميشا هم اليتامى والأرامل باعتبار أنه لا يوجد لهم أي سند ، وليس لهم دخل أو رعاية اجتماعية ، ولا أي اهتمام ، وبالتالي يصير الجناح الأول للديانة الطاهرة النقية هو افتقاد الأرامل واليتامي في ضيقهم . وليس المقصود هنا المساعدة المادية فقط ، ولكن المقصود هنا كل أوجه المحبة وأعمال الرحمة التي ممكن أن تقدم ، والمعنى الكبير في هذه الآية هو أن الإنسان لكي ما تكون ديانته طاهرة ونقية وحقيقية ، فلابد أن يبحث عن كل إنسان في ضيقة ( مثل الأيتام والأرامل ) أو محتاج ، ولا اقصد الاحتياج المادي بالتحديد - وإن كان له أهميته – ولكن اقصد الاحتياج حتى الإنساني . الجناح الثاني للديانة الطاهرة النقية عند الله هو « حفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم » ، وهي مسئولية شخصية . هنا يرشدنا أن الإنسان لا بد أن يحفظ نفسه بلا دنس من العالم ، فالعالم قد وضع في الشرير ، وكل إنسان مسئول عن نفسه . في الماضي كان الشر محدودا بحسب وسائل النقل أو المواصلات ، ولكن اليوم أصبح بلا حدود وبكل وسيلة ، ومتاح وعند أطراف الأصابع التي تقوم بالضغط على مجموعة أزرار في أي جهاز . فهل تحفظ أنت نفسك من دنس العالم ؟ في صلاة الساعة التاسعة نصلي ونقول : « أمت حواسنا الجسمانية » ، وليس المقصود الحواس نفسها بل المقصود هو إماتة الشر الذي بها ، فالحواس كما هي مداخل للمعرفة يمكن أن تكون مداخل للشر . والآن وأنت في آخر السنة ، وتريد أن تكون حياتك حياة حقيقية ، لابد أن يكون لك الجناحان ، فالجناح أن الثاني هو ان تعيش في هذه القداسة ، يقول الكتاب « لأن هذه هي إرادة الله : قداستكم » ( تسالونيكي الأولى 4 : 3 ) ، وبهذه القداسة والنقاوة يستطيع الإنسان أن يعاين الله ، والقديس يوحنا الدرجي يقول : « الإنسان الطاهر هو الذي يطرد الحب بحب » ، فهو يطرد حب الدنس أو الشهوة أو الخطية أو أي شيء بحب آخر أسمى منه ، هذا هو الإنسان الطاهر ، ففي قلبك توجد محبات كثيرة ( التليفزيون - النت - الموبيل ) ، ولكن يجب أن يتدرب الإنسان كيف يجب أن يطرد محبة هذه المساعدات على أي شكل من أشكال الخطية ، ويحولها إلى حب آخر . فاحترس لئلا تكون هذه النهضات العلمية وهذه التطورات سببا للدنس في العالم . قل لله : أنا أعدك مع اقتراب عام جديد أن أبدأ معك بداية جديدة ، وأعدك يارب أن إيماني وديانتي ومسيحيتي تكون طاهرة ونقيه وحقيقية ، وأعدك أن يكون لي هذان الجناحان ، افتقاد اليتامى والأرامل وكل من شابههم ، وأيضا حفظ الإنسان نفسه بلا دنس في العالم ، وأعدك يارب أن أعيش هذه المفاهيم ، وأن أعيش هذه المبادئ ، وأتمتع بها معك باستمرار . قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
13 أكتوبر 2021

من الأعواز

يرجع هذا الموضوع إلى قصة أرملة فقيرة وضعت فلسين في صندوق العطاء‏,‏ أي بضعة ملاليم‏,‏ بينما كبار رجال القوم وضعوا بالمئات‏,‏ والسيد المسيح رأي هذه الأرملة الفقيرة في عطائها وقال‏:‏ الحق أقول لكم‏:‏ إن هذه الأرملة الفقيرة قد أعطت أكثر من الجميع لأن هؤلاء من فضلتهم. ألقوا في الصندوق, بينما هذه قد أعطت من إعوازها.حقًا إن الله ينظر إلى عمق العطاء وليس إلى مجرد قيمته, والذي يعطي من إعوازه من احتياجاته يدل علي عطاءه فيه الكثير من الحب, ومن تفضيل غيره علي نفسه بعكس الذي يعطي مما فضل عنه.وفي هذا الموضوع أود أن أتأمل معكم شخصية من يعطي من أعوازه, سواء من جهة المال, أو إعوازه من جهة الوقت, أو من جهة الراحة والصحة.هناك مثل عظيم للذي أعطي من أعوازه من جهة الأبناء انه إبراهيم أبو الآباء والأنبياء الذي أعطاه الله أبنًا في شيخوخته ثم أمره أن يقدم هذا الابن محرقة علي الجبل, فأطاع ومضي به ليذبحه حسب أمر الله, لذلك باركه الله بركة عظيمة, وبارك نسله. مثال آخر هو حنة أم صموئيل النبي وكانت عاقرًا, وصلت ونذرت أن الله إذا أعطاها نسلًا تكرسه لخدمته، وفعلًا عندما منحها الله ابنها صموئيل قدمته لخدمة الرب منذ أن استطاع السير علي قدميه, ويؤسفنا في هذه الأيام أن كثيرًا من النساء يبخلن علي الله في الموافقة علي تقديم الزوج أو الابن لخدمة الرب. مثل آخر ممن يعطي ممن إعوازه هو مثال من يعطي نفسه لخدمة الرب.. إذ يكون ناجحًا جدًا في خدمة العالم. ولكنه يفضل خدمة الرب وتكريس نفسه لذلك فيعطيه ذاته, التي لا يملك غيرها, ويترك كل شيء من أجله, انه بلا شك أعظم بكثير من الذي يعطي المال من الإعوازلاشك أن الذي عنده مال كثير ويعطي منه لخدمة المحتاجين, ولكن عطاءه لا يكون له عمق مثل الذي يعطي وهو محتاجًا إلى ما يعطيه.كانسان يقول إن مرتبي كله لا يكفيني فكيف أدفع العشور لله؟! حقًا انك ستعطي من إعوازك, لذلك سيبارك لك الله الباقي من مالك, فيكون أكثر من المرتب كاملًا. هناك وصية أخري من أيام موسى النبي هي وصية البكور, إذ كان الشخص عليه أن يعطي إبكار أو أوائل كل ما يأتيه من الخير سواء من النبات أو الحيوان, فالشجرة حينما تطرح ثمرًا, يعطي أولي ثماره لله, وكذلك إذا بهيمة أو شاه ولدت له, فيعطي أول نسلها لله, حاليا توجد أزمة بطالة للخريجين فإذا حدث ونال أحدهم وظيفة معينة طالما كان ينتظر ولكن حسب وصية البكور, فان أول مرتب يصل إليه من المفروض أن يقدمه للرب لخدمة الفقراء, ويعتبر هذا المرتب هو بكور إيراداته, وفي نفس الوقت عطاء, من الإعواز وبالمثل أول عملية جراحية يقوم بها طبيب, أو أول كشف أو علاج عليه أن يقدمه للرب وبالمثل علي كل مهندس أو مدرس أو محاسب أو محام أو صاحب مهنة, يقدم أول مكسب له لله, انه تنفيذ لوصية البكور, وفي نفس الوقت هو عطاء من الإعواز. ان الأمر باختصار يدل علي مدي محبة الإنسان للمال, أو ارتفاعه عن مستوي ذلك, بذلك فان مال الفقير الذي يقدمه لله, هو أكثر قيمة من مال الغني الموسر.أتذكر بهذه المناسبة قصة أولوجيوس قاطع الأحجار, الذي يكسب في اليوم درهمًا واحدًا فيمضي في الغروب إلى مدخل المدينة, ليري أي غريب قد جاء إليها, فيستضيفه من درهمه هذا الواحد.وأتذكر بهذه المناسبة قصة كاهن في الإسكندرية كان أقدم خدام الكنيسة الكبرى, وقابله في الطريق إنسان محتاج يطلب منه صدقة, ولم يكن في جيبه أي شيء من المال ليعطيه لهذا المحتاج, فاضطر أن يقترض من صاحب محل قريب, وما اقترضه أعطاه لذلك المحتاج لكي ينفذ وصية: "مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ" (إنجيل متى 5: 42؛ إنجيل لوقا 6: 30).ومن الأمثلة الأخرى الأب الفقير الذي يعلم أولاده من أعوازه, أو ذلك الأب المريض الذي يفضل عدم شراء الدواء اللازم له, ويقدم ثمن ذلك الدواء ليغطي احتياجات أبنائه, فهل يذكر الأبناء عطايا آبائهم, التي أعطوها لهم من احتياجاتهم. نقطة أخري هي العطاء من إعواز الوقت: أنت ترجع إلى بيتك وأنت في غاية التعب ولسان حالك يقول: ثقل النهار وحرّه لم أحتمل بسبب ضعف بشريتي, وتريد أن تنام وتستريح, ولكن ماذا عن الصلاة؟ تقول ليس لدي أي وقت لها. أو قل بصراحة ليس لدي اهتمام بها أو إنك لا تريد أن تعطي من أعوازك من جهة الراحة.. أعط إذن من إعواز وقتك سواء لعمل الصلاة, أو التأمل أو القراءة الروحية, وأعط من قلبك أيضًا, واعلم أن الله سوف لا ينسي لك تعبك, أنه سيقويك، أقول ذلك أيضًا من جهة الخدمة فلا تحاول أن تعتذر عنها مبررا ذلك بأنه ليس لديك وقت, بل أعط الخدمة من إعوازك في الوقت أيضًا, لا تحاول أن تبرر نفسك; بضيق الوقت مثلا وتذكر تلك العبارة المهمة التي تقول: إن طريق جهنم مفروش بالمبررات.اعرف أن عبارة ليس لدي وقت, ربما يكون تفسيرها: ليس عندي اهتمام بذلك, فلا شك أن الشيء الذي تعطيه اهتمامًا, سوف توجد له وقتًا.أيضا من جهة التربية المنزلية, الأب والأم مسئولان عن تربية ابناهما روحيًا وليس فقط من جهة الصحة والتغذية والملابس والتعليم, فهل يعتبر كل منهما أنه لابد أن يكون لديه وقت يقضيه في جلسة روحية مع أولاده يعلمهم طريق الخير والبر إنني في حضوري العيد الألفي لبناء الكنيسة في روسيا, شكرت الكنيسة علي حفظها للإيمان خلال سبعين سنة من الشيوعية, وشكرت أيضًا الأمهات والجدات اللاتي اهتممن بالأطفال وعلمنهم الإيمان وإعدادهم لذلك.قدموا إذًا وقتًا ولو من إعوازكم لتربية أولادكم. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
28 يوليو 2021

المعرفة معرفة الله معرفة الناس معرفة النفس

كل ما يعرفه الناس أنهم يعرفون بعض الأشياء عن بعض الأشياء، أما المتخصص منهم فيركز في معرفته علي أمر معين، يعرف عنه بطريقة أعمق وما أكثر الأشياء التي لا يعرف عنها البشر شيئًا وبعضها مجال لبحوثهم والبعض فوق مستوي البحث! أما الله تبارك اسمه، فانه يعرف كل شيء عن كل شيء ويعرف كل شيء عن كل احد، في السماء وعلي الأرض، سواء من الأرواح البشرية، أو الملائكة أو أسرار الكون، ما يري منه وما لا يري وهي معرفة كاملة شاملة. ولذلك فان الله هو الوحيد الذي يمكن أن يوصف بأنه 'كلي المعرفة'. الله أيضًا يعرف كل الخفيات والظاهرات فهو الوحيد الذي يعرف الغيب. وان ذكر بعض البشر معرفة شيء من المستقبل، فان ذلك يكون عن طريق الاستنتاج أو المعرفة العامة، مثل ما يقوله خبراء الأرصاد عن حالة الجو فيما سيحدث من حرارة أو رياح أو مطر، حسبما يتوقعون وقد لا تكون معلوماتهم دقيقة.. أو قد يقول أحد الأساتذة حسب خبرته أن طالبًا من تلاميذه سوف يرسب وان طالبًا آخر سوف ينجح بتفوق. ويحدث هذا فعلًا بناء علي درايته السابقة بمستوي تلاميذه من حيث العقلية والدراسة والذاكرة.وقد يقول طبيب عن احد مرضاه انه لابد سيموت بعد أيام، وذلك بناء علي وضوح تطور المرض وعدم الاستجابة لأي علاج. ويحدث هذا فعلا ولا نسميه لونًا من معرفة المستقبل إنما هو استنتاج. أما معرفة المستقبل عند الله، فهي فوق مستوي الاستنتاج أو ما توحي به طبيعة الأشياء، إنما هو النبوءة التي فوق الإدراك البشري. ومن أمثلة معرفة الله بالخفيات معرفته بما في الأفكار والقلوب.. فالله هو الوحيد فاحص القلوب وقارئ الأفكار والعارف بما في داخل الإنسان من نيات ومشاعر.. ولذلك فهو يحاسب كل شخص علي نواياه، الأمر الذي هو فوق معرفة البشر.. كما أنه أحيانًا ينقذ البعض من مؤامرة سرية تدبر ضدهم ولا يعرف بها أحد إن كلمة 'أسرار' تقال عن معرفة بعض البشر. أما عند الله فلا يوجد سر بالنسبة إليه.. إنما كل شيء واضح أمامه ومعروف.والله يعرف كل أمر بدون وسائط أو وسائل أو أجهزة.ما أكثر الأجهزة والوسائل التي يستخدمها البشر للوصول إلى معرفة معلومة معينة.. كما نري في الطب أجهزة الأشعة والتحاليل والمناظير، وأجهزة لمعرفة الحرارة والضغط أو التأكد من وجود مرض معين. أما الله فيعرف كل شيء معرفة مباشرة بدون وسائل.. البشر ­في قمة ما وصلوا إليه من علم­ اخترعوا سفن الفضاء، واستخدموها لمعرفة بعض أخبار الكواكب أو الحصول علي بعض صور أو حجارة يستنتجون منها شيئًا..! أما الله فيعرف كل تلك الأجرام السمائية، لأنه هو خالقها، ويعرف كل المعلومات عن باقي الكواكب التي لم يستطع البشر الوصول إليها.. وكذلك ما في فلك السماء من شمس وكواكب ونجوم تحيط بها ولا يحيط بها علم البشر أبدًا..! البشر ينقبون في الجبال بحثا عن الذهب والأحجار الكريمة. وقد ينجحون أحيانًا أو يفشلون.. كما أنهم يحفرون أميالًا عديدة تحت الأرض لعلهم يجدون شيئا من البترول مثلا.أما الله فيعرف كل ذلك دون تنقيب أو حفر، لأنه هو الذي وضع الذهب في تلك الجبال، ووضع البترول تحت الأرض وبالمثل قد يبذل العلماء جهودهم ووقتهم إلى أن يكتشفوا خواص طبية في بعض الحشائش أو النباتات أو في مواد معينة. بينما الله­ جلت قدرته­ يعرف كل هذا دون بحث علمي لأنه هو الذي وضع في تلك النباتات أو المواد ما تتصف به من خواص طبية. تتميز معرفة الله أيضا بأنها معرفة يقينية وفوق التطور الإنسان ينمو في معرفته وأحيانًا يتطور أو يتغير حتى يصل إلى معرفة يعتبرها ثابتة وقد كانت له قصة متناقضة في موضوع الذرٌة وانقسامها إلى أن استقر علي معرفته الحالية وكذلك مرٌ بمأساة بشرية حتى وصل إلى كروية الأرض وقد كان من قبل يحكم بالموت علي من يقول بذلك! ومازال البشر من جهة أصل الإنسان ونظرية التطور في اختلاف بين ما يقوله الدين وما يقوله بعض العلماء وبخاصة عن الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد! وأمور كثيرة نري فيها معرفة الإنسان ­وبخاصة العلماء­ لم تصل إلى مستوي اليقين بعد، إنما هي مجرد محاولات للوصول.. أما معرفة الله فهي معرفة يقينية في كل شيء لا تقبل الشك. معرفة الإنسان تأتي أحيانًا عن طريق التدرج فخطوة منها تقود إلى خطوة أخرى. وبحث لعالم معين يكمل مجهودًا لعالم آخر حتى يصل الجميع إلى نتيجة ثابتة.عنصر التدرج أيضًا يكون في علاج كل مريض مع متابعة كل خطوات علاجه واستجابته له. ونفس التدرج نجده في حلٌ أي تمرين هندسي وفي شرح أي علم حتى يستوعبه الذهن البشري نقطة اثر نقطة.. كذلك كل إنسان في تلقيه للعلم يتدرج من مستوي إلى مستوي اعلي. وفي معرفته ينمو فيها شيئًا فشيئًا.أما الله ­سما وتعالي­ فلا تدرج مطلقا في معرفته، بل انه يعرف كل شيء دفعة واحدة وليس خطوة فخطوة. نهاية كل شيء واضحة أمامه مع بداية هذا الشيء.والله ­كما يعرف­ يمنح أيضًا المعرفة للإنسان في الأمور التي لا يستطيع أن يصل إليها بذاته.ولذلك كما انه كليٌ المعرفة هو أيضًا مانح المعرفة. وان كنا نحن نعرف أمورًا عديدة بعقولنا فهو الذي منحنا هذه العقول بكل مداركها وقدراتها وكثيرًا ما يكشف لنا أمورًا فوق قدراتنا الطبيعية أن نعرفها.. ولعله من أمثلة ذلك ما منحه ليوسف الصديق من جهة موهبة تفسير الأحلام وما تشير إليه أحيانًا عن مستقبل الأمور.وأيضًا ما منحه للأنبياء من وحي الهي.. وما منحه للبعض من جهة كشف المستور ومعرفة بعض الأمور.علي انه يعطينا من المعرفة ما يلزمنا وما ينفعنا. ونحن نشكر الله في كل حين، لأنه أعطانًا علم معرفته وأوصلنا إلى الإيمان به.وهناك أمور يعرفها الله، ولم يكشفها لنا بعد فأمور خاصة بسرٌ الحياة والموت وما يتعلق بروح الإنسان: ما كنهها؟ وكيف تفارق الإنسان؟ وكيف تعود إليه؟ وكيف تكون قيامة الأجساد من الموت؟ ومتى يكون ذلك؟ وكيف تتغذي الروح في العالم الآخر؟ وما كنه ذلك العالم وأين يكون؟ في كل ذلك نطلب المعرفة من الله نفسه وليس إلى غيره فهو وحده الذي يعرف الحق كله بل هو الحق جل جلاله.. نقول ذلك ونحذر الذين يطلبون المعرفة من غير الله عن طريق المنجمين أو الدجالين أو الذين يدعون معرفة البخت والحظ وقراءة الكف وقراءة الفنجان أو ضرب الرمل وأمثال كل ذلك من ادعاء معرفة الغيبيات التي هي من شأن الله وحده.كذلك نحذر من اللجوء إلى السحرة، أو من يدعون السحر!! أو اللجوء إلى الشيطان كمصدر من مصادر المعرفة عند المخدوعين! فالشيطان معرفته دنسة ومضللة يريد بها خداع الناس ممن يقبلون خداعه.. 'وللبحث بقية'. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
30 يوليو 2022

معنى وقيمة لحياتك

ونحن نسير فى برية هذا العالم لابد ان يكون لحياتنا أهداف نسعى لتحقيقها والوصول اليها والإ تصبح حياتنا بلا قيمة ولا معنى ، ونعانى مشاعر الأحباط والقلق والحزن ، ونسير فى الحياة من كريشة فى مهب الريح حائرة لا تستقر على حال من القلق ، ان الكثيرين ممن نقابلهم يحتاجون للمساعدة فى أكتشاف المعنى والقيمة من حياتهم ، اننا فى المسيح يسوع مخلوقين لاعمال صالحة سبق الله فاعدها لنسلك فيها ، ولهذا قال القديس بولس الرسول { أسعى نحو الغرض لأجعل جعالة دعوة الله العليا} (فيلبي3: 14) اننا لابد ان نعرف لماذا نوجد وما هى رسالتنا فى الحياة وماذا يحدث بعد الأنتقال الى السماء . كثير من سكان هذا كوكبنا لهم أهداف مادية متعددة والكل يبحث عن السعادة وتحقيق الذات سوا في جمع المال او نيل الرغبات او الوصول الي سلطة اومنصب وكلها اهداف مرحلية ستنتهي حتي بعد حين بانتهاء حياتنا علي الارض . والمؤمن الحكيم يجعل الأولوية لتحقيق الأهداف الروحية، على مثال القديسين الحكماء والعارفين بالهدف السليم والروحي والاول في حياتنا وهو ان نحب الله من كل القلب والفكر والنفس ونربط انفسنا بالله ، فعشرتنا مع الله تنمو وتذداد الي ان نصل الي السماء حيث نوجد معة كل حين ونفرح بوجودنا معة الي الابد ومع محبتنا لله يجب علينا ان ننمو فى محبة الإخرين ونحب أنفسنا أيضا محبة سليمة تقودها الى الخلاص والنمو والوصول الى الإبدية السعيدة . لقد اوجد الانسان الكثير من الوسائل التى تساعده للوصول الى أهدافه ، والحاجة أم الإختراع كما يقولون ، فمن أجل الوصول من مكان الى أخر أوجد كل وسائل الانتقال من الباخرة الى القطار ثم السيارة وحتى الطائرة ومن أجل سهولة الاتصال والتواصل أكتشف التلغراف والتليفون والمحمول والنت وكل وسائل الاعلام ، وهكذا أوجدنا كل الأختراعات من أجل تحقيق اهداف سامية والتى قد ينحرف بها الانسان عن هدفها الاصلى الى أهداف باطله او حتى سيئة، ولهذا يجب علينا ان نتسأل ما هو الهدف من وجودنا وهل أنحرفنا عن هذا الهدف لنصحح طرقنا ونعدل من درجة أنحراف البوصلة لنصل الى بر الأمان والأيمان . الأنسان ورسالته السامية ... جاء السيد المسيح له المجد ،كلمة الله المتجسد ، لكى يتمم خلاصنا ويعلن لنا محبة الأب السماوى ويقترب لنا بالمحبة والتواضع لنقترب الية ونتعلم منه { فقال لهم يسوع ايضا سلام لكم كما ارسلني الاب ارسلكم انا } (يو 20 : 21) نعم { انكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي لا في الواح حجرية بل في الواح قلب لحمية} (2كو 3 : 3). ولاننا غرباء على الارض ووطننا الحقيقى هو السماء فنحن سفراء لله وللسماء على الارض { اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله} (2كو 5 : 20) . والسفير توفده بلده ليمثلها فى البلد المضيف ويحمل قيمها ولغتها ويعمل على أعلاء مبادئها وتمثيلها التمثيل اللائق والمشرف ، فهل نحن كذلك ؟ ملح الارض ونور العالم ... يلخص السيد المسيح له المجد رسالة المسيحى على الارض فى العظة على الجبل بقوله { انتم ملح الارض و لكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا و يداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. و لا يوقدون سراجا و يضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة و يمجدوا اباكم الذي في السماوات} مت 5:13-16نعم الملح يعطى مذاقة للطعام ونحن نعطى مذاقة روحية لمجتمعنا والملح رخيص الثمن والمسيحى يجب ان يكون متواضعا وهو ضرورة فى مجتمعه رغم تواضعه والملح يحفظ الطعام من الفساد وهكذا المسيحى الحق يحفظ مجتمعه من الفساد ويبكته على خطاياه ، وهكذا راينا الله يرحم العالم لوجود قلة صالحة فيه ولكن لنحترس لأنفسنا لئلا نفسد ونطرح خارجاً ونداس من الناس. اننا نكون نورا للعالم عندما نقترب من النور الحقيقى ، شمس برنا ونكون حباً للأخرين عندما نثبت فى محبة الله ونعلن محبته لكل أحد والنور ضرورى للسائرين فى ظلمة هذا العالم يعطى قدوة ويهدى الضالين لا بالكلام واللسان بل بالعمل والحق { كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الايمان في الطهارة }(1تي 4 : 12). علينا ان نثمر ثمراً صالحا نبنى به أنفسنا ومجتمعنا واقربائنا وأنفسنا .ولكل منا وزنات معطاه له وقدرات وطاقات يجب ان يتاجر بها ويربح ليقدم ثمر الروح والإيمان العامل بالمحبة . ليكون لحياتنا معنى ... علينا اذا على المستوى الشخصى ان ننمى أنفسنا وان نتعلم كيف نكون سفراء صالحين للسماء نعلن محبة الله للبشرية الخاطئة وان نكون نوراً فى العالم وملحاً يعطى مذاقة وسعادة لمن حوله فكل منا يمكنه ان يكون محباً للإخرين فالمحبة لا تسقط أبداً ، علينا ان نسعى للنجاح ونجاهد بامانة لكى نؤدى عملنا باخلاص وننمو فى النعمة والقامة والحكمة وان نسعى فى أثر السلام والصلح والفضيلة مما يعطى لحياتنا هدف ومعنى ، علينا ان نحافظ على حياتنا ومن حولنا وان نمد يد العون للمحتاج ونشجع صغار النفوس و هكذا سنكون سعداء ونجد من يقدرنا ويسعى لخيرنا ويكون لحياتنا معنى وقيمة كما ان تبنينا لقضايا أسرتنا وكنيستنا ومجتمعنا وأوطاننا والسعى الى تحقيقها وتبنى قيم الحرية والمساواة والديمقراطية ومساعدة الفقراء والمحتاجين واى أهداف سامية فى الحياة تجعل للحياة هدف نناضل للوصول اليه مع بقاء الهدف الروحى الثابت ان نفعل مرضاة الله ووصاياه يهبنا سلاما وفرحاً داخلياً يشعرنا باهميتنا داخل نطاق الاسرة والكنيسة والمجتمع . كان هدف دانيال وأصحابة أن يعيشوا – مع الله – رغم فساد البيئة الوثنية في القصر البابلي (دا 8:1)وكذلك مارست أستير الصوم في القصر، حتى تدخل الله فى الأمور وانقذها الله وشعبها من ظلم الاشرار. وقال القديس بولس الرسول لكنيسة فيلبي:{"ليس أني قد نلت (الهدف) أو صرت كاملاً، ولكني أسعى لعلي أدرك ... وإنني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا انسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض}(في3: 13-14). وهذا هو المثال الجيد لكل مؤمن. ووضع القديس أرسانيوس هدفه الروحي أمامه، وقال: "تأمل يا أرسانيوس فيما خرجت من أجله" (خلاص نفسه). وأعلن البشير لوقا أن الرب يسوع "ثبت وجهه إلى أورشليم" (نحو الصليب) (لو9: 51)، أي لتحقيق هدف مجيئة الأساسي للعالم. الشيطان دائماً يوجه نظر الإنسان إلى الإنشغال الدائم بمحبة الذات والشهوات، وأمور العالم التي تعوقه عن السير في طريق خلاصه فهو يلهينا باي شي الا أمر خلاصنا وحياتنا الابدية الانسان يتلهي وينشغل بامور كثيرة ولكن الحاجة الي واحد . لقد صار هدف الكثيرين الآن هو البحث عن لذة الطعام والشراب، ولذة الحواس، وجمع المال او المناصب ولا يفكرون في أهم هدف، وهو كيفية الإستعداد لمغادرة هذا العالم الفاني. ويقول قداسة البابا شنودة: "إن كان هدفك هو الله فسينحصر كل اهتمامك بالله وملكوته و كنيسته و انجيله و خدمة أولاده .... إلخ، ومسكين من ينحرف عن هدف خلاص نفسه، ويستمع لضلال الشيطان وحيله. فلنحاسب أنفسنا ونسأل أنفسنا ما هو هدفي من حياتي؟ وهل أسير في طريق تحقيق الهدف الأسمى وهو "ربح ملكوت الله" أم ربح الأرضيات فقط، أم نفعل هذه ولا نترك تلك . لنبحث فى حياة العظماء ورجال الله القديسين الذين كانت لهم أهداف روحية عظيمة، وصبروا حتى تحققت رغم ما لاقوه من صعاب وتجارب من أجل تحقيق هدفهم مثل يوسف الصديق و دانيال النبى والقديس الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا والقديسين والشهداء والمعترفين فما اصعب أن نركز هدفنا على أمور عالمية زائلة وباطلة وفانية، لا توصلنا إلى السعادة الأبدية، ولا حتى إلى الراحة الوقتية في الدنيا. نحتاج ان نتعلم من الله .. تعبنا في الطريق بدونك ايها الاب الحاني والصديق . نبحث عن السعادة ولا نجدها ، نبحث عن الحب فنجده سراب . نرجو ان نكون شيئاً فلا نجد الا التعب وعدم التقدير . لاننا نبحث عن السعادة بعيداً عنك، لاننا نبحث عن الامتلاك من دونك، لاننا نبحث عن الحب في عالم ملئ بالشهوات. ربي علمنا ان نبحث عنك فنجدك . علمنا ان نحبك فانت قريب منا ، داخلي وانا ابحث عنك بعيداً بعيد. دعني اكتشفك داخلي ايها الحب المطلق فاجد الكنز السماوي. لتكن انت هدفي واكون سفيرك علي الارض . لاحيا لا انا بل انت تحيا في . أمين القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
07 سبتمبر 2021

حقيقة المجيء الثاني

نؤمن أن الرب يسوع سوف يأتي ثانية؛ ليدين العالم، ويعطي كل واحد حسب أعماله. وهذا الايمان هو حقيقة مؤكدة. قال الملاك لآبائنا الرسل عند صعود السيد المسيح إلى السماء: «إِنَّ يَسُوعَ هَذَا ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى ٱلسَّمَاءِ» (أع١: ١١). ويؤكد الكتاب المقدس في أكثر من موضع، على هذا المجيء الحتمي: «لِأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِٱلتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ ٱلرَّبِّ كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ هَكَذَا يَجِيءُ» (١تس٥: ٢).وسبب هذا المجئ هو المحاسبة: «إِذْ هُوَ عَادِلٌ عِنْدَ ٱللهِ أَنَّ ٱلَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقًا ، وَإِيَّاكُمُ ٱلَّذِينَ تَتَضَايَقُونَ رَاحَةً مَعَنَا ، عِنْدَ ٱسْتِعْلَانِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلَائِكَةِ قُوَّتِهِ ، فِي نَارِ لَهِيبٍ ، مُعْطِيًا نَقْمَةً لِلَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ ٱللهَ ، وَٱلَّذِينَ لَا يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ، ٱلَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلَاكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ ، مَتَى جَاءَ لِيَتَمَجَّدَ فِي قِدِّيسِيهِ وَيُتَعَجَّبَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ ٱلْمُؤْمِنِينَ.» (٢تس١: ٦-١٠)وعلى قدر تأكدنا من حقيقة المجئ الثاني، على قدر عدم معرفتنا موعده: + «وَأَمَّا ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلَا يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلَا مَلَائِكَةُ ٱلسَّمَاوَاتِ، إِلَّا أَبِي وَحْدَهُ» (مت٢٤: ٣٦). + «فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلْأَزْمِنَةَ وَٱلْأَوْقَاتَ ٱلَّتِي جَعَلَهَا ٱلْآبُ فِي سُلْطَانِهِ» (أع١: ٧).+ «اِسْهَرُوا إِذًا لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ. وَٱعْلَمُوا هَذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ ٱلْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي ٱلسَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. لِذَلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لِأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لَا تَظُنُّونَ يَأْتِي ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ» (مت٢٤: ٤٢-٤٤).+ «وَأَمَّا ٱلْأَزْمِنَةُ وَٱلْأَوْقَاتُ فَلَا حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا ، لِأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِٱلتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ ٱلرَّبِّ كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ هَكَذَا يَجِيءُ. لِأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: «سَلَامٌ وَأَمَانٌ»، حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلَاكٌ بَغْتَةً ، كَٱلْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى ، فَلَا يَنْجُونَ. وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ كَلِصٍّ. جَمِيعُكُمْ أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. لَسْنَا مِنْ لَيْلٍ وَلَا ظُلْمَةٍ» (١تس٥: ١-٥).+ «وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ، يَوْمُ ٱلرَّبِّ ، ٱلَّذِي فِيهِ تَزُولُ ٱلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ ، وَتَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ ٱلْأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا» (٢بط٣: ١٠).ويرتبط إيماننا بالمجئ الثاني، بحقيقة معرفتنا بقيامة الأموات، وحياة الدهر الآتي.ويخلط بعض الناس بين الحياة الأبدية، والملك الألفي للسيد المسيح.فهل الملك الألفي للمسيح -كما ورد في الأسفار المقدسة- هو ملك زمني أرضي؟ وهل هو سابق أم لاحق للمجيء الثاني؟اختلف المفسرون في تحديده، بسبب غموض النبوات، ورمزية الكتابة في سفر الرؤيا، الذي أخبرنا عن هذا الملك الألفي. وبالرغم من هذا الاختلاف التفسيري، لكن كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، مشتركة مع كنائس أخرى تقليدية، تؤمن بحقيقة واحدة، سنشرحها في المقال المقبل... نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
01 مايو 2022

الأحد الجديد والإيمان الوطيد

إنجيل القداس { وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ لَهُمْ: «سلاَمٌ لَكُمْ». وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «سلاَمٌ لَكُمْ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «أقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ».أَمَّا تُومَا أَحَدُ الاِثْنَيْ عَشَرَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. فَقَالَ لَهُ التّلاَمِيذُ الآخَرُونَ: «قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ». فَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ لاَ أُومِنْ». وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تلاَمِيذُهُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: «سلاَمٌ لَكُمْ». ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً». أَجَابَ تُومَا: «رَبِّي وَإِلَهِي». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا». وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.} ( يو19:20- 31) يسمي الأحد التالي لعيد القيامة بالأحد الجديد أو أحد توما الذى فيه ظهر السيد الرب القائم من بين الأموات للتلاميذ القديسين ومن بينهم القديس توما الرسول الذى كان غائب عنهم فى ظهور المخلص لهم بعد قيامته فى أحد القيامة. ظهر الرب للرسل ليؤكد حقيقة قيامته بجسده الممجد وفيه أثر الجرحات والمسامير فى يديه والحربة فى جنبه، ليقوى إيمانهم ويثبتنا فيه ويزيل شك توما ويطوب المؤمن الذى يرتفع بايمانه فوق حواس الجسد عندما تنفتح بصيرته بالإيمان ويصدق القلب كلام الرب. ظهر الرب للتلاميذ ليحول الشك الي يقين الثقة والإيمان والحزن الي فرح والخوف الي سلام ولكي يكون لنا حياة أبدية أذ نؤمن ونحيا إيماننا العامل بالمحبة ونجاهد علي رجاء. 1- الإنسان الجديد أ- إنسان جديد ... الإنسان الجديد هو الذى يحيا قوة القيامة والتوبة وحياة القداسة والبر. نحن أبناء القيامة، قام السيد المسيح ليقيمنا معه من الخطية لينقلنا من عالم الظلمة الي عالم النور ومن سلطان إبليس الي الطاعة لله. الإنسان الجديد هو الذى يسلك بحسب أرادة الله فى البر وقداسة الحق { إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ،. أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ،. وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ،. وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ.} (أف 21:4-24). نحن لا نتصرف كأهل هذا الدهر بل نسلك كابناء وبنات الله { ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2). ب- عهد جديد ... لقد دخلنا مع الله فى عهد جديد قدسه بدمه لا بدم ذبائح بل أشترانا بدم حمل بلا عيب ولا دنس، فصرنا له { لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا} (مت 26 : 28). { لانكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في اجسادكم وفي ارواحكم التي هي لله}(1كو 6 : 20). أننا أذ أمنا بموت وقيامة الرب يسوع المسيح أعتمدنا معه لنقوم ونحيا معه فى جدة الحياة كاناس الله القديسين {دفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما اقيم المسيح من الاموات بمجد الاب هكذا نسلك نحن ايضا في جدة الحياة} (رو 6 : 4). فيجب علينا أن نحرص علي الوفاء بالعهد أن نكون أبناء لله الذى مات من أجل خطايانا وقام من أجل تبريرنا ونحيا الإيمان لئلا ندان { فكم عقابا اشر تظنون انه يحسب مستحقا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا وازدرى بروح النعمة}(عب 10 : 29). ج- وصية جديدة ... الإنسان الجديد عليه أن يحيا وصايا الرب بفكر المسيح المنفتح والقلب المتسع والروح المتضع. فكر المسيح فكر منفتح يقبل ويحتمل فى بذل وصفح للخطاة الراجعين اليه، وقلبه متسع يجد فيه كل أحد مكان ومكانه وروحه متضع يريد أن نتعلم منه الوداعة والتواضع لنجد الراحة لنفوسنا المتعبه. الانسان الجديد يقدم له الرب وصية جديدة تليق بمن يهبه الروح القدس أمكانيات متجددة { وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا} (يو 13 : 34). لقد أحبنا السيد المسيح حتى الموت { اما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم ان ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم الى الاب اذ كان قد احب خاصته الذين في العالم احبهم الى المنتهى }(يو 13 : 1). علينا أن نتمثل بمحبة المسيح الباذلة ونتمم ناموس المسيح لنحيا الإنسان الجديد السعيد، فى محبة روحية وطاهرة فيها وفاء ونبل { لكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لان المحبة تستر كثرة من الخطايا} (1بط 4 : 8). 2- إيمان وطيد .... الإيمان ليس عقيدة فقط وإيمان بالله وبتجسد أبنه الوحيد وبعمل الروح القدس بل حياة وسلوك فيه يتبدد الشك ويتحول الي يقين ونسير بالإيمان المستقيم وأثقين فى الله لنرث الحياة الأبدية كوعد الله الصادق والأمين. أ- يقين الإيمان.. المؤمن يتقوى فى الإيمان يوماً فيوم ويوقن بمن آمن ولهذا نري السيد المسيح يحرص علي تقوية إيمان الرسل الذين أراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة وهو يشرح لهم ما جاء عنه فى الكتب والأسرار المختصة بملكوت الله لكي يستطيعوا أن يبشروا بالإيمان فى كل العالم، لا بسيف أو تهديد ووعيد بل بقوة إيمان أبن الله الوحيد وصلبه وقيامته ليحرر العبيد. لقد بدد الرب يسوع شك توما الرسول { ثم قال لتوما هات اصبعك الى هنا وابصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا} (يو 20 : 27). آمن توما وصرخ قالاً { «رَبِّي وَإِلَهِي». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا».} (يو 28:20). لقد طوب الرب المؤمنين الذين يرتفعوا فوق مستوى الحواس. وهذا كرز الرسل بيقين الإيمان الذى يغفر الخطايا ويمنح العطايا { لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات الى نور ومن سلطان الشيطان الى الله حتى ينالوا بالايمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع المقدسين} (اع 26 : 18). لقد أمنا نحن بكرازة التلاميذ ومن تسلموا شعلة الإيمان منهم ويجب أن نحيا إيماننا ونكون أمناء نسلم الإيمان لأناس لديهم الكفاءة لتسليمه لمن بعدهم لنجد مكأفاة العبد الصالح والأمين ونتبرر بالايمان { فاذ قد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح}( رو 5 : 1). نحن لنا الإيمان الوطيد الذى يرتفع فوق الشك ونثق في وعود الله وكلامه ولدينا يقين بمحبته {اما الايمان فهو الثقة بما يرجى والايقان بامور لا ترى}(عب 11 : 1). بالإيمان نثبت فى الله ويحل المسيح بالإيمان فينا وبه نحيا {متاصلين ومبنيين فيه وموطدين في الايمان كما علمتم متفاضلين فيه بالشكر} (كو 2 : 7). نصلي ليقوى ايماننا ويزداد رجائنا بقوة الروح { وليملاكم اله الرجاء كل سرور وسلام في الايمان لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس} (رو 15 : 13). ب- إيمان عامل بالمحبة .... نحن لا نحب بالكلام أو اللسان بل محبتنا وإيماننا هو إيمان عملي، عامل بالمحبة، نحن نؤمن بالمسيح المصلوب والقائم من الموت ونحمل صليبه بحب ونبرهن علي صحة إيماننا بالبذل من أجل من أحبنا والسلوك المستقيم الذى يرفض الشر ولا يشترك فى أعمال الظلمة بل يوبخها بسلوكه فى النور ويقول مع بولس الرسول { مع المسيح صلبت فاحيا لا انا بل المسيح يحيا في فما احياه الان في الجسد فانما احياه في الايمان ايمان ابن الله الذي احبني واسلم نفسه لاجلي}(غل2 :20). وكما قال الكتاب فان الله يقبل اليه الكل، اليهود والأمم، مختونين أو فى الغرلة بالإيمان العامل بالمحبة { لانه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة بل الايمان العامل بالمحبة} (غل 5 : 6). إيماننا بمحبة الله المعلنة فى أبنه وتعلن لنا بالروح القدس يقودنا الخلاص والحق والقيامة والحياة الأبدية { ونعلم ان ابن الله قد جاء واعطانا بصيرة لنعرف الحق ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح هذا هو الاله الحق والحياة الابدية} (1يو 5 : 20) ج- الإيمان والحياة الأبدية... لقد جاء السيد المسيح ليدعونا الي التوبة والإيمان {ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل }(مر 1 : 15). وكانت كل تعاليمه وآياته لنؤمن أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لنا حياة أبدية { وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.} ( يو30:20- 31). وبهذا كرز الرسل { فان الحياة اظهرت وقد راينا ونشهد ونخبركم بالحياة الابدية التي كانت عند الاب واظهرت لنا} (1يو 1 : 2). وكما قام السيد المسيح سنقوم معه ونلبس عدم الفساد باجساد روحانية نورانية ممجدة، ولهذا نجاهد ونسلك فى النور لكي نمسك بالحياة الأبدية { جاهد جهاد الايمان الحسن وامسك بالحياة الابدية التي اليها دعيت ايضا واعترفت الاعتراف الحسن امام شهود كثيرين }(1تي 6 : 12). نتمثل باناس الله القديسين { لكي لا تكونوا متباطئين بل متمثلين بالذين بالايمان والاناة يرثون المواعيد} (عب 6 : 12). نتمسك بوعده الصادق والأمين { وهذا هو الوعد الذي وعدنا هو به الحياة الابدية} (1يو 2 : 25). 3- القلب السعيد... زمن القيامة هو دخول للأبدية السعيدة وحياة التسبيح والفرح بالرب ولهذا رتبت الكنيسة مزمور إنجيل قداس الأحد الجديد { سبحوا الرب تسبيحاً جديداً. لأن الرب قد صنع أعمالاً عجيبة. هللوا للرب يا كل الأرض. سبحوا وهللوا ورتلوا. هلليلويا} (مز 1:98-2). أما مزمور قداس عيد القيامة فهو القائل {هذا هو اليوم الذي صنعه الرب. فلنبتهج ونفرح به. يارب تخلصنا. يارب تسهل طريقنا. الله الرب أضاء علينا. هلليلويا} ( مز24:118-27) . ا- الفرح بالقيامة... أمتلأ التلاميذ من الفرح بقيامة الرب من الأموات وهو واهب الفرح. لقد وعد الرب تلاميذه قبل صلبه {أراكم فتفرح قلوبكم ، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحكم منكم} وأتم وعده بعد قيامتة المجيدة {ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب}( يو 20:20). وأتخذ التلاميذ من الأيمان بالقيامة وأفراحها موضوع كرازتهم ( وان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل ايضا ايمانكم. ونوجد نحن أيضا شهود زور لله. ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين.فانه اذ الموت بانسان، بانسان أيضاً قيامةُ الأموات .لأنة كما في أدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع.}(1كو 15 : 20،14). حتي عندما تعرض الرسل للسجن او الاضطهاد كانوا يقابلون ذلك بفرح وسلام وقوة {واما هم فذهبوا فرحين من امام المجمع لانهم حسبوا مستاهلين ان يهانوا من اجل اسمه} (اع 5 : 41). وهكذا يوصينا الأنجيل ان نحيا فرحين برجائنا فى القيامة {فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة}(رو 12 : 12). ب- قلب فرح شاكر لله ... علينا أن نقدم الشكر لله من كل القلب كل حين { نشكر الله الشكر الجزيل على انه خلصنا من اخطار جسيمة }(2مكا 1 : 11). نشكر الله الذى أحبنا وحبه أراد أن يخلصنا من الهلاك الأبدي ولما كان الموت فى طريق خلاصنا أجتاز الموت ووهبنا الحياة الأبدية. { فشكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها }(2كو 9 : 15). أن مراحم الله علينا متجددة كل صباح فالمؤمن يحيا مع المسيح القائم منتصراً علي الضعف والشر والشيطان والموت ويثق أن الله سيقوده فى موكب نصرته ولهذا لا يقلق ولا يضطرب لشئ { ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان} (2كو 2 : 14). فى كل شئ نقدم الشكر لله بقلب سعيد متهلل بخلاص الرب { لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله }(في 4 : 6). ج- بشرى السلام والفرح ... إيماننا بالقيامة يجعلنا نحيا حياة السلام والفرح وننقلها ونكرز بها من حولنا (سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب). (يو 14 : 27) . ان المسيح القائم هو سلامنا ولن تستطيع اى قوة او تهديد حتى بالموت ان تنزع منا هذا السلام لاننا ابناء القيامة والحياة الإبدية .ان الموت الذى يخافه الناس بقيامة السيد المسيح صار جسر للعبور للإبدية السعيدة. لقد راينا فى شهداء ليبيا الأقباط الأبطال كمثال ثبات الإيمان وقدموا شهادة حية لمسيحهم القائم وديع ومنتصر واهب السلام والفرح التسبيح حتى وسط الآتون والظروف الصعبة ولنا فى أنشودة القديس بولس الرسول قدوة ومثل { فماذا نقول لهذا ان كان الله معنا فمن علينا. الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لاجلنا اجمعين كيف لا يهبنا ايضا معه كل شيء. من سيشتكي على مختاري الله، الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام ايضا الذي هو ايضا عن يمين الله الذي ايضا يشفع فينا. من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا امور حاضرة ولا مستقبلة. ولا علو ولا عمق ولا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا} (رو31:8-38). أننا نفرح بقيامة الرب وكما ظهر لرسله القديسين بعد قيامته فاننا نراه بعيون الإيمان فننمو فى الايمان، ونتقوى ونفرج بالرجاء ونثبت فى المحبة ونمسك بالحياة الأبدية، أمين. القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
21 مايو 2022

المؤمن وحياة النصرة ج1

{ الفرس معد ليوم الحرب اما النصرة فمن الرب }(ام 21 : 31) السيد المسيح وحياة النصرة ... قدم لنا السيد المسيح في تجسده الصورة المثالية لحياة الغلبة والانتصار المقترن بالبذل والوداعة كما جاء عنه { هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ.لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ .} ( مت 18:12-21). لقد انتصر في كل كل حروب الشيطان، كما في التجربة على الجبل (مت 4) وانتصر بالمنطق وقوة الحجة في كل حواراته مع الكتبة والفريسيين وكل قيادات اليهود (مت 21-23). وانتصر على الصليب وأظهر قوة المحبة الغافرة حتى للصالبين وقدم لنا الخلاص الثمين وداس على الموت بموته (عب 2: 14، 15). وأنتصر على الموت بقيامته. وانتصر على العالم وشروره ووعدنا أنه كما غلب العالم فانه سيعطينا الغلبة { ثقوا أنا قد غلبت العالم} (يو 16: 33) ومن جهة البر كان منتصرًا.. فقد شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية (عب 4: 15). وقد تحدى اليهود قائلًا { من منكم يبكتني على خطية؟!} (يو8: 46). وانتصر في كسبه لمحبة الناس.. فقيل عنه {هوذا العالم قد ذهب وراءه} (يو 12: 19). ودخل أورشليم منتصرًا كملك وديع وعادل ومنتصر فارتجت المدينة كلها (يو 21: 10). وقيل عن انتصاراته {هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا} (رؤ 5: 5). وأنتصر عندما صعد الي السماء وأصعد طبيعتنا معه وقد رسم لنا سر النصرة وطريق الخلاص كما أنتصر في تلاميذه ونشروا الكرازة في كل مكان وينتصر بنا وفينا أن تمسكنا بالإيمان المستقيم وجاهدنا الجهاد الحسن. الله وأهب النصرة .... الله هو سر نصرة المؤمن في حياته العملية وحروبه الروحية وهو الذى يهبنا النعمة الحكمة والقوة وكما صنع الله خلاصاً عجيباً مع الشعب قديما في خروجهم من مصر بذراع رفيعة فان الرب يقاتل عن شعبه فى كل جيل الشيطان وكل قواته { أَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْنَاكَ بِهِ فِي مِصْرَ قَائِلِينَ: كُفَّ عَنَّا فَنَخْدِمَ الْمِصْرِيِّينَ لأَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ نَخْدِمَ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَنْ نَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ». فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «لاَ تَخَافُوا. قِفُوا وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ الَّذِي يَصْنَعُهُ لَكُمُ الْيَوْمَ. فَإِنَّهُ كَمَا رَأَيْتُمُ الْمِصْرِيِّينَ الْيَوْمَ لاَ تَعُودُونَ تَرُونَهُمْ أَيْضاً إِلَى الأَبَدِ. الرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ».} ( خر12:14-14). والله يطمئن كل نفس قائلا {لا تخف لاني معك لا تتلفت لاني الهك قد ايدتك واعنتك وعضدتك بيمين بري} (اش 41 : 10). وكما أنتصر السيد المسيح فى حياته وحقق الهدف من تجسده وأكمل لنا تدبير الخلاص وأنتصر علي كل تجارب إبليس فانه وعدنا بانه سيكون معنا كل الأيام والي انقضاء الدهر { ها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر امين} (مت 28 : 20) {ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته فلأي المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان} (2كو 2 : 14). كيف ننتصر في الحروب الروحية... لان لنا أعداء روحيين يحاربوننا فيجب علينا أن نتسلح باسلحة الحرب الروحية لكي ننال الغلبة والنصرة لهذا يوصينا الكتاب أن نخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور { قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع اعمال الظلمة ونلبس اسلحة النور (رو 13 : 12). أننا نواجه أنواع من الحروب منها ما يأتي الينا من الداخل كحروب الفكر والحواس والقلب والميول والشهوات الخاطئة ومنها الحروب الخارجية سواء من الشيطان أو ما له من أعوان الشر. أو أغراءات العالم أو محبة المال والأتساع. وعلينا أن نطلب من الله الحكمة والمعرفة والنعمة والقوة وأن يقودنا فى موكب نصرته . علينا في حروبنا ومواجهتنا لتجارب إبليس والعالم علينا أن لا نعتمد علي ذواتنا أو إرادتنا، وقوتنا، وخبرتنا، وذكائنا، لأن العدو أكثر قوة وخبرة وحيلة، والرب نفسه قال { بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا} (يو 15: 5). فعلينا أن نثق في الله أولاَ ونطلب منه الحكمة والنصرة ويكون لدينا الأفراز ونطلب روح الله ليقودنا ويرشدنا ونصلي ليتدخل الله ويحارب عنا وكما قال الكتاب {الحرب للرب.. والرب قادر أن يغلب بالكثير وبالقليل} (1صم 14: 6). وكما قال القديس بولس الرسول {يعظم انتصارنا بالذي أحبنا} (رو 8: 37). أسلحتنا الروحية... هي الصلاة بتواضع والصوم والسهر والحكمة واليقظة الروحية والأنقياد لروح الله القدوس وكلمة الله والحق ودرع البر وكلام الله في الكتاب المقدس وترس الإيمان المستقيم والعمل بإمانة وأخلاص والألتصاق بكل وساط النعمة من صلاة وقراءات روحية وتأملات وتداريب لمحاسبة النفس واليقظة الروحية والألتصاق بالكنيسة وأب الاعتراف، والتناول والاجتماعات الروحية. فإن هذه كلها توقد الحرارة في قلوبنا، وتعمق محبتنا لله ، وتمنحنا قوة للانتصار. أما إن بعدنا عن هذه الوسائط الروحية، فما أسهل أن نفتر، ويجد العدو مدخلًا إلينا . ويعطينا الكتاب المقدس أمثلة لأسلحة الحرب الروحية { الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ.فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا. فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ. حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهَذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ} ( أف 11:6-18) من يستخدم سلاح الصلاة والصوم وتواضع القلب لا يعرف الهزيمة إطلاقًا فبالصلاة يأتي بالرب ليحارب عنا لهذا قال النبي{ جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع} (مز 16 : 8). الانبا أنطونيوس الذي حاربته الشياطين وزلزلت موضع سكناه ذات مرة قال للشياطين (إن كان الله قد أعطاكم سلطانًا على، فمن أنا حتى أقاوم الله؟ وإن لم يكن الرب قد أعطاكم سلطانًا، فلن يستطيع أحد منكم أن يغلبني). الحرب ليست بينك وبين الأعداء، وإنما هي أولا وقبل كل شيء مع الله. إن صارعته حتى الفجر، وأخذت منه القوة فلن يستطيع عدو أن يغلبك. فصلي بإيمان وثق أن الله واقف معك، يحارب ويقاتل أعداءك إن وثقت بهذا تقول مع داود النبي {إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي، وإن قام على قتال، ففي هذا أنا مطمئن} (مز 26). وهناك أسلحة ضرورية لهذه الحروب الروحية، يجب أن نستخدمها في الوقت المناسب، فيهرب إبليس وكل أفكاره الشريرة . الصلوات السهمية... هي صلوات سريعة جدًا، كسرعة "السهم" يصليها المؤمن فى كل وقت كصلاة يسوع لتقيه سهام إبليس وأفكاره وعندما يأتي العدو بهجوم مفاجيء نرُد عليه بصلاة سهمية ة لطلب المعونة والقوة والنصرة ويمكننا أن نصليها في كل زمان ومكان. الإيمان ... يقول القديس بولس الرسول {حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة}(أف 6: 16). فالإيمان هو الذي يوقف سهام الشيطان الشريرة ويهلكها بالخوف من الدينونة المستقبلة، والإيمان بملكوت السموات. علينا أن نثبت فى جهادنا الروحي ونثق أن السماء ترقب جهادنا، وملائكة وقديسون كثيرون يشفعون فينا. وليكن جهادنا مسنود بالإيمان بيد الله القوية وذراعه الحصينة، التي تغنى بها النبي قائلًا: { دفعت لأسقط والرب عضدني. قوتي وتسبحتي هو الرب وقد الرب وقد صار لي خلاصًا} (مز 118 : 14). المحبة .... { فالمحبة تحتمل كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء} (1 كو 13: 7). فأي أفكار خاصة بالغضب والحقد والضغينة لو قابلتها بالمحبة لأهلكتها وجعلتها لا تتعمق في قلب الإنسان فتفسده، فالذي يحب الآخرين ويحب الأعداء لا يغضب ولا يحقد. الرجاء... يقول القديس بولس الرسول {وأما نحن الذين من نهار، فلنصح لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة رجاء الخلاص} (1 تس 5: 8). والخوذة هي التي تحمي الرأس. والمسيح رأسنا لذلك ينبغي علينا في التجارب أن نحمي رأسنا برجاء الأمور الصالحة المقبلة. كلمة الله.... كلمة الله قوية جدًا وفعالة في محاربة الأرواح الشريرة، لذلك استخدمها رب المجد في تجربة الشيطان لأنها {أمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومميزة أفكار القلب ونياته} (عب 4: 12). الصبر والمثابرة.... نحن نحتاج إلى الصبر في هذه الحرب الروحية، فالمجاهد الصبور سيحارب بالصبر كما قيل {لأنكم تحتاجون إلى الصبر، إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد} (عب 10: 36). أن عمل الله معنا ليس معناه أن نكسل. بل نجاهد بكل قوتنا . ونقاوم كل شهوة وكل رغبة خاطئة. كما قال الرسول {قاوموا إبليس فيهرب منكم} (يع 4: 7) وأيضًا {قاوموه راسخين في الإيمان} (1بط 5: 9). إن مقاومتنا تدل على رفضنا للخطية. وبذلك نستحق معونة النعمة. نتذكر فى جهادنا الروحي وعود الله وتشجيعه لأولاده { الفرس معد ليوم الحرب اما النصرة فمن الرب} (ام 21 : 31) وقوله لزربابل { من أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلًا} (زك 4: 7)، وقوله للقديس بولس { لا تخف.. لأني أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك} (أع 18: 9، 10). وقوله من قبل لارمياء النبي {يحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك، يقول الرب، لأنقذك} (أر 1: 19). علينا أن نعيش دائما في محبة الله، فننتصرونستعين في جهادنا بالصبر والثبات فى كلمة الله. وإن أخافنا عدو الخير، تذكر قول القديس بولس {أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني}(فى 4: 13).ونثق أننا كلما نلنا خبرة في حروبنا الروحية، سوف نزداد قوة وإيمان وننتصر وننال الغلبة بربنا يسوع المسيح. القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل