المقالات

15 أكتوبر 2018

عصر سبي بابل - الجزء الثالث

(5) العودة من السبي + كورش الملك الوثني مسيح الرب صرخ الشعب إلى الله، وندموا على خطاياهم التي تسببت في سبيهم، وأحسوا باحتياجهم للعودة إلى أرضهم، وهيكلهم، وعلاقاتهم القديمة مع الله، واعترفوا بخطيتهم، وأخطائهم قائلين: "أنتَ بارٌّ في كُل ما أتَى علَينا لأنَّكَ عَمِلتَ بالحَق، ونَحنُ أذنَبنا ومُلوكُنا ورؤَساؤُنا وكهَنَتُنا وآباؤُنا لم يَعمَلوا شَريعَتَكَ، ولا أصغَوْا إلَى وصاياكَ وشَهاداتِكَ التي أشهَدتَها علَيهِمْ" (نح33:9-34) حينئذ سخّر الرب الملك الوثني "كورش" لخدمة شعب الله، وذلك بأن أمر بعودتهم إلى بلادهم، وتعمير أورشليم والهيكل وقد تنبأ إشعياء النبي عن هذا الملك الوثني باسمه قبل ولادته بأكثر من مائة عام قائلاً: "هكذا يقولُ الرَّبُّ لمَسيحِهِ، لكورَشَ الذي أمسَكتُ بيَمينِهِ لأدوسَ أمامَهُ أُمَمًا، وأحقاءَ مُلوكٍ أحُلُّ، لأفتَحَ أمامَهُ المِصراعَينِ، والأبوابُ لا تُغلَقُ: أنا أسيرُ قُدّامَكَ والهِضابَ أُمَهدُ أُكَسرُ مِصراعَيِ النُّحاسِ، ومَغاليقَ الحَديدِ أقصِفُ وأُعطيكَ ذَخائرَ الظُّلمَةِ وكُنوزَ المَخابِئ، لكَيْ تعرِفَ أني أنا الرَّبُّ الذي يَدعوكَ باسمِكَ، إلهُ إسرائيلَ لأجلِ عَبدي يعقوبَ، وإسرائيلَ مُختاري، دَعَوْتُكَ باسمِكَ لَقَّبتُكَ وأنتَ لستَ تعرِفُني أنا الرَّبُّ وليس آخَرُ لا إلهَ سِوايَ نَطَّقتُكَ وأنتَ لم تعرِفني" (إش1:45-5)وقد وصفه إشعياء النبي بصفات عجيبة، بالرغم من أنه ملك وثني مثل:- "راعيَّ" (إش28:44). "مسيح الرب" (إش1:45). "رجل مشورتي" (إش11:46). "قد أحَبَّهُ الرَّبُّ" (إش14:48). "كُلَّ مَسَرَّتي يُتَممُ" (إش28:44). " الكاسِرَ" (إش11:46). هذا يوضّح كيف يستخدم الله حتى غير المؤمنين لخدمة كنيسته وقد قيل إن هذه النبوات قُرأت أمام كورش فسُّر بها، وسمع من خلالها صوت الإله الحقيقي، الذي يبارك خطواته، وحياته مما جعله يُطيع النبوة: "القائلُ عن كورَشَ: راعيَّ، فكُلَّ مَسَرَّتي يُتَممُ ويقولُ عن أورُشَليمَ: ستُبنَى، وللهيكلِ: ستؤَسَّسُ" (إش28:44)علمًا بأن هذه النبوات التي قيلت عن كورش كمُخلِّص زمني لإسرائيل من السبي يمكن أيضًا أن تفهم بالبعد المسياني على أنها نبوات عن تجسد الله الكلمة لخلاص كل العالم من السبي الروحي. + العودة من السبي:- نبَّه روح الله كورش، فأطلق نداءه بالسماح لمَنْ يريد من المسبيين من اليهود، بالعودة إلى وطنهم، لبناء هيكل إله السماء: "نَبَّهَ الرَّبُّ روحَ كورَشَ مَلِكِ فارِسَ فأطلَقَ نِداءً في كُل مَملكَتِهِ وبالكِتابَةِ أيضًا قائلاً: هكذا قالَ كورَشُ مَلِكُ فارِسَ: جميعُ مَمالِكِ الأرضِ دَفَعَها لي الرَّبُّ إلهُ السماءِ، وهو أوصاني أنْ أبنيَ لهُ بَيتًا في أورُشَليمَ التي في يَهوذا" (عز1:1-2) وبدأ بعض المسبيين في العودة من السبي إلى بلادهم، وبدأت مع هذه العودة المباركة، نهضة روحية قادها بعض رجال الله القديسون. وكانت هذه العودة من السبي على أربعة مراحل:- (1) المرحلة الأولى:- عاد الفوج الأول من السبي بقيادة زربابل ويهوشع رئيس الكهنة: "آخُذُكَ يا زَرُبّابِلُ عَبدي ابنُ شألتيئيلَ، يقولُ الرَّبُّ، وأجعَلُكَ كخاتِمٍ، لأني قد اختَرتُكَ، يقولُ رَبُّ الجُنودِ" (حج23:2) وقد ذُكر خبر هذا الرجوع في سفر عزرا الأصحاح الثاني"وهؤُلاءِ هُم بَنو الكورَةِ الصّاعِدونَ مِنْ سبيِ المَسبيينَ، الذينَ سباهُمْ نَبوخَذناصَّرُ مَلِكُ بابِلَ إلَى بابِلَ، ورَجَعوا إلَى أورُشَليمَ ويَهوذا، كُلُّ واحِدٍ إلَى مَدينَتِهِ. الذينَ جاءوا مع زَرُبّابَلَ" (عز1:2-الخ)هؤلاء العائدون بنوا المذبح لإصعاد الذبائح والمحرقات، علامة العودة إلى عبادة الله الحي، بعد توقف هذه الذبائح طيلة فترة السبي (عز2:3-3). ولكن بسبب مضايقات الأعداء، توقفوا عن بناء الهيكل، إذ تم استصدار أمر ملكي من بابل بإيقاف العمل في البناء، نتيجة الوشاية لدى الملك (عز1:4-5). (2) المرحلة الثانية:- بعد نحو 16 سنة من النهضة الأولى قام حجي وزكريا النبييْن ببناء الهيكل، والاحتفال بعيديْ الفصح والفطير، وذلك بعد أن حنّن الرب قلب داريوس الملك؛ فأصدر أمرًا ملكيًا باستكمال العمل في بناء الهيكل، وكذلك تنبيه حجي وزكريا للشعب أن يلتفتوا إلى بناء الهيكل (عز1:6-3)، ولا يكتفوا بأنهم بنوا منازلهم الفخمة وسكنوا فيها: "هل الوَقتُ لكُمْ أنتُمْ أنْ تسكُنوا في بُيوتِكُمُ المُغَشّاةِ، وهذا البَيتُ خَرابٌ؟ والآنَ فهكذا قالَ رَبُّ الجُنودِ: اجعَلوا قَلبَكُمْ علَى طُرُقِكُمْ زَرَعتُمْ كثيرًا ودَخَّلتُمْ قَليلاً تأكُلونَ وليس إلَى الشَّبَعِ تشرَبونَ ولا تروونَ تكتَسونَ ولا تدفأونَ والآخِذُ أُجرَةً يأخُذُ أُجرَةً لكيسٍ مَنقوبٍ هكذا قالَ رَبُّ الجُنودِ:اجعَلوا قَلبَكُمْ علَى طُرُقِكُمْ اِصعَدوا إلَى الجَبَلِ وأتوا بخَشَبٍ وابنوا البَيتَ، فأرضَى علَيهِ وأتَمَجَّدَ" (حج4:1-8)، وكذلك تنبأ زكريا النبي عن بناء أورشليم قائلاً: "قد رَجَعتُ إلَى أورُشَليمَ بالمَراحِمِ فبَيتي يُبنَى فيها، يقولُ رَبُّ الجُنودِ" (زك16:1). (3) المرحلة الثالثة:- قادها عزرا النبي بناءً على أوامر من أرتحشستا الملك، بعودة مَنْ يريد من الباقين من السبي، إلى أورشليم "مِنْ أرتَحشَشتا مَلِكِ المُلوكِ، إلَى عَزرا الكاهِنِ كاتِبِ شَريعَةِ إلهِ السماءِ الكامِلِ، إلَى آخِرِهِ قد صَدَرَ مِني أمرٌ أنَّ كُلَّ مَنْ أرادَ في مُلكي مِنْ شَعبِ إسرائيلَ وكهَنَتِهِ واللاويينَ أنْ يَرجعَ إلَى أورُشَليمَ معكَ فليَرجِعْ" (عز12:7-13)، وبعد هذه العودة قرأ عزرا الشريعة على الشعب وألزمهم بتنفيذها "لأنَّ عَزرا هَيّأَ قَلبَهُ لطَلَبِ شَريعَةِ الرَّب والعَمَلِ بها" (عز10:7)وكانت هذه أيضًا نهضة روحية رائعة لشعب الله، بسبب العودة إلى كلمة الله وقراءتها بروح التوبة، والغيرة المقدَّسة. (4) المرحلة الرابعة:- قادها نحميا النبي بعد نحو 14 سنة من النهضة الثالثة (راجع نحميا1:2-8)، وبنى أسوار أورشليم، وعمَّر المدينة، وذلك بعد تجميع الشعب وتحفيزه، وبعد طلب مشورة الرب وتدعيمه وكانت أيضًا عودة بناء أسوار أورشليم والهيكل سببًا في بعث الغيرة المقدَّسة للشعب، مما دفعهم لتجديد العهود مع الله، وإحياء روح ذبيحة التسبيح. (6) النهضة الروحية المصاحبة للعودة من السبي بالطبع كانت عودة الشعب إلى أرضه المقدَّسة سببًا في عودة الروح إليه، وبدأ الناس يفكرون من جديد في إلههم وبدأوا يعودون إلى عبادته المقدسة. فكان من أبرز علامات النهضة الروحية التي صاحبت العودة من السبي عودة ذبيحة التسبيح إلى مكانتها ومجدها اللائقَين بها. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
14 أكتوبر 2018

الخادم ومحبته لإخوته الخدام

المحبة هي أهم علامات أننا تلاميذ السيد المسيح «بهذا يَعرِفُ الجميعُ أنَّكُمْ تلاميذي: إنْ كانَ لكُمْ حُبٌّ بَعضًا لبَعضٍ» (يو13: 35). المحبة هي مكان سكنى واستقرار المسيح، بل هي علامة وجوده... لهذا فقبل أن تفكر في متطلبات الخدمة فكر أولًا في محبتك لكل من حولك وبخاصة لإخوتك الخدام... أقوى درس سيبقى في نفوس المخدومين هو المحبة التي يلمسها المخدوم بين الخدام بعضهم لبعض... وفي غياب المحبة يبطل كل شيء... يبطل التعب وتبطل المعرفة وتبطل الأنشطة... وكأنك ألقيت ماء في كيس مثقوب. والمحبة تُلحَظ دون كلام وتُفهَم دون تفسير، لذلك فهي تسري في النفس، وتعلّم أكثر من التعاليم، وتبقى أكثر من الدروس. فإن حضر إلينا المخدومون ورأوا ولمسوا المحبة الحقيقية، فقد سلمناهم أسمى التعاليم، وإن لم يروا المحبة فقد أعثرناهم في جميع التعاليم. فكيف نتكلم عن الله ونحن لا نحب بعضنا بعضًا، فهذا يقدم دليلًا قاطعًا لعدم معرفة الله «مَنْ لا يُحِبُّ لَمْ يَعرِفِ اللهَ، لأنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ» (1يو4: 8)، «مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أخاهُ أيضًا» (1يو4: 21)، لأنَّ مَنْ لا يُحِبُّ أخاهُ الّذي أبصَرَهُ، كيفَ يَقدِرُ أنْ يُحِبَّ اللهَ الّذي لَمْ يُبصِرهُ؟ فرق كبير بين المحبة التي مصدرها المبادئ الإنسانية، أو المبادئ الإلهية. فرق بين المحبة المحدودة بالمبادئ البشرية، والمحبة التي ينبوعها محبة الله نفسه، هذه المحبة التي تكلم عنها لسان العطر بولس أنها تحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء. هذه المحبة التي مصدرها الله، وعلى مثال محبة الله التي تجعل القلب أكثر اتساعًا من السماء، وتخترقه حتى يصير بلا جدران، لأنه «إنْ كانَ اللهُ قد أحَبَّنا هكذا، يَنبَغي لنا أيضًا أنْ يُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا» (1يو4: 11). فمن أراد أن يأخذ فضيلة المحبة لا يتعب كثيرًا ولا يذهب بعيدًا، بل ينظر إلى مقدار فيض محبة وقبول الله له هو شخصيًا، ويدرك كم سامحه الله، كم تأنى عليه، كم أعطاه وهو لا يستحق، فيمتلئ بها ويشبع بها ويفيض على الآخرين، إذ أن «اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لنا، لأنَّهُ ونَحنُ بَعدُ خُطاةٌ ماتَ المَسيحُ لأجلِنا» (رو5: 8). ماذا يفيد تعب الخدمة ومواهب الخدام وأنشتطهم دون محبة؟ أحبائي... الله يسكن حيث المحبة، والمحبة أهم إعلان عن الله، وتسلمنا من معلمينا أن المحبة في الخدمة أهم من الخدمة أيها الرب القدوس المستريح في قديسيك، هب لنا حبًا يليق بخدامك وسفرائك الذين هم خدام محبتك، فنعبّر عن فيض محبتك التي انسكبت في قلوبنا بروحك القدوس المعطى لنا. القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك الأسكندرية
المزيد
13 أكتوبر 2018

المرتل حبيب الميراهم

(من رواد مدارس احد اسكندرية) حضر الى الاسكندرية سنه ١٩٢٣م ، وعين مرتلاً بكنيسة العذراء بمحرم بك منذ يومها الاول ( عيد السيدة العذراء ١٦ مسري ١٦٥١ ش / ٢٢ اغسطس ١٩٣٥ م ) ، فقد حضر تدشينها الجليل بيد البابا يؤانس التاسع عشر البطريرك ( ١١٣ ) ؛ ومنذ ذلك الحين تعهد الغروس النابتة في حقل مدارس الاحد ؛ والتي اثمرت خوارس شمامسة اشتهرت بالاتقان ؛ اسموها بالفرق الشماسية ؛ بتشجيع ابينا القمص يوسف مجلي والقمص فيلبس بطرس والقمص اسحق ابراهيم والقمص مرقس باسيليوس والقمص ميخائيل سعد ( الذي تزوج بشقيقته المرحومة تفيدة حنا الميراهم ) ؛ والقمص عبد المسيح مقار ..مع اشتراك شمامسة جمعية النهضة ( نهضة الكرازة ) . ومساندة العلامة يوسف حبيب استاذ التاريخ الكنسي باكليريكية الاسكندرية ؛ ثم ا. عبد المسيح رزق الله رئيس الشمامسة ( المتنيح الطيب الذكر ابينا القمص جرجس رزق الله / المكس ) . مع اخوة مشهود لهم بعشرة الروح القدس ؛ مفروزين للعبادة الصادقة . كان المرتل حبيب حنا الميراهم ؛ تلميذاً للمعلم ميخائيل الكبير البتنانونى ، تسلم منه الالحان والتسبحة الكنسية فماً لاذن . وكرس حياته متبتلاً لخدمة التسبيح بالكنيسة ، وقد تلمذ جمع كبير من الخدام الذين استلموا الالحان الليتورجية القبطية ، ضمن جيل خدام ارثوذكس محبين للمسيح ، إذ انه لا يوجد انفصال ولا ازدواج بين خدمة المذبح وبين خدمة الكلمة . فالكل يحتاج الى الخدمة ، والخدمة تحتاج الى الكل . المعلم فى الكنيسة كان يسمى ب"العريف" لانه هو مرجع السائل ، والمرتل حبيب جمع فى عقله وقلبه موسوعة من العلوم الكنسية والكتابية والتقاليد الموروثة . كان انيقا ومهاب الجانب لذلك كان لرأيه كل الاعتبار فى اوساط خدام مدارس الاحد الذين تأثروا به جداً ووعوا دوره ؛ كمربي وعالم يعيش ترنيمة الرب الجديدة برباب العشر اوتار ؛ وكقيثارة شجية منسجمة العطاء والطاعة ؛ بوقار تشربه ابناء التربية الكنسية ؛ وتوارثوه علي مدي الاجيال ؛ منهم من يسلم ومن يشرح ويحفظ ؛ ومنهم من يطور ويبدع ؛ لتكميل المسرة الروحية التي جمعت وكملت واثمرت ؛ في ربوع الكنيسة ؛ واعطت اتساعا جيل من بعد جيل . كان المرتل حبيب خزينة متحركة في علوم البيعة ، علاوة على درايته التفصيلية بأصول العبادة وطقسها وروحانيتها . متمكناً فى اصول القراءة باللغات ومبادى النحو والصرف ، مدققاً فى تسليم الالحان وطقوس المناسبات ، فأوكلت اليه مهام التحفيظ والتسليم والشرح للاولاد الذين ازدحمت بهم افنية الكنيسة "الحوش الممتد المحيط بالكنيسة" . وقد عهدت الكنيسة له بتأسيس خوارس للخدمة الشماسية ، وعمل الدروس المنظمة على مثال الكتاتيب ؛ لتعليم ابناء مدارس الاحد اللغة والالحان والطقوس فتشربوا منه الاتقان والعفة وامانة التسليم . وقد عرف عنه تدقيقه و قدرته على التعليم بالرغم من تجربة فقده لبصره ، حيث رفعه تبتله وتكريسه ليحلق فى افاق روحية عالية . ولان المثيل يستريح الى مثيله فقد زامله المؤرخ العلامة المقدس يوسف حبيب لتكوين خدام كنسيين ارثوذكسيين متقنين للعبادة والطقوس الكنسية . فلا ينبغى ان يكون هناك انفصام او انفصال بين التربية الكنسية والخدمة الشماسية . لان خدمة مدارس الاحد لم تؤسس من اجل صناعة عقلية ؛ بل من اجل الارتباط بمسيح الكنيسة ؛ التي لاخلاص لاحد خارجها ..والتي لايستطيع احد ان يقول بان الله ابا له ؛ ما لم تكن الكنيسة امه حباه الله بموهبة طلاوة الصوت ، وبحنجرة روحانية متوهجة طبعت على الاجيال اشتياق التسبيح وجماله ، مع مداومة العبادة كسمة اصيلة عند كل خادم حقيقى فى مدارس الاحد ؛ فاضحي ايقونة فى الاهتمام بتنشئة اجيال التربية الكنسية فى جو الليتورجيات وعيش العبادة ؛ عربون مواريث المختارين . حتي مضي في خدمة فصول التعليم الي اخر نسمة من حياته ؛ وتنيح بسلام فى ٢٢ فبراير ١٩٨١م . القمص اثناسيوس فهمي جورج كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج الأسكندرية
المزيد
12 أكتوبر 2018

المسيح إكليل الشهداء

أقرأ بنعمة المسيح جزء من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس الأصحاح التاسع 20 فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ. 21 وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ ¬ مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ للهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ ¬ لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. 22 صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا. 23 وَهذَا أَنَا أَفْعَلُهُ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ، لأَكُونَ شَرِيكًا فِيهِ. 24 أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ، وَلكِنَّ وَاحِدًا يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا. 25 وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى. 26 إِذًا، أَنَا أَرْكُضُ هكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. هكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الْهَوَاءَ. 27 بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا.” وأحنا في صوم العذراء مريم دائمًا نتذكر مقدمة قانون الايمان ” ومثل ما ذكرت منذ اجتماعان من أسبوعين تقريبًا أن قانون الأيمان الذى يحكم ويحفظ الايمان وضع في المجامع المسكونية وضع الجزء الأول ثم الجزء الثاني ثم في الجزء الثالث الذى نسمية مقدمة قانون الأيمان ” نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة، والدة الإله، لأنك ولدت لنا مخلص العالم, أتى وخلص نفوسنا. المجد لك يا سيدنا و ملكنا المسيح, فخر الرسل, إكليل الشهداء, تهليل الصديقين, ثبات الكنائس, غفران الخطايا. وهذا القانون بيهتم بأمنا القديسة مريم ووضع في زمن القديس كيرلس عمود الدين ولما بنصلي قطعة نعظمك يا أم النور الحقيقي بنقول المجد لك يا سيدنا وملكنا المسيح + فخر الرسل + إكليل الشهداء + تهليل الصديقين + ثبات الكنائس + غفران الخطايا بنضع خمس صفات رئيسية تشرح لنا كيف أن المسيح يعمل في حياتنا وهو المركز في حياة كل انسان مسيحي “فخر الرسل, إكليل الشهداء, تهليل الصديقين, ثبات الكنائس, غفران الخطايا” ودائمًا رقم “5” يعبر عن القوة ويعبر كيف ان المسيح مركز حياة الانسان فبنقول فخر الرسل أعطي مجموعة الإباء الرسل أكليل الشهداء وتهليل الصديقين وثبات الكنائس يخصنا ككنيسة وغفران الخطايا تمثل كل انسان في مغفرة خطاياه علشان كده هذه المنظومة الخماسية هي مجال تأمل جيد واحنا في صوم العذراء وتكلمنا عن المسيح فخر الرسل وحطينا “آية (2 كو 10: 17): وَأَمَّا: «مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ” + والنهاردة أتكلم وياكم في ” المسيح أكليل الشهداء ” كلمة أكليل هي ترجمة لكلمة ” اسطفانوس “فكلمة اسطفانوس معناها اكليل وبنسمي اسطفانوس أول الشمامسة وأول الشهداء فكأن أسم على مسمى حمل أكليل الشهادة لكن علشان أقرب لكم الصورة أكثر الجزء اللى قرأته فيه القديس بولس الرسول بيكلم أهل مدينة كورنثوس ومدينة كورنثوس هى مدينة تشبه مدينة الإسكندرية عندنا في مصر وهى مدينة ساحلية ولكن هذه المدينة كانت من أكبر المدن الرومانية زي روما كدة وكانت هذه المدينة تشتهر بالمسابقات الاوليمبية وأهمها مسابقة الجرى… كان عندهم ميدان بيجروا فيه وزمان مكنش في عندهم (stop watch) لكن كان بيبان بالعين اللى بيجرى بسرعة واللي يجرى مسافات أكثر فيعطونه أكليل فكان هذا الإكليل حاجه من الاثنين (إكليل صغير يوضع على الرأس أو إكليل كبير يلبسه مثل إكليل ورد) وكان عادة يصنع من أشجار الزيتون لأنها أشجار معمرة والزيتون له فوائد غذائية متعددة وبالتالي كانوا يسموا إكليل ” الغار أو الانتصار” وكلمة إكليل معناها كده وهنا القديس بولس الرسول يستعير هذا المشهد الرياضي اللى بيتم في هذه المدينة باستمرار ويعيده على المؤمنين ولكن بتطبيقه الروحي” أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ، وَلكِنَّ وَاحِدًا يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا” كلهم بيجروا واحنا في الأرض بنسابق علشان نجري للسماء وبينقل المعنى ولكل واحد يأخذ إكليل ” والجعالة التي تجعل وهى المكافأة وبيجروا كثيرين لكن مين اللى هيوصل ومين اللى هيأخذ الجائزة ؟ هنا السؤال ولأن الشهداء في مقدمة المدينة يصلون للسماء علشان كدة بنصلي ونقول المسيح المجد لك يا سيدنا وملكنا المسيح + فخر الرسل + إكليل الشهداء من هنا جه التعبير ده ” هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا” يعنى جاهدوا روحيًا لتأخذوا الاكليل ويحطها في قانون رائع يصلح لكل انسان وبالأولى في حياتنا الرهبانية ” وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ “طالما بنجاهد روحيًا وطالما حياتك قدامها السماء تجاهد للسماء ومن يجاهد للأرض يصل للتراب والتراب ليس جائزة والذى يجاهد يكون له نصيب في السماء . ” أَمَّا أُولئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى” إكليل يفنى من الورق والورق هينشف ويتلم وتخلص الحكاية ، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى اما نحن صيغة الجمع التي تظهر التحويل الروحي والمعنى الروحي مش ورق شجر ومش شوية اغصان ولا في شوية أكاليل وردية وأرجوك خد بالك بولس الرسول بيتكلم عن نفسه وكمان عن ما يهمنا نحن المؤمنين وكأناس نسعى نحو الملكوت ، إِذًا، أَنَا أَرْكُضُ هكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. هكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الْهَوَاءَ، مش بجرى وبس من غير يقين ولا غير هدف بل بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، واقمع كلمة قوية جدًا مفيش بلاغة أكبر من كدة ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا ويوصف لنا الذين ينالون اكليلًا مثال في خطة استشهاد ال 49 شهيدًا شيوخ برية شهيت والقصة دي حصلت أحداثها في دير القديس أبو مقار وكان مندوب الملك ثيؤدوسيوس وكان وياه ابنه ولما وصلوا والبربر هجموا على شيوخ البرية وماتوا واستشهدوا وبعدين مندوب الملك ثيؤدوسيوس وابنة شافوا هذا المنظر الرائع أن كل شهيد من ال 49 توضع على رأسه أكليل منير فتقدموا للاستشهاد أيضًا وكثير من سير الشهداء يوضحوا لنا هذه الاكاليل التى يحصل عليه الشهداء واحنا في كنيستنا بنحط مرتبة الشهيد مرتبه عليا وبعد ما نتكلم عن أمنا العذراء ونتكلم عن يوحنا المعمدان باعتباره السابق للسيد المسيح ونتكلم عن الإباء الرسل بالطبع يجي مكانة الشهداء يعنى لو عندنا كنيسة هنحط عليها اسمين اسم البابا اثناسيوس وهو بطريرك عظيم واسم القديسة الشهيدة دميانة وهى شهيدة مصرية ولما نيجى نكتب اسم الكنيسة نكتب دميانة الأول وبعد كده البابا اثناسيوس بطريرك عظيم الشهيد الأول قبل الناسك وتصير اسم الكنيسة الشهيدة دميانة والبابا أثناسيوس ده مثال بسيط . وبولس الرسول يقول ” قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ” الشيء الأساسي الذى يجب ان تعلمه ان الشهيد قبل أن يصير شهيًدا هو كان شاهدًا بحياته للمسيح وده تعريف لازم نحطه قدامنا والشهيد مش بيجى من يوم وليله لكن الشهيد قبل ان يصير شهيد وسفك دمه هو كان شاهد بحياته للمسيح ، تقول أبانوب الصغير كان شاهد اقولك طبعا حتى بانت في المحاورة الأخيرة وهو بيتكلم عن نفسه ومارينا الشابة شاهده المسيح والشهيد القديس بوليكاربوس كان عنده 86 سنة وطلبوا منه ان ينكر المسيح فرفض وقال ” إن لي 86 سنة وأنا أخدم المسيح” وعندما رفض قدموه للوحوش لتأكل لحمه وأوصى أولاده ليأخذوا بقايا ويعتبروها وأولاده عملوا كده . يا أخواتي الأحباء هذه ليست قصص للانبهار او للفخر فقط بل هي قصص للحياة لتعلمنا . يعنى ايه اكليل الشهداء ؟ يوجد ثلاثة أنواع من الأكاليل ممكن ان تشكل هذا المعنى. النوع الأول : إكليل البر وبولس الرسول يقول ” قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ” واكليل البر يعنى اكليل حياة الفضيلة اليومية الانسان الذي يحيا في البر دائمًا ” آية (2 بط 1: 5): وَلِهذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وتعنى حياة الفضيلة اليومية الكلمة اللى بتقولها السلوك اللى بتسلكه علاقتك بالأخرين وهدوئك وصمتك لما بتبقي لوحدك كيف تكون افكارك تقديم مساعدتك وتقديم يد المعونة وأيضًا الرحمة التي في قلبك لا تغتاب الاخرين في واحد يحط في باله تشويه الاخرين او مسك السيرة او نقل الاخبار وكل دى خطايا تعدى على الانسان ومبياخدش باله من نفسه اكليل البر يعنى اكليل الفضيلة اليومية تصور حد يطلب حاجه تقول له لا ” لا تمنع الخير عن أصحابه ” او انسان بخيل حطوا صفات لا تنتهى المقصود ان تحيا حياة البر وتكون شاهدًا في حياة الفضيلة والفضيلة معناها جاي من فعل يفيض أي يزيد في حياته الصفات الجيدة حنيتك طيبتك رغبتك ان تساعد وتفرح الاخرين قلبك يتسع باتساع المسكونة التي تعيش فيها ويا ترى بتحمل خصام ولا كره او ضغينة او شحنه انتقام وحياة الفضيلة تمنع كل هذا في واحد عنده انسياب في الكلام وفى واحد يحلف بأغلظ الإيمان ولكنه لا يكون صادقًا ياترى انت ايه ؟ احكم على نفسك كويس ، علشان كده بنصلى ونقول “يارب جميع ما اخطأنا به اليك في هذا اليوم ان كان بالفعل او بالقول او بالفكر او بجميع الحواس فاصفح واغفر لنا من اجل اسمك القدوس ” إكليل البر يعنى الذي يعيش في الفضيلة وحياته نقيه وجيده حتى في الفكر. النوع الثاني: إكليل الحياة واكليل الحياة المقصود به أكليل الأمانة الكاملة الأول الفضيلة ثم الأمانة أمانة الانسان ” كن أميناً إلى الموت، فسأعطيك إكليل الحياة ” ( رؤ 2 : 10 ) وهذه الرسالة موجه لكل واحد فينا لكل انسان كيف ما يكون وضعه أو سنة أو نوعه . “آية (يع 1: 12): طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ.” وموضوع الأمانة في غاية الأهمية وعكس الأمانة كلمة قاسية جدًا وهى الخيانه واكليل الحياة يعنى اكليل أمانتك انت في اسرة أمانة زوج مع زوجته او أمانة زوجه مع زوجها وأمانتهم أتجاه أولادكم امانتك في التربية والتنشئة والتسليم والاهتمام وامانتك في القدوة والصورة التي تمثلها أمام بنتك جوة الاسرة وانت خادم في الكنيسة خدمتك من اول مدارس الاحد ومن اول فصول الملائكة والحضانة أمانتك معهم للوصول للمسؤوليات الكبيرة امانتك في درسك وتحضيرك وعلاقاتك معهم وممكن كلمة وحده تصدر من خادم يكون معثره لأعداد من البشر وتمتد العثرة أجيال واجيال امانتك كخادم امانتك في عملك ومسؤوليتك ومقدار الأمانة التي تقدر ان تقدمها وتشعر ان الله يراقبك وربما الله وضع بداخلنا الضمير ليكون صوت من عنده علشان الانسان يعرف ماشي أزاي؟ وعندما ننال نحن سر المعمودية وسر الميرون وسر الاعتراف وسر التناول ونعيش الحياة الكنسية يصير الانسان اكثر حساسية تجاه الخطية والواحد ذمته ازاى هل عاملة زي الاستك ؟ ولكن فى انسان واضح وأنا لا اتحدث عن الانسان المتزمت ولا الانسان المنغلق وأيضا لا اتحدث عن المسيب، وهل انت أمين في قرارتك في واحد يأخذ القرار اللى يهمه شخصيًا وفى واحد يأخذ قرار للمصلحة العامة ولو اخترت ان تكون راهبًا او مكرسًا هل انت أمين في رهبنتك هل أمين في تكريسك الأمانة دي اللى هتقف بيها قدام ربنا وسيأتي يوم وتسمع صوت الله يقول الله اعطنى حساب وكالتك عملت فيه ايه؟ ومثل اللى أخذ 10 وزنات واللي أخذ 5 وزنات واللى أخذ وزنه واللى أخذ 10 وتاجر بهم وفاز ولا اللى اخذ وزنه ولم يفعل بها شيئَا وتصرف بلا حكمه ، هذا إكليل الحياة وهذا اكليل الأمانة الكاملة التي يعيشها الانسان . النوع الثالث: أكليل المجد اكليل المجد “ان كنا نتألم معه لكي نتمجد ايضا معه” وآية (رو 8: 18): فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا ، (2كو4: 17) “لان خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا اكثر فاكثر ثقل . اكليل المجد هو اكليل نوال الكرامة السماوية تفتكروا حياتنا على الأرض وتنتهى بعد عمر شاءه الله وبعدين نصيبه ايه في مصريتنا وتاريخنا المصري كانوا يؤمنون جدًا بالخلود وعندما تقرأ عن أخناتون قبل المسيح كانوا يؤمنوا بالخلود وكانوا يحنطوا الانسان ويستأصلوا كل شيء بداخله الا القلب لانهم كانوا يؤمنوا ان القلب له ميزان امام الله ولهذا السبب سمى هذا الوادي بوادي النطرون بالتعبير القبطي القديم برية شهيت “ميزان القلوب” والقلب وزنه ايه اكليل المجد اكليل الكرامة السماوية شوف امنا العذراء شوف ابائنا الرسل وشوف الشهداء مارمينا العجائبي والقديسة دميانه وأنظر الى شهداء ليبيا هم شهداء بسطاء جدًا استشهدوا بعيد عن وطنهم تعليمهم محدود وكانوا موجودين هناك من أجل لقمة العيش وعلاقتهم طيبة عاشوا على اللى تعلّموه وهما صغيرين ويمكن كانوا يقرأوا في الانجيل ببساطة لكن الله وضع لهم أكاليل واكليل الشهداء فخر اكليل المجد ويصير له مكانه في السماء ” لان خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا اكثر فاكثر ثقل “. وزى ماقال بولس الرسول ” فاني احسب ان آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد ان يستعلن فينا”. في الم ؟ اه في الم وكل زمان له الاماتة المتعبة وكل هذه بولس الرسول كتبها في القرن الأول الميلادي ولما تقعد تراجعه كده طول حياتنا المسيحية تجده الامآت كثيرة ولكن ” آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد ان يستعلن فينا” وهذا إكليل المجد إذًا يا أخواتي الأحباء عندما نقول نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة, والدة الإله, لأنك ولدت لنا مخلص العالم, أتى وخلص نفوسنا. المجد لك يا سيدنا وملكنا المسيح. وإكليل الشهداء تعنى إكليل البر وإكليل الحياة وإكليل المجد وتعنى أيضًا إكليل الفضيلة اليومية وتعنى إكليل الأمانة الكاملة وتعنى إكليل نوال الكرامة السماوية . لا تترد ان تكون واحد من هؤلاء زي ما قلت الشهيد قبل ان يكون شهيد هو كان شاهد بحياته للمسيح علشان تنال هذا الاكليل يمكن ان تقبل الباب الضيق في حياتك الباب الواسع لا يؤدى الى السماء بل أدخل من الباب الضيق واحفظ ايمانك نقيًا وأخدم في صمت وتشهد بكلامك وسلوكك وتحفظ مبادئك رغم المتاعب التي تأتيك من الأخرين كل دي سلوكيات حياتنا اليومية التي نحاول ان نحافظ عليها احفظ عبارة بولس الرسول ” قد جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعي ، حفظتُ الأيمان ، وأخيراً قد وُضع لي إكليل البر ، الذي يهبُه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل” حط قدامك هذه الآية وانك مدعو لأخذ اكليل لا يفنى في السماء يعطينا مسيحنا ان يفرح قلوبنا بهذه الاكاليل التي هي عنوان للانتصار وعنوان للفوز الذى يحيا قدميه على الأرض لكن فكره في السماء لألهنا كل المجد والكرامة من الأن والى الأبد أمين . قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
11 أكتوبر 2018

قائمة كتب الأبوكريفا المنحولة

وتتكون هذه الكتب من عدة مجموعات أهمها: (1) كتب أسطورية خاصة بميلاد العذراء والمسيح وطفولتهما وصبوتهما، تروي ميلاد المسيح وطفولته وكذلك ميلاد وطفولة العذراء القديسة مريم بشكل أسطوري. (2) كتب أبيونية، مسيحية ذات صبغة يهودية، مبنية أساسًا على النص العبري للإنجيل للقديس متى، إذ تضم نصه مع بعض التعديلات التي تتناسب مع فكر هذه الفرقة المسيحية اليهودية التي تمسكت بعادات ونواميس وتقاليد اليهودية. (3) كتب غنوسية تقدم الفكر الغنوسي من خلال كتب أسمتها أناجيل وأعمال للرسل أو رؤى للرسل ونسبتها لرسل المسيح أو لقادتها وقد بنتها على أساس ما جاء في الأناجيل الأربعة وسفر الأعمال وسفر الرؤيا، خاصة الإنجيل للقديس يوحنا وبقية أسفار العهد الجديد. بل واتخذت منها خلفية لها وانطلقت منها وراحت تبني عليها أفكارها الخاصة. وتنقسم هذه الكتب إلى: (أ) كتب سُميت أناجيل ونسبت لرسل المسيح وزعم كل واحد منها أنه تعليم سري خاص جدا أعطاه المسيح، سرًا، للتلميذ الموضوع اسمه على الكتاب وزعم أنه ظهر له وحده بعد قيامته من الموت أو بعد صعوده إلى السماء وكشف له وحده هذا السر الذي بني عليه الكتاب!! كما سميت بعض هذه الكتب بأسماء كتابها مثل إنجيل مركيون أو الفئة الهرطوقية التي استخدمتها مثل إنجيل الأبيونيين. (ب) كتب سُميت أعمال ونسبت للرسل مثل أعمال بولس أو يوحنا.. الخ وقد بنيت أساسا على بعض التقاليد الشفوية عن هؤلاء الرسل، وعلى سفر أعمال الرسل وأيضا على أعمال يوحنا الذي كتب في القرن الثاني وتأثرت به أعمال كثيرة مثل أعمال بطرس وأعمال أندراوس اللذين يتشابهان معه كثيرا. (ج) كتب سُميت رؤى نسبت للرسل والتي اتخذت من رؤى العهد القديم وخاصة الرؤى المنحولة التي كتبت فيما بين العهدين نموذجًا لها، كما بنيت أيضًا على نموذج رؤيا القديس يوحنا القانونية. (د) رسائل نسبت للمسيح، مثل الرسالة إلى الملك أبجار ملك أوديسا، ورسائل القديس بولس مثل الرسائل التي قيل أنها تبادلت بينه وبين الفيلسوف الروماني سينيكا، والتي كُتبت بنفس أفكار ونفس آيات وعلى نمط رسائل العهد الجديد. (ر) كتبت صلوات وإرشادات وتعاليم دينية كتب بعضها نقلًا عن بعض أباء الكنيسة وكتب بعضها قادة الهراطقة. وقبل أن نقدم فكرة عامة عن كل كتاب من هذه الكتب نؤكد على حقيقة هامة وجوهرية وهي أن هذه الكتب، الأبوكريفية، لم تناقش في أي مجمع من مجامع القرون الخمسة الأولى، سواء المكانية أو المسكونية، ولم تختلط في يوم من الأيام بأسفار العهد الجديد السبعة وعشرين، القانونية والموحى بها، لأنها لم تكتب لا في زمن تلاميذ المسيح ورسله الذين رحلوا عن هذا العالم فيما بين سنة 65م و100م وكان أخرهم هو القديس يوحنا، ولا في زمن تلاميذهم المباشرين أو خلفائهم الذين رحلوا عن العالم في أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني. فقد دونت الأسفار الـ22 الأولى من الأسفار القانونية الموحى بها، فيما بين سنة 50م و70م، ودونت بقيتها، كتابات القديس يوحنا، فيما بين سنة 75 م. و95 م. في حين أن هذه الكتب الأبوكريفية كتبت فيما بين سنة 150م و450م وما بعد ذلك بكثير!! كما أنها، وخاصة الكتب الغنوسية منها، لم تكن في متناول العامة ولم تكن متداولة خارج نطاق الدوائر الهرطوقية التي أنتجتها، لأن هذه الدوائر تصورت أنها هي وحدها الأكثر سموا وإدراكًا للمفاهيم المسيحية الجوهرية أكثر من كل المسيحيين بل وأكثر من تلاميذ المسيح ورسله أنفسهم!! لذا اعتبرت هذه الكتب كتابات سرية، خاصة بها وحدها، ولم تتركها للتداول بين عامة المسيحيين لأنها تصورت أن الذين من خارج دوائرهم الهرطوقية لن يفهموا محتواها!! ومن هنا سُميت بالأبوكريفية، أي السرية، ثم تحولت الكلمة، أبوكريفا، في المسيحية من السرية إلى المزيفة لأن من زيفها وألفها هم قادة هذه الفرق الهرطوقية الغنوسية ولذا فلم تكن هذه الكتب، الغنوسية، منتشرة بين عامة المسيحيين كما زعم نقاد المسيحية بغير علم ولا معرفة!! فلم يعرف العامة سوى بعض الكتب الأسطورية مثل الكتب الخاصة بميلاد المسيح وما سمي بإنجيل نيقوديموس ولكن بعض قادة الكنيسة في الغرب وهم: القديس إيريناؤس أسقف ليون (120-202 م.)، والعلامة ترتليان (145-220 م.)، من شمال أفريقيا، وهيبوليتوس الروماني (170-235 م.)، وأبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص (315-408 م.)، انشغلوا بهذه الكتب وبما جاء فيها فقاموا بدراستها وتحليلها وردوا على ما جاء بها من هرطقات وأخطاء وأساطير وتعاليم تختلف اختلافًا جوهريًا عما تسلمته الكنيسة من تلاميذ المسيح ورسله وخلفائهم، ولا تزال هذه الكتب التي كتبها هؤلاء الآباء موجودة بين أيدينا الآن وبعدة لغات. وقد أثبتت الاكتشافات الحديثة للمخطوطات والدراسات العلمية لها مصداقية ودقة هؤلاء الآباء وأمانتهم العلمية والأدبية. ملخص الكتب الأبوكريفية المرفوضة وفيما يلي نقدم ملخصًا لجميع هذه الكتب الأبوكريفية التي وجدت في هذه القوائم وغيرها، سواء التي اكتُشفت في مكتبة نجع حماديسنة 1945م أو التي تم اكتشافها قبل ذلك، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، الموجودة كاملة أو التي يوجد منها أجزاء صغيرة فقط أو التي لا نعرف سوى أسمائها، وذلك بحسب ما كتبه آباء الكنيسة الذين درسوها في حينها، وبحسب دراستنا وترجمتنا نحن لها ودراسة العلماء والمتخصصين لها: الكتب المسماة بأناجيل الطفولة الكتب المسماة بالأناجيل المسيحية ذات الصبغة اليهودية الكتب المسماة بالأناجيل الغنوسية والمانية الكتب المسماة بأناجيل الأقوال والأخلاقيات الكتب المسماة بأناجيل الآلام كاهن كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد من كتاب هل هناك أسفار مفقودة من الكتاب المقدس؟
المزيد
10 أكتوبر 2018

محاسَبة النفس

أهميتهَا: في الحقيقة إن كل ما يصدر عنّا من أعمال أو أقوال أو أفكار، يقابله ثلاث محاسبات: حساب من الله، وحساب من الناس، إن كان العمل ظاهرًا للناس. وحساب من أنفسنا لأنفسنا (من الضمير). وإن كان البعض يحاولون أن يهربوا من محاسبتهم لأنفسهم، إلا أنه من الخير لنا أن نحاسب أنفسنا وندين أنفسنا. ولا نسمح خلال ذلك بأيّة اعتذارات أو تبريرات تقلل من المسئولية أو تلغيها..! قال القديس الأنبا أنطونيوس: "إن تذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله. وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله". بمعنى أن الطريقة التي تشعر بها أن الله ترك خطاياك، وما عاد يذكرها، هي أن تجعل خطاياك ثابتة في ذاكرتك.. وقال القديس الأنبا أنطونيوس أيضًا: "إن دِنّا أنفسنا، رضي الديان عنا". وقال القديس أبا مقار الكبير: "اُحكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك". إن جهاز الإدانة الذي سمح الله بوجوده فينا: وظيفته هي أن ندين به أنفسنا، لا أن ندين به الآخرين. كما أنه سمح أن توجد بين غرائزنا غريزة الغضب، لنغضب بها على أخطائنا، وعلى الخطية عمومًا، لا أن نغضب بها على الآخرين. لاحظ نفسك: قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف: «لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك. لأنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا» (1تي4: 16). تصوروا أنه يقول هذا – ليس لشخص عادي – بل لأسقف! فإن كان لابد للأسقف أن يلاحظ نفسه، فكم بالأولى باقي الناس.. ثم هو يقول له نفسك (قبل التعليم). لأنه إن لم يلاحظ نفسه، فتعليمه لن ينفع بشيء!.. أما نحن فمن عادتنا أن نلاحظ الآخرين كيف يتصرفون! ولكن الرسول يقول "لاحظ نفسك..". وملاحظة النفس معناها أن تضعها تحت مراقبة دائمة. + تلاحظ ما الذي يحدث داخل نفسك من أفكار ورغبات ونيات. وما يصدر عنك من تصرفات. وليس فقط تلاحظ نفسك في فترة محددة، وإنما "داوم على ذلك".. ولاحظ نفسك لأنها تقبل منك المراقبة والمحاسبة، بل تقبل أيضًا التبكيت والتوبيخ. وقد لا تقبل هذا من الغير.. + لاحظ نفسك من جهة الخطايا التي ترتكبها، ومن جهة الفضائل التي تنقصك، والواجبات التي عليك أن تعملها ولم تعمل. وبخاصة من جهة الفضائل الكبار كالتواضع والوداعة والإيمان، وثمار الروح التي وردت في (غل5: 22، 23). إذًا تلاحظ نفسك من جهة الإيجابيات، وليس من جهة السلبيات فقط. + لاحظ نفسك أيضًا من جهة الوقت كيف تقضيه. + لاحظ نفسك كذلك من جهة النمو في حياتك الروحية. فهل روحياتك تنمو، أم وقفت عند حدٍّ وتجمّدت؟! بينما الرب يقول «كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل» (مت5: 48). إننا نقول في الصلاة الربية كل يوم "أغفر لنا خطايانا". وربما نحن نقولها وليسب في ذهننا ما هي تلك الخطايا!! ولكننا بمحاسبة النفس ندركها. ونسردها في ذهننا أمام الله، وقد نصحبها بمطانيات. + حاسب نفسك على كل أنواع الخطايا: على خطايا الحواس، وخطايا الفكر، وخطايا العمل، وخطايا القلب كلها.. على خطاياك تجاه الآخرين، وتجاه الله، وتجاه نفسك.. + حاسب نفسك بالأكثر على الخطايا الثابتة فيك، التي تحولت إلى طباع أو عادات. التي ترتكبها باستمرار، وتشكّل جزءًا دائمًا في اعترافاتك المتكررة.. + حاسب نفسك من جهة قراءاتك، ومن جهة فهمك.. + حاسب نفسك أيضًا من جهة الخدمة وعمل المحبة نحو الآخرين: من جهة تنفيذك للآية التي تقول «كنت جوعانًا فأطعمتموني. كنت عطشانًا فسقيتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فزرتموني..» (مت25: 35، 36). والآية التي تقول: «الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامي والأرامل في ضيقهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم» (يع1: 27). وأمثال هذه الآيات.. + حاسب نفسك بكل جدية وحزم، ولا تدلل نفسك. ولا تقل الظروف كانت ضاغطة! أو كنت مضطرًا ولم يكن أمامي حلَ، أو فعلت ذلك سهوًا.. وما أشبه.. إنك إن فعلت هذا، لن تتوب! نتائج محاسَبة النفس: محاسبة النفس ومعرفة خطاياها ونقائصها، تسبّب الانسحاق. وفي انسحاق النفس يوجد التواضع والدموع والتوبة. هناك أشخاص لا يتوبون، لأنهم لا يشعرون بسوء حالتهم. وكل ذلك لأنهم لا يحاسبون أنفسهم. أما الابن الضال فلما حاسب نفسه، ووجد أنه في حالة أقل من أُجَراء أبيه، قادته هذه المحاسبة إلى التوبة، وإلى الانسحاق، فقال: «أقوم وأذهب إلى أبي. وأقول له اخطأت إلى السماء وقدامك، ولست مستحقًا أن أدعى لك أبنًا. أجعلني كأحد أجرائك» (لو15: 18، 19). + داود النبي – في محاسبته لنفسه – كان يقول «خطيئتي أمامي في كل حين» (مز51: 3). قال ذلك بعد أن سمع بمغفرتها على فم ناثان النبي (2صم12: 13). ولكنه كان يقول «في كل ليلة أعوّم سريري، وبدموعي أبلّ فراشي» (مز6)، «مزجت شرابي بالدموع»، ويقول للرب «دموعي في زق عندك» (مز119) «أنصت إلي دموعي»... + أنظروا كم أوصلته محاسبة النفس إلى الذل والتواضع والتوبة والدموع.. ولكن البعض قد يتوبون، ثم يرجعون إلي الخطية مرة أخري. ذلك لأنهم لم يتذللوا بسبب خطاياهم. وأسرعوا إلى حياة الفرح، فنسوا خطاياهم وما عادوا يذكرونها.. + محاسبة النفس تقود إلى تبكيت النفس وإلى معاقبتها أحيانًا. إن لم ينل الإنسان عقوبة أرضية من الله بسبب خطاياه، ولا عقوبة من أب اعترافه، فإنه كثيرًا ما يعاقب نفسه: ليس فقط بتبكيت الضمير، والدموع كما فعل داود النبي.. بل أحيانًا بالأصوام والتذلل، وأحيانًا بالمطانيات، أو بمنع ذاته عن كثير مما يشتهيه. أما إن كانت محاسبة النفس، تنتهي إلى مجرد الاعتراف بها ونسيانها، وكأن شيئًا لم يحدث، وكأن النفس لم تتدنس مطلقًا بالخطية، دون إذلال داخلي.. فما أسهل أن يرجع الإنسان إلى الخطية مرة أخرى، لأن ثمارها المرة لم ترسخ في أعماقه. مثل هذا الإنسان، قد يأكل من الفصح، وليس "على أعشاب مُرّة" كما أمر الرب (خر12: 8). + بمحاسبة النفس يصل الشخص إلى حياة التدقيق، وإلى الحرص، وإلى مخافة الله.. يصل إلى التدقيق، إذ كان يحاسب نفسه بتدقيق وليس بتساهل، وإذا كان يكتشف كم هي الخطية مرة، وكم تحوي بعض الخطايا المركبة العديد من الخطايا.. وبمحاسبة ذاته يصل إلى مخافة الله، إذ كان يدرك أن الخطية موجهة إلى الله، ومرتكبة بغير حياء أمامه، كما قال داود النبي للرب «إليك وحدك اخطأت، والشرّ قدامك صنعت» (مز51: 4). وكما امتنع يوسف الصديق عن الخطية قائلًا «كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله» (تك39: 9). وبوصول الإنسان إلى حياة التدقيق، يبعد عن الخطوة الأولى التي تقود إلى الخطية، ولا يدع مجالًا للثعالب الصغيرة المفسدة للكروم (نش2: 15). ولا يستهين بكلمة (رقا)، ولا بكلمة (يا أحمق)، لأن الرب قد أورد عقوبة كل منهما (مت5: 22)، ولا بمجرد النظرة الخاطئة (مت5: 28). + وبمحاسبة النفس وتذكر خطاياها، يكون الإنسان مستعدًا أن يتقبل النقد من الآخرين وإدانتهم له. حدث ذلك لداود النبي لما سبَه شمعي بن جيرا بكلمات لاذعة وشامتة وكان يرشق بالحجارة. وأراد أحد رجال داود أن ينتقم لتلك الإهانات ويتقدم لقتل شمعي بن جيرا. فمنعه داود بقوله له «دعوه يسب، لأن الرب قال له: سُبَ داود» (1صم16: 5-10) متذكرًا بذلك خطاياه وما تستحقه من عقوبة.. هذه الخطايا التي جعلها أمامه في كل حين. أما الشخص الواثق بنفسه المعتد بذاته، الذي لم يحاسب نفسه على خطاياه، فإنه لا يحتمل مطلقًا كلمة نقد، ويعتبرها جارحة لكرامته تشوَه صورة نفسه الجميلة في عينيه!! + محاسبة النفس تساعد أيضًا على إصلاح الذات وتقويمها. وكما أن معرفة المرض أو تشخيصه إنما تساعد على العلاج، فكذلك محاسبة النفس ومعرفة خطاياها ونقائصها، إنما تساعد على وضع التداريب الروحية اللازمة لمعالجة النفس، مع عرض كل ذلك على الله لأخذ معونة منه على التخلص من تلك الخطايا والنقائص. وبدون محاسبة النفس، يبقى الخاطئ حيث هو في عيوبه الروحية، لا يعرفها ولا يعالجها.. لذلك فالشيطان هو الذي يُبعد الإنسان عن محاسبة نفسه، حتى لا يتنبه للعيوب التي فيه فيعمل على تلافيها. + بمحاسبة الإنسان لنفسه ومعرفة خطاياه، تجعله يشفق على المخطئين ولا يدين غيره إن سقط.. بل يقول لنفسه: أنا أيضًا قد سقطت، وما أسهل أن أسقط مرة أخرى. فكيف أنسى خطاياي، وأركز على خطايا غيري؟! فهكذا فعل القديس موسي الأسود، حينما دُعِيَ إلى حضور مجمع لإدانة أحد الإخوة، فذهب إلي هناك وهو يحمل زمبيلًا مملوءًا بالرمل ومثقوبًا تنزل حبات الرمل منه. وكان يقول "هذه خطاياي وراء ظهري تجري، وقد جئت لأدين أخي"!! وفي هذا المجال قال القديس بولس الرسول «أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد» (عب13: 3). مناسَبات محاسَبة النفس: + حاسب نفسك كل يوم، لأنك كل يوم تخطئ. وكل يوم تقول للرب في صلاتك "اِغفر لنا خطايانا". ويقول القديس يوحنا الرسول «إن قلنا إنه ليس لنا خطية، نصل أنفسنا وليس الحق فينا» (1يو1: 8). إذًا حاسب نفسك كل يوم، "وداوم على ذلك" (1تى4: 16). + حاسب نفسك بعد كل عمل مخطئ تعمله. فلتستيقظ روحك بسرعة، ولتقل كما في المزمور «أنا أستيقظ مبكرًا» (مز3). بل قبل العمل أيضًا حتى لا نخطئ. + وحاسب قبل الذهاب إلى أب اعترافك. حتى تتذكر كل خطاياك، ولا تنسَ منها شيئًا في اعترافاتك. + وحاسب نفسك كلما تفكر أن توبخ غيرك. وذَكِّر نفسك بالمثل القائل "من كان بيته من زجاج، لا يقذف الناس بالحجارة". + وحاسب نفسك على خطاياك، كلما تُحارب البر الذاتي. كلما تري نفسك جميلًا في عينيك، أو تبدو حكيمًا في عيني نفسك، أو تتذكر عملًا حسنًا عملته حينئذ تذكر خطاياك، حتى تقيم بها توازنًا مع محاربات شيطان المجد الباطل. مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
09 أكتوبر 2018

وحدة الأسرار السبعة

يتصور البعض أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قد استحدثت الأسرار السبعة على أساس غير إنجيلي، ولكن الدراسة المتأنية للإنجيل تبرهن أن الأسرار السبعة ذات أساس إنجيلي راسخ. وفي الموضوعات التالية سوف ندرس هذه الأسرار المقدسة مع آيات كثيرة - اِحفظ منها ما أمكنك، فهي تؤكد لك أن عقيدتنا مستقاة من الإنجيل، ومُدعّمة من التقليد الرسولي والمجامع المقدسة وأقوال الآباء.كلمة عامة عن الأسرارأ- أسرار الكنيسة هي أعمال مقدسة ومنح إلهية، بها ننال نعمًا غير منظورة تحت مادة منظورة. ب- أسرار الكنيسة سبعة وهي: 1- سر المعمودية. 2- سر المسحة المقدسة أو الميرون. 3- سر القربان أو تناول جسد الرب ودمه. 4- سر التوبة أو الاعتراف. 5- سر مسحة المرضى. 6- سر الزيجة. 7- سر الكهنوت.ج- هذه الأسرار مؤسسة من الله لتكون واسطة لنيل المؤمنين فيض النعمة، وذلك واضح من الكتاب المقدس عن كل سر من الأسرار. فمثلًا:1- عن المعمودية : «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ، لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ» (يو3: 5)، «لِكَي يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ» (أف5: 26)، «وَهَكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لَكِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلَهِنَا» (1كو6: 11). 2- وعن سر الميرون: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيءٍ» (1يو2: 20). 3- وعن سر التوبة: «مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» (يو20: 23).4- وعن سر الشكر: «فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي، فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي، يَثْبُتْ فِيّ وَأَنَا فِيهِ» (يو6: 53-56).5- وعن سر مسحة المرضى: «أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَة،ِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ» (يع5: 14-15).6- وعن سر الزواج: «هَذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلَكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ» (أف5: 32).7- سر الكهنوت: «لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ» (1تي4: 14)، «فَلِهَذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ» (2تي1: 6).د- للأسرار مفعولان هامان: النعمة والوسم. المفعول الأول عام ويشمل جميع الأسرار. والثاني خاص بثلاثة منها وهي المعمودية والميرون والكهنوت. ولذلك تُمنَح هذه الأسرار الثلاثة مرة واحدة ولا تجوز إعادتها، لأنها تترك وسمًا في النفس لا يُمحَى، حيث كلمة "وسم" تعني سمة أو علامة كختم يعني الملكية الدائمة. ه‍- يشترط لتتميم السر ثلاثة شروط وهي:1- مادة ملائمة للسر كالماء للمعمودية، والخبز والخمر لسر الشكر.2- كاهن قانوني موضوعة عليه اليد. 3- استدعاء الروح القدس بالعبارات المعينة لتقديس السر. نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
08 أكتوبر 2018

عصر سبي بابل - الجزء الثاني

(3) سبي مملكة يهوذا ما يعنينا بالأكثر هو مملكة يهوذا.. لنتتبع معًا رحلة التسبيح، وكيف اِنهار هذا الصرح العظيم بسبب السبي. ولقد تنبأ إشعياء النبي عن سبي مملكة يهوذا قبل حدوثه بأكثر من مائة عام بسبب خطية الشعب وقال: "ويَندَفِقُ إلَى يَهوذا. يَفيضُ ويَعبُرُ. يَبلُغُ العُنُقَ. ويكونُ بَسطُ جَناحَيهِ مِلءَ عَرضِ بلادِكَ يا عِمّانوئيلُ" (إش8:8). "هوذا تأتي أيّامٌ يُحمَلُ فيها كُلُّ ما في بَيتِكَ (يقصد بيت حزقيا الملك)، وما ذَخَرَهُ آباؤُكَ إلَى هذا اليومِ إلَى بابِلَ. لا يُترَكُ شَيءٌ، يقولُ الرَّبُّ. ويؤخَذُ مِنْ بَنيكَ الذينَ يَخرُجونَ مِنكَ، الذينَ تلِدُهُمْ، فيكونونَ خِصيانًا في قَصرِ مَلِكِ بابِلَ" (2مل17:20-18) هناك أيضًا نبوات كثيرة جدًّا تنبأ بها الأنبياء بخصوص السبي إلى بابل، وكان الهدف منها أن يرجع الشعب عن خطيته بالتوبة، ولكن لم يحدث فصار حكم الله نافذًا وسُبيت المملكة إلى بابل. وكان سبي مملكة يهوذا على عدة مراحل: سبي نبوخذناصر ملك بابل بعض سكان أورشليم، وكان من بينهم دانيال والثلاثة الفتية القديسون سنة 605 ق.م. (دانيال1:1-7). سبي رجال نبوخذناصر الملك مجموعات أخرى من الشعب إلى بابل في عهد الملك يهوياقيم (2مل1:24-4).. الذي قيل عنه إنه: "عَمِلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّب إلهِهِ" (2أخ5:36).. لذلك كانت عقوبته أنه: "علَيهِ صَعِدَ نَبوخَذناصَّرُ مَلِكُ بابِلَ وقَيَّدَهُ بسَلاسِلِ نُحاسٍ ليَذهَبَ بهِ إلَى بابِلَ، وأتَى نَبوخَذناصَّرُ ببَعضِ آنيَةِ بَيتِ الرَّب إلَى بابِلَ وجَعَلها في هيكلِهِ في بابِلَ" (2أخ6:36-7). جاء نبوخذناصر للمرة الثالثة، وحاصر أورشليم في عهد يهوياكين ملك يهوذا ونهب المدينة وسلب محتويات الهيكل (2مل12:24-16)، وسبى عشرة آلاف من أهلها إلى بابل. حقًا قيل من جهة هذا الدمار: "آثامُكُمْ عَكَسَتْ هذِهِ، وخطاياكُمْ مَنَعَتِ الخَيرَ عنكُمْ" (إر5: 25). في سنة 588 ق.م. ثار صدقيا الملك ضد نبوخذناصر الملك، لقد قيل عن صدقيا الملك: "وعَمِلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّب إلهِهِ، ولم يتواضَعْ أمامَ إرميا النَّبي مِنْ فمِ الرَّب. وتمَرَّدَ أيضًا علَى المَلِكِ نَبوخَذناصَّرَ الذي حَلَّفَهُ باللهِ، وصَلَّبَ عُنُقَهُ وقَوَّى قَلبَهُ عن الرُّجوعِ إلَى الرَّب إلهِ إسرائيلَ، حتَّى إنَّ جميعَ رؤَساءِ الكهنةِ والشَّعبِ أكثَروا الخيانَةَ حَسَبَ كُل رَجاساتِ الأُمَمِ، ونَجَّسوا بَيتَ الرَّب الذي قَدَّسَهُ في أورُشَليمَ. فأرسَلَ الرَّبُّ إلهُ آبائهِمْ إليهِمْ عن يَدِ رُسُلِهِ مُبَكرًا ومُرسِلاً لأنَّهُ شَفِقَ علَى شَعبِهِ وعلَى مَسكَنِهِ، فكانوا يَهزأونَ برُسُلِ اللهِ، ورَذَلوا كلامَهُ وتهاوَنوا بأنبيائهِ حتَّى ثارَ غَضَبُ الرَّب علَى شَعبِهِ حتَّى لم يَكُنْ شِفاءٌ" (2أخ12:36-16). لذلك أسلمه الله مع شعبه لهذا السبي. فجاء "نَبوخَذناصَّرُ مَلِكُ بابِلَ هو وكُلُّ جَيشِهِ علَى أورُشَليمَ ونَزَلَ علَيها، وبَنَوْا علَيها أبراجًا حولها. ودَخَلَتِ المدينةُ تحتَ الحِصارِ إلَى السَّنَةِ الحاديَةَ عشَرَةَ للمَلِكِ صِدقيّا. في تاسِعِ الشَّهرِ اشتَدَّ الجوعُ في المدينةِ، ولم يَكُنْ خُبزٌ لشَعبِ الأرضِ. فثُغِرَتِ المدينةُ، وهَرَبَ جميعُ رِجالِ القِتالِ ليلاً مِنْ طريقِ البابِ بَينَ السّورَينِ اللذَينِ نَحوَ جَنَّةِ المَلِكِ. وكانَ الكِلدانيّونَ حولَ المدينةِ مُستَديرينَ. فذَهَبوا في طريقِ البَريَّةِ. فتَبِعَتْ جُيوشُ الكِلدانيينَ المَلِكَ فأدرَكوهُ في بَريَّةِ أريحا، وتفَرَّقَتْ جميعُ جُيوشِهِ عنهُ. فأخَذوا المَلِكَ وأصعَدوهُ إلَى مَلِكِ بابِلَ، إلَى رَبلَةَ، وكلَّموهُ بالقَضاءِ علَيهِ. وقَتَلوا بَني صِدقيّا أمامَ عَينَيهِ، وقَلَعوا عَينَيْ صِدقيّا وقَيَّدوهُ بسِلسِلَتَينِ مِنْ نُحاسٍ، وجاءوا بهِ إلَى بابِلَ (2مل1:25-7) لقد هُدمت أسوار أورشليم والهيكل وأُحرقت المدينة بالنار، ولم يبقَ في أورشليم سوى المساكين والفلاحين (2مل8:25-12). وتم المكتوب: "فتتشَتَّتَ الغَنَمُ، وأرُدُّ يَدي علَى الصغارِ" (زك7:13) إنها النتيجة المروعة للخطية: "فأصعَدَ علَيهِمْ مَلِكَ الكِلدانيينَ فقَتَلَ مُختاريهِمْ بالسَّيفِ في بَيتِ مَقدِسِهِمْ. ولم يَشفِقْ علَى فتًى أو عَذراءَ، ولا علَى شَيخٍ أو أشيَبَ، بل دَفَعَ الجميعَ ليَدِهِ. وجميعُ آنيَةِ بَيتِ اللهِ الكَبيرَةِ والصَّغيرَةِ، وخَزائنِ بَيتِ الرَّب وخَزائنِ المَلِكِ ورؤَسائهِ أتَى بها جميعًا إلَى بابِلَ. وأحرَقوا بَيتَ اللهِ، وهَدَموا سورَ أورُشَليمَ وأحرَقوا جميعَ قُصورِها بالنّارِ، وأهلكوا جميعَ آنيَتِها الثَّمينَةِ. وسَبَى الذينَ بَقوا مِنَ السَّيفِ إلَى بابِلَ، فكانوا لهُ ولبَنيهِ عَبيدًا إلَى أنْ مَلكَتْ مَملكَةُ فارِسَ"(2أخ17:36-20). وهكذا أيضًا انتهت دولة يهوذا وأصابها العار والضياع. (4) أحوال التسبيح أثناء السبي كيف نتكلَّم عن التسبيح ومجد الهيكل وقد أصاب الدمار كل شيء؟!! لم يعد هناك سوى الذكريات والأنين.. "علَى أنهارِ بابِلَ هناكَ جَلَسنا، بَكَينا أيضًا (بدل الفرح والتسبيح) عِندَما تذَكَّرنا صِهيَوْنَ. علَى الصَّفصافِ في وسطِها عَلَّقنا أعوادَنا (لأننا لا نستطيع أن نعزف ونرتل بسبب الحزن والسبي). لأنَّهُ هناكَ سألَنا الذينَ سبَوْنا كلامَ ترنيمَةٍ (على سبيل التهكم أو التسلية، أو قد يكون لأنهم معجبون ومشتاقون لسماع تسابيح صهيون)، ومُعَذبونا سألونا فرَحًا (بشماتة) قائلينَ: "رَنموا لنا مِنْ ترنيماتِ صِهيَوْنَ". كيفَ نُرَنمُ ترنيمَةَ الرَّب في أرضٍ غَريبَةٍ؟ إنْ نَسيتُكِ يا أورُشَليمُ، تنسَى يَميني! ليَلتَصِقْ لساني بحَنَكي" (مز1:137-6) كانت تسابيح أورشليم قد طبقت شهرتها الآفاق، حتى أن الأعداء البابليين كانوا قد سمعوا عن مجد وبهاء هذا التسبيح، فطلبوا من الشعب المسبي – بحب استطلاع أو بتهكم – أن يرتلوا لهم هذه التسابيح. لكن لم تعد هناك حتى الرغبة في التسبيح. كيف تُسبِّح النفس المسبية بعيدًا عن الله والهيكل والمقدسات؟!! كيف تغني النفس المُعاقَبة بسبب الخطية؟!! لم تكن تسابيح الرب مجرد أغاني يتمتع بها الغرباء في حفلات صاخبة - كما كانوا يفعلون - لكنها كانت ذبيحة حب وفرح يُغنى بها في حضور إله إسرائيل لقد أتت نبوة أيوب: "صارَ عودي للنَّوْحِ، ومِزماري لصوتِ الباكينَ" (أي31:30) وكذلك نبوة إشعياء: "فتَئنُّ وتنوحُ أبوابُها، وهي فارِغَةً تجلِسُ علَى الأرضِ" (إش26:3)، "بَطَلَ فرَحُ الدُّفوفِ، انقَطَعَ ضَجيجُ المُبتَهِجينَ، بَطَلَ فرَحُ العودِ" (إش8:24) وصار إرميا يئن في مراثيه: "مَضَى فرَحُ قَلبِنا. صارَ رَقصُنا نَوْحًا" (مرا 15:5) وناح يوئيل بحزن شديد: "تنَطَّقوا ونوحوا أيُّها الكهنةُ. ولوِلوا يا خُدّامَ المَذبَحِ. ادخُلوا بيتوا بالمُسوحِ يا خُدّامَ إلهي، لأنَّهُ قد امتَنَعَ عن بَيتِ إلهِكُمُ التَّقدِمَةُ والسَّكيبُ" (يؤ13:1). وتكلّم عن هذا عاموس النبي معلنًا غضب الرب على شعبه: "وأُحَولُ أعيادَكُمْ نَوْحًا، وجميعَ أغانيكُمْ مَراثيَ" (عا10:8). وصارت تسابيح الشعب مراثيا، وحقَّ لهم أن يرددوا هذه المزامير بدلاً من مزامير الفرح:"لماذا رَفَضتَنا يا اللهُ إلَى الأبدِ؟ لماذا يُدَخنُ غَضَبُكَ علَى غَنَمِ مَرعاكَ؟" (مز1:74) "إلَى مَتَى يارَبُّ تغضَبُ كُلَّ الغَضَبِ، وتتَّقِدُ كالنّارِ غَيرَتُكَ؟" (مز5:79) "أرجِعنا يا إلهَ خَلاصِنا، وانفِ غَضَبَكَ عَنّا" (مز4:85) "هل إلَى الدَّهرِ تسخَطُ علَينا؟ هل تُطيلُ غَضَبَكَ إلَى دَوْرٍ فدَوْرٍ؟ ألا تعودُ أنتَ فتُحيينا، فيَفرَحُ بكَ شَعبُكَ؟" (مز5:85-6). حقًا قيل: "لَيتَكَ أصغَيتَ لوَصايايَ، فكانَ كنهرٍ سلامُكَ وبِرُّكَ كلُجَجِ البحرِ" (إش18:48). ولكن الله الحنون الذي قيل عنه إنه "رَؤوفٌ، يَغفِرُ الإثمَ ولا يُهلِكُ. وكثيرًا ما رَدَّ غَضَبَهُ" (مز38:78).. لم يترك شعبه إلى الانقضاء، بل أرسل لهم مُخلِّصين ليُخلِّصوهم من السبي، وعادوا إلى أورشليم ليُعمروها بالناس والمباني وأيضًا بالتسبيح. وهذا ما تنبأ عنه إشعياء النبي وقال: "في ذلكَ اليومِ يُغَنَّى بهذِهِ الأُغنيَّةِ في أرضِ يَهوذا: لنا مدينةٌ قَويَّةٌ. يَجعَلُ الخَلاصَ أسوارًا ومَترَسَةً" (إش1:26) "ويكونُ في ذلكَ اليومِ أنَّهُ يُضرَبُ ببوقٍ عظيمٍ، فيأتي التّائهونَ في أرضِ أشّورَ، والمَنفيّونَ في أرضِ مِصرَ، ويَسجُدونَ للرَّب في الجَبَلِ المُقَدَّسِ في أورُشَليمَ" (إش13:27) "ومَفديّو الرَّب يَرجِعونَ ويأتونَ إلَى صِهيَوْنَ بترَنُّمٍ، وفَرَحٌ أبديٌّ علَى رؤوسِهِمِ. ابتِهاجٌ وفَرَحٌ يُدرِكانِهِمْ. ويَهرُبُ الحُزنُ والتَّنَهُّدُ" (إش10:35)."هذا الشَّعبُ جَبَلتُهُ لنَفسي. يُحَدثُ بتسبيحي" (إش21:43) "اُخرُجوا مِنْ بابِلَ، اهرُبوا مِنْ أرضِ الكلدانيينَ. بصوتِ التَّرَنُّمِ أخبِروا. نادوا بهذا" (إش20:48). تُرى ما هي قصة العودة؟ وهل عادت مرة أخرى ذبيحة التسبيح؟ نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
07 أكتوبر 2018

وعود أبدية

تعرّضت كنيستنا المحبوبة في الآونة الأخيرة إلى إعتداءات متعدّدة منها الهدم والحرق والسلب والتهديد والإزدراء، ومن الطبيعي أن نتضايق على هذه الأحداث المؤسفة، وبلا شك فإن الكنيسة التي يتربّى فيها الشخص المسيحي تتحول المباني فيها إلى معانٍ، وتحمل ذكريات وتعزيات تستمر معه رحلة العمر كله.وقد نتساءل: لماذا وكيف يسمح الله بهذه التعديات؟ أليس هو الحارس لكنيسته؟ وكيف يسمح بقتل وسرقة بيوت لأشخاص لا لشيء إلا لأنهم مسيحيين؟ كيف يترك الشر ينتصر؟ومع تذكُّر بعض المواعيد الإلهيه قد يعثر الشخص في تصديقها مثل: «أبوابُ الجَحيمِ لن تقوَى علَيها» (متى 16: 18)، «شَعرَةً مِنْ رؤوسِكُمْ لا تهلِكُ» (لوقا 12: 18)، «يَحفَظُ جميعَ عِظامِهِ. واحِدٌ مِنها لا يَنكَسِرُ» (مزمور 34: 20).ولكي نفهم هذه المواعيد علينا أن ندرك أنها مواعيد أبدية وليس زمنية، ولو كانت زمنية لكانت تتعارض مع كل تفاصيل حياة ربنا يسوع المسيح نفسه، ومع آلامه ومع صليبه، ومع كل ألوان العذابات والضيقات التي تعرض لها أباؤنا الرسل القديسؤن والشهداء.وهنا لابد أن تتضح بعض المفاهيم: فالمقصود بأن أبواب الجحيم لن تقوي عليها هو قوات الموت، ولا يُقصَد هنا بالموت الموت الجسدي، بل الموت الأبدي. بمعني أن الكنيسة تبقي حيّة خالدة عبر الزمان بل وبعد الزمان.ولا يُقصَد بحفظ العظام العظام الجسدية، بل حفظ أعماق النفس الداخلية.كثيرًا مايحدث تعارض في فهم التدابير الإلهيه لأننا نترجمها بمفاهيمنا البشرية!الله تدابيره سماوية أبدية، بينما اهتمامات الإنسان أرضية زمنية، من هنا يحدث الصدام والعثرة في المفاهيم.لنعلم أن أقصى الشر عند الله هو الخطية، وأشد الخسائر عنده هي الهلاك الأبدي، ولكن للأسف الإنسان لا يدرك هذا ويعتبر أن الشر هو التجارب والخسائر هي الأمور المادية.وسيظل هذا التعارض ويتسع كلما ابتعدناعن المفاهيم الإلهية، وسيتضح لنا تدريجيًا كلما اقتربنا إلى الحياة الأبدية ونحن بعد على الأرض إلى أن يكتمل إدراكنا لها في المجد الأبدي، حين ندرك ما لم ندركة ونتعجب لتدابيرة المملؤة حكمة ومجدًا، ولا يسعنا إلا أن نخر ونسجد ونسبح مع السمائين: «نَعَمْ أيُّها الرَّبُّ الإلهُ القادِرُ علَى كُلِّ شَيءٍ! حَقٌّ وعادِلَةٌ هي أحكامُكَ» (رؤيا 17: 7).ومع غاية تأثرنا على كنائسنا التي هُدِمت أو حُرِقت إلّا أننا نؤكد أن الكنيسة بالنسبة لنا ليس مجرد مبنى ولا مكان، بل هي العالم كله حيث يوجد الله معنا، هي نحن، وحيثما اجتمعنا توجد الكنيسة. القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك الأسكندرية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل