المقالات

09 سبتمبر 2018

رسالة شهيد

من رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل رومية بركاته على جميعنا آمين ” من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عُري أم خطر أم سيف كما هو مكتوب إننا من أجلك نُمات كل النهارقد حُسبنا مثل غنمٍ للذبح ولكننا في هذه جميعها يعظُم انتصارنا بالذي أحبنا فإني مُتيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا “ ( رو 8 : 35 – 39 ) لماذا استشهد الشهداء وكيف تحملوا ؟ تخيلوا الشهيد يقف وأمامه آخر مثله يُهان ويُضرب ويُجلد ويُعذب وتُقطع رأسه وهو واقف يرى كل ذلك بالطبع يوجد من ضَعَف ومن أنكر الإيمان وهناك أيضاً من ثَبَت حتى أن الكنيسة وضعت قانون توبة لمن أنكر الإيمان في هذه الفترة وكانت هناك عظات تُسمى عظات المُرتدين أي من ترك الإيمان أثناء فترة الإستشهاد كيف يصبر الإنسان ويصمُد أمام آلام الجسد مارجرجس احتمل سبع سنوات تعذيب أمر عجيب لكنهم عاشوا ثلاثة أمور مهمة هي :- 1. لا تُحبوا العالم :- لا يمكن لإنسان مُتعلق بمقتنيات العالم ويستشهد .. كيف يقف أمام سيف السياف وهو مربوط بسبب الموت ؟ العالم في قلب الشهيد غير موجود .. مفطوم عن العالم .. حدث له انفصال نفسي عن العالم وكأنه غير موجود في العالم لكنه يراه من الخارج ولا يملُك عليه العالم كما يقول معلمنا بولس الرسول ” الذين يشترون كأنهم لا يملكون .. والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه “ ( 1كو 7 : 30 – 31 ) .. أي قلبهم غير مُتعلق بالقنية .. لا تُحبوا العالم . كان الشهيد تيموثاوس متزوج حديثاً .. ولأن المُضطهدين كانوا يكرهون عبادة المسيحيين فكانوا يسرقون كتب العبادة فخبأ المسيحيون كتب العبادة في منازلهم .. كان الشهيد تيموثاوس لديهِ كُتب العبادة والقراءات في منزله .. فدخل المُضطهدون بيت تيموثاوس وأخذوه وضربوه وأهانوه وعذبوه ليأخذوا كتب العبادة لكنه رفض .. فحاولوا إغرائه بعروسه وزوجته فلم يستطيعوا أن يثنوه فأحضروا له زوجته ليتراجع عندما يراها لكنها كانت قوية مثله فقوَّته .. فعذبوهما .. رغم إنهما كانا مُتزوجان حديثاً لكنهما لم يُحبا العالم ولم يضعا ويخططا مستقبل لأنفسهما .. لأنه صعب على إنسان يحب العالم أن يستشهد . هناك قصة خيالية تقول أنه كان هناك شاب في عمر الثلاثين متزوج وله طفلان ويعمل من أجل بيته وزوجته .. وفي أحد الأيام جاءه ملاكه الحارس وقال له أنت أتعبتني أنت لست مع الله .. أجابه الشاب أنت الذي أتعبتني .. أُريدك أن تتجاوب معي وتساعدني على امتلاك الممتلكات والمال .. أريد أن أصير غني وأتمتع و...... فقال له الملاك أنت تعرف أن الزمن مِلك لله وأستطيع بحركة من جناحي أن أُدير الكون وتِكبر في عمرك .. وبالفعل حرك الملاك جناحه وفي ثوانٍ كبر الشاب حوالي " 45 " سنة وصار مُسن أشيب وأولاده يتزوجون وزوجته طريحة الفراش وصديقه الذي كان يُنافسه في عمله قد مات وماله موجود كما هو لكن أمامه ثلاثة أيام ويموت .. فسأل الملاك ماذا أفعل الآن ؟ هل أستطيع أن أُعطي نصف أموالي للفقراء ؟ وأصوم هذه الأيام الثلاثة وأصلي وأعمل ميطانيات وأسجد لإلهي ؟ أجابه الملاك تستطيع ذلك .. بالفعل صام وصلى وسجد وطلب مراحم الله .. ثم قال للملاك هل أستطيع أن أُعطي كل أموالي لله ؟ أجابه الملاك تستطيع .. ثم طلب منه الملاك مهلة لحظة وحرك جناحه فعاد الزمن وعاد الشاب لعمره الأصلي .. شاب .. وسأله حينئذٍ الملاك ماذا تريد الآن ؟ هل تريد أموال .. ممتلكات ....... ؟ نحن لنا طموحات لن تشبع .. قد نرى المُسن في دار المسنين يغطي وجههُ أثناء النهار لا يريد أن يرى أحد لأنه حقق كل طموحاته ولم يشبع .. كل جزء يفرغ في قلبه ولا يملأه بمحبة الله لذلك يتعب .. الأولاد تزوجوا و........ إملأ الفراغات بالمسيح تِشبع . الشهداء لم يحبوا العالم لذلك عندما أتتهم الفرصة لتقديم حياتهم للمسيح لم يتراجعوا لأنهم رفضوا العالم بكل مغرياته لأن محبة المسيح التي ملكت قلوبهم أقوى من محبة العالم .. دقلديانوس كان يتلذذ بتعذيب المسيحيين لكنه كان يتعجب من فرحتهم أثناء الإستشهاد فقال لمساعديه يستحيل أن يكونوا هؤلاء مربوطين بشهوات .. ” الذي يقتني في نفسه شهادة صالحة يشتهي الموت أكثر من الحياة .. وكل إنسان تدبيره ردئ أمور هذا العالم شهية عنده “ .. بينما الإنسان الروحاني الأفكار المقدسة والكتاب شهية عنده .. الشهيد يعيش في العالم لكنه لم يتغير ولم يسمح لماء العالم أن يدخل سفينته بل ركب العالم وسار فوقهُ . 2. لا تخافوا :- يقول الآباء أن الكتاب المقدس به " 365 " مرة كلمة " لا تخافوا " .. أي بعدد أيام السنة .. الخوف ضد الله لذلك الخوافين لا يدخلون الملكوت .. هناك خوف طبيعي هذا أمر عادي لكن لا تتحول حياتنا إلى سلسلة خوف ووقت الجد نُنكر الإيمان .. لا .. هذا مرفوض .. نعم كل شئ فيَّ ردئ إلا إني مسيحي وهذا أجمل ما فيَّ فلا أخاف لو ظُلمت أو كنت في وسط مخيف .. لا أخاف لأني في يد المسيح الغالب الموت .. ” الذي فيكم أعظم من الذي في العالم “ ( 1يو 4 : 4 ) .. الشهداء لم يخافوا من رعب دولة .. أمامهم حاكم قاسي وجلاَّد مُرعب والسيف والقسوة على وجوه من حولهم ولم يخافوا . لابد أن نعرف أنه سيكون لنا في العالم ضيق .. قايين قتل هابيل لكن هابيل لم يمُت .. هيرودس قتل يوحنا المعمدان لكن يوم قتل يوحنا كان يوم حزن عند هيرودس وكانت رأس يوحنا الميتة تصرخ ” لا يحل لك “ ( مت 14 : 4 ) .. عيسو اضطهد يعقوب .. فرعون اضطهد بني إسرائيل .. عيسو أراد قتل يعقوب وفرعون أراد قتل بني إسرائيل .. هناك مرات كثيرة أراد العالم إبادة شعب الله .. عثليا أرادت قتل النسل الملكي هذا أمر غير منطقي .. فرعون أراد قتل أطفال بيت لحم منتهى القسوة ويسوع مُضطهد لكنه يبقى .. بعد ذلك هيرودس يقتل يعقوب الرسول وأراد قتل بطرس .. هل الكل يخاف ؟ لا .. دقلديانوس قتل الكثير والكثير .. وحتى اليوم وغداً و...... . الإضطهاد موجود لأن وجود المسيحيون يُسبب ألم للعالم لكن لا تخاف حتى لو أدى الأمر للإستشهاد لأن المسيح أعطاني وعد أنه ” ثقوا أنا قد غلبت العالم “ ( يو 16 : 33 ) .. أكثر شئ يُخيف الإنسان نفسه .. 65 % من مخاوف الإنسان لا تحدث .. الذي يجعل ثقته في الله .. في يقين أن الله قادر أن يُدير كل أموره هذا لا يخاف .. قل له كل يوم " أنا مِلك لك " . القديس أبو مقار كان يصلي فظهر له الشيطان وفي يده سيف يريد قطع يدي أبو مقار .. لكن القديس لم يهتز ولم يخاف .. فقال له الشيطان أما تخاف يا راهب ؟ أجابه أبو مقار إن أمرك الله أن تقطعها فاقطعها .. ما يحدث هو الذي يسمح به الله فقط .. لا تخف لأنك كلما ارتبطت بالأرض كلما خفت أكثر . شخص في طريقه للسفر وكان الطريق طويل ومعه حقيبة بها أمور مهمة كثيرة فوضع الحقيبة بجانبه ولم يحرك عينه عنها لكنه كان النُعاس يغلبه وهو يقاوم ويعود يطمئن على الحقيبة إلا أن النُعاس غلبهُ فغفل للحظات وقام من غفلتهِ ونظر لم يجد الحقيبة .. لقد سُرقت عندئذٍ استسلم للنوم . هناك ما يربطك بالحياة ويُخيفك وكلما انحليت من العالم كلما عشت فوقهُ .. الإنسان يخاف من نفسه ومن أطماعه وضعفه لكن مادمت في يد الله لا أخاف شراً .. لذلك رأينا في الشهدتء بطولات .. عندما تُوضع فتاة رقيقة في زيت مغلي .. عندما يحضروا رضيع بربتوا تصرخ من جوعها فتقول لهم بربتوا " هو أعطاني إياها .. هو يقُوتها " .. قوية .. لا تخاف .. ويحاولون إضعافها أكثر فيضعون الرضيعة في حضنها لعلهت تتراجع .. عذابات نفسية وجسدية لكنهم غلبوا لأنهم من داخلهم غالبين . 3. لا تنسوا المجد الأبدي :- لهم هدف ترى منظر الشهيد وترى الدم وهو يرى السماء أنت ترى سيف وهو يرى مجد الذي يجعلك تصبِر على السيف وعلى الآلام أنك ترى السماء قديسون كثيرون سمح الله لهم أن يروا إكليلهم لأن بعد لحظات قليلة يتحول الضعف إلى قوة ومجد ويُستبدل الإضطهاد إلى استقبال في مجد لا تنسى مجد السماء لا تنظر للجزء المُتعب في القصة بل انظر للمكافأة الشهيد عينه على المكافأة فكان مشتاق لمجد السماء ووجد أن الإستشهاد خطوة للمجد يقول القديس أغسطينوس ” يا الله أنت قلت لا أحد يراني ويعيش إذاً لكي أراك لابد أن أموت أريد أن أموت لكي أراك “ لذلك رأينا في الكنيسة صفوف شهداء وقالوا للملك قسطنطين نحن غير فرحين بالحرية لأن عدو الخير وجد أنه قد خسر كثيراً عندما أشعل الإضطهاد على المسيحية لأن الضيق أقام في الكنيسة آلاف من الشهداء فغيَّر الشيطان خطته وجعل الضيق من داخل الكنيسة بالبدع والهرطقات لكن وسط كل هذا حب الإستشهاد مازال في قلوب أولاد الله فأقاموا صفوف تريد الرهبنة فنجد في القرن الخامس 20.000 راهب في البرية وكان في منطقة الساحل الشمالي حوالي " 400 " دير فكانت الأديرة تُسمى بالأرقام وصوت التسبيح لا ينقطع في هذه المنطقة الشهيد تُقطع رأسه وينزف" 5 " لتر دم والراهب ينزف نفس الدم لكن قطرة قطرة بالميطانيات والجهاد عندما تملُك محبة المسيح على القلب تهون الحياة لذلك أُطلِق على الرهبنة اسم " الإستشهاد الأبيض " قدموا حياتهم على مذبح العبادة والنسك يجوع ولا يأكل ويتعب وكل يوم يجدد عهد استشهاده مع يسوع هذا أتى من إنسان وضع مجد السماء هدف له الشهيد يقول لك لا تنسى مجد السماء إجعل في عقلك شكل أجمل وهو صورتي وعلى رأسي إكليل المجد الذي يضع لنفسه هدف يسعى له وتهون عليه الوسيلة والتعب كان أسهل طريق على الشهيد لنوال المجد هو قطع الرأس لكن الأصعب أن يتعذب يوم بعد يوم لكي يواجه الإنسان الموت أيام هذا أمر صعب ورغم ذلك صمدوا هم ليسوا بشر الله غيَّر طبيعتهم وجعلهم يتخطون طبع البشر لم يكونوا أصحاب قوة جسمانية وعضلات بل قوَّتهم في عبادتهم لذلك هدفهم مجد الأبدية وصارت عائلات بأكملها تتقدم للإستشهاد طفل صغير كان يشاهد أبوه يستشهد وتقابلت نظرات الأب مع الطفل فدمعت عين الأب فأجابه طفله " إحذر أن يتغير قلبك بسببي " أي كان يُشدده ويشجعه الشهيد يقول لك " ألا تريد أن تكون مثلي " ؟ أنا ضعيف مثلك لكني أحببت الله أكثر من العالم ولم أخاف ولم أنسى مجد الأبدية فصرت شهيد وتمتعت بالمجد عِش هذه الثلاثة تقدم له نفسك شهيد كل يوم حتى يأتي اليوم الذي تكون فيه معه وتسمع صوته الجميل ” كنت أميناً في القليل فأُقيمك على الكثير ادخل إلى فرح سيدك “ ( مت 25 : 21 )” من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عُري أم خطر أم سيف كما هو مكتوب إننا من أجلك نُمات كل النهار قد حُسبنا مثل غنمٍ للذبح ولكننا في هذه جميعها يعظُم انتصارنا بالذي أحبنا فإني مُتيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا “ ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانيا أتطونيوس – محرم بك - الاسكندرية
المزيد
08 سبتمبر 2018

تَذكَارُ رَئِيسِ المَلائِكَةِ رَافَائِيلَ (مُفَرِّح القُلوُبِ)

رافائيل ثالث رؤساء الملائكة له كرامة قوية، ومعنى اسمه "الله الشافي" لذلك دُعي مطيِّب القلوب. رافائيل من الأرواح السماوية العاقلة الناطقة التي صنعها وخلقها الله ضمن أجناده الملائكية... منظره لهيب نار، ولباسه كالثلج، قائم في السماء، مملوء قوة ومعرفة وعِلمًا، واقفًا أمام الله كل حين يسبح الحي إلى أبد الآبدين... رافائيل رئيس طغمات في البلاط السماوي يعبد ويخدم رب الجنود وإله القوات، أدرك حكمة ونور الله منذ خلقته، لكنه شاهد في كنيسة العهد الجديد عجبًا لحكمة الله المتنوعة، ورأى أعماقًا جديدة للسر المكتوم منذ الدهور. رافائيل الوديع يسبِّح في عظمة واتساق مفعمًا بالالتهاب، جماله يذهل الخيال، يشاهد عيانًا الأسرار العظيمة، عظيمًا في المعرفة والحكمة والبهاء الإلهي في قوته الجوهرية، طعامه رؤية الله، وشرابه التمجيد والسجود للقدوس، وقد عُيِّن ضمن رؤساء الملائكة وله رتبته في العمل والإنارة والمَقام ضمن غير المتجسدين، رافائيل ضمن الملائكة والخدام الملتهبين نارًا، خالدًا ليس بالطبيعة بل بالنعمة، جوهره عقلي أعلىَ وأسمىَ من الجنس البشري، دائم الحركة، مُطلَق الحرية، يتمتع بنعمة الخلود، يستمد نوره من النور الأول الجوهري الذي لا يُدنى منه (نور إلهنا) الذي لا بداءة ولا حدود له... يتكلم بأنفاس الله ويتخذ صورة يستطيع معها الناظرون إليه أن يروه. ولأنه دائمًا في حضرة الله يعاين مجده، ولأنه لا ينفصل عنه شاخصًا إليه كل حين سيأتي أيضًا معه في مجد الدينونة، وسيكون له دوره ضمن الرتب الملائكية في ساحة القضاء من حيث الدفاع والشفاعة والتقدم بالشهادة الصالحة عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته. رافائيل ضمن رؤساء عساكر السموات جند الرب المقتدرين قوة الفاعلين أمره، يحفظوننا في الطريق ويمنحوننا البركة ويلمسوننا بالفهم والفطنة، يبشروننا بالأخبار السارة وبأفراح الخلاص، يحلوا ويسيِّجوا حولنا، وفيما يخدمون السر الخفي يشفعون في جنس البشر كل حين ويطلبون عن خلاص الناس وتدبير النفوس، هم حراس مرشدون منقذون معينون ملاحظون شفعاء يُصعدون الصلوات والصدقات، ملائكة تعزية ورحمة ونجاة ومساندة وشفاء وقوة ونياح وحراسة ومؤازرة من المهْد إلى اللَحْد، يحرسوننا وسط الأعاصير والشدائد... يشرحون لنا المعاني الإلهية والأسرار المخفية، ويحملون لنا الوعود والمواعيد الثمينة. وقد جاء الكثير عنهم في علم الملائكة (Angelology) من حيث طبيعتهم النورانية الفائقة ورتبهم ودرجاتهم، كأرواح مرسَلة لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص. أخذوا مهامًا رسمية لحمل رسائل إلهية، لا يحدّهم زمان ولا مكان، لا يشيخون ولا يتغيرون، طبيعتهم خالدة بحسب النعمة، قائمون بخدمة التسبيح بلا فتور، وهم المنفذون لإرادة الله، يُظهرون نوره غير المرئي بلا عتامة ولا دنس ولا فساد، ويكشفون عن الجمال المطلق للسر الصامت الذي للحضرة الإلهية مثل أنشودة أبدية مع ألوف ألوف وربوات ربوات واقفين قدام الحي في المحفل، أَلْوِيَة وطغمات ورتب علوية تتدرّج في رتبها وسموها وقوتها واقترابها وعملها واختصاصها ضمن جيش الله. ونحن نطلب في تذكار رافائيل الرئيس مطيِّب القلوب أن يشفع من أجل شفاء كل طوبيت من العمىَ، وأن يرافق الفقراء والأرامل والأيتام وجثث القتلىَ والذين ليس لهم من يواريهم الثرىَ في هذا الزمن الصعب، وأن يرافق مسيرة غربتنا وسفرنا عبر هذا العالم، وأن يحضر إلى ولائم المحتاجين والمساكين لكي يباركها، ويداوي بالتعزية القلوب القلقة والمنكسرة ببركة قيامه قدام الله. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
07 سبتمبر 2018

صفحة من التاريخ الكنسى المصرى المسيحى. معنى روحى مع بداية السنة القبطية.

” اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا. وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ. لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ. وَلكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ. لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كَطِفْل كُنْتُ أَتَكَلَّمُ، وَكَطِفْل كُنْتُ أَفْطَنُ، وَكَطِفْل كُنْتُ أَفْتَكِرُ. وَلكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ. فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ، لكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ. الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ، لكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ. أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ.” (كورنثوس الاولى 13: 8-13) اليوم سنتأمل فى: صفحة من التاريخ الكنسى المصرى المسيحى. معنى روحى مع بداية السنة القبطية. فى القرن الأول الميلادى كانت مصر ولاية رومانية مستعمرة، فى منتصف القرن جاء مارمرقس إلى مصر وبدأت الكنيسة القبطية المصرية وكانت الكنيسة أقدم مؤسسة شعبية واحتوت كل الكيان المصرى واستوعبت كل مصركانت البلاد مستعمرة ولكن المؤسسة الكنسية كانت مستقلة، فلذلك نقول بكل فخر ان بلادنا استعمرت من بلاد كثيرة لكن الكنيسة القبطية عاشت مستقلة وصمدت فى مواجهة الاضطهادات الرومانية والبيزنطية. وقد عاشت الكنيسة تحتضن الإيمان المسيحى الذى ينادى بالتوحيد ( بالحقيقة نؤمن بإله واحد … ) الإيمان بالله الواحد والتعبير عن هذا الإله الواحد فى شعار المسيحية : ( الله محبة ) الإله الواحد المحب. فلهذا الكنيسة القبطية المصرية هى أقدم كنيسة، مستقلة رغم الاستعمار، إيمانها يعتمد على الله الواحد، كنيسة شعارها ” الله محبة “” أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ ” (رسالة يوحنا الاولى 4: 7،8) الله خلق الخليقة وعلى قمتها الانسان فصار الانسان هو تاج الخليقة وقد أصبحت مصر نموذج للجنة ” كَجَنَّةِ الرَّبِّ، كَأَرْضِ مِصْرَ ” (تكوين 13:10) كما أنه مكتوب فى إشعياء “مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ” فبهذا بارك الرب الأرض والشعب، لذلك فى كل قداس نصلى من أجل أرض مصر وشعبها. لهذا صار لدينا حياة لها ثلاثة أركان: النيل الذى يمر وسط البلاد: هو أبونا الأرض على ضفتى النيل: هى أمنا الانسان المصرى: ابن النيل وابن الأرض فلذلك صارت مصر لوحة الهية بارعة الجمال وسط كل شعوب الأرض يجب أن نعلم أن الكنيسة القبطية المصرية قد عاشت ستة قرون قبل دخول العرب إلى مصر تحتضن كل الشعب المصرى وصارت الكنيسة هى المدرسة الأولى التى تعلم حب الوطن وحب الأرض وحب الانسان وحب النهر. لذلك فى وسط القداس نذكر الزرع والهواء والأرض “اصعدها كمقدارها كنعمتك، فرح وجه الأرض ليرو حرثها ولتكثر أثمارها. أعدها للزرع والحصاد (للأرض)، ودبر حياتنا كما يليق(للانسان). بارك اكليل السنة بصلاحك (اكليل السنة المقصود به الحصاد) من أجل فقراء شعبك، من أجل الأرملة واليتيم والغريب والضيف، ومن أجلنا كلنا نحن الذين نرجوك ونطلب اسمك القدوس. لأن أعين الكل تترجاك، لأنك أنت الذي، تعطيهم طعامهم في حين حسن. اصنع معنا حسب صلاحك، يا معطيا طعاما لكل جسد. املأ قلوبنا فرحا ونعيما، لكي نحن أيضا إذ يكون لنا الكفاية في كل شئ، كل حين نزداد في كل عمل صالح.” لأن الله فى المسيحية محبة، ولأن الله خلق الانسان على صورته ومثاله، فالانسان يصبح بدوره محبـــة. فالانسان المسيحى لا يعرف إلا من سلوك المحبة. وتعاليم الكنيسة فى كل صورة ولكل سن وفى أى زمن هى تعاليم قائمة على المحبة. لذلك الكنيسة تصلى من أجل المرضى والمسافرين والحزانى والعاملين فى كل موقع ولأجل طمأنينة البلاد والهواء الحسن والمدن والقرى والمنازل والبيوت والاديرة والماء والزرع والثمر وحكام البلاد والعائلات والايتام وكل البشر. عام 284 م قد بدأ دقلديانوس عصر الاضطهاد وفيه استشهد الاف من المسيحيين، فتأخذ الكنيسة السنة الزراعية القديمة عند قدماء المصريين وتحولها للتقويم القبطى، الذى نحتفل بمرور 1733 عام عليه. عندما دخل العرب إلى مصر حدث ما يسمى بالتعدد الدينى، بعد أن كانت فرعونية ثم مسيحية ثم إسلامية، صارت مصر تعيش بهذا التعدد. فأصبحت مصر نموذج رائع أمام العالم للتعايش. كيف يعيش الانسان ويتحامل ويحيا، حيث انه لا يمكن ان يستغنى الانسان عن الاخر. اليوم كيف نحتفل ببداية سنة قبطية جديدة؟ كيف نعيش كنيستنا بتاريخها القوى؟ أساسيات الحياة المسيحية كما قال عليها القديس بولس الرسول: “أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ.” نقيس انفسنا فى بداية السنة القبطية الجديدة من خلال ثلاثة نقاط: إيمانك: هل نظرة الإيمان لدينا نظرة قوية؟ أم ايماننا بدأ ان يضعف ويبهت ويغيب ؟ الإيمان القويم الذى عاشته الكنيسة خلال عمرها (أكثر من 20 قرن) ومازلنا نتمتع بهذا الإيمان .. ولكن هل فى حياتنا اليومية نعيش ذلك الإيمان ونشعر بيد الله التى تعمل ؟ هل نعلم أن الله ضابط الكل هو الذى يدير حياة البشر ؟ هل الوعود الكتابية حاضرة أمامنا ؟ هل نشعر بذلك الايمان القوى ؟ الإيمان هو اليقين بحضور الله فى الزمن وفى الحياة باستمرار. إن كنت انسان أمين فى حياتك وتشعر بهذا الإيمان ستجد الله يصنع معك عجبا. المحبة: ما هو شكل المحبة فى قلوبنا؟ العالم هذه الأيام جائع من الحب، صار الانسان يعتمد على الالات والاتصالات وجف قلبه من المحبة. كيف يكون الانسان منبع للحب ؟ يقول القديس يوحنا ذهبى الفم: “أى مصباح بلا نور وأى مسيحى بلا حب ؟” ايها الانسان لقد أوجدك الله لكى تصير مصدر للحب. ومن يعتمد على المحبة يعتمد على الله ومن يأخذ المحبة طريقا له فهو يأخذ الله وينجح فى طريقه. الرجـــاء: هل لدينا رجاء؟ أمل؟ عنصر التشجيع؟ ام نترك انفسنا للمحبطين واليائسين وليس لدينا رجاء ؟ “يا رجاء من ليس له رجاء، معين من ليس اه معين “ داود النبى تعرض لمخاوف كثيرة ولكنه قال “اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟” يكون لدينا رجاء لأن لدينا ثقة أن الله يقود كل شىء فى حياتنا. لمراجعة إيمانك: عبرانيين 11 لمراجعة محبتك: كورنثوس الاولى 13 لمراجعة رجائك: رؤيا 2 قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
06 سبتمبر 2018

هل كتب آخرين كثيرين أناجيل مثل لوقا الإنجيلي؟

أهم ما ورد في المقال من ادعاءات باطلة: من قراءتنا الأولى للمقال يتضح الآتي: (1) أن كاتب المقال فسر مقدمة الإنجيل للقديس لوقا، على هواه!! وبدون دراسة أو معرفة لا بمفهوم الكتاب ولا باللغة المستخدمة ولا بطبيعة الإنجيل نفسه سواء في صورته الشفوية الأولى التي تسلمه بها المؤمنون في الكنيسة الأولى من تلاميذ المسيح ورسله ولا في شكله المكتوب ولا بحسب طبيعة العصر وحضارته وبيئته ولغته وأسلوبه، سواء في اليهودية ومصر والشرق الأوسط أو في روما واليونان، الذي كان الناس يحفظون فيه رواياتهم وأساطيرهم الدينية وكان المتعلمون فيه يكتبون سجلات جزئية لما كان يسلم لهم. (2) لذا فقد فهم خطأ مقدمة الإنجيل للقديس لوقا وما ذكر فيها عن سجلات كانت مكتوبة في زمن القديس لوقا وتصور أنه كان هناك الكثيرون الذين كتبوا أناجيل أخرى مثل القديس لوقا!! (3) زعم وتوهم أن هذه السجلات، والتي تصور وتخيل أنها أناجيل مفقودة، وأطلق لنفسه العنان في تخيل ما يمكن أن تحتويه هذا الكتابات لدرجة تخيله أنه يحتمل أن تكون قد احتوت على نصوص تقول بعدم صلب المسيح وتنفي لاهوته وتقول أنه لم يكن أكثر من مجرد رسول بشر، إنسان مثله مثل آدم مخلوق من تراب!! كما يحتمل أن تكون قد احتوت على إشارات عما يؤمن به أنه النبي الخاتم!! قد يكون موجودا في كتابات لا وجود لها إلا في خياله!! وهنا يظهر هدف محاولاته المستميتة للإيهام بصحة ما يؤمن به من عقائد مضادة للمسيحية من مصادر لا وجود لها في الواقع بل موجودة فقط في أوهامه وتخيلاته!! (4) زعمه المتكرر وادعائه، هو وغيره، بغير علم ولا دليل ولا معرفة، أن المجامع المسكونية، وبصفة خاصة مجمع نيقية، هي التي قررت وحددت ماهية الأناجيل القانونية، وأنها هي التي قررت وحددت ماهية الأناجيل المحرمة وأمرت بإحراقها!! ويعتمد مثل الكثيرين غيره على أكاذيب المدعو بالقس عبد الأحد داود والذي يقول كذبا وتدليسا وبغير علم أو دليل: "إن هذه السبعة والعشرين سفرًا أو الرسالة الموضوعة من قبل ثمانية كتاب لم تدخل في عداد الكتب المقدسة باعتبار مجموعة هيئتها بصورة رسمية إلا في القرن الرابع بإقرار مجمع نيقية سنة 325م. لذلك لم تكن أي من هذه الرسائل مصدقة لدى الكنيسة... وهناك أي في مجمع نيقية تم انتخاب الأناجيل الأربعة من بين أكثر من أربعين أو خمسين إنجيلًا، وتم انتخاب الرسائل الإحدى والعشرين من رسائل العهد الجديد من بين رسائل لا تعد ولا تحصى، وصودق عليها، وكانت الهيئة التي اختارت العهد الجديد هي تلك الهيئة التي قالت بألوهية المسيح، وكان اختيار كتب العهد الجديد على أساس رفض الكتب المسيحية المشتملة على تعاليم غير موافقة لعقيدة نيقية وإحراقها كلها" (1). وهذا الكلام لا أساس له من الصحة ولم تناقش مسألة الكتابات الأبوكريفية على الإطلاق لا في مجمع نيقية ولا في غيره من مجامع القرون الأولى ولم يكن ضمن جدول أعمال مجمع نيقية أي شيء يختص بقانونية أي سفر من الأسفار، سواء كان قانونيًا أو أبوكريفيًا، ونتحدى أي إنسان أو مخلوق أن يأتي لنا بما يشير من قريب أو من بعيد لمثل هذا الادعاء، سوا من وثائق مسيحية أو غير مسيحية ترجع للقرون الأولى أو زمن مجمع نيقية!! وها هي كتب التاريخ والكتب التي كتبت عن مجمع نيقية في حينه بالعشرات!! (5) راح يسخر من المجامع المكانية والمسكونية دون معرفة بالأسباب التي دعت لعقدها وادعاؤه أنها قررت، على هواها، الأناجيل التي تعتمد والأناجيل المرفوضة والتي قامت بإتلافها وبإحراقها!! وراح يتخذ من اختلاف البعض حول بعض هذه المجامع حجة لرفض الأناجيل القانونية الموحى بها، على الرغم من أن هذه المجامع كانت تناقش أمور لاهوتية وليتورجية وطقسية لا تخصه ولا تخص غيره في شيء!! ونقول له أن أهم المجامع المسكونية وهي مجمع نيقية (325م) ومجمع القسطنطينية (385م) ومجمع أفسس الأول (431م) والتي ناقشت أهم الأمور اللاهوتية مثل لاهوت المسيح ولاهوت الروح القدس وطبيعة المسيح لا يختلف عليها أحد على الإطلاق. وهذه المجامع وغيرها لم يناقش فيها موضوع الكتب الأبوكريفية على الإطلاق. (6) خلط الكاتب، عمدًا أو جهلًا، بين رفض مجمع نيقية لكتابات آريوس الهرطوقية وما سماه بالأناجيل التي قررت إحراقها!! دون وجود أي إشارة تاريخية أو دليل على هذه الأقوال المدلسة الكاذبة!! وحاول إيهام القاريء أن رفض كتابات آريوس هو رفض لأناجيل غير مرضي عنها!! بل وحاول جهلًا أو عمدًا أن يوحي للقاريء أنه كان لدى آريوس أناجيل أخرى رفضها جمع نيقية وأمر بإحراقها!! وهذا يدل أما على جهل أو تدليس متعمد، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وسنناقش ذلك في نهاية هذا الفصل. (7) استخدم، جهلا أو عمدًا، أقوال بعض الكتاب المسيحيين عن وجود الكتب الأبوكريفية وانتشارها بين أفراد الفرق الهرطوقية التي ألفتها كدليل على انتشارها بين أيدي المسيحيين جميعا في القرون الأولى!! وذلك دون أن يجهد نفسه في بحث هذه الكتابات الأبوكريفية وقراءتها ومعرفة محتواها، فهي موجودة ومنشورة في عشرات بل مئات المواقع على النت، باللغة الإنجليزية، ولو كان هو أو أمثالة قد فعلوا ذلك لكانوا قد أدركوا أن هذه الكتابات مليئة بالأفكار الخرافية والوثنية والفلسفية التي تقول بملايين الآلهة وأن خالق الكون هو إله الشر وأن الملائكة كانوا شركاءه في خلق الإنسان!! وأنها كانت مع الفرق الهرطوقية فقط. (8) تحدث عن وجود آلاف الأخطاء في المخطوطات وزعم، جهلا أو عمدًا، أنها أخطاء يستحيل علاجها!! وراح يزايد على ما كتبه تشيندروف مكتشف المخطوطة السينائية، دون فهم أو علم بكيفية حدوث هذه الأخطاء وكيفية تصحيحها وسهولة الوصول للنص الأصلي بناء على دراسات علمية وقواعد استنبطها علماء المخطوطات والنقد النصي. فهناك ما يسمى بالنقد النصي الكتابي الذي يقوم بدارسة هذه المخطوطات، وقد توصل بعد دراسات علمية ومراجعة جميع المخطوطات المتاحة سواء باللغة اليونانية، اللغة التي كتب بها العهد الجديد، أو الترجمات القديمة مثل القبطية والسريانية واللاتينية.. الخ مع ما اقتبسه آباء الكنيسة في القرون الأولى من آيات ونصوص، إلى حقيقة جوهرية كما قال فريدريك كنيون الخبير في هذا المجال: "ويمكن للمسيحي أن يمسك بالكتاب المقدس كله في يده ويقول بدون خوف أو تردد أنه يمسك بكلمة الله الحقيقية التي سلمت عبر القرون من جيل إلى جيل بدون أن يفقد شيء من قيمتها". كاهن كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد من كتاب هل هناك أسفار مفقودة من الكتاب المقدس؟
المزيد
05 سبتمبر 2018

كل حق يقابله واجب

كثيرون يتحدثون عن حقوقهم ويطالبون بها، أو يطالبون بما يظنونه حقوقًا، وقد لا يكون كذلك. فما أسهل أن يدعي شخص حقا له، بغير حق! وقليلون هم الذين ينشغلون بالواجبات التي ترتبط بتلك الحقوق. لأن كل حق يقابله واجب أو تقابله عدة واجبات.. فكل حق لنا عند الناس، تقابله واجبات علينا من نحوهم. الحق والنعمة:- في علاقتنا مع البشر قد نطالب بحقوق. أما مع الله فلا نطلب حقوقا. كل ما نطلبه هو عطايا أو نِعَم. وكل ما نحصل عليه هو نعمة من عنده.. فنحن نتمتع بالوجود. ولكنه لم يكن لنا حق الوجود. إنما نلنا هذا الوجود كنعمة من عند الله، ونحن نخاطب الله في الصلاة، وليس لنا من حق التحدث إليه، إنما وهبنا الله الصلاة كنعمة. كذلك من جهة الحياة: أين الحق وأين النعمة؟ من جهة الله، قد وهبنا نعمة الحياة. ومن جهة الناس، لنا عليهم كما لنا علي أنفسنا حق المحافظة علي هذه الحياة أما عن الرعاية، فهي من جهة الله نعمة نطلبها، أن يرعانا.. وأما من جهة الناس، فهي حقوق نتبادلها: نحن نرعى غيرنا ممن هم في حدود واجباتنا. ويرعانا غيرنا ممن هم مكلفون بذلك.. الحياة: مادام الله قد وهبنا نعمة الحياة، فقد أصبح من حقنا علي المجتمع أن نحيا.. ولكن هذا الحق تقابله واجبات عدة: فواجبنا أن نستخدم حياتنا في الخير وأن نحافظ علي هذه الحياة، لتكون نافعة لنا ولغيرنا. كما من واجبنا المحافظة علي حياة غيرنا. وإن أفقدنا أحدا حياته، لا نكون مستحقين لنعمة الحياة. فتؤخذ حياتنا منا، نفس تكون عوضا عن نفس. وبهذا يحكم المجتمع وينفذ.. حياتنا وديعة أودعنا الله إياها. ومن واجبنا أن نستثمرها، ولا تكون عبئا علي المجتمع، بل مصدر نفع له. وحياتنا جزء من حياة المجتمع، له فيها نصيب، ومن واجبنا أن نمنحه هذا النصيب، فلا نعيش لأنفسنا فقط، إنما نعيش للغير علي قدر ما نستطيع.. وأحيانا نري من واجبنا أن نبذل حياتنا، لأجل الغير في حب.. وهنا يكون الاستشهاد، وتكون التضحية.. والذين سجل التاريخ أسماءهم، هم الذين عاشوا حياتهم لأجل غيرهم، فأدوا واجبهم نحو أوطانهم ونحو شعوبهم. الوجود: لقد وهبنا الله نعمة الوجود. وهذه النعمة تقابلها واجبات.. ومن العجب أن إنسانًا قد يظن انه موجود، بينما لا يشعر العالم بوجوده، لأنه لم يقم بواجب أو بعمل يشعر العالم به..! فهل من حق الإنسان في الوجود، أن يكون فراغا لا يمتلئ المجتمع بشيء منه؟! أم واجبه في الوجود، أن يكون له وجود فعال، وفعال في الخير.. هناك أشخاص امتدت فاعليتهم حتى بعد وفاتهم.. ظلوا موجودين فيما تركوه من أثر باق... يظن البعض انه يظل موجودا في أولاده، في أسمائهم وفي عملهم.. ولكن ماذا عن شخصه؟ هذا ما لم يفكر فيه! إن الوجود ليس مجرد أنفاس تتردد، بل هو حياة تبقي وتستمر فاعليتها. ما أعجب مذهب 'الوجوديين'، الذين يرون أن وجودهم هو شعورهم بالوجود في اللذة، حتى لو كانت حياتهم فارغة! بل أنهم أكثر من هذا، يهاجمون الله تبارك اسمه بحجة انه يحرمهم من ملاذهم الخاطئة، بوصاياه الإلهية السامية! لذلك يقول الواحد منهم: 'من الخير أن الله لا يوجد، لكي أوجد أنا!!'. حق العمل: كل إنسان يطالب بحقه في أن يعمل، ويذكر في ذلك أن للبطالة خطرها علي المجتمع وعلي الفرد. وهذه حقيقة. غير أننا نسأل: هل العمل هو منحة يقدمها لك المجتمع، أي فرصة للعمل؟ أم العمل هو طاقة كامنة فيك قادرة علي العمل؟ وهل طاقاتك هذه يلزمها دافع خارجي؟ أم هي طاقات خلاقة creative حيثما توجد أنت، ينبثق منك عمل؟ هل بذاتك تعمل، أم أنت أداة يأخذها غيرك ويعمل بها، ويوظفها حسبما يريد، فتصبح أنت موظفًا، ويكون من حقك أجر علي عملك، مرتب لك؟ لقد أعطانا الله أمثلة، في الكواكب التي تعمل من ذاتها، وفي أجهزة جسم الإنسان، وفي عوامل كثيرة من طبيعة الكون... حقًا، ما أجمل أن يكون العمل غريزة، وأن يكون طبعًا.. ومعروف أن الذي يحب العمل، ويؤدي عمله بلذة، لابد أن ينجح فيه، ولا يشعر بتعب مهما عمل، بعكس الذي يعمل وهو متبرم ومتضايق...علي أن هناك أشخاصا يمكنهم أن يبتكروا أعمالا لهم ولغيرهم أيضا. أولئك لهم عقول مفكرة، تستطيع أن توجد الأيدي العاملة. وهناك من لهم مواهب ومقدرات، يطلبهم الآخرون للعمل، دون أن يطلبوا هم عملا. أخيرا، إن كان من حقك أن تعمل، فواجبك الأمانة في العمل، والإنتاج والإتقان، وحسن التعامل، وتأدية واجبك بدون تراخ، وتنمية مقدراتك.. حقوق اجتماعية: من حق الإنسان الناضج أن يتزوج، وأن تكون له أسرة. ومن واجبه حسن المعاشرة، حتى لا يؤول الزواج إلي طلاق.. ومن حق الأبناء في الأسرة أن ينالوا الرعاية الكاملة من الآباء والأمهات. ومن واجبهم إكرام الوالدين، وطاعتهما في داخل محبة الله. من حق الوالدين أن يكون لهما أبناء. ومن واجبهما مراعاة تنظيم الأسرة، فلا ينجبان بأسلوب يؤدي إلي التضخم السكاني، وما يتبعه من مشاكل اقتصادية. من حق الإنسان أن يتمتع بالحب: يحب، ويحب. ومن واجبه أن يكون نزيهًا طاهرًا في محبته لغيره، وبخاصة مع الجنس الآخر. فلا يتحول حبه إلي مجرد شهوة جسدية تؤول إلي نجاسة! ومن واجب الإنسان أن يبعد عن الأنانية في محبته. بل يحب الآخرين ويبذل من أجلهم، ويحتمل. ويجعل محبته مشاعا للكل بلا تحيز. من حق الإنسان أن يكون له سكن يأوي إليه. ومن واجبه أن يحرص علي حسن الجوار، فلا يؤذي جاره ولا يضايقه. كما يجب عليه الحرص علي جمال ونظافة البيئة التي يعيش فيها. من حق الإنسان أن يمتلك، وأن يقتني، وأن يربح. ومن واجبه أن يكون ذلك في حدود المعقول، وفي نطاق الربح الحلال، بعيدًا عن الجشع والاحتكار. فله أن يملك المال، ولكن لا يسمح للمال أن يملكه، ويصبح هدفه في الحياة! كما من واجبه أيضًا أن يستخدم ماله في الخير، وأن يعطي منه للمحتاجين والمعوزين. ويحتفظ في حياته بموازنة سليمة بين الأخذ والعطاء، بل يعطي أكثر مما يأخذ. من حق الإنسان أن يتمتع بالراحة ومن واجبه انه لا يبني راحته علي تعب الآخرين، وألا تتحول راحته إلي لون من الكسل أو التراخي. كما لا يطلب الراحة علي حساب عمله والإخلاص لواجباته. وتكون الراحة في الوقت المناسب وبالقدر المناسب. حقوق سياسية أول حق سياسي للإنسان هو حق المواطنة. وواجبه هو الولاء لهذا الوطن، واحترام الدولة ومؤسساتها وقوانينها. ومن حقوقه السياسية حق الانتخاب في حدود النظام العام. ومن واجبه الذهاب إلي مكان الانتخاب، والإدلاء بصوته حسب ضميره. ومن حقوقه المساواة، في نطاق المؤهلات والكفاءة والمقدرة. من حقه أيضا الدفاع عن النفس، ومن واجبه أن يكون صادقًا وعادلًا في دفاعه عن نفسه. ولا يظلم غيره ويلقي عليه التبعة دون وجه حق. ومن حق الإنسان الحرية في حدود القانون. ومن واجبه أن يستخدم حريته، بحيث لا يعتدي علي حريات الآخرين وحقوقهم. ومن حقه إبداء رأيه ونشره، واستخدام حرية الصحافة. ولكن هذا كله يقابله واجب الحفاظ علي سمعة الآخرين وعدم التشهير بهم. وأن يحتفظ بأدب الحوار. له أن يتكلم، وواجبه أن يتكلم حسنًا. أخيرا، ما أطول موضوع الحقوق والواجبات، وكل ما ذكرناه هو مجرد مثال. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
04 سبتمبر 2018

الحرية أبعادها وحدودها

أولاً : ما هو المقصود بالحرية : يختلف مفهوم الحرية مع التطور السياسى والاقتصادى العالمى ، وظهور الهيئات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة من أجل حق تقرير المصير ، والتخلص من الاستعمار ، والحريات الشخصية فى مواجهة السلطة ، وحرية التعبير . ولكن حين وجهنا السؤال للشباب ركزت الإجابات على الحريات الشخصية ، خاصة فى مواجهة سلطة الوالدين . ويمكن ملاحظة الارتباط الوثيق بين الحرية وتحمل المسئولية فمنذ الطفولية يتحول الإنسان تدريجياً إلى الاعتماد على النفس ، يتناول طعامه بنفسه ، ويرتدى ملابسه ، ويختار أصدقاءه ، وينظم لعبه ثم مكتبة ، ويستذكر دروسه دون إشراف الوالدين ... ويتضح هنا تراجع سلطة الوالدين تدريجياً ، مع تزايد تحمل المسئولية الشخصية . وهذا ما يؤكده "سارتر" فهو يؤكد الرابطة بين الحرية والمسئولية، فكل قرار أنت حر فيه تكون مسئولاً عن النتائج المترتبة عليه . وذلك على كل المستويات : من مسئولية الطالب عن نجاحه أو فشله الدراسى، إلى مسئولية الطبيب عن الدواء الذى وصفه لمريض، إلى مسئولية الكاتب عن ما عرضه فى الجريدة ، مسئولية السائق عن حادثة سيارة .. إلى مسئولية رئيس الدولة عما يتخذه من قرارات تدخل فى نطاق سلطته وتؤثر على المجتمع . ثانياً : الحرية وحقوق الآخرين : "بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس: كل من لا يفعل البر فليس من الله ، وكذا من لا يحب أخاه" (1يو10:3) إن أهم حدود الحرية هى حرية واحترام حقوق الإنسان الآخر ، فمثلاً استخدام الراديو بحيث لا يزعج صوته الجار ، وعلى ألا يعطل آخر يريد أن يستذكر. وكذلك التليفزيون والتليفون. بل أنه فى بعض المناطق أصبح هناك عقوبات على استخدام "كلكس" السيارة .. كذلك تم منع التدخين فى أماكن كثيرة ، لأنه يضر بالآخرين ، وما يتم مراجعته حالياً حول إلقاء نفايات فى نهر النيل . ثالثاً: الحرية واحترام القانون : هناك قوانين متعلقة بمواعيد العمل ، اختصاصات كل موظف ، والزى المدرسى أو للمضيفات أو للممرضين والأطباء ، واحترام إشارات المرور ، واحترام التعليمات فى الانتخابات ، والتعامل مع الرؤساء ، والهيئات ، والشركات ، والبنوك .. هناك قوانين تنظم الحريات والتعامل ، وذلك في كل مناحى الحياة . رابعاً: الحرية واحترام التقاليد : فكل مجتمع له تقاليده وعاداته ، والخروج عنها يجعل الإنسان مرفوضاً أو موضع سخرية، مثل نوعية الملابس فتختلف ملابس الهنود عن اليابانيين عن الأوروبيين . كذلك يختلف أسلوب التحية والسلام ، وموقف المرأة فى المجتمعات المختلفة ، وحتى ما يقدم على المائدة ، فحرية كل فرد عند إشباع احتياجاته هى داخل الهامش الذى يسمح به المجتمع وتقاليده ... خامساً: الحرية فى مواجهة الإنسان نفسه : حتى فى مواجهة الإنسان لنفسه هناك حدود للحرية ، ولا يحق له أن يدمر ذاته أو يقتلها ، وإذا ضبط يسعى لذلك تقيد يديه أو يوضع فى مصحة نفسية .. حماية المجتمع ، وأمام الله أيضاً ... قاتل نفسه قاتل فالذى ينتحر تجاوز أبعاد الحرية التى أعطيت له فلقد أعطى حق رعايته نفسه وليس قتلها ... سادساً الحرية ومسئولية الإنسان عن شخصيته : إن حرية الإنسان لا تعنى خروج الجسد أو العاطفة عن المبادئ التى يتمسك بها ، أو المعتقدات والاقتناعات العقلية .فالتدخين مثلاً أو تعاطى المخدرات لا يعنى أن الإنسان حر، بل يعنى أنه غير قادر على قيادة حياته وتحديد مساره . هو استبعاد للعادات السيئة وليس تحرراً . والتخلص منها هو التحرر من عبوديتها . الإدمان عبودية وليس حرية . وحتى عدم قدرة الإنسان على ضبط شهواته ، وأهوائه ، ونزعاته وحدة انفعالاته هو نوع من الخضوع لها ، وهو أسوأ من الخنوع لسلطات خارجية . "كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية" (يو 8: ) وكل تحرر يتطلب قوة مقاومة وجهاد من اجل الانتصار ، وهو ضمن خطوات بناء الشخصية القوية . سابعاً: الحرية والانقياد للشلة : عجيب أمر الفتى الذى يرفض تماماً الخضوع لأى أوامر أو نواهى من سلطة عليا ، حرصاً على كرامته وحريته ، ثم ينقاد إلى شلة تتحكم فيه دون مناقشة ، أو حتى مراجعة لقراراتها ، وأثر ذلك على مستقبله وحياته وكيانه ، ومادام احتمال الانسياق للشلة قائماً ، يجب التدقيق أصلاً فى اختيار الأصدقاء ، إذ يقول المثل الإنجليزى "الصديق مثل رقعة الثوب يجب أن يكون من نفس النسيج" . أنت حر حين تختار الصديق . ولكن بعد ذلك لا تضمن التأثير إذا أسأت الاختيار . ثامناً: الحرية والقسمة والنصيب : هناك جوانب من الحياة لسنا أحراراً فى اختيارها مثل الأسرة ، المدينة أو القرية ، الوطن ، الجنس ، اللون وغيرها من الصفات الوراثية . ولكن حرية ومسئولية استغلالها مكفولة في حدود معينة وكثير منا يلقى مسئولية فشله على الله أو على قسمته ونصيبه ، أما النجاح فينسبه لنفسه ... نسمع ذلك عند ظهور نتائج الامتحانات ، أو فشل الزيجات ، كل إنسان فى حدود ظروفه وقدراته يختار طريقه ، ويشكل حياته ، وعليه أن يتكيف مع ما لا يمكن تغييره ، يقبله كواقع ويتفاعل معه ، يعدل ويصلح ما يمكن إصلاحه . تاسعاً: الحرية فى علاقتنا بالله : لقد خلق الله آدم وحواء أحراراً ، وأكلوا من الشجرة على عكس الأمر الإلهى ، ولكن تم حسابهم ، فهم وكل بنى آدم مسئولون أمام الله . إن الإنسان مدعو لأن يكون أبناً لله ، والأنبياء والرسل عبر العصور يبلغونهم الدعوة للأحضان البوية ، لكن الاستجابة مسئولية شخصية . الابن الضال هو الذى قرر أن يترك بيت أبيه ، وهو الذى اتخذ قرار العودة . إن الحياة مع الله لا تلغى حريتنا ، بل تضيف إليها إذ أن الروح يعطينا قوة النصرة على إغراءات العالم ، وضغوط الجسد ، إثارات الآخرين ، عدو الخير ... إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو 36:8) . وتعرفون الحق ، والحق يحرركم" (يو 32:8) . إنما دعيتم إلى الحرية أيها الأخوة ، لا تصمدوا الحرية فرصة الجسد" (غل 13:5) . فاثبتوا في الحرية التى حررنا بها المسيح" (غل 1:5) . عاشراً : الحرية الحقيقية : هى حرية الروح ، وإمكانية النصرة ، فالحرية هى القدرة على الاختيار ، والقدرة على الانتصار .. وهذا ممكن بالمسيح الذى يسكب فينا روحه القدوس ونعمة الإلهية فتكون أقوياء أمام إغراءات الشر ، ومنتصرين بقوة عمله فينا ، وبأمانة جهادنا معه ... والإنسان المؤمن يضع لنفسه ضوابط هامة مثل : روح الله الساكن فينا . الكتاب المقدس الذى ينير طريقنا . الضمير .. الذى يتحدث داخلنا . الأب الروحى .. الذى يقود حياتنا بنعمة الله . نيافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
03 سبتمبر 2018

الحرب ضد الهراطقة والأخطاء الفكرية للجماعات المنحرفة

أولاً: مواجهة الهرطقات : فيما نتكلم عن الحب والإتحاد والسلام الكامل… يبرز للكنيسة من آن لآخر تيار غريب يهدد سلامة التعليم الأرثوذكسى… وتضطر الكنيسة إلى أن تحارب هذا التيار، وقد تلجأ إلى سلاح القطع والحرمان، من أجل حفظ سلام الكنيسة وسلامة التعليم…قد يتساءل البعض… ألا يتعارض هذا مع تعليم المسيح الخاص بالمحبة، وقبول الآخر والإتجاه نحو الوحدة والسلام؟كيف للكنيسة وهى مسئولة عن سلام العالم… ومسئولة عن نشر فكر المسيح، وتعميق روح الحب… كيف لها أن تحارب أشخاصاً وتطردهم وتقطعهم؟… ألا يوجد هنا شبهة قساوة وإرهاب فكرى، وتعارض، مع إتجاه التجميع والإحتضان والتسامح والحب؟!! ولكن أيضاً هل يجوز للكنيسة أن تترك كل إنسان يفكر كما يشاء، وينشر فكره مهما كان؟ تحت إدعاء طيبة القلب والتساهل، وخلاص نفس الآخر بقبوله؟ دعنا نناقش الأمر كتابياً، لنرى رأى الكتاب المقدس، وفكر المسيح من جهة هذا الأمر. خاصة وأن الكنيسة بطول الزمان لجأت إلى منهج عقد المجامع ومحاكمة الهراطقة، وقطعهم وفرزهم… ونحن مازلنا نمدح أبطال الإيمان، الذين شاركوا قطع الهراطقة، وأمضوا عمرهم كله فى جهاد عنيف ضد الأفكار المتمردة، كمثل القديس أثناسيوس، وكيرلس، وديسقوروس وغيرهم. هل أخطأ الآباء فى منهجهم هذا ولم يتوافقوا مع فكر المسيح؟! هل علينا الآن فى عصر الحرية، والفكر المنفتح، والديمقراطية – أن نغيّر منهج الآباء القدامى، ونسلك مع الهراطقة بروح جديدة، حفظاً لتواجدهم معنا فى الكنيسة!! ومنعاً لإستخدام سلاح الطرد والتشهير والحرمان كما يقولون…؟! 1- الهرطقات تعليم شيطانى أول حقيقة تقابلنا عند دراسة هذا الموضوع أن الشيطان هو المحرك لكل هرطقة فى الكنيسة “ولكن الروح يقول صريحاً أنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان. تابعين أرواحاً مضلة، وتعاليم شياطين فى رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم” (1تى 1:4-2). فهل مطلوب من الكنيسة أن تحمى تعليم الشيطان وتقبله؟!”ليست هذه الحكمة نازلة من فوق، بل هى أرضية نفسانية شيطانية” (يع 15:3) “لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة، يجمعون لهم معلمين، مستحكة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات” (2تى 3:4-4). فهل الكنيسة مسئولة عن حماية الإنحرافات والخرافات والشهوات الخاصة فى التعليم؟إن مثل هؤلاء الكذبة يحكم عليهم الكتاب المقدس بالهلاك. “ولكن كان أيضاً فى الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضاً معلمون كذبة، الذين يدسون بدع هلاك. وإذ هم ينكرون الرب الذى إشتراهم، يجلبون على أنفسهم هلاكاً سريعاً. وسيتبع كثيرون تهلكاتهم. الذين بسببهم يُجدف على طريق الحق. وهم فى الطمع يتجرون بكم بأقوال مصنّعة. الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى. وهلاكهم لا ينعس” (2بط 1:2-3). “لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة، فعلة ماكرون، مغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح. ولا عجب، لأن الشيطان نفسه يغيّر شكله إلى شبه ملاك نور. فليس عظيماً إن كان خدامه أيضاً يغيرون شكلهم كخدام البر. الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم” (2كو 13:11-15).لقد وصف هنا – معلمنا بولس الرسول – الهراطقة بأنهم خدام الشيطان وكذبة وماكرون… فهل تقبلهم الكنيسة وهم هكذا؟إن الأساس الذى تُبنى عليه الأفكار الهرطوقية، هو التمرد “فإنه يوجد كثيرون متمردين يتكلمون بالباطل ويخدعون العقول” (تى 10:1).والتمرد محسوب فى فكر الإنجيل إنه مثل عبادة الأوثان: “لأن التمرد كخطية العرافة والعناد كالوثن والترافيم” (1صم 23:15). فهل مطلوب من الكنيسة أن تتغاضى عن عبادة الأوثان؟إنهم بتعبير معلنا بولس “الإخوة الكذبة المدخلين خفية الذين دخلوا أختلاساً” (غل 4:2)، “وهم أعداء صليب المسيح” (فى 18:3).إن التعليم الهرطوقى ليس إطلاقاً من الله، ولا من الروح القدس روح الحق… بل هو من العالم والشيطان وروح الضلال “هم من العالم. من أجل ذلك يتكلمون من العالم، والعالم يسمع لهم. نحن من الله فمن يعرف الله يسمع لنا. ومن ليس من الله لا يسمع لنا. من هذا نعرف روح الحق، وروح الضلال”(1يو 5:4-6).”الذى من الله يسمع كلام الله. لذلك أنتم لستم تسمعون لأنكم لستم من الله” (يو 47:8). 2- الهراطقة يحكمون على أنفسهم “منا خرجوا لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا، لكن ليُظهروا أنهم ليسوا جميعهم منا” (1يو 19:2).إن الإنسان المسيحى الحقيقى يشعر أنه عضو فى الجسد.. يسلك كباقى الجسد ويفكر كرأس الجسد “أما نحن فلنا فكر المسيح” (1كو 16:2) ويكون حريصاً ألا يخرج عن إجماع الفكر الكنسى والتقليد الرسولى… يبرهن على صدق عضويته بطاعته، وتوافق فكره الخاص مع فكر المسيح. “واطلب إليكم أيها الإخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات، خلافاً للتعليم الذى تعلمتموه، وأعرضوا عنهم، لأنه مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح، بل بطونهم. وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء” (رو 17:16-18). “عالماً أن مثل هذا قد انحرف وهو يخطئ محكوماً عليه من نفسه” (تى 11:3).إن الكنيسة فى حكمها على الهراطقة، إنما تقرر حكماً سبق أن حكموا به هم على أنفسهم بسبب عدم طاعتهم للحق. 3- لابد أن تأتى العثرات “لأنى أعلم هذا أنه بعد ذهابى سيدخل بينكم ذئاب خاطفة، لا تشفق على الرعية. ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلمون بأمور ملتوية، ليجتذبوا التلاميذ وراءهم” (أع 29:20-30).إنه خطر محدق بالكنيسة منذ البداية… † “لأنه لابد أن يكون بينكم بدع أيضاً، ليكون المزكون ظاهرين بينكم” (1كو 19:11).حقاً قال السيد المسيح: “ويل للعالم من العثرات. فلابد أن تأتى العثرات. ولكن ويل لذلك الإنسان الذى به تأتى العثرة” (مت 7:18). لقد نبهنا السيد المسيح بنفسه ألا نتبع الأنبياء الكذبة “ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين” (مت 11:24)، “ها أنا قد سبقت وقلت لكم” (2كو 2:13).فإذا كان الكتاب المقدس قد أنبأنا مسبقاً عن حتمية ظهور الهراطقة والذئاب الخاطفة. فلماذا نبهنا لذلك؟ وما هو دور الكنيسة إزاءهم؟ وما هى خطة الكتاب المقدس لمواجهتهم؟ 4- امتحنوا الأرواح أول كل شئ أن يكون لنا روح التمييز والإفراز. “أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح. بل امتحنوا الأرواح. هل هى من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم” (1يو 1:4)، “وأنبياؤها قد طينوا لهم بالطفال رائين باطلاً وعارفين لهم كذبا قائلين هكذا قال السيد الرب. والرب لم يتكلم” (حز 28:22).ليست البساطة هى السذاجة وقبول أى فكر… بل مع البساطة لابد من وجود الحكمة والإفراز “كونوا بسطاء كالحمام. حكماء كالحيات” (مت 16:10).ولذلك فمن ضمن المواهب التى يمنحها الله للكنيسة موهبة “تمييز الأرواح” (1كو 10:12) لكى تنفذ الكنيسة وصية المسيح القائلة: “أحترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة” (مت 15:7). “امتحنوا كل شئ، تمسكوا بالحسن” (1تس 21:5).إنك تحتاج نعمة خاصة وموهبة روحية، لكى تكتشف الذئب الذى يرتدى ثوب الحمل… “من ثمارهم تعرفونهم” (مت 16:7). ما هى ثمارهم؟ الحسد والخصام والإنقسام والعناد والتحزب “إن كان أحد يعلم تعليماً آخر، ولا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح، الصحيحة والتعليم الذى هو حسب التقوى، فقد تصلف، وهو لا يفهم شيئاً، بل هو متعلل بمباحثات ومماحكات الكلام. التى منها يحصل الحسد والخصام والإفتراء والظنون الردية، ومنازعات أناس فاسدى الذهن، وعادمى الحق” (1تى 3:6-5).”إن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم” (رو 18:16). فأول علامة للفكر المنحرف هى التحزب وإفتعال الخصومات “إن كان لكم غيرة مرة وتحزب فى قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق بل هى أرضية نفسانية شيطانية، لأنه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر ردىء” (يع 14:3-16).”أما قوم فعن حسد وخصام يكرزون بالمسيح… فهؤلاء عن تحزب ينادون بالمسيح على عن إخلاص” (فى 15:1-16).إذاً مطلوب منا أن نميز الخادم الذى يخدم بروح الله، والمزيف الذى يخدم بروح مضلة ونكتشف هل هذا التعليم من الله أم لا؟ “أن لا تتزعزعوا سريعاً عن ذهنكم، ولا ترتاعوا لا بروح ولا بكلمة ولا برسالة كأنها منا” (2تس 2:2)، “الذين نحن لم نأمرهم” (أع 24:15). “وإنما أقول هذا لئلا يخدعكم أحد بكلام ملق” (كو 4:2).ولا يقف الأمر عند حد الإفراز والتمييز فقط، بل يجب مواجهة الهراطقة. 5- مواجهة الهراطقة أمر كتابى “ثم نوصيكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم (التقليد) الذى أخذه منا” (2تس 16:3). “تجنب مثل هؤلاء” (1تى 5:6).وليس الأمر فقط التجنب بل هناك أيضاً الإنذار: “ونطلب إليكم أيها الأخوة أنذروا الذين بلا ترتيب” (1تس 14:5). “وإن كان احد لا يطيع كلامنا بالرسالة فسموا هذا ولا تخالطوه، لكى يخجل ولكن لا تحسبوه كعدو، بل أنذروه كأخ” (2تس 14:3-15).”لكى توصى قوماً أن لا يعلموا تعليماً آخر ولا يصغوا إلى خرافات وأنساب لا حد لها تسبب مباحثات دون بنيان الله الذى فى الإيمان” (1تى 3:1-4).وإن لم يستجيب الهرطوقى للإنذار، فهناك عقوبة التجنب “الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه” (تى 10:3)، “أعرضوا عنهم” (رو 17:16).وليست العقوبة هى فقط التجاهل، بل أيضاً التوبيخ. “فلهذا السبب وبخهم بصرامة لكى يكونوا أصحاء فى الإيمان، ولا يصغون إلى خرافات يهودية، ووصايا أناس مرتدين عن الحق” (تى 13:1-14). “الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكى يكون عند الباقين خوف” (1تى 20:5).وقد يتطور الأمر إلى القطع من شركة الكنيسة :”إنى أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذى دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر. ليس هو آخر. غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشرناكم فليكن أناثيما (محروماً)” (غل 6:1-9). ويجوز أيضاً مقاطعة هذا الإنسان نهائياً حتى يستفيق إلى نفسه: “إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم، فلا تقبلوه فى البيت ولا تقولوا له سلام، لأن من يسلم عليه يشترك فى أعماله الشريرة” (2يو 10:1-11).”أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا” (1كو 11:5). “فإعزلوا الخبيث من بينكم” (1كو 13:5)، “حتى يُرفع من وسطكم الذى فعل هذا الفعل” (1كو 2:5) ليس عن حقد وخصومة، بل بهدف ربح نفس هذا الإنسان “وعبد الرب لا يجب أن يخاصم بل يكون مترفقاً بالجميع صالحاً للتعليم صبوراً على المشقات مؤدباً بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق. فيستفيقوا من فخ إبليس إذ قد اقتنصهم لإرادته” (2تى 24:2-26).وكان الأمر فى العهد القديم أكثر خطورة إذ كان يحكم على هؤلاء بالقتل “إذا قام فى وسطك نبى أو حالم حلماً و أعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التى كلمك عنها قائلا لنذهب وراء إلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها، فلا تسمع لكلام ذلك النبى أو الحالم ذلك الحلم… لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكى يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم، وراء الرب إلهكم تسيرون وإياه تتقون ووصاياه تحفظون وصوته تسمعون وإياه تعبدون وبه تلتصقون، وذلك النبى أو الحالم ذلك الحلم يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم الذى أخرجكم من أرض مصر وفداكم من بيت العبودية لكى يطوحكم عن الطريق التى أمركم الرب الهكم أن تسلكوا فيها فتنزعون الشر من بينكم” (تث 1:13-5). 6- الآباء الرسل فى مواجهة الهراطقة لقد كان جهاد الآباء الرسل ينصب فى إتجاهين متكاملين: نشر الكرازة بالإنجيل وحفظ الإيمان سليماً بلا عيب… لئلا يتغير إنجيل المسيح. لذلك وقفوا بالمرصاد لكل من يخرج عن الإيمان الأرثوذكسى، أنظر ما قاله معلمنا يوحنا الرسول: “ديوتريفس الذى يحب أن يكون الأول بينهم لا يقبلنا، من أجل هذا إذا جئت سأذكره بأعماله التى يعملها هاذراً علينا بأقوال خبيثة” (3يو 9،10). وكانت سيامة الأسقف هدفها الأساسى هو حفظ الإيمان، كما أوصى معلمنا بولس تلميذيه تيموثاوس وتيطس: “كما طلبت إليك أن تمكث فى أفسس إذ كنت أنا ذهباً إلى مكدونية لكى توصى قوماً أن لا يعلموا تعليماً آخر” (1تى 3:1).”إن فكّرت الإخوة بهذا تكون خادماً صالحاً ليسوع المسيح متربياً بكلام الإيمان والتعليم الحسن الذى تتبعته” (1تى 6:4).”يا تيموثاوس أحفظ الوديعة معرضاً عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم. الذى إذ تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان” (1تى 20:6-21).”تمسك بصورة الكلام الصحيح الذى سمعته منى فى الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع أحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا” (2تى 13:1-14).ليس هذا فقط بل كان أيضاً مسئولاً عن إختيار الخدام الأكفاء الذين ينقلون التعليم سليماً.”وما سمعته منى بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً” (2تى 2:2). ويكون أيضاً “ملازماً للكلمة الصادقة التى بحسب التعليم لكى يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوّبخ المناقضين” (تى 9:1).وكان دائماً هدفه التوبيخ والعقوبة هو الخلاص “خلصوا البعض بالخوف مختطفين من النار” (يه 23:1) وكان التخوف الوحيد هو إنتشار الفكر الهرطوقى فيهلك كثيرون “خميرة صغيرة تخمّر العجين كله. ولكننى أثق بكم فى الرب أنكم لا تفتكرون شيئاً آخر، ولكن الذى يزعجكم سيحمل الدينونة أى من كان” (غل 9:5-10). حقاً إن كل الهراطقة كانوا أعضاء فى جسد المسيح، لكنهم أختاروا لأنفسهم القطع “كل غصن فىّ لا يأتى بثمر ينزعه” (يو 2:15)، “إن كان أحد لا يثبت فىّ يطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار فيحترق” (يو 6:15). إن وحدة جسد المسيح لا تحتمل وجود الهراطقة… بل قطع الهراطقة هو ضمان لحفظ وحدانية الجسد والروح والفكر. ووجود الهراطقة داخل الكنيسة يهدد وحدتها، وسلامتها وسلامة إيمانها “وأطلب إليكم أيها الإخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات، خلافاً للتعليم الذى تعلمتموه وأعرضوا عنهم، لأنه مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم” (رو 17:16-18).”ألستم تعلمون أن خميرة صغيرة تخمّر العجين كله. إذا نقوا منكم الخميرة العتيقة لكى تكونوا عجيناً جديداً كما أنتم فطير” (1كو 6:5-7).”ولكن إن كان أحد يظهر أنه يحب الخصام فليس لنا نحن عادة مثل هذه ولا لكنائس الله” (1كو 16:11).”كى لا نكون فيما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال، بل صادقين فى المحبة ننمو فى كل شئ إلى ذاك الذى هو الرأس المسيح” (أف 14:4-15). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة وللحديث بقية
المزيد
02 سبتمبر 2018

دوافع الاستشهاد

عودتنا الكنيسة في تذكار الشهداء الذين أعلنوا مسيحيتهم وإيمانهم بالمسيح وكانت النتيجة هي قطع رؤوسهم ونوال إكليل الشهادة أن تقرأ لنا الجزء الخاص في الإنجيل الذي ذكرت فيه الآية التي تقول { لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد } ( لو 12 : 4 ) بالإضافة إلى المزمور { كثيرة هي أحزان الصديقين ومن جميعها ينجيهم الرب } ( مز 34 : 19) فما هي دوافع الإستشهاد ؟ لماذا يعلن البعض إيمانه حتى لو كان الوالي لا يعرف بإيمانهم ؟ حتى ينالوا أكاليل الشهادة هل هو ناقم أو كاره للدنيا ؟ يظن بعض الدارسين إلى التاريخ المسيحي أن هؤلاء الشهداء لا يحبون الحياة متشائمين قرروا الإنتحار ولكن الحقيقة هي أن الشهيد داخل قلبه ثلاث كلمات :- أولاً : الوصية :- يطيع الوصية ويطبقها في قلبه فإن لحظة الإستشهاد كشفت محصلة حياته أي خضوعه وطاعته للوصية عندما يسمع الآية تقول { لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر } بهذه الكلمات عاش الوصية عملت فيه على مستويات كثيرة صلواته توبته طهارته محبته عطاؤه أي أنها سكنت داخله بغنى شعر إنه مِلك للمسيح غير أهل العالم كيف ؟لأن دوافعه مختلفة معاملاته مع الناس ومع المادة كل شئ إختلف الوصية أنارت قلبه وعقله وكشفت عن أمور غامضة خطايا أفكار وميزت بين الظلام والنور ولذلك فإن ما وُرد في الكتاب المقدس عن الوصية دليل لذلك مثل الوصية مطرقة تحطم نار تحرق مرآة تكشف سلاح ذو حدين الوصية تجعلك تميز فالشهيد عاش في خضوع للوصايا ووضعها في قلبه كما يقول داود النبي { خبأت كلامك في قلبي } ( مز 119 : 11) ترعى وتُرشد للطريق الشهيد محصلة حياة المسيح وهذا لم يأتي فجأة فإنه يقدم نفسه شهيد كل يوم من أجل الوصية فعندما تقول الوصية سامح فهذا إستشهاد وعندما تقول الوصية النظرة تعتبر زنى فهذا نوع من الإستشهاد اليومي نقوم به وأكون شهيد أمام الله وأمام ضميري كل يوم . ثانياً : الصليب :- الإنسان الذي يعرف قيمة ما فعله الرب يسوع المسيح على الصليب من فداء وكفارة يشعر أن حياته مِلك لله وحده وكما يقول بولس الرسول { مات لأجل الجميع } ( 2كو 5 : 14)رغم أنه برئ ونحن المذنبون وقال لكي يعيش الأحياء فيما بعد ( 2كو 5 : 15) الشهيد عرف قيمة يسوع المصلوب والصليب أصبح شعاره ورغب في الموت من أجل ذاك الذي مات من أجله ( 1كو 8 : 11) وكما يقول بولس الرسول { ولا نفسي ثمينة عندي } ( أع 20 : 24 ) يرى الشهيد أن إشتراكه في نفس طريقه موت يسوع شرف وبركة لا يستحقها عند إستشهاد معلمنا بطرس رفض أن يُصلب بنفس طريقة سيده وطلب أن يُصلب منكس الرأس لأنه إعتبر صلبه شرف لا يستحقه ما هو إحساسي كفرد بالصليب ؟ صليبنا الخاص ما شعوري به وكيف أتعامل معه ؟ فما أجمل قول معلمنا بولس الرسول { الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي } ( غل 2 : 20 ) حين يعرف الفرد ما فعله الصليب من أجله وقتها يشعر ويرغب في الحصول على بركة الصليب هنا نقول له أن الصليب في العطاء وفي صلب أعضاءك وأن تنكر نفسك وتحمل صليبك وتبحث عن صليب تحمله حتى تأتي لحظة الإستشهاد من أقوال رب المجد يسوع { من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضاً به قدام أبي الذي في السموات ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضاً قدام أبي الذي في السموات }( مت 10 : 32 – 33 )لذلك فمسيحيتك فخر وعظمة لأننا مختلفين حقاً لهذا قال لنا{ وتكونون مبغضين من الجميع من أجل إسمي } ( مت 10 : 22 )إسمه هذا يجعلك مُبغض ومن هنا شركة الآلام في الصليب تجعل الإنسان لديه شهوة الإستشهاد فكل ما النفس أدركت ما فعله المسيح معها في الصليب كل ما النفس رغبتها في الموت تزداد . ثالثاً : الأبدية :- الإنسان المشغول بالأبدية قلبه مُعلق في السماء ولا يريد شئ على الأرض عندما يشتهي الإنسان جمال السماء وما بها يحتقر جمال العالم من يعيش بالأبدية يعيش بقوانين مختلفة ودوافعه أيضاً تختلف وأيضاً أغراضه ولذلك شاهدنا كل الشهداء عند لحظة الإستشهاد أعينهم مرفوعة إلى السماءلأنه في إنتظار المجد الإلهي عندما تجعل الأبدية في قلبك كل المعايير تختلف المُحب للمال يفقد إهتمامه به لأنه مهتم بالأبدية مثال على ذلك الشخص الذي تأتي له موافقة بالهجرة خارج البلاد لا يستطيع التفكير في كل ما كان يهتم به من قبل من مشاكل البلد والغلاء أو علاوات وترقيات ويصبح مهتم فقط بكل ما يخص المكان الجديد الذي يذهب إليه من التعليم والسكن والطقس وغيره كذلك الذي إهتم بالأبدية يهتم بها وبكل تفاصيلها ويتجاهل كل ما في الأرض من مشاكل وأتعاب المهتم بالأبدية سفر الرؤيا له إهتمام خاص عنده ويلجأ إليه في الضيقات حتى يتعرف على المجد الذي ينتظره إذن الشهيد هو محصلة الثلاث معاني السابقة يعيش بالوصية ويعرف أن الصليب من أجله وبذلك أدرك الأبدية فطلب الشهادة واعترف بمسيحيته ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانيا أتطونيوس – محرم بك - الاسكندرية
المزيد
01 سبتمبر 2018

نِهَايَةُ المُضْطَهِدِينَ

كتبَ العلّامة "لاكتانتيوس" (٣٢٠م) كتابًا شهيرًا عن "موت المضطهِدين" وكيف كانت نهايتهم ومصيرهم... عرض الكاتب النتائج الرهيبة للغضب الإلهي في معاقبة المضطهِدين وما آلت إليه نهايتهم المروِّعة، ويأتي هذا الكتاب وكأنه شريط سينمائي يعرض أمام عيون المتفرجين عبر التاريخ واصفًا الاضطهادات وصفًا حيًا عبر الواقع من حيث بشاعتها ودمويتها، ثم ينتقل إلى عار الازدراء الأبدي والنهايات التي حلت على هؤلاء الطغاة المضطهِدين. وقد أتى هذا الكتاب كمصدر لشاهد عيان استقىَ معلوماته ووثَّقها من مصادرها الأولية، كوثيقة تاريخية لعصور الاضطهاد التي صاحبت انتشار المسيحية في باكورات بداياتها وتصويرًا حيًا للَمَعان الإيمان وسط الشدة والألم. إضافة إلى توثيق العقاب الإلهي الذي لحق بالأباطرة الذين أمعنوا في شرهم، وقد أتى الكتاب في جملته تمجيدًا لإسم الله الذي وعد بالنقمة والمجازاة، فقد مات المضطهدون شَرّ مِيتة:- 1- نيرون، انتحر في الثانية والثلاثين من عمره ولا يُعرف له قبر. 2- دومتيان، قُتل وهو على عرشه بعد أن سلمه الله لأيدي أعدائه وشُهّر به. 3- ديسيوس، ذُبح هو وابنه، ونهشت الوحوش جسده. 4- ڤاليريان، أُخذ في الأسر وقضى حياته مسجونًا أسيرًا. 5- أوريليان، ذُبح بيد حاشيته وجنوده. 6- دقلديانوس، أُصيب بلوسة عقلية، فعُزل بعد أن جُنّ. 7- مكسيميانوس، شنق نفسه منتحرًا. 8- جالزيوس، ضُرب بالقروح البشعة، وأخذ الدود يأكل جسمه. 9- يوليانوس، مات مقتولاً برمح في جنبه على أيدي جنوده. لقد سجل التاريخ على أيدي هؤلاء المضطهِدين صراعًا وهلاكًا وإبادة جماعية ضد المسيحية في صراع غير متكافئ، صراع بين السيف والصليب، بين الذئاب والحملان، حتى صارت الغلبة التي نغلب بها العالم "إيماننا" (١يو ٥:٤) وتعمدت الكنيسة كلها في بحر من الدماء المقدسة وولدَت العالم المسيحي.إن جريمة المسيحيين أمام هؤلاء المضطهدين الطغاة هي أنهم يؤمنون بما لا يؤمنون به، وفي أنهم رفضوا تقديم القرابين لآلهتهم مع رفضهم كل ممارسة تخالف إيمانهم وعقيدتهم. بالإضافة إلى حنق الرعاع عليهم وإشاعتهم للشكوك والوشايات والاتهامات ضدهم، والتي ظلت مجرد اتهامات مُرسَلة وافتراءات بلا دليل أو إثبات، مما صعَّد إجراءات القمع والاستئصال والإقصاء ضدهم بكل صوره، واستمرت العداوة ومحاولات اقتلاعهم ومَحْوهم، ماداموا لا يريدون السجود ولا يؤدون الفروض... كذلك وصف "لاكتانتيوس" أعمال الحنق والحقد التي ذاقوها وكتابات الازدراء وركوب موجة الحملات المسعورة ضد كل ما هو مسيحي، والتي كان لها تأثيرها المحرك لموجات الهمجية والضراوة التي عانوها، تارة من الحكام الظالمين وتارة من المَوْتورين والرعاع، وتارة من الجانبين معًا، فتلاحقت الهجمات لكن ازدادت معها المعرفة والتعزية والصبر والأمانة والتقوى العملية... أما عن كيفية ذلك فهو متروك لكل مؤمن في جهاده وقبوله للنعمة وسلوكه بحسب دعوة ونذور المعمودية، وها أيقونة السيد المسيح موضوعة حسب الطقس الكنسي جالسًا على عرش مجده في شرقية الهيكل بكل كنيسة، لأنه غلب وجلس وحَكَمَ، وسيأتي ليدين الجميع.لا شيء أعظم من الاستشهاد لأن عظمته نابعة من الدم والنار والعذاب والنفي وصراع الحرب مع التنين، مقابل الإيمان الحي وأنصبة المجد والوعود الصادقة، وكيف أن المسيح نفسه هو في شهدائه يحمل الألم عنهم ويمنحهم قوة وثباتًا، فصاروا باسلين أمام التنكيل المفرط والتشويه والكدمات والأجساد المثخنة بالجراح... وكم من الأعاجيب والرؤىَ والأحلام والإلهامات صاحبت حلقات الاضطهاد في كنيسة القرون الأولى، فسِرّ الصليب لا بُد أن يكون متبوعًا بنصرة القيامة في كل هذه النفوس التي لا يُحصَى عددها من كل طبقات الشعب. والله المتعجَب منه كل حين متألم ومنتصر في قديسيه (٢تس ١٠:١) وهو دائمًا هو، كما في الماضي هكذا في الحاضر، هو الذي يتحمل آلامنا ويحملنا وهو المُغطّىَ بالجروح لأجلنا، وهو الذي يتحمل فينا الآلام وكلمات الازدراء، وهو فينا مُبغَض بواسطة العالم.لكن المضطهِدين جميعهم سقطوا أو خُلعوا وهلكوا وذهبوا كالعصافة التي تذريها الريح، وتمت فيهم الأقوال الإلهية:- قد رأيت الشرير عاتيًا وارفًا مثل شجرة شارقة ناضرة، لكنه عبر فإذا هو ليس بموجود (مز ٣٥:٣٧) فقد ذرَّته العاصفة كالقش واقتلعته إلى الجحيم... وإن كانت حلقات التاريخ مستمرة فالكنيسة باقية ضد رئيس سلطان الظلمة وضد بابل أم الزواني التي سكرت من دم شهداء المسيح القديسين.ويقول العلامة "لاكتانتيوس" لا يمكن فرض الدين بالقوة لأن الله لا يُعبد بالقهر والعنف، لكن بالقبول واقتناع الإرادة، فالتعذيب والإكراه على طرفي نقيض مع التقوى والإيمان، ومن المستحيل أن ينسجم الحق الإلهي مع العنف والمظالم... ولا يوجد شيء مرتبط بالإرادة الحُرة أكثر من العقيدة، لذلك صارت المسيحية مقنعة ببرهانها وبسيرتها، بعد أن كان لا يحِقّ للمسيحي أن يوجد!! بينما آخرة المضطهدين صارت إلى شَرّ نهاية القمص أثناسيوس چورچ
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل