العظات

نحن حديث الابن مع الابن الجمعة الثالثة من شهر بشنس

إنجيل يوحنا أصحاح " 17 " .. هناك جزء يُقال عليه الصلاة الوداعية أو الشفاعية التي دارت بين الابن والآب قبل دخول الابن في معصرة الصليب .. كلمات قالها رب المجد يسوع عبَّرت عن ما بقلبه تجاهِنا .. حديث بين الابن والآب .. ربما نظن أن هناك حديث سري بينهما أو حديث يخص كل من الآب والابن .. ولكن ما يفرحنا جداً أننا وجدنا أنفسنا موضِع هذا الحديث الابن يُحدِّث الآب .. حديث له قُدسية .. ونحن كأننا تجاسرنا وأنصتنا عن ماذا يقول الابن للآب .. وجدنا الابن يتكلم عنا نحن .. وما يشغل الآب والابن هو نحن .. نحن المُبتعدين عن الأسرار الإلهية وجدنا أننا محور الأسرار الإلهية والمعرفة الإلهية .. يقول { وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني }ربنا يسوع جاءَ للعالم لكي يُعطينا المجد .. أي مجد ؟ نفس المجد الذي أعطاه الآب للابن .. { ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد } ( يو 17 : 22 ) .. الابن يشتاق ويتضرع إلى الآب أن يكون في المؤمنين نفس مجده .. ليس فقط ذلك بل يريد أن يكونوا نفس الوحدة { أنا فيهم وأنت فيَّ } أي الثلاثة هم واحد .. فالابن فينا والآب في الابن .. أي الآب فينا { ليكونوا مُكملين إلى واحدٍ وليعلم العالم أنك أرسلتني وأحببتهم كما أحببتني } ( يو 17 : 23 ) .. لو أدركنا محبة الابن لينا لما تهاونَّ أبداً في قداستنا .. ولا تهاونَّ في أمر المجد الذي يريد أن يُعطينا إياه .. وما فعلنا خطايا تفصلنا عن الله .. لأن الابن يشتاق أن نكون واحد معه على مثال وِحدته مع الآب أن يكون هو فينا كما أن الآب فيه .. الله يريد لكل ابن أن يكون في وحدة كاملة .. أن يكون في معية الثالوث .. مُشترِك في رحمة وتدبير الثالوث .. أن لا نكون أبداً غُرباء عن الآب والابن .. عندما تتكلم الناس عن الله يشعروا بلون من ألوان الغُربة أحد الفلاسفة منذ سنوات كتب " حوار مع الله " .. إعترض الناس جداً على هذا .. كيف يكتب هذا الفيلسوف حديث مع الله .. فغيَّر هذا الشخص كلامه وكتب تعديل يقول " حديث إلى الله " .. صعب جداً على العالم أن يقبل أن يكون هناك أحد يتكلم مع ربنا الله يُعلن لنا من داخله أنه يريد أن نكون واحد معهُ .. أي كأنك تتكلم مع نفسك .. هو فينا .. لذلك هو عندما يُريد أن يُوقظنا يفعل هذا بإيقاظنا من داخلنا .. وعندما يريد أن يسمعنا يجعلنا نتكلم كأننا مع أنفسنا .. هو يسكن فينا .. في أعماقنا .. القديس أوغسطينوس ظلَّ كل حياته يبحث عن الله ولم يجده .. ثم قال أنه تأخر كثيراً في البحث عن الله .. تعب كثيراً حتى وجده وعندما وجده وجدهُ فيه .. يقول { يوم وجدتك وجدتك عميقاً أعمق من أعماقي وعالي أعلى من عُلوي .. يا لغباوتي كنت أبحث عنكَ خارجاً عني ولكن أنت كنت فيَّ } .. الابن يتضرع إلى الآب لكي نكون واحد فيه .. ليكونوا كاملين في الوحدة ليعلم هذا العالم الابن يحبنا على مستوى محبة الآب له .. محبة لا تُوصف .. محبة إلهية يقول عنها { محبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة } ( أر 31 : 3 ) .. بلا حدود .. الابن يتكلم بأنه ليس أكثر حُباً لنا من الآب ولكنه يتكلم بلساننا .. يتكلم كنائب عنا .. يُعبِّر عن ما يُريده للبشر .. لأنه حين تجسد أخذ شكل الإنسان فصار كواحد منا ونائب عنا .. يتكلم عن اشتياقاتنا .. ما هذا الحب ؟ { أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني } ( يو 17 : 24 ) .. يريد أن يكون أبناءه معهُ في السماء ليروا مجده .. فإن مجد الابن في السماء نقرأ عنه في سفر الرؤيا نحن رأينا صورة ربنا يسوع المسيح وانطبعت لدينا صورته وهو في صورة إخلاؤه .. ولكن لا نتخيله في مجده إلا قليل .. رأيناه إنسان يُولد في مذود .. رأيناه يجوع ويعطش ويتألم ويتكلم .. يُظلم ويُفترى عليه .. رأيناه يصمُت .. لكن عندما نتفرس في مجده عندما نقرأ عنه في سفر الرؤيا نجده يقول أن عيناه محميتان .. وشعره أبيض مثل الثلج .. وقضيب المجد الذي في يده ( رؤ 1 : 14) .. يتكلم عن الملائكة والأربع حيوانات الغير متجسدين الحاملين العرش الإلهي .. ويريد أن يأتي أولاده معهُ لكي يُشاركوه في هذا المجد وحوله ربما تكون تسابيح الملائكة أقل إكراماً عنده من تسابيح بني البشر لذلك نقول { الذي أعطى الذين على الأرض تسبيح السيرافيم } .. أحد الأباء القديسين يقول { حينما يُسبح البشر الله يأمر أن تسكت الملائكة } .. من هنا نقول أن مجد الابن يريد أن يُشركنا فيه .. تفرس في مجد الابن وانظر الإشتياقات التي يريد يسوع المسيح أن نكون فيها .. وانظر ما يفكر هو فيه وما نحن نفكر فيه .. وما يشغِله وما يشغِلنا .. نحن نفعل مثل الأب الذي يبني قصر لابنه ويُزينه ويضع فيه لمساته وكل ما فيه يُريده أن يكون كامل .. والابن مغموس في وحل وطين .. فيأتي الأب ويقول له " تعال وانظر نظرة واحدة على ما فعلتهُ لك " وهو لا يريد أن يكلف نفسه ليرى ما فعلهُ أبوه له نريد أن ندخل نفس الشركة ونفس الحب والمجد .. ندخل في مواعيد الله لنا .. مواعيده صادقة غير كاذبة .. انظر اشتياقات الابن لنا وما يريده لنا .. إنصت جيداً واستمع لأن لك كنز ومجد .. ومن يدخل في الكنز والمجد إغراءات العالم لا تجذبه .. فمجد العالم لا يُفرحه .. إسلوب العالم لا يقنعه لأنه دخل في دائرة المجد الإلهي والحب الإلهي .. { أنا فيهم وأنت فيَّ } { إنك أحببتني قبل إنشاء العالم } ( يو 17 : 24 ) .. مجد الابن يريد أن يُشرِكنا فيه .. أب له مكان جيد وكل وسائل التنعم فهذا المكان ليس له طعم بلا الأحباء .. فالابن مجد السماء بالنسبة له هو كل ما يشغِله فينا أن نتنعم بهذا المجد .. أن نرى نحن ميراثنا وغِنانا .. فإنه غني لينا ومُمجد لينا .. يريد أن أولاده يشتركوا معهُ في هذا المجد .. تخيل لو عندك هذه المواعيد وكل هذا الحب والمجد وأنت تريد أن تعيش وأنت مغموس في الخطية إرفع عينك وقلبك إلى فوق ولا تجعل أي شئ يشغِلك .. إن كنت تعيش في العالم وتعمل أو تذاكر فكن أمين لأن عينك على المجد السماوي والأجر السماوي .. العالم يجب أن لا يشغِلك .. لكن مجد السماء يشغِلك .. مجد الإنسان ليس طمعك ولكن مجد الابن هو طمعك .. هذا هو تجاه الابن لنا .. يحبنا على نفس مستوى محبة الآب له .. يعطينا نفس المجد ونفس الوحدة والكرامة والمكان .. هذه هي العظمة التي يريد ربنا يسوع المسيح أن يورثها لنا { أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني وعرفتهم اسمك وسأُعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني بهِ وأكون أنا فيهم } ( يو 17 : 25 – 26 ) .. هذه هي رسالة الابن .. جاء لكي ينقل لنا خيرات الآب .. أُرسِلَ من الآب من أجل أن يفتقد العالم وينقِل لهُ الخيرات .. مثل أبونا يعقوب عندما أرسل خير لأولاده وهم في الغربة عن طريق إبنه يوسف .. { فقال له اذهب انظر سلامة إخوتك } ( تك 37 : 14) .. خذ لهم طعام وشراب وطمأني عليهم .. خذ لهم شئ من عندي .. وبحث يوسف عن إخوته وأعطاهم خير الآب الرب يسوع مُحمَّل بخيرات الآب .. فإرساله في حد ذاته يُعبِّر عن محبة الله لنا فإن بعِدنا أو تُهناأو أخطأنا أو ضللنا الطريق فالآب لن يتركنا .. ماذا فعل ؟ فإنه أرسل إبنه رسالة حب .. جاء عندنا ليفتقدنا ويبعدنا عن طريق الضلالة .. لذلك في صلاة القسمة نقول { وجعل ظلمة الضلالة التي فينا تُضئ من أجل إتيان إبنك الوحيد بالجسد } جاء ليعطينا نور الآب ومجد الآب ووحدة الآب ومكانة مع الآب .. فكَّر في هدف الابن لك ومحبة الابن لك تنصُرك وتغمُرك وتجعلك لا تفكر إلا فيه .. تجعلك حتى لو كنت مشغول جداً إلا أنك مرفوع عن مستوى أي مشغوليات الله يُثبِّت في قلوبنا محبته التي يشتاق أن يُعطينا إياها يثبِّت فينا مجده ووحدته لكي ما يكون لنا أهداف الابن ثابتة في حياتنا ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين

إن حرركم الابن الجمعة الأولى من شهر بشنس

إنجيل معلمنا يوحنا الإصحاح الثامن .. ربنا يسوع يخاطب فئة جديدة على معرفته .. فئة اليهود الذين آمنوا { فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به } ( يو 8 : 31 ) .. بلا شك أن كثير من اليهود الذين سمعوا يسوع ورأوا أعماله إنتسبوا إليه ولكن القيود من العادات اليهودية والثقافة اليهودية صعب جداً التخلص منها بسهولة .. ربنا يسوع رأى أنهم جاءوا ليتبعوه ومازالت في أذهانهم وقلوبهم الكثير والكثير من الطباع اليهودية .. فقال لهم لكي تكونوا تلاميذي عليكم أن تثبتوا في كلامي .. أي تثبتوا في وصاياي ومحبتي .. ثم قال لهم { وتعرفون الحق والحق يحرركم } ( يو 8 : 32 ) .. أجابوه قائلين { إننا ذرية إبراهيم ولم نُستعبد لأحدٍ قط .. كيف تقول أنت إنكم تصيرون أحراراً } ( يو 8 : 33 ) .. فأجابهم يسوع وقال { الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد أما الابن فيبقى إلى الأبد } ( يو 8 : 34 – 35 ) .. أي إن أردتم أن تثبتوا في بيتي فلابد أن يكون عندكم فهم جديد لمعنى الحق والحرية ووصاياي ربنا يسوع المسيح ناظر إلى أعماق قلوبهم .. وكما رأينا بولس الرسول وهو يكرز لليهود دخلوا الإيمان إلا أنهم كانوا غير قادرين على التخلص من العادات اليهودية .. لهذا يقول الرب يسوع { إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً } ( يو 8 : 36 )نلخص العبودية في ثلاث كلمات أو مجالات :- 1- مجال الشكل :- يهتم الإنسان بشكله الخارجي .. وما يقوله الناس عنه .. يهتم جداً بكيفية نوال كرامة أو مدح .. يأخذ الأمور بشكلها السطحي .. نفذ اليهود الوصية من حيث شكلها مثال { تعشرون النعنع والشبث } ( مت 23 : 23 ) .. فإن الله يريدك أن تعترف بفضله ولا تتكل على المال .. تؤمن أن من الله الجميع ومن يدك وأعطيناك .. أي تعطي نفسك أكثر من إعطاء مالك .. لهذا كان بولس الرسول في رسالته لأهل كورنثوس يقول الله لا يريد مالك بل إياك ( 2كو 12 : 14 ) .. أيضاً في سفر التثنية يقول لهم على الوصية { ولتكن عصائب بين عينيك } ( تث 6 : 8 ) .. أي إجعل الوصية أمامك دائماً .. ولكنهم وضعوا الوصايا في العمامة الخاصة بهم بدلاً من أن يجعلوها أمامهم .. إهتموا بالشكل وليس الجوهر .. فالرب يسوع يريد أن نسلك في الوصية وليس أن يضعوها في العمامة أو في طرف الجلباب .. وكما يقول الكتاب المقدس { حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام } ( أف 6 : 15) .. يوجد الكثير شكلهم الخارجي متدين ولكن أعماقه مهمل جداً لربنا يسوع المسيح يقول الآباء هناك لونان من الإلحاد :0 1. إلحاد نظري ← أي يقول أنه لا يوجد إله وهم أقلية .. ولكن ما هو أخطر من ذلك هو الإلحاد العملي . 2. إلحاد عملي ← أي أن الإنسان في سلوكه وأعماقه لا يُبالي بوجود الله .. فهو الأخطر لأنه لا يعترف بوجود الله في حياته .. ولا في سلوكه .. ولا يجعل الله أمامه . راجع نفسك ما بين شكلك وجوهرك .. ما بين واقعه وما بين المفروض .. ما بين السلوك وما بين الوصية .. ما بين ما يريده وما يفعله لكي يقرب المسافات .. عبودية الشكل .. عبودية الخارج .. عبودية المظهر .. الرياء .. النفاق .. كل هذا عليك التحرر منه .. ولا تستطيع ذلك إلا إذا فتحت قلبك للمسيح وعندما يدخل المسيح يكشف لك العيوب والأخطاء .. بهذا تستطيع في المسيح يسوع التخلص .. من أجل هذا قال لهم { إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً } .. { تعرفون الحق والحق يحرركم } .. فالمسيح يسوع هو الذي يوحد قلبك . 2. مجال الذات:- أي عبد لذاتك .. لكرامتك .. وما يقوله الآخرين عنك .. أهم شئ عنده ذاته .. توجهاته كلها حسب الذات .. هذه هي أخطر ألوان العبودية .. لذلك يقول الآباء القديسين { ليس لي عدو إلا ذاتي .. ولا أكره إلا خطاياي } .. لأن عبودية الذات تُضيع الهدف .. تجعل حياتك الروحية مستهلكة فيما لا يفيد أو ينفع .. عبودية الذات تجعلك تسعى وراء شهواتك ورغباتك .. تلذذ ذاتك .. تريد أن تأخذ بلا عطاء .. تريد كرامة لا تسامح .. فإن الذات حجر عثرة في سبيل تقدم الإنسان الروحي .. يختلط عليه الأمر عند نجاحه بين أن يمجد الله في نجاحه أو بين أن يمجد ذاته عدو الخير ينجح أن يحول أهداف الحياة كلها إلى أهداف تخدم الذات .. فإن كرامتك من كرامة ربنا إلهك ومخلصك .. إنها عبودية مرة .. فإن صاحبها صعب عليه جداً أن يعتذر أو يسامح .. صعب يغفر .. أقام من ذاته إله داخل نفسه .. القديس يوحنا فم الذهب يقول { عبودية الخطايا أشرس من عبودية سيد منتقم قاسي } .. لكي تتحرر من عبودية الذات فالطريق الوحيد في المسيح يسوع .. الذي تعرى على الصليب .. تعرى أنت من كل غطاء تحاول أن تجعله عليك .. غطاء خطايا تؤدي للموت .. هنا نقول المسيح هو الذي يقدر أن يحررك . 3. مجال الخطية :- الشهوة .. الأنانية .. حب العالم .. لأن من يفعل الخطية عبد للخطية .. عبودية شرسة .. العبودية عملت على وجود رباطات .. الخطية تستعبد وتستخدم إلى النفس الأخير .. لابد من حرية ومن إنفكاك من إرتباطات الخطية .. { كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية } .. رأينا شمشون عندما تعرف على إمرأة وسألته { أخبرني بماذا قوتك العظيمة وبماذا تُوثق لإذلالك } ( قض 16 : 6 ) .. ثلاث مرات تسأله نفس السؤال وفي كل مرة ينقلب عليه الفلسطينيين ولكنه ضَعَف وأذل نفسه لتلك المرأة حتى قال لها في النهاية أن قوته تكمن في شعره .. عدو الخير أيضاً يتلو علينا نفس السؤال ونحن نقول له كيف وهو يقوم بربطنا في الخطية أيضاً رأينا في العهد القديم منسى الملك الذي قام بشرور كثيرة جداً .. خمسة وخمسون سنة ملك ولك أن تتخيل كل هذه السنوات ملك وفي النهاية عندما أُخذ للسبي رُبط في سلاسل وإنساق إلى السبي مثل الحيوانات .. منتهى الإحتقار .. فإن الخطية تقوم بكل هذا الإحتقار .. عندما أراد منسى الملك الحرية صلى فسمع الله إلى صلاته إجتهد وصلي باستمرار لكي يرفع الله عنا خطايانا الثقيلة .. يحررك ويعطيك حرية حقيقية الرب يسوع عُلق على الصليب وسمر يديه لكي يعطينا نحن أيادي حرة .. ربنا يسوع المسيح القادر وحده أن يحررنا .. يحررنا من كل شكلية .. ومن عبودية ذواتنا وخطايانا .. فإن حرركم الإبن فبالحقيقة نصير أحرار ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين

إيمان المرأة الكنعانية الجمعة الثانية من شهر برمهات

نتحدث عن لقاء ربنا يسوع المسيح مع المرأة الكنعانية الغريبة عن الإيمان .. لأنها لم تتربى في وسط أورشليم .. ولم تعاشر أناس لهم معرفة بالله أو الأنبياء أو بالنبوات .. وربما لم تسمع أبداً عن المسيا .. ولكن نجد في هذه المقابلة أنها عبَّرت عن إيمان عميق ربما لا نجده في أورشليم كلها .. ذهب يسوع إلى تخوم صور وصيدا في الشمال والمرأة الكنعانية تسكن على الحدود .. خرجت تقول إرحمني يا إبن داود ( مت 15 : 22 ) عندما عرفت إنه بالقرب منها إذا دققنا في قراءة هذا الفصل الخاص بها في الكتاب المقدس .. نراها تقول كلمة * يارب * أربع مرات .. كيف يصعد مستوى الإيمان في قلب وعقل إنسان إلى أن يصل بأن يقول على إنسان لا يعرفه* يارب * .. إنسان يأكل ويشرب ويمشي وتقول له * يارب * .. عندما رأته صرخت تقول يارب إرحمني يا إبن داود .. إبنتي بها شيطان يعذبها جداً .. وكأن ربنا يسوع يعرف مقدار الإيمان الذي في هذه المرأة وأحب أن يُزيد من وضوحه لنا وإبرازه لهذا لم يستجب لها من البداية ولم يجبها بكلمة كنا نتصور أنه سيفرح بإيمان هذه المرأة ويستجيب لعباراتها ويقول لمن معه * أنظروا إيمانها وتعلموا !! * .. ولكن لم يحدث هذا ورأينا تلاميذه يقولون له ﴿ إصرفها لأنها تصيح وراءنا ﴾ ( مت 15 : 23 )يبدو أنها كانت تردد هذه العبارة كثيراً جداً * إرحمني يارب يا إبن داود * كيف عرفت الرحمة .. وكيف عرفت أنه الرب .. وكيف عرفت أنه إبن داود .. كل هذا وهو لم يجيب .. ولا يوجد أحد في تلاميذه إستعطف هذه المرأة وهي لم تصمت .. بعد هذا نجده يقول لهم ﴿ لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ﴾ ( مت 15 : 24 ) .. أما هي عندما وجدت أن الكلام والصراخ لم يأتي بنتيجة أتت وسجدت له قائلىً أعني ( مت 15 : 25 ) يضعها رب المجد في إختبار أصعب من الإنتهار والتوبيخ ونجده يقول لها ﴿ ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب ﴾ ( مت 15 : 26 ) .. معروف في أعراف اليهود أن الطعام وفضلاته يُطرح للكلاب فنجده يقول لها أنه لا يصح أن تحصلي على نفس الميراث والغِنى الخاص بالشعب .. ونراها تقول ﴿ نعم يا سيد ﴾ .. إنها توافقه على كلامه وتعلم أنه ليس حسناً أن يُؤخذ أكل البنين ويطرح للكلاب .. وتقول ﴿ والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها ﴾ ( مت 15 : 27 )إنها تترجى أن تأكل من الفتات فقط لأنها تعرف أن الخبز للبنين ولكنها ترغب في الفُتات .. ونجده يقول لها ﴿ عظيم إيمانِك ليكن لكِ كما تريدين ﴾ ( مت 15 : 28 ) .. عجيب الإنسان الذي يتحلى بإيمان مثل هذا هذه المرأة توبخنا .. فإننا نعلم الكثير والكثير عن ربنا يسوع لكن درجة إيماننا لم يصل إلى إيمان هذه المرأة .. كلٍ منا إذا تحدث إلى الله ولم يجيبه بكلمة ينصرف عنه ويظن أنه لم يسمعه وأنه لن يحاول مرة أخرى .. أما المرأة فقد إستمرت رغم أن الجو المحيط بها غير مشجع .. أما هي تحاول وتسجد وتجد كلمات إنتهار ومع ذلك ترد بكل إتضاع .. إيمان قوي وعجيب .. علينا أن نتعلم كيف نقف أمام الله بثبات .. وإيمان .. ولجاجة .. وإتضاع .. المرأة الكنعانية علمتنا دروس علينا أن نتعلمها إلهنا قادر .. والمرأة الكنعانية تثق أن الله أقوى من الشيطان الذي في إبنتها .. حتى لو لم يسمعها فالمرأة تقول لنا أن نستمر .. حتى لو كان الوضع غير مشجع .. وإن قدمت أكثر من ذلك وسجدت ولم يوجد أي نتيجة إستمر وإذا رأيت إنتهار وتوبيخ .. كما تسمع من يقول لك أنك خاطي ولم أسمعك .. فالمرأة تقول أعرف أنك تحب الخطاة والضعفاء واخترت الجُهال .. أعرف أنك مسيح السامرية ومسيح زكا ومسيح المجدلية .. من الممكن جداً أن يمدحها الله من البداية ولكنه أجل مدحه لها بكلمة * عظيم إيمانِك *حتى نتعلم نحن .. تأنى لكي يعطيها فرصة لتُظهر إيمانها ونتعلم نحن نحن نحتاج أن نثبت في طِلبتنا .. غير مرتابين البتة .. وعندما نطلب علينا أن نعرف أنه قادر وكما نقول ﴿ يا من يصنع أكثر مما نسأل أو نفهم ﴾ .. الشكوى التي تقول * أن إبنتي مجنونة جداً .. أو بها شيطان يزعجها * .. هذا هو سلطان الخطية وشكوى كل إنسان أمام الله لأن العدو مسيطر عليه وكما يقول القديس أنطونيوس أن أكبر دليل على إختلال العقل هو الخطية لأنه يفعل أمور غير منطقية ويُفسد ملامح الله .. يجب أن أئن أمام الله من الإختلال الذي بداخلي وأصرخ حتى لو لم يجيبني بكلمة .. فالله يريد أحياناً أن يتأنى علينا ليزكينا .. ليزيد مقدار المكافأة فإسأل لتُعطى .. أُطلبوا تجدوا .. ويجب عندما تسأل أن تثبت في سؤالك مهما كان طريقة الإجابة تريد أن تسمع كلمة * ليكن لك ما تريد * فإجعل إيمانك مثل المرأة الكنعانية .. تريد أن تنال إحسانات بلا عدد قدم طِلبة بلا فتور .. لا تتوانى ولا تتراجع أبداً ولا تجعل بداخلك ظنون مهما كان .. لهذا يُتلى مزمور ﴿ إستمع صوت تضرعي إذ أستغيث بك وأرفع يديَّ إلى هيكل قدسك ﴾( مز 28 : 2 ) مع الجزء الخاص بإنجيل متى الخاص بالمرأة الكنعانية .. لأنه يجب عند التحدث مع إلهك أن تتحدث إليه بإستغاثة .. أي أنك في خطر شديد ونجاتك في الإستغاثة .. وكما فعلت المرأة وهي تسجد له وتقول أغثني يارب إعتراف بأنه رب .. وأنه سيد وقادر .. أحياناً نتحدث إلى الله ونتهمه بالضعف وإن طِلبتنا أعلى من قدراته ولا نعطيه الثقة لكي يعمل .. بهذا الإسلوب يسمع الله الإنسان على الرغم من أنه يهينه فعلينا أن نتحدث إليه بإيمان وإستغاثة ولجاجة وإتضاع .. جميل أن تطلب بالإتضاع .. أي أنه ليس لي حق لكن أنا أطلب رحمتك .. لأنه ليس حسناً أن يُطرح للكلاب .. لكن أنا واثق أنك ستستجيب وأنك ستسمع صلاتي ولا تردني فارغاً .. أثق في غفران خطاياك .. أثق في محبتك ربنا يسوع رأى في المرأة الكنعانية إيمان يفوق إيمان تلاميذه لهذا تأنى عليها .. فالله عندما يتأخر هذا ليس معناه أنه نساك ولكن هو يريد أن يُظهر ما بداخلك من صبر واحتمال ويكافئك .. ومجرد أن يكون هناك عذر نبتعد وننسى ما نريده .. كم مرة يعطينا فرصة لنُظهر عظمة إيماننا ونحن نعطيه خزي وأُظهر ضعف الإيمان .. لهذا المرأة الكنعانية تعلمنا أن نصبر بإيمان وحب وثبات .. المرأة إعتبرت نفسها مثل الكلب وقالت له ﴿ والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها ﴾ .. هذا الإتضاع هو الذي أدخل الطِلبة إلى قلب يسوع المسيح .. من له السلطان أن يقول للمرأة ﴿ ليكن لكِ كما تريدين ﴾ ؟نحن ليس لنا حقوق لأننا عبيد بطالين ولكن نحن نأخذ من حسناته ومن محبته ورحمته .. لا نيأس حتى وإن كنا نشعر أنه لا يسمع .. علينا أن نستمر .. كما فعلت المرأة التي تئن من الشيطان الذي بإبنتها .. فعندما ترى أحد أعزائك بداخله شيطان يغويه فإنك عليك التحول إلى الله بالصراخ لكي يشفيه .. وإن لم يسمع إستمر وهكذا طول عمرك أصرخ من أجله بإتضاع لتسمع كلمة * ليكن لك ما أردت * .. الله لا يعلن عمله في إنسان إلا بقدر ما يعلن هذا الإنسان عن إيمانه .. هذه الغلبة التي نغلب بها العالم .. هذا الذي يحدد عمل ربنا يسوع المسيح في حياتك ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته ولإلهنا المجد إلى الأبد آمين

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل