المقالات

16 ديسمبر 2023

إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر كيهك( لو ٧ : ٣٦ - ٥٠ )

" وسألهُ واحِدٌ مِنَ الفَرِّيسيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ معَهُ، فَدَخَلَ بيت الفَرِّيسي واتَّكا. " وإذا امرأة في المدينة كانت خاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِيُّ فِي بَيتِ الفَرِّيسي، جاءَتْ بقارورة طيب، ووَقَفَتْ عِندَ قَدَمَيْهِ مِنْ ورائه باكيةً وابتدأت تبلُ قَدَمَيهِ بالدموع، وكانت تمسحهما بشعرٍ رأسها، وتُقَبِّلُ قَدَمَيهِ وتدهَنُهُما بالطَّيبِ. فَلَمّا رأى الفَرِّيسِيُّ الذي دَعاهُ ذلك، تكلَّمَ في نَفسِهِ قائلاً: لو كان هذا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هَذِهِ الاِمرأةُ التي تلمسه وما هي! إِنَّها خاطِئَةٌ. فأجابَ يَسوعُ وقال له: يا سمعان، عِندي شَيْءٌ أَقولُهُ لكَ". فقال: قُلْ يَا مُعَلِّمُ كَانَ لِمُداين مديونان. على الواحِدِ خَمسُمِئَةِ دينار وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكُنْ لَهُما ما يوفيان سامَحَهُما جميعًا. فَقُلْ: أَيُّهُما يكونُ أكثرَ حُبًّا لَهُ؟ فأجاب سمعان وقالَ: أَظُنُّ الذي سامَحَهُ بالأكثر. فقال له : " بالصَّوابِ حَكَمت. ثم التفت إلى المرأة وقال لسمعان : أتَنظُرُ هذِهِ المَرأَةَ؟ إِنِّي دَخَلَتْ بَيْتَكَ، وماءً لأجلِ رِجلَيَّ لم تُعطِ. وأما هي فقد غَسَلَتْ رِجلَيْ بالدموع ومَسَحَتهُما بشعر رأسها. قبلةً لم تُقبلني وأما هي فمنذُ دَخَلتُ لم تكُفَّ عن تقبيل رجليَّ. بزيت لم تدهن رأسي، وأما هي فقد دَهَنَتْ بالطَّيبِ رِجلَيَّ. مِنْ أجل ذلكَ أقولُ لكَ: قد غُفِرَتْ خطاياها الكثيرة، لأنَّها أحَبَّتْ كثيرًا. والذي يُغفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَليلاً. ثُمَّ قال لها : مَغفورَةٌ لكِ خطاياكِ ". فابتدأ المُتَّكِئونَ معهُ يقولونَ في أَنفُسِهِمْ: مَنْ هذا الذي يَغْفِرُ خطايا أيضًا؟ فقال للمرأةِ: إيمانُكِ قد خَلَّصَكِ، اذهَبي بسَلَامٍ ". إنجيل المرأة الخاطئة: الآباء القديسون معلمو البيعة رتبوا الفصول التي تُقرأ في آحاد شهر كيهك هكذا الأحد الأول: بشارة رئيس الملائكة جبرائيل لزكريا الكاهن. الأحد الثاني: بشارة رئيس الملائكة جبرائيل للقديسة العذراء مريم. الأحد الثالث: زيارة العذراء لأليصابات. الأحد الرابع: ميلاد يوحنا المعمدان. وهذه الأحداث على التوالي بحسب الترتيب الإنجيلي حين يتابعها المؤمنون أسبوعيًا يحيون تمامـا فـي جـو الميلاد البتولي وأفراح التجسد والبشارة بالخلاص وهذا توفره الكنيسة بالألحان والتسابيح والسهر طوال شهر كيهك. فالأحد الثاني تقرأ فيه فصول عيد البشارة المجيد وهو بكر الأعياد المسيحية وبدء الأفراح. ولكن العجيب في تدبير الكنيسة أن يكون فصل إنجيل عشية عيد البشارة هو إنجيل المرأة الخاطئة التي سكبت الطيب على قدمي المُخلّص وبكت وبللت قدميه بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها وكانت تقبل قدميه بدون توقف.فغفر لها خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيرًا وأعطاها الخلاص والسلام القلبي. واقع الأمر أن البشارة أصلاً للخلاص للخطاة وهذا الإنجيل يقدم عينة نادرة للذين نالوا الخلاص وفرحوا بالبشارة. المسيح جاء ليُخلّص الخطاة.. وقال: "ما جئت لأدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة الذين حسبوا أنفسهم أبرارا لم ينالوا شيئًا من المسيح مثل سمعان الفريسي الأبرص رغم أن المسيح متكئ في بيته ولكن بسبب البر الذاتي لم يأخذ شيئًا مما نالته المرأة التائبة.ما أجمل البكاء على قدمي يسوع، وليس أشهى من قبلات قدميه.هكذا ترجمت الكنيسة هذا الإخلاص في التوبة إلى صلاة ضمتها إلى صلوات السواعي في الخدمة الثانية من صلوات نصف الليل حين ننتصب للصلاة ونقرأ هذا الفصل من الإنجيل ونتوسل إلى المسيح بصلاة قلبية ونقول : "أعطني يارب ينابيع دموع كثيرة كما أعطيت منذ القديم للمرأة الخاطئة واجعلني مستحقا أن أبل قدميك اللتين أعتقتاني من طريق الضلالة وأقدم لك طيبًا فائقًا واقتنى لي عمرًا نقيًا بالتوبة".ما أجملها صلاة... لقد صارت هذه المرأة الخاطئة التائبة أيقونة التوبة للكنيسة في أجيالها.البشارة هنا معلنة لأخطى الخطاة، للمرذولين، فهذه المرأة كانت خاطئة في المدينة كلها وقد استكثر سمعان عليها أن تلمس المسيح لأنها خاطئة... هيهات فالمسيح جـاء خصيصا لأجل الخطاة ليلمسوه ويمسكوا قدميه ويقبلوهما. فهل يعتفي الطبيب من المرضى أو يتأفف المسيح من خطايا الخطاة... حاشا فإنه ماحي الآثام. قدمي يسوع شمرتا على الصليب لأجلنا، ألا تستحق أن نقبلها بالدموع والخشوع ونتحسس أثر المسمار فيها فنبغض الخطية جدًا جدًا. * عينا المرأة حين امتلأت بدموع التوبة واغتسلت فيها انكشفت لها الرؤيا فرأت غير المرئي وتحسسته بقبلات فمها فغسلت كل نجاسات شفتيها. خلص يا سيدي فلا يوجد مستحيل عندك أيها الرافع البائس من المزبلة المقيم المسكين من التراب. شعر رأسها وقبلات فمها خدمت بها الخطية زمانًا، والآن كرست كل ما لها بالمحبة الحقيقية فشعر بها فاحص القلوب وقال: إنها أحبت كثيرًا. تحوّل القلب من حب الشهوات إلى شهوة الحب الإلهي الحقيقي. بكت واستعطفت ولكنها لم تقل كلمة واحدة وتركت فاحص القلوب يطلع على ما بداخلها ... لم تعد تحتاج إلى كلام بلغ الحد انتهاء الكلام فقامت الدموع والقبلات ومسح القدمين بالشعر مقام كل الكلام... تعالي إلينا أيتها القديسة وعلّمينا... كيف نجد الطريق إلى قدمي يسوع دون عائق أو مانع. كيف لا نستثقل خطايانا ولا نيأس مهما بلغ بنا خطر الموت. وكيف تتحرك فينا مشاعر التوبة الحقيقية. لقد تصورنا أن التوبة كلام واعتذار وغاب عنا أن التوبة تغيير قلب وتغيير فكر.وهل نستطيع أن نُعبّر عن جميل المسيح ومعروفه معنا بالكلام؟ الذي فدى حياتنا من الفساد، الذي أعتقنا من موت الخطية هل تعبير الكلام يسعفنا ...!!. قفي في وسط كنيستنا وأنتِ قائمة فيها بالفعل وعلمينا الدموع النقية الغاسلة الأدناس.هل يتحوّل الإنسان من النقيض من فيض الخلاعة إلى فيض النعمة... من قاع النجاسة إلى قمة القداسة... من طريق الهلاك إلى طريق الحياة الأبدية. ما هذا يارب... إنه المستحيل في عيني الناس ولكن ليس عند المسيح. تعاظمت ديوننا أكثر من الخمسمائة دينار وثقلت أوزاننا، كلت نفوسنا حمل الخطايا ووزر المديونية ونير الموت على رقابنا .ولكن يا من تعرف أنه ليس لنا ما نوفيه إذ افتقرنا من كل فضيلة... أنت تعرف عجزنا الكامل عن السداد وأنت قد دفعت الدين ووفيت العدل كله على الصليب ألا تقبل أن تزيح عنا نير مديونيتنا وتسامحنا بالذي لك.هذا هو مجيئك إلينا أيها المسيح يسوع مُخلّص عبيده ومسدد الديون عنا. بل قد وفيّت الدين وأغنيتنا فلم نعد مديونين ولا معوزين بل أغنياء بك وفيك. بقى أن نقول إن كانت المرأة الخاطئة هذه التي قدمت هذه التوبة مدحها المسيح وكرّمتها الأجيال وكرز بها في العالم إلى جيل الأجيال مجرد أن قدمت توبة عن سيرتها الماضية الفاسدة وحازت القبول لدى مُخلّصنا فارتفعت في عين الله والكنيسة وصار فرح بها في السماء وعلى الأرض، وإن كان قد صار لها التوبة هـى الكرامة. فماذا نقول عن كلية الطهارة والقداسة العذراء والدة الإله التي قبلت بشارة الملاك: "أن الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلي تظللك". وولدت لنا القدوس ابن الله بعد أن حملته في البطن تسعة شهور ثم أرضعته من ثديها الطاهر فنما نموًا طبيعيًا من لبنها حتى بلغ القامة... ماذا نقول عنها وبماذا تطوبها الأجيال!. حقًا إن نساء كثيرات نلن كرامات ولكن من بلغ إلى هذه لتي صارت السماء الثانية مسكن الله وارتفعت أكثر من الشاروبيم وصارت أما لله الكلمة.شفاعتها تسندنا في جهادنا وتوبتنا إلى النفس الأخير. المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
09 ديسمبر 2023

إنجيل عشية الأحد الأول من شهر كيهك(مر ١٤: ٣ - ٩ )

وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص وهو مُتَكِيُّ، جاءَتِ امرأة معها قارورة طيــب نــاردين خالص كثير الثمن. فكسَرَتِ القارورة وسكَبَتَهُ عَلَى رَأسِهِ. وكانَ قَوْمُ مُغتاظين في أنفُسِهِمْ، فقالوا: لماذا كان تلف الطيب هذا ؟ لأنَّهُ كانَ يُمكِنُ أَنْ يُباع هذا بأكثرَ مِنْ ثلاثمئة دينار ويُعطَى للفُقَراءِ". وكانوا يؤنبوئها. أما يَسوعُ فقال : اتركوها! لماذا تُزعِجونها؟ قد عَمِلَـت بـي عَمَلاً حَسَنًا! الأنَّ الفُقَراءَ معكُمْ فِي كُلِّ حينٍ، وَمَتَى أَرَدْتُمْ تقدرون أن تعملوا بهم خَيرًا. وأما أنا فلستُ معكم في كُلِّ حينٍ، عَمِلَتْ مَا عِندَها. قد سبَقَتْ ودَهَنَـتْ بالطَّيبِ جَسَدي للتَّكفين. الحق أقولُ لكُم: حيثما يُكرَزْ بهذا الإنجيل في كُلِّ العَالَمِ، يُخبَرْ أَيضًا بما فَعَلَتَهُ هذه، تذكارًا لها ". المرأة التي سكبت الطيب:- أناجيل عشيات الآحاد في شهر كيهك وأناجيل باكر اختارها الآباء القديسون معلمو البيعة الذين وضعوا ترتيب القراءات في الكنيسة، اختاروا هذه الفصول كلها تتكلم عن المرأة تكريمًا للقديسة العذراء والدة الإله التي تطوبها الكنيسة في هذا الشهر المبارك، لأنها استحقت أن تحمل ابن الله الكلمة في بطنها تسعة شهور، واتحد ببشريتنا آخذا جسده الإلهي منها. إن كانت نساء كثيرات نلن كرامات لكن واحدة هي حمامتي كاملتي" كما يدعوها سفر النشيد، وحيدة أمها هي فليس من يشبهها في الأرض ولا في السماء. لأن عمل التجسد عمل فريد فائق على العقل والإدراك حتى فوق إدراك الملائكة. لأن من عرف فكر الرب. لذلك ارتفعت العذراء فوق الشاروبيم والسارافيم الذين يسترون وجوههم من بهاء عظمة مجد الله الذي سكن في أحشاء العذراء لما أخلى ذاته أخذا شكل العبد. المرأة التي سكبت الطيب على رأس المُخلّص في بيت سمعان الفريسي الأبرص كسرت القارورة بشجاعة نادرة بعمل حب جسور، لم تبق على شيء ولم تعمل حساب شيء وهى تسكب حبها القلبي مع الطيب. فلما تلامس الطيب الممتزج بمشاعر هذه المرأة الصادقة، لما تلامس مع جسد الوحيد صار للطيب رائحته الحقيقية وقيمته الحقيقية، التي هي ليست ثلاثمائة دينار بحسب تقييم الناس، ولكن الطيب الكائن على رأس المسيح النازل على الجبين إلى أسفل القدمين يمسح بمسحة الروح جسد المسيح الذي هو الكنيسة ويعطر رائحة البيعة إلى أبد الدهور.سكب الطيب على جسد المسيح عمل قلبي يحتاج إلى إخلاص في الحب وشجاعة في التنفيذ لا يعبأ بكلام الناس ولا بتقييم الناس إن ذما أو استحسانًا يكفي الإنسان ساكب الطيب أن يُرضي قلب الحبيب. يوجد كثيرون ينتقدون أعمال سكب الطيب ويقولون لماذا هذا الإتلاف؟ كان يمكن أن يُباع ويُعطى للمساكين ولكن المسيح ينتهرهم لأنه فاحص القلوب وعارف الأسرار جمع الطيب وتخزينه فن أتقنه القديسون في كل زمان جمعوه مثل الرحيق على مدى السنين بالصبر والاحتمال والسهر الكثير حتى امتلأت قاروراتهم إلى الكمال، وهناك وجدوا الحبيب على مشارف الجلجثة فسكبوا طيبهم مع عصارة قلوبهم حبًا وعرفانا بالجميل، فقبل الرب عملهم وطوبه وصار يكرز به حيثما يكرز بالإنجيل. كنيستنا المجيدة امتلأت بساكبي الطيب وبرائحته الذكية على مدى القرون. ففرق الشهداء سكبوا دمهم وعذاباتهم تشهد أنهم كسروا قارورة الحب فسال دمهم برائحة ذكية عطرت السماوات والأرض بحب لا يوصف للذي ذُبح لأجلهم.وفرق النساك ملايين الشباب سكبوا شبابهم وقوتهم ففاح عطر طيب نسكهم وأصوامهم وأعمال العبادة والسهر الكثير ورفض كل ما في العالم وصلب الجسد مع الأهواء. والذين حملوا صليب المسيح في كل جيل ومن كل فئات المؤمنين وحفظوا وصاياه وأحبوه وعبدوه وكرّموا اسمه فوق كل اسم هؤلاء ملأوا الكنيسة من رائحة الطيب. طيب العذراء القديسة مريم هو طهارتها وبتوليتها المقدسة رائحة بخور العطر الذي في مجمرة هارون رئيس الكهنة، ارتفع عطر بخورها إلى عنان السماء أفضل من البخور المرتفع من مجامر الأربعة وعشرين خارج لأن جميع الفضائل المتفرقة في القديسين اجتمعت فيها.فإن كانت المرأة التي سكبت الطيب على رأس المخلص صار يُكرز ويُخبر بما فعلته تذكارًا لها. فما فعلته الأم القديسة العذراء كل حين صار آية تعجب لها السموات كما رآها يوحنا حبيبها وابنها بعد الصلب. رآها في رؤياه امرأة مشتملة بالشمس والقمر تحت رجليها وقال عنها: "آية عظيمة في السماء". فهى آية السمائيين إلى دهر الدهور وإلى أبد الآبدين.فهى لم تقدم قارورة طيب بل قدمت للرب نفسها وروحها وجسدها بكمال لم يبلغه أحد من البشر ولن يبلغه، فطوباها ثم طوباها من جميع الأجيال وهى مطوبة من جميع أبنائها لأنها صارت أم المسيح البكر بين الإخوة الكثيرين.قسيسا .اشتم الرب رائحة رضى فارتاح أن يسكن في أحشائها، هي دائمة البتولية ومصفحة بالذهب الخالص من داخل ومن خارج لأن جميع الفضائل المتفرقة في القديسين اجتمعت فيها.فإن كانت المرأة التي سكبت الطيب على رأس المخلص صار يُكرز ويُخبر بما فعلته تذكارًا لها. فما فعلته الأم القديسة العذراء كل حين صار آية تعجب لها السموات كما رآها يوحنا حبيبها وابنها بعد الصلب. رآها في رؤياه امرأة مشتملة بالشمس والقمر تحت رجليها وقال عنها: "آية عظيمة في السماء". فهى آية السمائيين إلى دهر الدهور وإلى أبد الآبدين.فهى لم تقدم قارورة طيب بل قدمت للرب نفسها وروحها وجسدها بكمال لم يبلغه أحد من البشر ولن يبلغه، فطوباها ثم طوباها من جميع الأجيال وهى مطوبة من جميع أبنائها لأنها صارت أم المسيح البكر بين الإخوة الكثيرين. المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
02 ديسمبر 2023

إنجيل عشية الأحد الرابع من شهر هاتور( مت ١٧ : ١٤ - ٢١ )

" ولَمَّا جاءوا إِلَى الجَمْعِ تَقَدَّمَ إِلَيهِ رَجُلٌ جَاثِيَا لَهُ وقائلاً: يا سيد، ارحم ابني فَإِنَّهُ يُصْرَعُ ويتألَّهُ شَدِيدًا، ويَقَعُ كثيرًا في النّارِ وكثيرًا في الماء. " وأحضرتُهُ إلَى تلاميذك فلم يقدروا أنْ يَشفوه. " فأجابَ يَسوعُ وقَالَ: أَيُّها الجيلُ غَيرُ المؤمِن المُلتَوي، إلى متى أكون معكم؟ إلَى مَتَى أَحتَمِلُكُمْ؟ قَدَّمُوهُ إِلَيَّ ههنا!. فانتَهَرَهُ يَسوعُ فخرجَ مِنهُ الشَّيطانُ. فشفي الغلامُ مِنْ تِلكَ السَّاعَةِ. ثم تقَدَّمَ التلاميدُ إِلَى يَسوعَ على انفراد وقالوا: لماذا لم لقدر نَحنُ أن تُخرِجَهُ؟ فقالَ لَهُمْ يَسوعُ: لَعَدَم إِيمَانِكُمْ. فالحَقَّ أَقولُ لَكُمْ: لو كانَ لَكُمْ إِيمَانُ مِثلُ حَبَّةٍ خَرْدَلٍ لكُنتُمْ تقولون لهذا الجَبَلِ : انتَقِلْ مِنْ هنا إِلَى هناك فَيَنتَقِلُ، ولا يكونُ شَيءٌ غَيْرَ مُمْكِن لَدَيكُمْ. "وأما هذا الجنس فلا يَخرُجُ إِلا بِالصَّلاةِ والصَّوْمِ ". لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟ هذا الإنسان المسكين الذي جربه الشيطان في ابنه تقدم إلى يسوع جاثيًا في المجمع قائلاً: "يا سيد ارحم ابني". فإن سأل من إله المراحم قائلاً ارحم... ألا يستجيب؟!. لقد وضعت كنيستنا المبنية على أساس الإنجيل. وضعت في أفواه أولادها هذه الطلبة ارحمنا... ارحمنا... ونحن لا نبالغ حين نقول إنه ليس في كنائس الشرق أو الغرب من يطلب هكذا ، فنحن نكثر في طلب المراحم من منطلق أننا خطاة، وضعفاء ومحتاجون رحمة ربنا يسوع... ولا يستطيع أحد أن يعد المرات التي نكرر فيها (كيرياليصون... يارب ارحم...) في صلواتنا... ففي كل مرة في صلوات الأجبية نقول كيرياليصون ٤١ مرة متمسكين بجلدات المسيح وإكليل الشوك والحربة كينبوع المراحم ومعظم مردات القداس هى طلب مراحم بخشوع بحضور جسد المسيح ودمه. بل أن صلوات القسمة حين يقسم جسد المسيح في جميع المناسبات يرد الشعب قائلاً: يارب ارحم... يارب ارحم... يارب ارحم.أيضًا في صلوات اللقان تقال كيرياليصون ١٠٠ مرة مع التضرعات والكاهن يحمل الصليب مضاء بثلاث شمعات لأن الصليب هو مصدر المراحم والذي صلب عليه النور الحقيقي. وكذا مئات المرات في يوم الجمعة العظيمة ومرات بلا عدد مع الميطانيات في أسبوع الآلام وكل مناسبات الكنيسة.هذه طلبة غالية عند المسيح، وهو ينبوع الرحمة والرأفة، كثير الحنان، فائض الحب. يا ليتنا نطلبها دائما بوعي روحي وانكسار قلب فننال رحمة من لدنه.قدّم الرجل ابنه للرسل الأطهار فلم يقدروا أن يشفوه، لم يقدروا على الشيطان، فالشيطان عنيد وعنيف ومقاوم فلما لم يقدر الرسل على إخراجه اهتز إيمان الرجل ومن حوله. لذلك لما طلب الرجل إلى المسيح أن يرحم ابنه قال الرب: "أيها الجيل غير المؤمن والملتوي إلى متى أكون معكم حتى متى أحتملكم".كم من الآيات رأوا ؟ شيء مهول لا يقع تحت حصر. ولكنهم راقبوا الآيات للتسلية وليس للإيمان، وقضوا بها القصص كحكايات الأساطير ، وكأشياء فائقة للطبيعة، ترضي خيال الإنسان ولم يأخذوها مأخذ الجد للخلاص والإيمان والثقة في شخص المسيح. فلما لم يستطيع التلاميذ أخراج الشيطان من الولد المريض، انتهزها اليهود فرصة للشماتة وحرك الشيطان في قلوبهم شكوك كثيرة لا في التلاميذ فقط بل وفي معلمهم المسيح. لذلك قال المسيح موبخًا إياهم كجيل غير مؤمن وملتو، يحيدون عن الحق ويتنكرون له عند أول فرصة يهيئها لهم عدو الخير ويتناسون مئات وآلاف الإحسانات والأعمال والآيات... ولكن هل يُبطل هذا الجحود عمل المسيح؟ حاشا . قال: "قدموه إلي ههنا ... وانتهر الشيطان ورحم الرجل المسكين ورد له ابنه صحيحًا معافى. كثيرًا ما يوجد هذا الجحود أو هذه الشماتة في مخدومين حين يجدوا علة في خادمهم أو حين يفشل في عمل ما لا سيما إن كان من جهة القوة الروحية ولكن ليتقو الذين يخدمون المسيح بالصوم والصلاة لكي لا يجد العدو فرصة للشكوى.هذا هو الطريق كما رسمه المسيح، صوم وصلاة معا هذا الجنس النجس لا يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم. والسؤال الملح الآن ، لماذا تغلبنا الشياطين وتهزأ بنا. لماذا هذا الكم من الخطايا بأنواعها من عدم محبة وكراهية وخصام بل وعنف وقتل، ولماذا هذا الوابل من النجاسات والزنى والفجور والإباحية وكل ما هو نجس؟ ولماذا شياطين الانقسام والتحيز تجول في وسطنا وبلا رادع؟ ولماذا شياطين الانحلال من كل فضيلة وشياطين الفريسية والمظاهر صارت صاحبة سلطان وسيادة بيننا؟ ولماذا شياطين الكبرياء والاعتداد بالذات وهى أخبث الشياطين صارت تطاردنا ولا نستطيع أن نطردها؟. ليتنا نصرخ ساجدين مع هذا الرجل ونقول ارحم ابني ارحم نفسي وبنوتي الوحيدة فالشيطان يعذبني ارحم أخي وأختي فهم أعضاء جسمي وكنيستي ارحم الشبان والشابات الكبار والصغار حل المربوطين وأقم الساقطين. واسندني لكي أصوم فأتقوى بك لأنك صمت عني وعلمني أن أصلي فصلاتي دائما ترجع إلى حضني. وبنعمتك أتقوى في الإنسان الباطن وأستعيد سلطاني لكي أدوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو. وإن اكتشفت ضعفي ووهني أمام أي من هذه الشياطين الخبيثة "اللهم التفت إلى معونتي يارب أسرع وأعني ليخز ويخجل طالبو نفسي". المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
25 نوفمبر 2023

إنجيل عشية الأحد الثالث من شهر هاتور (مت ۱۱ : ٢٥ - ٣٠ )

" في ذلك الوقت أجابَ يَسوعُ وقَالَ: أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السماءِ والأرض، لأنَّكَ أخفيت هذِهِ عـــن الحُكَماءِ والفُهَماءِ وأعلَنتَها للأطفال نَعَمْ أَيُّها الآب لأن هكذا صارَتِ المَسَرَّةُ أمامَكَ.كُلُّ شَيْءٍ قد دُفِعَ إِلَيَّ من أبي، وليس أحَدٌ يَعرِفُ الابن إلا الآبُ، ولا أحَدٌ يَعرِفُ الآبَ إِلا الابنُ ومَنْ أرادَ الابْنُ أَنْ يُعَلِنَ لَهُ. تعالَوْا إِلَيَّ يا جميعَ المُتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أُريحُكُمْ. احملوا نيري علَيكُمْ َوتعَلَّموا مني، لأني وديع ومُتَواضِعُ القَلبِ، فتجدوا راحةً لنُفوسِكُمْ لأن نيري هَيِّنٌ وحِملي خفيف "."أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء وأعلنتها للأطفال الصغار". جاء هذا بعد أن تكلم الرب عن جماعة الكتبة والفريسيين الذين رفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم وأغمضوا عيونهم وسدوا آذانهم من نحو قبول المسيح وصادروه على كل كلمة يقولها وتكلموا عليه بالردئ. ثم تكلم الرب على المدن التي صنع فيها أكثر قواته ولم تتب أو ترجع إليه وقال : أنه سيكون لسدوم في يوم الدين راحة أكثر مما لتلك المدن. وعلى العكس من ذلك نظر يسوع إلى رسله الأطهار القديسين الذين تبعوه وآمنوا بـه والتصقوا به وتركوا كل شيء إذ وجدوا يسوع وألقوا رجاء هم بالتمام عليه، وقالوا : إلى من نذهب" وكلام الحياة الأبدية هو عندك". نظر إليهم في إيمانهم البسيط فوجد قلوبهم كأطفال أطهار إذ صاروا أنقياء بسبب الكلام الذي كلمهم به. حينذاك رفع عينيه نحو أبيه القدوس الذي في السموات وقال: "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء... الحكماء في أعين أنفسهم، أغلقوا على أنفسهم خارج ملكوت المسيح. رئيس هذا العالم طمس عيونهم وسد آذانهم صارت كرازة الصليب جهالة عند الحكماء، ولكنها قوة الله، وجهل الله أحكم من الناس. قال الرب لأورشليم في يوم دخوله إليها كملك وديع راكبًا على أتان وجحش ابن أتان "لو كنت تعلمين مـا هـو لخلاصك... ولكنه قد أخفى عن عينيك". فلاسفة وحكماء كثيرون عثروا في المسيح بينما البسطاء سبقوهم إلى الملكوت . موسى بعد أن تهذب بكل حكمة المصريين لم يعرف الله بالحكمة بل في عليقة صغيرة في وسط البرية مشتعلة بالنار . الحكماء عند أنفسهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله، وأحبوا أن يعظمهم الناس وينالوا أجرًا من الناس، ومديح الناس واستحسان الناس، فقال لهم الرب: "كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدًا بعضكم من بعض". لقد كان في وسطهم يأكل ويشرب، فعثروا فيه، وحين علّم سدوا مسامعهم لأنهم هم معلمو الناموس فماذا عساه أن يزيد على معرفتهم؟ وإذ صنع آيات قالوا إنه ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين وحين فتح عيني الأعمى قالوا:"نحن نعلم أن هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت".أما البسطاء المعتبرون أنهم أطفال صغار بحسب الروح فقال للآب: "لقد أعلنتها للأطفال الصغار" فأسرار الملكوت وأعماقها وأبوابها مفتوحة على مصراعيها أمام الأطفال. لذلك قال الرب: إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد لن تدخلوا ملكوت الله، ومن لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله". فلما سأل الرب الرسل من يقول الناس في ابن البشر من هو ؟ أجاب القديس بطرس بإيمان طفل بالحق ونطـق بالإيمان جهارًا قائلاً: أنت هو المسيح ابن الله الحي" فأجاب الرب وقال : طوباك يا سمعان بن يونا إن دما ولحما لم يعلنا لك هذا ولكن أبي الذي في السموات". هذه هي شهادة الآب عن ابنه يسوع المسيح وهي ذات الشهادة التي يعلن بها الآب لكل من حاز قلب طفل في صدق وبراءة ونقاوة وعدم شك. فليس من يعرف الابن إلا الآب، ولا من يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له". معرفة الله إذن ليست عقلانيات، ولا نظريات تدرس ولا علوم جافة وجدل عقيم، هي أولاً وآخِرًا إعلان الله، وإظهار الله لذاته، هي معرفة مفاضة من الله للذين أُعطي لهم أن يكونوا كأطفال صغار بلغ بهم التصديق إلى مداه والثقة في كل ما يسمعونه من الله. أمور الله غير المدركة أعلنها لنا الله بروحه لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله.على أن إعلان الله ذاته لأولاده (الأطفال الصغار) إذصار لهم نعمة البنوة، هذا الأمر عينه هو مسرة الآب"هكذا صارت المسرة أمامك لأن اقتبال الآب لأبنائه بعد زمان الغربة والقطيعة هو فرح الآب "ينبغي لنا أن نفرح ونسرّ لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش" الآب يفرح بخاطئ واحد يتوب، يكون فرح في السماء برجوعنا إلى الآب السماوي، وهو يجزل لنا العطاء بسخاء،حتى قيل إن الآب نفسه يحبكم.كل شيء قد دُفع إلي من أبي"كل ما للآب هو لي، أنا والآب واحد". هكذا قال المسيح له المجد، وكل ما أعطاه الآب وهو حامل طبيعتنا صار لنا في المسيح. وقمة عطاء المسيح لنا هو ما نلناه في شخصه من نعمة البنوة حين أخذ ما لنا وأعطانا الذي له، وقمة ما أخذناه هو نعمة البنوة والتمتع بحضن الآب الذي هو كائن فيه كل حين.هنا وبعد هذا الاستعلان الفائق نادى المسيح بصوته الحنون: "تعالَوْا إِلَيَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحُكُمْ". تعالوا إلى حضن الآب، فالأب يحبكم لأنكم آمنتم إني خرجت من عنده. تعالوا بأحمالكم فأنا حمل الله أحملها عنكم تعالوا بحمل خطاياكم لأني مستعد أن أموت حاملاً خطاياكم.كل من يجيء للمسيح يطرح خطاياه وأثقاله على المسيح، ثم يأمره المسيح أن يحمل نيره (صليبه) . المسيح يكسر عنا نير خطايانا، ويخلصنا من حمل العالم ونيره الثقيل المخيف، ثم يحملنا نيره الخاص أي صليب حبه.نير المسيح هين وحمله خفيف. وصايا المسيح ليست ثقيلة كما قال يوحنا الحبيب. هيا بنا نحمل صليب الذي أحبنا. هيا بنا نفرح بهذا النير الهين ونشكره لأنه أخذ عنا ثقل حملنا وأراح التعابي على صدره. المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
18 نوفمبر 2023

إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر هاتور(لو ۱۲ : ۲۷ - ۳۱)

" تأملوا الزَّنابق كيف تنمو: لا تتعب ولا تغزل، ولكن أَقولُ لَكُمْ: إِنَّهُ ولا سُلَيمانُ في كُلِّ مَجدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كواحِدَةٍ مِنها. فإنْ كانَ العُشب الذي يوجَدُ اليوم فى الحقلِ ويُطرَحُ غَدًا فِي التَّنْور يُلبسه الله هكذا، فكم بالحَريِّ يُلبسُكُمْ أَنتُمْ يا قَليلي الإيمان؟ " فلا تطلبوا أنتُمْ ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا ، فإِنَّ هَذِهِ كُلَّها تطلبها أمَمُ العالَم. وأما أنتُمْ فأبوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تحتاجونَ إِلَى هذِهِ. بل اطلبوا ملكوت الله، وهذِهِ كُلُّها تُزادُ لَكُمْ ". تأملوا الزنابق: مازال الذهن الروحي متعلقًا بالزرع الذي هو كلمة الله داخل قلب الإنسان كيف يبذر وكيف ينمو وكيف يثمر . والقديس بولس الرسول يقول: "بولس غرس وأبلوس سقى ولكن الله هو الذي ينمي". وبالحري يثمر، إذ ليس الغارس شيئًا ولا الساقي بل الله الذي ينمي.وفصل الإنجيل هنا هو قول المسيح: "تأملوا الزنابق كيف تنمو: لا تتعب ولا تغزل، ولكن أقولُ لَكُمْ: إِنَّهُ ولا سُلَيمانُ في كُلِّ مَجدِهِ كَانَ يَلْبَسُ ُكواحِدَةٍ مِنها. فإنْ كانَ العُشب الذي يوجد اليومَ في الحقل ويُطرَحُ غَدًا في التَّنْور يُلبسُهُ الله هكذا، فكم بالحري يُلبسُكُمْ أَنتُمْ" المسيح المبارك يدعونا إلى التأمل في عمله الإلهي العجيب وعنايته الفائقة المعرفة بنبات الأرض والزهور التي من ناحية الأبدية ليس لها وجود ، فعمرها الزمني محدود جدًا فهى اليوم موجودة وغدًا محرقة بالنار، أو أشرقت عليها الشمس فيبست كيقطينة يونان النبي بنت يوم نبتت وبنت يوم هلکت وهى مخلوقة أصلاً من أجل الإنسان.فإذا تأمل الإنسان وأدرك ذهنه الروحي عناية الله الفائقة بهذه الخليقة الضعيفة يُدرك في الحال مقدار حب الله لنا الذي لا يستوعبه عقل الإنسان وعنايته الفائقة بنا. وعلى قدر ما يتفوق الإنسان عن النبات من حيث لا وجه للمقارنة على الاطلاق بين ما يفنى وما لا يفنى وبين عشب الحقل وبين الإنسان الذي هو صورة الله. والتأمل والهذيذ بالخليقة هو أعلى أنواع التسبيح الذي اختبره الآباء القديسون بدءًا من الثلاثة فتية القديسين الذين كانوا دائمي التسبيح والتأمل في أعمال الله في الخليقة وشكره لأنه صالح وإلى الأبد رحمته. فلما أُلقـوا فـي أتـون النـار المتقدة بأمر نبوخذ نصر الملك وصار الأتون كالندى البارد بوجود ابن الله معهم، وصاروا يمجدونـه ويسبحونه كمـا تعودوا، وهم يدعون كل الخليقة للتسبيح قائلين: "سبحيه أيتها الشمس والقمر والنجوم والطيور والهوام والزحافات والجبال والتلال والبرد والصقيع والمطر والثلج سبحيه، مجديه وزيديه علوا إلى الآباد". تأملوا زنابق الحقل: ومن منا لا يأتي أمام عينيه زنابق الحقل مرات بلا عدد كل يوم... حتى من يسكن في الصحراء يجد العشب ينمو وليس من يزرعه فالمنظر محيط بنا من كل ناحية وصوت الرب يسوع يدعونا تأملوا زنابق الحقل. لا تدع هذا المنظر يعبر عليك عبورًا لقد آلفت أعيننا منظر الزرع والزنابق وألوانها ونموها ولكن ليس من يتأملها ويدخل إلى سر التأمل من جهة حياتنا الداخلية وزرع الله فينا كيف ينمو !؟. وهذا المقدار الفائق من العناية التي تحيط بهذه الخليقة الضعيفة فكم بالحري أنتم يا قليلي الإيمان الأمر إذن يتعلق بإيماننا، فإن نما إيماننا فإن منظر نبات الأرض يقودنا إلى مراحل أعمق واتكال على الله لا ينتهي أما قلة الإيمان فتجعل الإنسان دائم القلق فاقد السلام كثير الهموم فيما يأكل وفيما يلبس أي فيما يختص بأمور الجسد، بينما حتى نمو الجسد واحتياجاته تقدمها يد الله الحنون الذي ينمي ويعول الكل ويربيهم والمسيح المبارك يلفت النظر إلى أن الزنابق في زينتها الإلهية البهية وألوانها الجميلة المبدعة في تناسق مذهل، ويقول إن الله يلبسها ،هكذا ، فتستطيع إن انفتحت لك البصيرة الروحية أن ترى يد الله العجيبة في كل واحدة منها فتنظر وتتأمل وتمجد الله. بل إن سليمان في كل مجده ما كان يلبس مثل الزنابق !! لأن شتان بين عمل الناس مهما علا شأنه وعمل الله. فإن كان الأمر كذلك فلندخل إلى مقادس القلب ونرى كيف ينمو فينا الزرع الإلهي وبأية زينة مقدسة ممكن أن يُلبسنا الله لا على مستوى الجسد واهتماماته الباطلة بل على هو مستوى الداخل الذي لا يبلى. لقد زين الله قديسيه في كل زمان وألبسهم بحسب الإنسان الباطن ما أبهى من زنابق الحقل، فصاروا بالنعمة أبهى من الكواكب وأجمل من الجمال نفسه. وذلك ببهاء وجه الله حتى قال: "وجملت جدا جدا، فصَلُحت لمملكة ببهائي الذي جعلته عليك"(حزقيال ١٦ : ١٣ - ١٤). تأمل إذن زينة القديسين بالفضائل المسيحية، إن في طهارة وقداسة وعفة أو صبر واحتمال أو اتضاع وإنكار ذات، أو محبة بلا حدود أو لطف أو إيمان أو فرح ينطق به أو سلام يغلب أهوال العالم أو رجاء لا يخيب، أو صلاة بلا انقطاع أمور لا نهاية لها ولا توصف بكلمات. لقد زين الرب قديسيه بالنعمة وعمل الروح القدس فزينوا ليس الأرض فقط بل وحتى السموات أيضًا. أما من جهة النمو، فإنه علامة الحياة فإن لم تنبت البذرة وتنمو فإنها تكون قد ماتت نبات الأرض ينمو طالما فيه حياة. هكذا يكون الحال فينا، فإن كان نمو فإن الحياة تكون عاملة فينا. تأملوا الزرع كيف ينمو فإن كانت كلمة الله مثمرة فينا وإن صادفت قلبًا مخلصًا صبورًا كأرض صالحة، فلابد للإنجيل أن يمتد وينمو ويزيد كل يوم "فإن كان إنجيلنا مكتومًا فهو مكتوم في الهالكين" أي أن كلمة الحياة اختنقت فيهم وماتت. أن يمتد الإنسان في المحبة والاتضاع والصلاة ومعرفة الله، أن ينمو في النعمة ويتعمق في الشركة مع الله، أن يمارس الحياة المسيحية متجددة كل يوم، أن لا تكون الممارسات الروحية كعادات اجتماعية أو روتين ميت، فهذا دليلاً على حياة الروح وعمل الإنجيل وصدق مواعيد يصير الله.بذرة الملكوت تبتدئ تنمو في حياة الإنسان ولكن لا محدودية ولا نهاية للنمو، ستنمو حتى ملء قامة المسيح وهذا غير محدود وغير محوى معًا، ومن يستطيع أن يقيس بقياس قامة المسيح؟. فإن قلت إلى أين يصل نمو المحبة المسيحية؟ فالجواب إلى ما لا نهاية. وإلى أي حد يصير الغفران؟ الجواب بلا حدود. وإلى أي مدى يصل الإنسان في الصلاة؟ إلى ما فوق الحدود وإلى أي مدى يصير العطاء؟ إلى ما فوق الطاقة هكذا يكون النمو في جميع الاتجاهات في الطول والعرض والعمق والعلو. ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح. المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
11 نوفمبر 2023

إنجيل عشية الأحد الأول من شهر هاتور(مر ٤ : ۱۰ - ۲۰ )

" ولَمّا كانَ وحدَهُ سألهُ الذينَ حَوْلَهُ مع الاثْنَيْ عَشَرَ عن المثل، فقال لهم: قد أُعطي لكُم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذينَ هُم مِـنْ خارج فبالأمثال يكونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، الكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلا يَنظُروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا ، لئلا يرجعوا فتُغفَرَ لَهُمْ خطاياهم. ثم قالَ لهُمْ:أما تعلمون هذا المثل؟ فكيف تعرفون جميع الأمثالِ ؟ الزّارِعُ يَزرَعُ الكَلِمَةَ. وهؤلاء هم الذين على الطريق: حيث تُزرَعُ الكَلِمَةُ، وحينما يسمعون يأتي الشَّيطانُ للوقت ويَنزِعُ الكَلِمَةَ المَزروعة في قُلُوبِهِمْ. وهؤلاء كذلك هُمُ الذِينَ زُرِعوا عَلَى الأَمَاكِنِ المحجرة: الذين حينما يسمعونَ الكَلِمَةَ يَقْبَلُونَها للوقت بفَرَح ، ولكن ليس لهُمْ أَصلُ في ذَواتِهِمْ، بـل هم إلى حين فبعد ذلك إذا حَدَثَ ضيق أو اضطهاد من أجل الكلِمَةِ، فللوقت يعثرونَ. وهؤلاءِ هُمُ الذِينَ زرعوا بَينَ الشَّوْكِ: هؤلاءِ هُمُ الذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ. " وهمومُ هذا العالَمِ وعُرورُ الغِنَى وشَهَواتُ سائر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر. وهؤلاءِ هُمُ الذينَ زُرِعوا على الأرض الجَيّدَةِ: الذينَ يَسمَعونَ الكَلِمَةَ ويَقْبَلُونَها ، ويُثمِرُونَ: واحِدٌ ثلاثين وآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ مِنَةً ". بذور الحياة الأبدية: الأحد الأول والثاني من شهر هاتور كانـا همـا موسم الزراعة وبذر البذور في مصــر أيام ري الحياض، ومازال هذان الأسبوعان هما موسم زراعة القمح والفول والبرسيم... لذلك رتب الآباء فصول أناجيل هذين الأحدين لتخدم غرض تحويل الفكر من الأرضيات إلى السماويات، وبينما كان الإنسان يعمل عملـه الـيـومـي فـي الفلاحة والزرع والبذر يتجه قلبه نحو بذور الحياة الأبدية. كلمة الحياة الفضلى ومآلها ومستقبلها وعملها في داخل الإنسان وذلك بحسب ما تصادف من تربة وما تناله البذرة من عناية. فالمثل قاله الرب للجمع المجتمع عند البحر عندما علمهم من داخل سفينة بطرس الرسول بسبب الزحام. والمثل بسيط غاية البساطة يستطيع أن يستوعبه ذهن العامة من الناس ولكنه عميق غاية العمق يحتاج إلى الحياة كلها لكي يدرك الإنسان شيئًا من أسرار ملكوت الله. وفصل الإنجيل يحكي كيف أن خاصة المسيح من الاثني عشر الأطهار مع بعض آخرين أحاطوا بالسيد المسيح في البيت على انفراد وسألوه عن المثل.وهذه عادة الأبرار في كل زمان أنهم عندما يصعب عليهم فهم أمر من الأمور المختصة بملكوت المسيح وعمق الحياة فيه فإنهم ينفردون به في خلوتهم الخاصة ويجلسون عند قدمي يسوع يسألونه عن الأسرار وما خفي في أعماق كلمة الحياة.وهكذا عرف الآباء القديسون حين اعتكفوا بعيدًا عن الزحام ودخلوا إلى مخادعهم أنهم في الحقيقة يدخلون إلى المقادس العليا، ومن هناك اغترفوا غنى معرفة وحكمة روحية، ثم عادوا إلى الكنيسة وهم محملون بالنعم التي لا تستقصى. فالكلمة الإلهية وإن كانت بسيطة من جهة الإدراك العقلي لكنها تعلو على العقل والإدراك لأنها تخص جذور الحياة وتغيير السلوك وتهدف إلى حياة أبدية. فإن أخذت كلمة الحياة للفهم العقلي فإن الإنسان يكون قد جانب الصواب، إذ صارت الكلمة بالنسبة له أمر عقلاني فلسفي للجدل وللنقاش أو الدرس أو البحث أو عمل المقارنات وكتابة الكتب أو الوعظ وتنميق الكلام... وكل هذا بعيد كل البعد عن هدف الكلمة القادرة أن تحكم الإنسان للخلاص التي هي "قوية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين"، ولها القدرة الإلهية أن تخترق أعماق قلب الإنسان وتجرح الضمير وتوقظ من النوم بل من الموت؟. وإذا أراد الإنسان أن يعرف سر الكلمـة... يرجع إلـى المسيح وهو في البيت على انفراد ... بعيدًا عن ضوضاء الدنيا، وباتضاع يسأل... وينصت فيعطيه الرب سر الكلمة. لقد أعطاها سابقًا لإرميا النبي وحزقيال وإشعياء وموسى رئيس الأنبياء فنظروا مواعيدها من بعيد وحيوها. موسى أخذها مكتوبة بأصبع الله ولكن على حجر، إشارة إلى قساوة قلب الإنسان في القديم قبل أن يُغير الله قلب الحجر بالقلب اللحمي... وحزقيال أكلها وهى مكتوبة في درج کتاب فصارت في فمه كالعسل حلاوة. ولإرميا قال الرب: "جعلت كلامي في فمك " أخذوا كلمة الله الحية، وقول الرب الذي صار إليهم. قال الرب لتلاميذه: قد أعطي لكُم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذينَ هُم مِنْ خارج فبالأمثال " إذن الرسل هم من داخل ... وهذا تعبير عن حالنا في المسيح إذ صرنا شركاء الطبيعة الإلهية بحسب ولادتنا في الإنسان الباطن في العديمة الفساد وصار لنا بهذه النعمة دخول بسعة إلى ملكوت ربنا ومُخلّصنا لأنه دخل بنا إلى ما داخل الحجاب إلى قدس الأقداس الموضع الذي لا يدخل إليه ذو طبيعة بشرية فوجد لنا فداءً أبديًا وهو إذ دخل إلى قدس أقداس السماء دخل كسابق لأجلنا، وصار لنا به جرأة وقدوم ودالة لدى الآب هذا هو ميراثنـا فـي المسيح. فصرنا نعرف - ليس بذواتنا - بل بالروح الذي فينا، نعرف أمور الله لأن الروح يفحص كل شيء ويعرفنا كل شيء ويذكرنا بكل شيء. زرع الكلمة: حينما تصادف الكلمة قلبًا جيدًا صالحًا يخبئها وبالصبر وطول الأناة يخضع لعوامل الحياة التي فيها لكي تشق طريقها في وسط رطوبة وظلمة الطبيعة الترابية حينئذ تظهر حياة الكلمة إلى ما فوق السطح بعد أن تكون أصلت جذورها في عمق القلب وهى حين تنبت وتظهر ما كان مخفيًا من الحياة حينئذ يتمجد الزارع الكلمة (الذي هو الرب نفسه).يرى الناس أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات". يارب عَمّق كلمتك في قلوبنا ولا تتركنا نلهو بها على سطح الحياة وسطح القلب عمقها فتجد فينـا مكـان راحة، وتبدأ بعيدًا عن العيون الفاحصة، تبدأ تنمو وتزيد. حبة الحنطة الحقيقية هي المسيح الكلمة. قال هو:" إن وقعت في الأرض وماتت تأتى بثمركثير " يارب خبَّأت كلامك في قلبي .يارب أبتهج أنا بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة.يارب وجدت كلامك فأكلته. يارب اجعلنا لسنا سامعين الكلمة فقط خادعين نفوسنا،بل سامعين عاملين. يارب بحسب كلمتك أحيني. يارب قدسني في حقك كلامك هو حق. يارب اجعل كلامك في فمي يقدس الكلام، واجعله في قلبي يُقدس مخارج الحياة، واجعله في عقلي يحفظني من الزلل "أنتم أنقياء بسبب الكلام الذي أكلمكم به" لتعمل كلمتك في عمل النقاوة مثل الرسل الأطهار. "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة"فلتدرك كلمتك أعماقي فأحيا بها."ولو لم تكن شريعتك هى تلاوتي لهلكت حينئذ في مذلتي"، إن قولك أحياني حينما رددته طول النهار ألهج فيه يا زارع الزرع الجيد ألق إلي بذارك ولا تهملني حتى لو بدا قلبي أنه غير مفلح أو مستعد ألم تلق بذارك حتى على الأرض المحجرة وعلى الطريق وفي وسط الشوك حقًا إنك صالح وطويل الروح. المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
04 نوفمبر 2023

إنجيل عشية الأحد الرابع من شهر بابه (مت٢٢:١٤-٣٦)

" وللوقت ألزَمَ يَسوعُ تلاميدَهُ أَنْ يَدخلوا السفينة ويَسبقوهُ إِلَى العَبرِ حتَّى يَصْرِفَ الجُموعَ. وَبَعدَما صَرَفَ الجموعَ صَعِدَ إِلَى الجَبَلِ مُنفَرِدًا لِيُصَلِّي وَلَمَّا صَارَ المساء كان هناك وحدَهُ. وأمّا السَّفِينَةُ فكانت قد صارت في وسط البحرِ مُعَذَّبَةً مِنَ الأمواج. لأنَّ الرِّيحَ كانَتْ مُضادَّةً. و وفي الهَزِيعِ الرَّابِعِ مِنَ اللَّيْلِ مَضَى إِلَيهِمْ يَسوعُ ماشيًا على البحر. فلما أبصَرَهُ التلاميدُ ماشيًا على البحر اضطَرَبوا قائلين: إِنَّهُ خَيال. ومِنَ الخَوْفِ صَرَخوا! فللوقتِ كَلَّمَهُمْ يَسوعُ قائلاً: تشجعوا ! أنا هو. لا تخافوا. فأجابَهُ بُطرُسُ وقال: يا سيد، إنْ كُنتَ أنت هو، فمُرني أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى المَاءِ. فقال: تعالَ. فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى المَاءِ ليأتي إِلَى يَسوعَ . ولكن لَمّا رأى الرِّيحَ شَدِيدَةً خاف. وإذ ابْتَدَأَ يَعْرَقُ، صَرَحَ قائلاً: يارَبُّ، نَجِّنِي!. ففي الحالِ مَدَّ يَسوعُ يَدَهُ وأَمْسَكَ بـهِ وقال له: يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟ .ولَمّا دَخَلَا السَّفِينَةَ سكَنَتِ الرِّيحُ. والذين في السفيئَةِ جاءوا وسجدوا له قائلين: بالحقيقَةِ أَنتَ ابنُ اللَّه!. فَلَمّا عَبَروا جاءوا إلى أرض جنيسارَت، فَعَرَفَهُ رجال ذلكَ المَكانِ. فأرسلوا إلى جميع تلك الكورة المُحيطَةِ وأحضروا إليهِ َجميعَ المَرضَى، وطلبوا إليهِ أن يلمسوا هُدبَ ثوبه فقط. فجميع الذين لَمسوه نالوا الشفاء ". الزم تلاميذه: فصل الإنجيل هذا تمت أحداثه بعد معجزة إشباع الجموع من الخمس خبزات مباشرة وبعد أن صرف الجموع بقى يسوع وحده على الجبل ويقول الإنجيلي إن الرب ألزم تلاميذه أن يركبوا السفينة وحدهم حتى يصرف الجموع". وهذه هي المرة الأولى والوحيدة التي يقال إن الـرب ألزم تلاميذه بشيء ويبدو أن التلاميذ الأطهار كانوا يريدون أن يبقوا في صحبة الرب وإن لزم الأمر أن يعبروا إلى الجهة الأخرى فيكونوا في معيته. ولكن الــرب طلب منهم أن يركبوا السفينة وحدهم فلما أبدوا عدم الرغبة في ذلك ألزمهم أن يركبوا وحدهم كان الرب مزمعًا أن يختبر إيمانهم ليزيدهم ثقة في شخصه وليرتفع رصيدهم من اختبار يد الرب في الأوقات الحرجة فهو كان مزمعًا أن يحرك الريح والموج ضدهم ولو إلى ساعة !! أليس الريح والبحر يطيعانه. وإن سألت فيما كانت سفينة التلاميذ تتقاذفها الأمواج وترتطم بها وتخطفها الرياح وتقذفها، فإن سألت بعمق هل كان هذا بسماح من المسيح أم لا؟ فإن الجـواب التلقائي يكون بكل تأكيد سمح الرب للرياح أن تهب وأذن للأمواج أن تلاطم السفينة. أليس هو ضابط الكل... على أن السر الأعظم في هذا التدبير الإلهي هـو مــا خفي عن بال التلاميذ في ذلك الوقت وهو إن ركبوا السفينة وحدهم فهو كائن معهم لم يتركهم ، وإن كانت حواس الجسد لا تسعفهم بالرؤيا إذ قد تركوه على الجبل وكلما ابتعدوا عن الشاطئ غاب عنهم جسديًا ... إلا أن ما كان يجب أن يدركوه بالإيمان أنه موجود في كل مكان وفي كل زمـــان. لذلك عندما جاء إلى سفينتهم وقلوبهم المضطربة بكت عدم إيمانهم. فما هو الإيمان؟ أليس هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا ترى؟ إيمان أن اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا، وإن كان الله معنا فمن علينا ؟ إيمان بحضور المسيح الذي لا يغيب وإن لم نره بالعيان فنحن بالإيمان نسلك لا بالعيان، ونحن غير ناظرين إلى ما يرى بل إلى ما لا يرى إيمان بحضور المسيح معنا في أقسى الظروف وأصعب المخاطر وأن كان ما يدور حولنا حتى ما يصيبنامن ضرر أو خسارة يجري تحت بصره وبسماح منه فهو إن جربنا لا يدعنا نجرب فوق ما نحتمل بل يعطي التجربة المنفذ. الهزيع الرابع: الهزيع الرابع هو آخر رمق، بعد أن يكون الإنسان جاز الهزيع الأول والثاني والثالث وهو مترقب ومنتظر ومتوقع خلاص الله لقد أجاز الرب تلاميذه في هذا الاختبار الصعب لخيرهم وقد صارت هذه الحادثة كحجر أساس يُبنى عليه المستقبل.فبولس الرسول حين انكسرت به السفينة وقضـــــي لـيـلاً ونهارًا كاملاً في العمق معلقًا بأحد ألواح السفينة وكان لـــه في نفسه حكم الموت حتى يئس من الحياة أيضا فلما نجــاه الرب وأنقذه مع جميع ركاب السفينة صــار يـكـــرز بهذه الخبرة الروحية، إذ لم يعد يتكل على نفسه بل على الله الذي نجاه من موت مثل هذا وهو ينجي الذي له رجاء أنه سينجي أيضا فيما بعد. فمن هذه الامتحانات الإيمانية الصعبة تخرج النفس بخيرات جزيلة وإيمان أعمق أليس الذهب يختبر بالنــــار كقول القديس بطرس الرسول فالإيمان أثمن من الذهب لذلك يُمحص بأتون التجارب إذن انتظر الرب فهو لابد أت ولو في الهزيع الرابع لا تضع توقيتا لمجيئه فهو له تدبيره الإلهـ فإنه يأتي في الوقت الذي يراه نافعًا لخلاصنا لما رآه التلاميذ ماشيًا على البحر ظنوه خيالاً ومـــن الخوف صرخوا، كما ظنته مريم المجدلية بعد قيامته إن مجيئه يفوق تخيلنا وتوقعاتنا ستجده ماشيًا على الماء أو متمشيا في أتون النار ووقتها حين تدرك حضوره وتحتمي فيه تقول: "جزنا في الماء والنار وأخرجتنا إلى الراحة". المشي على الماء ليس ضد قوانين الطبيعة بل هو فوق قوانين الطبيعة فالمسيح أخضع الطبيعة تحت قدمي إنسان العهد الجديد إنسان القيامة لقد عبر إسرائيل في العهد القديم في وسط الماء كاليابسة وصار الماء سورا عن يمين وعن يسار، فهل يكثر على المسيح (إسرائيل الجديد) أن يمشي فوق الماء صوت الرب بقوة صوت الرب علــى المياه" لما جاء إلى الأردن ليعتمد فيه، رأته المياه فخافت كقول المزمور. وأيضا ارتعدت أيضا اللجج" في مزمور آخر. بطرس الرسول:- أما القديس بطرس فإنه بتلقائية قال للرب: " إن كُنتَ أنت هو، فمرني أن آتي إلَيكَ ". لم يقل هذا على سبيل التجربة، فهو تلميذ الرب فكيف يجربه؟ ولكنه أراد أن يختبر إيمانه، وثقته في المسيح وحين مارسها مشى على الماء إذ كان إيمانه في قمة الثقة والتصديق. ولكن ألا يدوم هذا الإيمان فينا؟ سريعًا ما نضعف، ونتلفت ذات اليمن وذات اليسار وتجذب انتباهنا الرياح تلفحنا والموج الذي ندوسه فنهتز ويهتز قلبنا في داخلنا. وما كنا ندوسه بثقة ينقلب ضدنا ليحتوينا ويغرقنا. في ذلك نحتاج مراحم الله لكي تدركنا، ونحتاج يــــد المسيح لترفعنا حين نصرخ قائلين: "يارب نجنا". فيمد يــــده يرفع من الموت ويخلص من الهلاك ولكن الأمر لا يخلو من عتاب حنون لماذا" شككت يا قليل الإيمان؟!!". المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
28 أكتوبر 2023

إنجيل عشية الأحد الثالث من شهر بابه( مر 4 : 35 - 41)

" وقالَ لهُمْ في ذلك اليوم لَمّا كانَ المساءُ: لَنَجتَزْ إلى العبر. فَصَرَفوا الجَمعَ وأخذوه كما كانَ في السَّفِينَةِ. وكانَتْ معه أيضًا سُفنُ أخرَى صَغِيرَةٌ. فَحَدَتْ نَوْءُ ريح عظيم، فكانت الأمواج تضرب إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تمتلئ. وكان هو في المؤخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نائمًا. فأيقَظوهُ وقالوا له: يا مُعَلِّمُ، أما يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكَ؟ فَقَامَ وانتَهَرَ الرّيح، وقال للبحر: اسكُتْ إِبكُمْ فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وصارَ هُدوء عظيم وقالَ لَهُمْ: ما بالُكُمْ خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكُمْ؟ . فخافوا خَوْفًا عظيمًا، وقالوا بَعضُهُمْ لبَعض مَنْ هو هذا؟ فإنَّ الرِّيحَ أيضًا والبحر يُطيعانه ". المسيح في مؤخر السفينة نائما:- أمر عجيب أن يكون المسيح في مؤخر السفينة، هكذا أراد المسيح للتلاميذ أن يجوزوا هذا الاختبار الصعب، فهو رب السفينة ومدبر السفينة فكيف يكون في مؤخرها؟ولكنه في مرات كثيرة يود لو يجوز بنا فيما لا ترغبه نفوسنا ولا نريده، ولكن على كل حال طالما خضعنا لتدبير الله في حياتنا وسلّمنا له قيادة نفوسنا ففي جميع الظروف التي يجيزنا فيها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا الرسل الأطهار صيادو السمك لم تكن تعوزهم الخبرة بالأنواء وتقلبات الجو والأمواج والرياح المضادة، فهذه ليست المرة الأولى التي يركبون فيها البحر وليس من جديد على أن كثيرًا ما يريد الرب أن نختبر ضعف ذراع البشر لكي لا نكون متكلين عليها "لا" تتكلوا على الرؤساء ولا على بني البشر الذين ليس عندهم خلاص"فالرؤساء والمعتبرون وأصحاب الخبرات في كل المجالات لابد أن يدركوا أنهم في اللحظات الحرجة لا تسعفهم خبراتهم ولا غناهم ولا مراكزهم.أين ذهبت خبرة التلاميذ في الملاحة عندما هاج البحر؟ وعندما نصل إلى حد عدم الثقة في خبراتنا وإمكانياتنا وقوتنا حينئذ نتجه بكل قلبنا إلى طلب المعونة، فنجد عونًا في حينه "كان لنا في أنفسنا حكم الموت لكي لا نكون متكلين على أنفسنا لابد أن التلاميذ الأطهار بذلوا قصارى جهدهم وقاوموا حتى لم يبق أمل وأين كان المسيح لـــه المجد؟ إنه كان يراقبهم عن قرب فعيناه لا تغفل وإن بدا لنا نائما لقد كان السيد المسيح في مؤخر السفينة على وسادة نائما !! لقد سجل الروح هذا الأمر خصيصا لندرك أن الرب بالفعل شاركنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها لقد مارس المسيح بالجسد كل ما لنا بالطبيعة وهو إذ دخل إلى هذه الأفعال البشرية قدسها وباركها وأعطاهـا كمـــال قوتها "باركت طبيعتي فيك" فكما بارك طبيعتنا البشرية وجعلها واحدًا مع لاهوته ورفعها إلى أكمل وأجل صورة لها، هكذا في جميع الأفعال والأقوال التي تصدر من الطبيعة جازت تجليا إلهيـــا فى المسيح. فهو حين أكل بارك أكلنا فصرنا نأكل لمجد الله "إن كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا افعلوا كل شيء لمجد الله" فإن قيل عن رب المجد إنه نام فهو قد قدّس نومنا فصرنا إن نمنا أو استيقظنا فنحن له إن عشنا وإن متنا فنحن نحيا له ونموت له ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته، إن عشنا للرب نعيش وإن متنا للرب نموت إن عشنا وإن متنا فللرب نحن" ولكن لا يفهم نوم الرب أنه نوم الغفلة !! حاشا فهو إن نام حسب الجسد لكنه لا يغفل ولا ينام ولا تسهو عينه بــل هو دائم أزلي أبدي منزه عن الضعف، ولكنه قبل الضعف من أجلنا بإرادته الكاملة فهو بإرادته نام بالجسد وبإرادته تألم ومات بالجسد ولكننا نقول دائمًا "قدوس الحى الذى لا يموت الذي صلب عنا ارحمنا" والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل يمكن أن تهلك هذه السفينة أو يصيبها ضرر والمسيح في وسطها؟ طبعا الجواب هو هذا من رابع المستحيلات. فإن كان الأمر كذلك فلماذا الاضطراب إذن ولماذا تخور نفوسنا وتضعف في أوقات التجارب؟يكفي أن نتأكد أن مسيحنا موجود في سفينتنا وهذا وحده كفيل أن يجعل سلامنا لا يهتز مهما عصف بنا نوء التجارب أو تقاذفتنا أمواج بحر هذا العالم الهائج لابد أن تكون فينا هذه الثقة أنه طالما هو في حياتنا فلن يلحق بنـــا أذى أو يصيبنا ضرر فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟" صراخ الصلاة في وقت الشدة مسموع ومستجاب "ادعني وقت الضيق أنقذك فتمجدني"، وكلنا اختبرنا هذا الأمر وعندما نهرع إليه صارخين يسمع صراخ المساكين ويميل أذنه إلى طلبتهم قال الرب عن بني إسرائيل في القديم وهم تحت سخرة فرعون "سمعت أنينهم فنزلت لأخلصهم" صوت التلاميذ في أذني المعلم الإلهي وصراخ استغاثتهم دخل إلى مسامع رب الجنود وهذه الاستغاثة والصراخ إلى المسيح هــي بعينها الصلاة والطلب ، وقد جاء سؤال التلاميذ استنكاري دون قصد منهم لأنهم كانوا قد قاربوا الموت وقد لفهم الخطر فلا وقت لحساب في الكلام "لا يهمك أننا نهلك؟" حاشا. فأنت موضوع اهتمامه وحبه، ومن أجلكم نزل إلى الأرض واشترك في المشي مع الناس، ومن أجلكم أخذ صورة عبد، ومن أجلكم يتألم ويصلب ويرذل من رؤساء الكهنة وكتبة الشعب، ومن أجلكم صنع المستحيل وما فوق المستحيل وبعد كل هذا يقال "أما يهمك أننا نهلك؟" بل يهمه بالدرجة الأولى والعظمى، لقد جعل شعور رؤوسكم محصــاة فلا تسقط واحدة منها دون إذنه وأمره وقد أمن لكم الحياة فصارت حياتكم محسوبة له فمن يمسسكم يمس حدقة عينه، إذ كان مزمعا أن ينقش أسماءكم بالمسمار في كفه الإلهي فلا يجوز فينا هذا الفكر الذي راود قلب أورشليم فــــي القديم فصرخت تقول: قد تركني الرب وسيدي نسيني" فرد الرب عليها ببرهان الحق قائلاً "هل تنسى الأم رضيعها ابن بطنها ؟ حتى هؤلاء ينسين أما أنا فلا أنساك". فلا ترحم فقام وانتهر الريح وقال للبحر " اسكت" ابكم فسكنت الريح وصار هدوء عظيم من أين للريح آذان فتسمع صوته؟ ومن أين لموج البحر إدراك فيطيع ويفعل ما أُمــــر به؟ هو أمر يفوق الخيال ولا يستوعبه ذهن إنسان ولكن الريح والبحر هما صنع يديه فإذا شاء غيّر ما يريده في صنعته فتتغير الطبيعة محكومة بقوانين وضعها صانعها، ولكنه واضع القوانين ومغيرها إذا أراد فلنمجده على رحمته التي يدركنا بها من العلاء ونمجد وجوده معنا ونشكر فضله وإحسانه علينا وليقل كلمة في حينها الحسن فتهدئ روعنا والعواصف التي بداخلنا فيصير هدوء عظيم وسلام الله يملك على قلوبنا. المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
21 أكتوبر 2023

إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر بابه (مت 17 : 24 - 27 )

ولَمّا جاءوا إِلَى كفرناحومَ تقَدَّمَ الذين يأخُذونَ الدَّرْهَمَينِ إِلَى بُطرس وقالوا أما يوفي مُعَلِّمُكُم الدرهمين؟ قالَ: بَلَى فَلَمّا دَخَلَ البَيتَ سَبَقَهُ يَسوعُ قائلاً ماذا تظُنُّ يا سمعان؟ مِمَّنْ يَأخُذُ مُلوكُ الأَرضِ الجباية أو الجزيَةَ، أمِنْ بَنيهِمْ أم مِنَ الأجانب؟. قالَ لهُ بطرُسُ مِنَ الأجانب قالَ لَهُ يَسوعُ فَإِذَا البنونَ أحرار ولكن لنلا نُعثرَهُمُ اذهَبْ إِلَى البحر وألقِ صِنَارَةً، والسَّمَكَةُ التي تطلع أولاً خذها، ومَتَى فتحت فاهـا تجد إستارًا ، فخذهُ وأَعطِهِمْ عَني وَعَنكَ ". لئلا نعثرهم لم يجسر جامعو الجزية أن يتقدموا إلى الرب فيسألوه عن دفع الجزية ولكنهم تقدموا إلى بطرس وسألوه هكذا قائلين: "أما يوفي معلمكم الجزية؟". السؤال ينطوي على نوع من الامتحان وإن كانوا في قرارة أنفسهم يعرفون أنه ليس مفروضا على المواطنين أن يدفعوا لمستعمر جزية أو خراجًا، ولكنه الظلم السائد فـــي العالم وقانون القوة وليس قانون الحق فالقوي هـو صاحب السلطان والسطوة، والضعفاء يخضعون سواء كانوا أصحاب حق أو لا لم يرد القديس بطرس من نفسه، ولم يجب الرب لا السائل ولا أجاب بطرس ولكن عندما دخل البيت ســـــأل الرب بطرس قائلا ماذا" تظن يا سمعان ممن يأخذ ملوك الأرض الجزية أو الجباية أمن بنيهم أم من الأجانب؟" أجاب بطرس من الأجانب، فقال له يسوع: "إذن البنـــون أحرار تجنب الرب الحديث في العلن في هذا الأمر، وهو أمر سياسي اجتماعي لئلا يفهم أن المسيح قائد ثورة اجتماعية أو خارج على النظام السائد ولئلا يصير هذا الموضوع شغل الجماعة الشاغل، فيفهم من الناس أن هذا هو مســيا الخلاص من الاحتلال الروماني وأنه قائد ثورة التحرير والتمرد د على السلطات وعدم دفع الجزية وقد سئل يسوع مجربا لكي يزجوا به في حلقة السياسة قائلين هل يجوز أن تدفع الجزية لقيصر أم لا؟ فقال الرب: "ائتوني بدينار"، وهو العملة السائدة آنذاك، ثم سألهم عن الصورة والكتابة قالوا: "لقيصر"، فقال الرب : أعطوا" ما لقيصر لقيصر وما لله لله أما ما أسره الرب لبطرس فهو القاعدة التي أرســـــى الرب عليها كثيراً من التصرفات التي يجب أن يحياها أولاد الله. لم يكن مفروضا على المواطنين أن يدفعوا الجزية، فهم أحرار في وطنهم وليسوا مستعبدين. فمن حق بطرس أن لا يدفع... وأن يعصي هذه الأوامر المجحفة والقوانين التي جانبت الحق والصواب ولكن من هؤلاء الجباة الصغار الذين يطالبون؟ هم أداة تنفيذ ليس إلا وهم ليسوا واضعي قوانين فماذا يكون إذا أُعثر هؤلاء الصغار؟ ماذا يرون في هذا المعلم الذي اختشوا أن يسألوه؟ هـل يخضع للقانون أو يتمرد عليه؟ هكذا انحصر الأمر في عثرة هؤلاء الصـغار ، وهذا ما جعل الرب يقول لبطرس أن يلقي صنارته في البحر والسمكة التي تطلع أولاً تكون قد أتت بالأستار فـــي فمها فقال الرب لبطرس "ادفع عني وعنك" وهذا عجب العجب في تدبير الرب، ومن هـذا نلمــح بعض الأمور الجديرة بالتأمل:- أن الرب الذي أرسل تلاميذه بلا كيس وبلا مزود لــم يكن أيضا يقتني شيئا من ذلك غاية في الاتضاع والتجرد والمسكنة. قدرته الإلهية تفوق الوصف والإدراك فالخليقة كلها تطيعه البحر والسمك والعالم المادي أليست هـــي صنع يديه؟! من سخرك ميلاً لا تكتفي بما سخرك به، بل امش معه اثنين ضعف ما طلب ليس قسراً ولا قهرا ولا مذلة ولا شيء من هذه السلبيات، بل بكامل الإرادة والحريةوالعطاء والسخاء الإلهي والبذل والتنازل الإرادي. من لطمك على خدك حول له الآخر، من طلب ثيابك تنازل له عن الرداء هذا منهج المسيح الذي غلب به العالم لم ينازع العالم ولا مملكته تنازعت مع مملكة العالم لأن ملكوته فوقاني وليست مملكته أرضية مادية، ساعية إلى خير هذا العالم الزائل ولا طامعة فيه. أشياء كثيرة نفعلها طوعًا لئلا نعثر الآخرين القديس بولس الرسول تبع هذا القانون عينه في رسالته إلى أهل كورنثوس في موضوع ما ذُبح للأوثان فهو وإن كـــان لا يعتد مطلقا بوجود الأوثان ولا يعترف بها كأنها شيء ويستطيع أن يأكل لحما مهما كان الأمر وحتى لو كان قــــد ذبح للوثن، فضميره واثق أن الأكل في ذاته ليس شيئًا ينجس الإنسان المسيحي،حتى لو ذبحوا للوثن نفسه وكان حيوانا ولكن هناك الأخوة أصحاب الضمير المرهف الضعيف فلأجلهم قال القديس بولس الرسول: "لو كـــان أكل اللحم يعثر أخي ما أكلت لحما طول حياتي" فلأجل الآخرين الضعفاء نسلك بهذا التنازل الإرادي عمــا يكــون حتى لنا الذي يشغل بالنا هو ليس ما لنا، بل ما للآخرين، كيف نربحهم فرابح النفوس حكيم وكيف لا نعثرهم لأنهم أعزاء لدينا فإن كان الرب قد رسم منهجاً للحياة المسيحية في أمر إعطاء الجزية رغم أنها غير مفروضة على البنين ولكـــن لكي لا يعثرهم جعل بطرس يدفع هذا كان هـو السلوك المسيحي تجاه الغرباء (جامعي الضرائب) فكـم يكون السلوك تجاه الإخوة في المسيح!! أعتقد أن الذين يسلكون بحسب هذا القانون يصير المسيح ظاهرا فيهم ويستطيعون بنعمته أن يربحوا حتـــى الوثنيين والجاحدين لأن من لا يتحرك قلبه حينما يُعمل بهذا الأسلوب الإلهي الفائق حقا مغبوط هو العطاء أكثرمن الأخذ بقي أن نشير إلى أن فصل إنجيل القداس في هذا الأحد هو معجزة صيد السمك الكثير وهى الآية التي جعلت القديس بطرس الرسول يسجد عند قدمي يسوع ويقول: "اخرج من سفينتي يارب فإني رجل خاطئ" ومن هذه الساعة قال الرب لسمعان "من الآن تصير صيادًا للناس" فتحول مجرى الحياة من صيد السمك المــادي إلى صيد النفوس بشبكة الإنجيل لحياة الخلود فإن أشار إنجيل العشية إلى صيد السمكة الخاصة الحاملة إستاراً في فمها فهى تضاف إلى الخبرات ذات الطابع الخاص الذي لا يُنسى في حياة سمعان بطرس محترف الصيد.فهذه أصبحت حادثة فريدة له تحمل ذكريات تصحيح المنهج نحو السياسة والغرباء والعثرة والسعي إلى الميـــل الثاني وفي تفرد هذه الحادثة حفرت في ذاكــرة القــديس بطرس الرسول تعاليم المعلم الإلهي وتلك السمكة المُعدة لهذا العمل وكأنها حوت يونان أعدها الرب لمأمورية خاصة وكثيرا ما يعد الرب مثل هذه، فلما تحول سمعان إلى صيد الناس صارت عينه فرازة و ذهنه متوقد كمثل هذه السمكة التي تأتي وفي فاها خير جزيل، ولعلـه صــادف المئات من النفوس المُعدّة لخدمة المسيح بل الألوف ذات الإمكانيات الخاصة، والمواهب الفريدة لعمل تكميل إرادة المسيح وقصده هذا غير كثرة السمك الروحي التي صادفها في أول محاولة لإلقاء شبكة الإنجيل على الذين اجتمعوا حول الرسل في يوم الخمسين، وحين جذبها وإذا بها ثلاثة آلاف نفس شيء مهول وأشار إلى زملائه أن يساعدوه حتـــى يجذبها إلى شاطئ الأبدية فمع كثرة السمك هذه توجــــد السمكة الواحدة ذات المواصفات الخاصة والمرسلة خصيصا لخدمة خاصة فريدة.ليكن الرب العامل فينا ومعنا هاديًا لطريقنا مصححا لمنهجنا مالئًا شباكنا بصيد الروح بعد ما تعبنا الليل كله تلفنا ظلمته وبرودته ولم نصطد شيئًا. المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل