المقالات

27 مايو 2021

27- شخصيات الكتاب المقدس إيليا

" يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل وفرسانها" 2" مل 2: 12 " مقدمة تطرح قضية إيليا علينا سؤالا حيوياً يلزم أن نتنبه إليه بين الحين والآخر، وهو ما قيمة: الرجل!!؟ فى علم الإحصاء: الرجل الواحد يكتب واحداً مهما صغر أو كبر شأنه، وإن رجلين مهما يختلفان طولا أو عرضاً أو سناً أو مقاماً أو قوة أو نفوذاً، يحسبان اثنين!!... غير أن الأمر يختلف تماماً فى قصة الحياة!!؟... وقف القائد الإنجليزى نيلسون على بارجة من البوارج البحرية، والتف حوله الجنود، وهم يتحدثون عن قوة أعدائهم،... وإذا به يمسك بالمنظار المكبر، ويضعه على عينه المفقودة البصر، وينظر بها إلى الأمام، ويقول: إنى لا أرى أمامى أعداء!!... وهو يقصد السخرية والاستهانة بمن يحسبونهم قوة معادية وهو يراهم لا شئ أمامه،... فالإنسان فى نظره لا يحسب قوة معادية وهو يراهم لا شئ أمامه،... فالإنسان فى نظره لا يحسب بمجرد العدد، بل بالعدة والقوة، ويبدو أن إيليا كان يقصد شيئاً من هذا القبيل، وليس بالضرورة مع الأعداء، بل ربما مع الأصدقاء أيضاً،... فمع أن عوبديا حدثه عن نفسه، وكيف أمكنه أن يخبئ مائة من الأنبياء فى مغارتين، إلا أن إيليا عندما تحدث مع الرب بعد ذلك، لم يحسب حساباً لهؤلاء الأنبياء، ناهيك عما علمه بعد ذلك بأن هناك سبعة آلاف ركبة لم تجث لبعل، وكل فم لم يقبله، إذ أن إيليا لم ير أحداً يواجه الوثنية والفساد غيره: " بقيت وحدى "... وفى عرف أليشع كانت هذه الحقيقة واضحة وهو يصرخ عند صعود إيليا إلى السماء،... إذ لم ير فردا صاعداً أمام عينيه، بل رأى جيشاً بأكمله فى صورة فرد. مركبة إسرائيل وفرسانها "... وهو يذكرنا بما قاله أحد القواد لجنوده، عندما جاءوا يتحدثون إليه عن الكثرة الهائلة المتفوقة لجنود الأعداء على عددهم!!.. وكان سؤاله للجنود!!.. وبكم تحسبوننى أنا!!؟ كانت مارى الدموية تفزع من جون نوكس، وتفضل أن تلاقى جيشاً من عشرة آلاف رجل، على مقابلة الرجل الذى كتب على قبره... هنا يرقد الرجل الذى لم يهب فى حياته قط وجه إنسان!!.كان إيليا جيشاً عرمرما فى وجه آخاب وإيزابل، ومن هنا سنقرأ قصته ونعرف من هو، وما هى رسالته، وكيف يمكن أن تتكرر فى كل أبطال اللّه على كر العصور والأجيال!!؟ إيليا ومن هو كان إيليا من الشخصيات العظيمة التى كثرت حولها الآراء والتقاليد، إلى درجة أن الأساطير فى التلمود صورته بصورة فينحاس بن هرون، وقد عاد إلى الحياة مرة أخرى لينتقم لمجد الرب الذى حاولت إيزابل وآخاب أن يضيعاه من إسرائيل!!.. أو هو الملاك أو رسول الرب الذى صعد إلى السماء، بعد أن قدم جدعون تقدمته أمامه، فمسها بالعكاز وصعد فى لهيبها إلى السماء،... وهو الرجل الذى قلده الكثيرون من اليهود زعامة الأنبياء، والذى رن اسمه طيلة تسعة قرون فى صدور الإسرائيلين، والذى كانوا يضعون له كرسياً شاغراً عند ختان كل صبى فى إسرائيل، وعند الفصح، آملين أن يظهر بغتة فى مثل هذه المناسبات،.... والكلمة " إيليا " تعنى " إلهى يهوه " أو: " إلهى إله العهد " - أما " تشبه " التى ولد فيها فلا يعرف موقعها على وجه التحديد، فالبعض يقول إنها بلدة فى الجليل تقع فى سبط نفتالى، ولذا يعتقدون أن إيليا كان من هذا السبط، وأنه هو أو ربما أبويه، قد هرب إلى جلعاد من وجه الاضطهاد والوثنية أيام عمرى أبى آخاب، واستوطن هناك، ولذا دعى من مستوطنى جلعاد، بينما يعتقد آخرون أن تشبه هذه بلد فى جلعاد الواقعة شرقى الأردن تجاه السامرة، وأن إيليا ولد فيها، ووجد من رده إلى الأصل القينى كيوناداب بن ركاب فى أيام ياهو!!. ومهما يختلف الناس فى أصله أو نسبه، فإنه من الواضح أنه كان رجلاً جبلياً إذا صح التعبير، يألف حياة الجبال. وقد جاء المعمدان بعده، ليعيش فى البرية إلى يوم ظهوره لإسرائيل، وهذا النوع من الناس يتسم فى العادة بالخشونة والصلابة والشجاعة وقوة الاحتمال،... ومنهم الجاديون الذين فى أيام داود، وصفوا بالقول: " جبابرة البأس رجال جيش للحرب صافوا أتراس ورماح وجوههم كوجوه الأسود وهم كالظبى على الجبال فى السرعة. هؤلاء هم الذين عبروا الأردن فى الشهر الأول وهو ممتلئ إلى جميع شطوطه وهزموا كل أهل الأودية شرقاً وغرباً ".. " 1 أي 12: 8 - 15 " والكتاب يصف إيليا: " أشعر متنطق بمنطقة من جلد على حقويه ". " 2 مل 1: 8 ". والتقليد يقول: " إنه كان قصير القامة نذيراً، أسود الشعر يتدلى شعره على كتفيه فى شبه عرف الأسد "... ومع أننا لا نعرف كم استمرت فترة نبوته لإسرائيل، غير أن البعض يرجح أنها كانت عشرين عاماً، وأنه دعى للنبوة ومواجهة آخاب فى السنة الخامسة من كلمة، أو حوالى عام 920 ق. م. وأنه التقى بآخاب بعد مصرع نابوت عام 906 ق.م،وأنه صعد إلى السماء عام 900 ق. م.. إيليا وظهوره ظهر إيليا فجأة كالشهاب اللامع فى الليل البهيم... وأغلب الظن أنه كالمعمدان، عاش السنوات السابقة لظهوره فى البرية، وبين الجبال، يتأمل ماضى أمته العظيم، وكيف تحول كل شئ خراباً إثر مجئ إيزابل زوجة لأخاب الملك، وكانت إيزابل بنت اثبعل ملك الصيدونين، وكان أبوها كاهنا للبعل - كما يقول يوسيفوس - وقدوضعت خطتها من اللحظة الأولى لمجيئها إلى إسرائيل أن تبيد اسم اللّه من كل مكان، وأن تحل محله اسم البعل وعبادته، وهوت ابنة الشيطان على كل مقدس فى إسرائيل، هدمت مذابح اللّه، وقتلت الأنبياء، وأجبرت الناس على الانحناء للبعل وعشتاروث، وأحلت محل أنبياء اللّه أربعمائه وخمسين من أنبياء البعل، وأربعمائه من أنبياء السوارى، وكان البعل أبا الآلهة عند الفنيقيين ومصدر القوة والسيطرة والبهجة، والسوارى أو عشتاروث آلهة الخصب والشباب والجمال، ولم يستطيع إيليا وهو ينظر مأساة أمته، إلا أن يتحول ينبوعا من الحزن العميق والغضب الهائل، والمقاومة الجبارة،... وهل يمكن أن يكون غير ذلك، وهو الإنسان الذى كانت عبارته المفضلة: "حى هو رب الجنود الذى أنا واقف أمامه " " 1 مل 18: 15 ".. وهل يستطيع واحد منا وقد وقف أمام الرب الحى، ليرى بيتاً من بيوت اللّه، وقد كان عامراً بالأمس، مجيداً ينادى بمجد اللّه، وقد تحول اليوم خراباً تنعق فيه البوم والغربان، بسبب الخطية والشر؟، وهل يمكن أن يمر بهذا البيت دون أن يقول: " ياليت رأسى ماء وعينى ينبوع دموع فأبكى نهاراً وليلا قتلى بنت شعبى " " إر 9: 1 ". أليس هذا هو إحساس نحميا أمام أرتحشستا الملك: " فقال لى الملك لماذا وجهك مكمد وأنت غير مريض؟ ما هذا إلا كآبة قلب... وقلت للملك ليحيى الملك إلى الأبد. كيف لا يكمد وجهى والمدينة بيت مقابر آبائى خراب وأبوابها قد أكلتها النار " " نح 2: 2 و3 " وإلى جوار هذا الحزن امتلأ الرجل بالغضب الهائل، إذ أنه عاش طوال سنى خدمته يتقد غيره، وانطوت نفسه على ثورة لا تهدأ ولا تستريح،... وإن الغيرة المتقدة الآكلة، حولت قلبه إلى كتلة من لهيب، وثورة هائلة، لا تستطيع مياه الأرض كلها أن تطفىء سعيرها، ولظاها،.. هل لك اللهيب المقدس أيها المؤمن - وعلى وجه الخصوص - وأنت تعلم، أنه ليس شئ عند اللّه أقسى وأوجع من الحياة الفاترة إلى الدرجة التى تثير الغثيان: " ليتك كنت بارداً أو حاراً، هكذا لأنك فاتر ولست بارداً ولا حاراً أنا مزمع أن اتقيأك من فمى " " رؤ 3: 15 و16 " وقد تحول الحزن والغضب إلى مقاومة جبارة،... لقد كانت رسالته، فى لحمتها وسداها، مقاومة الشر والفساد والطغيان والعبادة الكاذبة،... وهل يستطيع أن يقف أمام الرب، ثم يواجه البعل، وتهدأ نفسه وتستريح،.. كانت روسيا القيصرية تبذل كل جهدها فى مقاومة المرسليات فى القرن الماضى فى أنحاء الامبراطورية التركية،... وقد حدث لقاء بين واحد من سفراء القيصر، وأحد رجال اللّه،... وقال السفير للمرسل: ينبغى ان أقول لك بكل صراحة أن سيدى القيصر لن يسمح للمرسليات البروتستانتية بأن تضع قدمها فى الإمبراطورية التركية، وقال المرسل رداً على ذلك: " ياصاحب الفخامة: إن سيدى الرب يسوع المسيح لن يسأل قيصر الروس أين يضع قدميه "... إن روسيا التى ضربها العفن والفساد هوى قياصرتها، ومجدهم، وبقى اسم المسيح، وسيبقى إلى الأبد، وقد أصدر السلطان عبد المجيد خان الفرمان الهمايونى فى شهر ديسمبر عام 1850، والذى أخذ به المذهب الإنجيلى فى مصر مركزه القانونى وقد نص فيه: " عند وصول أمرى العالى الشاهانى إليك ليكن معلوماً لديك أن طائفة النصارى من رعايا دولتى الذين تبعوا مذهب البروتستانت وسلكوا فيه حيث أنهم لغاية الآن ليسوا تحت نظارة مستقلة وأن بطارقة ورؤساء مذاهبهم القديمة التى تركوها بالطبع لم يعد لهم أن ينظروا فى أشغالهم ولذلك حاصل لهم الآن بعض المضايقة والعسر، وقد اقتضت أفكارنا الخيرية ومرحمتنا السامية الملوكية المشهورة فى حق كافة رعايانا من سائر الطوائف بأن لا ترضى عدالتنا الشاهانية بحصول التعب والاضطراب لأى طائفة منهم. وحيث أن المذكورين هم عبارة من جماعة متفرقة من سائر المذاهب، وبقى لإصلاح أمورهم والحصول على استتباب راحتهم، تعيين وكيل لهم من طائفة البروتستانت... وتباشرون جميع مصالحهم مثل سائر الطوائف من رعايانا، ولذلك تسهلون لهم جميع ما يلزم لمحال عبادتهم ولا ترخصوا لأحد من الطوائف الأخرى أن يتداخل فى مصالحهم وأشغالهم الأهلية والدينية، ولا يعارضهم أحد فى شئ من ذلك... إلخ "وقد شاء اللّه أن تأتى مقاومة إيليا للبعل وعشتاروث عن طريق المجاعة التى لابد أن تحل بالشعب بمنع المطر من السماء،... وكانت المجاعة أنسب أسلوب ليعرف الشعب من هو الإله الحقيقى، ومن هى الآلهة الباطلة،.. فإذا كان البعل وعشتاروث يشيران إلى الخصوبة والإثمار، ويعتبران السر وراء كل طعام وماء، فإن أفضل الطرق لإثبات كذب هذا الادعاء هو افلاسهما، وعجزهما عن أى مساعدة من هذا القبيل،... وفى الوقت عينه إعلان اللّه عن سخطه وغضبة ولعنته على التحول عنه وراء آلهة غريبة كما ذكر موسى فى سفر التثنية: " وتكون سماؤك التى فوق رأسك نحاساً والأرض التى تحتك حديداً، ويجعل الرب مطر أرضك غباراً وتراباً ينزل عليك من السماء حتى تهلك " " تث 28: 23 و24 " وكان لابد أن تطول المجاعة، حتى يحس بها الملك وإيزابل إحساساً عميقاً، وأكثر من ذلك يحس بها الشعب، حتى يدرك مدى الغضب الإلهى، وضرورة العودة والرجوع إلى شخص اللّه!!.. إيليا والعناية الإلهية وكان لابد لعناية اللّه أن تظهر وتعمل عملها مع إيليا فى قلب المجاعة، وكان على إيليا نفسه أن يأخذ بعض الدروس من المجاعة ولعل أول هذه الدروس هو أن المصلح لابد أن يشارك الشعب الذي يحاول إصلاحه متاعبه وضيقاته وآلامه، كان لابد لإيليا نفسه أن يجوع، ويعيش حياة الشظف مع الآخرين، وقد حق لأحدهم أن يتصوره يخرج ذات يوم ليشرب من نهر كريت: " وكان بعد مدة من الزمان أن النهر يبس لأنه لم يكن مطر فى الأرض "... " 1 مل 17: 7 ".. وظل ذلك اليوم ظامئا، وسار فى طريقه إلى أرملة صرفة صيدا، ومن حديثه مع المرأة وطلبه منها أن تعمل له أولا كعكة صغيرة، نحس مدى الجوع الذى وصل إليه،... ومع أن المجاعة لم تكن بسبب خطية ارتكبها هو، أو أن اللّه قد تخلى عنه فى إحسانه وجوده، لكنه مع ذلك كان لابد أن يكون شريكاً فى آلام قومه وشعبه، وهى ضريبة المصلح فى كل العصور والأجيال،... والدرس الثانى الذى كان لابد أن يتلقنه، هو الفرق بين الشجاعة والتهور، فقد كان عليه أن يختبئ عند نهر كريت، وقد تكون عناية اللّه مرات كثيرة بتخبئة المعتنى به من وجه الشر، وقد خبأ اللّه إرميا من وجه الأعداء، ورأى بولس عناية السيد، عندما أنزل فى زمبيل من سور دمشق،... وهى العناية التى تملك الوسائل الطبيعية والمعجزية، الظاهرة والخفية، الكبيرة والصغيرة ومن الواجب أن نراها ونقبلها بالشكر ولا يجوز قط أن تبعدنا هذه العناية عن الحكمة والواجب إلتماسها، بدعوى أنه مادام اللّه معنا، فلا يجوز أن نلجأ إلى هذا التحفظ أو غيره من الأساليب أو الصور،على أنه يلزم أن نعلم، على أية حال، أن عناية اللّه فى المجاعات تستطيع أن تشق الطريق، مهما كانت العوائق والحواجز، ونحن نرى العناية هنا تسلك سبيلا عجيباً، سواء فى الانتصار على الغرائز أو فى قلب الأوضاع رأساً على عقب،... وقد مد اللّه عنايته لإيليا أولا عن طريق الغربان التى كانت تأتيه بالخبز واللحم مرتين كل يوم صباحاً ومساء،... وهذه الطريقة المثيرة جعلت البعض يتصورون أن كلمة الغربان " يمكن أن تترجم " العربان أو رجال البادية الذين كانوا يمدون إيليا مرتين، وقالوا إن الأصل العربى كالعبرى يصح معه مثل هذه الترجمة، وهذا تفسير واه ضعيف، وليس أقل ضعفاً منه ذلك التفسير بأن الكلمات رمزية تشير إلى أنه كان يأكل بوفرة فى المجاعة،... ولعل الصعوبة عندهم هى أن غريزة الغراب الأولى هى الخطف وأنه يأخذ ولا يعطى،... وهذا فى عقيدتى، هو السر فى استخدام اللّه له، ليثبت جلاله ومجده فى السيطرة على الغرائز، فهو يعطيك من حيث لا تدرى وهو يفنيك بتغيير مجرى الغرائز فى العجماوات أو البشر على حد سواء، وأنه يمكن أن يجعل القاسى ودوداً، والشحيح سخياً، والشره باذلا، والآخذ معطياً، ويده لا تقصر عن استخدام الجماد والحيوان والإنسان فى إتمام قصده ومشيئته،... فإذا تلقن إيليا هذا الدرس، فإنه يعطيه درساً آخر، ليؤكده من وجه ثان، إذ ينقله من إسرائيل إلى صرفه صيدا، الواقعة فى أرض أثبعل أبى ايزابل، الأرض التى لا يمكن أن يخطر ببال إنسان أن إيليا يلجأ إليها، ويأتيه المدد من امرأة أرملة أممية معدمة، تقف على الخط الفاصل بين الحياة والموت، لتقش عيداناً، لتعمل لقمة تتبلغ بها مع ابنها، ثم يموتان... وهكذا تأتى العناية عن طريق الجائع المسغب الذى يهلك جوعاً، وليس هناك من قلب للاوضاع فى الدنيا مثل هذا القلب، فالرجل تعوله امرأة، والمرأة ليست إلا أرملة، والأرملة ليست إلا الفقيرة المعدمة التى لا تملك قوت الحياة!!.. ذهبت المرأة لتسعف إيليا بجرعة ماء، وتعتذر عن تقديم كسرة خبز له، وتكشف عن آخر مكانها مع اللقمة الباقية، ولكن إيليا رجل اللّه مع ذلك يطلب، ويطلب كعكة صغيرة أولا،... يريد أن يعلمها أن حق اللّه يسبق كل حق،... وأنك يوم تعطى اللّه، ولو شيئاً صغيراً مما تملك، فإنك ستعثر على سر ينبوع البركة وستعرف سيلا من الزيت لا يمكن أن ينتهى حتى تنتهى المجاعة من الأرض!!.. عندما نقف أمام عناية اللّه، ينبغى أن نلغى من الذهن البشرى كل مفهوم للحساب الأرضى، وقواعده، وأصوله، وذلك لأن هذا الحساب يستطيع أن يعطى صورة جيدة للمنظور، ولكنه يعجز تماماً عن أن يدخل إلى بحر غير المنظور، ويقيم هناك حسابهن،... ولعل اللّه أراد أن يعطى إيليا درساً ثالثاً أبعد وأعمق من الدرسين السابقين،... فإذا بابن الأرملة يموت، وإذا بالمرأة تعجز عن أن تفسر موته، إلا أنه عقاب على خطايا سابقة ربما عملتها فى أيام الصبا،... سقط السلاح من يد المرأة، وذهب الولد الذى كان رجاءها وتعزيتها فى الأرض،... ورفض إيليا هذا المنطق، فهو لا يعتقد أن اللّه يمكن أن يجازى المرأة هذا الجزاء،... وهو يصرخ إلى الرب بلغة من أغرب اللغات وأجرأها، تلك التى يتعود أبناء اللّه الاتجاه فيها إلى سيدهم فى لحظات الضيق والشدة والألم: " أيها الرب إلهى أ أيضاً إلى الأرملة التى أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك إبنها.. يارب إلهى لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه " " 1مل 17: 20 ت 21 "هل تستطيع أيها المؤمن أن ترفع كل تحفظ بينك وبين اللّه؟، وهل تستطيع – كابن اللّه – أن تعبر بأعمق تعبيرات النبوة، إلى الدرجة التى تقول فيها مع موسى: " فرجع موسى إلى الرب وقال يا سيدى لماذا أسأت إلى هذا الشعب؟ لماذا أرسلتنى؟ " " خر 5: 22 "... ومع إيليا: " قد أسأت بإماتتك ابنها "..!!؟... ألا يقبل اللّه التعبير المخلص، حتى ولو بدا خشناً قاسياً!... بلى! إنه عنده أفضل من التعبير المهذب المرائى، الذى لا يتحدث بعمق الحب المتألم المخلص العميق!!؟.. إن اللّه يفضل أن نأتى إليه بالإخلاص، مهما بدا هذا الإخلاص ضعيفاً أو خالياً من العبارة المصنوعة أو التعبير المتكلف،... إنه يريد أن تعانق روح المؤمن مع روحه فى الحب والألم والشركة المخلصة، مهما كانت الظروف التى نعيش فيها!!.. وسمع اللّه لإيليا وأرجع الولد،... الذى يقول تقليد - لا يعلم إن كان صحيحاً أو غير صحيح - إن الغلام كبر ليكون يونان النبى الذى أرسله اللّه إلى نينوى الأممية... على أنه على أية حال، كان هذا النوع من العناية مقوياً ومشدداً للأرملة وللغلام ولإيليا،... وكان درساً خالداً فى كل الأجيال لكل الذين يتطلعون فى أرض الآلام والمتاعب والمجاعات، إلى ينابيع العناية الإلهية التى لا تنضب. أو تنفد أو تفيض!! إيليا والمعركة على جبل الكرمل ولعله من المناسب أن نذكر هنا ان إيليا لم يذهب إلى آخاب، بل إن آخاب ذهب للقاء إيليا،... وهذا هو الفارق العظيم بين الرجلين، أن إيليا يعلم أنه أعظم من آخاب، بذات الصورة التى رأى فيها بولس نفسه وهو يقول للملك أغريباس: " كنت أصلى إلى اللّه أنه بقليل وبكثير ليس أنت فقط، بل أيضاً جميع الذى يسمعوننى اليوم يصيرون هكذا كما أنا ما خلا هذه القيود " " أع 26: 29 " إن قيمة الإنسان الحقيقية لا تظهر فيما يملك من متاع أو ما يلبس من ثياب فاخرة، أو ما يحيط به من الخدم أو الحشم، أو مظاهر العظمة أو القوة، إن قيمته الحقيقية تكمن فى شخصيته ونفسه،كان إيليا أشعر، يتمنطق بمنطقة من جلد، وعندما ركض أمام آخاب، سار ما يقرب من ستة عشر ميلا على قدميه،... لم يكن له مركبة آخاب أو ثيابه أو بهاؤه أو مظهره، ولكنها هذه جميعها، ليست إلا الغلاف الذى يغطى الحمقى والأشرار فى الأرض!!.. أما جوهر الإنسان ففى قلبه المرتبط باللّه، وهو الذى يمكن أن يعطيه أعظم قيمة فى هذا الوجود!!.. وفى اللقاء بين الملك وإيليا كان آخاب الإنسان الأحمق الذى غطت الخطية الحقيقة عن عينيه وقلبه،... فهو يرى الذنب كل الذنب فى إيليا: " ولما رأى آخاب قال له آخاب: أ أنت هو مكدر إسرائيل؟ " "1مل 18: 17 ".. وهو لا يستطيع أن يرى خطية واحدة فى نفسه، أو فى الشعب الذى ترك اللّه،.. أو عبادة البعل وعشتاروث التى كانت سر النكبة والكارثة والمجاعة!!!.. وهى الصورة الدائمة للبشر، فهم يدفعون عن أنفسهم النتيجة: التى لابد أن تكون لخطاياهم،... وهى فى نظرهم الظروف السيئة أو أخطاء الآخرين أو القسوة التى لا مبرر لها من اللّه!!... ولم يخف إيليا من أن يضع الصورة الصحيحة للمأساة كلها إذ قال: " لم أكدر إسرائيل، بل أنت وبيت أبيك، بترككم وصايا الرب وبسيرك وراء البعليم " " 1 مل 18: 18 "... وقاد إيليا الجميع إلى المعركة الفاصلة على جبل الكرمل.. وكان لابد من أن تدرك الأمة - عن بكرة أبيها - من هو الإله الحى الحقيقى وحده، ومن هى الالهة الزائفة الباطلة الكاذبة!!؟ والبينة على من ادعى!!؟.. فإذا زعم إنسان أنه فيلسوف أو شاعر، فالبرهان يظهر فى فلسفته أو شعره،... وإذا قال أنه رجل فإن أعمال الرجال تظهره، وإذا ادعى أنه نبى مرسل من اللّه، فإن أقوال النبى أو أعماله هى التى تشهد له!!.. وقد وقف إيليا وحده فى مواجهة ثمانمائة وخمسين نبياً للبعل وعشتاروث، ولم تكن الكثرة دليلا على الحق أو الصواب الذى يزعمون أنه فى جانبهم،... وأعطاهم إيليا الفرصة الكاملة أولا دون أن يستطيع صراخهم أو جراحهم التى سالت من أجسادهم بسيوفهم، والتى ظنوا أنهم يرضون الآلهة بها،.. لم تستطع أن تعينهم فى شئ وسخر إيليا منهم سخرية الواثق بإلهه، وكانت سخريته لاذعه، فى قوله ك " ادعوا بصوت عال لأنه إله. لعله مستغرق أو فى خلوة أو فى سفر أو لعله نائم فيتنبه ".." 1 مل 18: 27 ".. ومن الغريب أن هذا التحدى لم ينته بعصر إيليا، فإن البعل يذهب ويجئ فى العصور كلها، حيث يستبدل اللّه بآلهة غريبة، أو كما قال أحدهم: " إن البعل العصرى هو ما يعبده الناس من ثروة أو شهوة أو جاه، أو مجد عالمى أو راحة مادية،... وهم يضعونها فى مواجهة البر والأمانة والحق وكل ثمار الروح القدس فى الإنسان الباطن "!!.وإذ عجز الأدعياء عن أن يثبتوا ادعاءهم، تقدم هو ورمم بالاشتراك مع الشعب مذبح الرب المنهدم، وقدم الذبيحة بما لا يدع مجالا للشك أو التساؤل أو الخداع، إذ أنه لم يرتب الحطب والذبيحة فقط، بل صب ماء كثيراً حتى لا يقال إن النار المشتعلة حدثت عن طريق خداع بشرى، وأبصر الشعب جميعاً النار التى أتت من السماء لتلتهم كل شئ. على أنه من الملاحظ أن النار لم تنزل إلا بعد صلاة النبى، وهكذا فى كل حين يشجع اللّه أبناءه ليحسوا بكيفية اختبارية بينه وبين العالم، وهو مستعد أن يظهر ذاته لهم وللعالم أجمع، بصورة لا تحتمل اللبس أو الإبهام!!.. ألم يقل عرافو فرعون أمام ضربة البعوض: " هذا إصبع اللّه " "خر 8: 19 "... وإذ رأى الشعب المعجزة بلغ بهم الانفعال ذروته وسجدوا على وجوههم أمام اللّه، واشتركوا مع إيليا فى ذبح أنبياء البعل على نهر قيشون!!.. ومع أن هذا الانفعال كان قصيراً ووقتياً، إلا أنه - على أية حال - عرف الجميع من هو الإله الحق، ومن هى الآلهة الباطلة!!.. إيليا وآخاب عند كرم نابوت اليزرعيلى بعد أربع سنوات أو خمس من القضاء على أنبياء البعل، عاد إيليا ليلتقى بآخاب عند كرم نابوت اليزرعيلى، وكانت يزرعيل إلى الشمال من السامرة بما يقرب من العشرين ميلا، وعاد الشر إلى جولة أخرى مع الخير، وآخاب يزداد سوءاً ومصيره يزداد بشاعة، وذهب آخاب إلى الكرم ليرثه، والتقى به إيليا هناك، ليقول له: " هل قتلت وورثت أيضاً؟ " "1مل 21: 19 ". ويا له من ميراث رهيب! "... والحقيقة المحزنة هى أن الميراث الرهيب من الجائز أن يصل إليه الإنسان فى أرض الفساد والظلم، رغم كافة الحواجز التى يمكن تجاوزها أو تجاهلها أو تخطيها بكل قوة وعنف.طلب آخاب كرم نابوت لكى يحوله إلى بستان بقول، وقال له إنى مستعد أن أعطيك ثمنه أو كرماً أحسن منه، وكان يمكن لنابوت أن يرضى لولا أن الشريعة تمنع ذلك إذ لا يجوز لإنسان أن يتصرف فى ميراث آبائه، وأغلب الظن أنه قال للملك: " كان بودى أن أفعل ذلك، ولكن أمر اللّه يمنعنى من التصرف فى أرض الميراث "، وذهب آخاب إلى بيته مغموماً " وامتنع عن الطعام، ونام محزوناً كئيباً، وإذا بإيزابل تأتى إليه وتستفسر عن سر حزنه، ثم تسخر منه لأنه وهو ملك لا يستطيع أن يزيل عقبة كهذه، وأمكن للملكة عن طريق الشر أن تحصل على الكرم، هذا هو الفصل الأول من القصة،... وهو فصل يتكرر كثيراً فى الحياة.. قال السيد: " لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك. وكثيرون هم الذين يدخلون منه " مت 7: 13 ".. إن طريق الشر واسع ميسور فيمكن أن تحصل علي ما تريد، ولا يحتاج الأمر إلا إلى كذبة أو غش أو خداع أو تدليس، أو شئ يعمل فى الظلام. وقد ينجح الشر فى الجولة الأولى من المعركة، ولكنه هيهات أن يكسب المعركة الأخيرة.. يقول المرنم: " لا تغر من الأشرار ولا تحسد ععمال الإثم، فإنهم مثل الحشيش سريعاً يقطعون، ومثل العشب الأخضر يذبلون!!.. "مز 37: 1 و2 " ومع أن الميراث الرهيب أمر ممكن وجائز فى الأرض، إلا أنه تلحق به حقيقة أخرى، أنه دائماً مخجل،.... واعتقد أن آخاب أحس الكثير من الخجل وهو فى طريقه إلى الكرم لرؤياه.. لقد اكتشف فيه نفسه، واكتشف فى هذه النفس أشياء كثيرة تنكس الرأس. لقد اكتشف طمعه، وكذبه، وظلمه،.. كان آخاب ملكاً يملك أعظم القصور والبساتين، وكانت لديه بساتين وكروم متعددة، ولكن هذه لا تساوى شيئاً طالما هو غير مستطيع أن يحصل على كرم نابوت!! يا للنفس البشرية التى لا تشبع، والتى تتريد أن تأخذ لنفسها كل شئ!!. إننا نقيس أمورنا لا على حساب حاجاتنا، بل على حساب جيراننا، إذ لا أريد أن يظهر مجد إلى جانب مجدى، أو سلطان إلى جانب سلطانى، أو نفوذ إلى جانب نفوذى، وكل بساتين الدنيا أو كرومها لا تساوى البستان الصغير الذي يملكه جارى،... يا له من طمع مخجل!.. بل يا له من ميراث قبيح! ذاك الذي لا أستطيع الحصول عليه إلا بالكذب والخداع والغش.. نادوا بصوم، والمناداة بالصوم لا تحدث إلا إذا حدث أمر رهيب، والأمر الرهيب أن نابوت جدف على اللّه والملك، فياله من مجرم، ويا لها من خطية شنيعة، وها اثنان يشهدان أمام الشيوخ، وها المحاكمة كلها تتم فى جو من الكذب، وآخاب يعلم ويطأطئ رأسه خجلا، بل هو يعلم أنه حصل على هذا الميراث بغير حق أو عدل، بل حصل عليه بظلم صارخ،.. ما أكثر الذين يأخذون من الناس مواريث متعددة، ولكنهم يدفعون فى سبيلها أثمان باهظة، إذ يدفعون المبادئ الروحية والأدبية: يدفعون الحق والشرف والكرامة والنبل والإباء والعدالة!!، وهل تستحق كروم الدنيا كلها - لا كرم نابوت فحسب - هل تستحق أن يدفع فيها مثل هذا الثمن؟!!... فإذا أضفنا إلى هذا كله، أن الميراث كان ميراثاً مقلقاً!!.. ذهب آخاب ليستمتع بالكرم الذي ورثه، ولعل الكرم كان جميلاً ظليلا، وكانت عناقيده حلوة ولذيذة، وكان موقعه بديعاً، وآخاب يستطيع أن يملأ نظره منه، ويفيء إليه سعة الحر والهجير، بل يستطيع أن يأكل منه ما يشاء دون أن يمنعه أحد، فهل استراح الملك وأكل؟، لقد أضحت الظلال ظلاماً، والعناقيد علقماً، والكرم سجناً رهيباً، إذ سمع صوت اللّه العادل هناك: !! هل قتلت وورثت أيضاً "!! لقد ظهر نبى اللّه فى لحظة السرور والبهجة والتمتع،.. يقولون إنه قبل أن يذهب إلى الكرم ثار عليه ضميره، وحاول إسكاته بالقول: لم أصنع شيئاً!!؟ فأنا لم أحاول اغتصاب الكرم.. لقد عرضت عليه ثمناً سخياً فأبى!!.. لقد عرضت عليه كرماً آخر أحسن منه مقابله فرفض.. ولم أفعل أنا شيئاً ضده، فلم أتدخل فى الأمر، بل تدخل غيرى، كما أنه يستحق الموت لأنه عصى أمر مليكه، ولكن صوت اللّه جاءه لينسب إليه القتل كيفما كان، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة!!.. فالرضا على الظلم، هو بعينه الظلم، والقتل بأمر آخاب أو بأمر إيزابل أو بأمر الشيوخ، هو الدم الذي يتحمله آخاب أولا وأخيراً!!.. لم يتمتع الرجل بالكرم كما كان يشتهى، لأنه فى قلب الكرم سمع عن مصيره المفجع، ومصير بيته، ولولا أنه اتضع ومزق ثيابه وصام، لجلب اللّه عليه العقاب سريعاً، ولكن بقية من رحمة اللّه آتية فلم يحدث كل الشر فى حياته، ولو أنه تاب مع إيزابل لنجيا، ولكنها لم تتب، فدمرت بيتها بيديها وأضحت قصتها مثلا تذكره الأجيال بالخوف والفزع والرهبة!!.. قيل إن أحد ملوك انجلترا أراد مرة أن يستولى على حديقة كنيسته ليكمل بها قصره، فسأل رئيس الوزراء: كم تكلف هذه الحديقة.. فأجابه: إنها تكلف ثلاثة تيجان.. تاج انجلترا، وإيرلندا، واسكتلندا، أى أن محاولة أخذها ستقلب العرش، وكان هذا كافياً لإقلاع الملك عن فكرته!!.. أجل " مخيف هو الوقوع فى يدى اللّه الحى!!.. " عب 10: 31 ".. إيليا والمركبة السماوية من المعتقد أن خدمة إيليا استمرت حوالى عشرين عاماً، كانت الخمسة عشر أو الستة عشر عاماً الأولى منها عاصفة، ممتلئة بالثورة والصراع، وهو أشبه بالخادم الميثودستى، الذي اشتكوا من صوته الصارخ فى المنبر، وإذ به يجيبهم: " أنا لا أغنى لتنويم الأطفال، بل أنا أحطم الصخور ". وكانت رسالة إيليا تحطيم صخور الوثنية والشر التى ملأت كل مكان... ومع أننا نعلم أنه أصيب بصدمة قاسية غداة قتل أنبياء البعل، وهى رد الفعل للنجاح العظيم فوق جبل الكرمل، إذ أن إيزابل هددته بالقتل،.. ولم يجد من الشعب الذي آزره فى ذبح الأنبياء الكذبة، ما يشجعه على مواجهة الشريرة الطاغية، التى مازالت تمسك بزمام الأمور فى الأمة كلها، كان إيليا تحت الرتمة شيئاً يختلف تماماً عن إيليا فوق جبل الكرمل، وهى النفس البشرية المتلونة والتى لا تثبت على حال، فهى تارة فى أعلى جبال الشركة مع اللّه ثم لا تلبث أن تهوى تارة أخرى إلى بالوعة اليأس،.. ولكن شكراً للّه، الذي أرسل ملاكه إليه تحت الرتمة، دون أن يناقشه فى شئ، فقد كانت نفسه ممتلئة بالمرارة والأسى واليأس والقنوط، والتوتر يملأ عواطفه، والانفعال لا يعطيه أية فرصة للمناقشة الهادئة الساكنة، وكان علاج اللّه لنفسه أن يطعمه ويريحه، حتى يهدأ ويسكن، قبل أن يتكلم إليه أو يحاجه أو يسأله... وهى الحكمة الإلهية التى ينبغى أن نتعلم منها، كيف نعالج الثورات النفسية عند الآخرين " فالأفضل أن ننتظر، حتى تستريح أجسادهم ونفوسهم، قبل أى حديث أو مناقشة،.. كان عمل اللّه الوحيد أن يطعم إيليا ويريحه، وينتظر أربعين يوماً قبل إن ينقاشه على جبل اللّه حوريب قائلا: " مالك ههنا يا إيليا؟. "" 1مل 19: 9 " ومن الغريب أنه فوق جبل اللّه حوريب فى سيناء أدرك إيليا الحقيقة التى غابت عنه طويلا، إن الصوت المنخفض الخفيف، وليس صوت الريح أو الزلزلة أو النار، هو الأكثر تأثيراً وقوة وفاعلية، إن الثلاثة الأصوات الأولى ليست فى حقيقتها، سوى المهد للصوت الأقوى والأعمق والأبعد أثراً، صوت الحب والحنان والرحمة والإحسان والجود والغفران، أو فى لغة أخرى هو صوت الصليب، الصوت الذى تحدث به موسى وإيليا مع المسيح فوق جبل التجلى: " وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وإيليا، اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذى كان عتيداً أن يكمله فى أورشليم " " لو 19: 30 و31 " لقد أهلك اللّه العالم بالطوفان أيام نوح، وأباد اللّه سدوم وعمورة بالنيران، وذبح إيليا أنبياء البعل، ومع ذلك فالخطية لا تزال تفتك بالبشر، وهى فى حاجة إلى أصوات أخرى أفعل من العواصف والزوابع والنيران والزلازل، إنه صوت اللّه المنخفض فى الصليب،... وعاد إيليا إنساناً من حوريب يختلف، إلى حد بعيد، عما كان عليه أولا، يمسح حزائيل ملكاً على آرام، وياهو بن نمشى ملكاً على إسرائيل، وأليشع بن شافاط نبياً عوضاً عنه ودخلت إلى حياته حلاوة أعمق وأجل،... وأضحى أشبه بشجرة عنب فى إنجلترا ربما هى أكبر شجرة من نوعها، وهى قديمة، وقد لاحظ أحدهم أن عنبها أصغر من المعتاد، وسأل لماذا يبدو حجم الحبة من العنب أصغر وأجابة البستانى: إنه أصغر لأن الشجرة قديمة عجوز، ولكن لا يوجد ما هو أحلى من هذا العنب على الاطلاق، "عاش إيليا سنواته الأخيرة أهدأ وأجمل وأقوى، وأخذ يشرف على مدارس الأنبياء،... وجاء اليوم الذى وصفه جوزيف باركر كدرس من أعظم دروس العناية، وهو: " لا متى يذهب إيليا، بل متى يأخذه اللّه الذى يعلم متى تنتهى خدمتنا ورسالتنا " أو فى لغة أخرى: إن اللّه يعلم متى يأخذنا إلى حقل آخر أعظم وأجمل، وإلى فرصة أوسع: " من عشرة أمناء إلى عشر مدن "... وها نحن نرى الرحلة الأخيرة لإيليا فى الأرض، التى تنقل فيها من الجلجال إلى بيت إيل إلى أريحا، أو قرابة ثلاثين ميلا " وأغلب الظن أنه كان يريد زيارة ثلاث مدارس للأنبياء هناك، ويتزود بالنظرات الأخيرة للارض التى أحبها وخدم فيها، قبل أن يصعد إلى السماء، وقد لازمه ورافقه فى الرحلة أليشع، وأبى أن يتخلى عنه البتة، رغم أن إيليا ألح عليه أن يبقى حيث هو،... ونحن نسأل لماذا أراد إيليا أن يمكث أليشع فى المكان الذى كان فيه!!؟ هل لأنه كان لا يريده أن يتخلى عن عمل كان يقوم به عند بدء الرحلة!!... أم لأنه أراده أن يكون بين بنى الأنبياء فى واحدة من المدارس الثلاث!!؟... أم لأنه كما هو الأرجح أراد أن يختبر معدنه وصلابته، قبل أن يرحل عنه، وفى الوقت عينه أن يختلى باللّه الذى سيذهب إليه بعد قليل!!... على أية حال لقد أصر أليشع على مرافقته، كما ينبغى للخادم الأمين أو الصديق الوفى، أو الجندى الذى أوشك أن يحمل العلم ليؤدى الرسالة الموضوعة عليه،... وها نحن نراهما الآن يصلان إلى الأردن، ويلف إيليا الرداء ويشق الأردن به، ويعبر كلاهما، ويسأل المعلم تلميذه ماذا يريد قبل أن يؤخذ منه!!؟ ويصر التلميذ على أن يقف من المعلم موقف الابن البكر الذى يأخذ نصيب اثنين حسب الشريعة الإسرائيلية، ولما لم يكن لايليا شئ من متاع الأرض، ولما كانت الطلبة روحية، قال له إيليا: " صعبت السؤال "!!... " 2 مل 2: 10 " وذلك لأن الطلبات الروحية، عطية من اللّه، وليس هبة من إنسان!!... وهى تؤخذ بالعين الروحية المفتوحة، فإن رآه يؤخذ منه، كان هذا دليلا على أن اللّه سيعطيه هذا النصيب، نعود فنشير إلى أن أليشع لا يقصد أن يكون له ضعف ما كان إيليا، بل أن يأخذ نصيب البكر من الأولاد،... وفتح اللّه عينى إليشع، وسقط رداء إيليا عنه، فأخذه وأخذ نصيب إثنين من روحه، بعد أن مزق ثيابه، " وهو يصرخ يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل وفرسانها "، " 2مل 2: 12 " وهو كما أشرنا أولا لم يره فرداً واحداً، بل جيشاً عرمرما، والقائد المسيحى الغيور الشجاع سيبقى دائماً هكذا، سواء فى الدفاع أو الهجوم لمجد اللّه،... ومع أن إبراهيم، وداود، وايليا، وبولس، وأثناسيوس، ولوثر وويسلى، وأمثالهم - لا يظهرون إلا نادراً فى موكب العصور، لكننا نصلى لعل واحداً منهم يظهر فى أيامنا هذه فى عظمة الأبطال الخالدين، ويمكن أن نقول قبل أن يؤخذ منا فى مركبة السماء: " يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل وفرسانها"..
المزيد
16 مايو 2021

خبز الحياة (الأحد الثانى من الخماسين)

أنا هو خبز الله النازل من السماء المعطى الحياة للعالم الجسد المحييى – أسرارة الإلهيه غير المائتة – خبز الخلود –مصل عدم الموت فى سفر الإعمال معلمنا بولس أطال الحديث حتى الصباح وسقط أفتيخوس الشاب وكانوا يكسرون الخبز وتقابل الموت مع الحياة وغلبت الحياة لان الاضعف يغلب من الاقوى وقام الشاب التناول ينقل لنا بركات القيامه وتجد أحاد الخماسين تتدرج بك وتكلمك عن لوازم رحله الملكوت الإيمان الخبز الماء النور الطريق الصعود الروح القدس الخبز هو ضرورة الحياة العيش المسيح خبزنا طعامنا معيشتنا سر بقائنا التناول ينقل بركات القيامة فيعطى غلبه على الجسد الخطية الشيطان الموت الجسد تتحد أجسادنا المائتة مع غير المائت فماذا تصير تتغير طبيعتها (تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك وتتحد نفوسنا بألوهيتك) قسمه ياحمل الله وهبت لنا أن نأكل جسدك علانيه أهلنا للإتحاد بك سراً وهبت لنا أن نشرب كأس دمك ظاهراً أهلنا أن نمتزج بطهارتك سراً الجسد المأخوذ من التراب والمائل إلى الشر يصير جسد يميل إلى الإلاهيات ويرتفع عن أمو الأرض يصير جسد إفخارستى جسد تتبدل طبيعته ويكتسب طبيعه جديدة الخطية الخطيه خاطئة خدا ً وصارت مرضاً متأصلاً فى طبع الإنسان ولكن ماذا يفعل التناول ينقل بركات الخلاص يصرخ الكاهن ويقول يعطى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه – إننا نأخذ الجسد الذى مات وقام الجسد الذى جعله واحداً مع لاهوته بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير فهو جسد له سلطان محو الذنوت بالفكى البشرى توجد مواد مذيبه للدهون ومواد مزيله للبقع ومواد تصبغ أراد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح أن يكون وسيله غفران الخطايا هى الأتحاد بجسدة ودمه الأقدسين خبز الله القوت السماوى الذى أكله يحيى النفوس ماذا لو لم يعطينا المسيح جسده ودمه كانت خطايانا تتراكم كيف تنتقل إلينا بركات الفداء هل بالإيمان فقط أم لابد أن يدخل إلينا مريض يحتاج إلى دم لإنقاذ حياته لايكفى أن يؤمن أن الدم ضرورى ولا مجرد ينظر لابد أن يدخل جسمه ويتحد به الصليب صنع الخلاص والقيامه أعطت حياة معلمنا بولس يقول الذى مات لأجل خطايانا قام لاجل تبريرنا وكما نقول فى المديح اكله يحيى النفوس دم يسوع إبنه يطهر من كل خطية تشبيه كشافات ألوان مختلفه لو سقطت على لوح شفاف أحمر يصير لون واحد أحمر كذلك نحن فى المسيح يسوع خطايانا تظهر من خلال المسيح يراها الآب من خلال إبنه مقبوله لأن دم إبنه يشفع فينا الموت القيامة نصرة على الموت أين شوكتك ياموت أين غلبتك ياهاويه –بالموت داس الموت أخرج أسرى الرجاء وسبى سبياً وأعطى عطايا والتناول ينقل إلينا هذه النعمه وهى غلبه الموت مشاركه سعادة الحياة الأبدية وعدم الفساد وغفران الخطايا من يواظب على التناول لا يخاف الموت لأنه قد أتحد بالحياة حياة أبدية لكل من يتناول منه – ونقول عنها غير المائتة المحييه القيامة فتحت دائرة الأبدى مع الزمنى والقيامة أيضاً فتحت دائرة الأبدى مع الزمنى وجعلت الحياة الأبدية حاضرة أمامنا نحياها ونمارسها التناول ينقل إلينا مذاقة الابدية وتشعر أنك قد إقتربت منها وبدأت معك من الآن نحيا عشاء عرس الخروف ونبتهج بعمانوئيل القائم معنا على المائدة التناول يفتح العينين على بركات القيامه كما حدث مع تلميذى عمواس إذ إنفتحت اعينهما وعرفاة عند كسر الخبز. القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك
المزيد
13 نوفمبر 2021

المُعطي فبسخاء

الحياة المسيحيّة بحسب الإنجيل هي حياة عطاء وبذل من كلّ جانب، لأنّها هي حياة المسيح فينا الذي بذل نفسه حتّى الموت حبًّا فينا. فإنْ كان المسيح يحيا فيَّ فحياتي كلّها عطاء وكلّها سخاء، بعيدًا عن البُخل والشُحّ والأنانيّة وتفضيل الذّات على الآخرين. والعطاء المادّي هو أقلّ أنواع العطاء، لأنّ الممتلكات أشياء تَفنَى، لها قيمة ماديّة متغيّرة وهي خارجة عن الذّات. فأنا شيء وما أملكه شيء آخر يَبقَى منفصلاً عنِّي. أمّا العطاء المسيحي فهو عطاء النفس، أن يضع أحد نفسه عن أحبائه، على مثال صليب المسيح الذي أحبّنا إلى المنتَهَى. فإن وضَع الإنسان نفسه، وفرَّط فيها وكفر بذاته وسعى وراء مخلصه حاملاً الصليب، فإنّه يعيش متنعّمًا في ملكوت المسيح وهو بعد في الجسد «هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ» (لو17: 21). وإن وُجِد هذا المثال المسيحي حيًّا.. فلا مكان للصراعات ولا الخلافات ولا التحزّبات ولا السياسات في الكنيسة.. ولا مكان للمشاكل في العائلة ولا انحراف ولا طغيان للمادة والطمع.. إلى آخر هذه الأمور. العطاء الحقيقي هو حالة فيض داخلي فحينما يمتلئ القلب يفيض. فالقلب الممتلئ حبًّا يفيض حبًّا.. الامتلاء يسبق الفيض.. الفيض بدون ملء هو نوع من الغشّ. فالعطاء الحقيقي يكون من ملء الروح وفيض الروح. فإن لم نحيا بالروح يكون عطاؤنا المادي بلا قيمة. الكنيسة منذ البداية رفضت عطايا الناس غير المتقدّسين فلا تقبل عطايا من يُتاجر في النجاسة أو يكسب أمواله عن طريق غير مقدس. هذه بعض الآيات الإنجيليّة التي تنير الطريق وتوضّح الأهداف الحقيقيّة: + «أَعْطُوا تُعْطَوْا» (لو6: 38). + «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أع20: 35). + «الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ» (رو12: 8). + «مَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ» (2كو9: 6). + «لَيْسَ أَنِّي أَطْلُبُ الْعَطِيَّةَ، بَلْ أَطْلُبُ الثَّمَرَ الْمُتَكَاثِرَ لِحِسَابِكُمْ» (في4: 17). + «فِي اخْتِبَارِ ضِيقَةٍ شَدِيدَةٍ فَاضَ وُفُورُ فَرَحِهِمْ وَفَقْرِهِمِ الْعَمِيقِ لِغِنَى سَخَائِهِمْ» (2كو8: 2). + «لأَنَّهُمْ أَعْطَوْا حَسَبَ الطَّاقَةِ، أَنَا أَشْهَدُ، وَفَوْقَ الطَّاقَةِ، مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، مُلْتَمِسِينَ مِنَّا، بِطِلْبَةٍ كَثِيرَةٍ، أَنْ نَقْبَلَ النِّعْمَةَ وَشَرِكَةَ الْخِدْمَةِ الَّتِي لِلْقِدِّيسِينَ» (2كو8: 3، 4). + «وَلَيْسَ كَمَا رَجَوْنَا، بَلْ أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلاً لِلرَّبِّ، وَلَنَا، بِمَشِيئَةِ اللهِ» (2كو8: 5). ويبدو واضحًا أنّ الرسل الأطهار الذين جرَّدهم الربّ منذ البداية من كلّ ما هو مادي، وملأهم من الروح إلى كلّ الملء لم يطلبوا شيئًا.. بل لم يشتهوا شيئًا «فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ» (أع20: 33). ولكن بحركة عطاء تلقائيّة، منذ أن حلّ الروح القدس وملأ كيان الكنيسة، كان «كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُول أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا، وَيَأْتُونَ بِأَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ، وَيَضَعُونَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ» (أع4: 34، 35). دون أن يطلب الرسل ذلك. كان هذا شعورًا تلقائيًّا للتخلِّي عن الماديات لمّا حصلوا على ملء الروح. والآيات توضّح المنهج الروحي من ناحية الرسل ومن ناحية المؤمنين. فالمؤمنون كانوا يتوسّلون إلى الرسل أن يقبلوا العطايا، والرسل الأطهار لم يمدّوا أيديهم للأخذ فوُضِعت العطايا تحت أقدامهم، كانوا «يَضَعُونَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ». «أَعْــطُــوا تُعْــطَــوْا» يقول القديس يوحنا ذهبيّ الفم "إنّنا كثيرًا ما نتبادل المواقع.. ففي أوقات كثيرة يأتي إلينا من يسألنا حاجّة، ونكون نحن في مكان الذي يُعطي ويُحسِن إلى مَن يسأله، ثم في أحيان أخرى نمدّ أيدينا نسأل ونطلب.. ونكون في موضع المُستجدي المحتاج". فإنّ تصرُّف الإنسان في موقعه الأول تَصَرُّف السخي المُعطي، الذي لا يردّ حاجّة السائل. فإنّه حين يكون في وَضع المُحتاج من الله سيعامله بذات السخاء، وبالكيل المُلَبَّد المهزوز يعطيه في حِضنه. والعكس صحيح فإنْ بَخَلَ الإنسان وصَدّ مَن يَطلب إليه فإنّه حين يطلب هو تُصدُّ صلاته ولا يُستجاب لطلبه. هذا ما عاشّه القديسون في كلّ جيل، لقد عرفوا الطريق إلى استجابة صلواتهم وعرفوا كيف يستدرُّون مراحم الله، إذ صاروا رحماء و«أَسْخِيَاءَ فِي الْعَطَاءِ، كُرَمَاءَ فِي التَّوْزِيعِ» (1تي6: 18). - يُحكَى عن المعلم إبراهيم الجوهري الذي كان بمثابة رئيس للوزراء.. أنّه كان منقطع النظير في سخائه، ويُذكَر عنه أنّ شحّاذًا قابله وهو خارج من منزله في الصباح ذاهب إلى ديوان الوزارة وطلب منه شيئًا (صدقةً) فأعطاه، ثم استدار الشحّاذ وقابله في منعطف الشارع وطلب منه فأعطاه، ثم لفّ من شارع آخر وقابله وطلب فأعطاه.. حتى في نهاية المشوار صرخ الشحّاذ وقال: طوباك يا رجل الله، فهوذا طلبتُ منك هذه المرّات الكثيرة ولم تضجر منِّي ولا أرجعتني خائبًا. فأجابه المعلم إبراهيم في اتضاع كثير: هذا مالك يا ابني، أعطاه الله لي لأعطيه لمَن يسأل. + وقد تقابلتُ في حياتي مع كثيرين من الأسخياء المُحبّين للعطاء بسرور. والحريصون منهم كانوا يحيون حياة العطاء بحسب الإنجيل، وبحسب الذي تسلّموه من الأبرار الذين أرضوا الرب قبلهم. لأنّ كثيرًا من المراحم تحيط بحياة العطاء، «مَنْ يَرْحَمُ (يعطي) الْفَقِيرَ يُقْرِضُ الرَّبَّ، وَعَنْ مَعْرُوفِهِ يُجَازِيهِ» (أم18: 17). والمزمور يقول: «طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى الْمَسْكِينِ (لمن يتعطف على المسكين والفقير). فِي يَوْمِ الشَّرِّ (السوء) يُنَجِّيهِ الرَّبُّ» (مز40 أجبية). ولكن بالأكثر يقول: «صالِحٌ هُوَ الرَّجُلُ الَّذي يَتَرَأَّفُ ويُقْرِضُ... مَجْدٌ وغِنى فى بَيْتِهِ، وبرُّهُ يَدومُ إلَى الأبَدِ» (مز111 أجبية). فالعطاء في المسيح هو من فيض النعمة وحياة البرّ، وليس كما يظنّ البعض أنّه مجرّد عطاء مادي ومساعدات تُقَدَّم.. يجب أنّ الذي يقدّم العطايا يقدّمها بيد طاهرة، بقلبٍ عابد للمسيح. وليست الصَدَقة بغرض التكفير عن ذنوب، فالحسنات لا يُذهِبن السيّئات لأنّ هذا مبدأ غير مسيحي، السيئات يمحوها دم المسيح الذي يُطهِّر من كلّ خطية.. والاعتراف بها وغفرانها من فم المسيح بيد الكاهن وتكميل التوبة يكون في الحياة البعيدة عن السيرة الأولى. ناهيك لِمَا يشوب العطايا ويلوّثها من حبّ التفاخُر والتظاهر ومدح الناس. وهذا ضدّ الوصية الغالية.. «مَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً (رحمة) فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ» (مت6: 3). لذلك أقول إنّ من بين الأتقياء الذين عايشتهم من كان كثير العطاء في الخفاء، يسلك سلوك القدّيسين الذين أنكروا ذواتهم، رغم أنّهم صنعوا آيات وعجائب. + على أن وصية العطاء غير قاصرة على ذوي الأملاك والمقتدرين، فقد رأينا فقراء ومُعدمين مُحبّين للعطاء ويقدّمون للرب فوق طاقتهم بفرحٍ لا يُعبَّر عنه. فبعض المساكين كانوا يأخذون بركة صغيرة من الكنيسة، وكانوا يتصدّقون منها، ويُشاركون من هم أفقر منهم وأكثر احتياجًا. كيف يكون الفقير والمعدَم كريمًا سخيًّا مُحبًّا للعطاء؟.. هذه هي نعمة المسيح التي أجزلها بكلّ حكمة وفطنة، حتّى صار أولاده كفقراء وهم يغنون كثيرين. + «فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (2كو8: 9).. فقر المسيح هو الغِنَى الذي لا يُستقصَى.. فكلما زاد الإنسان التصاقًا بالمسيح وقبل آلامه المُخلِّصة المُحيية ليحيا بها وفيها، كلّما زاد غِنى الإنسان وفاضت ينابيعه من فيض نعمة المسيح مخلصنا. «أَمَا اخْتَارَ اللهُ فُقَرَاءَ هذَا الْعَالَمِ» (يع2: 5) ليُخزي بهم الأغنياء. قيل في البستان عن أحد الآباء النُسّاك العظام، إنّه حلّ فى زمانه غلاء عظيم وقَلَّ الخير. وكان في قلايته ثلاث خبزات. وبعد غروب الشمس، شرع في تناول طعامه، فقرع بابه سائل فقام وأعطاه خبزة. وقبل أن يأكل قرع بابه آخر فقام وأعطاه الخبزة الثانية. وجلس ليكسر الخبزة الباقية فقرع بابه سائل آخر. فيقول البستان أنه ساورته أفكاره عما إذا أعطى آخر خبزة له فما عساه أن يفعل وماذا يكون مصيره؟ ولكنه غلب أفكاره وقفز بشجاعة إيمانية وأعطى الخبزة للسائل. وظلّ هو بلا طعام، وقد استمرّ على هذه الحال يومين وهو صائم شاكراً الله. وبعد هذا ظهر له ملاك الرب وعزَّاه وقال له: من أجل عملك هذا فقد أحسنَ الربّ إلى المنطقة كلّها وأزال الغلاء. وفي ذات اليوم قَدُمَت إلى الدير جمالاً مُحمَّلة بالخيرات. + هناك حروب كثيرة من عدو الخير ضدّ عمل الخير والصدقات وعمل الرحمة والإحسان. ولكن الذين عاشوا بالإيمان غلبوه بقوّة الله ومؤازرة النعمة. ويكفي أن نذكُر فلسي الأرملة التي مدحها الرب ذاته، أنّها أعطت «كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا» (مر12: 44)، أمّا الأغنياء فقال الرب: إنّهم «مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا (أعطوا)». هذا اختبار عميق يعرفه الذين مارسوه وتنعموا به، إنّه اختبار إيماني عاشه المُعدمون بحسب الظاهر، فاختبروا قمّة عناية الله بهم. لقد عاش القديس أنبا انطونيوس هذا الاختبار مدى الحياة لمّا تنازل طوعًا عن كلّ ملكيّته، وألقى رجاءه بالكمال على الله الذي اعتنى به حتى آخر أيّامه على الأرض. وهكذا القديس أنبا بولا لمّا تنازل عن الإرث المادي الغالي وعاش ناسكًا بلا مأوى ولا كسوة ولا قوت.. كيف عاله الله سبعين سنة.. أليس هو الذي عال الشعب الإسرائيلي (2 مليون نسمة) في البرّيّة أربعين سنة، «لَمْ تَبْلَ ثِيَابُهُمْ، وَلَمْ تَتَوَرَّمْ أَرْجُلُهُمْ» (نحميا9: 21) ونعالهم لم تتهرّأ؟ المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
24 نوفمبر 2021

روحانية الصوم

أهنكم يا أخوتى ببداية صوم الميلاد المقدس،الذي هو فترة روحية يرتفع فيها الإنسان فوق مستوى الجسد، ويرتفع أيضًا فوق مستوى المادة.. وتتفرغ فيها الروح للعبادة.. وهذه هي حكمة الصوم. والصوم الحقيقي، هو الذي يتدرب فيه الصائم على ضبط النفس فإذا ما اتفق ذلك خلال الصوم، يصير ضبط النفس -بالنسبة إليه- هو منهج حياة، يستمر معه. والصوم ليس مجرد فضيلة للجسد، بعيدًا عن الروح!! فكل عمل لا تشترك فيه الروح، يعتبر فضيلة على الإطلاق، أن عمل الجسد في الصوم، هو تمهيد لعمل الروح، أو هو تعبير عن مشاعر الروح.. الروح تسمو فوق مستوى المادة والطعام، وفوق مستوى الجسد.. فتقود الجسد معها في موكب نصرتها، وتشركه في رغباتها الروحية. ويعبر الجسد عن ذلك بممارسة الصوم.إننا أن قصرنا تعريفنا للصوم على أنه إذلال للجسد بالجوع والامتناع عما يشتهيه، نكون قد أخذنا من الصوم سلبياته، وتركنا عمله الايجابي الروحي، وهو الأساس. الصوم ليس مجرد جوع للجسد، بل بالأكثر هو غذاء للروح.. ليس الصوم هو تعذيب للجسد كما يطن البعض.. إنما الصوم هو تسامي الجسد، لكي يصل إلى المستوى الذي يتعاون فيه مع الروح.والصائم الحقيقي ليس هدفه أن يعذب جسده، بل هو يقصد عدم السلوك حسب شهوات الجسد، فيكون إنسانًا روحيًا وليس جسدانيًا.. الصوم هو روح زاهدة، تشرك الجسد معها في الزهد والصوم ليس هو الجسد الجائع، بل هو الجسد الزاهد، أو على الأقل الجسد الذي يتدرب على الزهد في فترة معينة.ليس هو حالة الجسد الذي يجوع ويشتهي أن يأكل.. بل الجسد الذي يتدرب على التخلص من شهوة الأكل.. وبالتالي يفقد الأكل قيمته في نظره، من فرط اهتمامه بطعام آخر هو طعام الروح. الصوم فترة ترتفع فيها الروح، وتجذب الجسد معها تخلصه من أحمال وأثقال، وتجذبه معها إلى فوق، لكي يعمل معها من أجل الله بلا عائق، والجسد الروحي يكون سعيدًا بذلك.. الصوم هو فترة روحية، يقضيها الجسد والروح معًا في عمل روحي يشترك فيه الاثنان معًا في الصلاة والتسبيح والعشرة الإلهية.فيصلي الإنسان ليس فقط بجسد صائم، إنما أيضًا بنفس صائمة.بفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات، وبروح صائمة عن محبة المادة والماديات، في حياة مع الله تتغذى بمحبته ووصاياه..الصوم بهذا الشكل هو الوسيلة الصالحة للعمل الروحي.. وهو -الجو الروحي الذي يحيا فيه الإنسان جميعه- بقلبه ونفسه، وجسده وروحه، وبحواسه وفكره وعواطفه.. كل ذلك في مشاعر مقدسة..الصوم ليس مجرد علاقة بين الإنسان والطعام بل هو فترة مقدسة يشعر فيها الإنسان بعلاقته مع الله..والصوم الذي ليس هدفه القربى من الله، هو صوم باطل..الله هو الهدف. فنحن من أجل الله نأكل، ومن أجله نصوم.. من أجل الله نأكل، لكي ينال هذا الجسد قوة يستطيع بها أن يخدم الله، وان يكون أمينًا في واجباته التي كلفه بها الله من نحو الناس.. ونحن من أجل الله نجوع، لكي نخضع الجسد فلا نخطئ إلى الله. ولكي يكون الجسد تحت سيطرتنا، ولا نكون نحن تحت سيطرة الجسد، ولكيلا تكون رغبات الجسد وشهواته هي قائدنا في تصرفاتنا.. إنما نسلك حب الروح.لهذا كله، هناك فضائل لابد أن يرتبط بها الصوم، ليكون مقبولًا عند الله.. وأولى هذه الفضائل هي التوبة.. فالصوم البعيد عن التوبة هو صوم غير مقبول.. والله -تبارك اسمه- يريد القلب النقي أكثر مما يريد الجسد الجائع.والإنسان الذي يصوّم فمه عن الطعام، ولا يصوّم قلبه عن الخطايا، ولا يصوم لسانه عن الأباطيل، فصوم هذا الإنسان باطل بل أن الخطية التي يرتكبها الإنسان -وهو صائم- تكون عقوبتها أشد. لأنها تحمل كذلك الاستهانة بقدسية أيام الصوم.لذلك على كل صائم أن يتأكد من أن الصوم قد حوّل حياته إلى مستوى أفضل.. ليس فقط بالامتناع عن خطايا كان يقع فيها قبلًا. بل أيضًا باكتساب فضائل جديدة قد تدرب عليها.هذا ويكون من لوازم الصوم: التدريبات الروحية التي يكتسب بها الصائم صفات من حياة البر كانت تنقصه وليسأل الإنسان نفسه: كم من أصوام مرت عليه خلال ما مضى من سنوات، دون أن يكتسب فضائل جديدة تضاف إلى روحياته..؟! وإنما هو هو، لم يتغير فيه شيء!! ولم يدفعه صومه إلى درجات في حياة الروح، ينمو فيها سنة بعد سنة.لماذا لا نراقب أنفسنا أثناء صومنا؟ ولماذا لا نحاسب أنفسنا: في أية درجة روحية نحن الآن؟ وماذا بذلناه من جهد لكي تكون علاقتنا بالله أكثر عمقًا وأكثر قربًا؟!. وكما يرتبط الصوم بالتوبة، يرتبط أيضًا بالغذاء الروحي إن أخطر ما يتعب البعض في الصوم، أن يكون الجسد بلا غذاء، والروح أيضًا لا تجد ما تتغذى به، ويصبح الصوم مجرد فترة من الحرمان!! وهذا الحرمان يعطي صورة قاتمة عن الصوم.. فيشتهي البعض متى ينتهي الصوم ليأكلوا!! وغذاء الروح معروف، وهو الصلاة والألحان والتسابيح، والتأمل في كلام الله وعمق وصاياه والتأمل في صفات الله وفي سير الأبرار، والتأمل في الفضائل. وغذاء الروح أيضًا: المشاعر الروحية، والتفكير في السماء وفي الأبدية والروح إذا تغذت، تستطيع أن تحمل الجسد، فيحتمل الجسد جوعه وترتبط بالصوم أيضًا: أعمال الرحمة وإطعام الجياع فالإنسان الذي جرب في الصوم قسوة الجوع، بالضرورة يشفق على الجياع، ويعطيهم شيئًا من طعامه.. ليس هذا فترة الصيام فقط وإنما تصبح فضيلة له أن يهتم بكل جوعان ويعطيه ليأكل.وهكذا تدخل الرحمة في مشاعر الإنسان الصائم.. ولا تقتصر رحمته على إطعام الجياع فحسب، بل تشتمل الفقير واليتيم والمسكين، بكل أنواع الإحسان التي يقدر عليها.وأخيرًا أقول يا أخوتي، أن أيام الصوم هي فترة تخزين روحي للعام كله، تفيض بروحياتها على باقي أيام السنة.فالصوم ليس مجرد فترة تمر وتنتهي، وتنتهي معها فضائلها ومشاعرها!! كلا.. بل من عمق روحيات الصوم، يأخذ الصائم طاقة روحية تستمر معه بعد انقضاء الصوم أيضًا، وما تعوده خلال الصوم، وما درب نفسه عليه، يتحول بالوقت إلى جزء من طبعه لا يود أن يفقده.والتوبة التي كانت له في صومه، ليس من السهل أن يزول تأثيرها، وكذلك ما أصلحه في نفسه من طباع وعادات.فإن تخلصت من خطية في فترة الصوم، اثبت في ذلك، ولا تعد إلى ممارسة الخطيئة فيما بعد.وليكن هذا الصوم مباركًا في حياتك، وفي حياة كل من يتصل بك، ويراك أمثولة يقتدي بها. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
25 أغسطس 2021

الدينونة حسب الأعمال

هذه حقيقة واضحة تبين أهمية أعمال الإنسان.في العهد القديم يقول داود في المزمور (لك يا رب الرحمة لأنك تجازى الإنسان كعمله) (مز 62: 12)، ويقول سفر الجامعة (لأن لله يحضر كل عمال إلى الدينونة، على كل خفي أن كان خيرًا أو شرًا) (جا 12: 14).وفى العهد الجديد تأكدت هذه الحقيقة من فم السيد المسيح وأفواه رسله القديسين، وفي هذا يقول السيد الرب (فان ابن الإنسان سوف يأتي مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله) (مت 16: 27). كما قال أيضًا (فانه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة لحياة، والين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة) (يو 5: 28، 29) لاحظوا أن يتكلم في هذه الآية عن الأعمال (الذين فعلوا الصالحات.. والذين عملوا السيئات).وليست الدينونة على الأعمال فقط، بل حتى على الكلام. ولذلك يقول (بكلامك تبرر وبكلامك تدان) (متى 12: 36).وهذا الأمر واضح واضح في سفر الرؤيا. إذ أن الرب أرسل إلى كل ملاك من ملائكة الكنائس السبع يقول له (أنا عارف أعمالك) (رؤ 1: 2، 3). كما قال الرب صراحة (وها أنا آتى سريعًا وأجرتي معي، أجازى كل واحد كما يكون عمله) (رؤ 22: 12).وقد قيل في هذا السفر (طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن نعم يقول الروح! لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تبعهم) (رؤ 14: 13). وقيل أيضًا (ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم) (رؤ 20: 12).وصورة الدينونة التي شرحها لنا الرب يسوع من حيث كلامه الذي قوله للذين عن اليمين، وكلامه للذين على اليسار، هي صورة دينونة حسب الأعمال.إذا أنه قال للذين عن اليمين (جعت فأطعمتموني عطشت فسقيتموني، كنت غريبًا فآويتموني..). وبناءًا على هذه الأعمال الصالحة قال لهم (تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم) (مت 25: 31-46).. وبالمثل فعل مع الأشرار، دانهم حسب أعمالهم.إذن يكفى أن يقصر الإنسان في إطعام الجياع أو زيارة المرضى، وإذ يخلو قلبه من هذه الرحمة يفقد الملكوت، مهما كان له من إيمان، ومهما كان له من ثقة جوفاء في داخله لا تغنيه شيئًا!! ما أخطر العبارة التي قالها معلمنا يعقوب الرسول (ما المنفعة يا أخوتي إن قال أحد أن له إيمانًا ولكن ليس له أعمال. هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟!) (يع 2: 14).وكون الدينونة حسب الأعمال، حقيقة تكلم عنها بولس الرسول كثيرًا. فقال لأنه لا بُد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد يحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا (2 كو 5: 10). وقال أيضًا: (ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر نفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذي سيجازى كل واحد حسب أعماله)" (رو 2: 5-7).وتلخيصًا للدينونة حسب الأعمال، قال بولس الرسول كذلك "فإن الذي يزرعه الإنسان، إياه يحصد أيضًا. لأن من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح يحصد حياة أبدية" (غل 6: 7، 8). كما قال "فعمل كل واحد سيصير ظاهرًا، لأن اليوم سيبينه وستمتحن النار كل واحد ما هو" (1 كو 3: 13).وقال أيضًا "كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه"، ولم يقل "بحسب إيمانه" أو "بحسب النعمة"وعن الدينونة حسب الأعمال قال بطرس الرسول عن الأب "الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد، فسيروا زمان غربتكم بخوف" (1 بط 1: 17).فإن كانت الأعمال على هذه الدرجة من الخطورة -خيرًا كانت أم شرًا- بحيث يدان الإنسان بموجبها، فهل يجرؤ أحد أن يقلل من قيمة الأعمال وأهميتها؟! إن كان الله لا ينسى "كأس الماء البارد" فلا يضيع أجره، ولا ينسى أبدًا تعب المحبة، "إذن يا أخوتي الأحباء كونوا راسخين غبر متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1 كو 15: 58).إن الأعمال هامة جدًا في طريق خلاصنا، وهامة في تحديد مصيرنا الأبدي، فلنتأمل إذن كم هي لازمة.... قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث عن كتاب الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي
المزيد
27 مارس 2021

عشية الاحد الثالث من الصوم الكبيرمت 10:15-20

ثم دعا الجمع وقال لهم: "اسمعوا وافهموا. ليس ما يدخل الفم ينخس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان"،. حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له: "أتعلم أن الفريسين لما سمعوا القول نفروا؟ " فأجاب وقال: "كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يقلع. اتركوهم. هم عميان قادة عميان. وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة". فأجاب بطرس وقال له: "فسر لنا هذا المثل". فقال يسوع: "هل أنتم أيضا حتى الآن غير فاهمين؟ ألا تفهمون بعد أن كل ما يدخل الفم يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج؟ وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذاك ينجس الإنسان، لأن من القلب تخرج أفكار شريرة: قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف. هذه هي التي تنجس الإنسان. وأما الأكل بأيد غير مغسولة فلا ينجس الإنسان". اختار الآباء معلمو الكنيسة هذا الفصل من الإنجيل ليقرأ فى عشية الأحد الثالث تمهيداً لإنجيل القداس.. فقد بكَّت الرب الكتبة والفريسين الذين داسوا الوصية "أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ" (مت 15 : 4). وأبطلوها بفتوى أنه ممكن للإنسان أن يتبرع بقيمة ما يعطيه لأبيه يتبرع به للهيكل ويتحلل من أن يعول أبيه وأمه أو يكرمهما. وهكذا أعاد الرب – واضع الوصية - هيبتها ومفعولها الذى يجب أن يكون لها ككلمة الله. والواقع أن رباط البنوة والأبوة هو غاية قصد المسيح، فإما طاعة وخضوع للأب أو خروج عن الطاعة. على أن فهم هذه العلاقة فهماً صحيحاً والدخول إلى سرها تتوقف عليه الحياة كلها. فكل منا ابن لأبيه وقد مارسنا حياة البنوة وعشناها والذين صاروا أباء لأبناء أدركوا ما هى الأبوة. فمن جهة البنوة فكل إنسان مارسها نحو أبيه فيعرف ما عليه كإبن وكيف يرضى الأب. والعجيب جداً أن هذا الرباط لا يمكن وصفه بالكلام ولا باللسان. هل يستطيع أحد أن يعبر عما فى قلبه نحو أبيه أو يصف ما يربطه مع أبيه من مشاعر؟ يستحيل لأن الشعور الحقيقى للإبن أن أباه هو مصدر حياته، لقد أخذ حياته ووجوده فى العالم من أبيه، فهو الأصل. كلمة أب كلمة سريانية معناها أصل. فالإبن مرتبط بأبيه برباط حياة.. حياة من حياة. فهى ليست علاقة رئيس بمرؤوس، أوسيد وعبد، أو مدير وموظف، إنها صلة أب بإبن. لذلك ما يعمله الإبن الحكيم الخاضع لأبيه لا يعمله حباً فى أجر، حاشا، فالإبن يعمل مسرة أبيه ولا يطمع فى أجر أو ثواب لأن كل ما للأب له.. إنه إبنه. ولا يعمل إرادة أبيه خوفاً من عقاب.. فهذا شأن العبيد بل كل مسرة الإبن تكمن فى تكميل مشيئة أبيه وحفظ كلامه.. لا توجد راحة للإبن الفطِن إذا كسر كلمة أبيه أو خالف وصيته.. نفسه تصير فى حزن لا ترتاح حتى يكمل مشيئة أبيه. "أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ»، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ" (أف 6 : 2). هكذا يطلب منا الرب نحو أباء أجسادنا.. فكم بالحرى أبوكم الذى فى السموات. لقد قالها الرب فى القديم: "إِنْ كُنْتُ أَنَا أَبًا... فَأَيْنَ هَيْبَتِي" (ملاخى 1 : 6) وصايا الآب ليست ثقيلة الأباء الخُطاة يعرفون أن يعطوا أولادهم عطايا جيدة.. فكم بالحرى الآب السماوى. لا يوجد أب فى الوجود يوصى أولاده وصايا تضر بمصلحتهم.. أو تؤذيهم أو تكون ثقيلة عليهم. إن كل وصايا الإنجيل.. هى كلمات الأب لأبنائه.. تحوى كل الحب وكل النصح للحياة.. كلها فى مصلحتنا وكلها لراحتنا وحفظنا. لا توجد وصية ثقيلة.. وصاياه ليست ثقيلة.. نير المسيح هيّن. هلم نأخذ الإنجيل بفهم.. إنه كلام الأب لإبنه.. من يرفض كلمة أبيه ووصاياه ويترك بيته لا يجنى سوى التعب والهم والضياع.. وحتى خرنوب الخنازير لا يجده. اكرم أباك بحفظ وصاياه. اكرم الرب من كل قلبك لأنه يعرف مكنونات قلبك + لا حياة ولا راحة ولا سلام لك بعيدأ عن حضن أبيك ولا شبع لنفسك بعيداً عن مائدة غنى المسيح. + الرجوع والتوبة معناها أن الإنسان عاد إلى طاعة أبيه بعد زمن جهالة وعصيان.. وعرف أن وصايا أبيه ليس كما ظن أنها قيود وعبودية. + إن عقوبة عدم إكرام الأب كانت الموت بدون رحمة "مَنْ شَتَمَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلاً" (خر 21 : 17). كانت ترجمه كل الجماعة إن كان إبناً معتنفاً لا يكرم أباه. فماذا نقول عن من يهين الآب السماوى ولا يكرمه فى حياته، بل يكسر وصاياه ويستهين بحبه ولا يعمل له حساباً فى حياته؟ ترى ماذا يكون لمن يحتقر حب الآب السماوى ويخرج على طاعته ويطلب أن يحيا لذاته فى كورة بعيدة.. وتحلو له حياة الخطايا.. + وماذا نقول عن الذين يكرمونه بشفتيه كقول اشعياء وقلبهم مبتعد عنه بعيداً. + وماذا عن الذين يحفظون كلام الناس ويعملون حساب للناس ولكنهم داسوا وصاياه.. ولكن على كل حال قلب الآب نحونا وحنانه الإلهى يغلب تجبرنا ويجذبنا من كل الكورة البعيدة. هو ينظر وينتظر رجوعنا، ففرحه برجوعنا لا يوصف.. عيناه ترقبان خطانا ونحن نقترب إليه.. وينتظر اللحظة التى فيها سيركض لاستقبالنا ويضمنا مرة أخرى إلى صدره ليشفى ارتدادنا.. ويخلع عنا ثوب نجاساتنا ليلبسنا الحلة الأولى.. فهل نرجع إليه؟ "لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ" (مت 15 : 11). كثيراً ما يقول البعض كلمة المسيح هذه عن الصوم ولكن لم يكن حديث الرب عن الصوم بل عن الأكل بأيدى غير مغسولة. وكان الفريسيون يعترضون أن تلاميذ الرب يأكلون دون أن يغسلوا أيديهم وهم بذلك يكسرون تقليد الشيوخ. فغار الكتبة والفريسيون على كسر تقليد الشيوخ بينما أصابتهم البلادة حينما كسرت وصايا الله. وهذا ما نفعله كثيراً حينما نغار على أشياء كثيرة أصبحت ذات اهتمام كبير فى حياتنا.. بينما لا نتحرك ساكناً حينما نكسر وصايا المسيح أو نتهاون.. لا نغار على الفضيلة بقدر غيرتنا على بعض عاداتنا أو تقاليدنا أو العرف السائد بين الناس. لتكن وصية المسيح هى الشغل الشاغل، وهى تأتى دائما قبل كل شئ وأول الأهتمامات.. ولكن حين تحيَّز الكتبة والفريسيون وتغصبوا للتقاليد التافهة أكثر مما انحازوا لوصايا الله أصابهم عمى القلب وفقدوا التمييز.. لذلك قال الرب عنهم "هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ" (مت 15 : 14). لقد أغمضوا عيونهم عن الحق وقادوا الناس بعيداً جداً حتى أسقطوهم فى حفرة الهلاك. (عن كتاب: تأملات فى أناجيل عشيات الآحاد) المتنيح القمص لوقا سيداروس (عن كتاب "تأملات فى أناجيل عشيات الآحاد")
المزيد
08 أغسطس 2021

السيدة العذراء الأم الحنون

الكنيسة تقول عن العذراء أنها أُم قادرة رحيمة مُعينة كيف تتمتع بأُمومة السيدة العذراء ؟ الكنيسة تقول عنها أُم المعونة والرحمة والخلاص إنها أُمنا كلنا ” سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله “ كيف تكون العذراء أُمنا ؟ ربنا يسوع تجسد في بطنها وأخذ جسد حقيقي من لحمها ودمها يسوع ابنها وابنها هو ابن الله الكلمة هو الله الظاهر بالجسد هو اللاهوت المُتحد بالناسوت والناسوت المُتحد باللاهوت هو جسد ربنا وإلهنا ومُخلصنا يسوع إذاً هي أُم المسيح ونحن أعضاء في جسده إذاً هي أُمنا تستطيع أن تقول أن كل واحد منا جزء من جسد المسيح الذي العذراء أُمه إذاً هي أمي إذاً نحن لا نُكرم السيدة العذراء لأنها قديسة فقط بل لأنها والدة الإله طفل اسمه أبانوب كان شفيعه أبانوب وعيد استشهاد القديس أبانوب 31/7 وكانت أُسرته تتشفع بالسيدة العذراء وأرادت أن تصوم صوم السيدة العذراء من بداية الشهر أي أُسبوع أكثر من الصوم الذي حددته الكنيسة الطفل أبانوب كان عُمره ثمانية سنوات فقال لأسرته هل سنصوم أُسبوع أكثر في صوم السيدة العذراء ؟ إذاً فلنصم يوم أو اثنين للقديس أبانوب لأنه شفيعي وخصوصاً يوم عيده إن كانوا قد أرادوا يصوموا فترة أطول فليصوموا لكن الكنيسة لا تقول كذلك لا تصوم لقديس ولا حتى السيدة العذراء لأنها قديسة نحن نصوم للسيدة العذراء ليس لأنها قديسة بل لأنها والدة الإله فصارت أمنا كلنا فعندما نُكرمها نُكرم الله يسوع المسيح نحن نصوم لها لأنها أم الله الحي يسوع المسيح الإله الحقيقي في صلاة المجمع في القداس نقول ” آبائنا الأطهار رؤساء الآباء والأنبياء والرسل والمُبشرين والإنجيليين والشهداء والمُعترفين “ كل فئة في كلمة واحدة السبعين رسول في كلمة واحدة ومارجرجس ومارمينا وأبو سيفين وكل الشهداء في كلمة واحدة أما السيدة العذراء فنقول ” وبالأكثر القديسة المملوءة مجداً العذراء كل حينً والدة الإله القديسة الطاهرة مريم التي ولدت لنا الله الكلمة بالحقيقة “ كل هذه الألقاب للسيدة العذراء لأنها أمنا كلنا أم الكنيسة وأم يسوع أم المؤمنين نقول عن السيدة العذراء حواء الجديدة لأن حواء الأولى هي أم كل البشر لكن للأسف كانت سبب السقوط والخطية جاءت العذراء وصارت أم كل البشر وصارت سبب تمتعنا ببركة الخلاص بدم ابنها الحبيب يسوع فصارت أمنا كلنا وعندما نبعد علاقتنا بالعذراء أو نلغي الشفاعة أو نقول إنها علبة أخذنا منها قطعة الذهب صرنا خسرانين لأنها ليست علبة وأخذنا منها الذهب لأنه لم يدخل جسدها كامل وأخذناه منها كامل بل أخذ جسده منها تكون داخلها لذلك نُسمي بطن السيدة العذراء ” المعمل الإلهي “ ومادامت هي المعمل الإلهي صارت أم لنا لأنها ولدت الله الكلمة بالحقيقة العذراء أم تشعر بنا لأنها أم ذهبت عرس قانا الجليل ليس لمجرد الحضور فقط أو لتقول إحضروا لي هذا أو ذاك أو لتنقد الناس لا بل ذهبت تخدم لأنها أم ودخلت المكان الخاص بأهل العُرس والمُعدين له وشعرت أن هناك مشكلة فقالت لابنها ” ليس لهم خمر “ ( يو 2 : 3 ) شعرت باحتياجات أولادها لأنها أم لا ترى الإحتياج وتصمُت بل تشترك في الإحتياج وتقدم البديل وتحل الإحتياج وتشفع لابنها وتقول له ليس لهم خمر حتى أن الآباء يقولون إنها مازالت حتى الآن تقف وسطنا وتطلب عنا لابنها يسوع وتقول وتشفع عن الكل وتقول ليس لهم خمر لا تُخرجهم إلا ولهم خمر لا تصمت عنهم بل فرحهم بخمرك نحن نقدم له ماء وهو يقدم خمر نحن نقدم له شئ بارد وهو يقدم شئ ساخن حلو نحن نقدم له فتور وهو يقدم لنا حرارة نقدم له شئ بلا قيمة وهو يقدم لنا شئ له قيمة نقدم له شئ بلا طعم أو مذاق وهو يقدم لنا شئ له مذاق حلو ليس لهم خمر يا يسوع لا تتركهم في فتورهم قلوبهم مُتعبة ونفوسهم حزينة يا يسوع إخرجهم من ههنا فرحين يا يسوع ليس لهم خمر يقول لها يسوع سأُعطيهم أم تنظر لاحتياجات أولادها وتشترك معهم في فقرهم وضعفهم واحتياجاتهم طوبى لمن تمتع بأمومة السيدة العذراء أُم القديس مارمينا لم يكن لها طفل وكان اسمها أفومية تذهب إلى الكنيسة وتنظر إلى صورة السيدة العذراء وتقول لها أرجوكِ أعطيني طفل أنتِ أُم تتوسل لها وكأنها تتكلم مع حقيقة وتسمع صوت العذراء تقول ” آمين “ أم تحب أولادها وتساعدهم وتقدم لهم احتياجاتهم ليس لهم خمر يعطيها أُم قادرة رحيمة مُعينة قد يقول البعض إنها انتقلت من الحياة ولا تشعر بنا هي فوق ونحن تحت ولا نصل إلى الله إلا به هو فلا نضع وسيط بيننا وبينه نقول له كيف وهي الشفيعة الأمينة لجنس البشر هي تقف دائماً أمام يسوع تشفع في جنس البشر ونحن في صلواتنا نقول لها ” إسألي الرب عنا ليغفر لنا خطايانا “” نسألِك أيتها الشفيعة المؤتمنة “أنتِ أُم لا يمكن أن تري احتياجنا وتصمُتي إن قال لك أحد هي ماتت تقول له كيف لا تشعر بنا ؟ أليس المُنتقل يشعر بنا ؟ نحن لدينا إيمان أن المُنتقلين ينتقلوا من أتعاب الجسد ويأخذون قيامة قوة حياة جديدة هكذا العذراء أخذت قوة حياة جديدة إن كان هذا حال آبائنا المُنتقلين فكم تكون قوة السيدة العذراء بعد انتقالها ؟ تخيل الآن قُوِّتها أُم حنونة تشفع عن احتياجات أولادها وصلواتهم السيدة العذراء تُصعد صلواتنا لابنها الحبيب من أنتِ ؟ تقول أنا أُمه أراد شخص أن يوظف ابنه في شركة كبرى يملكها رجل مسيحي فطلب من أب كاهن يعرف صاحب الشركة أن يتوسط له فقال له الأب الكاهن أنه لا يعرف صاحب الشركة ذاته لكنه يعرف والدته فقال الرجل لقد ضمنت الوظيفة لابني لأنه قد يطلب من صاحب الشركة فيعتذر بأنه ليس لديه وظيفة خالية لكن لو طلبت أُمه منه سيوافق حتى وإن لم يكن لديه وظيفة خالية ويوظف الابن أُم لها دالة عند ابنها لابد أن نتمتع بدالة السيدة العذراء عند ابنها الحبيب جيد أن تُنادي دائماً يا أُمي يا عذراء فهل أمي التي عاشت معي مجرد أن تنتقل للسماء تنساني ؟ أو أنساها ؟ لا بل علاقتنا معاً تزداد ارتباط إخوتنا البروتُستانت عندهم اعتقاد بأن الشخص مجرد أن ينتقل من هذا العالم ينتهي أمره معنا تقول لهم العذراء قالت ليسوع ليس لهم خمر فصنع لهم خمر يُجيبون لأنها كانت مازالت حية موسى النبي عندما كان يطلب من الله أي شئ كان الله ينفذه له يقولون لك هذا عندما كان موسى حي لكن مجرد أن يموت الشخص إنتهى الأمر نسألهم عندما يموت الشخص هل تزداد قُوِّته أم تنقُص ؟ هل ينتهي ؟ هل صلته بأحبائه تنتهي ؟ بالطبع لا بل تزداد قُوِّته وصلته بأحبابه نسألهم هل بعد موته يظل حي ؟ هو بعد الموت حي أم لا ؟ إن كان غير المسيحي يقول عن الأموات ” أحياء عند ربهم “ أي موجودين فكيف تنفصل علاقتهم وصلتهم عن أحبابهم هل تتخيل أن آبائنا الكهنة إن سمح الله أن يختارهم لسفر خارج البلاد أنهم ينسونا ونحن ننساهم ؟ بالطبع لا سنظل نتذكرهم وهم يتذكروننا وتظل صلتنا بهم قائمة هكذا المُنتقلين تظل علاقتنا بهم متصلة هل الذين انتقلوا ننساهم ؟ سيكون ذلك خطأ منا في حقهم لذلك نصنع لهم تذكارات ونذكرهم في القداسات ونشعر بهم بل ونستغل شفاعتهم السيدة العذراء شفيعة أمينة تشفع عن ضعفات أولادها أمام يسوع كما كانت حواء أم البشرية لكن الله قال لها كفاكِ الآن سآتي بالعذراء أُم للبشرية لأنكِ أنتِ جلبتِ الخطية للبشرية أما العذراء فهي أُم ابني الحبيب الذي به سُررت كما كانت حواء سبب لجلب الخطية كانت العذراء وسيلة لأن يأتي الابن الحبيب الذي به أتى الخلاص للبشرية لابد أن نشعر بالعذراء في حياتنا وأن تكون في وجداننا المتنيح أبونا بيشوي كامل كان كثيراً ما يصرخ ويقول يا ستي يا عدرا يا أُمي يا عدرا وعندما كان الألم يشتد عليه جداً كنت تسمعه وهو يصرخ يا ستي يا عدرا يا أُمي يا عدرا أي كان يُنادي العذراء فتعرف إنه متألم جداً لكنه بيتشفع بالعذراء جميلة الكنيسة عندما تجعلنا في كل صلاة نُصليها نتذكر العذراء وكذلك في كل قداس وتقول لها ألحان ” إفرحي يا مريم “ ” بشفاعة والدة الإله “ لأنها صارت جزء من نسيج عبادتنا لأنها أُم لنا وتشترك في احتياجاتنا قيل أن مجموعة من الراهبات كن واقفات للصلاة فرأين راهبة غريبة واقفة معهن في الصلاة لكن رأين معها مصابيح مُنيرة تقوم بتوزيعها على الراهبات الواقفات ولاحظن أن بعض منهن وزعت عليهن مصابيح غير مُضيئة فسألتها الراهبة الرئيسة لماذا هؤلاء أعطيتهنَّ مصابيح غير مُضيئة وهؤلاء أعطيتهنَّ مصابيح مُضيئة ؟ فقالت لها اللاتي أخذن مصابيح مُضيئة هن من جئن للصلاة باشتياق وحرارة قلب واللاتي أخذن مصابيح غير مُضيئة هن من أتين للصلاة كروتين فسألتها الأم الرئيسة واللاتي لم يأتين للصلاة ؟ قالت هؤلاء ليس لهنَّ مصابيح السيدة العذراء واقفة وسطنا ترى قلب وفكر كل واحد منا وتساعد كل واحد منا ليقدم صلاة أكثر حرارة وأكثر قبول أمام ابنها الحبيب يسوع أُم أُم حتى في الضيقات يُحكى أنه أثناء حرب 67 أن قُنبلة أُلقيت على كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك ورأى شخص غير مسيحي أن سيدة تلقت القنبلة في حجرها وألقتها بعيداً عن الكنيسة فانفجرت إنفجار بسيط مجرد شرار أحدث كسور في زجاج الكنيسة فقط أما زجاج صورتها فلم يتأثر شهادة والذي يذهب إلى كنيسة العذراء حتى الآن يرى هذا الزجاج في المقصورة وصورتها أُم سهرانة ونحن نائمين نحن لا نعرف أن نعمل أي شئ وهي تعمل عنا هي تشفع في البشر وتقول لابنها إنتظرهم هم أولادك قلوبهم تحبك فتأنَّى لذلك يُقال إنها تكون حزينة في هذه الأيام وتقول لأن أولادي غير تائبين وأحزنوا ابني الحبيب في أحد المرات ظهرت لبعض الأطفال وكانت تبكي فسألوها لماذا تبكي ؟ أجابتهم لأن الناس خاطيين فقالوا لها لا تبكي فقالت لهم عندما يتوبوا الناس أفرح سألوها إذاً ماذا نفعل نحن ؟ قالت لهم أنا لا أظهر لأي شخص لكني ظهرت لكم لكي أعطيكم رسالة تبلغوها للناس قولوا لهم ” الوقت قريب وأنتم تلهون وأنا لا أكف عن الشفاعة لأجلكم عند ابني الحبيب “ مثل شخص ليلة الإمتحان يترك كُتبه ويجلس ليشاهد فيلم في التليفزيون وأبويهِ يتحايلان عليه ليترك الفيلم ويجلس للإستذكار والمراجعة هكذا السيدة العذراء تحايلنا قائلةً توبوا الوقت قريب أُريدكم فرحين لا تلهوا الآن لحظات وفترات قليلة وتنسون الأبدية لا أريد أن أراكم فرحين بالأبدية أُم تعرف احتياجات أولادها أُم قادرة رحيمة مُعينة تُساعد أولادها قيل أنه كان هناك مريض في أحد المستشفيات وكان معه في الحجرة شخص مريض غير مسيحي وكان المريض المسيحي متألم جداً يرقد على جنب واحد لا يستطيع الحركة أو تغيير وضعه فأُصيب بقُرح فِرَاش دون أن يدري وبدأ الميكروب يأكل جسده وفي ليلة جاءت له العذراء وغيَّرت وضعه وغيَّرت له فرِاشه ثم وضعت ملآة على رأسه كأنه في وضع صلاة وفي الصباح إستيقظ فوجد نفسه في وضع لم يكن موجود عليه ليلاً فقال أنه كان يتخيل أنه يحلم وأنه أتته سيدة ليلاً وأيقظته وقالت له ” سلامتك “ وبدِّلت له الفراش وأرته جراحه وقالت له إنها العذراء لكنه غير واثق إن كان هذا ما حدث حقيقة أم حلم ؟ والجميل إنها قالت له أريدك أن تتشفع بي دائماً وأن هناك ما يُحزنني منك فقال لها ما هو يا ستي يا عدرا ؟ قالت له أنت لا تأتي لسهراتي – سهرات كيهك – أريدك أن تسهر سهراتي إذاً هي مُنتبهة لنا في الكنيسة وتعطي مصابيح لأولادها وفي الصباح قال له الشخص الغير مسيحي أن هناك سيدة أتته الليلة فقال المسيحي وأنت أيضاً ؟ قال الغير مسيحي نعم سأله المسيحي وما شكلها ؟ فقال المريض الغير مسيحي نفس المواصفات التي رآها المريض المسيحي وأضاف وقال إنها قالت له اسمها هي ” ستنا مريم “ وسلِّمت عليه وربتت على كتفه وسألته إن كان محتاج لشئ العذراء أم هل تعرف معنى كلمة ” أم “ ؟ أي مصدر كل أمومة صلي مع العذراء واشعر إنها أمك يا لفرحك هل يحلم أحد بأن تكون العذراء أمه ؟ عندما يكون الشخص أمه مهتمة به وتسهر على راحته وتُلبي احتياجاته يفرح بها .. فما بال أن تكون العذراء أمك ؟ يا لفرح الكنيسة بأمومة العذراء التي تعطي كل احتياج دون تقصير لأنها قادرة نحن نقول لها ” أنتِ هي سور خلاصنا يا والدة الإله “ أنتِ تحمينا وتحرسينا كلما اقتربت من يسوع اقتربت من أمه وكلما اقتربت من أمه اقتربت ليسوع لأن الاثنين واحد لذلك عندما تدخل في عِشرة حلوة مع يسوع كرامة العذراء تزداد عندك جداً كنيستنا أدركت كرامتها عند يسوع فعملت لها تماجيد وثيؤطوكيات وصوم وتسبحة لأنها سور الخلاص هي الشورية والقبة هي عصا هارون وقسط المن وتابوت العهد و لأنها مملوءة صفات جيد أن تفرح بأمومة العذراء لك ضع لها صورة في حجرتك وكلِّمها واشعر بها وتشفع بها واجعل بينك وبينها مشاعر وعندما تسقط في الخطية تشعر إنها حزنت منك وعندما تتوب تشعر إنك فرَّحتها لذلك نقول لها ” لأنه ليس لنا دالة ولا حُجة ولا معذرة من أجل كثرة خطايانا فنحن بكِ نتوسل إلى الذي وُلِدَ منكِ يا والدة الإله العذراء “ أنا غير قادر على الوقوف أمام ابنك لأني أخطأت في حقهِ كثيراً أرجوكِ أنتِ أم حنونة إشفعي فيَّ من أجل التوبة والنجاة هل يليق أن تصوم صوم العذراء ولا تتمتع بأمومتها ؟ هل يليق أن تظل علاقتنا بها نظرية حتى بعد صومها ؟ لا الكنيسة تضع لك صورتها نموذج وتعمل تسابيح وتماجيد لتُزيد عشرِتك معها وتخرج من صومها وأنت أكثر صلابة وأعمق عِشرة معها كانت سيدة تقية لها ابنة مغتربة في التعليم وكانت الابنة مُقبلة على فترة الإمتحانات وأرادت أن أمها تكون معها في الإمتحانات فجمعت الأم كل احتياجاتها وسافرت للإبنة وفي أثناء فترة الإمتحانات التي امتدت خمسة عشر يوماً قالت الأم فجأة لقد نسيت شئ مهم جداً لم أُحضره معي وأريد أن أرجع لأُحضره وسألتها الإبنة ما هو الشئ المهم الذي تريد العودة من أجله وتتحمل مشقة السفر ؟ قالت الأم لقد نسيت صورة السيدة العذراء لقد كانت صورة للعذراء تعودت الأم أن تقف أمامها وتكلمها بكل همومها ورأت الإبنة أن هذا أمر لا يستدعي العودة لكن الأم ظلت طوال الخمسة عشر يوم حزينة وأخيراً بعد فترة الإمتحانات عادت لبيتها حيث صورة العذراء التي تحبها ومجرد أن فتحت بابها جرت نحو الصورة وشعرت أن العذراء تحضنها عِشرة وأُمومة وإحساس ليست مجرد صورة لا لابد أن تكون وجود حقيقي للعذراء تكلمها وتُقيم لها تماجيد وتشعر بها السيدة العذراء ليست فكرة نظرية بل جعلتها الكنيسة تماجيد وصوم لابد أن تعرفها وتقول لها” نُعظمك يا أم النور الحقيقي “ وتُصبح ممارسة ونذكرها في صلواتنا وقداساتنا ولترى المشاعر التي يحتاجها الابن من أمه ويكبر الابن ويظل في نظرها طفل تسأل عن احتياجاته التي قد لا يسأل عنها غيرها هل أكلت ؟ نمت ؟ مُستريح ؟ قد لا تفكر الزوجة في هذه الأسئلة رغم إنها أقرب العذراء لا تسأل أكلت أو شربت أو نمت لكنها تسأل هل تُبت ؟ هل تناولت وفرحت ؟ صليت ؟ إعترفت ؟ سبَّحت ؟ عِشت الوصية ؟ أليس الذين قالوا ليسوع هوذا أُمك تطلبك قال لهم من هي أمي واخوتي ؟ ” لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأُختي وأُمي “ ( مت 12 : 50 ) السيدة العذراء تريدنا أن نكون مثلها نسمع كلام الله ونحفظه ما الذي يفرح العذراء ؟ توبتنا وعبادتنا وصلواتنا فرحها بعبادة نقية قدِّم لها أجمل ما تملُك قدِّم قلب مرفوع وذهن نقي وعبادة نقية تخيل إنها عندما تأخذ منك شئ جميل تُقدمه وتُصعده لابنها الحبيب وتفتخر وتقول له خذ هذه الصلاة صلاة فلان وتسابيح فلان وهذه تماجيد فلان وهذا صوم فلان و أم قادرة تعطي نجاة للكنيسة لذلك لها كرامة كبيرة تخيل الكنيسة بعد صعود رب المجد وحلول الروح القدس كانت السيدة العذراء أم للكنيسة يجتمعون حولها ويأخذون إرشادها وتُعالج لهم مشاكلهم وتستر عليهم كأم لا يستطيع أحد أن يقدم لنا ما تقدمه العذراء لنا تخيل لما تقدم لك بركات وأنت لا تعرف كيف تأخذها وتفرح بها ؟! خسارة ليتك تتمتع بأمومة السيدة العذراء أمنا كلنا والشفيعة الأمينة لجنس البشرية والأم القادرة الرحيمة والمُعينة ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين القمص انطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
31 ديسمبر 2021

اتركها هذه السنة ايضا

فحص الذات ... وتجرى الأيام ويعبر العام بما فيه من أحداث جسام من حولنا ونتأثر بها وتؤثر فى حياتنا بلا شك لكن الانسان المؤمن يثق فى الله الذى يقود سفينة حياتنا ويجعل كل الاشياء تحدث من أجل خيرنا ولمنفعتنا الروحية { ونحن نعلم ان كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده} (رو 8 : 28). الانسان الذى يبنى بيته على صخرة الإيمان الواثق لا يتزعزع حتى مع شدة الرياح او العواصف { فكل من يسمع اقوالي هذه ويعمل بها اشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر. فنزل المطر وجاءت الانهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لانه كان مؤسسا على الصخر} مت 24:7-25وكما ان كل مؤسسة ناجحة تعمل حساب ختامى لنهاية العام تبين فيها مدى ربحها أو خسارتها وما هى مواضع القوة والضعف فيها هكذا نحن أيضا نحتاج لوقفة صادقة مع النفس لنعالج عوامل الخلل ونقوى الحلقات الضعيفة ونستثمر مواطن القوة فى شخصيتنا وحياتنا ونتميز ونتفوق فيها. ميزان الحق والصدق مع الرحمة ... نفحص ذواتنا بروح الصلاة وبالتواضع ونتجنب الكبرياء كمن يتجنب النوباء ، نحاسب انفسنا بدون محاباة وبصدق وحق فلا يعرف الانسان الا روح الانسان الساكن فيه الذى ، وفى نور الانجيل وعمل الروح القدس وايضا فى ضوء مراحم الرب الذى صبر علينا هذا العام ززهبنا نعمة البقاء والحياة لنأتى بثمر ويدوم ثمرنا { وقال هذا المثل كانت لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه فاتى يطلب فيها ثمرا ولم يجد. فقال للكرام هوذا ثلاثة سنين اتي اطلب ثمرا في هذه التينة ولم اجد اقطعها لماذا تبطل الارض ايضا. فاجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة ايضا حتى انقب حولها واضع زبلا .فان صنعت ثمرا والا ففيما بعد تقطعها} لو 6:13-9. نجلس مع ذواتنا ونحاسبها أو نعتبها او حتى نعاقبها ونعرف فيما اخطانا او تاجرنا وربحنا فى علاقتنا بانفسنا وبالله وبالاخرين من حولنا ونصلى ونعمل مع الله طالبين عمل نعمته معنا فى كل أيام غربتنا على الارض لننجح فى طرقنا ونعمل من أجل خلاص نفوسنا ومن معنا . فلا أحد معصوم من الأخطاء أو كامل ومنزه عن العيوب والضعفات ولكى نتقدم الى الامام فى بناء شخصيتنا الروحية الناجحة يجب ان نتصالح مع انفسنا ونقبلها كما هى فيما لا نستطيع تغييره من سمات ولكن فى مجال السلوك أو العلاقات فانه فى مقدورنا ان نتصالح بروح الود والاعتراف بالخطاء لمن أخطانا اليه ثم نصنع خيرا وبرا مع من حولنا . لا يجب ان نكتفى فقط ان لا نؤذى انفسنا أو الغير بل يجب ان نحب الناس ونحسن اليهم ونتفانى فى مساعدتهم قدر طاقتنا { لا تمنع الخير عن اهله حين يكون في طاقة يدك ان تفعله }(ام 3 : 27). كما يجب ان نقبل الاخرين بضعفاتهم ونقائصهم وبالمحبة والصبر يأتى التغيير الذى فى استطاعتهم ايضا { لذلك اقبلوا بعضكم بعضا كما ان المسيح ايضا قبلنا لمجد الله }(رو 15 : 7). أعداد النفس للأثمار ... اذ طلب صاحب الحقل من الكرام ان يقطع الشجرة غير المثمرة من الارض لانها لم تصنع ثمراً على مدى عدة سنوات فطلب الكرام ان يصبر عليها سنة أخرى لتثمر ثمراً جيداً وفى سبيل ذلك فان الكرام سيقوم بكل ما هو ضرورى لكى تثمر بان ينقب حولها وينظف الارض من الاحجار وينزع من حولها الحشائش الضارة ويسمد الارض ويتعهدها بالرى والرعاية . نحن نشكر الله على محبته وصبره وطول اناته علينا وفى ذات الوقت يجب ان ننقب ونفحص ذواتنا ونتوب ونعترف بخطايانا ونطلب المغفرة من الله ونقوم من الكسل الروحى ونشمر على سواعد الجهاد ،علينا ان نهتم بخلاص أنفسنا { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه} (مت 16 : 26). يجب ان نبتعد عن كل ما هو ضار بالروح والنفس والجسد ونتخلص من العادات الضارة وننتصر على الرغبات والشهوات والخطايا ولا ندع شئ أو أحد يفصلنا عن محبة الله . نتعهد شجرة حياتنا بالرعاية ... وحتى ما تثمر شجرة حياتنا يجب ان نتعهدها بالرعاية اللازمة ونحميها حتى من الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم التى هى الخطايا الصغيرة لكى لا تتأصل فى النفس ،ونرويها بمياة نقيه التى هى محبة الله والخير والغير ونغذيها باسمدة الخلاص والتقوى ووسائط النعمة . علينا ان لا ننام وقت الزرع والرعايته حتى ما نجنى الثمار فى أوان الحصاد وعندما يحين الميعاد نسمع من رب العباد { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21) استثمار الوقت وتنظيمه اذاً عامل هام فى حياة كل انسان منا فلا يجب ان نهدر أوقاتنا فيما لا يبنى أو لا يفيد فان الوقت من ذهب ان لم تستثمره ذهب ولم يعد . وما لا ينبغى ان تعمله فلا تفكر فيه ولا تتذكره وعاتب نفسك على أخطائها خير لك من ان تعاتب غيرك مبتعدا عن نظر وسماع ما لا يفيد لكى ما تتخلص من فعل ما هو ضار لهذا يوصينا الإنجيل ان نكون حكماء { لذلك يقول استيقظ ايها النائم وقم من الاموات فيضيء لك المسيح. فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لان الايام شريرة. من اجل ذلك لا تكونوا اغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب} أف 14:5-17. علينا ان نستيقظ اذا من نوم الغفله وننسئ ما هو وراء ونمتد الى ماهو قدام . وفى مجال علاقتنا بالله .. يجب ان ننمو فى محبته ونعطيه قلوبنا بكل ثقة ورجاء{ ماذا يطلب منك الرب الهك الا ان تتقي الرب الهك لتسلك في كل طرقه وتحبه وتعبد الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك} (تث 10 : 12) .نخصص الوقت المناسب للصلاة بل تكون حياتنا كلها عشرة محبة وصداقة فيها نسير مع الله ونصلى اليه بالروح والحق ، نصلى اليه ان يقوى ايماننا به ويذيد محبتنا ورجائنا فيه ونطيعه ونعمل على السير تبعاً لارشاده طالبين خلاص انفسنا واهلنا وكنيستنا وبلادنا نخصص وقتا للقراءة فى الإنجيل والكتب الروحية لننمو فى المعرفة والمحبة والعشرة بالله فالقراءة الجيدة ينبوع للصلاة النقية وتنقى الفكر وتبعد عنه العثرات .ونلتصق بالكنيسة ونشارك فى صلواتها واجتماعاتها وتكون امنا روحية لنا . ويكون لنا صداقة روحية بالملائكة والقديسين ورجال الله الاتقياء واصدقاء روحيين ننموا نحن واهل بيتنا فى روح التلمذة للكتاب المقدس والله والكنيسة . علاقتنا بالاخرين.. كلما كنا ناجحين فى علاقتنا بالله طائعين لوصاياه فان ذلك يدفعنا الى محبته وخدمة الناس على كل المستويات . فان الوصية تعلمنا ان المحبة لا تتجزء بل تتكامل ومحبة الله تكتمل بمحبة القريب { يا معلم اية وصية هي العظمى في الناموس. فقال له يسوع تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الاولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء} مت 36:22-40. علينا ان ننمى علاقتنا ونبادر الى صنع الخير مع اهل بيتنا ومن حولنا فى العمل والسكن وحتى نصل بمحبتنا للاعداء والبعيدين فلعاز البلايا يحتاج منا الى البسمة والكلمة الطيبة ومد يد العون فى مجتمع يعج بالفقراء والمحزونين والمساكين والضالين والمحرومين وهذا هو مقياس الدخول للسماء { ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم. لاني جعت فاطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريبا فاويتموني. عريانا فكسيتموني مريضا فزرتموني محبوسا فاتيتم الي. فيجيبه الابرار حينئذ قائلين يا رب متى رايناك جائعا فاطعمناك او عطشانا فسقيناك. ومتى رايناك غريبا فاويناك او عريانا فكسوناك. ومتى رايناك مريضا او محبوسا فاتينا اليك. فيجيب الملك ويقول لهم الحق اقول لكم بما انكم فعلتموه باحد اخوتي هؤلاء الاصاغر فبي فعلتم} مت 34:25-40ان مقياس كمال المحبة هو محبة الاعداء كما قال لنا السيد المسيح { سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل} مت 43:5-48. أما صفات هذه المحبة كثمرة رئيسية فى حياة المؤمنين فقد ذكرها لنا القديس بولس الرسول قائلاً { المحبة تتانى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء. ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق . وتحتمل كل شيء و تصدق كل شيء و رجو كل شيء وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط ابدا } 1كو 4:13-8. بسبب كثرة الاثم فى المجتمع من حولنا نجد الكراهية ونتائجها المرة تنتشر كما قال لنا المخلص الصالح { ولكثرة الاثم تبرد محبة الكثيرين (مت 24 : 12). فدعونا نعمل بقلوب صادقة فى العام القادم ان نطفأ الكراهية بالمحبة والصلاة وصنع الخير ، وبدلا من ان نلعن الظلام فاننا نضئ شموع المحبة الصادقة والتعاون المثمر مع الكل ونقدم المحبة للجميع لاسيما للذين أظلمت حياتهم واختفت منها المحبة { ونحن قد عرفنا و صدقنا المحبة التي لله فينا الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه }(1يو 4 : 16).ان الحصاد كثير والفعلة قليلون وكل واحد منا مدعو للعمل الروحى كسفير للسماء ونورا فى العالم وملحاُ يعطى مذاقة روحية فى مجتمعه . فهل نلب النداء الالهى ونثمر ونقوم برسالتنا وتكون هذه السنة سنة عطاء ونجاح فحياتنا ستنتهى ولكن ليتها تنتهى من أجل عمل صالح وللخير والصالح ولحياة ابدية . دعوة لضبط وقوة النفس... ان الكتاب يوصينا ان نحب قريبنا كنفوسنا . فاعلى مقياس لمحبة للقريب هى ان تحبه كنفسك ولكن يجب ان نحب ذواتنا محبة روحية تخلصها وتنميها وتربطها بفاديها . نهتم باجسادنا كوزنة من الله فلا نهمله او ندمره فى عيش مسرف فما أقسى اضرار التدخين والشهوات ، التى يأذى بها الكثيرين انفسهم . الانسان القوى هو الذى ينتصر على عاداته الخاطئة ويقوى ارادته وعزيمته بلا تردد او خنوع أو خضوع للضعف او الخوف لنعمل على ضبط فكرنا والسنتنا ووزن كل كلمة قبل ان تخرج من السنتنا . ونغذى فكرنا بما هو مفيد وقلبنا بمحبة الله محبة والغيرننمى ارواحنا ونقويها بوسائط الخلاص ونطلب من روح الله ان يقودنا ويهدينا وعندما نعمل على ان نأتى بثمر فان الله ينقينا لنأتى بثمر أكثر { كل غصن في لا ياتي بثمر ينزعه و كل ما ياتي بثمر ينقيه لياتي بثمر اكثر }(يو 15 : 2) نصلى ونعمل ليدوم ثمرنا ويبارك الله حياتنا واهلنا وبيوتنا وكنيستنا وشعبها وبلادنا ومن فيها ، أمين القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
18 أغسطس 2021

اَلقدّيسَة العَذراء وفضيلة الاحتمَال

إن للقديسة العذراء فضائل عديدة جدًا. لعل في مقدمتها الاتضاع، والاحتمال، والتعب سواء في خدمة الآخرين مثل تعبها في رحلة لزيارة أليصابات وخدمتها، مع أنها شابة في حوالي السادسة عشرة من عمرها. وتعبها أيضًا في رحلتها إلى مصر ذهابًا وإيابًا، واحتمالها مشقة الطريق. وتعبها داخل مصر حينما كانوا يطردون العائلة المقدسة من بلد إلى بلد بسبب سقوط الأصنام التي يعبدها المصريون وقتذاك. إلى جوار احتمالها التعب النفساني حينما كانت ترى اضطهادات القيادات الدينية اليهودية لابنها، وأيضًا احتمالها لصلبه.ولما كان من أهم تكريمنا للسيدة العذراء، أن نقتدي بها، فإنني أود هنا أن أذكر كيف نقتدي بها في الاحتمال. ومنها مقدار الاحتمال، التعب في الخدمة. وقد شرح لنا القديس بولس الرسول كيف تعب في الخدمة أكثر من جميع الرسل، وقال إن كل إنسان سيأخذ أجرته بحسب تعبه.وهنا أحب أن أنبه الآباء الكهنة إلى أهمية التعب في افتقاد الناس وفي حل مشاكلهم. وكذلك أنبه جميع الخدام إلى الاهتمام بالتعب في الخدمة. وأذكر قصة ذلك الراهب الذي كان يتعب في خدمة الشيوخ وإحضار الماء لهم من مكان بعيد. فلما ثقل عليه التعب رأى وراءه ملاكًا يكتب شيئًا. فقال له الملاك: "إنني أكتب كل خطوة تخطوها في خدمة أولئك الشيوخ، لكي يمنحك الله أجرًا عليها". حينئذ تعزّى ذلك الراهب وازداد بذلاً في تعبه.ومن أنواع الاحتمال أيضًا، احتمال الظلم. ونذكر مثالًا لذلك يوسف الصديق: الذي احتمل الظلم من أخوته وقد باعوه عبدًا، واحتمل الظلم من امرأة فوطيفار التي اشتكته وادّعت عليه على الرغم من أنها كانت المخطئة. واحتمل الظلم من فوطيفار أيضًا الذي أخذه وألقاه في السجن، على الرغم من أنه كان مخلصًا له جدًا. وبسبب احتمال يوسف الصديق كافأه الله كثيرًا وجعله الثاني في مملكة مصر.وهنا أيضًا احتمال العوز والفقر والجوع. ولعلنا نضرب مثلاً لذلك باحتمال لعازر المسكين، وفي الواقع لست أجد في سيرة هذا البار أي سبب جعله يستحق أن يتنعم في أحضان أبينا إبراهيم سوى فضيلة الاحتمال هذه، الذي كان يتعذب فيحتمل، صار يتعزى أخيرًا.ومن نواحي الاحتمال أيضًا احتمال المرض. ونذكر مثالاً لذلك أيوب الصديق الذي احتمل مرضًا مؤلمًا من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. وقال لزوجته «أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟».وفي الاحتمال أيضًا نذكر احتمال موت الأحباء وبخاصة الذين ماتوا فجأة. ولا شك أن الله قد سمح بذلك لخيرهم. فموتهم هكذا أسهل بكثير جدًا من الموت على فراش المرض لمدة طويلة يتحمل فيها المريض عذابات شديدة.ومن أسمى أنواع الاحتمال، احتمال المجد والكرامة. ونذكر هنا أن القديسة العذراء قد احتملت مجد التجسد الإلهي في ظهور رئيس الملائكة جبرائيل لها وتبشيرها بعمل الروح القدس فيها، وبأن القدوس المولود منها يُدعى ابن الله. واحتملت الظهورات المقدسة، ومجيء المجوس إليها، وسجودهم لابنها، وتقديمهم الهدايا ذهبًا ولبانًا ومرًا. واحتملت أمجادًا كثيرة تُحيط بابنها.. كل ذلك دون أن تفتخر أو تتعالى، بل كانت «تحفظ كل هذه الأمور متأملة بها في قلبها». حقًا كما قال القديس أنطونيوس الكبير: "هناك من يستطيعون احتمال الإساءة، ولا يستطيعون احتمال الكرامة. لأن احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة". ذلك لأن شخصًا قد ينال كرامة أو رفعة في منصب كبير، أو مال وفير. وحينئذ يرتفع قلبه، ويتعالى على الآخرين، وتهز الكرامة روحياته فينتفخ ويتعجرف! ويتغير قلبه وفكره. لأنه لم يستطع أن يحتمل الكرامة.هناك نوع آخر من الاحتمال قد اختبرته القديسة العذراء مريم. وهو احتمال ترك المشيئة. فما كانت تظن يومًا أنها ستحبل وتلد ولكن لما أخبرها الملاك أن هذه إرادة الله، أجابت في ترك لمشيئتها «لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ».يذكّرنا هذا بالراهب الذي كان يحب أن يحيا حياة الوحدة والهدوء والسكون والتأمل. ولكن مشيئة الله دعته إلى الخدمة. وكان عليه أن يتنازل عن مشيئته، ويقول لله لتكن مشيئتك.من أنواع الاحتمال أيضًا احتمال أخطاء الآخرين. وفي هذا ما أكثر ما يعجز الناس عن احتمال اساءات الغير. ويحاولون أن ينتقموا لأنفسهم، ولا يحوِّلون الخد الآخر. وأتذكر أنني قلت يومًا في اجتماع لجنة البر: "ليس واجبنا فقط أن نعطي الناس احتياجاتهم، إنما واجبنا أيضًا أن نحتمل ضعف هؤلاء في ادّعاءاتهم. فالفقر هو الذي ألجأهم إلى ذلك".من أنواع الاحتمال: احتمال انتظار الرب. فقد يصلي إنسان ويطلب طلبة معينة وتمر فترة طويلة ولا يشعر أنه قد نال مراده. وربما يتذمر على الرب ويعاتبه! إن أبانا إبراهيم وعده الرب أن يمنحه نسلًا، ومرت سنوات طويلة جدًا ولم ينل هذا النسل. فلجأ إلى الزواج من هاجر برغبة ونصيحة من زوجته سارة. في عدم الانتظار نقرأ في المزمور «اَلَّلهُمَّ، إِلَى تَنْجِيَتِي. يَا رَبُّ، إِلَى مَعُونَتِي أَسْرِعْ»، عبارة «أسرع» تدل على أن المصلي لم يحتمل الانتظار.ومن أنواع الاحتمال أيضًا: احتمال التجارب، احتمال التأديب، لأنه «إن تزكى ينال إكليل الحياة».إن الله تبارك اسمه يقدم لنا أكبر مثال للاحتمال، وهو ذاته احتمل الأمم سنوات طويلة وهم يعبدون غيره من أنواع عبادات متعددة، وهكذا احتمل الوثنية حتى عادت وآمنت به. وقد احتمل الشيوعية في روسيا لمدة سبعين عامًا، وهم يشيعون أن لا إله! وأيضًا احتمل الخطاة حتى يتوبوا. احتمل أوغسطينوس، وموسى الأسود، ومريم القبطية. وغيرهم... إلى أن تحول هؤلاء إلى قديسين. ولم يتوبوا فقط، بل نموا في حياة الفضيلة إلى درجات عالية.واحتمل اللص اليمين طول حياته، إلى أن ذكره هذا اللص على الصليب.ونرى أمثلة أخرى للاحتمال في موسى النبي الذي احتمل شعبًا متذمرًا لسنوات عديدة، بل أنه أكثر من هذا كان يدافع عنهم أمام الله ويمنعه من إفنائهم.ونرى مثلًا آخر للاحتمال: داود النبي والملك الذي احتمل أبشالوم ابنه الذي نافسه في المُلك، وأقام جيشًا يحاربه، ودخل على جواريه. ولما قُتِل أبشالوم في الحرب، بكى عليه داود وقال: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ! يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضًا عَنْكَ!».ومن أوضح الأمثلة في الاحتمال احتمال الأم لابنها في صياحه وبكائه وفي عناده وتمسكه برأيه. تحتمله في بطنها، وفي حجرها، وفي حملها على كتفها، وفي تعليمه الحياة.والاحتمال هو وصية إلهية. فيقول الكتاب «مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا» (أف4: 2). وأيضًا «فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ» (رو15: 1).وأيضًا «المحبة تحتمل كل شيء لأنها لا تطلب ما لنفسها»، ويقول القديس بولس الرسول: «نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ».أما لماذا نحتمل؟ فإننا نحتمل أخطاء الآخرين، كما احتملنا الله أيضًا، وكما يحتملنا. والاحتمال يدل على الوداعة، وطول البال، وسعة القلب. ونحن نحتمل الغير أيضًا لكي نكسبهم. وكما قال القديس يوحنا ذهبي الفم: "هناك طريقة تستطيع بها أن تقضي على عدوك، وهو أن تحول العدو إلى صديق". ونحن لا نستطيع أن نحول العدو إلى صديق إلا باحتمالنا له، بل وإحساننا إليه حسب وصية الرب.وأنت إن لم تحتمل فسوف تتعب أعصابك. وقد تُصاب بمرض من ضغط الدم، والسكر، وأيضًا تخسر الناس. وفي عدم احتمالك تكون قدوة سيئة لغيرك. وكما ورد في سفر الأمثال «لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ تَعْدِلَهُ أَنْتَ»، أي تصير مثله في أسلوب الهجوم والصياح، فتعثر الناس الذين يشاهدونك.وفي عدم الاحتمال قد يلجأ الناس إلى طرق خاطئة، بزعم الدفاع عن حقوقهم، أو استرجاع كرامتهم.وأهم سبب للاحتمال هو محبة المخطئين والعطف عليهم وتقدير ضعفهم وظروفهم. وهكذا قيل عن الرب في المزمور «لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثامِنَا.لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ».والرب في احتماله لأخطائنا، أحيانًا يلتمس العذر لنا كما قال الرب على الصليب طالبًا المغفرة لصالبيه «لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ».ومما يساعد على الاحتمال: القلب الواسع، وقوة الأعصاب. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل