المقالات

22 أكتوبر 2020

شخصيات الكتاب المقدس أخنوخ

"وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" تك 5: 24 مقدمة لا أعلم كيف فاتني أن أتعمق في دراسة شخصية أخنوخ، ولا أعلم كيف فاتني -لسنوات متعددة- أن أقترب أكثر من هذا الشعاع من النور الذي أضاء في فجر الحياة البشرية، ولا أعلم لماذا لم أصدق في هذه الهالة التي لفت وجه الرجل السابع من آدم، الذي يقول البعض: إنه اسمه يعني "المبتدئ" أو "الجديد" أو "المكرس" وعلى أي حال فإن العدد "سبعة" رمز الكمال في لغة الكتاب، ويبدو أن الرجل كان بمثابة بداية جديدة أو نقطة تحول في مفهوم التكريس وعمقه وجلاله ومجده أمام الله والناس،.. هل يرجع الأمر إلى أن الكلمات التي جاءت عنه كانت قليلة ويسيرة في أربع آيات في سفر التكوين وآية واحدة في الرسالة إلى العبرانيين، واثنتين أخريين في رسالة يهوذا؟!! أم لأننا مرات كثيرة لا تستلفت القصة أنظارنا إن لم تكن مصحوبة بوقائع معينة، تعين على الرؤيا أو تحديد الملامح؟!! أما لأننا في عجلة الحياة وسطحيتها وضجيجها وعدم تعمقها نغفل عن أن نطل على الجواهر المتلئلئة المضيئة، فلا نرى الرجل الذي كان أشبه بالفلته النادرة في عصره فعاش الحياة ولم ير الموت، لأنه عاش أجمل حياة على الأرض، وبرح الدنيا إلى حياة أبدية أسمى وأجمل، دون أن توضع على شفتيه كأس المنون ليجرعها، كما يجرعها كل إنسان على الأرض؟!!.. لقد أفلت أخنوخ وإيليا من الموت، ولن يوجد على شاكلتهما إلا أولئك الأحياء الذين يعيشون دون أن يروا الموت في المجيء الثاني السعيد!!.. من يكون هذا الرجل وما هي السمات التي يمكن أن تتميز بها شخصيته الرائدة العظيمة؟.. إنه في تصوري هو "المتصوف" الأول في الحب الإلهي إن جاز هذا التعبير؟!!.فإذا قرأنا عن قافلة المحبين لله، الذين يركضون في سباق الحب الإلهي، فسنجد هذا الرجل أول المتسابقين في فجر الحياة البشرية!!.. لقد فتحت عينيه على الله، وإذ رآه لم يعد يرى شيئاً في الوجود غيره، فتن بالله، واستغرقه الحب الإلهي، وكان أسعد إنسان في عصره يسير هائماً مع الله، وقد ازدادت سعادته بهذا اليقين الذي ملأ قلبه أنه أرضى الله،.. وإذا صح أن رجلاً إنجليزياً عطوفاً تحدث ذات يوم إلى غلام كان يمسح حذاءه، وكان البرد قارساً،.. وقال الإنجليزي للغلام بعطف عميق: يا غلام.. هل أنت مقرور؟، وأجاب الغلام بابتسامة عميقة: لقد كنت كذلك يا سيدي إلى أن ابتسمت في وجهي!!.. إذا صح أن وجهاً بشرياً يطل على آخر فيصنع الابتسامة ويشيعها فيه، فكم يكون الله الذي أطل على أخنوخ ورضى عنه وأحبه!!.. إنها قصة جميلة رائعة، تستدعي تأملنا وتفكيرنا، ولذا يمكن أن نرى أخنوخ من عدة نواح. أخنوخ من هو؟!! لا أستطيع أن أتصور أخنوخ دون أن أراه الإنسان ذا الهالة والوجه النوراني، وهل يمكن لإنسان أن يعيش مع الله، ويسير في صحبة الله، دون أن تطبع الصورة الإلهية، أو الجمال الإلهي عليه؟. لقد صعد موسى إلى الله أربعين يوماً وأربعين ليلة، وعاد وجهه يشع بالنور وهو لا يدري، ولم يعرف حقيقة حاله، إلا من فزع الإسرائيليين الذين لم يستطيعوا أن يبصروا هذا الإشعاع من النور دون رهبة أو إجلال أو فزع، ولقد تعود موسى أن يضع البرقع على وجهه، ليغطي هذا النور كلما اقترب من الناس أو التقى بهم، فكيف يمكن أن يكون أخنوخ الذي تعرف على الله وهو في الخامسة والستين من عمره، وسار مع الله ثلاثمائة عام بأكملها من ذلك التاريخ؟!! وإذا صح أن "دانتي" كان يرسم على وجهه -وهو يكتب الكوميديا الإلهية- كل التأثرات والانفعالات التي تجيش في نفسه، فإذا كتب عن السماء، فهو أرقى إلى الملاك وهو يكتب، مأخوذاً بالصور السماوية الرائعة،.. وإذا تحول إلى الجحيم يدير وجهه، وكأنما الشيطان ينعكس من خلال ملامحه ونظراته، فهو أدنى إله وأقرب،.. وإذا صح أن الحياة تطبع على وجه الإنسان في الأربعين من عمره -كما يقال- معالمها من ذات السلوك الذي يسلكه بين الناس، فإن الرجل الذي يسير ويستمر مع الله في سيرة ثلاثمائة عام متوالية، لابد أن ينال من الجمال الإلهي ما لم يعرفه معاصروه أو أجيال كثيرة تأتي بعده،.. وهو الرجل النافذ النظر، البعيد الرؤيا، الحالم الوجدان، الذي يمد بصره إلى ما وراء المنظور، فيرى من لا يرى، شخص الله الذي آمن به، واستولى على كيانه وسيطر على كل ذره من تفكيره وعواطفه وبنيانه،.. وإذا كانوا قد قالوا: أن المصور المشهور "هولمان هانت" عندما قيل له كيف يستطيع أن يصور المسيح ويرسمه دون أن يكون قد رآه،.. أجاب: إني سأراه وأعيش معه، سأراه طفلاً في مذود بيت لحم، وسأذهب وراءه إلى مصر، وأعود معه إلى الناصرة، وأصعد وإياه فوق جبل التجلي، وأجول معه في جولاته بين الناس، وأتمشى وراءه في أورشليم، ولن أترك مكاناً ذهب إليه دون أن أذهب، وسأرسمه مأخوذاَ بهذه كلها، فإذا صح أن هذا المصور يعيش بخياله مع المسيح على هذا النحو الجليل فإن أخنوخ -وهو يضرب بقدميه في كل مكان، وقد أخذ الله بلباب حياته- لابد أن يكون الإنسان السارح الفكر البعيد الخيال، الممتد الرؤيا، الكثير التأمل، بل لعله من أقدم الشخصيات التي صلت فأطالت الصلاة، وناجت فمدت المناجاة، وهل يمكن أن يسير مع الله وهو أصم أو أعمى أو أبكم، لقد استيقظت حواسه بأكملها، فهو سامع مع الله، متكلم معه، وهو الذي سيجد من الشركة مع الله، ما يعطيه أن يشدو ويترنم ويسبح ويغني!!.. فإذا أضفنا إلى ذلك أن هذا الرجل كان واحداً من أقدم المحبين الذين ملأ حب الله قلوبهم بل لعلنا نذهب أكثر فنراه المتصوف الذي بلغ أعلى درجات الحب الإلهي،.. فإذا كان اليونانيون قد جاءوا بعد آلاف السنين ليفصلوا أنوع الحب، وكانت هناك كلمات ثلاث مختلفة عندهم الأولى Evrn وتعني حب الشهوة ليس بين الرجل والمرأة، بل كل الأنواع التي تستحق أن تملك كمثل حب الجمال أو الخير، أو الحب الذي هو أساس الحياة الأدبية كحب الفضيلة، أو أساس الحياة الفنية كتذوق الجمال، أو أساس الحياة الفلسفية، وقد رأوها في حب الآلهة، أو الأبدية أو الخلود.. وكانت الكلمة الثانية Phibein وهي حب الخير غير الأناني الذي يعني بالإنسان والصديق والوطن وما أشبه، وكان اليونانيون يصفون به أعلى الناس، وقد وصفت به أنتيجون، الفتاة التي تابعت أخاها حتى القبر، وظلت إلى جوار جثته حتى ماتت، ووصفت به نبلوب التي ظلت عشرين عاماً تحدق في الفضاء البعيد تنتظر مجيء زوجها وسفنه الضائعة،.. والكلمة الثالثة Agapan وقد استخدمت في أكثر من معنى، وشاعت عباراتها بالمعنى السالف للكلمتين، وإن كانت تعبر عن الحب القوي العميق!!.. إذا كان أخنوخ في فجر الحياة البشرية لم يفصل أو يفرق بين هذه الأنواع، إلا أنه عاشها، فقد عاش يتذوق الحب الإلهي، ولعله صاح طوال حياته للناس: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب، كما صاح المرنم الذي تغنى بذلك بعد آلاف السنين، أو لعله قال: "إلى اسمك وإلى ذكرك شهوة النفس بنفسي اشتهيتك في الليل أيضاً بروحي في داخلي إليك أتبكر لأنه حينما تكون أحكامك في الأرض يتعلم سكان المسكونة العدل. يرحم المنافق ولا يتعلم العدل. في أرض الاستقامة يصنع شراً ولا يرى جلال الرب" كما قال إشعياء فيما بعد!!. وعاش الحب الذي خرج به عن نفسه، واستغرق لا العشرين عاماً التي عرفتها بنلوب وهي تحدق في الفضاء البعيد، والتي لم تر بغير زوجها بديلاً،.. ولم ير زوجها بغيرها بديلاً –حتى في جنات الآلهة كما سرح الخيال الوثني- وظلا كلاهما على الوفاء بعد حروب تراوده حتى التقيت آخر الأمر،.. إن حب أخنوخ لله، كان هو التصوف الذي أشرنا إليه، والذي عاشه ثلاثمائة عام، وتجاوز به حاجز الموت حتى التقى بالله ليسبح في بحر الحب الإلهي إلى آباد الدهور!!.وكان أخنوخ –ولا شك كما وصفه الكسندر هوايت- أسعد إنسان في عصره، ورغم أن العصر الذي عاش فيه –كما سنرى- من أشر العصور وأفسدها،.. لكن الرجل مع ذلك وجد جنته الحقيقية في السير مع الله،.. إنه لم يفزع من الله كما فعل آدم عندما زاره الله في الجنة، وكان عرياناً يخجل من خطيته، ويتنافر بالخطية تلقائياً عن محضر الله أو السير معه،.. إلا أن أخنوخ كان على العكس، لقد أدرك ترياق الله من الخطية، وتعلم كيف يتقرب إلى الله بالذبيحة، بل يلتقي المحبان في نشوة الحب وعمقه وصدقه وجلاله وحلاوته،.. وأجل وتلك حقيقة أكيدة إذ أن حب الله استحوذ عليه فغطى على كل عاطفة أخرى، وجاء البديل لكل حاجة أخرى، وأسكره وهو يعلم أو لا يعلم عن كل خمر يمكن أن يقدمها الناس بعضهم لبعض في هذه الحياة!!.. لقد عرف أخنوخ لغة الشاعر المتصوف الذي أنشد قصيدته بعد ذلك وهو يقول لله: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا نلت منك الود يا غاية المنى فكل الذي فوق التراب تراب وكان أخنوخ أكثر من ذلك الرجل الغيور الملتهب، إن سيره مع الله لم يحوله إلى مجرد إنسان تأخذه النشوة، فيعيش في الأحلام دون أن يرى الواقع الذي يلمسه في العالم الحاضر الشرير، لقد زمجر كالأسد كما جاء في رسالة يهوذا قائلاً: "قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار"، وهنا نرى رجلاً ممتلئاً من الشجاعة، وقف إلى جانب الحق ومواكبه، ورفض أن يساير الباطل أو يرضى على الكذب أو يعيش في دنيا الخداع والنفاق والضلال،.. لقد أدرك أن الحق حق، وسيبقى ويسير هو إلى جانب الحق، حتى ولو امتلأت الدنيا بالباطل!!.. كان شجاعاً، وكان غيوراً، وكان الشاهد على عصره، لعصر يجري سريعاً ويستعد للطوفان المدمر المقبل الرهيب!! أخنوخ المجدد ولعله من الواجب أن نلاحظ هنا، أن ما أشرنا إليه عند تحليل شخصية أخنوخ، لا يعني بذلك أنه كان من طينة غير طينتنا، أو من طبيعة غير الطبيعة البشرية.. لقد ولد أخنوخ في عالمنا وجُبِّل كما جُبِّلنا،.. وهو يمكن أن يقول ما قاله آخر فيما بعد: "ها أنا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي".. لقد ولد أخنوخ بالخطية، وفي الخطية، ولكنه كأي مؤمن آخر، عرف الحياة الجديدة، والولادة الثانية.. ومن العجيب أن هذه الولادة.. جاءت نتيجة ولادة ابنه، إذ يقول الكتاب: "وسار أخنوخ مع الله بعدما ولد متوشالح".. لقد تطلع إلى وجه ابنه، ومن خلال هذا الوجه عرف الآب السماوي، لست أعلم مدى حبه لهذا الولد، ولكن هذا الولد كان بمثابة الفجر الجديد في حياته الروحية، أو في لغة أخرى: لقد أدرك أخنوخ أبوه الله عندما أصبح هو أباً، ومن خلال حنانه على ابنه أدرك حنان الله عليه.ما أكثر الوسائل والطرق التي يستخدمها الله حتى تفتح عيوننا على ذلك الطارق العظيم الذي يقف على الباب ويقرع، فإن سمع أحد وفتح الباب، يدخل إليه ويتعشى معه، وهو معه،.. ومن الناس من يجذبه الله بالعطية، فتأتي قرعته الحبيبة في صورة إحسان دافق، وخير عظيم. قد يعطينا ولداً يؤنس حياتنا، أو معونة تسد حاجتنا، أو رحمة تقابل تمردنا وعصياننا،.. قد يأتي إلينا كما جاء إلى يعقوب الهارب في دجى الليل، بعد أن خدع أباه وأخاه، وكان من الممكن أن يقسو الله عليه أو يعاقبه، ولكنه على العكس رأى سلم السماء والله فوقها يقول له: "أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله اسحق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أُعطها لك ولنسلك ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض، وها أنا معك وأُحِطَك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض ولا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به".. وقد كان الله أميناً ودقيقاً وصادقاً في وعده إلى الدرجة التي جعلت يعقوب في عودته يصرخ أمامه قائلاً: "صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك، فإني بعصاي عبرت هذا الأردن والآن قد صرت جيشين".. وقد يأتي الله بصور متعددة أخرى، قد يكون ظاهرها الغضب، وباطنها الرحمة، أو شكلها التأديب وقلبها المحبة،.. ولكنها على أي حال هي نداءات الله إلى النفس البشرية حتى تعود من الكورة البعيدة إلى بيت الآب حيث الفرح والبهجة والحرية والجمال والعزم. وقد جاء هذا النداء بقدوم متوشالح ومعه عندما كان أخنوخ في الخامسة والستين من عمره!!.. أخنوخ المؤمن فتح أخنوخ بالتجديد الصفحة العظيمة في العلاقة بالله، وهي ما أطلق عليها سفر التكوين: "وسار أخنوخ مع الله بعد ما ولد متوشالح ثلاثمائة سنة وولد بنين وبنات".. أو ما دعاه كاتب الرسالة إلى العبرانين حياة الإيمان، "بالإيمان نقل أخنوخ لكي لا يرى الموت ولم يوجد لأن الله نقله إذ قبل نقله شهد له بأنه قد أرضى الله ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه".. أي أن السير مع الله، كان حياة الإيمان المرضية لله، والمبهجة لقلبه،.. ولم يكن هذا السير جدولاً رقراقاً بل نهراً متدفقاً، ولم يكن فتيلة مدخنة، بل ناراً متوهجة،.. أو في لغة أخرى كان إيماناً قوياً كاسحاً غلاباً لا يتذبذب، وهو بهذا يعد من أبطال الإيمان، وإذا شئنا أن نحلل إيمانه أو نصفه، يمكن أن نراه أولاً وقبل كل شيء المؤمن ذهناً، أو المؤمن الذي آمن عقلياً بالله، وكل خلية في ذهنه كتب عليها الله،.. لقد ابتدأ بما انتهى إليه الفيلسوف ديكارت،.. لقد أراد ديكارت أن يصل إلى الله، فبدأ من النقطة التي عزل فيها فكره عن كل مسبقات،.. وافترض أنه لا يوجد شيء يؤمن به، فهو لا يرى الطبيعة، وقد يكون الإيمان بها هو ختال النظر، وخداع الحس، وهو لا يؤمن بالله، فقد يكون الله موجوداً أو غير موجود، وظل ديكارت يشك في كل شيء إلى أن بلغ النقطة أنه لا يشك في أنه يوجد إنسان يشك، ومن سلم الشك آمن أنه موجود، إذاً فلابد أن له عقلاً، وأن هذا العقل يستطيع أن يفكر، وأخذ من سلم الشك طريقه إلى الإيمان، حتى توج هذا الإيمان بوجود الله، علة كل معلول، لا أعلم إن كان أخنوخ فكر في شيء من هذا، لكني أعلم أنه آمن بوجود الله وأدرك أن الله هو الحقيقة العظمى في الوجود، بل إن الله هو حقيقة كل حقيقة وصلت إلى ذهن الناس، وبلغت إدراكهم، فالله هو علة كل معلول، ومسبب كل سبب.. على أن إيمان أخنوخ لم يكن مجرد إيمان عقلي، بل كان أكثر من ذلك هو الإيمان الوجداني الذي تملك عاطفته، وسيطر على مشاعره وإحساساته،.. إن عواطفه كانت كلها إلى جانب الله، هل رأى الله في الطبيعة الساحرة؟!! هل رأى الله في الزنبقة الجميلة؟!! هل رأى الله خلف العصفور المغرد؟!! هل رأى الله في الخضرة المذهلة؟!! هل رأى الله في السموات البعيدة؟!! هل رآه في الشمس والقمر والنجوم؟، لقد رآه كاتب المزمور الثامن والتاسع عشر، ورآه وردثورت في الجبال العظيمة، ورآه يوناثان إدواردس في مظهر الطبيعة الخلاب، ورأته أعداد من الناس لا تنتهي، ممن يتحسسون الجمال، فلم يؤمنوا بجمال الطبيعة فحسب، بل قالوا مع الشاعر العظيم ملتون: بناء هذا الكون بناؤك وهو عجيب الجمال فكم أنت في ذاتك عجيب!!.. ورأى أخنوخ الله أكثر في أعماق نفسه فهو لا يرى الله حوله، بل أكثر من ذلك يرى الله داخله، أو كما وصفه أحدهم بالقول: إنه لم يره في الجمال الخارجي فحسب، بل رآه في جمال الداخل، في ذلك الشيء الحلو الدافق الذي يغمر قلبه، وفي السكرة اللذيذة التي تدغدغ حياته،.. إنه ذلك المحب الذي يسرح بعيداً بطرفه لا لأنه يرى شيئاً أمامه، بل لأنه الحب الرابض في أعماقه وقلبه، وهو الذي يتمتم بكلمات غير مسموعة، لأنه يناجي وجدانه الداخلي، وهو مرات كثيرة يمتليء بالبشاشة والسرور، لأن منظر المحبوب ومض أمام عينيه بصورة تبعث على النشوة، وتملأ الجوانح بسعادة لا توصف،.. وهكذا كان أخنوخ يسير مع الله وكأنما يشرب كأساسً منزعة مردية من الراح!!.على أن أخنوخ في سيره مع الله كان أكثر من ذلك المؤمن اختباراً وعملاً،.. كانت له جنته الحقيقية في قصة الحياة اليومية العملية مع الله، ونحن لا نعلم هل كان الله يظهر له بين الحين والآخر كما كان يظهر لأبينا إبراهيم؟ لكننا نعلم بكل تحقيق أن صلته لم تكن منقطعة بالسماء، وكل ما يفعله الإيمان في حياتنا اليومية، كان من المؤكد يفعله في حياة ذلك الرجل القديم،.. وهل هناك من شك في أن أشواقه كانت سماوية، ففي الوقت الذي كان فيه معاصروه يضجون بما تضج به الحياة الأرضية من أكل وشرب ولهو ولعب وتجارة وعمل وصراع وقتال، كان هو يسير بقدميه على الأرض، وأشواقه وأنظاره متطلعة إلى السماء.. كان متخفف الثقل من الجاذبية الأرضية، إنه لم يكن يعيش ليأكل "بل يأكل ليعيش.. وكان الناس يحيون في العالم ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، وأفكارهم واهتماماتهم في الأرضيات، أما هو فعاش ثلاثمائة وخمسة وستين عاماً، وأفكاره بعد الحياة المجددة لمدة ثلاثمائة عام أفكاره سماوية، عاش الناس يزرعون حدائقهم، ويرون أشجارهم، ويأكلون ثمارها، أما هو فكان يعيش بطعام أبقى وأسمى، وهو يأكل من حديقة الله غير المنظورة في الشركة مع سيده، كان طعامه من المن المخفي في العلاقة بسيده،.. ولم تكن مجرد الأشواق هي التي تفصل بين أخنوخ ومعاصريه،.. بل الصلاة أيضاً، لقد عرف الصلاة بكل أنماطها وألوانها في العلاقة مع الله، كان من أوائل الذين تخاطبوا مع الله، وأكثروا الصلاة،.. فحياة الشكر كانت على لسانه في كل وقت،.. هل رأى عصفوراً يغرد على شجرة؟.. إنه يشكر الله الذي صنع الشجرة، وصنع العصفور، وصنع الصوت الجميل الذي يغرد به العصفور؟!! هل تمتع في الحياة بمتعة ما، إنه يشكر الله الذي هو مصدر كل متعة يحس بها بين الناس.. وهل احتاج إلى شيء، وانتظر أمراً؟ إنه قبل أن يتحدث به مع الناس، أو يتخاطب به مع البشر، يخاطب به الله الذي يستودعه كل انتظاراته واحتياجاته؟!!.. هل جاءت الغيمة، وغطت الشمس، وحل الظلام؟.. إنه يؤمن بأن الشمس خلف الغيمة، وأنه مهما تتلبد الغيوم، فإنها لابد أن تنقشع، ويعود النور مرة أخرى، وتتوارى التجارب والآلام والمتاعب!!.. إنه على أي حال يصلي بصلوات وابتهالات وتضرعات،.. لأن الصلاة عنده هي النداء الذي يتجه به إلى الله في السماء!!.. لم تكن الحياة عند أخنوخ مجرد التطلع إلى الغيبيات، بل كانت أكثر من ذلك، الحياة التي تواجه الواقع في مختلف ألوانه وظروفه، هل ناله الأذى من الناس؟ وهل أمعنوا في إيذائه؟ هل تحولت الحياة ضيقاً ما بعده من ضيق؟.. لقد عرف الرجل طريقة إلى النصر، في النظر إلى معنى الضيق في الأرض، لقد أدرك نفسه غريباً في الأرض، يطوي الزمن كما يطوي الجواب الصحراء القاسية، ولابد من الوطن، والضيق يهون، ما دام السبيل إلى الله يتدانى ويقترب، وخفة ضيقته الوقتية ستنشئ أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً!!وفي كل الأحوال واجه أخنوخ الحياة، وكافح الصعاب والمشقات والمتاعب، ولعله أدرك الحكمة التي غابت عن الصبي الصغير الذي وقف يرفع حجراً ثقيلاً –كما تقول القصة- وكان أبوه يرقب محاولته اليائسة دون جدوى،.. وقال الأب –وقد أدرك جهد ابنه البالغ. هل جربت يا بني كامل قوتك في رفع الحجر؟!!، وأجابه الصغير: نعم يا أبي، وليس عندي قوة أكثر من ذلك.. وقال الأب: لا أظن يا بني فمثلاً أنا قوتك، ولم تدعني لمساعدتك على رفع الحجر!!.. كان أخنوخ يعلم أن الله قوته التي يستعين بها في مواجهة كل صعوبة أو مشكلة أو معضلة أو تعب كان أخنوخ السابع من آدم نبياً، وكان من الأنبياء الشجعان الأقوياء، وعندما رأى الفساد يتزايد في الأرض ويستشري، زمجر كالأسد في مواجهة الخطاة، وكشف لهم عن دينونة الله الرهيبة العادلة، وغضب الله الذي سيلحق بفجور الناس وإثمهم، وربما كان أخنوخ أول من تحدث عن عقاب الله الأبدي الرهيب!!.. أخنوخ الخالد كان أخنوخ الأول في الجنس البشري الذي قفز فوق سور الموت، ودخل الحياة الأبدية دون أن يتذوق كأسه القاسية المريرة،.. وكان أول البشر في الإعلان عن الخلود في الصفحات الأولى من كتاب الله، بل كان أولهم الذي يمكنه أن يقول: وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوماً فيوماً، لم يكن هناك موت بالنسبة لأخنوخ، بل كان هناك انتقال وتطور، كان هناك مجرد انتقال من رحلة الأرض إلى رحلة السماء،.. هل انتقل في مركبة من نار كما انتقل إيليا؟ أم انتقل إذ أخذته سحابة كما أخذت المسيح عن أعين التلاميذ؟.. وهل جاء الانتقال أمام الناس كما يعتقد الكثيرون، حتى يبدو الأمر شهادة على سيطرة الله على الموت؟ أم اختفى فجأة على وجه لم يستطع أحد معرفة مكانه، وعبثاً وجدوا مكانه كما فعل أبناء الأنبياء عندما حاولوا التفتيش على إيليا؟ على أي حال.. لقد امتلأ أخنوخ بالحياة مع الله، وتشبع بهذه الحياة، حتى لم يجد الموت مكاناً له عنده،.. إنه يذكرنا بأسطورة الرجل الذي قيل أن الموت جاءه مفاجأة ذات يوم، وطلب الرجل إمهاله بعض الوقت، وقيل أن الموت أمهله قائلاً: سأعود إليك بعد سنة وشهر ويوم وساعة،.. وفزع الرجل محاولاً أن يجد السبيل إلى الخلاص من الموت، فذهب إلى الشمس وسألها: هل يمكن الهروب من الموت؟.. وأجابته الشمس: إنها تشرق على الناس وصرخاتهم كل يوم وهم يدفنون من لهم، ولم يحدث في يوم واحد أن غاب الموت عن الناس في الأرض،.. ذهب إلى الرياح يسألها: هل يمكن الهروب من الموت؟ وأجابته الرياح: إنها تلف الكرة الأرضية، وتلف بالصارخين الذين يصرخون وراء موتاهم في الأرض، ذهب إلى البحر يسأل: هل يمكن الهروب من الموت؟ وقال له البحر: ما أكثر الذين ضمتهم الأمواج والمياه من الغرقى أو الذين ماتوا على ظهر السفن، وطوح بهم تأكلهم الأسماك.. وحار الرجل، وفي حيرته التقى بملاك فوجه إليه السؤال: هل يمكن الهروب من الموت؟.. وقال الملاك: إنك تستطيع إذا سرت في موكب الأرض، والتقيت بالطفل الصغير الباكي، وعليك ألا تتركه حتى يضحك، والبائس حتى ترسم السعادة على شفتيه، والمنكوب حتى يرتفع فوق مأساته ونكبته ويترنم،.. وصدق الرجل، ووقف أمام آلام الناس وأحزانهم ومآسيهم وتعاساتهم، وهو يحول الدموع إلى الضحك والابتهاج والترنم،.. وقيل إن كل ابتسامة أوجدها على فم صغير أو كبير، انتقلت إليه وحولته هو إلى ابتسامة كبرى، دهش الموت عندما جاء لأنه وجد الرجل طيفاً مبتسماً في الأرض،.. هذه خرافة ولا شك، ولكنها تحمل المعنى العميق بالنسبة لأخنوخ، لقد ظل أخنوخ يتخفف من ثقل الأرض، ويرتفع في اتجاه السماء، حتى أفلت من الجاذبية الأرضية، وأخذته السماء بكل ما فيها من جلال وعظمة وبهجة ومجد.. ولم يوجد لأن الله أخذه قد تسألني: ولكن كيف يمكن أن يكون هذا، وكيف يتحول الجسد المادي الحيواني إلى جسد روحاني؟ لست أعلم، وليس في قدرتي أن أصف كيف يتجمع التراب والرماد ليعود جسداً ممجداً في القيامة من الأموات،.. كل ذلك فوق علم الإنسان وفهمه وتصوره وخياله،.. لكني أعلم أن هناك فارقاً كبيراً بين الجسد الذي عاش به أخنوخ على الأرض، والجسد الممجد في السماء.. هذا الفارق هو ذات الفارق بين البذرة، والشجرة، وبين صغر الأولى وضآلة منظرها وحجمها، وكبر الثانية وعظمة صورتها وجلالها.. ومهما يعجز الخيال البشري عن توضيح الفرق بين الحياة هنا، والحياة هناك، إلا أن أخنوخ كان بانتقاله إلى حضرة الله، نبرة الخلود وتوضيحاً للكلمات العظيمة التي ستأتي بعد آلاف السنين على فم السيد المبارك: "من آمن بي ولو مات فسيحيا، ومن كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد".. أو ما قاله الرسول عن المسيح: "الذي أبطل الموت وأناد الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" أجل.. سار أخنوخ مع الله، وعندما بلغ النهر ووقف على الشاطيء، حمله الله عبر المجرى إلى الشاطيء الآخر الأبدي، ليسير الأبدية كلها في صحبة الله وملكوته ومجده، مع جموع المفديين، وحق له كالبشرى الأول أن يوصف بالقول: "بالإيمان نقل أخنوخ لكي لا يرى الموت ولم يوجد لأن الله نقله إذ قبل نقله شهد له أنه قد أرضى الله ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه، لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن أنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه"..
المزيد
21 أكتوبر 2020

اليأس من إمكانية التوبة

حدثتكم في مقالنا السابق عن بعض أنواع من أفكار اليأس التي يغرسها الشيطان في نفوس الناس. وكان موعدنا اليوم أن نطرق موضوع اليأس من إمكانية التوبة، وهذه محاربة شيطانية شائعة وأفكارها معروفة طالما أتعبت الكثيرين وفي هذه المناسبة، أتذكر أنني منذ حوالي أربعين عامًا وصلني خطاب من أحد الشبان، قرأته فتأثرت كثيرًا جدًا... ثم أرسلت له ردًا قلت له في مقدمته "وصلني خطابك يا أخي المحبوب، ويُخيلّ إليَّ أنني قرأته مرارًا قبل أن أراه... إنه قصة قلوب كثيرة..". إن اليأس من التوبة هو أكثر خطورة من السقوط في الخطيئة، لأن أي شخص يمكن أن يخطئ ثم يتوب. أما في حالة اليأس فإنه قد يندمج في الخطيئة بالأكثر، ويتدرج من السيئ إلى الأسوأ. وربما تكون مقدمة اليأس بعض سقطات متتالية يوقع فيها الشيطان ضحيته بلا هوادة، حتى يصرخ الخاطئ قائلًا "لا فائدة فيَّ. فمن المستحيل أن أنجو مما أنا فيه"! وربما تكون مقدمة اليأس سقطة كبيرة أو خطيرة، يُشعره الشيطان بعدها بأنه لا مغفرة..! أو قد لا تكون السقطة بهذه الدرجة، ولكن الشيطان من عادته أنه يضخمّ في الأخطاء ليوقع صاحبها في اليأس إن الشيطان ماكر جدًا في هذه الناحية: فهو قبل السقوط يسّهل موضوع الخطية جدًا حتى لتبدو شيئًا عاديًا، ويضع لها مبررات... أما بعد السقوط، فإما أن يستمر في سياسة التهوين حتى تتكرر. أو أنه يدخل في أسلوب التهويل ليقع صاحبها في اليأس قائلًا له "هل من المعقول أن يغفر الله كل هذا الجرم؟!"وقد يجرّه إلى اليأس بإشعاره أنه لن يتوب... فيقول له: "هل من المعقول أنك ستترك الخطية؟! مستحيل. لقد صارت تجرى في دمك. عزيمتك انتهت، وإرادتك انحلت. بل حتى مجرد الرغبة في التوبة لم تعد موجودة عندك... كم مرة حاولت من قبل أن تتوب وفشلت؟ كم مرة ندمت على خطاياك، ثم رجعت إليها وربما في حالة أسوأ مما كنت؟!". وهكذا يحطم معنوياته، حتى يستسلم له، ويتوقف عن المقاومة!!يقول له: "قد صرت كلك في يديّ، فكرًا وقلبًا وعملًا. بحيث أنى أنقلك من هذه اليد إلى الأخرى، بكل سهولة كما أشاء. فلا داعي إذن لصراع فاشل لا تكتسب منه شيئًا وطبعًا كل هذه تخاويف لا أساس لها، وتهديدات زائفة.. فإن الله قادر أن يمنح الإنسان التوبة، مهما كانت حالته سيئة. والتاريخ يحكى لنا عن قصص كثيرة لتوبة أشخاص كانت سقطاتهم كثيرة ومريرة يا أخي، لا تركز تفكيرك في عجزك عن القيام من سقطاتك. بل تذكرّ أن نعمة الله قادرة على إقامتك. وحيث تعمل النعمة فلا مجال لليأس. فاطلب إذن معونة من الله، وقل له في صلاتك "توّبني يا رب فأتوب. أنت يا رب تريدني أن أعيش حياة نقية بلا خطية. فامنحني هذه الحياة. وأعطني الإرادة والعزيمة، وابعد عنى كل مجالات السقوط. وامنحني قوة لكي أسلك كما ينبغي، وأصمد أمام كل الإغراءات"ولعل الشيطان يحاربك قائلًا "من غير الممكن أن تتوب وقد تعودت على الخطية وأصبح قلبك يحبها! وكيف ستعيش طول عمرك بعيدًا عن هذه الخطية التي تشتاق إليها؟! فلو أنك تبت عنها إلى حين، لابد سترجع إليها".. ولا شك أن هذه مغالطة من الشيطان لكي يلقيك في اليأس، زاعمًا انك ستعيش في التوبة بنفس القلب الذي يحب الخطية!! كلا، فإن الله سوف يعطيك قلبًا جديدًا، وينزع منك محبة الخطية. وحينئذ لن تفكر أن ترجع إليها... بل على العكس سوف يجعلك الله في توبتك تكره الخطية وتشمئز منها ويستمر الشيطان في حربه، فيقول لك "حتى أن تبت، ستبقى أفكارك ملوثة بصور قديمة"! لا تخف، ففي التوبة سوف ينقى الله فكرك ويمحو منه صور الماضي. وثق أن الخطاة الذين تابوا كانوا في حالة أقوى بكثير وأنقى.وربما من حيل الشيطان أن يحاول إقناعك بأنك لن تفلت مطلقًا من العدل الإلهي، وان الله لن يغفر لك كل ما فعلته...! كلا، فإن الله كثير المغفرة، ورحمته تشمل الكل. وكل جند السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب لذلك لا تيأس مطلقًا. وتأكد أن اليأس هو من حروب الشيطان. وإن كنت ماشيًا في الطريق الروحي ووقعت، لا تظن أنك لا تحسن السير، بل قم في رجاء المؤمن وأكمل مسيرتك.إن الشيطان يحسد رغبتك في التوبة، ويريد أن يعرقلها. ذلك لأنه هو نفسه لا يعرف التوبة ولا يؤمن بها. واعلم أنه لولا صفاء نيتك، ما كان يحاربك. لأنه دائمًا يحارب الراغبين في حياة البر، ويخاف جهادهم ضده لذلك كن قوى القلب مهما كانت حروب الشيطان شديدة ومهما استمرت. كن راسخًا ولا تتزعزع ولا تقلق. ولا تيأس مهما سقطت، ومهما فشلت في تنفيذ وصية الله بل شجّع نفسك، وقل: لابد أن اثبت وارجع إلى الله مهما حاول الشيطان تعطيلي. سأسير نحو الله، حتى إن كنت أجرّ رجليّ جرًا إليه. ومهما سقطت في الطريق، سأقوم مرة أخرى وأكمل طريقي، وسوف تسندني نعمة الله وقوته... قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
20 أكتوبر 2020

دير السلطان القبطي ( طمس الهوية ضمن خطة تهويد القدس ! )

سلم السلطان صلاح الدين الايوبي هذا الدير العريق للاقباط بعد حرب الفرنجة ؛ لذلك سمي الدير " بالسلطان " ؛ وترجع اهمية هذا الدير المقدس لعراقته التاريخية وقيمته كتراث قبطي مملوك للكنيسة القبطية الارثوذكسية المصرية في الكرسي الاورشليمي ..كذلك تتضاعف اهميته الجغرافية لموقعه الاستراتيجي في الارض الاورشليمية المقدسة ؛ تجعله تاريخ في قلب جغرافيا الزمان ؛ وزمان في صميم مقادس الكرة الارضية ؛ تهفو اليه القلوب وتاتيه الشعوب من كل البقاع . تقع ساحةالدير فوق كنيسة القديسة هيلانة الملكة ؛ وهو مطل علي كنيسة القيامة المجيدة ؛ لذلك هو اقصر طريق موصل من مقر المطرانية القبطية لمدخل كنيسة القيامة ...لكن القوات الاسرئيلية طردت الرهبان الاقباط من الدير ومكنت الاثيوبيين من وضع يدهم عليه ؛ بالرغم انهم كانوا مستضافين بالدير كضيوف علي سبيل المسافرة فقط ؛ وذلك بعد نكسة يونيو ١٩٦٧ ..فبالرغم من سندات ووثائق حجج الملكية الشرعية ؛ وبالرغم من الاثر المعماري القبطي وتقويم السنة القبطية المدون تاربخه علي حجاب الهيكل وايضا بالرغم من احكام المحاكم وعقود مشتريات وترميمات وقفية باسم الارخن ابراهيم الجوهري ؛ كذلك وبالرغم من فرمان الاستاتيكو وصدوره بادارة القبط للدير ؛ لكن هذه القرائن جميعها ؛ لم تمنع اسرائيل من تعنتها لحساب اثيوبيا ؛ في سلب الحق القبطي في ملكية دير " السلطان " ؛ وفي طمس هويته الحضارية عند الترميم ...واليوم تصارع مطرانيتنا صراع وجودها هناك ؛ علها تجد دعما من حكومة بلادها المصرية ؛ دعما يرقي الي الحماية والي احقاق الحق ؛ واسترجاع المسلوب الي اصحابه الاقباط . القمص اثناسيوس جورج كاهن كنيسة الشهيد مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
19 أكتوبر 2020

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (11) الصوم

مفهوم الصوم وأهميته الروحية.. الصوم فى معناه العام يعنى الامتناع عن الطعام فترة من الزمن يعقبها تناول أطعمة نباتيه خاليه من اللحوم ومنتجاته أما المعنى الروحى فيشمل كل انواع ضبط النفس والنسك والامتناع عن الشهوات وخطايا اللسان والعواطف، الصوم ليس تحريما لانواع معينه محلله للأكل بل البعد عنها لفترة نسكاً وزهداً وتعففاً . الابتعاد عن الاطعمة التى تثقل الانسان من اجل أشباع الروح وضبط النفس وكما قال السيد المسيح { ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله} (مت 4 : 4). الصوم جوع الى حياة البر والتقوى والشبع بالروحيات { طوبى للجياع والعطاش الى البر لانهم يشبعون} (مت 5 : 6). ان البطن هى سيدة الاوجاع التى متى تم ضبطها، ينضبط الانسان كله روحاً وفكراً وجسداً . فمن يقدر ان يضبط نفسه فى الأكل والشرب يستطيع ان يضبط ذاته ويقول لا لشهواته واهوائه وانفعالاته ومالك نفسه خير من مالك مدينة لذلك راينا القديس بولس الرسول يقول { بل اقمع جسدي واستعبده حتى بعدما كرزت للاخرين لا اصير انا نفسي مرفوضا }(1كو 9 : 27). لقد كان كسر الصوم بالأكل من الشجرة المحرمة علة سقوط ابوينا القدماء أدم وحواء ومن يريد ان يرجع الى الفردوس مرة اخرى عليه ان يبدأ بالصوم وضبط النفس وتقوية ارادته وأشباع روحه . ان معظم الحروب والخصومات على المستوى الفردى والجماعى تبدأ من سعى الانسان لاشباع لذاته وشهواته وسعيه الى التملك الانانى للاشياء دون النظر الى حاجة اخوته { من اين الحروب والخصومات بينكم اليست من هنا من لذاتكم المحاربة في اعضائكم تشتهون ولستم تمتلكون تقتلون وتحسدون ولستم تقدرون ان تنالوا تخاصمون وتحاربون ولستم تمتلكون لانكم لا تطلبون. تطلبون ولستم تاخذون لانكم تطلبون رديا لكي تنفقوا في لذاتكم}.(يع 4 : 1-3). من هنا تأتى أهمية الصوم بضبط النفس وزهدها حتى فيما هو محلل لها { ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الاهواء والشهوات }(غل 5 : 24). اننا نحتاج الي اشباع الروح مع ضبط الجسد والاهتمام به وتقويته واعطائه ما يلزمه لا ما يشتهيه { اما انا فبالبر انظر وجهك اشبع اذا استيقظت بشبهك }(مز 17 : 15). الصوم وصية منذ العهد القديم {اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صوما نادوا باعتكاف.اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الاطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها. ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا اشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار حتى تجعلهم الامم مثلا لماذا يقولون بين الشعوب اين الههم} يؤ15:2-17.{ اعلموا ان الرب يستجيب لصلواتكم ان واظبتم على الصوم والصلوات امام الرب} (يهو 4 : 12). الصوم الجماعى فى قوته رايناه فى صوم وتوبة أهل نينوي { فامن اهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم الى صغيرهم. وبلغ الامر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد. ونودي وقيل في نينوى عن امر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا لا ترع و لا تشرب ماء.وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا الى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في ايديهم.لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك . فلما راى الله اعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم ان يصنعه بهم فلم يصنعه} يو5:3-10.والصوم الخاص راينا فى كثير من رجال الله القديسين كما صام دانيال والفتية الثلاثة القديسين { فقال دانيال لرئيس السقاة الذي ولاه رئيس الخصيان على دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. جرب عبيدك عشرة ايام فليعطونا القطاني لناكل وماء لنشرب. ولينظروا الى مناظرنا امامك والى مناظر الفتيان الذين ياكلون من اطايب الملك ثم اصنع بعبيدك كما ترى.فسمع لهم هذا الكلام وجربهم عشرة ايام.وعند نهاية العشرة الايام ظهرت مناظرهم احسن و اسمن لحما من كل الفتيان الاكلين من اطايب الملك} دا 11:1-15.{فوجهت وجهي الى الله السيد طالبا بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد }(دا 9 : 3). وكما صلى داود وصام { اما انا ففي مرضهم كان لباسي مسحا اذللت بالصوم نفسي و صلاتي الى حضني ترجع (مز 35 : 13).{ولكن الان يقول الرب ارجعوا الي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح (يؤ 2 : 12). الصوم فى حياة وتعاليم السيد المسيح.. لكي يبين لنا السيد المسيح أهمية الصوم فانه بدء خدمته العامة بعد العماد بالاختلاء والصوم مع الصلاة لمدة اربعين يوماً { ثم اصعد يسوع الى البرية من الروح ليجرب من ابليس. فبعدما صام اربعين نهارا واربعين ليلة جاع اخيرا. فتقدم اليه المجرب وقال له ان كنت ابن الله فقل ان تصير هذه الحجارة خبزا. فاجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله} مت 1:4-4. الصوم يعطينا القدرة على الانتصار على تجارب الشيطان ورفض مشورته. علمنا السيد الرب كيف نشبع بكلمة الله وهو يقيت الجسد ايضا { لذلك اقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تاكلون وبما تشربون ولا لاجسادكم بما تلبسون اليست الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس.انظروا الى طيور السماء انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن وابوكم السماوي يقوتها الستم انتم بالحري افضل منها.ومن منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعا واحدة.ولماذا تهتمون باللباس تاملوا زنابق الحقل كيف تنمو لا تتعب ولا تغزل.ولكن اقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا افليس بالحري جدا يلبسكم انتم يا قليلي الايمان.فلا تهتموا قائلين ماذا ناكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس. فان هذه كلها تطلبها الامم لان اباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها. لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم} مت 25:4-33. نعم عمل مشيئة الله شبع للانسان الروحي فعندما ذهب التلاميذ ليبتاعوا طعاما فى السامرة ورجعوا { وفي اثناء ذلك ساله تلاميذه قائلين يا معلم كل. فقال لهم انا لي طعام لاكل لستم تعرفونه انتم.فقال التلاميذ بعضهم لبعض العل احدا اتاه بشيء لياكل.قال لهم يسوع طعامي ان اعمل مشيئة الذي ارسلني واتمم عمله} يو 31:4-34. ان الصوم قوة روحية بها نستطيع ان ننتصر على ابليس وهذا ما أكد عليه السيد المسيح عندما اتوا اليه بشاب عليه ارواح نجسة ولم يستطيع التلاميذ ان يخرجوها وشفاه السيد المسيح وعندما ساله التلاميذ لماذا ؟ { ولما دخل بيتا ساله تلاميذه على انفراد لماذا لم نقدر نحن ان نخرجه.فقال لهم هذا الجنس لا يمكن ان يخرج بشيء الا بالصلاة و الصوم} مر28:9-29. فالصوم ضرورة روحيه ، عندما كان السيد المسيح مع التلاميذ وساله اليهود { وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيرا ويقدمون طلبات وكذلك تلاميذ الفريسيين ايضا واما تلاميذك فياكلون ويشربون. فقال لهم اتقدرون ان تجعلوا بني العرس يصومون ما دام العريس معهم.ولكن ستاتي ايام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون في تلك الايام} لو33:5-35. كان وجود المسيح له المجد وجودا للعريس والفرح معهم وعندما صعد الى السماء صام الرسل والمؤمنين الصوم الذى سُمى بصوم الرسل والذى نصومه حتى اليوم . هناك اصوام خاصة نصومها كما ان هناك أصوام جماعية تصومها الكنيسة كلها ، لقد صام المسيح لنتعلم من ونتبع خطواته لهذا نصوم الاربعين المقدسة كل عام والاربعاء والجمعة من ايام الاسبوع منذ العصر الرسولى { وانتخبا لهم قسوسا في كل كنيسة ثم صليا باصوام واستودعاهم للرب الذي كانوا قد امنوا به }(اع 14 : 23). وكما قال القديس بولس { في اتعاب في اسهار في اصوام }(2كو 6 : 5). كما نصوم صوم الميلاد استعدادا لاستقبال الله الكلمة المتجسد كما صام موسي النبى قديما اربعين يوما ليستقبل لوحى العهد . بالاضافة الى الصوم المعروف لدينا بصوم العذراء الذى صامه المتبتلين اولا ثم عامة الشعب وراينا مثال له فى الانجيل { وكانت نبية حنة بنت فنوئيل من سبط اشير وهي متقدمة في ايام كثيرة قد عاشت مع زوج سبع سنين بعد بكوريتها. وهي ارملة نحو اربع و ثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة باصوام وطلبات ليلا ونهارا. فهي في تلك الساعة وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في اورشليم} لو36:2-38. اهتم السيد المسيح بعدم مظهرية الصوم { ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم. واما انت فمتى صمت فادهن راسك واغسل وجهك. لكي لا تظهر للناس صائما بل لابيك الذي في الخفاء فابوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية} مت 16:6-18. يقول القديس باسليوس الكبير ( لاتكونوا عابسين وأنتم تستعيدون صحتكم. فإنه لا بدّ لنا أن نتهلل لصحة نفسنا، ولا مجال للحزن بسبب تبدّل الطعام وكأننا نؤثر ملذّات البطن على منفعة نفسنا، لأن الشبع يقف إحسانه عند حدود البطن، أما الربح الناتج عن الصوم فهو يَنفذ إلى النفس. كن فرحاً لأنك أعطيت من قبل طبيبك دواء ينزع الخطايا. لا تبدّل وجهك كما يفعل المراؤون. إن الوجه يتبدل عندما يظلم الداخل مع التظاهر الخارجي، وكأنه مخفي وراء ستار كاذبالمرائي هو الذي يكون له على المسرح وجه آخر. يرتدي قناع السيّد وهو في الحقيقة عبد. يلبس قناع الملك وهو بالحقيقة من عامة الناس. هكذا أيضاً في الحياة الحاضرة، كثيرون يتظاهرون وكأنهم على المسرح. يكونون على كل شيء في عمق القلب ويتظاهرون بوجه آخر أمام الناس. أما أنت فلا تبدّل وجهك. كما أنت هكذا أظهر للآخرين. لا تبدّل مظهرك عابساً ساعياً وراء الشهرة عن طريق التظاهر بالصوم والإمساك، لأنه لا نفع للإحسان الذي يطبَّل له، ولا ثمر للصوم الذي يشهّر أمام الناس، أي كل ما يقوم به الإنسان بغية التظاهر أمام الآخرين لا ينفذ إلى الدهر ولا يتخطى حدّه مدح الناس. أسرع بفرح إلى هبات الصوم. إنّه هبة قديمة العهد لا تعتق ولا تشيخ، بل تتجدد وتزهر على الدوام). الصوم لكى يكون مقبولا يجب ان يكون مقرونا بالتوبة والتواضع والمصالحة مع الخير { ناد بصوت عال لا تمسك ارفع صوتك كبوق واخبر شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم، واياي يطلبون يوما فيوما ويسرون بمعرفة طرقي كامة عملت برا ولم تترك قضاء الهها يسالونني عن احكام البر يسرون بالتقرب الى الله. يقولون لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا انفسنا ولم تلاحظ ها انكم في يوم صومكم توجدون مسرة وبكل اشغالكم تسخرون،ها انكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء. امثل هذا يكون صوم اختاره يوما يذلل الانسان فيه نفسه يحني كالاسلة راسه ويفرش تحته مسحا ورمادا هل تسمي هذا صوما ويوما مقبولا للرب.اليس هذا صوما اختاره حل قيود الشر فك عقد النير واطلاق المسحوقين احرارا وقطع كل نير. اليس ان تكسر للجائع خبزك وان تدخل المساكين التائهين الى بيتك اذا رايت عريانا ان تكسوه وان لا تتغاضى عن لحمك.حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا ويسير برك امامك ومجد الرب يجمع ساقتك.حينئذ تدعو فيجيب الرب تستغيث فيقول هانذا ان نزعت من وسطك النير والايماء بالاصبع وكلام الاثم.وانفقت نفسك للجائع واشبعت النفس الذليلة يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر.ويقودك الرب على الدوام ويشبع في الجدوب نفسك وينشط عظامك فتصير كجنة ريا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه.ومنك تبنى الخرب القديمة تقيم اساسات دور فدور فيسمونك مرمم الثغرة مرجع المسالك للسكنى} اش1:58-12. لقد اختبر ابائنا القديسين الصوم وفائدته ومارسوه بمحبة وبه سمت ارواحهم وتهذبت نفوسهم وقويت ارواحهم وقالوا فيه الكثير حسب خبرتهم . قال القديس مكسيموس (من غلب الحنجرة فقد غلب كل الأوجاع) شيخ حدثته أفكاره من جهة الصوم قائلة (كل اليوم وتنسك غدا فقال لن أفعل ذلك .لكنى أصوم اليوم وتتم ارادة الله غدا. الصوم عند الاباء هو صوم الجسد عن الطعام وصوم اللسان عن الكلام البطال وصوم القلب عن الشهوات ونقاوته من الخطايا قال مار اسحق (الذى يصوم عن الغذاء ولايصوم قلبه عن الحنق والحقد ولسانه ينطق بالأباطيل فصومه باطل لأن صوم اللسان أخير من صوم الفم وصوم القلب أخير من الاثنين). قال القديس باسيلوس الكبير ( أن الصوم الحقبقى هو سجن الراذئل أعنى ضبط اللسان وامساك الغضب وقهر الشهوات الدنسة). ونجد ان المقدرة على الصوم تأتى بالتدريج فقد قال أنبا أولوجيوس لتلميذه (يا بنى عود نفسك اضعاف بطنك بالصوم شيئا فشيئا لأن بطن الانسان أنما تشبه زقا فارغا فبقدر ما تمرنه وتملأه تزداد سعته كذلك الأحشاء التى تحشى بالأطعمة الكثيرة ان أنت جعلت فيها قليلا ضاقت وصارت لا تطلب منك الا القليل) . الصوم عند الاباء هو الحصن الذى نحتمى فيه والصلاة هى السلاح (حصن الانسان الروحي هو الصوم وسلاحه هو الصلاة فمن ليس له صوم دائم فلا يوجد حصن يمنع عنه العدو ومن ليست له صلاة نقية فليس له سلاح يقاتل به الأعداء). الصوم انتصار على اوجاع الجسد الروحية ، قال القديس يوحنا القصير (اذا أراد ملك أن يأخد مدينة الأعداء فقبل كل شئ يقطع عنهم الشراب والطعام وبذلك يذلون فيخضعون له هكذا أوجاع الجسد اذ ضيق الانسان على نفسه بالجوع والعطش ازاءها فانها تضعف). القصد الالهى من الصوم هو الجهاد المستمر بإيمان ضد الذات واغراءات العالم والجسد حتى نصل إلى نقاوة القلب التى بها نعاين الله ونشبع به . الصوم وحياة الفضيلة والنمو الروحي . الصوم رياضة روحية .. قل لي بماذا تهتم اقول لك من انت؟ اننا على قدر ما نهتم بارواحنا واشباعها بالله وبمحبته والنمو فى الفضيلة نصير اناس روحيين { فان الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون و لكن الذين حسب الروح فبما للروح. لان اهتمام الجسد هو موت و لكن اهتمام الروح هو حياة وسلام.لان اهتمام الجسد هو عداوة لله اذ ليس هو خاضعا لناموس الله لانه ايضا لا يستطيع. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون ان يرضوا الله} رو 5:8-8. من اجل هذا يقول لنا مخلصنا الصالح { اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الابدية الذي يعطيكم ابن الانسان لان هذا الله الاب قد ختمه }(يو 6 : 27). الصوم اذاً ليس هدفاً فى حد ذاته لكنه وسيلة للأهتمام بالروحيات والشبع بكلمة الله . من أجل هذا راينا سليمان الحكيم الذى اعطاه الله حكمة عندما أهمل الروحيات واهتم باشباع شهواته وملذاته سقط وعبد الهه غريبه {ومهما اشتهته عيناى لم أمنعة عنهما }(جا 2: 1). ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود أبيه وعصفت به الشهوات الكثيرة فالصوم يقاوم الاخطاء ويقوى الروح ويضبط النفس ويعطي صحة للجسد .+ الصوم وحياة التوبة .. ان الصوم هو الفترة المناسبة للتوبة والتذلل الى الله ، ومع ان التوبة عمل مستمر للانسان الروحى الا ان الصوم فترة للتخلص من الاخطاء لاسيما خطايا اللسان والعادات الضارة ، حيث تقوى الارادة ويكون صوم الفم عن الطعام وانشغاله بعمل ارادة الله دافع للتواضع والتذلل { اذللت بالصوم نفسي }(مز 35 : 13). والصوم خاصة فى مواجهة الضيقات يجعل الله ينظر الى تواضعنا حيث تتعمق صلواتنا ونطلب تدخل الله هكذا عندما راي الله كيف صام وتاب وتواضع اهل نينوي غفر لهم خطاياهم . وفي صوم استير والشعب كله، حينما تعرضوا لمؤامرة هامان(أش 4: 16). وكيف كانت استجابة الرب سريعة و عجيبة. كذلك نسمع عن صوم نحميا لما جاءته الأخبار أن { سور أورشليم منهدم، أبوابها محروقة بالنار } (نح 1: 3، 4). ويروى سفرنحميا أيضاً كيف كانت استجابة الرب سريعة وعجيبة.. كذلك يروى لنا الكتاب كيف صام عزرا وهو باك، وكيف كان تأثير ذلك في تنقية الشعب وتطهيره. وفى تاريخ الكنيسة راينا كيف ان الصوم نقل جبل المقطم فى أيام البابا ابرام ابن زرعه . هكذا نصلى فى قسمة الصوم الكبير ونقول كيف ان الصوم والصلاة صنعا المعجزات وكانا عونا للقديسين فى الضيقات . الصوم والتداريب الروحية .. الصوم فترة مقدسة يكون فيها الجسد خفيف مما يساعد على الصلاة والسهر والقراءة فى الكتب الروحية والسجود لله فى مطانيات وركوع طلباً لمراحم الله { لذلك انا ايضا ادرب نفسي ليكون لي دائما ضمير بلا عثرة من نحو الله و الناس} (اع 24 : 16). اننا نري حتى أتباع البوذية والهندوسية يصلون لسمو روحى عالي بالصوم والتدريب فكم يجب علينا نحن ان ندرب انفسنا على حياة التقوى والاستنارة الروحية نحن الذين يجب ان ننقاد لروح الله ونأتي بثمر ويدوم ثمرنا { واعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة.عبادة الاوثان سحر عداوة خصام غيرة سخط تحزب شقاق بدعة. حسد قتل سكر بطر وامثال هذه التي اسبق فاقول لكم عنها كما سبقت فقلت ايضا ان الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله.واما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول اناة لطف صلاح ايمان. وداعة تعفف ضد امثال هذه ليس ناموس.ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الاهواء والشهوات.ان كنا نعيش بالروح فلنسلك ايضا بحسب الروح} غل 19:5-25. نحن يجب ان نقرن الصوم بالتداريب الروحية ومنها الصلاة الدائمة والتامل فى محبة الله والشبع بكلامه واقتناء الفضائل الروحية كالصمت والهذيذ فى وصايا الله ورفع القلب بالحديث مع الله والصلاة من اجل الآخرين ولاسيما المتضايقين والمشكلات التى تواجه الكنيسة وأعضائها ليتدخل الله ويحلها. الصوم ونجاح الخدمة .. ان نجاح الخدمة يحتاج لايدى مرفوعة بالصلاة كل حين والصوم يرفع من حرارتنا الروحية . ان الرسل فيما هم يصومون ويصلوا كان الرب يعمل معهم وينجح خدمتهم { وفيما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس،افرزوا لى برنابا وشاول العمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا، ووضعوا عليهما الأيادى} أع 13: 2، 3. وراينا اثر الصوم روحياً فى اخراج الشياطين وفي ذلك قال السيد الرب في معجزة إخراجه لشيطان عنيد لم يقو التلاميذ على اخراجه.، حينئذ قال الرب { وأما هذا الجنس، فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم }مت 17: 21. ذلك لأن صلاة الصائم تكون لها روحياتها وتأثيرها. من اجل هذا قال القديس بولس الرسول { بل في كل شئ نظهر أنفسنا كخدام لله.. في أتعاب في اسهار في أصوام} 2كو 6: 4 ، 5. الصوم والعطاء .. الصائم يشبع بالصلاة ويبرهن على محبة لله بالنسك الجسدى ويعبر عن محبته لاخوته ويجعلنا نشعر بالآم الفقراء وحاجتهم فنعطيهم بسخاء ومحبة غير متغضين عن اخوتنا { صالحة الصلاة مع الصوم والصدقة خير من ادخار كنوز الذهب} (طو 12 : 8). من اجل هذا يوصينا الانجيل بالعطاء وان نكنز كنوزنا فى السماء {لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا} 19:6-21. ان ما نقدمة لاخوتنا المحتاجين نقدمه لله ويبقى لنا كنزاً لا يفنى {لان الصدقة تنجي من الموت وتمحو الخطايا وتؤهل الانسان لنوال الرحمة والحياة الابدية (طو 12 : 9). الصوم ونقاوة القلب . الصوم فترة يقل فيها شغب الجسد وتتقوى الروح وفرصة للدخول الى حياة العمق والتأمل وفحص القلب والضمير والنفس . اذ لا يعرف الانسان الا روح الإنسان الساكن فيه وفي الصوم تصفو النفس ويتنقى القلب ونتوب ونرجع الي الله . فلنحرص اذاً ان يكون صومنا ليس مجرد استبدال طعام حيوانى باخر نباتى ولا مجرد الامتناع عن الطعام لفترة من الزمن ثم نأكل ما لذ وطاب بل يجب ان يكون صومنا فرصة للنمو الروحى وضبط النفس وتقوية الارادة وحرارة الروح . نشبع فى الصوم بالصلاة ونتوب ونتخلص من الضعفات والخطايا ونلتصق بالله وكلمته القوية والفعالة والقادرة على أشباع ارواحنا وبكل الوسائط الروحية التى تشعل محبة الله فى القلب ونهتم بان نكنز لنا كنوزاً فى السماء بالعطاء للمحتاجين والفقراء والصلاة من أجل المتضايقين وخدمة المحتاجين والضعفاء والعمل على نقاوة القلب وقداسته فطوبى لانقياء القلب لانهم يعاينون الله . الصوم والصحة النفسية والجسدية .. أن فوائد الصوم لصحة الإنسان وسلامة بدنه كثيرة جداً، منها ما يتعلق بالحالة النفسية للصائم وانعكاسها على صحته الجسدية ، حيث أن الصوم يساهم مساهمة فعالة في علاج الاضطرابات النفسية والعاطفية، وتقوية إرادة الصائم، ورقة مشاعره، وحبّه للخير، والابتعاد عن الجدل والمشاكسة والميول العدوانية، وإحساسه بسمو روحه وأفكاره، وبالتالي تقوية وتدعيم شخصيته، وزياة تحمّلها للمشاكل والأعباء بالاضافة الى مساعدته في علاج الكثير من أمراض الجسم، كأمراض جهاز الهضم، مثل التهاب المعدة الحاد، وأمراض الكبد، وسوء الهضم، وكذلك في علاج البدانة وتصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وغيرها. كتب الطبيب السويسري بارسيليوس (إن فائدة الجوع قد تفوق بمرّات استخدام الأدوية). أما الدكتور فيليب، فكان يصوم مرضاه من الطعام لبضعة ايام، ثم يقدّم لهم بعدها وجبات غذائية خفيفة، ولذلك فأهمية الصوم تكمن في أنه يساعد على القيام بعملية التخلص من الخلايا القديمة، والخلايا الزائدة عن حاجة الجسم . ان فوائد الصيام كثيرة تشمل كل أبعاد الحياة الإنسانية، بحيث أنها تدخل في كل خلية من خلايا الجسم.. فيسهم الصوم فى .. 1- الوقاية من الأورام .. وهو يقوم بدور مشرط الجراح الذي يزيل الخلايا التالفة والضعيفة في الجسم، باعتبار أن الجوع يحرك الأجهزة الداخلية في الجسم لمواجهة ذلك الجوع، ما يفسح المجال للجسم لاستعادة حيويته ونشاطه، ومن جانب آخر، فإنه يقوم بعملية بناء الخلايا والأعضاء المريضة، ويتم تجديد خلاياها، فضلاً عن دور الوقاية من كثير من الزيادات الضارة مثل الرواسب والزوائد اللحمية والأكياس الدهنية، والأورام في بدايات تكونها. 2 ـ التوازن في الوزن .. يقوم بدور إنقاص الوزن لمن يعاني السمنة، ولكن بشرط أن يصاحبه اعتدال في كمية الطعام بعد فترة الانقطاع عن الطعام ، والاكتفاء بالخضروات والبقول والفاكهة المفيده للجسم . 3ـ الحماية من السكر.. يقوم بعملية خفض نسبة السكر في الدم إلى أدنى معدلاتها، ويتم ذلك من خلال إعطاء البنكرياس فرصة للراحة، لأن البنكرياس يفرز الأنسولين الذي يحوّل السكر إلى مواد نشوية ودهنية تخزن في الأنسجة، وعندما يزيد الطعام عن كمية الأنسولين المفرزة يصاب البنكرياس بالإرهاق ويعجز عن القيام بوظيفته، فيتراكم السكر في الدم وتزيد معدلاته بالتدريج حتى يظهر مرض السكر، ويحتاج الامر منا الى متابعة طبيعه لدي المتخصصين. 3ـ علاج الأمراض الجلدية.. إن الصيام يفيد في علاج الأمراض الجلدية، ويعمل على زيادة مناعة الجلد ومقاومة الميكروبات والأمراض المعدية الجرثومية. والتقليل من حدة الأمراض الجلدية التي تنتشر في مساحات كبيرة من الجسم مثل مرض الصدفية.وتخفيف أمراض الحساسية والحد من مشاكل البشرة الدهنية. ومع الصيام تقل إفرازات الأمعاء للسموم وتناقص نسبة التخمر الذي يسبب دمامل وبثوراً مستمرة. 4ـ الوقاية من داء النقرس والآم المفاصل .. النقرس ينتج عادة عن زيادة التغذية والإكثار من أكل اللحوم، ومعه يحدث خلل في تمثيل البروتينات المتوافرة في اللحوم داخل الجسم، مما ينتج عنه زيادة ترسيب حامض البوليك في المفاصل، خاصة مفصل الأصبع الكبير للقدم، وعند إصابة مفصل بالنقرس فإنه يتورم ويحمر ويصاحب هذا ألم شديد، وقد تزيد كمية أملاح البول في الدم ثم تترسب في الكلى فتسبب الحصوة، وإنقاص كميات الطعام علاج رئيسي لهذا المرض. ويعالج آلام المفاصل الذي يتفاقم مع مرور الوقت، فتنتفخ الأجزاء المصابة به، ويرافق الانتفاخ آلام مبرحة، وتتعرض اليدان والقدمان لتشوهات كثيرة، وذلك المرض قد يصيب الإنسان في أية مرحلة من مراحل العمر، ولكنه يصيب بالأخص المرحلة ما بين الثلاثين والخمسين ، ولكن ثبت بالتجارب العلمية أنه يمكن للصيام أن يكون علاجاً حاسماً لهذا المرض، وقد أرجعوا هذا إلى أن الصيام يخلص الجسم تماماً من النفايات والمواد السامة. 5ـ الحماية من جلطة القلب والمخ.. أكد الكثيرون من أساتذة الأبحاث العلمية والطبية أن الصوم ينقص من الدهون في الجسم ما يؤدي إلى نقص مادة الكوليسترول ، وهي عادة تترسب على جدار الشرايين، وبزيادة معدلاتها مع زيادة الدهون في الجسم تؤدي إلى تصلب الشرايين، كما تسبب تجلط الدم في شرايين القلب والمخ . لقد أستيقظ وعي العالم المتقدم على أهمية الصوم والأطعمة النباتية ويسعي الكثيرين اليه فى ارفف الاسواق فى الدول المتقدمة لا سعيا الى تقوية الروح بل من أجل صحة الجسد . لهذا وجب علينا نحن المؤمنين ان نرجع الى الصوم كفضيلة روحية من اجل صحة الجسد والنفس والروح . ان عقولنا تصبح أكثر تعقلا واصفى ذهناً وأنفسنا اقوى ارادةً وأكثر سمواً . نستطيع ان نضبط غرائزنا ونقوى ارادتنا بالصوم . اما الروح فلها طعام أخر يشبعها انه الجوع الى الله والشبع بالحديث معه وقراءة كتابه والتأمل فى محبته وصفاته وعمل ارادته { قال لهم يسوع طعامي ان اعمل مشيئة الذي ارسلني واتمم عمله} (يو 4 : 34). القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد
18 أكتوبر 2020

الكلمات المستخدمة في القداس الإلهي

كل الكلمات مأخوذة من الكتاب المقدس، ويتضح ذلك في كتاب الخولاجي eu,ologion بالشواهد (العبارة بالشاهد) دليل أنها مأخوذة من الكتاب المقدس.وما أحلي كلام الله، واللغة التي يريد أن نتكلم بها معه.فمثلًا: يا الله العظيم الأبدي (أر 32: 18) (تث 10: 17) الموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس (حكمة 2: 23، 24) هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيد (2 تي 1: 1) (عب 9: 22) بغير طرحنا في دينونة (1 كو 11: 27 – 32). بالمسيح يسوع ربنا (يو 16: 23) إذًا ذلك يؤكد أن روح الله الذي كتب الإنجيل من خلال التلاميذ والبشائر هو نفسه الذي أرشد للقداس الإلهي. سؤال: لماذا ترددون صلاة مكتوبة، محفوظة علي الدوام هي صلاة مفروضة، بمعني ما داعي الكلام المحفوظ المكتوب؟ الرد: وإن كان بعض البسطاء لا يجدون الرد نقول لإخوتنا البروتستانت لو مشينا بهذا المبدأ يجب تغيير الإنجيل كل سنة حسب كلامكم ولكن حديث ربنا إلينا وحديثنا إليه هو عمل الروح القدس في الصلاة وينبغي من خلال التأمل والفكر الروحي يتجدد.لذلك من واجب الإكليريكي شرح القداس الإلهي ليفهم الناس ويحصلوا علي الفهم المضبوط. نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
17 أكتوبر 2020

المقالة الثالثة عشرة في الانتباه

أصغي إلى ذاتك أيتها الشبيبة المؤثرة النسك لئلا تعبر أيامك في التنزه، لا تقبلي الأفكار الخبيثة لئلا تضعف قوتك في حرب العدو، ليكن كل وقت في ذهنك السيد الحلو ليكلل سعي نسككِ.حاضري جرياً أيتها الحداثة في جهاد نسككِ، قد حان اليوم وأقترب الوقت الذي فيه العاملون يكللون والمتوانون يندمون، أقتني الفضيلة ما دام لك زمان ؛ أقتني ورعاً في ناظركِ وصدقاً في مسامعكِ وكلمات حياة في لسانكِ.تعهدي المرضى في قدميكِ ؛ وفي قلبكِ صورة ربكِ، في أعضائكِ تقويمات العفة ليفضل تكريمكِ بحضرة الملائكة والناس. خشبة لا نفس لها تكرم إذا كان فيها صورة ملك مائت، فكم أحرى تكرم النفس الحاوية فيها اللـه في هذا الدهر والمستأنف.أصغِ إلى ذاتك أيها الحبيب ؛ إن الشهوة مائتة فأما جسمك فهو حي ؛ وتأمل إذاً بمبالغة وأحذر ألا تمنح جسدك حياة المائت ؛ فإن أعطيته حياة يقتلك، فإن المائت إذا أحييته قتل من منحه الحياة.فأعرف بمبالغة ما هي الشهوة، فالشهوة خلواً من الجسم مائتة ؛ فإذا اقترنت الشهوة بالجسم تعيش الشهوة ؛ ويدرس الذهن في حلاوتِها، ويوجد الجسد الحي مائتاً بإماتتها إياه.فمن أجل هذا أحفظ ذاتك بتحرز من هذا المائت في توقد نار شهوته، أحضر إلى ذهنك النار التي لا تطفأ والدود الذي لا يموت ففي الحال يخمد التهاب الأعضاء، لئلا تسترخي فتغلب وتندم وتستدرك كل النار، نار الندامة وتعتاد أن تخطئ وتندم.أقتنِ صرامة منذ الابتداء مقابل كل شهوة ؛ ولا تنغلب لها ؛ ولا تعتاد على الهزيمة في الحرب ؛ لأن العادة طبيعة ثانية ؛ واعتياد الاسترخاء لا يقتني قط صرامة وشهامة لأنه كل حين يبني وينقض، كل وقت يخطئ ويندم.أيها الحبيب إذا اعتدت أن تتراخى إذا قوتلت فستكون تسطير كتابة ندامتك ثابتة إلى أبد الدهر.من قد أعتاد أن ينغلب لبعض الشهوات فضميره يصير له كل وقت موبخاً ؛ ويكون كل وقت حزيناً كئيباً، فيرى قدام الناظرين وجهه بورع وعافية ؛ وهو من داخل مقطب من أجل توبيخ ضميره إياه ؛ لأن الشهوة اعتادت أن تمنح الذين يعملونَها حزناً موجعاً.فتحرز بكل نفسك ؛ وأحذر حاوياً في ذاتك المسيح كل وقت، لأن المسيح هو للنفس ختن لا يموت، لا تترك ختنك المحق لئلا يتركك ؛ وإذا تركك تحب الغريب العدو الغاش الذي يغش ؛ يحب وقتاً يسيراً ويترك لأنه هو زانية نجسة ؛ فإذا أفنى الإنسان قوته فيها يمقتها.من لا يبكي لأن العدو إذا افنى قوتنا وزماننا في نجاساته وشهواته الدنسة ؛ يبتعد حينئذ عنا لأنه يمقتنا ولا يحبنا قط ؛ لكن يحبنا اللـه الآب والابن والروح القدس الذي له التمجيد إلى أبد الدهور.آمـين مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
16 أكتوبر 2020

قدِّموا أجسادكم ذبيحة لله

«أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (1كو3: 16). جسدى هو هيكل للروح القدس الساكن فيَّ. أنا لا أبغض جسدي بل أقوته وأربيه، كما فعل المسيح بجسده، الذي هو الكنيسة. بما أنّ جسدي هو هيكل للروح، فيجب أن يكون جسدي مقدسًا. الخطيّة –بالذات خطايا النجاسة- تسيء إلى الجسد.. الخطيّة تُهين الجسد، الذي يزني يخطئ إلى جسده. أنا أمجّد الله في روحي وفي جسدي، لأنّ المسيح اشتراني فصرتُ مِلكًا له «مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (1كو6: 20). أعضاء جسدي صارت أعضاء جسد المسيح.. «أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ جسد الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا للخطية؟» (1كو6: 15) «حَاشَا! نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟» (رو6: 2). عندما يُشاغب الجسد ويقع تحت تجارب العدو أقول مع الرسول: «أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ» (1كو9: 27). أنا أدرّب جسدي ليخدم خلاصي.. بدون تدريب الجسد يتمرّد ويجرّني إلى التراب. أجساد الوحوش والحيوانات تقودُها الغرائز التى أوجدها الله فيها، فلا تنحرف عن الغرض الذي خُلقت من أجله. فإذا جاع الحيوان تقوده الغريزة للأكل، وإذا عطش تقوده إلى الشرب، فإذا امتلأ يكفّ عن الأكل والشرب. الغريزة وُضِعَتْ لإبقاء الحياة.. الغرائز في الحيوان لها أوقات لا تتعدّاها. انحراف الغرائز موجود فقط في الإنسان لأنّ الإنسان يتمتّع بنفسٍ عاقلة والعقل يوجِّه حياة الإنسان. العقل واقع بين الجسد والروح، كما يقول القديس أنبا مقار. فإن انحاز العقل نحو الجسد وغرائزه وشهواته، يصير الإنسان جِسدانيًا شهوانيًا، والعقل يُزيِّن له ويخترع له طُرُقًا لا تنتهى، ويَستهلك الإنسان. فينحدر الإنسان في هوّة عميقة بلا شبع. وإذا انحاز العقل للروح.. فبالروح يقدر أن يُخضع الجسد ويُميت أعماله. أنا أقدِّم جسدي ذبيحة كوصية الرسول بولس، أخدم المسيح بجسدي بالصوم والصلاة والتأمُّل وكلّ أنواع الخِدَم.. أبذل جسدي في مساعدة أخوتي.. وأتعب لراحتهم. زينة الجسد هي اهتمام العالم كلّه.. أمّا زينة الروح فيعرفها الإنسان المسيحي. زينة الجسد مؤقَّتة، محكوم عليها بالزمن، فالجسد اليوم صحيح ولكن غدًا مريض. ملوك الجمال الجسدي اليوم يأتي عليهم الزمن فيصيروا بلا اعتبار وبلا جمال. ولكنّ الذين اهتموا بزينة أرواحهم بالفضائل، صاروا من مجد إلى مجد. زينة الروح في الداخل تبقى وتدوم. الذين يزرعون للجسد فمن الجسد يحصدون فسادًا.. لأنّ الجسد بالنهاية فاسد. أمّا الذين يزرعون للروح فمِن الروح يحصدون حياةً وسلامًا. إن كان طبع الوحوش قد أُخضع لتدريب الإنسان، فقد أَثبَت الإنسان أنّه يقدر أن يُخضِع الغرائز التي للحيوانات.. فبالأولى يقدر أن يدرّب غرائزه الخاصة. التدريب ليس بالأمر السهل.. ولكنه ليس مستحيلاً. ملايين البشر استهوتهم طرق التدريب.. التدريب الرياضى للياقة الجسد خلقَ أبطالاً فى جميع الألعاب الرياضيّة، والمسابقات في الأولمبياد.. أشياءٌ يتعجّب لها كلّ من يشاهدها، ويندهش كيف وصل هؤلاء؟ الموهبة، مع الأمانة في التدريب، مع الاستمرار، هي التي خَلَقَت البطولات الخارقة. أنا أملك الموهبة والنعمة.. نعمة البنوة لله، وموهبة الروح القدس. ينقصني التدريب الروحي، والأمانة، والاستمرار فيه، عندئذ تَظهر في الإنسان بطولات الإيمان، وبطولات القداسة والمحبة والاتضاع، وكلّ الفضائل التي ظهرت في القديسين، وفَتَنوا بها المسكونة. العيب فينا أنّنا أهملنا الموهبة التي فينا.. ونسينا التدريب في الحياة الروحية. القديس بولس الرسول قال: «أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي ضَمِيرٌ صالح» (أع24: 16) وقال: «أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا» (1كو9: 27). أُدرِّب فكري أن يلهج في ناموس المسيح ليلاً ونهارًا.. بالصلاة الدائمة. أُدرِّب عينيّ لكي لا تنحرِف نحو النظر البطَّال.. لأنّ سراج جسدي هو عيني. أُدرّب لساني أن يكون ينبوع للبركة، وألاّ تخرج كلمة رديّة من فمي. أُدرّب قلبي أن يكون دائم النقاوة. أُدرِّب نفسي على عمل الخير. أُدرِّب نفسي على ضبط النفس والوداعة، وأُخضِع قوّة الغضَب والسُّخط، لكي لا تملكني. إنّ تدريب النفس في الحياة المسيحية أمرٌ يغطِّي الحياة كلّها.. أُدرِّب نفسي كلّ يوم وكلّ ساعة. قد أفشل أحيانًا.. ولكنّ الفشل لا يمنعني من المسيح. قد أسقُطُ أحيانًا ولكنّي أقوم وأكمل جهادي. وأخيرًا بنعمة المسيح أَصِل إلى ميناء الخلاص. «جاهدوا الجهاد الحسن». المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
15 أكتوبر 2020

شخصيات الكتاب المقدس أحشويرش

" فى تلك الليلة طار نوم الملك "أس 6: 1 " مقدمة هل قرأت ما كتبه الشاعر الغربى عن المسمار الذى ضاع من حدوة الحصان؟، وإذ ضاعت الحدوة، ضاع الحصان، وإذ ضاع الحصان ضاع راكبه، وإذ ضاع الراكب ضاعت المعركة، وإذ ضاعت المعركة ضاعت المملكة، وكل ذلك بسبب الحاجة إلى المسمار الذى كانت تحتاج إليه حدوة الحصان!!.. وما أكثر ما تنجم أعظم النتائج من أصغر الحوادث وأتفهها فى الليلة التى أعد فيها هامان خشبة ارتفاعها خمسون ذراعاً ليصلب عليها مردخاى المسكين،.. فى تلك الليلة طار نوم الملك، وتغير كل شئ، وانقلبت الأوضاع، إذ أن الملك لم يطلب - والنوم بعيد عن عينيه - الموسيقى الرقيقة، أو النساء المحظيات..، أو الخمر أو غيرها مما يمكن أن يسليه عن النوم المستعصى على عينيه، ولكنه طلب سفر تذكار أخبار الأيام، ليتذكر ما فعل مردخاى، وكيف لم يكافئه عن عمله،.. وكيف أن هذا أنقذ الشعب الذى حكم عليه بالإعدام وهو لا يدرى، وغير وجه التاريخ بما رتب لإنقاذه كل هذا حدث لأنه فى تلك الليلة طار النوم من عينى الملك،.. ومن العجيب أن هذا الرجل الذى طار النوم من عينيه، كان فى واقع الحال وحشاً من أقسى الضوارى التى ظهرت على الأرض، ويصنع اللّه معه معجزة خارقة فلم تكن المعجزة سوى النوم الذى طار من عينيه،.. وهكذا يتدخل اللّه بعنايته العجيبة، ليصنع بأبسط الوسائل أضخم الأمور وأعظمها فى حياة الناس، ولعلنا بعد ذلك نستطيع أن نتابع القصة من نواح متعددة!!.. من هو أحشويرش: من المسلم به أن أحشويرش هو الملك الفارسى المسمى " أكزركسيس " أو زركسيس " وأن هذا الاسم الأخير فى الأصل اليونانى هو الاسم المختصر للاسم الأول، وقد حكم عشرين عاماً ما بين 485 - 465 ق. م، وقد كان مشهوراً بجماله الطبيعى مع الكبرياء والعناد والاندفاع والقسوة، على نحو يكاد يكون بلا مثيل بين طغاة الأرض، وجبابرتها العتاة، وقد بدأ حكمه بإتمام غزو مصر الذى بدأه أبوه داريوس، ثم عاد إلى بلاده ليعد لغزو اليونان التى كانت قد وصلت فى ذلك التاريخ إلى القمة فى العظمة والحضارة والمجد والمعرفة.. وذلك بعد أن خضعت له آسيا بأكملها من الهند إلى كوش، ليتحقق له إخضاع أوربا بأكملها، وليصل - على حد قوله - بالحدود الفارسية إلى آخر ما تصل إليه سماء اللّه!!.. وقد استمر ثلاث سنوات يجهز الجيش اللازم للمعركة، وقيل إنه أمكن أن يعد أكثر من خمسة ملايين مقاتل ومدنى للقتال، على رواية هيرودتس، وإن كان المؤرخون المحدثون يعتقدون أن هذا العدد مبالغ فيه، وأن الجيش كان حوالى مليون وخمسمائة ألف مقاتل،.. وأقام جسراً على الدردنيل ليربط آسيا بأوربا التى يزمع إخضاعها، وعندما هاجت الزوابع وكسرت الجسر أمر بقطع رؤوس المهندسين الذين عملوه، وجلد البحر ثلثمائه جلدة، وفى فريجيه توسل إليه بسياس العجوز (وقد قدم خمسة من أولاده للذهاب إلى الحرب) أن يعفى الأكبر ليبقى مع أبيه، فما كان منه إلا أن شطر الولد إلى شطرين، وأمر الجيش أن يمر بين شطرى الجثة!!.. وقد فعل شيئاً آخر يكاد يكون مماثلا لهذا الأمر، إذ أن صانع السهام، أراد أن يجرب سهماً، وكان ابنه ساقى للملك، (يقدم الكأس للملك)، فجربه فى ابنه بأن أنشبه فى قلبه، وسر الملك، وسمح له أن يقبل يديه مكافأة له على ما فعل!!.. هذا هو الرجل االذي يبدو وحشاً ضارياً، وهو صورة شاء اللّه أن يقدمها لنا، ويقدم الكثير من أمثالها فى كل العصور، لكى نعلم أن اللّه متسلط فى مملكة الناس،... ألم يقتل الإسكندر الأكبر أعظم قواده المحبوبين بارامنو؟، وألم يرسل هيرودس الكبير زوجته الجميلة المحبوبة ماريمينه إلى الموت؟ وألم ينه نيرون حياة أمه أغربيانا. والفيلسوف سينكا، وعشيقته بوبيا الجميلة التى ظل يركلها بقدميه حتى لفظت أنفاسها؟... وذهب هؤلاء جميعاً ليبقى الحاكم العادل الذى هو ديان الأرض كلها ويصنع عدلا!!.. أحشويرش وزوجاته: وكان الأحرى أن نقول " أحشويرش والمرأة "، إذ أن هذا الرجل كانت له زوجات عديدات، كل واحدة فى نوبتها، كما يشتهى الملك ويشاء، وكان قصر الحريم عنده صورة رهيبة عجيبة، يحكمها الأمر وقضيب الذهب فإذا ذهبت واحدة فى غير موعدها، أو دون أن تؤمر، فأمرها واحد، هو الموت البشع،.. ولقد ذكر عنه ذات مرة، كما تقول رواية تاريخية أو تقليدية، إنه سمح لواحدة من الزوجات بأن تشوه منافستها أمامه، فما كان منها إلا أن مزقت صدرها، وأنفها، وأذنيها وشفتيها وألقت بها للكلاب، واجتثت لسانها من الأساس، وأرسلت الجثة مشوهة المعالم إلى بيتها..!! قد يجرب المرء عندما يسمع أو يقرأ عن قصر تحول إلى ما يشبه الغابة، ممتلئاً بالحيات السامة، والإناث من الوحوش التى تكيد الواحدة للأخرى بالضرر والموت، إن العناية يمكن أن تبتعد أو ترفض الدخول إلى مثل هذه المجتمعات ولكن العكس صحيح، إذ أن اللّه يحكم كل شئ بسلطانه الأبدى العظيم، وهو يسيطر على الخطأ أو الصواب على حد سواء!!.. فإذا كان الملك يقيم حفلا تاريخياً باذخاً، يجمع إليه جميع الشعوب، ويقال إنه كان وقتئذ يعد لغزو اليونان، وهو لذلك يكثر من الخمر والشراب، وأذا هو يشرب ويشرب، ويشرب معه العظماء والسادة، وفى لحظة يفقد فيها ميزانه العقلى، يأمر أن تأتى الملكة فى جمالها البارع، لكي تظهر فيما يشبه العرض على الحاضرين، وأذا بالملكة الشجاعة النبيلة، ترفض أن تظهر أمام العيون المبتذلة المخمورة، وإذا هو يجرح فى كبريائه، وييستشير المخمورين معه، فيما يفعل تجاه الكبرياء الجريحة، ويأمر بخلع الملكة، ويصدر قراراً أن الرجل يحكم المرأة فى البيت،.. كأنما الحكم فى البيوت يحتاج إلى قانون ملكى ليسيطر الرجل على المرأة فيه!!.. وإذا بالملك يهدأ بعد الغضب ويحن إلى وشتى، وهو لا يستطيع أن يرجعها،... وهو فى حاجة إلى من يملأ الفراغ بمن تكون أجمل وأعظم، وإذا بمباراة تعقد بين ملكات الجمال، لتفوز فيها فتاة يتيمة من شعب مغمور، تستولى على مشاعر الملك، وتفرض عليه سلطان جمالها الطاغى، وتقف دون منازع بين مثيلاتها فى القصر الملكى،... فإذا كانت المؤامرة التى ستقع على الشعب، كما هو ثابت فى الكلمة الإلهية كانت فى الثانية عشرة من حكم الملك، فإن خلع وشتى، لتحل محلها أستير، كان قبل ذلك بسنوات تقترب من العشر، وتسبق العناية الخطأ والصواب معاً، وتجهز سبل النجاة قبل أن يقوم الخطر أو يعرفه أو يدركه إنسان على وجه الإطلاق!!... حقاً إن اللّه يحكم ويسود فى كل العصور والأجيال، يستوى فى ذلك عصور الديكتاتورية والطغيان، أو أرقى العصور حيث يسود القانون، وتأخذ العدالة مجراها بين الناس،... لقد حكم اللّه وساد أيام فرعون، حيث لا يجد الشعب البائس ملاذاً يلوذ به من التسخير والاستعباد، وحيث يصدر الأمر بأن يلقى كل ذكر عبرانى فى مياه النيل!!.. وقد حكم اللّه وساد فى أيام نبوخذ ناصر، حيث يأمر الملك أن يفسر له أحد حلمه الذى ربما نسيه هو، ويلزم أن يذكره السحرة والعرافون به، وحيث الأتون المحمى سبعة أضعاف ليلقى فيه من يخالف أمره، أو يعصى كلمته،.. ولقد حكم اللّه وساد عندما جعلت روما لعبتها المفضلة أن ترمى بالقديسين لتتسلى بمنظرهم والوحوش الضارية تمزق أجسادهم،... وقد حكم اللّه وساد عندما حول هتلر أوربا إلى بركة من الدم، وأطلق الحرب العالمية الثانية من عقالها!!.. وفى كل عصور تنطلق الوحوش الضارية، يمكن أن نسمع صوتاً يقول: " إلهى أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تضرنى " " دا 6: 22 ".. أحشويرش وهامان الأجاجى: من الغريب أن الشعوب تذهب - فى العادة - ضحايا تصرف الأفراد، وأن المشاكل والمؤامرات والحروب كثيراً ما ثارت، دون أن تكون هناك ضرورة لقيامها، فحروب تروادة قامت من أجل امرأة، وحرب البسوس من أجل ناقة، والحرب العالمية الأولى من أجل مصرع أمير من الأمراء!!.. وهكذا تأتى النار من مستصغر الشرر،.. وإبادة شعب بأكمله، جاء من وراء خلاف بين رجلين، فهامان الأجاجى وصل إلى مركز رئيس الوزراء، وقد أكرمه الملك، باعتباره ممثلاً له، فأمر بأن ينحنى أمامه الجميع ويسجدون، غير أن مردخاى اليهودى من حقه أن يحترم الرجل، ولكن لا يمكن أن يسجد لإنسان مثله، لأن عقيدته الدينية تمنعه من السجود إلا للّه وحده، وهو يقبل الموت دون أن يسجد للإنسان، حتى ولو كان أحشويرش نفسه وهنا نقف أمام نقطة هامة، بل هنا نقول مع مارتن لوثر: " هنا أقف ولا أفعل غير ذلك، وليعنى اللّه "!! فى مدينة أفسس طلب من فتاة مسيحية فى عصور الاضطهاد، ألا تفعل شيئاً سوى أن تقدم قليلا من البخور فى المبخرة للآلهة الوثنية.. ورفضت الفتاة، وهى تقبل أن تحترق، هى بنفسها، دون أن تتجاوز الخطر الإلهى فى الولاء للّه!!.. وإذا صح أن " تل " السويسرى رفض أن ينحنى بدافع الوطنية أمام قبعة الغاصب المحتل، وعندما أكره على أن يصوب سهماً إلى تفاحة وضعت على رأس ابنه، وأى انحراف للسهم قد يقتل الابن فى الحال، وقبل، وقد وطن نفسه على أن يجهز سهماً آخر للغاصب لو أن ابنه قتل من السهم الأول... وإذا صح أن الوطنية دفعت ملايين الناس على الأرض إلى أن يمحوا تراب وطنهم بالدم وأن يدفعوا الغاصب أو المستعمر أو العدو، ولو قدموا حياتهم رخيصة بلا تردد من أجل الوطن،... فكم يكون الأمر إذا تتعلق بعقيدة الإنسان وضميره، وهو يعيش تحت شعار الأمانة الدينية منصتاً إلى صوت السيد: " كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة "،... " رؤ 2: 10 " هذا هو السبب الذى دفع مردخاى لأن يقف على النقيض من عبيد الملك جميعاً، الذين كانوا يجثون ويسجدون لهامان، كأمر الملك،... وهذا هو السبب الذي أثار هامان، وطعن كبرياءه. فى الصميم، وملأه بالحقد والضغينة والانتقام،... وهو فى كل الحالات على النقيض من مردخاى، رجل وصولى نفعى لا يبحث إلا عن مجده وكرامته وعظمته وثروته، وهو يصل إليها جميعاً بمختلف الوسائل والأسلحة. والإنسان، فى الكبرياء، يعمى عن الحقيقة، إنه لا يختلف عن أى إنسان آخر، مهما كان حظه ومركزه ونصيبه من الحياة، وقد رأى أيوب نفسه لا يختلف عن عبده وأمته فقال: " إن كنت رفضت حق عبدى وأمتى فى دعواهما على، فماذا كنت أصنع حين يقوم اللّه، وإذا افتقد فبماذا أجيبه، أو ليس صانعى فى البطن صانعه، وقد صورنا واحد فى الرحم " " أيوب 31: 13 - 15 "وقد بلغت كبرياء هامان الحد الذى فيه رأى أن إساءة مردخاى لا يمحوها دمه وحده، بل لابد من أن يكون دم شعبه بأكمله فى كل البلاد هو التعويض عن الكبرياء المجروحة والمساء إليها!!... أية وحشية يمكن أن تكون كهذه الوحشية؟ وأية قسوة يمكن أن تصل إلى هذه القسوة؟... وفى الحقيقة أن أى وحش يلغ فى الدماء لابد أن يتوقف عن التعطش إلى الدم، مهما كانت وحشيته، ليعطى المكان الأول لهامان الأجاجى وأمثاله فى كل التاريخ، الذين لا يشبعون من أنهار الدماء التى تفيض أمامهم دون توقف!!.. وقد كان على هامان ليتمم رغبته الوحشية - أن يقدم رشوة للملك أحشويرش وهو لا يكتفى بأن يبرر أن الشعب اليهودى شعب منعزل بسنين مختلفة عن الشعوب، وهو لا يعمل سنة الملك، بل إنه سيعطى عشرة آلاف وزنه تقدم لخزانة الملك مقابل هذا القضاء الذى يلزم إتمامه،... وما من شك بأن هامان وضع عينيه على ثروة هذا الشعب، وهى أضعاف مضاعفة لما يقدم لخزانة الملك، وسيكون له النصيب الوافر من الثروة المحمولة إليه منهم!!.. ومثل هذا الإنسان ليس قاسياً أو راشياً مرتشياً فحسب، بل هو أكثر من ذلك، إنسان خرافى يؤمن بالوساوس والخرافات، ومن ثم فهو يلقى القرعة فى الشهر الأول - أي شهر نيسان - ليقع القضاء فى آخر السنة فى الثالث عشر من الشهر الثانى عشر شهر آزار لإهلاك وقتل وإبادة جميع اليهود من الغلام إلى الشيخ، والأطفال والنساء فى يوم واحد، وأن يسلبوا غنيمتهم!!... ومع أن الملك قد ختم الكتاب إلا أن غيظ هامان من مردخاى وبالمشورة مع زوجته ومشيريه، لم يستطع أن يصبر إلى الزمن المحدد للقضاء عليه، بل أسرع ليجعله عبرة منفردة للآخرين، فصنع خشبة طولها خمسون ذراعاً ليصلب عليها عدوه اللدود!!.. ولم يعلم هامان، وهو يصنع الخشبة الطويلة، أن يضعها لنهايته وللقضاء عليه هو، وفقاً لقول الحكيم: " من يحفر حفرة يسقط فيها ومن يدحرج حجراً يرجع عليه!!.. ". " أم 26: 27 " وأعتقد أننا فى حاجة إلى مصور بارع يصور لنا هامان الأجاجى، وهو يلبس مردخاى الذى سر الملك بأن يكرمه، اللباس الملكى، ويركبه فرس الملك، وينادى فى ساحة المدينة: هكذا يصنع للرجل الذى يسر الملك بأن يكرمه!!.. وأعتقد أننا فى حاجة إلى صورة أكبر لذلك الصليب، وقد أنتزع من فوقه مردخاى ليأخذ هامان مكانه!! إنه اللّه، صديق البائس والمنكوب والمظلوم، والبرئ، يفعل هذا وهو القادر على كل شئ فى كل عصور التاريخ!!.. أحشويرش وأستير: تذكرنى أستير بالسؤال الذى وجهته أم كرومويل إلى ابنها، إذ رأته يقوم بما يشبه الإقدام الجنونى على كثير من الأعمال، وعندما سألته عن السر فى ذلك، أجاب: توجد لحظات يا أمى لا يستطيع الإنسان فيها أن يفكر فيما يواجه، طالما كان أمامه واجب يلزمه بذلك!!.. وكان كرومويل نفسه فى تكريسه حياته للخدمة والواجب، هو الجواب على سؤال نهض أمامه فى مزرعته عندما أحس أن اللّه يدعوه، وأن اللّه فى حاجة إلى رجل، شجاع، أمين، بصرف النظر عما يواجه من مشقات ومتاعب وأعوال.. كان السؤال المطروح أمام عينيه، هو ذات السؤال القديم: " من أرسل ومن يذهب من أجلنا، " " إش 6: 8 ".. وكان الجواب بدون تردد: " ها أنذا ارسلنى!!. وإذا كانت هناك امرأة بين النساء قد أجابت بشجاعة على هذا السؤال، فقد كانت أستير واحدة من البطلات اللواتى أجبن، بعد عمق دراسة، غير عابئات بالنتيجة، سواء جاءت فى هذا الاتجاه أو ذاك: " فقالت أستير أن يجاوب مردخاى: اذهب اجمع جميع اليهود الموجودين فى شوشن وصوموا من جهتى ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلا ونهاراً، وأنا أيضاً وجوارى نصوم كذلك، وهكذا أدخل إلى الملك خلاف السنة، فإذا هلكت هلكت " " إش 4: 51 و61 " ومن الواضح أن أستير وجدت من مردخاى تشجيعاً على ما يقال إنه مغامرة انتحارية، ولعل المبدأ الأساسى فى أية مغامرة أو فى أية رسالة هو موازنة النتيجة، وهل الفائدة أو الضرر أقوى وأكمل فى الإقدام عليها أو الامتناع عنها، فإذا كان مجد اللّه معلقاً فى الميزان، أو إذا كان مصير الكثيرين يمكن أن يرتبط بالمغامرة، فإن أى بذل لا يمكن إلا أن يكون مكسباً أعلى وأعظم، مهما كان الثمن الذى يدفع فيه،... هل سمعنا عن ذلك الرجل الذى كان يدعو نفسه: الثالث... وعندما سئل: ومن هو الأول والثانى... كان الجواب: اللّه أولا: الآخرون ثانيا: أنا ثالثاً!!.. وفى ضوء هذا الترتيب رأت أستير نفسها فى المركز الثالث!!.. بل إن مردخاى يؤكد لها هذا المركز من وجهة أخرى، فهو يؤكد لها أن صاحب المركز الأول له القدرة، بها أو بدونها، على أن يحقق النجاج للشعب!!... لكنه يريد أن ينبهها إلى أنه هو الذى وضعها فى المركز الذى لم يكن تحلم به على الإطلاق: " لأنك إن سكت سكوتاً فى هذا الوقت يكون الفرج والنجاة لليهود من مكان آخر وأما أنت وبيت أبيك فتبيدون، ومن يعلم إن كنت لوقت مثل هذا وصلت إلى الملك " " إس 4: 14 ".. إن السؤال الذى تطرحه هذه القضية علينا أجمعين، ليس حول الشعب اليهودى فى ذلك التاريخ.. بل فى أمرنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور: ما هى الحياة!!؟ ما هى الحياة لأستير!!.. وما هى لى أو لك، نحن الذين تفصلنا عن القصة القديمة: ما يقرب من ألفين وخمسمائة من الأعوام!!؟ هل الحياة أن يتحول الإنسان من فقير يتيم إلى مركز الملوك، وينتقل من كوخ إلى قصر؟.. ومن الجوع والمسغبة والمشقة إلى حياة المجد وأبهاء الملوك!!؟.. هل هذه هى الحياة؟ إن الجواب بكل تأكيد: كلا!! لأن الفقير والغنى فى رحلتها الأرضية سيسوى بينهما التراب الذى سيتحولان إليه، ولا يعود يفصل بينهما فاصل، أو كما قال ديوجين للاسكندر الأكبر عندما أبصره يمسك بمجموعة من العظام وسأله الإسكندر: أية عظام هذه التى معك ياديوجين!!؟.. وكان الجواب: لا أعلم، أهى عظام أبيك أو عظام عبيده!!؟... ولو صحت الرواية، فإن عظام العبيد تختلط بعظام سادتهم، عندما يعود الناس تراباً إلى الأرض!!؟.. ومن ثم فإنها ليست الثروة أو الجاه أو النفوذ أو الأكل أو الشرب الذي يفصل بين إنسان وإنسان!!؟... إن الحياة فى مفهوم مردخاى - لا تزيد أو تنقص عن أنها فرصة فى مملكة الإنسان، سواء اتسعت هذه المملكة لتصبح من الهند إلى كوش، أو ضاقت لتصبح مملكة الإنسان فى داخل كيانه الشخص.. وكل على أية حال هو ملك على مملكة،.. وهناك فى هذه المملكة، الفرصة التى إذا ضاعت فلن تعود، والمسئولية هى الحياة تجاه هذه الفرصة، وهى بحق ما ذكره " دانيال وبستر لما سأله أحدهم عن أهم شئ يواجهه فى الحياة، فكان جوابه: " هى مسئوليتى تجاه ابن اللّه فى الأرض "!!... وليس من واجبى تجاه هذه الفرصة أن أسأل فى وقت الموت أو الخطر ماذا ينبغى أن أفعل!!.. لكن واجبى الوحيد أن أسير فى الطريق دون تراجع عن الشهادة أو الاستشهاد... وهذا هو المعنى النبيل العظيم فى الحياة!!.. كان لأستير المجد العالمى إذ كان لها أعظم ما يمكن أن يصل إليه إنسان فى الأرض من إمتيازات وجوار وخدم وعبيد، لكن أستير أدركت أن هذه كلها تذهب وتبيد... وتبقى القصة خالدة بما يقدم الإنسان من عمل لمجد اللّه ولخير الآخرين!!... وكم من ملكات عشن فى التاريخ وذهبن، وذهب كل شئ فى حياتهن طعمة للدود الذى أتى على كل نعيم،... ولم يبق لهن إلا الخدمة إذا كن قد أدركن رسالتهن ومسئولياتهن فى الحياة!!... والفرصة كالشعرة الدقيقة إذا أفلتت على رأى شكسبير لا يمكن أن نرجعها مرة أخرى، ونحن نسير فى موكب لا يرجع فيه التاريخ إطلاقاً!! وسعيد ذلك الإنسان الذى يمسك بالفرصة، مهما كانت المتاعب أو فخاخ الموت المنصوبة عن جانبيه فى الطريق!!.. إن الشعار المسيحى الذي جاء بعد مئات السنين من أستير، يتركز فى عبارة واحدة خالدة: " لى الحياة هى المسيح والموت هو ربح "!!.. " فى 1: 21 " وكيفما كانت الحياة أو الموت فإن لغة المسئولية الدائمة: لأننا إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت، فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن!!.." رو 14: 8 " على أننا نلاحظ أنه إن أهملنا الفرصة - فى عرف مردخاى - فليس معنى ذلك أننا نهرب من الموت، بل لابد أن يلاحقنا الموت هناك.. فالهاربون من الفرصة مائتون بهذا المعنى أو ذاك: " وأما أنت وبيت أبيك فتبيدون ".. وهو موت الإبادة بالمعنى المادى أو الأدبى على حد سواء، و" من لم يمت بالسيف مات بغيره... تنوعت الأسباب والموت واحد "... فإذا نجا الإنسان من الموت المادى، فإنه قد يموت أضعافاً مضاعفة الموت الأدبى أو الروحى الذى يلحقه فى الدنيا وفى الآخرة معاً، ويل لمن يموت ويبيد أسمه أدبياً أو روحياً، حتى ولو رآه الناس إنساناً عظيماً جالساً على عرش فى الأرض!!... على أنه، بالإضافة إلى هذا كله، لا يجوز أن نمسك بالفرصة فى استقلال عن اللّه، أو بالإندفاع الطائش بأية صورة من الصور، لقد كانت أستير آية فى العظمة والحكمة، عندما استندت إلى اللّه فى فرصتها، إذ دعت أصدقاءها جميعاً للصوم والصلاة ثلاثة أيام ليلا ونهاراً، وذهبت إلى الملك، وبعد أن التقت بملك الملوك ورب الأرباب، وهذا واجبنا الدائم عندما نقف أمام أية مسئولية صغرت أو كبرت... وليكن اللّه القائد والصديق والسيد والمعين على تحمل المسئوليات، ومن المناسب أن نذكر أيضاً أنها استخدمت جمالها فى الخدمة المقدسة، ويحسن أن نشير إلى ما قاله أحد رجال اللّه بهذا الشأن يوم قال: " لقد بدأ هذا الجمال فى قمة بهائه، عندما توارى منه كل بحث عن الذات، واضحى نبيلا بنبل الغاية أو المقصد الذي اتجه إليه،... والجمال كوزنة أو هبة إلهية ينبغى أن يعطى ويقدم للخير، وسيبلغ الذروة، وهو يقدم على مذبح الخدمة والتكريس،... وهو هناك يصبح كوجه استفانوس عندما شخص إليه جميع الجالسين فى المجمع ورأوا وجهه كأنه وجه ملاك!!... " أع 6: 15 " ترى هل يستطيع الجمال عند أبناء ووبنات اللّه أن يخدم السيد بهذا المعنى العظيم المرتفع الرائع؟!! أحشويرش ومردخاى: لم يكن مردخاى صاحب عمل عظيم، فى مطلع الأمر، وهو لم يكن يدرى وهو أسير منفى، أن اللّه سيستخدمه على النحو التاريخى العظيم الذى قام به، لقد بدت رسالته الأولى بسيطة غاية فى البساطة، لقد عهد إليه بابنة عمه أستير، وقد مات أبواها ليكلفها ويربيها، وقد أحسن تربيتها وإعدادها للدور العظيم الذى لعبته فى إنقاذ شعب بأكمله، من هاوية دبرت له وهو لا يدرى. وقد استخدم مردخاى بعد ذلك فى القصر الملكى فى وظيفة يسيرة محدودة، من أصغر الوظائف، وقد شغلها بنبل ووداعة، وأنقذ الملك من مؤامرة دبرت له، وقد شاء اللّه أن يبقى فى الوظيفة وتؤجل مكافأته، حتى يأخذ مكان هامان ويصبح رئيسا للوزراء، تماماً كما أجلت مكافأة يوسف إذ نسيه رئيس السقاة، حتى يصبح ثانى رجل فى مصر بعد فرعون،.. وهكذا نرى خيوط الرواية كلها، تتحول من نوم يطير من عينى الملك، إلى وقائع مثيرة خالدة تأخذ بالألباب فى كل العصور والأجيال، وتؤكد أن عناية اللّه هى التى تشكل قصص الحياة بكامل وقائعها، على النحو الذى جعل " يوناثان برا يرلى " يقول: " نحن فى عالم رتب لنا، ولم يرتب بنا، وقد أعد اللّه أعمالنا فيه قبل أن نصل إليه "..، قال " نورمان كاكليود "، وهو فتى صغير تضغط عليه أحداث الحياة: ليتنى لم أولد "... وإذ سمعته أمه قالت له: " يانورمان... ها أنت قد ولدت... ولو أنك كنت ولداً طيباً لسألت اللّه أن يشرح لك لماذا أنت هنا، ولسألته أن يساعدك لإتمام أغراضه ".. وقد كان هذا كافياً للفتى الذى وعلى كلمات أمه، وأصبح واحداً من أعظم الأبطال والرجال!!... عندما كان هنرى دراموند " يعظ فى إنجلترا فى نهضة من النهضات، قال أحد الطلاب الجامعيين لزميل له فى الجامعة: هل ستحضر هذا المساء اجتماعات دراموند؟.. وفى تلك الليلة وجد الشاب يسوع المسيح.. ليقول فيما بعد: إنه ليس سؤال صديقى هو الذى دعانى للذهاب، بل صوت اللّه،.. وهكذا تغير تاريخه بأكمله!!أليس من المثير والعجيب أن سفر أستير هو السفر الوحيد فى الكتاب المقدس الذى لم يذكر فيه لفظ " اللّه "، ولا نقرأ فيه عن معجزة واحدة خارقة للعادة!! ولكن كل سطر فيه خطته العناية الإلهية الخفية التى تسير أحداث الحياة، ولفظ " اللّه " مستتر وراء كل كلمة فيه، والمعجزة العظيمة، هى أن اللّه، الذى يزحزح الأرض وهى لا تدرى، زحزح كارثة عن شعب، كان لا يمكن أن يتبعثر فى الأرض أو يضيع قبل أن يأتى شيلون الذي هو المسيح مخلص العالم، والذى جاء فى ملء الزمان، " مولوداً من امرأة، مولودا تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبنى "!!!... " غل 4: 4 ".
المزيد
14 أكتوبر 2020

الشك واليأس من حروب الشياطين

الشك: يعمل الشيطان على زرع الشكوك في كل مجالات الحياة. لأن الإنسان في حالة الشك يكون ضعيفًا, فيتمكن الشيطان من الانتصار عليه وما أسهل عليه أن يغرس الشك في كل العلاقات الاجتماعية: كالشك في إخلاص الزوج أو الزوجة, أو في علاقة الصديق بصديقه, أو الشريك بشريكه في العمل. الشك في صدق الناس وفي أمانتهم وفي حسن نواياهم. وفي نياتهم ومقاصدهم. كل ذلك لكي يزعزع صلة الناس ببعضهم البعض, ويحولها إلى انقسامات ونزاع, ويضيّع الحب الذي هو عماد الحياة الروحية والاجتماعية كلها حتى الأمور التي يمكن أن تمر ببساطة, يعقدها الشيطان بشكوك عديدة, وقد يخلق منها مشاكل عويصة إنه يشكك التلاميذ في موسم الامتحانات... الشك في صعوبة الأسئلة, وفي القدرة على النجاح. وإن أمكن النجاح يثير الشك في إمكانية التفوق والالتحاق بكلية مرموقة. وإن نجح الطالب وتخرج, يقدّم له الشك في إمكانية الحصول على وظيفة كذلك الشك في الأخبار سواء التي تنشر في الصحف, أو التي ترد في كل وسائل الإعلام: هل هي فعلًا حقيقية أم أن وراءها غرضًا معينًا يقصده الكاتب أو المذيع. ويزداد الشك كلما تضاربت الأخبار أو تنوعت أساليب عرضها وقد يتطور الأمر فيشك الإنسان في ذاته, وفي مدى قدرته. وربما يشك في حالته الصحية, وهل هو مريض بالمرض الفلاني, أم أن الأطباء والأقرباء يخفون الأمر عنه أو يهونون عليه وقع الخبر..! وربما فتاة يأتي شاب ليخطبها فتشك في قبوله لها. وهل سيمضى ثم لا يعود.؟!بل أن الشك قد يصل إلى الإيمان أيضًا والعقيدة. مثلما حدث في نشر الشيوعية, وبعض الكتابات الإلحادية, أو في قيام بعض البدع والملل والنحل. ويتساءل العقل في حيرة وفي شك: أين الحقيقة؟وقد يكون الشك في إمكانية الحياة مع الله، وهل هي سهلة أم صعبة؟ والى أي مدى يمكن السلوك بالمبادئ السامية في مجتمعات أنتشر فيها الفساد، وأصبحت الفضيلة فيها محاطة بعقبات وأشواك!والشك عمومًا يحتاج إلى علاج، والى بحث ورويّة واقتناع. وفي العلاقات الاجتماعية ربما يلزمه أحيانًا شيء من المواجهة أو من الصراحة، أو العقاب. وهنا ينبع شك آخر: هل المواجهة أو العتاب تأتى بنتيجة سليمة أم تؤول لها حالة أكثر سوءًا؟! وهل الذي ستواجهه أو تعاتب سيقبل ذلك. أم يغضب ويثور ويهدد؟! اليأس أخطر ما في الشك أنه قد يزداد حتى يتحول إلى يأس. على أن اليأس إذا زاد، وإذا سيطر على مشاعر إنسان، فقد يجعله ينحرف أحيانًا ويلجأ إلى حلول غير سليمة فإنسان قد يقع في مشكلة ويحاول أن يصل إلى حلها فلا يعرف. وأخيرًا إن طال الوقت ولم يجد للمشكلة حلًا، قد يلجأ إلى وسائل لا يرضى عنها الضمير مثل الكذب أو الغش أو التحايل مركزّا على الرغبة في الوصول أيًا كانت الوسيلة خاطئة! وإن وبخه ضميره، يرد قائلًا: ماذا افعل! ليس أمامي طريق آخر، لقد يئست هذا الإنسان ينقصه الصبر أو الحكمة، أو على الأقل المشورة أو إنسان آخر تواجهه مشكلة، فيصلى إلى الله كثيرًا أن ينقذه منها. وإذ يمرّ الوقت وتبقى المشكلة قائمة، ربما يدركه اليأس من حلها. ثم يوسوس له الشيطان أنه لا فائدة من الصلاة ولا منفعة، وأن الله لا يسمع أو لا يرحم... ويبدأ إيمانه أن يهتز ولا يعود يصلى من أجل هذه المشكلة ولا من أجل أي سبب آخرشخص آخر تقابله في متاعب في حياته الزوجية، أو خلافات بينه وبين زوجته، ويحاول أن يقنعها بفكره فلا تقتنع، فتبدأ محبته لها أن أن تفتر، ويعمل على استعادة الحب القديم فلا يستطيع... وأخيرًا ييأس من استمرار حياته معها، ويبدأ في التفكير في تطليقها. ويتم الطلاق نتيجة لليأس، ويكون مأساة للأسرة وللأولاد شخص آخر يزداد الخلاف بينه وبين بعض أصدقائه، ويصطدم بحقيقة تزعجه وهى خيانة من البعض، وعدم أمانة من البعض الآخر، فيشك في الصداقة والأصدقاء، وتنحرف نفسيته، فييأس من كل هذه العلاقات، وينعزل بعيدًا عن أي صديق خوفًا من أن تتكرر المأساة. ولا يعود يأتمن أحدًا أو يتحدث بأسراره لأحد!! أو إنسان كان طيب القلب متسامحًا مع الكل، فوجد أنهم يستغلون طيبته ويمتهنون كرامته. ويجد أن الوداعة والتواضع يعتبرهما البعض دليلًا على الضعف. ويتكرر هذا الأمر، فيدركه اليأس من حياة السمو والفضيلة والهدوء، وينقلب إلى صورة عكسية تمامًا في معاملته مع الآخرين.. فلا يعود يغفر أية إساءة لأحد، بل يقابل السيئة بما هو أسوأ منها وإنسان آخر تكثر عليه المشاكل والضيقات ويحتمل على قدر طاقته، ثم يضيق صدره أخيرًا بكثرة الاحتمال. وإذ تزداد آلامه يومًا بعد يوم، ولا يجد معونة من أحد، ولا حلًا لكل ما يكابده، حينئذ يدركه اليأس ويعصره، ويفكر في التخلص من هذه الحياة كلها بالانتحار، نتيجة ليأسه أو شخص آخر يقع في الخطيئة ثم يتوب أو يحاول التوبة، ولكنه يعود للخطيئة مرة أخرى وثانية وثالثة، فيدركه اليأس من حياة التوبة وينغمس في الخطيئة على أنى أري هذه النقطة بالذات من الوقوع في اليأس، تحتاج منا إلى شرح وتفصيل أكثر، بل إلى مقال خاص. فإلى اللقاء في المقال المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل