المقالات

13 أكتوبر 2020

( تذكار عظيم)

نياحة القديس فيلبس احد السبعة شمامسة سمى بالانجيلى المبشر احد السبعة " كان يكرز بالمسيح" ( أع ٥:٨)، وكان له اربع بنات عذارى يتنبأن . تعين بحكمة الله ليكمل خدمة الكنيسة فى غربتها على الارض من حيث اعواز الزمان . مملوءآ بالايمان والروح القدس والحكمة ، وعلى مستوى عال من التصرف ، وكان الثانى من السبعة الذين انطلقوا بروح الحرية من عالمهم الكرازى الكبير Macrocosm الى العالم الصغير Microcosm ، وهو من الذين تشتتوا وجالوا مبشرين بالكلمة ... صنع ايات وعجائب واخرج أرواح شريرة . وكثيرون من المفلوجين والعرج شفاههم فكان فرح عظيم (أع ٤:٨) . وهو الذى عمد الرجل الحبشى خصى وزير كنداكة Candake = Candace ورافق مركبته وعمده ، وبعد ذلك خطفه الروح ليجتاز مبشرآ فى جميع الامم . فيلبس هذا عندما تشتت نثر زرع فلاحة الله وجال يصنع خيرآ ، وقدم الإنجيل للأمم واخرج شياطين ( اكسورسزم) Exorcism فصدق الناس بشارته بالأمور المختصة بملكوت الله ، وعمدهم باسم الثالوث القدوس ، وقد فتح عصر أنبياء العهد الجديد بلا منازع حتى صارت طغمة قائمة بذاتها بعد الرسل ، حسبما جاء فى كتاب " الديداكية" حيث وردت الاشارة عن أنبياء العهد الجديد ، وتسخير الله لهم بقوته ومبادراته اللامتناهية وتوظيفه للاوقات والأزمنة والملائكة والناس والأرض واختيار القراءات النبوية لتوصيل رسالة الخلاص . تأتي عظمه فيلبس المبشر كونه شرح سر الخروف المذبوح !! السر المخفى منذ الدهور والذى فتش وبحث عنه الانبياء ، باحثين عن الحمل السالم الصامت الذى جز وصلب ولم يفتح فاه " فمسكوه / وسألوه ودانوه / وسيق الى الذبح / وانتزع قضاءه = خسر قضيته / فقطع من ارض الاحياء" ، اما وزير الخزانة تعمد وأخذ كنز الكنوز Treasury، وامن بالرب يسوع ، ثم اختفى فيلبس ولم يبصره الخصى بينما ذهب هو فى طريقه فرحآ . فلنفرح بخلاصنا ونقتنى كنزنا ونخدم بالروح والملء كما فيلبس الذى فتح أبواب للإيمان وجمع ثمرآ وصيدآ وحصادآ . القمص اثناسيوس جورج كاهن كنيسة الشهيد مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
12 أكتوبر 2020

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (10) الصلاة

مفهوم الصلاة وحاجتنا اليها.. الصلاة هى حديث محبة بين الابناء وأبيهم السماوى ، فيها نسبح الله على أحسناته ونشكره على محبته وأبوته وعطاياه ومعاملاته الطيبة معنا ونعترف له بخطايانا طالبين منه الغفران وبها نتوب ونتغيروننمو ويقوي إيماننا ويزداد رجائنا وتثبت محبتنا لله . بالصلاة نتقدم لله بطلباتنا ونعرض عليه همومنا واحزاننا واشتياقاتنا ،الصلاة ليس فرض او واجب يؤديه الإنسان لكي يُرضي الله. لأن الفرض هو واجب مفروض على الإنسان فإذا أدَّاه الإنسان فقد وفّى الفرض حقّه وأكمله. أما الصلاة الحقيقية فهي علاقة حية تنبع من قلب الإنسان فتكون صلاته إنما نتيجة هذه العلاقة الصادقة القلبية بين الله والإنسان. ان الصلاة علاقة قلبية خالية من عبودية الخوف كما هو مكتوب {إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا آبا الآب} رو 15:8 . نصلي بروح البنوة والمحبة ونخاطب الله قائلين يا ابانا الذى فى السموات وهو يسمع ويستجيب وكما قال لنا { وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه} (مت 21 : 22). ان الصلاة هي قوة المؤمن ودعامة حياته الروحية فى علاقته بالله ونفسه والآخرين ، بالصلاة نظهر حبنا لله وأيماننا به وامانتنا له ونعترف به مصدراً لكل البركات ونلتجأ اليه فى مختلف ظروف حياتنا وبها نكشف ذواتنا امامه ونكتشفها على حقيقتها ونسعى لنكون أهلاً للبنوة الحقيقة لله وننال خلاصنا وطلباتنا ونجاتنا من أبليس . بالصلاة نظهر محبتنا للقريب فنطلب عن سلام الكنيسة واعضائها والعالم وخلاصه ونصلى من أجل كل أحد المرضى والمسافرين والراقدين والارامل والايتام والمحتاجين ، من اجل الساقطين والقائمين والمتضايقين والمسجونين والذين ليس لهم احد يذكرهم ونصلى من أجل كل شئ حتى الزروع والاهوية والمياة . من أجل هذا يجب ان نجعل الصلاة من أهم اولوياتنا ونعطيها الوقت المناسب كالصباح الباكر ونمهد لها ان كانا نصلى فى النهار او المساء بالاستعداد الحسن كأن نتأمل او نقرأ شئ روحى ونهدئ حواسنا وأفكارنا ولا ندع الفكر يطيش منا فى أفكار غير روحية بل نضبط فكرنا فى المسيح مصلين بالروح والحق نصلي بلساننا وقلبنا يلهج بالصلاة والروح تبتهل ويكون الفكر منجمع للوقوف امام الله ضابط الكل ، كما يجب ان نحترم الصلاة فنصلى وقوف او فى سجود او ركوع {فاريد ان يصلي في كل مكان رافعين ايادي طاهرة بدون غضب و لا جدال} (1تي 2 : 8). اننا نحتاج للصلاة لتحيا وتشبع ارواحنا وكما نغذى أجسادنا بالطعام اكثر من مرة فى اليوم لنواصل مسيرة الحياة ونستطيع ان نعمل وان يتغلب الجسم على الامراض التى يمكن ان تصيبه فكذلك تحتاج أرواحنا وحياتنا الروحية للثبات فى الله كما تثبت الاغصان فى الكرمة لنثمر ثمرا روحيا ونبتعد عن السقوط او الجفاف والفتور الروحى . لقد قال احد الاباء اننا نحتاج للصلاة كحاجة الجسد للتنفس وان كان التنفس يتم بحركة لا ارادية من الانسان لكن الصلاة تحتاج منا الى الارادة الواعية او التغصب فى بداياتها حتى نشعر باهميتها وفائدتها وتغذيتها لارواحنا ونفوسنا وعقولنا واجسادنا. ان الصلاة هى سر نصرة المؤمن على أعدائه الروحيين واغراءات الحياة المادية ودوماتها وبها نحصل على كل البركات والعطايا الروحية وتُعلم طلباتنا لله . وكما قال القديس مار اسحاق السريانى (الذى يتهاون بالصلاة ويظن ان له باب آخر للتوبة غير الصلاة فهو مخدوع من الشياطين) من اجل هذا يوصينا السيد المسيح بالسهر والصلاة { فاحترزوا لانفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة فيصادفكم ذلك اليوم بغتة.لانه كالفخ ياتي على جميع الجالسين على وجه كل الارض. اسهروا اذا وتضرعوا في كل حين لكي تحسبوا اهلا للنجاة من جميع هذا المزمع ان يكون وتقفوا قدام ابن الانسان} لو 34:21-36. عندما حاصر الاعداء الشعب قديما صرخ يهوشفاط الى الله { وقال يا رب اله ابائنا اما انت هو الله في السماء وانت المتسلط على جميع ممالك الامم وبيدك قوة وجبروت وليس من يقف معك. يا الهنا اما تقضي عليهم لانه ليس فينا قوة امام هذا الجمهور الكثير الاتي علينا ونحن لا نعلم ماذا نعمل ولكن نحوك اعيننا. وان يحزيئيل بن زكريا بن بنايا بن يعيئيل بن متنيا اللاوي من بني اساف كان عليه روح الرب في وسط الجماعة.فقال اصغوا يا جميع يهوذا وسكان اورشليم وايها الملك يهوشافاط هكذا قال الرب لكم لا تخافوا ولا ترتاعوا بسبب هذا الجمهور الكثير لان الحرب ليست لكم بل لله. ليس عليكم ان تحاربوا في هذه قفوا اثبتوا وانظروا خلاص الرب معكم يا يهوذا واورشليم لا تخافوا ولا ترتاعوا غدا اخرجوا للقائهم والرب معكم. ولما جاء يهوذا الى المرقب في البرية تطلعوا نحو الجمهور واذا هم جثث ساقطة على الارض ولم ينفلت احد} 2أخ 12:20-24. هكذا نحن اذ نحارب اعداء الشر الروحيين نتمسك بالصلاة { اذ اسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون.هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستاسرين كل فكر الى طاعة المسيح} 2كو4:10-5. تتنوع الصلوات من صلاة فردية يصليها المؤمن فى مخدعه وبمفرده ، منها ما هو مسلم لنا فى الكنيسة من صلوات الأجبية فى ساعات اليوم بدء من باكر النهار حتى النوم ومنتصف الليل ومنها الصلوات الارتجاليه التى نصليها فى البيت او الطريق او العمل او الخدمة كحديث محبة مع الله فيتقدس اليوم ونستمطر مراحم الله ومعونته لنا فى رحلة الحياة ونشعر بحضوره وحفظه ورعايته كل وقت .وهناك الصلوات العائلية التى نصليها معا كاسرة مسيحية متحدة كاعضاء بالله تعلن محبتها وطلباتها لله { لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله }(في 4 : 6).الى صلوات جماعية نصليها معا فى الكنيسة ونتحد فيها بالسيد المسيح رئيس ايماننا ومكمله كما مارست الكنيسة الصلاة معا منذ العصر الرسولى { وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة واذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب.مسبحين الله ولهم نعمة لدى جميع الشعب وكان الرب كل يوم يضم الى الكنيسة الذين يخلصون} أع 46:2-47. قد يشتكى البعض من فتور صلواتهم وعدم الرغبة فى الصلاة ، لكن يجب ان نغصب أنفسنا على الصلاة حتى فى فترات الجفاف والفتور فالله ينظر الى امانتنا فى الصلاة وتدب فينا الحرارة وعلينا ان نفحص ذواتنا هل ذلك الفتور بسبب شهوات فى القلب تُبرد حرارتنا فنتوب عنها أم بسبب تعب الجسد والاعصاب فنختار الوقت المناسب للصلاة ونعمل على البعد عن مسببات التعب وحلها أم هل ذلك بسبب حروب من الشيطان فتغلب عليها بالتواضع والصبر والجهاد ، فالصلاة تحتاج الى تغصب وكما قال السيد المسيح {ملكوت السماوات يغصب والغاصبون يختطفونه} (مت 11 : 12). {وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء اما اولئك فلكي ياخذوا اكليلا يفنى واما نحن فاكليلا لا يفنى }(1كو 9 : 25) . {وايضا ان كان احد يجاهد لا يكلل ان لم يجاهد قانونيا} (2تي 2 : 5). علينا ان نبتعد عن العثرات التى تحاربنا وقت الصلاة ونمهد للصلاة بالقراءة الروحية الجيده التى هي ينبوع للصلوات النقية ، وعلينا ان نصلي صلوات الساعات متذكرين أعمال الرب من أجلنا مقدسين زمن حياتنا على الارض قدر أمكانياتنا طالبين من الرب ان يعلمنا كل حين ان نصلي له بالروح والحق ونعد أنفسنا برفع القلب كل حين بالمحبة والصلاة الى الله . السيد المسيح وتعاليمه عن الصلاة الصلاة هى صلتنا بمصدر الحياة والقوة { يا سامع الصلاة اليك ياتي كل بشر} (م 65 :2).وهي خبرة إيمانية بها نظهر امام الله ونقدم طلباتنا وابتهالاتنا ويستجيب لنا { اعلموا ان الرب يستجيب لصلواتكم ان واظبتم على الصوم والصلوات امام الرب} (يهو 4 : 12). وهى مطلب الهي { فاطلب اول كل شيء ان تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لاجل جميع الناس} (1تي 2 : 1). لقد صلى سليمان قديما الى الله { فالتفت الى صلاة عبدك والى تضرعه ايها الرب الهي واسمع الصراخ والصلاة التي يصليها عبدك امامك اليوم. لتكون عيناك مفتوحتين على هذا البيت ليلا ونهارا على الموضع الذي قلت ان اسمي يكون فيه لتسمع الصلاة التي يصليها عبدك في هذا الموضع} 1مل 28:8-29.فسمع الله صلاته واجابه { ان الرب تراءى لسليمان ثانية كما تراءى له في جبعون. وقال له الرب قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعت به امامي قدست هذا البيت الذي بنيته لاجل وضع اسمي فيه الى الابد وتكون عيناي وقلبي هناك كل الايام} 1مل 2:9-3.{ ولما انتهى سليمان من الصلاة نزلت النار من السماء واكلت المحرقة والذبائح وملا مجد الرب البيت }(2اخ 7 : 1). والله حاضر فى كل مكان وزمان يسمع صلواتنا { افلا ينصف الله مختاريه الصارخين اليه نهارا وليلا وهو متمهل عليهم. اقول لكم انه ينصفهم سريعا} لو 7:18-8. وكما استجاب لطلبات الكنيسة من اجل نجاة الرسل وارسل ملاكه ليفكهم من القيود ويخرجهم وكما قبل صلوات كرنيليوس وارسل له ملاك يخبره بقبول صلواته {فلما شخص اليه ودخله الخوف قال ماذا يا سيد فقال له صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارا امام الله }(اع 10 : 4). هكذا يقبل الله صلواتنا النقية كرائحة بخور مقدس ويستجيب لها . لقد سأل التلاميذ السيد المسيح يوماً قائلين علمنا يارب ان نصلي ، وقد علمهم { متى صليتم فقولوا ابانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليات ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض. خبزنا كفافنا اعطنا كل يوم. واغفر لنا خطايانا لاننا نحن ايضا نغفر لكل من يذنب الينا ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير} لو2:11-4. ثم ضرب لهم مثالاً فى اهمية الصلاة والمداومة عليها { ثم قال لهم من منكم يكون له صديق ويمضي اليه نصف الليل ويقول له يا صديق اقرضني ثلاثة ارغفة.لان صديقا لي جاءني من سفر وليس لي ما اقدم له. فيجيب ذلك من داخل ويقول لا تزعجني الباب مغلق الان واولادي معي في الفراش لا اقدر ان اقوم واعطيك .اقول لكم وان كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه فانه من اجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج. وانا اقول لكم اسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم.لان كل من يسال ياخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له. فمن منكم وهو اب يساله ابنه خبزا افيعطيه حجرا او سمكة افيعطيه حية بدل السمكة. او اذا ساله بيضة افيعطيه عقربا. فان كنتم وانتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الاب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسالونه} لو 5:11-13. ان الله كآب صالح يريد ان نلتقى به فى الصلاة ونتحدث معه فى محبة ونطلب ان يتقدس اسمه بسلوكنا واقوالنا وحياتنا وان يحل ملكوته فى قلوبنا وكنيستنا وبلادنا لتتم مشيئته الصالحة على الارض ونجد فيه الشبع والسعادة وننال منه مغفرة الخطايا. ان السيد المسيح ، كلمة الله المتجسد علمنا لا بالكلام بل بالعمل والحق { انه ينبغي ان يصلى كل حين ولا يمل} (لو 18 : 1).كانت صلاته هى علاقة حب بين الاب والابن الكلمة ورايناه يصوم ويصلى اربعين يوما على جبل التجربة لبدء خدمته العامة وفى الاوقات الهامة كاختيار الرسل حتى الآمه وصلبه وكثيرا ما كان يقضي النهار فى الخدمة والكرازة وأما الليل فكان يقضية فى الصلاة {وفي تلك الايام خرج الى الجبل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة لله }(لو 6 : 12).انه رغم ان الابن الكلمة في الآب والآب فيه لكن عندما تجسد فأنه تخلي عن مجده السماوي آخذاً صورة عبد (في5:2-11). وأطاع وصلي وصام وتمم مشيئة الآب في الجسد لفداء العالم (يوحنا 38:6). فحياة المسيح الجسدية وطاعته لله كان دافعها علاقته بالله الآب وحياة الصلاة يجب علينا أن نتعلمها منه . لقد ترك لنا مثالاً حياً لأهمية الصلاة لنتبع حياته وتعاليمه . وكنموذج لصلاة السيد المسيح نراه يصلى الي الاب قبل الصلب مع وعن تلاميذه ومن يؤمنوا بكلامهم به { لست اسال ان تاخذهم من العالم بل ان تحفظهم من الشرير. ليسوا من العالم كما اني انا لست من العالم. قدسهم في حقك كلامك هو حق. كما ارسلتني الى العالم ارسلتهم انا الى العالم.ولاجلهم اقدس انا ذاتي ليكونوا هم ايضا مقدسين في الحق. ولست اسال من اجل هؤلاء فقط بل ايضا من اجل الذين يؤمنون بي بكلامهم. ليكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الاب في وانا فيك ليكونوا هم ايضا واحدا فينا ليؤمن العالم انك ارسلتني. وانا قد اعطيتهم المجد الذي اعطيتني ليكونوا واحدا كما اننا نحن واحد. انا فيهم و انت في ليكونوا مكملين الى واحد وليعلم العالم انك ارسلتني واحببتهم كما احببتني. ايها الاب اريد ان هؤلاء الذين اعطيتني يكونون معي حيث اكون انا لينظروا مجدي الذي اعطيتني لانك احببتني قبل انشاء العالم.ايها الاب البار ان العالم لم يعرفك اما انا فعرفتك وهؤلاء عرفوا انك انت ارسلتني ، وعرفتهم اسمك وساعرفهم ليكون فيهم الحب الذي احببتني به واكون انا فيهم} يو15:17-26.ان السيد المسيح يدعونا للسهر والصلاة ونحن نتعلم من حياته وتعاليمه ونعمل بها بدافع المحبة والطاعة والثقة {اسهروا و صلوا لئلا تدخلوا في تجربة } (مر 14 : 38).{ انظروا اسهروا وصلوا لانكم لا تعلمون متى يكون الوقت }(مر 13 : 33). لقد واظب الرسل على حياة الصلاة متعلمين من السيد المسيح {وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات} (اع 2 : 42). وعلمونا ان نواظب على الصلاة والتناول من الاسرار المقدسة {ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه وامتلا الجميع من الروح القدس وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة (اع 4 : 31).{وانما نهاية كل شيء قد اقتربت فتعقلوا واصحوا للصلوات }(1بط 4 : 7).لهذا ينبغي علينا ان نصلي كل حين ولا نمل صلوا بلا انقطاع (1تس 5 : 17)عالمين ان صلواتنا تصل الى عرش النعمة ونجد بها عوناُ في حينه {وجاء ملاك اخر ووقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب واعطي بخورا كثيرا لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي امام العرش} (رؤ 8 : 3). سر الصلوات المستجابة .. التوبة والتواضع والطهارة .. الصلاة ليس كلمات تردد من الشفاة كما عاتب الرب الشعب قديما {يقترب الي هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه واما قلبه فمبتعد عني بعيدا }(مت 15 : 8).بل هي عشرة محبة تنبع من القلب المنسحق امام الله {ذبائح الله هي روح منكسرة القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره} (مز 51 : 17). لابد ان نتوب عن خطايانا ونقلع عن اثامنا ونتطهر ليسمع لنا الله ويستجيب ، ان الخطية تمنع عنا خلاص الله وتفصلنا عنه { ها ان يد الرب لم تقصر عن ان تخلص ولم تثقل اذنه عن ان تسمع. بل اثامكم صارت فاصلة بينكم وبين الهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع. لان ايديكم قد تنجست بالدم واصابعكم بالاثم شفاهكم تكلمت بالكذب ولسانكم يلهج بالشر.ليس من يدعو بالعدل وليس من يحاكم بالحق يتكلون على الباطل ويتكلمون بالكذب قد حبلوا بتعب وولدوا اثما} اش 1:59-4. ان التوبة مع التواضع تجعل الله يقبل اليه الخاطئ ويبرره { لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى لم ات لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة }(مر 2 : 17). الله يستجيب لصلوات المتضعين التائبين كما علمنا فى مثل الفريسى والعشار لكى نرجع اليه بقلوب متواضعة فنجد رحمة ومغفرة {وقال لقوم واثقين بانفسهم انهم ابرار ويحتقرون الاخرين هذا المثل. انسانان صعدا الى الهيكل ليصليا واحد فريسي والاخر عشار. اما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا اللهم انا اشكرك اني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار.اصوم مرتين في الاسبوع واعشر كل ما اقتنيه.واما العشار فوقف من بعيد لا يشاء ان يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني انا الخاطئ.اقول لكم ان هذا نزل الى بيته مبررا دون ذاك لان كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع} لو 9:18-14. الإيمان والشكر لله .. يجب ان نأتى الى الله بثقة وايمان غير مرتابين البته {ولكن ليطلب بايمان غير مرتاب البتة لان المرتاب يشبه موجا من البحر تخبطه الريح وتدفعه }(يع 1 : 6). ولدينا وعد الله الصادق {وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه }(مت 21 : 22). قد تتأخر اوتتعدل او تتغير أستجابة الله لصلواتنا لمعرفة الله لما هو مفيد لنا والأفضل والوقت المناسب لأستجابة الصلاة ومع هذا يجب ان نشكر الله فى كل حين وعلي كل شئ ونواظب على الصلاة بشكر وبلجاجة ، لقد كان زكريا واليصابات بارين أمام الله وسالكين فى وصاياه بدون لوم او عيب ومع هذا تأخر فى الاستجابة لصلواتهما من اجل الانجاب ليأتى بيوحنا المعمدان لهما بعد الكبر لكن فى الوقت المناسب ليعد الطريق أمام السيد. وتأخر شفاء المرأة النازفة الدم اثنتى عشر سنة وأظهر السيد المسيح عظم إيمانها أمام الجميع . وانت صلي واطلب ان يتمم الله مشيئته الصالحة والكاملة فى حينه الحسن كما علمنا ان نقول لتكن مشيئتك . {واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر} (كو 4 : 2). اننا نصلى ونطلب ولنا دالة عند الله فى ابنه الذى تجسد وتألم وصلب وقام من اجل خلاصنا وتبريرنا { وفي ذلك اليوم لا تسالونني شيئا الحق الحق اقول لكم ان كل ما طلبتم من الاب باسمي يعطيكم الى الان لم تطلبوا شيئا باسمي اطلبوا تاخذوا ليكون فرحكم كاملا }(يو 16 : 24). مع الصفح وعدم الرياء والصوم .. لكى ننال المغفرة من الله وتستجاب لصواتنا يجب ان نحمل المحبة لاخوتنا ونطلب لهم الخير من الله ونسامح ونغفر للمسئين الينا لكى نكون ابناء الله العلي الذى يشرق شمسه على الابرار والاشرار ويمطر على الصالحين والطالحين ويصبر ويتأنى على الجميع {فانه ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم ايضا ابوكم السماوي.وان لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم ابوكم ايضا زلاتكم} مت 14:6-15. لهذا يأمرنا المخلص ان نتصالح مع اخوتنا لتقبل صلواتنا {فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك} مت23:5-24. الصفح والمغفرة للآخرين يجعلنا نتشبه بالله ويجعل القلب مسكناً للروح القدس .ان الله لا يخفى عليه شئ وكل شئ مكشوف قدامه فيجب ان نصلى لا كما لقوم عادة ولا من اجل نوال المديح من الناس او نكرر الكلام باطلاً اي بدون فهم أو عمق بل بمحبة ولجاجة وصدق { ومتى صليت فلا تكن كالمرائين فانهم يحبون ان يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم.واما انت فمتى صليت فادخل الى مخدعك واغلق بابك وصل الى ابيك الذي في الخفاء فابوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية.وحينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلا كالامم فانهم يظنون انه بكثرة كلامهم يستجاب لهم.فلا تتشبهوا بهم لان اباكم يعلم ما تحتاجون اليه قبل ان تسالوه} مت 5:6-8. ويجب ان نقدم صلواتنا مع الصوم والصدقة كجناحى الصلاة المقبولة {فقال لهم هذا الجنس لا يمكن ان يخرج بشيء الا بالصلاة والصوم }(مر 9 : 29). اليك يارب نصلي .. نشكرك يا الهنا الرحيم على كل حال ومن اجل كل حال وفى سائر الاحوال . ونبارك عظيم محبتك نحو جنس البشر يا من يسعى دوما لخلاصنا ويطلب الضال ويسترد المطرود ويجبر الكسير ويعصب الجريح ، يامن دائما تعلن محبتك لنا وتبحث عنا وتغفر خطايانا وتريد ان تجمعنا تحت جناحى محبتك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها . فان كنا نحن جحود لهذه المحبة ونبتعد بارادتنا عنك فانت الرحوم تصبر وتتأني وبربط المحبة تجذبنا اليك . لهذا تباركك نفوسنا وارواحنا وافكارنا ونصلى لكي يعمل روحك القدوس جاذباُ لنا بشبكة المحبة لنتحول اليك راجعين ولمغفرتك طالبين وعن الخطية تائبين ولارادتك الصالحة الكاملة نكون صانعين . يالله الهنا اليك نصلي فى كل مكان وزمان وبالأكثر فى الضيقات والشدائد فانت خالقنا وملجائنا وصخرتنا وراعينا . يا سامع الصلاة ،اليك يأتي كل بشر فاسمع صلوات عبيدك وانظر الى تنهد ابنائك الصارخين اليك ليلاً ونهاراً ، اقضى وانصف يارب المظلومين وحرر المأسورين وأقم الساقطين وأعطى رجاء للبائسين وقوم الركب المنحينة والايدى المرتخية شددها ليقوى بك إيماننا وتذداد محبتنا وينمو رجائنا ونصل بك الى مينا السلامة وبر الأمان . ايها الملك السمائي الحاضر فى كل مكان . كنز الصالحات وينبوع ومصدر النعم الالهية ، نصلى اليك ان تجعلنا مستقيمين فى محبتك وعمل الخير وارفع عن كنيستنا وبلادنا وعالمك الغلاء والوباء والحروب والزلازل ونجنا من طوفان بحر هذا العالم الزائل وأبطل مؤامرات الشياطين واعوانهم ، ارحمنا يارب فاننا ضعفاء ومساكين وعرفنا ارادتك لنكون لها طائعين وهبنا النعمة والقوة والحكمة لنسلك فى وصاياك كل حين وعند مجئيك الثانى نسمع ذلك الصوت الحنون والممتلئ فرحاً تعالوا اليٌ يامباركى ابى رثوا الملكوت المعد لكم . أمين القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد
11 أكتوبر 2020

الحركات في القداس الإلهي

صلاة الصلح: في الجزء الأول من صلاة الصلح يصلي الكاهن ويداه عاريتان لأن هذه مرحلة ما قبل الصلح (الصلح الذي صنعه السيد المسيح علي الصليب) كانت البشرية تعاني من آثار الخطية فأول أثر هو العري إشارة إلى عري البشرية نتيجة الخطية قبل الخلاص والكاهن يرمز للخليقة كلها لذلك يصلي ويداه عاريتان ليبين تأثير الخطية علي البشرية من خلال هذا المنظر، ليس لعدم كفاية اللفائف!!! ولكن للكشف عن أثر الخطية علي البشرية، كل هذا قبل الصلح.فالقداس فيه تذكارات هامة للبشرية لابد أن نتذكرها حسب قول السيد المسيح اصنعوا هذا لذكري، فنحن نذكر كل ما حدث لذلك تلاحظوا نصوص القداس فيها تذكار: الخليقة (خلق السماء، والأرض) السقوط (آدم – حواء) التجسد. الفداء. القيامة. لا يمكن لأحد أن يضع قداس لأن أي تغيير مهما كان بسيط لابد من مجمع لذلك القداسات التي ذكرناها أقرتها عندنا المجامع المقدسة. خلاصة الجزء الأول أن الإنسان حر ولكن مسئول فآدم وحواء حرين في أن يأكلا أو لا، لكن العقوبة ليس حرين في قبولها، الفعل الإنسان حرًا فيه، لكن النتيجة ليس حرًا فيها.يمسك الكاهن اللفافة المثلثة إشارة إلى: - ما يفوق قدرة الإنسان. - الحجاب الذي كان حاجز بين الله والإنسان. - وليس في مقدور أحد أن يزيل هذا الحجاب وهذا الحاجز لذلك نجد في (مت 27: 51) انشق حجاب الهيكل من فوق (قوة إلهية فوقية) إلي أسفل والأرض تزلزلت والصخور تشققت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين لذلك نجد أمام الكاهن يقف الشماس في شرق المذبح يمسك الصليب إشارة إلى انه بالصليب انشق حجاب الهيكل.إذا اللفافة المثلثة تشير إلي سلطان قوى علي البشرية لا يستطيع البشر تغييره، أما الصليب في يد الشماس إشارة إلى الخلاص الذي تم فانشق الحجاب من فوق لأسفل إذًا البداية إلهية من الله (قدره إلهية) لذلك نذكر الذكري التي طلبها السيد المسيح في حركات الكاهن، الشماس يجسد هذه الذكري، وكل ما يدور في القداس يجسد هذه الذكري ونذكر ما حدث.لذلك السيد المسيح أعطي تلاميذه الخبز المتحول إلى جسد القيامة عبر الآلام والموت (قبل الآلام والموت والقيامة) لأن المسيح فوق الزمن.مشكلة الإنسان الموت بالخطية، إذًا الجسد القائم من بين الأموات يعطي حياة أبدية (يقسم – يسفك) الحاضر الدائم.القداس حدث دائم يمثل الحاضر الدائم، يمثل امتداد لأحداث التجسد والصليب والقيامة، لذلك عن الرد علي البروتستانت يقولون عن تكرار حدث الصليب، فالرد لا طبعًا أن حدث التجسد والصليب والقيامة حدث دائم لم ينتهي، لأن فعله دائم حدث ممتد ونقول في الأجبية (وبالمسامير التي سمرت بها أنقذ عقولنا من طياشة الأعمال الهيولية) منذ 2000 سنة ما زال لها فعل وهذه تسمى ديناميكية العمل علي الصليب، فعل المسيح علي الصليب له ديناميكية dynamic (حركة) وليس استاتيك static (ثابت). نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
10 أكتوبر 2020

المقالة الثانية عشرة في الابتهال والتخشع

أنت وحدك الإله الصالح المتحنن ؛ الآتي بكافة الخيرات وعين الأشفية وكنز الرأفات ؛ المعطي دائما الخيرات للذين يسألونك.فإذ كنت أنا نفسي قد نلت الخبرة بأشفية لا تحصى ومواهب جليلة خولتها لي يوماً فيوماً ؛ فمن أجل ذلك بلا خجل أتضرع إليك أيها المسيح الإله المحتمل البشر أن توافيني بنعمتك كالعادة ؛ لكي ما تجمع ذهني وتشفي جراحاتي المخفية.لأن الانغلاب والتنزه قد عملا فيَّ جراحات مكتومة، فأنت أيها الطويل الأناة ؛ المتمهل الشافي كل وقت بنعمتك ورأفاتك ؛ شفيت بما أنك متحنن أمراضي أنا الخاطئ. وما أمكنني بالجملة أن أعطي أجرة عوض الأشفية، لأن أشفيتك من أين لها قيمة، إن السماء والأرض لا تستطيع أن تقضي مكافأتك بواجب الاستحقاق عوض أشفيتك ؛ إذ أشفية خيراتك هي رأفاتك الجزيلة.ولا يمكن أن تباع أشفية سماوية وقدسية لأنه لا ثمن لها، إنما بالدموع تَهبها ؛ وبالبكاء المر تَهبها للكل، ترى من لا يعجب، ترى من لا ينذهل، ومن لا يبارك كثرة تحنن خيراتك يا مخلص نفوسنا.لأنك ارتضيت أن تأخذ الدموع أجرة عوض أشفيتك. فيا لقوتك أيتها الدموع.إلى أين تبلغين ؟ تدخلين إلى السماء نفسها بمجاهرة كبيرة بلا مانع،يا لقدراتك فإن مواكب الملائكة مع كافة القوات يستبشرون كل وقت بدالتك. أيتها العبرات كيف تستطعين إذا شئتِ أن تمثلي بفرح أمام عرش السيد الطاهر، العرش الأقدس الشاهق ؛ كيف تصعدين إلى السماء في لحظة عين طائرة وتأخذين طلباتك من الإله القدوس ؛ فيلتقيكِ بطلاقة حاملاً صفحاً.فأعطيني أيها السيد أنا الغير مستحق دموعاً كل وقت ؛ واستنارة وقوة لتنبع فيَّ كل حين عيناي دموعاً بحلاوة ؛ فيضئ قلبي بالصلاة النقية وتمحى الكآبة العظمة، وتنطفئ هناك النار المحرقة بدموع يسيرة.لأنني إن بكيت هنا سأنجى هناك من النار التي لا تطفأ، لأنني كل يوم أغيظ أيها السيد أناتك الطويلة ؛ ومرارتي وتحننك هما قبالة عيني، فلتغلب خيراتك وطول إمهالك مرارتي ؛ لأن الطيور بتحنن عظيم تغذي فراخها ؛ وإذا نكرتَها هذه فلا تتوانى ولا تغفل عنها لأن تحننها يغلب عليها.فإذا كانت الطيور لها تحنن هكذا ؛ فكم بالحري تغلب نعمة رأفاتك فترحم كل المشتاقين إليك.وكذلك الأم التي تُشتم من ولدها لا يحتمل قلبها أن يعرض عنه لأنَها تُغلب من تحننها، فإن كانت الأم تُغلب من تحننها ؛ فكم أولى بذلك نعمة تعطفك أيها السيد المحب للنفس أن تغلب كل وقت من قبل رأفاتِها فتخلص وترحم النائحين دائماً.فإذ حدق بي العدو النجس الذي يحزنني دائماً ؛ فأغثني بالدموع في الليل والنهار لتنقذنى من قتالاته ؛ لأنني لا أستطيع أن أحتمل حيل الخبيث وصنائعه إن ابتعدت عني نعمتك لحظة.لأنه ساعة بعد ساعة يضغط نفسي بالأقوال والأفعال ؛ فلتزجره قوتك التي انتهرت الأمواج البحرية لكي يبطل عن عبدك ؛ لأنه كل وقت يجدد عليَّ حيله، ويحرص أن يتملك على ذهني فيبعده عن حلاوة تلاوة وصاياك الإلهية. أيها السيد أرسل بسرعة نعمتك لتطرد عن عبدك الثعبان العظيم مع كافة الأفكار القبيحة والخبيثة.فليقنعك مثلك يا سيدي لأنك قلت: انه كان في مدينة ما قاضي غير خائف من اللـه، ولا يستحي من إنسان ؛ وكانت في تلك المدينة أرملة فقيرة ؛ وكانت تجيئه كل وقت قائلة أنصفني من خصمي ؛ فلبث معرضاً عنها مدة طويلة بعدم تحنن متهاوناً بِها، لكن صبر الأرملة استطاع أن يقوم ذاك الفاقد التحنن والرحمة ؛ ويستميله إلى الانتصار.فالأرملة المظلومة تقدمت إلى قاضي لا تحنن له ولا شريعة لينتصر لها من خصمها، أما أنا أتقدم إلى سيدي المتحنن المتمهل الصالح ؛ المالك السلطان على الأرض وفي السماء أن يسمع مني. أيها الإله المبارك الحاوي الفم الإلهي القدوس الذي لا يكذب ؛ لقد قلت أيها المخلص إنك تصنع الانتقام لكافة المتوكلين عليك في الليل والنهار، يا سيدي لا تتباطأ عن الانتصار لي، أنقذني من العدو ؛ وسهل مسيري إليك لأغلب العدو بنعمتك.لك وحدك أبارك، لك وحدك أمجد ؛ أيها المتحنن الطويل الإمهال المريد أن كافة الناس يخلصون، فإذ قد نفذ زمان حياتي في الباطل ؛ وفي الأفكار القبيحة ؛ أعطيني دواءً لأبرأ بالكمال من جراحاتي المكتومة ؛ وأيدني لأعمل في كرمك بنشاط ولو ساعة واحدة.فقد بقى لي من زمان حياتي الساعة الحادية عشر، دبر مركب تجارتي بوصاياك ؛ وأعطي التاجر الحقير فهماً ؛ لكي ما أتجر بتجارتي ما دام لي وقت ؛ فإن سير المركب قد وصل إلى نَهايته ؛ والوقت يدعوني أنا المتنزه والمتعظم قائلاً: أيها الكسلان هلم ؛ فأين تجارة زمان حياتك ؟إن ساعة الموت تخيفني لأنني أبصر أعمالي فترتعد نفسي، وأنظر إلى ونية عجزي فتفرق عظامي، لأن ساعة الفراق قد تقدمت أمام عيني ؛ فإذا تأملتها خفت جداً، وعوض ما أفرح أغتم كثيراً لأن أعمالي غير مستحقة الفرح.لأن خوفاً عظيماً في أوان الموت لكافة الخطاة الذين يماثلوني ؛ وفرحاً جزيلاً في أوان الفراق لكافة القديسين والصديقين ولسائر الناسكين. وساعة الفراق حزن لكافة الذين ليسوا قديسين ولا نشطين ؛ وللمسترخين إذا ذكروا ونيهم وونية زمان حياتِهم الماضي. الندامة تعذب حينئذ قلب الإنسان تعذيباً كثيراً ؛ إذ توانى هنا عن خلاصه، والقديسون والصديقون والنساك يبتهجون في ساعة الموت والفراق ؛ إذ يشاهدون أمام أعينهم جسامة عمل نسكهم، عمل الأسهار والصلوات ؛ والأصوام والدموع ؛ وأضطجاعاتِهم على الأرض ؛ ولبسهم المسوح ؛ فتطفر نفوسهم فرحاً لأنَهم قد أُمروا أن يخرجوا من جسدهم إلى النياح. مرهوب ورود الموت على الخطاة المسترخين ؛ والذين لم يحرصوا أن يسيروا بطهارة في هذا العالم الباطل، وغم مؤلم جداً يشمل ساعة الفراق الإنسان الخاطئ ؛ لأنه لا يسمح له أن ينطق بشىء البتة. ويلكِ يا نفسِ ويلكِ من أجل ماذا تتوانين في خلاصك ؟لِمَ تصرفين في التنزه أيام حياتك كلها ؟ ألا تعلمين أن دعوتك ستصير بغتة ؛ فماذا تصنعين هناك قدام مجلس القاضي المرهوب ؟ إذا توانيتي هنا أي اعتذار لك تجاوبين به، كيف يسترقك العدو يا شقية ولا تفهمين.وكيف تُضيعين الغنى السمائي يوماً فيوماً متفرجة ولا تعلمين ؟ فوقي يا نفسِ فوقي في ساعة الحرب، اطلبى إلى اللـه بدموع، اصرخى إلى اللـه بتوجع قلب ؛ وفي الحين يرسل لمعونتك ملاكاً رؤوفاً ؛ ويعتقك من محاربة العدو ورجته.احرصى ألا تسقطي في ساعة الفراق في حزن وزفرات فتبكين بكاءً لا ينفع إلى أبد الدهر، وتتقاطر خواطر الأفعال كلها في تلك الساعة إلى ذهنك فتقولين حينئذ منتحبةً شديداً:أنا قد كنت أتذكر في كل ساعة هذه كلها ؛ وأناشد ذاتي وأقول: أعبر الأيام التي أنا فيها على الأرض متحرزة ألا أخطئ ؛ ولا أسقط من وصايا اللـه ؛ بل أعمل كل حين الأعمال التي ترضية بنشاط كثير، فقد وجدت الآن مصفرة ليس لي بالجملة تقويمة واحدة جيدة.أيتها النفس الشقية أصغي إلى ذاتك ؛ جاهدى بمداومة ؛ وأتقي اللـه كل وقت، أتقي اللـه إلهك وأرضيه بأعمال صالحة حتى إذا حان وقت الفراق وساعة الموت يصادفك حسنة النشاط تنتظرينه بفرح عظيم.أيتها النفس تفرسي في سيرتك وفي دعوة اللـه ؛ لأن ساعة الفراق لا تحزن حراً معتوقاً من كافة الأشياء الأرضية، لكن الموت يحزن الرجل المتنزه والخاطئ.المهمل يحزن بسيرته، والعاجز الذي عجز عن عمل الأفعال المرضية للـه يحزن.والكثير القنية والموسر الذي كثف نفسه بالأمور العالمية يحزن لأنَها تفصله من العالم بلا اختياره، يحزن الآباء لأنه يفرقهم من أبنائهم المحبوبين ومن غناهم والإخوة لأنه يميز بعضهم من بعض ببكاء. هؤلاء كلهم يحزنون في ساعة الموت لأنَهم قد تقيدوا بالأمور العالمية.فأنتِ أيتها النفس الحرة من أجل ما تنفسين وتتنهدين إذ تستريحين من العالم وجراحاته ؛ أثبتي كل وقت مدعوة حرة ؛ واسلكي في طريق اللـه بثناء جميل بنشاط الأفعال المرضية له.إن أحببتِ اللـه من كل نفسكِ فلا ترهبي قط ساعة الموت، لكن الموت وفراق الجسد يصيران لكِ بالحري فرحاً.سلمني أيها الطويل الأناة؛ وخلصني أيها المسيح ابن اللـه الفاقد الخطأ، أعطيني أيها المخلص دراسة الحياة حتى لا أملك في قلبي ؛ ولا أقتني سوى هذه الدراسة لأكمل كل حين مشيئتك، وبمؤازرة نعمتك إياى أنا الخاطئ أكون حسن النشاط سالكاً في أوامرك بصحة ؛ كي ما أتجر حسناً بالفضة التي أعطيتها لي.وإذا أتجرت التجارة الحسنة في حقلك ؛ أنال منك المديح وأقول بدالة واستبشار قلب: إذا أقبلت يارب لقد حصلت مغبوطاً لأنك جئت وألبستني لباساً لائقاً بعرس الختن الباقي.وأوقد المصباح الذي وهبته لي بنعمتك وإطالة أناتك ؛ وأخرج بفرح إلى استقبالك ممجداً ومبارك الختن الذي لا يموت، وأؤهل أن أصير مشاركاً للصديقين والقديسين الذين أرضوك إلى الأبد.آمـين مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
09 أكتوبر 2020

جعلت الرب أمامي في كلّ حين

هل اختبرتَ الحياة في حضرة المسيح ولو ليومٍ واحد؟ وهل شعرت إنّه يرافقك كلّ اليوم؟ ويشترك معك في كلّ عمل؟ إنّه بالفعل اختبار فائق لا يمكن وصفه. فصُحبة المسيح تملأ اليوم بالنور الحقيقي، فتَسعَد به لأن الظلام يهرب، وحضوره الحقيقي يُفرِّح القلب «فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ» (يو20: 20). بل قُلْ إنّ هذا هو الفرح. هذا ليس فكرًا ولا خيالاً. لأنّ المسيح يسوع هو الحق ذاته. هو قال: «أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ» (مت28: 20)، وقال: «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً. (يو14: 23)، وقال: «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي» (يو14: 21). فالأمر إذن مُعَلَّق بحبّ يسوع وحفظ وصاياه. وكأن هذا هو المدخل للحياة في المسيح أو للحياة بالمسيح أو للحياة مع المسيح. لما تجسّد رب المجد وصار إنسانًا أخذ الذي لنا.. وشاركنا في كلّ شيء من تفاصيل حياتنا البشرية، ما خلا الخطية وحدها. فجميع الأعمال اليومية التي نمارسها، من صحو ونوم، ومشي وجلوس، وأكل وشُرب، شاركنا ويشاركنا فيها بدون أدنى شك. فإن أحببناه من كلّ القلب وحفظنا وصاياه فإنّنا سنراه ونلمسه في كلّ تفاصيل الحياة.. نرى يده تعمل معنا وتعمل بنا، ونلمس حضوره.. ننادي اسمه القدوس فيجيبنا، ونطلبه فيوجَد لنا، نراه فتفرح قلوبنا. وحينئذ نفهم أنّه بدونه لا نقدر أن نفعل شيئًا. هو العامل فينا، وحينما نبتعد عنه بإرادتنا أو بانشغالاتنا الباطلة أو بخديعة العدو واغراءاته الكاذبة، نشعر في الحال أنّنا ابتعدنا عن مصدر فرحنا، فتَلَفّنا الظلمة في داخل النفس، ونشعُر بالفراغ والبؤس، وكأنّ حياتنا قد تفرغت تمامًا من معناها، فنشعر أنّ وجودنا بلا قيمة، إذ قد اختفى هدف وجودنا الحقيقي. ولكن عندما نعود نطلبه يشرق علينا ويبدد ظلمتنا في الحال. الآباء علمونا كيف تكون الحياة في حضرة المسيح بالصلاة الدائمة.. مارسوها وأحبّوها وعاشوا في نعيمها. نادوا اسم يسوع بحُبٍّ ودالّة فوجدوه حاضرًا دائمًا. فلما ذاقوا هذه الحياة الفردوسية واظبوا على الصلاة ليلاً نهارًا بفرحٍ لا ينطق به. وشعروا بحضور الرب الدائم، حتى أنّهم من كثرة ما نادوا الاسم المبارك صار في أفواههم تسبحةً بغير سكوتٍ ولا فتور.. حتى أنّهم لما أسلموا أنفسهم للنوم ظلّت قلوبهم تلهج بالتسبيح كَمَن يقول: «أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ» (نش5: 2). وبالنسبة لنا نحن الذين نعيش في العالم، يمكن أن ندرِّب أنفسنا شيئًا فشيئًا على مناداة اسم الخلاص الذى لربنا يسوع المسيح.. نناديه بحقّ وحبّ، ونثق أنّنا عندما نناديه نجده حاضرًا.. وهذا يُدخل إلى عالمنا بهجةً وفرحًا، ويصبغ أعمالنا البسيطة بصبغة الروح والقداسة في آنٍ واحد. فتتقدّس الأعمال وتتبارك بحضور الرب، وتنال نعمةً ونجاحًا إذ قد اقترنَت بالصلاة. وممكن لأكثر الناس مشغولية أن يمارسوا هذه الصلاة العميقة، لأنّها على الرغم من قلّة كلماتها إلاّ أنّها تُدخل الإنسان للحال في الحضرة الإلهية؛ فتُزيل الهموم مهما كانت، وترفَع القلب في الحال إلى السماء.. فما أجملها حياة. وقد مارسها أناسٌ كثيرون عندما اقتحمتهم الأمراض الصعبة والآلام فوجدوا عزاءًا وعونًا في حينِهِ. فالربّ سامع الصلاة ومستجيب لكلّ مَن يدعوه. فصار اسم يسوع لهم عزاءًا يغلب الألم، ويجدّد الصبر، ويسند الضعف. فقد تَمَثّل أمام أعينهم يسوع المسيح وإيّاه مصلوبًا، وكان في حضوره إنّه «فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ» (إش63: 9).. فأحَبوا الآلام لكونهم شركاء آلامه، بل إنهم لم يطلبوا أن تُرفع عنهم الآلام، ولكن طلبوا الشركة الدائمة «لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا» (2كو1: 5). نؤمن أنّ ربنا غير زمني، لا يحدّه زمان ولا مكان، فهو الكائن الذي لا بداية له ولا نهاية.. فهو موجود معنا على الدوام بحسب وعده، وحين نطلبه نجده. في قصة القديس أنبا أنطونيوس لما اعتدَتْ عليه الشياطين وضربوه حتى قارب الموت. ففي أنين الألم نادى قائلاً: يا رب يسوع.. فوجد الرب قائمًا بجواره، فعاتبه عتاب الأحباء قائلاً: لماذا تركتني للشياطين ولم تنقذني؟ فأجابه الرب قائلاً: حينما طلبتني وجدتني. فبالرغم من وجود الله معي في حجرتي، فلن أشعر بوجوده أو بصحبته دون أن أطلبه من كلّ قلبي، وأتوسل إليه أن يوجَد معي. حينئذ يبدأ الحوار وتتحرّك الحواس الروحيّة لإدراك حضوره الإلهي. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
08 أكتوبر 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وسِفْرُ رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ

1- بين رؤ 2 : 7، 3 : 14 ففى الاول ان المسيح (الاول والاخر) وفى الثانى انه (بداءه خليقه الله). فنجيب : ان معنى القول الثانى انه رئيس الخليقه كلها او علتها. واللفظه اليونانيه المترجمه هنا (بداءه) مترجمه فى (اف 1 : 21) رياسه، وفى (اف 2 : 10) رؤساء، وفى (كو 1 : 16) رياسات، وفى كو 2 : 10 رياسه، وفى (رو 8 : 38) رؤساء. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
07 أكتوبر 2020

الذين يجرفهم التيار

يقول أحد الأمثال "من عاشَرَ قومًا أربعين يومًا، صار منهم". وسواء صحّ هذا المثل أو لم يصح، فإنه يدل على مدى تأثير التيار الخارجي على شخصية الإنسان. وفى نفس المعنى قال أحد الأدباء الكبار "قل لي من هم أصدقاؤك، أقول لك من أنت"... وهذا أيضًا يدل على تأثير الصداقة والعشرة في تشكيل طبيعة الشخص. وهذا ما نلاحظه في من يعيشون سنوات طويلة خارج بلادهم -في الغرب مثلًا- فإذا بهم قد تغيروا كثيرًا عما كانوا قبلًا، واستطاع التيار أن يجرفهم... سواء في طباعهم أو عاداتهم أو طريقة تفكيرهم وكثير من السيدات يتأثرون بما يسمونه (الموضة) المنتشرة، من جهة ملابسهن أو زينتهن، أو حتى في أسلوب الحفلات، أو في لكنة الألفاظ... كما أن بعض الشباب تصبح طباعهم بنفس نوعية أصدقائهم. وربما يتعلمون منهم التدرب على التدخين أو ما هو أكثر، وعلى ألوان من اللهو أو الطياشة، أو السهر خارج المنزل. وترى المجموعة كلها بنفس الأخلاق... كل أولئك قد جرفهم التيار ولم يقاوموه التيار المحيط له تأثيره. وقد يكون خاطئًا. وفي نفس الوقت يكون ضاغطًا ويدعو إلى الخضوع له، هامسًا في الأذن "الكل هكذا. فلماذا تشذ أنت، ويكون لك أسلوب خاص، كنشاز في لحن؟!ولا شك أن الشخص القوى يمكنه أن يرد على ذلك قائلًا "يجب علىّ أن أتبع الحق أيًا كان موقعه. حتى إن كانت أغلبية المحيطين بي على خطأ، فإنني لا أسير في تيارهم. فإنه في أيام أبينا نوح، كانت غالبية الناس أشرارً وبقى هو بارًا مع أسرته. وكأن شعاره قول الشاعر: سأطيع الله حتى لو أطعتُ الله وحدي على أن الشيطان قد يدفع البعض دفعًا وراء التيار الخاطئ بطرق شتى: أحيانًا يجعل الناس يجارون الخطأ من باب المجاملة، أو من باب الخجل، أو عن طريق التقليد، أو خوفًا من تهكم الناس ومن تعييرهم، أو نتيجة لضغط الظروف الخارجية وإلحاح الآخرين. أو يقول الفكر "هذه المرة فقط ولن تتكرر"! ثم تتكرر طبعًا... وربما شخص يجارى التيار خضوعًا لسلطة أقوى منه. وقد يندفع مع التيار جهلًا أو قد يقول له الشيطان "هل من المعقول أن يكون كل الناس مخطئين، وأنت الوحيد على صواب"؟! هل من المعقول أن كل هؤلاء لا يعرفون أين يوجد الخير والحق، وأنت الوحيد الذي تعرف؟! لذلك اتضع يا أخي.. (ويتضِع الأخ) وينجرف في التياروقد يسير في التيار نتيجة لصداقة أو صحبة خاطئة استطاعت أن تؤثر عليه وتجذبه إلى طريقهاوقد يخضع الإنسان للتيار نتيجة لضعف شخصيته، أو بسبب أن إرادته شبه معدومة أو لا إرادة له. وهكذا لا يقدر على المقاومة، أو يقاوم قليلًا ولا يثبت. بعكس الإنسان القوى الإرادة.. ألسنا نرى أن كتلة ضخمة من الخشب -إذا أُلقيت في البحر- يجذبها تيار الماء في أي اتجاه له. بينما سمكة صغيرة جدًا تستطيع أن تقاوم التيار وتسبح حيثما شاءت، لأن لها إرادة وحياة والعجيب أننا نشاهد خطاة عديدين يكونون أقوياء في دفاعهم عن طريقهم الخاطئ، وفى سخريتهم من الأبرار الذين يرفضون أسلوبهم. ويظلون ينعتون الأبرار بشتى النعوت حتى يضعف أولئك أمامهم ويخضعون! فالفتاة التي ترفض أن تلبس نفس الملابس الخليعة، يهزأون بها، ويصفونها بأنها (فلاحة)! والشاب الذي لا يسير في نفس التيار، يقولون عنه أنه (دَقّة قديمة) أي إنسان غير متمدن! بينما يجب أن يكون الأبرار أقوياء في شخصياتهم، لا يشتركون في الأعمال الخاطئة بل بالحري يوبخونها... فإن لم يستطيعوا توبيخ أولئك، فعلى الأقل لا ينجرفون في تيارهم إن موسى النبي عاش في مصر زمنًا وسط العبادات الفرعونية الكثيرة، ومع ذلك احتفظ بنقاوة إيمانه. ويوسف الصديق عاش فترة في بيت وضغطت عليه الخطيئة من الخارج، ولكنه قاوم ولم يستجب، لأن قوة العفة التي كانت في قلبه، كانت أقوى من الإغراءات التي من الخارج.. وبنفس الروح عاش مؤمنون في أجواء وثنية أو ملحدة -وكانت ضاغطة- ولكنهم احتفظوا بإيمانهم سليمًا لهذا كن شجاعًا وصاحب مبادئ قوية، ولك قيم تتمسك بها. وقاوم التيار المحيط بك إذا أخطأ. ولا تخضع للشيطان وكل نصائحه، بل وكل مخاوفه التي يلقيها في قلبك إن رفضته. وابعد عن الخطأ حتى إن رأيت كبارًا يقعون فيه، أو إن رأيت الشر يهددك... وذا ما وجدت الذين يسيرون في طريق الحق قليلين، فلا يضعف قلبك بهذا السبب. بل اعرف أن هذه هي القلة المختارة أو هي الصفوة ولو وقع غالبية المحيطين بك في خطأ، فإن هذا لا يجعل الخطأ صوابًا. فإن الخطأ هو الخطأ، ووقوع الكثيرين فيه لا يبرره. والمعروف أن الصواب طريقه صعب، وقد لا يستطيعه كل الناس. بل تسير فيه القلة المتميزة بمبادئها وقيمها إن وجدت الذين يعيشون في الفساد قد نموا وارتقوا وارتفع شأنهم، فاحذر أن تقتدي بهم. وإن جذبوك إليهم فابتعد. وإن رأيت غيرك قد استخدموا أسلوب التملق والرياء، واستطاعوا أن يصلوا به إلى ما يريدون، فلا تسايرهم أنت، ولا يقنعك أسلوبهم ولا نجاحهم الذي وصلوا إليه بطريق خاطئ. وإن بدا أن الناس قد تغيروا عن ذي قبل، وقيل لك إن هذه هي لغة العصر، فقل: أما أنا فلغتي التي أتمسك بها هي لغة الضمير الصالح، وهى لغة الحق.وإن ضعفت مقاومتك للتيار، فاطلب معونة من الله. وثق أنه سوف يقويك، ولا يتركك تجاهد وحدك. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
06 أكتوبر 2020

السُّلَّمُ إِلىَ الَّلهِ

كتب القديس يوحنا الدَّرَجى "السُّلَّمي" والمسمى "كليماكوس" كتابه السلم السمائي، أو السلم إلى الله، والموصوف بأنه "كتاب الألواح الروحية" لبنيان المسيحيين الجدد، وفقًا للدرجات وللنظرة الروحية التفاؤلية برجاء الارتقاء نحو المصاعد، بوعي وحس سليم فى روحانية فضائل متمركزة حول الله. ويعتبر السلم الدَّرَجي تصويرًا لسُلَّم الترقِّي المكون من ثلاثين درجة والتي ترمز إلى سنوات حياة رب المجد على الأرض (٣٣ سنة)، وينتهي هذا السلم في أعلى درجاته بالمحبة الإلهية والرؤية السمائية الأُخروية (الاسخاطولوجيا) Εσχατολογία حيث الحق المطلقThe Absolute Truth ، والحقيقة الخالصة The Ultimate Reality بيد أن هذه الرحلة الكشفية تتخطى المدلولات العقلانية والحسية، لتدخل في التأمل النسكيAscetic Contemplation للإشعاعات المستيكية Mystical Rays لتنغمر النفس في جُرن النور الإلهي The soul in this case bathes in the basin .هذا السلم يحملنا حيث رؤية يعقوب ( تك ٢٨ : ١٢) ، كدرجات مسيرة الكمال في صعودنا الروحى نحو الله... بسُلَّم الصليب الصاعد بنا ليربط أرضنا بالسماء في (النعمة والاستجابة) و(الإيمان والأعمال) و ( الخبر بالخبرةالمعاشة حية) .بشوق سرﻱ يحملنا إلى الله وفيه وبه... صعودًا وارتقاءً نتسلق به قمم أعلى من قياس قمم الكرة الأرضية ولُججها المنظورة. كتبها القديس يوحنا السينائى أحد أنوار هذا العالم (٥٢٥ م) لتكون سُلَّمًا للفردوس الذﻱ نبدأه منذ الآن، بصدق وركض ملتهب فى الحرب اللامنظورة وحلاوة مناجاة عشرة الله ومحادثة الملائكة وخبرة الألواح الروحية للناموس الجديد، المقابلة للألواح التى تسلَّمها موسى النبي على نفس الجبل فى سيناء.إنها درجات الفضيلة الفردوسية التي نصعدها لنبلغ الاتحاد بالله، حيث العمل على منوال جمال فُسيفساء أيقونة التقوى بالامتداد الدائم نحو الله. بالتوبة ونَخْس القلب والوداعة والبذل وروح الصلاة وصمت ( اللسان والفكر والقلب ) ، مع رفض الشراهة والخبث والطمع وكل فئة شهوانية، كجنود مخلصين يعملون مشيئة من جنَّدهم بدون إهمال أو اعوجاج (جسد عفيف، فم طاهر، ذهن مستنير) مدحرجين عن قلوبهم حجر القساوة والزيف، حتى لا يكونوا كالكلب الذﻱ يرجع إلى قيئه، أو الشَّغوف بفضلات اللحم لدى أبواب الجزار (القصاب).يوصي يوحنا الدَّرَجي فى سُلَّمه بوضع أساس صالح لجهادنا، لأننا سنطالَب عما قدمنا من غير خداع أو تشامخ أو مَقْت، ولأن ساعة موتنا مجهولة؛ وكل من يلتفت إلى الوراء لن يصلح لملكوت السموات، ولا خير ينمو ما دام قد سقاه ماء الغرور النتن. فلنجْرِ إذن هاربين إلى الأمام في سير حثيث ودؤوب حسب تدابير المشيئة الصالحة، حتى نرجع إلى وطننا السماوﻱ. إن درجات سُلَّم الفردوس ليست مراحل نجتازها ونتخطاها؛ بل نتدرب عليها في مسيرة العمر حتى النهاية، فنتمم خلاصنا بخوف ورعدة، ويحترس من يظن فينا أنه قائم لئلا يسقط، وليعي كل مسيحي أنه صاعد على المصاعد أينما كان وكيفما كان!! سالكًا درجات السُلَّم المنصوب على الأرض حتى أبواب السماء، يجتاز صاحيًا يقظًا عاملاً بالنعمة ضد الأرواح والأفكار الخباثة ورؤساء هذا الدهر المظلم وسلاطين الهواء، حتى نبلغ الميناء (قمة السُلَّم) بالعمل والحق فنتكلل. إذ لا يتكون أﻱ إكليل من جوهرة واحدة، بل من كل الفضائل. والطوبى لكاتب هذا السُلَّم الفردوسي الذﻱ وصف أساسه بالنعمة المعطاة له كمهندس حكيم وصل إلى سفحه؛ وصار لنا دليلاً ومرشدًا؛ يتقدمنا ويرشدنا فيما ارتقى لبلوغه... هَلُم نصعد إلى بيت إلهنا ونضع فى قلوبنا مصاعد؛ ونثبِّت أقدامنا كالأيائل؛ مقيمين على المشارف؛ مكملين لبلوغ السلم العقلية. ولله المجد على كل شيء. القمص اثناسيوس جورج كاهن كنيسة الشهيد مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
05 أكتوبر 2020

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (9) الصبر

مفهوم الصبر ومظاهره .. الصبر هو التجلد والاحتمال وطول الأناة ، والتماسك في وجه الاستفزاز والظلم وهو ليس موقفاً سلبياً، بل هو موقف إرادي ايجابي . والدافع له هو محبة الله، ومن ثم محبة المسيحى للآخرين.وتوجد لكلمة الصبر في اللغة العربية مرادفات ومعاني عديدة منها ، المثابرة، طول الأناة، التأني، التسامح، ضبط النفس، تمالك النفس والأعصاب، كظم الغيظ ، سعة الصدر، التروي . والصبر ثمرة من ثمار الروح القدس التي تحتاج الي جهاد ومعرفة في أقتنائها ،كما انها لا تعني عدم العمل او الركون لتدخل الله في حل المشكلات دون البحث في حلها واتخاذ افضل الوسائل للوصول للحل او علاج وانهاء المشكلات التي نواجهها في حكمة وقوة وجهاد وعمل بتأنى . الصبر يعني انه يجب أن نفكر قبل كلّ عمل نُقدم عليه. نفكر أولا ثمّ نعمل.من أجل ان يدرك الإنسان ما يدور حوله ويعرف ما الذي يساعده وما الذي يعيقه، ما الربح وما الخسارة من وراء كلّ عمل يقوم به. قد نجد البعض يستعجل في الردّ على كلّ كلمة أو نظرة أو حركة من الغير. وردّهم هذا يمكن أن يكون وبالاُ عليهم. وبالصبر ينبغي أن يترووا وأن يفكّروا قبل القيام بأي عمل وأن يتعوّدوا ضبط أعصابهم وكبح جماح أنفسهم حتى ان سمعوا ما لا يرضيهم فيكون تعاملهم بروح التسامح وسعة الصدر. وما أكثر أضرار عدم الإحتمال الناتج من عدم فهم الطبيعة البشرية الضعيفة وعدم اللجوء إلى الوسائط الروحية الفعالة لتهدئة الأعصاب وعلينا ان نعرف جميعاً أن الصبر مُر. لكن نهايته راحة وفرح، بينما نفاذ الصبر، وعدم الإحتمال، مدعاة لغضب الله، ومجلبة لإمراض كثيرة نفسية وعصبية وبدنية، واسأل عديمي الصبر، وما أصابهم من عدم احتمالهم وتذمرهم وغضبهم . وتذكر قول الكتاب {ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بصبر أيوب، ورأيتم عاقبة الرب}(يع5: 11).فأصبر واشكر وانتظر فرج الرب، الذي سوف يأتي في الوقت المناسب. الطبيعة والحياة تعلمنا الصبر فقد وضع الله للطبيعة قوانين ومنها نتعلم الصبر وطول البال اننا نلقى البذار فى بدء الربيع ونتعهدها بالري والتسميد حتي تثمر وتنضج الثمار وهناك اشجار معمرة تحتاج لبض سنوات حتى تثمر والطفل يولد ويتعلم مع الوقت كيف يجلس ويحبو ثم يمشى ويتكلم ويتعلم حتى ياتى الى فترة النضج .ان مشكلة البعض انه يريد ان يقول للشئ كن فيكون وما يمكن ان يجنيه بعد سنوات من الكفاح يريده الان ، لكننا نحتاج الى الصبر وطول البال حتى فى مجال العمل والعلاقات البشرية والتطور والنمو النجاح . للصبر مجالات كثيرة فى حياتنا .فنحن نصبر حتي يستجيب الله لصلواتنا فقد يأتي الرد متأخراً لحكمة عند الله. نصبر ونتأني علي أنفسنا ونترجى مراحم الله ولا نيأس بل نجاهد لنتخلص من أخطائنا وخطايانا وننمو فى الفضائل الروحية والتقوى ونصبر على ابنائنا واخوتنا وأقاربنا فمع الوقت لابد ان تنصلح احوالهم ويعرفوا محبة الله ومحبتنا لهم . نصبر علي الخطاة حتي يرجعوا لأنهم لا يفهمون مقاصد الله والعدو يعمي بصائرهم، نتأني علي اخوتنا الضعاف فقد تتحول ضعفاتهم إلي قوة عن طريق صبرنا عليهم. نتأني علي المظالم التي في الأرض عالمين ان ربنا قادم سريعاً ليضع لها حداً {فتأنوا انتم ايها الاخوة وثبتوا قلوبكم لأن مجيء الرب قد اقترب} (يع 8:5). نتأني علي الضعفاء ونستميح لهم العذر لقلة بصيرتهم وضعف عقولهم او اختبارهم وقد نساعدهم بصبرنا علي تحسن احوالهم بقدر المستطاع.. نتأني علي خصومنا وافتراءاتهم فالحق لابد ان ينتصر، والصليب مع آلامه يتبعه القيامة مع امجادها. الله فى صبره وطول انأته .. ان الله يُطيل أناته على العالم كله ، الخطاة والجاحدين ، ومن أجل طول أناته لم يهلك البشر ولم يفنى العالم بكثرة شره بل أرتفع على الصليب ليحمل عقاب خطايانا وفتح ذراعية قائلاً { تعالوا إلى يا جميع المتعبين وثقيلى الأحمال وأنا أريحكم} لقد قاد الله بصبرة وطول أناته كثيرين إلى التوبة ومن أجل طول أناته يشرق شمسه على الأبرار والأشرار. فهو {إله الصبر}(رو 15: 5). كما أن الله {بطيء الغضب}(خر 34: 6)، {طويل الروح}(عد 14 :8 ، نح 9: 17) و {طويل الأناة}( إر 15: 15).وقد تجلى صبر الله في تعامله مع الأنسان الخاطيء الذي لا يستحق سوى غضبه ودينونته (إش 48: 9). وعندما قتل قايين أخاه {جعل الرب لقايين علامة لكى لا يقتله كل من وجده} (تك 4: 15)، كما أنه بعد الطوفان وضع قوسه في السحاب ليكون علامة ميثاق بينه وبين كل نفس حية على الأرض (تك 9: 11- 17). وكم من المرات صبر على تمرد وعصيان شعبه القديم (عد 14: 22، هو 11: 8، 9). كما تجلى صبره فى ارساله يونان النبي ليدعو اهل نينوى الخطاة للتوبة (يون: 10، 4: 9 –11). وكم من مرة تأنى على أورشليم (مت 23: 37، مرقس 12: 1- 11، لو 13: 1 – 9و 34). ويتأنى المسيح في مجيئه الثاني ليعطي للخطاة فرصة للتوبة (2 بط 3 : 9). المسيح هو المثال الكامل للمؤمنين في الصبر (2 تس 3: 5، رؤ 1: 9)، فيجب علينا أن"نحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزى" (عب 12: 1و 2)، فقد احتمل إهانات رؤساء الكهنة والشيوخ وغيرهم، بل وتعييرات اللصين على الصليب (مت 27: 38- 44، مرقس 15: 28- 32) من اجل هذا يطالبنا بسماع وصاياه والتامل فيها والتحلى بالصبر حتى نأتي بالثمر الروحى {و الذي في الارض الجيدة هو الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالح و يثمرون بالصبر (لو 8 : 15). ويقول لنا اننا نربح أنفسنا والملكوت والآخرين بالصبر{بصبركم اقتنوا انفسكم} (لو 21 : 19) و يمتدح الصبر في المؤمنين عامة والخدام خاصة، فيقول لملاك كنيسة أفسس وخادمها : "أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك" (رؤيا 2 : 2)... ويقول لملاك كنيسة فيلادلفيا : {لأنك حفظت كلمة صبري، أنا أيضاً سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتي علي العالم كله، لتجرب الساكنين علي الأرض} (رؤ3 : 10). وحينما أعلنت الرؤيا ليوحنا بينما كان منفياً في جزيرة بطمس كتب يقول {أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة، وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره}(رؤ1 : 9)من اجل هذا يكتب القديس بولس الرسول إلي تلميذه الأسقف تيموثاوس { صادقة هي الكلمة إنه إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه. إن كنا نصبر فسنملك أيضاً معــــه}(2تيمو 2 : 11 ، 12). امتدح الإنجيل فضيلة الصبر لشعب كنيسة تسالونيكي وقال: {متذكرين عمل ايمانكم، وتعب محبتكم، وصبر رجائكم في ربنا يسوع المسيح} (1تس1: 3) وأكد الرسول على أن الإنسان المحب والمتضع يصبر على ضعفات الناس ملتمساً لهم العذر كبشر (1كو13).وتحدث سفر الرؤيا عن صبر القديسين والشهداء، على ظلم الأشرار، واضطهاداتهم الظالمة حتى نالوا أكاليلهم في النهاية (رو5: 3)، (يع1: 3) وينبغي علينا أن نصبر مثلهم (1بط2: 20) لنكون معهم، كما قال القديس بولس {بالإيمان والأناة يرثون المواعيد} (عب6: 12). { إنكم تحتاجون إلى الصبر، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون المواعيد} (عب10: 36). فالله يسند الصابر الشاكر.وشدد الكتاب على أن يكون كل الخدام – على كافة درجاتهم – صبورون في التعامل مع مرضى الروح (الخطاة) (1تي6: 11). وأن يرتضوا باحتمال الآلام والضيقات بصبر وشكر حتى تعبر. أعطى الله درساُ فى الصبر والاحتمال لاب الاباء ابراهيم كما جاء فى التقليد اليهودى .. أن ضيفاً قدم الي أبراهيم يوماً فرحب أبينا إبراهيم بالضيف وذبح له عجلاً وأعد الأطعمة.وقبل ان يأكلا ويبيتا طلب منه الصلاة معاً ، فالسفر في الغابات خطر ويعرض الضيف للحيونات المتوحشة .. وقبِل الشيخ ذو الستين ربيعاً وعندما طلب أبينا إبراهيم من الضيف أن يصليا أخرج الضيف وثناً من جيبه وأخذ يصلى إليه ويسجد له ! هنا قال له أبينا إبراهيم إن هذا خطأ لأن هناك الله خالق السماء والأرض له نسجد ونصلى هنا لم يقبل الضيف نصيحة رجل الإيمان وأستمر في صلاته وإذ بأبينا إبراهيم يحتد عليه ويطرد الشيخ من عنده لأنه عابد وثن وفي ذات الليلة كلم الله أبينا إبراهيم معاتباً قائلاً "يا إبراهيم ستون سنه وأنا صابر على هذا الرجل ومحتمله ، أما قدرت أن تصبر عليه ليلة واحدة". أن الحب والصبر يصنع المعجزات والاحتمال يقيم الأموات والغضب لا يصنع بر الله.ولو صبر أبينا إبراهيم على الرجل وقدم له حباً لربما تغير الرجل وعبد الرب اله إبراهيم من أجل محبة إبراهيم وكرم ضيافته وحسن استقباله. ان صبر الله علينا يجب ان يكون فرصتنا للتوبه { ام تستهين بغنى لطفه و امهاله و طول اناته غير عالم ان لطف الله انما يقتادك الى التوبة} (رو 2 : 4) .إن الله يريد أن يظهر قدرته أمام تحديات ابليس وأتباعه ويريد أن يصب عليهم غضبه وانتقامه، لكن لطف الله يتدخل ليقتاد الشريد، والضال، والمخدوع، والتائه إلي طريق الحياة والخلود، والسعادة الأبدية.ولكن لصبر الله علينا حد هو فترة حياتنا القصيرة علي الارض فإذا انتقصت هذه السنون كلمح البصر، أنتهت فرصة التوبة، وتعذر الرجوع، وضاعت علي الإنسان فرصة الاستفادة من لطف الله وصبره. ثمار الصبر فى حياتنا الصبر أساس الصداقات الناجحة والدائمة والدرع الواقى لمنع الخصومات ولذلك قال سليمان الحكيم {الرجل الغضوب يهيج الحقد ، وبطء الغضب يسكن الخصام} (1م 5 : 19). فإن أردت أن تحيا سعيداً وتعمر مديداً لا تغضب وكن صبوراً لكى لا تحطم سعادتك بيديك فالإنسان الهادئ يجلب السعادة لنفسه ، ولمن حوله ،ولمن يتعاملوا معه ويكون قوياً يستطيع أن يتعلم ويعطى من نفسه قدوة تبنى الآخرين. وقد صبر داود على حروب شاول 39 سنة، حتى مات واستراح من رذائله وصار ملك بعده .وقال القديس يعقوب الرسول: { قد سمعتم بصبر ايوب ورأيتم عاقبة الرب} (يع 5: 11) لقد صبر أيوب على التجربة فاسترداد ماله وابنائه وصحته وسمعته وباركه الله .وقال بولس الرسول {أنا أصبر على كل شيء} (2تي2: 10). {إنكم تحتاجون إلى الصبر} (عب10: 36). وأيضاً {صابرين في الضيق} (رو12: 12) .بصبر على أخطاء أصدقائك تكسبهم ويحبوك وبصبرك على أعدائك يحترموك وربما يتحولوا الى اصدقاء لك وان لا فقد ربحت نفسك وتأخذ المكأفاة من الله وثق انه مع الصبر ستنتهى الضيقة بالانتصار والفرج . الصبر فضيلة تهبنا حلم ووداعة .. نحتاج ان نكتسبها بالتعلم والجهاد الروحى تجعل الانسان حليم ووديع ومحبوب لا يثور ولا يغضب ويفكر قبل ان يتكلم ويتصرف ، عندما يُفتَقَد الصبر، يخمد صلاح النفس وتنمو الخطيئة. الصبر يزيّن النفس بماسات ليست من الأرض بل من أورشليم العلوية. الصبر يزيد من طاعة الكلمات الإلهية التي كُتِبَت في الماضي، وتُكتَب الآن، وسوف تكتَب في المستقبل. الصبر هو المحبة والطاعة. يزيد الصبر عندما يهتمّ الإنسان بالله . الصبر هو كلمة عذبة، سلاح لا يُغلَب، زينة لا تُقَدَّر للرجل، بركة من الله ، الإنسان الصابر، ينتظر بإيمان تدخل الرب في المشاكل وحلها في الوقت المناسب. فالإيمان يقود إلى الإنتظار، وتسليم الأمر لله إلى أن يشاء الله، ويقدم الشكر مقدماً، ويحصل المؤمن على الرجاء (رو15: 4) الذي يجعله لا يتذمر، بل يشكر باستمرار، فينال ثمر صبره (لو8: 15). الصبر ضبط للنفس .. ان ضبط النفس فضيلة سامية { البطيءالغضب خير من الجبار و مالك روحه خير ممن ياخذ مدينة }(ام 16 : 32).عندما تواجه آخرين فيتصرفوا معك بدون لياقة وبعدم احترام فأضبط نفسك ولا تفقد رجاءك فيهم ، بل بطول أناتك أكسبهم وأعلم أن رابح النفوس حكيم ، والمثل يقول "أن قطرات من العسل تصطاد من الذباب أكثر مما يصطاده برميل من العلقم" فليكن لك الروح الوديع وسعه الصدر ولا تتبرم وتتذمر وأصبر . عندما كان داود النبى مطارداً من أمام أبنه أبشالوم أخذ أحد العامة يسبه وهو يلقى عليه بالأحجار فقال قائد جيش لداود : دعنى أقتله فرفض داود فى صبر وتواضع قائلاً : لا.. دعه لينظر الله إلى أتضاع عبده. ومن أجل تواضع داود رده الله إلى مملكته وأهلك أعدائه. وأنت أعلم أن الله يقاتل عنك وأنت صامت فلا تقابل الأخطاء بالأخطاء فالنار لا تطفأ بالنيران بل بالماء.أحتمل الافتراءات ولا تنتقم لنفسك والتمس الأعذار للناس كضعف بشرى يحتاج إلى العلاج والوقوف مع من يسئ إليك في خندق المحبة والتأنى والترفق به ولا تفقد الأمل في الإصلاح وسيأتى اليوم وستجنى ثمر الصلاح. الصبر والتنقية والقداسة : الصبر مدرسة لتنقية المؤمن من الضعفات والشوائب ولتقوية الإيمان وبنيان حياة المؤمن لتحقيق القداسة التي هي إرادة الله من أجلنا ، فالرب يؤدب أولاده لكى يشتركوا في قداسته (عب 12: 4- 13). فهذا التأديب أنما هو لخير المؤمن ومنفعته. فهو أحد الإشياء التي تعمل للخير (رو 8: 28)، لذلك يجب على المؤمن أن يفرح في كل حين (في 4:4 )، بل وحينما يقع في تجارب متنوعة عالماً أن الضيق ينشيء صبراً (رو 5: 3) ، كما ينشيء امتحان الإيمان صبراً (يع 1: 2-3). لقد احتمل ابائنا القديسين حتى الاضطهاد والاستشهاد من اجل الثبات على إالايمان من اجل هذا كرمهم الله والكنيسة فى كل زمان { حتى اننا نحن انفسنا نفتخر بكم في كل كنائس الله من اجل صبركم وايمانكم في جميع اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها }(2تس 1 : 4).والسيد المسيح يعلق اقتناء النفس بالصبر، فبعد أن يعرض الضيقات العتيدة أن تصادف المؤمنين فى العالم، يصف الدواء{بصبركم إقتنوا أنفسكم} (لوقا21: 19) . وعن ذلك يقول القديس يعقوب الرسول {عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً، وأما الصبر فليكن له عمل تام. لكى تكونوا تامين كاملين غير ناقصين فى شئ} (يعقوب1: 3 – 4). الصبر والهدوء والصمت .. ان الصبر يثمر فينا حياة الهدوء والصمت { لانه هكذا قال السيد الربقدوس اسرائيل بالرجوع و السكون تخلصون بالهدوء و الطمانينة تكون قوتكم} (اش 30 : 1). الصبر يعطى للانسان هدوء الحواس واللسان {هدوء اللسان شجرة حياة واعوجاجه سحق في الروح } (ام 15 : 4) . لهذا يوصينا الانجيل على الاسراع فى الاستماع والابطاء فى التكلم او الغضب {اذا يا اخوتي الاحباء ليكن كل انسان مسرعا في الاستماع مبطئا في التكلم مبطئا في الغضب }(يع 1 : 19) ولذلك نري معلمنا داود النبي في محنته القاسية المريرة يقول {صمت يارب لا أتكلم لأنك أنت أمرت}وسليمان الحكيم يعلمنا حكمة الصمت فيقول {لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقت...للسكوت وقت وللتكلم وقت}. الصبر يهبنا الخلاص والملكوت السماوى .. الصبر لازم لخلاصنا ، كما هو ايضاً ضرورة لدخول الملكوت فمن يصبر للمنتهي فهذا يخلص ولذلك نري يعقوب الرسول يوصي بشدة جماعة المؤمنين فيقول {فتأنوا ايها الاخوة إلي مجيء الرب، هوذا الفلاح ينتظر ثمر الأرض الثمين متأنياً عليه حتي ينال المطر المبكر والمتأخر، فتأنوا انتم وثبتوا قلوبكم لأن مجيء الرب قد اقترب... خذوا يا اخواتي مثالاً لإحتمال المشقات والأناه، الأنبياء الذين تكلموا بإسم الرب ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب} (يع 5 : 7 ـ 11) ويمتدح الرسول بولس تلميذه تيموثاوس من اجل هذه النعمة ـ نعمة الصبر ـ اسمعوه يقول {وأما أنت فقد تبعت تعليمي وسيرتي وايماني واناتي ومحبتي وصبري واضطهاداتي وآلامي... اية اضطهادت احتملت ومن الجميع أنقذني الرب، وجميع الذين يريدون ان يعيشوا بالتقوي في المسيح يسوع يضطهدون} (2تيم 3 : 10 ـ 12). من اجل هذا قال القديس مكاريوس الكبير : طول الروح هو الصبر والصبر هو الغلبة، والغلبة هي الحياة، والحياة هي الملكوت، والملكوت هو اللّه، البئر عميقة لكن ماءها طيب عذب، الباب ضيق والطريق كربة، لكن المدينة مملوءة فرحاً وسروراً، والبرج حصين، لكن داخله كنوزاً جليلة، الصوم ثقيل صعب، لكنه يوصل الي ملكوت السموات، فعل الصلاح عسير شاق لكنه ينجي من النار برحمة ربنا الذي له المجد.لهذا فطوبي للصابرين لانهم ينالوا أكليل الحياة {طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة لانه اذا تزكي ينال اكليل الحياة} (يع1 : 12). علمنا يارب ان نصبر ايها الرب الاله طويل الانأة كثير الرحمة ، اصبر وتأنى على خلقتك رغم بعدنا وجحودنا وخطايانا لكننا نترجى مراحمك وصبرك علينا كما يصبر الزارع على اشجاره وينقب حولها ويضع السماد لتثمر ، وانت اله الصبر والرجاء ، طويل البال ، تأني علينا وعلى عالمك المسخن بالجراح ، فابليس يعمل جاهدا ليبعدنا عنك وانت كآب صالح قادر على كل شئ ردنا اليك يالله كعظيم رحمتك . اعطنا ان نتعلم منك وان نسرع الى التوبة والرجوع اليك لنستفيد من صبرك علينا ورحمتك بنا وعلمنا ان نصبر ونتسامح تجاه الآخرين محتملين اياهم بمحبة حقيقية وصبر كامل ورجاء ثابت ومحبة بلا رياء لنكون على صورتك ومثالك وصبرك علمنا ان نقابل السئية بالحسنة ، والكراهية بالمحبة ، والشر بالخير ، والتسرع والغضب بالصبر والهدوء ، علمنا ان نكون شفوقين محتملين بعضنا بعض بالمحبة ، مسرعين الى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل ، صانعين ارادتك كل حين . القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل