المقالات

01 يونيو 2023

بمناسبة عيد دخول المسيح أرض مصر

تعليقات للقدّيس كيرلّس الكبير على الأصحاح 19 من سفر إشعياء يسعدني في هذا المقال تقديم مقتطفات من شرح القديس كيرلّس الإسكندري عمود الدين للأصحاح التاسع عشر من سفر إشعياء النبي. وقد اخترت فقط بعضًا من شرحه للآية رقم 1، والآية رقم 19. ثم رأيتُ تقديم بعض الملاحظات السريعة على التفسير في نهاية المقال. إش19: 1: "هوذا الربّ يجلس على غيمة خفيفة، وسيأتي إلى مصر، فتتزلزل أوثان مصر من وجهه، ويصغر قلبهم فيهم". يريد النبيّ أن يُعلِّم بأيّ طريقة خلُصَتْ مصر، وأُمسِكَت بشَبَكة التقوى بإيمانها بالمسيح، بالرغم من معاناتها من الأخطاء الإجراميّة لتعدُّد الآلهة. فقد كانت في ظلامٍ شديد.. قد وضعوا في معابدهم أوثانًا كثيرة، متعدّدة الأشكال، حتّى أنّهم أبدعوا أشكالاً للحيوانات غير العاقلة، وأقاموا المذابح حتّى يقدّموا الذبائح عليها. إذن فقد كان يجب أن تزداد النعمة جدًّا لأنّ خطيّتهم قد كثرت جدًّا (رو5: 22)، وأنْ يَظهر الطبيب لِمَن أُصيبوا بالمرض الشديد، وأن يلمع النور الإلهي السماوي، لمن اظلمّت قلوبهم. ماذا يريد أن يبيِّن بقوله إنّه يرى الربّ يجلس على غيمة خفيفة؟ هيّا بنا نفحص الأمر على قدر استطاعتنا. بعض المفسِّرين قالوا بالتأكيد أنّ "الغيمة (السحابة) الخفيفة" هي جسد الربّ المقدّس، بمعنى الهيكل الذي اتّخذه من العذراء القدّيسة، والذي شبّهوه بالغيمة، لأنّه كان خاليًا من الشهوات والأهواء الأرضيّة، وارتفع عنها عاليًا. لأنّ الجسد المقدّس لمخلّصنا المسيح هو بالحقيقة كليّ القداسة، وخالٍ من كلّ دنسٍ أرضيّ. والبعض قالوا أنّ الغيمة الخفيفة هي العذراء القدّيسة.غير أنّي أعتقد أنّه بقوله "جالسًا على غيمة خفيفة" يريد أن يُعَبِّر عن معانٍ أخرى كثيرة.السحابة تمثِّل لنا نوعًا من البرودة، أو المطر الروحي، أو المعموديّة المخلِّصة. وبالفِعل يقول الطوباوي بولس أنّ "آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة... وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر" (1كو10: 1-2). وعندما كانوا يَعبرون الصحراء الشاسعة، كانت السحابة تظلّلهم في النهار، وفي المساء كان يتقدّمهم عمود نار. ولقد وُصِفَ المسيح بهذين الأمرين (النار والسحابة)، أي بالسرّ الخاصّ به. أي أنّنا سنحصل على البرّ والقداسة بالإيمان وبالمعموديّة المقدّسة.وهكذا يليق بالربّ، وهو ذاهبٌ بهدف تنقية وإصلاح المصريّين، بطريقة روحيّة تليق بألوهيّته، أن يَظهَر وهو جالس على غيمة خفيفة، لأنّه لم يكُن هناك طريق آخر لزوال قذارة النفس التي خُدِعَت إلاّ عن طريق المعموديّة المقدّسة، والتي نقول أنّ الغيمة الخفيفة هي رمزٌ لها.هي خفيفة لأنّنا نعتمد كي نخلع عنّا الخطيّة، مُلقين من فوقنا عدم التقوى، وكأنّها حِمل ثقيل الحَمْل، فنصير مرفوعين كما لو أنّ لنا أجنحة، نتعلّم كيف نتأمّل في السماويّات، متّجهين بقلوبنا نحو العُلا. أعتقد أنّ جلوس الربّ على السحابة.. يُلَمِّح إلى الراحة أو السُّلطة (المُلك)، وهكذا فإنّ المسيح يستريح ليس حسب عبادات الناموس قديمًا، لكن بالحريّ مِمّا يأتي لنا عن طريق المعموديّة المقدّسة، (أمّا السُلطة) فبطريقة مُلكِهِ على مَن هُم على الأرض.يقول النبيّ أنّ عند ظهوره "سترتجف أوثان مصر، كما من زلزال". فطالما ظهرت المعموديّة المقدّسة، وأضاء المسيح على الأرض، كان من الضروري أن يختفي دَجَل الضلالات القديمة، وتظهر أنّ فخاخ الشيطان قد تحطّمَت، لأنّه كان قد أوقع في شباكه للهلاك والضياع كلّ أمّةٍ.. وبالأكثر من الجميع، أوقع المصريّين؛ لأنّ هؤلاء كانوا يؤمنون بالخُرافات أكثر من غيرهم.النبيّ يقول أنّ قلوب المصريّين ستُهزَم وستُفسِح الطريق.. وستخضَع أمام تعاليم الإنجيل.. ولن تكون فيما بعد قلوبًا جامدة أو قاسية أو غير قابلة للنُّصح، بل ستَقبل رسالة الخلاص. إش19:19: "في ذلك اليوم، يكون مذبح للربّ في كورة المصريّين، وعمودٌ للربّ عند تُخمها. فيكون علامةً للربّ إلى الأبد في كورة مصر".لقد كانت أرض مصر مليئة كلّها بالمعابد ومكتظّة بالمذابح.. انتبِه إذن، من أين إلى أين تغيَّرَت أحوال المصريّين؟ فهؤلاء الذين كانوا متمسّكين بالخرافات أكثر من أي شعوبٍ أخرى، بل وكانوا أسرى بالتمام للضلالات، يقول (النبيّ) أنّه "في ذلك اليوم"، أي في ذلك الزمان الذي فيه ستضيء فيهم بشارة الخلاص، سيقبلون عبادة مَن هو بطبيعته الله الحقيقي. لأنّه سيُقام مذبح للربّ في أرض مصر. والكلام هنا واضح جدًّا.يقصد بكلمة "عمود"، على ما أعتقد، إمّا هيكلاً مقدّسًا للربّ، أي كنيسة، وقد بُنِيَت على حدود مصر، قبل كنائس أخرى. أو أنّها (كلمة عمود) تُعني علامة الصليب المقدّس، الذي اعتاد المؤمنون أن يحموا أنفسهم به كدرع. لأنّنا نستخدم دائمًا علامة الصليب كي نتجنّب كلّ هجوم الشياطين، ونصدّ كلّ اعتداءاتهم. لأنّ الصليب هو في الواقع سورنا الحصين، وهناك أسباب لنفخر بخلاصنا عن طريقه، لأنّه مكتوبٌ: "وأمّا من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربّنا يسوع المسيح" (غل6: 14). إذن عجيبٌ هو ما قد سبق فأنبأت به النبوّات حينذاك، وقد تحقّق الآن. [المرجع: تفسير سفر إشعياء للقدّيس كيرلّس السكندري (الجزء الثالث - الأصحاحات: من 19 إلى 30) - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة بالقاهرة - ترجمة عن اليونانيّة مع مقدّمة وتعليقات للدكتور جوزيف موريس فلتس - الطبعة الأولى 2021م] بعض الملاحظات السريعة: 1- القديس كيرلّس يستخدم في تفسيره النصّ السبعيني اليوناني، وهو النصّ المعتمد في الكنيسة منذ القديم، وليس النصّ العِبري. 2- لايَذكُر ق. كيرلّس أيّ شيء نهائيًّا عن خط سير العائلة المقدّسة في زيارتها لمصر، مِثلَهُ مثل كلّ آباء الكنيسة. فلم يكن الآباء ينشغلون بهذا، بل بالأمور الخلاصيّة والمعاني الروحيّة فقط.. والجدير بالذِّكر أنّ الحلم المنسوب للبابا ثيؤفيلس (خال القديس كيرلّس بالجسد، والبابا السابق له)، عن خطّ سير العائلة المقدّسة في مصر، ليس له وجود في سيرة حياة البابا ثيؤفيلوس، بل هو منسوب له في كتاب تمّ تأليفه في القرن الثامن..! 3- لا يُفسِّر ق. كيرلّس سقوط أوثان مصر بشكل حرفي، مثلما يَذكر الفولكلور الشعبي الذي ظهر وانتشر في العصور الوسطى، وامتدّت آثاره حتّى الآن.. بل يتحدّث عن انهيار مملكة الشيطان والعبادات الوثنيّة في مصر، أمام نور الإيمان بالمسيح الذي أشرق فيها. 4- أيضًا لا يتحدّث ق. كيرلّس عن مذبح مُعيّن للربّ في أرض مصر، كما يَشيع الآن، أنّ المقصود به مكانًا محدّدًا في أحد أديرة الصعيد، حسب بعض التقاليد المحلّيّة.. بل يؤكِّد أنّ المذبح يشير إلى العبادة المسيحيّة في مصر بوجه عام. 5- يشرح أيضًا ق. كيرلّس أنّ العمود، ليس هو شخصًا بعينه، بل هو الصليب العالي الذي هو محلّ افتخارنا بعد قراءتي لهذا الشرح العميق الذي كتبه ق. كيرلّس الكبير في القرن الخامس، أدركت كم نحن الآن في احتياجٍ شديد لمراجعة ما نردّده ونُعَلِّم به، في ضوء كتابات الآباء، لكي يكون متوافِقًا مع الفكر الآبائي الروحي الأصيل.كلّ عام وكنيستنا متمتّعة بنور المسيح، وأفراح حضوره في وسطها،، القمص يوحنا نصيف القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
17 يناير 2023

الصبغة

عندما أعلن تلميذا الرب يسوع ( يعقوب ويوحنا ) له أنهما يريدان مكانة متميزة في ملكوته .. قال لهما الرب : « لستما تعلمان ما تطلبان . اتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا ، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا ؟ » ( متی ۲۰ : ۲۲ ) . فلم يفهم التلميذان عمق كلام المخلص .. « فقالا له : " نستطيع » ( مرقس ۱۰ : ۳۹ ) . كانت كأس الرب التي يشربها هي الصليب بكل ألامه ، أما الصبغة فكانت الموت . يا للهول !!! هل يقصد المخلص أنني لا استطيع أن أتمتع بأمجاده ولا الجلوس معه في أبديته إلا إذا صلبت ومت بنفس ميتته ؟! لقد قال السيد لهما : « أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها ، وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان » ( مرقس ۱۰ : ۳۹ ) ، فلم يكن يقصد المخلص حتمية أن يصلب كل إنسان ، أو أن يستشهد بطريقة حرفية ليخلص .. ولكنه كان يقصد الترجمة العملية لصليبه وموته ، فالكأس هي الإفخارستيا والصبغة هي المعمودية . فعندما نشرب كأس الرب نشترك في مفاعيل موته وآلامه المحيية .. « فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس ، تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء » ( كورنثوس الأولى 11 : ٢٦ ) .. وعندما نعتمد بالماء والروح نكون قد متنا وقمنا معه .. « مدفونين معه في المعمودية ، التي فيها أقمتم أيضا معه » ( كولوسي ۲ : ۱۲ ) . فالمعمودية قبر وأم ، موت وميلاد جديد ، بل بالحري قيامة من موت .. « فدفنا معه بالمعمودية للموت ، حتى كما أقيم المسيح من الأموات ، بمجد الآب ، هكذا تسلك نحن أيضا في جدة الحياة ؟ » ( رومية 6 : 4 ) . الإنسان المسيحي هو إنسان جديد في كل شيء ، والحياة المسيحية هي حياة التجديد المستمر .. « إذا إن كان أحد المسيح فهو خليقة جديدة : الأشياء العتيقة قد مضت ، هوذا الكل صار جديدا » ( كورنثوس الثانية 5 : 17 ) . إذا فالصبغة التي نحصل عليها في سر المعمودية المقدسة هي بعينها الاشتراك في موت السيد المسيح وقيامته ، والتمتع بقيمة وفائدة هذا الفداء العظيم .. والعكس صحيح فبدون المعمودية لا يستطيع الإنسان أن يخلص .. « إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله » ( يوحنا 3 : 5 ) . لابد أن تموت مع المسيح لأنه قيل : « بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ! » ( عبر ۹ : ۲۲ ) والموت هنا شيء بسيط وهو المعمودية ، شكرا لك يا إلهي الصالح .. أنك مت عني ومنحتني أن أتمتع بمفاعيل موتك وحياتك بوسيلة سهلة متاحة وهي التغطيس في صيغة المعمودية . » نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
11 أبريل 2023

ثلاثاء البصخة

أحداث هذا اليوم كثيرة منها: أولا: جفاف شجرة التين:- عند عودة السيد المسيح صباحا إلى أورشليم من بيت عنيا، دهش التلاميذ حينما رأوا أن شجرة التين قد يبست من أصولها، وهنا شرح لهم السيد المسيح فاعلية الصلاة وقوتها، التى يمكن أن تنقل الجبال. (متى 21: 20 – 22)، مر 11: 20 – 26). ثانيا: السنهدريم يسأل السيد المسيح عن مصدر سلطانه:- سأله رؤساء الكهنة عن مصدر سلطانه: يدخل أورشليم كملك، ويطرد الباعة من الهيكل،إن قال لهم أن سلطانه إلهى طلبوا منه معجزة، فإن فعل نسبوها إلى الشيطان، وإن رفض نسبوا إليه العجز وشككوا الناس فى قوته رد عليهم بسؤال آخرسألهم عن معمودية يوحنا المعمدان هل هى من الله أم من الناس؟.. فلم يستطيعوا الأجابة بالرفض لخوفهم من الناس، أو بالموافقة لأن يوحنا شهد للسيد المسيح، فلماذا لم يؤمنوا به؟!! (متى 21: 23 – 27)، (مر 11: 27 – 33)، (لو 20: 1 – 8). ثالثا: أمثال ضربها السيد المسيح:- (أ) مثل الأبنين:- أعطاهم مثل الأبنين اللذين طلب منهما أباهما العمل فى كرمه، فرفض الأول أولا ولكنه أطاع فيما بعد.. أما الثانى فقد تظاهر بالطاعة ولكنه لم يعمل يشير الأول إلى الأمم التى كانت قبلا معاندة.. ولكنها قبلت الإيمان أخيرا، ويشير الأبن الثانى إلى الأمة اليهودية التى تظاهرت بطاعتها لله ولكن بدون أثمار.. ويشير أيضا إلى رؤساء الكهنة الذين يحبون حياة ظاهرها الطاعة لله.. خلاف جوهرها المغاير لذلك سألهم السيد المسيح أيهما عمل إرادة الآب؟ قالوا الأول وبذلك حكموا على أنفسهم.. (متى 21: 28 – 32). (ب) مثل الكرامين الأردياء:- وهم الذين أوكلهم سيدهم على كرمه، وفى ميعاد الإثمار أرسل السيد رسله يطلب الثمر،.. أما الكرامون الأشرار فإنهم لم يقدموا الثمر المطلوب، بل جلدوا بعض رسله، وقتلوا بعضا ورجموا بعضا، ثم أرسل أبنه الوحيد، والوارث.. لعلهم يهابونه، ولكنهم أخرجوه خارج الكرم وقتلوه لقد أشار السيد المسيح إلى الأمة اليهودية التى أعطاها الله كل ما تحتاجه من وسائط وشملها برعايته: " كرمة من مصر نقلت. طردت أمما وغرستها. هيأت قدامها فأصلت أصولها فملأت الأرض " (مز 80: 8، 9) – أعطاهم (الذبيحة والشريعة)، لم يبقى شىء لم يصنعه للأمة اليهودية، ثم أرسل عبيده أنبياء العهد القديم، ولكن اليهود ضربوا بعضا منهم، وقتلوا بعضا آخر، ورجموا آخرين: رجموا أرميا.. نشروا أشعياء.. رجموا زكريا بن يهوياداع فى الهيكل.. أرسل نبيا وراء نبى، كان آخرهم يوحنا المعمدان – ثم أخيرا أرسل ابنه الوحيد الذى سلطانه أعظم من سائر الأنبياء.. ولكن اليهود أمسكوه وأخرجوه خارج أورشليم وقتلوه خارج الباب على الصليب.. فماذا يفعل بهم السيد حين يأتى؟ وحكم رؤساء الكهنة على أنفسهم قائلين: " إنه سيهلك أولئك الأشرار شر هلاك، ثم يؤجر الكرم إلى كرامين آخرين يعطونه الثمار فى وقتها ". وقد سبق الوحى الإلهى فأعطى حكمه: " فالآن اعرفكم ماذا أصنع بكرمى. أنزع سياجه فيصير للرعى. أهدم جدرانه فيصير للدوس. وأجعله خرابا لا يقصب ولا ينقب فيطلع شوك وحسك وأوصى الغيم أن لا يمطر عليه مطرا ". (اشعياء 5: 5، 6) ثم ذكر السيد المسيح النبوءة " أما قرأتم قط فى الكتب أن الحجر الذى رفضه البناؤون هو الذى أصبح رأس الزاوية، من عند الرب كان هذا وهو عجيب فى أعيننا " (مزمور 118: 22 – 23). أما اليهود فعندما شعروا بإنطباق المثل عليهم حنقوا عليه وكانوا يطلبون أن يمسكوه ولكنهم خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبى (مت 21: 33- 46)، (مر 12: 1 – 12)،(لو 20: 9 – 19). (ج) مثل عرس أبن الملك:- ثم أعطاهم مثل الملك الذى صنع عرسا لأبنه وأرسل يدعو المدعوين فلم يستجيبوا لنداءاته المتكررة رغم إعداده للوليمة وتهيئتها بل أهانوا رسله وقتلوهم.. فأرسل الملك وأهلك المدعوين وأحرق مدينتهم، (هنا نجد أن السيد المسيح يدعوها مدينتهم بعد أن كانت مدينته، مدينة الله، مدينة الملك العظيم)، ثم أرسل إلى مفارق الطرق ودعا الجميع وأمتلأ العرس، ولكن أحد الحاضرين لم يكن لابسا لباس العرس اللائقة (كان من عادة الملوك أن يهبوا كل مدعو حلة تليق بحضوره حفل الملك)، وفى هذا استهانة بعطية الملك وعدم اهتمام بإعداد نفسه لحضور حفل الملك وعرس ابنه. إن لباس العرس هو المعمودية التى تغسل عنا الخطية الاصلية، خطية أبونا آدم.. وكذلك وسائط النعمة كالصلاة والصوم والتناول والأعمال الصالحة لقد عاقب الله اليهود.. وأتت جيوش روما ودمرت أورشليم.. ثم أرسل الله رسله إلى كل الأمم، إلى العالم أجمع يدعوهم إلى عرس ابنه.. إلى ملكوت السموات.. واستجاب الكثير للدعوة، ولكن يلزم أن يكون الأنسان مكسوا بثوب النعمة، نال المعمودية التى هى اللباس الأبيض – لباس العرس – ومزينا بالأعمال الصالحة، وإن ارتكب الأنسان أى أخطاء فهناك التوبة والأعتراف وجسد السيد المسيح ودمه يعيدا للثوب الأبيض لمعانه: " تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج..". رابعا: الجزية:- الفريسيون والكتبة أرادوا أن يجربوا السيد المسيح، ليوقعوا به فى خطأ ضد النظام السياسى القائم، فسألوه أيجوز أن تعطى الجزية لقيصر أم لا؟ فإن وافق على دفع الجزية اتهموه أنه موالى لقيصر وخائن لوطنه.. وإن اعترض على دفعها أشتكوه للوالى..!! فسألهم السيد المسيح عن الصورة والكتابة التى على العملة؟ قالوا لقيصر.. قال لهم " أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فلما سمعوا دهشوا وتركوه وأنصرفوا "هنا أرسى السيد المسيح مبدأ كنسيا هاما، وهو عدم تدخل الكنيسة (كمؤسسة روحية) فى الأمور السياسية، وإن كان من حق المؤمنين (كأفراد) ممارسة حقوقهم السياسية بالطرق المشروعة كمواطنين صالحين فى الدولة والسيد المسيح أراد أن يقول لليهود طالما قد قبلتم حكم قيصر ينبغى عليكم طاعته فى الأمور المدنية.. أما فى الأمور الروحية والدينية فلا طاعة إلا لله وحده. خامسا: آخر تعاليم السيد المسيح العلنية:- أوضح السيد المسيح للصدوقيين طبيعة الحياة بعد القيامة: وأننا سنكون كالملائكة، وأن الله إله أحياء وليس إله أموات.. كما قدم السيد المسيح للناموسيين مفهوم الوصية بمنظار مسيحى، ذلك أن الوصايا وحدة واحدة لا تتجزأ..، نلاحظ أن السيد المسيح كان يقدم إجابات وافية وعميقة لكل من يسأله من الشعب ورجال الدين اليهود، وفى المقابل سألهم السيد المسيح سؤالا لاهوتيا: " ماذا تظنون فى المسيح؟ ابن من هو؟ فقالوا له: " ابن داود " قال لهم: " فكيف إذن يدعوه داود بالروح ربى قائلا: قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك تحت قدميك؟ فإن كان داود إذن يدعوه ربه فكيف يكون ابنه "؟ فلم يجيبوه رؤساء الكهنة علموا الشعب أن السيد المسيح سيأتى بصفته ابن داود ليعيد مجد مملكة داود ولم يعلموهم أنه سيأتى بصفته أبن الله ليؤسس مملكة الله ومع الأسف فهذا الأعتقاد مازال باقيا عند اليهود إلى هذا اليوم!! بل أن بعض الطوائف المسيحية، (وطوائف أخرى غير مسيحية أمثال شهود يهوه) يؤمنون أن السيد المسيح سيأتى ليحكم حكما أرضيا مدة ألف عام على الأرض أنصرف رؤساء الكهنة عن السيد المسيح، وحينئذ خاطب الجموع وتلاميذه، وصار يكلمهم عن الكتبة والفريسيين وأوصى الناس بطاعتهم كمفسرين للشريعة ولكن ليحذروا من ريائهم.. فهم يهتمون بالمظهر لا بالجوهر مدح السيد المسيح الأرملة التى القت فلسين فى الخزانة، لأنها أعطت من أعوازها وليس من الفائض لديها، وأعطت بمحبة، وليست حبا فى مديح الناس (مر 12: 41، 44)، (لو 21: 1 – 4) طلب بعض اليونانيين أن يروا السيد المسيح، وكانوا قد جاءوا إلى أورشليم ليحتفلوا بالعيد، ولم يكن لهم حق الدخول إلى الهيكل، كانوا فى الدار الخارجية (دار الأمم)،.. كان ذلك بداية لمجد يسوع حين يموت ويدفن ويقوم، حينئذ يفتح باب الخلاص لا لليهود فقط وإنما لغيرهم من الأمم حين يقبلون الأيمان اضطربت نفس السيد المسيح من الفرحة لقرب تمجده الذى سيكون مصاحبا لآلامه على الصليب، صلى أن ينجيه الآب من هذه الساعة، ولكنه جاء إلى العالم وتأنس من أجلها، فيكون طلبه إذن هو أن يجوز هذه الآلام بسلام، وسيتمجد الله فى عمل الفداء حيث يتجلى عدله ورحمته، وعندما يقول " يا أبتاه مجد ابنك "، فليس المقصود أن يزداد مجدا، فهو ممجد دائما فى ذاته ومجده كامل على الدوام وبلا حدود، وإنما المقصود هنا أن يتجلى مجده.. فجاء صوت من السماء" قد مجدت وسأظل أمجد " ولم يميز الجميع هذا الصوت، وقال بعضهم أنه قد حدث رعد.. وآخرون قالوا قد كلمه ملاك، وأوضح لهم السيد المسيح أنه ليس من أجله صار هذا الصوت، فهو واحد مع الآب ولكن من أجل الموجودين، ثم قال لهم إن رئيس هذا العالم قد جاءت دينونتهم التى وعد بها آدم وانتظرها الأبرار والملائكة، وكان يخشى منها الشيطان ورغم وفرة المعجزات التى عملها السيد المسيح وتنوعها، لم يقبله اليهود، لأن استسلامهم لشهوات قلوبهم أعمى عيونهم الروحية، ولأن الله يسحب نعمته من المصرين على معاندته ومقاومته.. لهذا يتركهم لغلاظة قلوبهم.. ولكن من يرجع إلى الله يشفيه من جراحات الخطيئة، وللأسف نرى أن كثيرين من الرؤساء وهم كبار الشعب آمنوا بالسيد المسيح سرا ولكنهم خشوا من إظهار إيمانهم لئلا يخرجوا خارج المجمع، ولأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله، وفى نفس الموضع الذى يذكر فيه القديس يوحنا الأنجيلى هذا، نجده يذكر مجد الله الذى رآه أشعياء النبى يملأ الهيكل وبينسبه للسيد المسيح نادى السيد المسيح بأن من يؤمن به يؤمن بالله فهو الطريق: " أنا هو الطريق والحق والحياة، لا يأتى أحد إلى الآب إلا بى " (يوحنا 14: 6) وهو صورة الله غير المنظور " وهو بهاء مجده ورسم جوهره " (العبرانيين 1: 3) وهو النور الحقيقى: " أنا هو نور العالم، من يتبعنى لا يسير فى الظلام، وإنما يكون له نور الحياة " (يو 8: 12). سادسا: التنبؤ بخراب أورشليم:- انبهر التلاميذ لفخامة الهيكل فخر الأمة اليهودية فلفتوا نظر السيد المسيح إليها، ولكنه صدمهم بنبوءاته عن خراب الهيكل وأورشليم، وعندما سألوه عن موعد حدوث هذا لم يفصح عن الموعد ولكن أعطاهم علامات هذا الموعد.. وربط بين هذه العلامات وعلامات إنتهاء العالم وقيام الدينونة الأخيرة.. أنبأهم عن ظهور مسحاء وأنبياء كذبة، وحدوث حروب وشائعات عن حروب، كما أنبأ عن حدوث زلازل ومجاعات وأوبئة، كما أنبأ تلاميذه بما سيلاقونه هم وسائر أتباعه من الآم ومتاعب ولكن من يصمد للنهاية يخلص، وأوضح لهم أنه سيبشر بالأنجيل فى كل العالم، وأن الأنجيل سينتشر فى العالم إنتشارا سريعا وبعدما يتم هذا تأتى النهاية، وسيكون من علاماتها أيضا انحلال علامات الطبيعة: " تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التى فيها " (2 – بطرس 3: 10) ربما يتسائل البعض أن السموات (سماء الطيور)، (وسماء الكواكب والنجوم)، من الأعمال التى خلقها الله فى بدء الخليقة كما وردت فى سفر التكوين.. ورأى الله أن كل شىء مما خلقه فهو حسن، فلماذا يعود الله لأبادة هذه المخلوقات؟! نعم إن كل ما عمله الله كان حسنا، وعمل لخدمة الأنسان الذى خلقه، لم يدعه محتاجا شيئا، ولكن الأنسان ضل الطريق، وبدلا من عبادة الله الخالق، وتمجيده على أعماله العظيمة، نجده يستبدل عبادة الخالق بعبادة المخلوقات، فعبد الشمس والقمر والنجوم، وعبد العجل والبقرة والطيور،.. فأساء الأنسان إلى الله، وحل غضب الله على هذه المخلوقات أيضا، ألم يلعن الله الأرض بسبب الأنسان؟ لعنها عندما خالف آدم وصية الله وأكل من الشجرة، ولعن الله الأرض عندما قتل قايين أخيه هابيل كذلك تحدث السيد المسيح مع تلاميذه عن خراب أورشليم.. ولن ينقضى هذا الجيل حتى يكون الكل.. أما ساعة الدينونة فلا يعلم بها أحد إلا الله وحده، ولكن على الأنسان أن يكون مستعدا على الدوام لأن ساعة انتقال الأنسان من هذا العالم لا يعلمها أحد. سابعا: خيانة يهوذا:- قيافا رئيس الكهنة كان صدوقيا لا يؤمن بالقيامة من الموت، لذا كانت إقامة السيد المسيح للعازر من الموت ضربة موجهة إليه وإلى عقيدته، وكذلك رأى فى طرد السيد المسيح للباعة والصيارفة من أروقة الهيكل حربا موجهة ضده وضد مصالحه المادية هو ورؤساء الكهنة لأنهم كانوا يؤجرون أروقة الهيكل للباعة والصيارفة كم كانت فرحة قيافا حين أتاه يهوذا الأسخريوطى وهو واحد من تلاميذ السيد المسيح الأثنى عشر معلنا أنه مستعد لتسليم السيد المسيح إليهم مقابل أجرة، فاتفقوا معه أن يعطوه ثلاثين من الفضة: " فوزنوا أجرتى ثلاثين من الفضة " (زكريا 11: 12) ويوضح القديس لوقا الأنجيلى لنا أن يهوذا الأسخريوطى فعل هذا لأن الشيطان دخل فيه، أى أنه هو نفسه بإرادته الحرة سمح للشيطان أن يدخل فيه(مت 26: 1 – 5، 14 – 16)، (مر 14: 1، 2، 10، 11)، (لو 22: 1 – 6). القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج عن كتاب أحداث الأسبوع الأخير
المزيد
02 أكتوبر 2022

مقابلة ربنا يسوع مع زكا العشار

مُعَلِّمْنَا لُوقَا البَشِير بِالذَّات بِيرَكِّز عَلَى شَخْص رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح كَصَدِيق لِلإِنْسَان مُعَلِّمْنَا مَتَّى يُبْرِز رَبِّنَا يَسُوع المَلِك مُعَلِّمْنَا مَرْقُس يُبْرِز رَبِّنَا يَسُوع الخَادِم مُعَلِّمْنَا لُوقَا يُبْرِز رَبِّنَا يَسُوع صَدِيقٌ الإِنْسَان صُورِة مُعَلِّمْنَا لُوقَا الكِنِيسَة تَضَعْ مَعَهُ صُورَة شِبْه الإِنْسَان لأِنَّ مُعَلِّمْنَا لُوقَا أبْرَز رَبِّنَا يَسُوع الإِنْسَان وَمُعَلِّمْنَا يُوحَنَّا رَكِّز عَلَى رَبِّنَا يَسُوع الإِله فَمُعَلِّمْنَا لُوقَا يِعْرِض المَوَاقِفْ اللِّي رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح إِقْتَرَب فِيهَا مِنْ الإِنْسَان هذَا مَوْقِفْ مِنْ المَوَاقِفْ اللِّي رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح بِيِعْزِم نَفْسُه وَبِيْقُول مُمْكِن أجِي البِيتْ عَنْدَك ؟ دَه يَنْبَغِي أنْ أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك ( لو 19 : 5 ) أنَا لاَزِم أجِي اليُّوم عَنْدَك كُلَّ مَوَاقِفْ رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح هِيَ فَوْقَ الزَّمَنْ وَفَوْقَ المَكَان يَعْنِي هِيَّ لَمْ تَحْدُث فِي أرِيحَا وَلاَ حَدَثِتْ مِنْ 2000 سَنَة وَلكِنْ بِتَحْدُث فِي زَمَانَنَا وَفِي مَكَانَنَا نَفْس الدَّعْوَة اللِّي قَالْهَا رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لِزَكَّا أنَا يَنْبَغِي أنْ أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك هِيَ دَعْوَة مُتَكَرِّرَة لِينَا كُلِّنَا يَقُول لَنَا أنَا عَايِز أجِي أتَلاَمَس مَعَك أدْخُل جُوَّه حَيَاتَك أدْخُل جُوَّه بِيتَك لأِنْ كَانِتْ الثَّمَرَة الطَّبِيعِيَّة بِلِقَاء زَكَّا بِرَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح مِشْ مُجَرَّدٌ إِنُّه رَاح أكَل عَنْدُه وَلاَ قَعَد عَنْدُه هِيَّ تَغَيُّر حَيَاتُه يِقُول عَنْ زَكَّا أنَّهُ كَانَ رَئِيس العَشَّارِينْ وَكَانَ غَنِياً الثَّمَرَة الطَّبِيعِيَّة لِلِقَاء رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لِرَئِيس العَشَّارِينْ هُوَ تَغَيُّر حَيَاتُه فَوَجَدْنَاه يَقُول أنَا هَا أُعْطِي نِصْف أمْوَالِي لِلفُقَرَاء وَإِنْ كُنْت وَشَيْتُ بِأحَدٌ أرُدُّ لَهُ أرْبَعَة أضْعَاف ( لو 19 : 8 )تَغْيِير حَيَاة تَغْيِير عَمَلِي لِذلِك نُقَفْ وَقْفَة صَغِيرَة مَعَ مَوْقِفْ رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح وَوَقْفَة صَغِيرَة مَعَ مَوْقِفْ زَكَّا . مَوْقِفْ رَبِّنَا يَسُوع :- رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح فِي وَسَطْ الدُنْيَا المُزْدَحَمَة رَفَعْ عِينُه وَجَدْ زَكَّا مُتَسَلِّق عَلَى شَجَرَة مَدِينَة أرِيحَا مُسَمَّاه بِهذَا الإِسْم لأِنَّ رَائِحَتْهَا حِلْوَة لأِنَّهَا مَشْهُورَة بِزِرَاعِة الفَوَاكِه فَمِنْ عَلَى بُعْد كِبِير تِشِمْ رَائِحَة جَمِيلَةٌ رَائِحَة فَوَاكِه فَكَانْ فِيهَا جِمِّيزَة مِنْ ضِمْن أشْجَار الفَوَاكِه وَزَكَّا عَشَانْ دَارِس المَنْطِقَة طِلِعْ عَلِيهَا لِكَيْ يَرَى يَسُوع فَرَبِّنَا يَسُوع رَفَعْ عِينُه وَجَد وَاحِدٌ مُتَسَلِّق عَلَى شَجَرَة قَالَ لَهُ أسْرِع وَانْزِل تَعَالَ أصْل أنَا يَنْبَغِي أنْ أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك رَبِّنَا يَسُوع بِيقُول لُه * يَنْبَغِي * يَعْنِي * لاَزِم * هُوَ اللِّي بِيَدْعُوه وَبِيقُول لُه لاَزِم أجِي لَك رَبِّنَا يَسُوع هُوَ اللِّي بِيِبْحَث عَنْ الإِنْسَان هُوَ اللِّي يِفَتِّش عَنْهُ رَغْم الجَمَعْ زَحَام لكِنْ هُوَ عَارِفْ إِنْ دَه لاَزِم يَمْكُث عَنْدُه دَه لاَزِم يِتْغَيَّر دَه يَحْمِل إِشْتِيَاقَات جَمِيلَة وَلكِنْ مُسْتَعْبَد وَمَأسُور لِعَادَات رَذِيلَة يُبْقَى لاَزِم أنَا أدْخُل جُوَّه حَيَاتُه دَعْوِة رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لِينَا هِيَّ نَفْس الدَّعْوَة يِقُولَّك إِنْتَ بِالرَّغْم مِنْ إِنْ الدُنْيَا زَحْمَة مِنْ حَوْلَك لِمَاذَا أنَا ؟ يِقُول رَبِّنَا لِيك أنَا أُرِيدَك إِنْتَ لِدَرَجِة إِنْ رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح نَظَرَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا زَكَّا( لو 19 : 5 ) نَادَاه بِإِسْمُه تَخَيَّل رَبِّنَا بِيْنَادِي كُلَّ وَاحِد بِإِسْمُه وَيَقُول لَهُ أنَا اليُّوم أُرِيدْ أنْ أمْكُث فِي بِيتَك يَنْبَغِي أنْ أمْكُث فِي بِيتَك رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح قِصِّة الكِتَاب المُقَدَّس كُلُّه هِيَ هذِهِ الدَّعْوَة مِنْ بِدَايِة سُقُوط أبُونَا آدَم وَجَدْنَا إِنْ رَبِّنَا يَسُوع بِيْقُول لُه آدَم بِيْنَادِيه بِإِسْمُه بِيْقُول لُه آدَم أيْنَ أنْتَ ( تك 3 : 9 ) وَهِنَا بِيْقُول لِزَكَّا زَكَّا أسْرِع وَانْزِل يَنْبَغِي أنْ أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك يَنْبَغِي لاَزِم أنَا جَاي لِكَيْ أرُدٌ إِلَيْكَ مِيرَاثَك المَسْلُوب أنَا جَاي عَشَانْ أرَّجَعَك لِحِضْن أبُوك أنَا جَاي عَشَانْ غِيرَك إِنْتَ وَإِنْتَ بِالذَّات وَبِإِلْحَاح وَبَاقُولَّك لاَزِم أجِي إِلَيْكَ جَمِيلٌ إِنْ أنَا أشْعُر إِنْ رَبِّنَا بِيْنَادِينِي بِإِسْمِي وَعَارِفْ ظُرُوفِي وَبِيْقُولَّك أنَا لاَزِم أجْلِس عَنْدَك هُوَ يُرِيدَك إِنْتَ هُوَ يَقْرَع عَلَى بَابْ قَلْبَك إِنْتَ هُوَ يُقْصُدَك إِنْتَ أحْيَانَاً الإِنْسَان فِي وَسَطْ الزَّحْمَة يِفْتِكِر إِنُّه مِشْ مَعْرُوف عَنْدُه لاَ دَه مَعْرُوف بِالإِسْم مَعْرُوف بِالسِيرَة يِعْرَف كُلَّ أعْمَاقَك وَكُلَّ إِشْتِيَاقَاتَك هُوَعَارِفْ وَعَارِفْ المَاضِي وَعَارِفْ الضَّعْف وَبِيْقُولَّك أنَا أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك أنَا لاَزِم اليُّوم أجِي لَك وَأجْلِس مَعَك وَالعَجِيب جِدّاً إِنْ رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح هُوَ صَاحِبْ السُّلْطَان وَسَيِّد مَمَالِك الأرْض كُلَّهَا هُوَ اللِّي بِيِعْزِم نَفْسُه عَنْد وَاحِد كَرَامِة الشَّخْص مُمْكِنْ تِمْنَعُه أنْ يَقُول لِوَاحِد أنَا هَاجِي إِلَيْكَ رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لَمَّا شَافْ إِنْ إِحْنَا تَبَاطَأنَا جِدّاً فِي دَعْوِتُه فَدَعَى نَفْسُه هُوَ لِينَا رَبِّنَا يَسُوع لَمَّا لَقَى إِنْ إِحْنَا أهْمَلْنَا كَثِير جِدّاً فِي حَقٌ تُوبِتْنَا وَفِي حَقٌ خَلاَصْنَا فَوَجَدْنَاه هُوَ بِيْقُول لِينَا أنَا اللِّي هَاجِي إِنْتَ الوَاضِح إِنْ الخَطْوَة دِي صَعْبَة عَلِيك إِنْتَ مُكَبَّل وَمَأسُور وَتَعْبَان أنَا اللِّي هَادْعِي نَفْسِي إِنْتَ مِتْأخَر كَثِير جِدّاً وَتِفْضَل سَايِبْ نَفْسَك حَتَّى تَصِل إِلَى حَالْ أرْدَأ لاَ أنَا اللِّي هَاجِي أنَا اللِّي هَافْتَقِدَك وَبِإِلْحَاح . جَمِيلٌ جِدّاً فِي زَكَّا إِنُّه إِسْتَجَاب رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح مِشْ مِنْتِظِر إِنْ إِنْتَ اللِّي تَدْعُوه لكِنْ هُوَ اللِّي بِيَدْعُوك وَلكِنْ مِنْتِظِر مِنَّك حَاجَة لَوْ إِنْتَ مَعَمَلْتَهَاش هُوَ مِشْ هَا يِجِي إِنْ إِنْتَ تَسْتَجِيب لِنِدَائُه يَامَا نَاس رَبِّنَا يَسُوع بِيْنَادِي عَلِيهُم وَهُمَّ يِرْفُضُوا عَايِز يِقُولَّك كِدَه كِتِير مَعْقُول إِنْ أنَا اللِّي أدْعُو نَفْسِي وَإِنْتَ تُرْفُض وَأنَا أجِي ؟!! كِدَه كِتِير قَوِي لِذلِك نَاس كَثِيرِين رَبِّنَا دَعَاهُمْ وَقَالْ أنَا أجِي وَفِي نَاس إِعْتَذَرُوا عَنْ قَبُول الدَّعْوَة جَمِيلَةٌ جِدّاً الكَلِمَة اللِّي ذَكَرْهَا الكِتَاب المُقَدَّس إِنْ مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول لَمَّا تَكَلَّمْ مَعَ فِيلِكْس الوَالِي يِقُول إِرْتَعَدَ فِيلِكْس الوَالِي إِبْتَدأ قَلْبُه يِتْحَرَّك إِبْتَدأ يَسْتَجِيب لِلكَلاَم وَلكِنْ لِلأسَفْ قَالَ لِمُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول إِذْهَب الآن وَمَتَى حَصَلْت عَلَى وَقْت أدْعُوك ( أع 24 : 25 ) وَلَمْ يَحْصُل عَلَى وَقْت إِنَّهَا الأن رَبِّنَا عِنْدَمَا يُنَادِيك فِي لَحْظَة لاَ تُؤَجِلْهَا يِقُول الأنْ تِقُول لُه حَاضِر يِقُول يَنْبَغِي أنْ أمْكُث فِي بِيتَك تِقُول لُه يَارَب أنَا مُشْتَاق أنْ تَمْكُث فِي بِيتِي أنَا مِنْتِظْرَك جَمِيلٌ جِدّاً أنْ أشْعُر بِعَمَل رَبِّنَا فِي حَيَاتِي وَدَعْوِتُه لِيَّ بِالتُّوبَة وَإِلْحَاحُه عَلَيَّ لَوْ عَرَفْنَا إِنْ مِنْ أهَمْ مَقَاصِد حَيَاتْنَا إِنْ الله أبْقَانَا إِلَى الأن إِلَى هذِهِ اللَحْظَة وَنَحْنُ أحْيَاء لِكَيْ نُكَمِّل تَوْبَتْنَا الله يَتَرَجَّى تَوْبَتْنَا بِالحَيَاة وَمَا الحَيَاة إِلاَّ فُرْصَة لأِسْتِجَابِة تَرَجِّي التُّوبَة زَكَّا إِسْتَجَاب زَكَّا إِسْتَجَاب قَبَلَهُ فَرِحاً رَبِّنَا عَايِز يِلْزِمْنَا أنْ نَعِيش مَعَاه رَبِّنَا عَايِز يُغْلِقٌ عَلِينَا دَوَائِر الشَّر عَشَانْ يِحْفَظْنَا رَبِّنَا يُرِيدْ أنْ يِأمِنَّا مِنْ شُرُور وَخَطَايَا كَثِيرَة إِحْنَا اللِّي نِسْعَى إِلَيْهَا فِي سِفْر هُوشَعْ يِقُول إِنْ فِيه إِمْرَأة زَانِيَة حَبِّت تُتْرُك الرَّجُل بِتَاعْهَا فَرَبِّنَا شَبِّه المَرْأة الزَّانِيَة بِشَعْبُه بِتُتْرُك الرَّجُل بِتَاعْهَا وَبِتَدَوَر عَلَى غِيرُه عَشَانْ تِعْمِل الغَلَط مَعَاه هذَا هُوَ حَال النَّفْس البَشَرِيَّة بِتُتْرُك عَرِيسْهَا وَتَبْحَث عَنْ الشَّر وَتَقْتَرِنْ بِغَيْرُه الله لاَ يَسْكُت يُكْمِل فِي سِفْر هُوشَع مَوْقِفْ ربِّنَا فَيَقُول ﴿ لِذلِك هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ وَأَبْنِي حَائِطْهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا فَتَتْبَعُ مُحِبِّيهَا وَلاَ تُدْرِكُهُمْ وَتُفَتِّشُ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَجِدُهُمْ ﴾ ( هو 2 : 6 – 7 ) رَبِّنَا عَايِز يِسَيِّج عَلِينَا فَيَقُول حَتَّى لَوْ إِنْتَ رَغَبْت أنَا هَاسَيِّج عَلِيك هَاجْعَل طَرِيقَك بِالشُوك وَأبْنِي حَائِط حَتَّى لاَ تَجِد مَسَالِكْهَا فَتَجِد مُحِبِّيهَا وَلاَ تُدْرِكَهُمْ تُفَتِّش عَلَيْهِم وَلاَ تَجِدَهُمْ ﴿ فَتَقُولُ أذْهَبُ وَأَرْجِعُ إِلَى رَجُلِي الأَوَّلِ لأِنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ لِي مِنَ الآنِ ﴾ رَبِّنَا يَتَرَجَّى التُّوبَة بِتَاعِتْنَا يُرِيد أنْ يُحَاصِرْنَا يُحَاصِرَك بِكَلِمَة بِآيَة يِسَيِّج طَرِيقَك يَضَعْ جُوَّاك إِشْتِيَاقَات إِسْتَجِيب وَتَجَاوَب مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا خَرَجُوا مِنْ أرْض مَصْر لِكَيْ يَذْهَبُوا لأِرْض كَنْعَان مَكَثُوا أرْبَعِين سَنَة تَائِهِينْ رَبِّنَا كَانْ لُه قَصْد مِنْ دَه المِشْوَار كُلُّه لَمْ يَأخُذ أكْثَر مِنْ ثَلاَثَة أسَابِيع لَوْ شَعَرُوا إِنْ الطَّرِيقٌ صَغِير أمَام أي صُعُوبَة كَانُوا يِرْجَعُوا الله أرَاد مِنْ ذلِك أنْ يَدْخُلُوا كُلُّهُمْ كَنْعَان وَلاَ يَرْجَع أحَدٌ فَيَقُول ﴿ لَمْ يَهْدِهِمْ فِي طَرِيقِ أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ مَعْ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ ﴾( خر 13 : 17) خَايِفْ عَلِيهُمْ لِئَلاَّ يَرْجَعُوا فَتَوِّهَهُمْ الله يَصِر عَلَى أنْ يِسَيِّج عَلِينَا الطَّرِيقٌ لِكَيْ لاَ نَرْتَد إِلَى الوَرَاء أبَداً هذَا هُوَ مَوْقِفْ رَبِّنَا يَسُوع أنْ أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك أنَا الدَّاعِي الكُلَّ لِلخَلاَص لأِجْل المَوْعِد بِالخَيْرَات المُنْتَظَرَة . مَوْقِفْ زَكَّا :- زَكَّا رَجُل غَنِي رَجُل رَئِيس عَشَّارِين سِمِعْ إِنْ يَسُوع رَايِح بَلَدُه فَكَانَ مُشْتَاقٌ جِدّاً أنْ يَرَى يَسُوع وَهذِهِ هِيَ بِدَايِة الطَّرِيقٌ بِدَايِة الحَيَاة مَعَ رَبِّنَا هُوَ الإِشْتِيَاق لاَزِم تِكُون نَفْسَك تَرَى يَسُوع نَفْسَك تَتَقَابَل مَعَاه نَفْسَك تَسْمَعُه مُشْتَاق جِدّاً أنْ تَتَلاَمَس مَعَهُ هذِهِ هِيَ البِدَايَة البِدَايَة هِيَ رَغْبَة مِنْ الدَّاخِل أمِينَة صَادِقَة لِكَيْ مَا أتَقَابَل مَعَ الْمَسِيح زَكَّا كَانْ مِتْضَايِق مِنْ حَيَاتُه فَلِذلِك كَانَ يُرِيدْ أنْ يَرَى يَسُوع عَشَانْ عَايِز طَرِيقٌ أفْضَل ؟ رُبَّمَا تِكُون سِمِعْت عَنُّه إِنُّه بِيِعْمِل مُعْجِزَات وَإِنُّه رَجُل فَاضِل وَإِنُّه قِدِيس رَايِح تَرَاه ؟ رُبَّمَا زَكَّا يُرِيدْ أنْ يُقَابِل يَسُوع فَوَجَدَ الطَّرِيقٌ مُزْدَحِم جِدّاً( عَوَائِقٌ ) بِالإِضَافَة إِلَى قِصَر قَامَتُه كَانَ هُنَاك عَوَائِق كَثِيرَة لكِنْ زَكَّا كَانَ عِنْدُه عَزْم فَمِشِي وَسَطْ الزَّحْمَة إِلَى أنْ وَصَل لِمَمَر الطَّرِيقٌ وَتَسَلَّقٌ الجِمِّيزَة زَكَّا كَانَ عِنْدُه ثَبَات عَزَم وَاللِّي وَضَعْ فِي قَلْبُه أنْ يَرَاه فَلاَبُدْ وَأنْ يَرَاه وَلكِنْ مَنْ الَّذِي يُرَاقِب هذِهِ الإِشْتِيَاقَات كُلَّهَا ؟ رَبِّنَا يَسُوع هُوَ اللِّي مِرَاقِبْ المَوْقِف كُلُّه هُوَ اللِّي مَعَاه أمْرِنَا هُوَ اللِّي يِعْرَف أعْمَاقْنَا الله اللِّي عَارِف خَفَايَا القَلْب رَأى إِسْتِعْدَادٌ زَكَّا زَكَّا غَلَبْ العَوَائِقٌ غَلَبْ الزَّحْمَة وَغَلَبْ قِصَر القَامَة وَصَعَد عَلَى جِمِّيزَة لِكَي يَرَى يَسُوع الآبَاء القِدِّيسِينْ يِقُولُوا إِنْ الجِمِّيزَة هِيَ مُمْكِنْ تِكُون كَلِمَة مَنْفَعَة مُمْكِنْ تِكُون كِتَاب رُوحِي مُمْكِنْ تِكُون شِرِيطْ عِظَة الإِنْسَان مُمْكِنْ يِكُون قَامْتُه الرُّوحِيَّة قَصِيرَة لاَ تُوْجَدٌ عِنْدِي إِسْتِعْدَادَات كَافِيَة تُؤهِلْنِي لِمُقَابَلَة الْمَسِيح الحَلْ هُوَ أنْ أجِدٌ شِئ يِرْفَعْنِي أبْحَث عَنْ وَسِيلَة لِكَيْ أرى بِهَا الْمَسِيح العِظَة وَسِيلَة لِكَيْ أرَى بِهَا الْمَسِيح الآبَاء القِدِّيسِينْ يُعَلِّمُونَا أنْ نُوَاظِبْ كَثِير جِدّاً عَلَى القِرَاءَة الرُّوحِيَّة ( جِمِّيزَة ) خِسَارَة الوَقْت يِضِيع وَأُمُور غِير نَافْعَة إِهْدَارٌ لِلوَقْت وَإِهْدَارٌ الوَقْت مَعْنَاه إِهْدَارٌ لِلعُمْر وَإِهْدَارٌ العُمْر مَعْنَاه خَطْوَة لِلجَحِيم لِذلِك إِصْعَدٌ عَلَى جِمِّيزَة لِكَيْ تَرَى يَسُوع مَا أجْمَل أنْ تَرَى يَسُوع بِوُضُوح مَا أجْمَل أنْ يَتَلاَقَى زَكَّا مَعَ رَبَّ زَكَّا جَمِيلٌ هذَا المَوْقِفْ لِذلِك رَبِّنَا يَسُوع نَادَاه بِإِسْمُه فَفَرِحَ زَكَّا جِدّاً فِي وَسَطْ الزِّحْمَة رَبِّنَا وَاخِدٌ بَالُه مِنْ زَكَّا هُوَ يَعْلَم الإِشْتِيَاق وَيُكَمِّل النَّقَائِص وَيَسْنِد الضَّعْف الله يُرِيدَك يَنْبَغِي أنْ أمْكُث فِي بِيتَك نَزَلْ زَكَّا بِسُرْعَة وَأخَذَ رَبِّنَا يَسُوع فِي بِيتُه مَعْقُول هذَا المَوْكِب العَظِيمْ يِنْتِهِي فِي بِيتِي أنَا ؟!! إِبْتَدأ حِلْم زَكَّا يِتْحَقَّقٌ فَابْتَدأ يُدْخُل بِيتُه فَقَبَلَهُ فَرِحاً لِذلِك الثَّلاَث خَطَوَات مُهِمِينْ جِدّاً فِي زَكَّا وَهُمَّ :- 1- الإِشْتِيَاق جَعَلَهُ يَتَحَدَّى العَوَائِقٌ . 2- القَبُول قَبَلَهُ فَرِحاً . 3- التَّغَيُّر وَالتَّحَوُّل الفِعْلِي . زَكَّا لَمْ يَلْتَزِم بِحُدُودٌ الشَّرِيعَة وَهيَ إِنْ الشَّخْص الَّذِي يَظْلِم أحَداً يَرُدٌ أرْبَعَة أضْعَاف لكِنْ زَكَّا أعْطَى نِصْف أمْوَالُه لِلفُقَرَاء مُقَابَلَة الْمَسِيح تُفْطُمَك عَنْ كُلَّ مَا قَدْ سَبَقٌ فَآسَرَك مُقَابَلَة الْمَسِيح تَخْلَع مِنَّك أهْوَائَك القَدِيمَة إِنَّهُ زَعْزَع صُخُور الأوْجَاع المُضَادَّة وَهَدَّى أمْوَاج الشَّهوَات الثَّقِيلَة كُلَّ مَا تَحَدَّانَا فِيهِ العَدُو وَسَبَانَا فِيهِ مُجَرَّدٌ مُقَابَلَة الْمَسِيح تُزِيل هذِهِ الأوْجَاع هذَا هُوَ التَّحَوُّل الفِعْلِي المُقَابَلَة مَعَ الْمَسِيح تُغَيِّر الإِنْسَان وَجَدْنَا التَّغَيُّر حَصَل يَا لِفَرْحِة رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح بِهذَا اللِقَاءإِنْ كَانْ زَكَّا فِرِح بِهذَا اللِقَاء فَرَبِّنَا يَسُوع فِرِح بِهِ أكْثَر جِدّاً بِمَا لاَ يُقَاس رَبِّنَا يَسُوع مِنْتِظِر تَغَيُّرْنَا التَّغَيُّر مُسْتَحِيل بِدُون لِقَاؤُه مُسْتَحِيل أنْ تَحْمِل شَهَوَات المَاضِي وَكُلَّ مَا عَاقَ قَلْبَك دُونَ أنْ تَلْقَاه أنْ تَلْقَاه بِاشْتِيَاقٌ وَبِقَبُول وَبِتَحَوُّل لِذلِك لاَ أسْتَطِيع أنْ أغْلِب بِدُون مَا أرَاه الفِعْل وَالتَّغَيُّر الفِعْلِي شَرْط يُلاَزِم اللِقَاء لِذلِك وَجَدْنَا الَّذِينَ رَأُوا تَذَّمَرُوا قَائِلِينْ أنَّهُ دَخَلَ إِلَى بَيْت رَجُل خَاطِئ لِيَسْتَرِيح ( لو 19 : 7 ) رَبِّنَا يَسُوع وَزَكَّا بِيْفَكَّرُوا فِي إِتِجَاه وَالجُمُوع بِيْفَكَّرُوا فِي إِتِجَاه آخَر وَجَدْنَا رَبِّنَا يَسُوع بِيْقُول اليُّوم صَارَ خَلاَصٌ لِهذَا البَيْت إِذْ هُوَ أيْضاً إِبْن لأِبْرَاهِيم ( لو 19 : 9 ) إِبْن البَشَر جَاءَ لِيُخَلِّص مَا قَدْ هَلَك ( لو 19 : 10) لِقَاء رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لاَبُدْ وَأنْ يَصْحَبُه تَغْيِيرلاَبُدْ وَأنْ يَصْحَبُه قَطْع لِلأهْوَاء وَالشَّهوَات القَدِيمَة كُلَّ مَا سَيْطَر عَلِينَا العَدُو فِيهِ وَنَجَح فِي أنْ يُكَبِلْنَا بِهِ مِنْ مَحَبِّة شَهْوَة أوْ مَحَبِّة عَالَمْ أوْ مَحَبِّة كَرَامَة أوْ مَحَبِّة لَذَّة تَجِدٌ رَبِّنَا يَحْمِلُه بِسُهُولَة وَيَرْفَعُه عَنَّك بِقُّوَتُه وَبِنِعْمِتُه زَكَّا يَتَقَابَل مَعَ رَبِّنَا يَسُوع يَتَغَيَّرمُعَلِّمْنَا مَتَّى يَتَقَابَل مَعَهُ يَتَغَيَّر مُعَلِّمْنَا بُطْرُس يَتَقَابَل مَعَاه يِتْغَيَّرهذِهِ سِمِة اللِقَاء بِرَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لَوْ تَقَابَلْت مَعَ رَبِّنَا يَسُوع وَلَمْ تَتَغَيَّر يُبْقَى اللِقَاء فِيه حَاجَة غَلَطْ يُبْقَى إِنْتَ لَمْ تَنْظُرُه بِعِينْ الإِيمَان يُبْقَى عَزِيمْتَك مِشْ ثَابْتَة يُبْقَى الأهْوَاء غَلَبِتَك لِذلِك تُطْلُب مِنُّه إِنْ بِنِعْمِتُه هُوَ وَبِقُّوِتُه هُوَ يِجْعَلَك تَلْقَاه وَهُوَ القَادِرٌ أنْ يُغَيِّرَك رَبِّنَا يِفَرَّح قُلُوبْكُم وَيُكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسنِد كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه وَلإِلهْنَا المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
06 يونيو 2022

القیامة والشباب

القیامة ھى تدفق قوة الفداء المحییة، وعلامة على قبول الآب لذبیحة الصلیب. ١- القیامة ھى فیض الحیاة الإلھیة المقدمة لنا فى المسیح یسوع. ٢- وھى ھزیمة لمملكة الموت بدخول سید الحیاة إلیھا.. "نزل إلى الجحیم وسبى سبباً" (أف )، والسید المسیح بالصلیب بلغ قمة التخلى والطاعة والعطاء. ٣- مجد اللاھوت كان فى المسیح، وھو فى الجسد، ولكنه كان فى الظاھر یعطش ویجوع وینام، وقد ظھر مجد اللاھوت فى القیامة المجیدة. 4- صورة القیامة ظھرت بطریقة جزئیة فى التجلى (مت ١:١٧- ٩) و (لو ٢٨:٩ )، ثم فى الصورة النھائیة... جسد القیامة الممجد. ٥- الصلیب كان یحمل قوة القیامة؛ وكانت آلة العار، ھى طریق المجد والظفر (كو ١٤:٢-١٥ ). وفى الصلیب سحق الرب الشیطان وداسه تحت قدمیه. بركات القیامة: ھى تحریر للبشریة من الخطیة، فقد واجه یسوع الشیطان وحطمه وخلص البشریة، وأقامنا معه (أف ٦:٢ ). وزرع فى الإنسان طاقة القیامة، وقوة الحیاة التى لا یھزمھا موت الخطیة كما نصلى فى القداس: "ولا یقوى موت الخطیة ولا على كل شعبك" (القداس الإلھى). القیامة والشباب: ١- القیامة تحررنا نحن الشباب من عقدة الخوف من الخطیة، لأن المسیح بطل الخطیة بذبیحة نفسه، وبقیامته أبطل عز الموت،وأعطانا بالإیمان شركة حیاتھ فى جسده ودمھ، أن نستمتع بقوة قیامته مانحاً إیانا طاقة متجددة. ٢- القیامة تعطینا رجاء دائماً لأننا مولودین ثانیة بالمعمودیة، لرجاء حتى بقیامة یسوع من الأموات. وصار لنا ثقة فى أن كل ظلمة صلیب حتما یبعھا نور القیامة، وأن یسوع فى كل آلامه، تألم مجرباً، لكى یعین المجربین (عب ١٨:٢). ٣- القیامة تضمن لنا حیاة النصرة، ولیس ھذا معناه عدم وجود ضعف، ولكن لا یحدث عودة إلى الخطیة، ما دام المسیح القائم یحل فى القلب ویملك الحیاة. وأن ضعفت أقول: "لا تشمتى بى یا عدوتى أن سقطت أقوم" ( میخا ٨:٧ ) النصرة لیس العصمة، بل عدم البقاء فى الضعف، والثقة فى قوة المسیح الذى ھزم الموت، وأعطانا القیامة، وأقامنا معه. ٤- اختبار قیامة المسیح فى حیاتنا یعطینا نحن الشباب حیاة السلام والفرح، بدلاً من القلق والاضطراب. فالتلامیذ "فرحوا إذ رأوا الرب" (یو ٢٠:٢٠ )، ونزع الھم من قلوبھم، لأننا نلقى بھمومنا بثقة على الرب یسوع، الذى بذل ذاته لأجلنا، وھو یعولنا ویھتم بنا. ٥- القیامة تحررنا من الاھتمام بالغد، فنحن الشباب یشغلنا الماضى بذنوبه وآلامه، ویقلقنا المستقبل. ولكن القیامة تعطینا بالمعمودیة،أن نصیر خلیقة جدیدة، "فالأشیاء العتیقة قد مضت" وأثق بأننى حینما اعترف بتوبة صادقة بخطایاى، فسوف یغفرھا لى المسیح الذى أحبنى. وھكذا أحیا فى ملء التسلیم، فلا أھتم بالغد، بل ألقى حیاتى فى حضن الرب یسوع بثقة البنین. ٦- القیامة تحررنا من الشك والریبة فالرسول توما إذ أراه المسیح جنبه، سآمن، ونحن یمكن أن تكون لنا شركة قویة مع المسیح من خلال:- أ- نوال نعمة الغفران فى الاعتراف والتحلیل. ب- سكنى المسیح بجسده ودمه فى القلب، فى سر الأفخارستیا. ج- شركة كلمة الإنجیل التى تحرر النفس والذھن. د- أخذ قوة فى الصلاة بإیمان. ھ- السلوك بتدقیق ومحاسبة النفس فى دور وصیة الإنجیل. بھذه الخطوات جمیعھا سوف تصیر حیاتنا بكاملھا للرب، لكى یستخدمھا لمجد اسمه، ویرتب كل شئ بحكمته. تطبیقات : واظب على صلاة باكر التى تتذكر فیھا قوة القیامة وفعلھا. لیكن لیوم الأحد انطباعه الخاص، سواء بالاشتراك فى القداس والذبیحة، أو على الأقل المرور على الكنیسة مع صلاة قصیرة، طبعاً مع ضرورة الانتظام فى القداس الذى یناسب مواعیدك. كلما تعثرت فى خطیة، قم سریعاً وصلى، فھذه قیامة جدیدة! نیافة الحبر الجليل الانبا موسى أسقف الشباب
المزيد
04 أغسطس 2022

شخصيات الكتاب المقدس عيسو

عيسو "فباع بكوريته ليعقوب..." مقدمة تعد قصة من أعجب القصص وأغربها أمام الذهن البشري!!.. أليست هي القصة التي يقف الإنسان فيها حائراً أمام الاختيار الإلهي: "لأنه وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيراً أو شراً لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو قيل لها أن الكبير يستعبد للصغير كما هو مكتوب "أحببت يعقوب وأبغضت عيسو".. بل أليست هي القصة التي أثارت الصراع الدفين بين عقل إسحق أبيه وقلبه؟.. وقد بلغ هذا الصراع ذروته، يوم طلب إسحق من عيسو أن يتصيد له صيداً ويجهزه ليدرك أن أخاه سبقه إلى أخذ هذه البركة، وإذ تبين إسحق ما فعل الصغير: "فارتعد إسحق ارتعاداً عظيماً جداً وقال فمن هو الذي اصطاد صدياً وأتى به إليَّ فأكلت من الكل قبل أن تجيء وباركته. نعم ويكون مباركاً".. لقد ثاب إسحق إلى رشده وأدرك أنه بارك، من خصصت له بركة السماء دون ذاك الذي أوشك أن يأخذ البركة، وهو مرفوض، بمجرد العاطفة المتحيزة الأبوية.. إن عيسو هو الابن الثاني في مثل المسيح القائل: "ماذا تظنون كان لإنسان ابنان فجاء إلى الأول وقال يا ابني اذهب اعمل اليوم في كرمي، فأجاب وقال ما أريد ولكنه ندم أخيراً ومضى، وجاء إلى الثاني وقال كذلك.. فأجاب وقال: ها أنا يا سيد، ولم يمض".. كان عيسو حسب الظاهر أفضل من يعقوب بما لا يقاس، ولكنه في الحقيقة أتعس وأشر،.. كان الظاهر فيه هو الذي جعله أدنى إلى قلب أبيه وأحب، ولكن وازن القلوب أدرك طبيعته الدنسة الشريرة الملوثة الخربة، ومن ثم رفضه، وقدم عليه الصغير المختار، وهل لنا بعد هذا كله أن نتأمل الرجل الذي يصلح أن يكون نموذجاً عظيماً "للرجل العالمي" على العكس من الآخر الذي أحبه الله، وطهره من الشوائب المتعددة التي لحقت بقصته وحياته،. ومن ثم يمكن أن نرى عيسو من الجوانب التالية: عيسو ذو المظهر الرائع من المؤكد أنك ستفتن به وتحبه، عندما تتطلع إليه لمظهره الخلاب،.. ومن المؤكد أنك ستحبه، كما أحبه أبوه إسحق لما يبدو عليه من جلال الصورة، وجمال المنظر،.. ومن المؤكد أنه كان شيئاً يختلف تماماً في الصورة عن أخيه الأصغر، فهو أشعر بفروة حمراء، متين العضلات، رائع البنيان،.. لو أنه ظهر في أيامنا لكان من أولئك الذين يمكن أن يدخلوا مع العالم في مباريات كمال الأجسام، أو الملاكمة، أو المصارعة، أو ما إلى ذلك من صور يعتز بها من كان البنيان الجسدي عندهم، هو أهم ما يملكون أو يفضلون في هذه الحياة، ومن المؤكد أن قوته البدنية كانت كافية لأن يصرع بها أخاه، عندما فكر أن ينتقم منه، لتعديه عليه في البركة وسلبها منه، كما فعل بالخداع والختال والمكر عندما أخذ البكورية أيضاً.. ومن المؤكد أنه كان سريع الحركة، بطلاً في العدو وهو يجري وراء الحيوانات في الأحراش والغابات يحمل قوسه وسهمه،.. ويصرعها ويحملها على منكبيه، ليهييء منها طعاماً لنفسه وأبيه الذي كان يؤخذ بعظمة ابنه الصياد وما يصطاد من حيوانات شهية دسمة، دون أن يطيش سهمه، وترجع قوسه خائبة إلى الوراء،.. ومن المؤكد أنه كان جذاب المنظر، مهيب الطلعة، يقف نداً للحثيين وغير الحثيين الذين يخشون بطشه فيما لو حاول أحدهم التصدي على بيته الكبير وأسرته العظيمة.. ومن المؤكد أن بنات حث اللواتي تزوج منهم أكثر من واحدة، كن يعجبن به، وتشتهي كل أنثى فيهن أن تكون زوجته أو حبيبته على حد سواء.. ومن المؤكد أنه أكثر من أخيه مروءة وشهامة،.. ولو أن أخاه عاد جائعاً من الحقل، ووجد عنده صيداً، وسأله طعاماً، لأعطى لأخيه من أشهى ما عنده دون أن يطلب ثمناً أو ينتظر مقابلاً،.. وهل لنا أن نراه في كل هذا الإنسان البشوش الضاحك، إنسان المجتمعات الذي يتعلق بالآخرين، ويتعلق الآخرون به، والذي يربط نفسه بصداقات متعددة، حتى أن أربعمائة على استعداد أن يلبوا إشارته عند أقل طلب، بل على استعداد أن يقاتلوا في سبيله ومن أجله، في أي معركة يدفعهم إليها!!.. وهل تتعجب بعد هذا من حب إسحق له وولعه به وكلفه بشخصه، وميله العميق من أن يعطيه البركة رغم أن الوعد بها للأخ الأصغر،.. وهل تتعجب لمن يملك مثل هذه الخلال الصفات من الرجولة والشهامة والكرم والحركة والقوة والشجاعة، كيف لا يأخذ مكانه الطبيعي دون أن يسلب من أخ مهما يكن شأنه، فهو أضأل وأصغر فيها جميعاً من كل الوجوه!!.. على أي حال أن عيسو هو أروع النماذج والصور "لإنسان العالم"، والذي قد يعتبر في كثير من النواحي البدنية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية من يصح أن نطلق عليه "إنسان الله"!!.. عيسو ذو الداخل الخرب إذا كان عيسو على هذا المظهر الرائع الخلاب، فكيف يمكن أن يقال أن الله أبغضه وأحب يعقوب؟!! وهنا نحن نقف أمام الحقيقة العظيمة، التي أدركها فيما بعد صموئيل النبي، وهو يتحدث عن الملك المختار لإسرائيل من بين أبناء يسى البيتلحمي، إذ قال له الرب: "لا تنظر إلى منظره وطول قامته، لأني قد رفضته لأنه ليس كما ينظر الإنسان. لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب".. وفي الحقيقة أن عيسو كان خرب الحياة والقلب أمام الله، وإذا صح أن نصفه فلا يمكن أن وصفاً أدق أو أبرع من وصف المسيح للكتبة والفريسيين في أيامه، إذ كانوا يشبهون القبور المبيضة التي تظهر من الخارج جميلة، وهي من الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة!!. عيسو الخرب في العلاقة بالله كان عيسو يمثل الإنسان العالمي‎، الخرب العلاقة بالله، وصف كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "مستبيحاً" والكلمة في أصلها اللغوي: تعني الرجل الذي لا "قدس" في حياته،.. أو في لغة أخرى: هو الرجل الذي يعيش في الدار الخارجية، ولا قدس أو قدس أقداس في حياته، الرجل الذي غاب عن الله، وغاب الله عن حياته، فلم يمنحه النعمة التي تلمس قلبه، وتفتحه على العالم غير المنظور، سأل أحدهم هذا السؤال: ألا يوجد ملحدون يبرزون الكثيرين من المؤمنين في صفاتهم ومزاياهم وأخلاقهم في الجوانب الكثيرة من الحياة، فهل هم أفضل عند الله أو الناس من هؤلاء المؤمنين؟!!.. وجاء الجواب: قد يكون هذا صحيحاً، ولكن أضعف مؤمن عند الله، أعظم بما لا يقاس من أي ملحد، مهما تسلح هذا الملحد، بالكثير من المظاهر الخلقية في الحياة!.. ولعل أكبر دليل على ذلك الحيوان نفسه، فإن في الغرائز الحيوانية ما هو أسمى من الإنسان وأجمل وأعظم،.. فمن له شجاعة الأسد؟، أو وداعة الحمام؟ أو وفاء الكلب؟، ولكن الأسد؟ والحمام والكلب –مع هذا التفوق الغريزي- لا يمكن أن يفضل عن الإنسان، لأن الإنسان يملك إلى جانب هذه الصفات: الضمير الذي يؤكد له أن هذه الصفات عطية من الله له، وأنه إذ يستخدمها، إنما يستخدمها كعطية من الله، على العكس من الحيوانات التي لا تعرف شيئاً كهذا ولا تستطيع أن ترد فضل الله بالشكر لأنه أعطاها مثل هذه الصفات!!.. وهذا حال الملحد الذي قد يفعل في كثير من المواطن بالغريزة ما لا يفعله الكثيرون من المؤمنين، فهو مرات أكثر دقة وتعففاً وسمواً دون أن يملك إلى جوارها جميعاً الإحساس بأنها نعم الله في حياته، وأنه يعطي مما أعطاه الله وهو لا يدري،.. على العكس من المؤمن الأضعف، ولكنه الأسمى إحساساً بعطايا الله، والشكر على هذه العطايا والنعم،.. كانت الضربة القاتلة لعيسو أنه ابن الموعد بدون ميراث، وابن المذبح بدون ذبيحة، والابن الذي كان يمكن أن يكون شديد التعلق بالله،.. ولكنه كان وثنياً من هامة الرأس إلى أخمص القدم.. إذ رضى لنفسه أن يكون خرب العلاقة بالله، لا يستيقظ على موعد صلاة، أو يترنم في الغابة أو البيداء لإله، أو يعيش مستمعاً لكلمات أبيه إسحق عن الله!!.. كان عيسو الإنسان الذي يصح أن يقال عنه: بلا إله!!.. عيسو بائع البكورية مثل هذا الإنسان لا معنى للبكورية عنده، إذ هو أعمى عن جميع القيم الروحية في الحياة،.. كان الإنسان البكر هو سيد العائلة وممثلها أمام الله، وهو كاهنها الذي يتقدم بالذبائح نيابة عنها أمام المذبح الإلهي وهو الذي يصلي معها ولها ويباركها بما يأخذ من بركات الله، وهو الذي يرث في المستقبل بعد أبيه نصيب اثنين مما يملك،.. ولكن جميع القيم الروحية كانت بلا معنى أو مذاق أمام عيسو وهو مغلق العين والقلب بالنسبة لها جميعاً، وأقل ما في الحاضر أفضل من كل ما ينتظر في المستقبل، وعصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة،.. ومن ثم كانت البكورية لا معنى لها ما دامت ترتبط بمستقبل قريب أو بعيد،.. وعندما عرض عليه أن يبيع البكورية بطبق من عدس، كان الطبق أفضل بما لا يقاس وهو يعي عن كل بركات البكورية في المستقبل، وباع عيسو بكوريته بأكلة عدس!.. ومع أن الإعياء قد يكون واحداً من الأسباب التي شجعت عيسو على هذه الصفقة القاسية الخاسرة، إلا أنه بالتأكيد ليس السبب الأول،.. لقد باع عيسو في سره، كما يقول الكسندر هوايت البكورية آلاف المرات، لقد كانت حقيرة في عينيه قبل أن يعرض عليه أخوه ثمنها البخس الغريب!!.. وما يزال عيسو إلى اليوم أبا لكل بائع لبكوريته بمثل هذا الثمن التافه الحقير!!.. هل تتوقف معي للبكاء على الرجل الذي باع هذا الامتياز بمثل هذا الثمن الغريب؟.. وهل تسير معي في درب الحياة لكي نقف عند كل واحد من أبنائه المنكوبين بهذه الضربة القلبية القاسية؟!!.. كم من شاب أضاع عفته، وفقد بكوريته بمتعة وقتية قبيحة لا تلبث أن تنتهي لذتها ونكهتها بانتهاء مذاق العدس الأحمر في فم عيسو القديم،.. وكم فتاة فقدت طهارتها وامتيازها إذ باعت في لوثة جنون أعز ما تملك، ثم عاشت بعد ذلك تعض بنان الندم!!.. لم يقف عيسو في الانحدار عند حد، وبائع البكورية سيفقد معها كل شيء، وقد انفتح طريق الانحدار أمام عيسو بلا توقف أو نهاية، فهو لا يرى بأساً من مخالطة الوثنيين أو إدخالهم حياته وبيته وعائلته، ورأى إسحق ذات يوم، وإذا يهوديت ابنة بيري الحثي وبسمة بنت إيلون الحثي تقحمان عليه البيت وتضحيان كنتين إذ جاء بهما عيسو زوجتين تدخلان بما فيهما من الشر والوثنية إلى عقر داره، وعانى إسحق ورفقة ما عانيا، من هذه الوثنية الشريرة داخل البيت،.. ولم يقف عيسو عند هذا الحد، بل كان زانياً بكل ما تحمل الكلمة من معناها الحرفي!!.. كان عيسو في الحقيقة حيواناً في صورة إنسان، ومهما يكن جسمه الأشعر وفروته الحمراء، فهو على أي حال حيوان كالدب القطبي الجميل الفروة، مهما تسليت بمنظره أو حدقت الرؤية في شكله فهو أولاً وأخيراً حيوان، وحيوان متوحش، حتى ولو كان جميل المنظر، غزير الفروة، رائع البنيان!!.. عيسو فاقد البركة علم إسحق –ولاشك- بالصفقة بين ولديه، وتبادل مركز البكورية بالقسم بينهما، وكان ولا شك أسبق علماً بالنبوة الخاصة بكليهما، عندما قال الرب لرفقة: "في بطنك أمتان ومن أحشائك يفترق شعبان، شعب يقوى على شعب، وكبير يستعبد لصغير" وكان من الطبيعي –والحالة هكذا- أن يعرف إسحق، من هو صاحب البركة والمستحق لها،.. غير أن إسحق كما أشرنا في الصراع بين عقله وعاطفته، استجاب للنداء العاطفي دون نداء العقل والحكمة والصوت السماوي،.. ولا نستطيع أن نفسر معنى القول: "فارتعد إسحق ارتعاداً عظيماً جداً وقال فمن هو الذي اصطاد صيداً وأتى به إليَّ فأكلت من الكل قبل أن تجيء وباركته. نعم ويكون مباركاً" دون أن ندرك أنه في تلك اللحظة التي صعق فيها بما حدث، ثاب إلى رشده، وأدرك أنه مهما تكن عواطفه فإن مشيئة الله أصدق وأحق وأعظم،.. ولهذا صاح في مواجهة بكره: "نعم ويكون مباركاً".. وهنا صرخ عيسو صرخته المرة الأليمة، وأدرك فداحة ما ضاع منه، ولم تكن صرخته تعبيراً عن التوبة الحقيقية لما أضاع بحماقته واستباحته، أو رجوعاً عن الحياة الملوثة التي يتمرغ فيها، أو اقتراباً إلى الله العلي الذي جهله ونسيه أياماً بلا عدد، بل هي نوع من الإحساس بالخسارة التي يحس بها المجرم إذا سجن، والمريض إذا سقط فريسة مرضه المتولد عن الخطية، أو التلميذ الذي يرسب في الامتحان نتيجة إهماله وعدم مذاكرته، أو ما أشبه، دون أن تتحول إلى تغيير الحياة والنهج والأسلوب، ويكفي أن تسمع أنه كان يصرخ لأبيه أن يعطيه بركة ولو صغيرة إلى جانب ما استأثر به أخوه من بركات جليلة مجيدة عظيمة!!.. ولعله من الملاحظ أن الشراح وهم يفسرون قول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "فإنكم تعلمون أنه أيضاً بعد ذلك لما أراد أن يرث البركة رفض إذ لم يجد للتوبة مكاناً مع أنه طلبها بدموع ".. اختلفوا في المقصود بالتعبير: "طلبها بدموع" فرد البعض إلى البركة وليس إلى التوبة آخذين القرينة مما جاء في سفر التكوين، إذ لم تكن صرخة عيسو هناك تعبيراً عن توبة، بل كانت حزناً على خسارة وضياع أصاباه بقسوة بالغة فيما لم يكن قد تنبه إليه سابقاً بفطنة أو تأمل أو وعي،.. وهل كانت صخرة فرعون إلى موسى وهرون توبة عندما قال: "أخطأت إلى الرب إلهكما وإليكما، والآن أصفي عن خطيتي هذه المرة فقط".. لقد كانت رعباً من الضربات المتلاحقة، دون أدنى إحساس بالاتجاه الصحيح أمام الله، وهل كانت صيحة شاول بن قيس تعبيراً عن التوبة، عندما قال لصموئيل: "أخطأت لأني تعديت قول الرب وكلامك لأني خفت من الشعب وسمعت لصوتهم" بقدر ما هي أسى وأسف لقضاء الرب الذي حكم به عليه؟.. إن التوبة الصحيحة أمام الله هي التي ينظر الإنسان فيها إلى الإساءة إلى الله ومجده، قبل أن يراه نوعاً من الخسارة البشرية في شيء، ولذلك قال داود معبراً عنها في خطيته الكبرى: "إليك وحدك أخطأت والشر قدام عينيك فعلت".. لكن هذ لم يكن عند عيسو أو معروفاً لديه،.. وقد شجع هذا الشراح الآخرين إلى أن يردوا الكلمة إلى التوبة، ولكنها ليست توبة عيسو، بل هي بالأحرى توبة إسحق التي لم تستطع دموع عيسو أن تغير فكره واتجاهه، بعد أن ارتعد ارتعاداً عظيماً، لأنه أدرك أنه كان موشكاً أن يقع في أقسى خطأ لو أنه أعطى البركة لعيسو، وهي معطاة من الله للابن الآخر الأصغر!!.. وهو إذ يقف من ابنه الصارخ الباكي لا يستجيب على الإطلاق لبكائه ودموعه، إذ كان قد تاب عن الفعل الذي رتب أن يفعله مخالفاً المشيئة الإلهية العالية، ومن ثم نراه يصيح وهو يتمشى وراء هذه المشيئة العظيمة: "نعم ويكون مباركاً".. وأياً كان اتجاه هذا التفسير أو ذاك،.. فإن العلامة الأساسية في كل توبة، هو تحول الاتجاه الكامل عن الماضي، الأمر الذي لم يحدث في حياة عيسو من قرب أو بعد، والذي سار في طريقه البشع إلى النهاية، مما أخرجه تماماً من كل بكورية أو بركة، كانت أساساً له، ثم فقدها بما عاشه من حياة الاستباحة والزنا والبعد المتوالي عن الله في أرض الوثنية والشر!!. عيسو والمصير التعس وأي مصير تعس أكثر من أن يوصف بأنه الإنسان الذي يبغضه الله: "وأبغضت عيسو".. وهل يمكن أن تحل كارثة إنسان أكثر من أن يكون مكروهاً من الله،.. ما أوسع الفرق بين مشاعر الله ومشاعر الناس خطاة كانوا أو قديسين، هذا الرجل الذي أحبه الحثيون والذي سار وراءه أربعمائة رجل، يرون فيه فخر الرجال ومجدهم وعظمتهم،.. هذا الرجل الذي فتنت به الحثيات، وتطلعن إليه كما يتطلع العالم إلى الأبطال والجبابرة والعظماء،. هذا الرجل الذي أحبه أبوه من جماع قلبه، وكان يرى فيه صورة متلالئة مضيئة للرجولة والبهاء والعظمة،.. هذا الرجل بعينه كان مكروهاً وممقوتاً ومبغضاً من الله، أيها الشاب!!.. أيها الشابة: هل عرفتما السر في ذلك؟ كان ذلك لأن عيسو كان موجوداً أمام العالم، ولكنه ميت أمام الله،.. وكان ممدوحاً من البشر، وهو والقيء سواء عند الله،.. وأنت أيها الشاب، وأنت أيها الشابة: احذرا من أن يبيع واحد منكما بأي ثمن بكوريته وامتيازه، وبركته وحياته ومجده أمام الله العلي، احذرا أن تريا الأحمر في طبق عدس أو حفل ماجن، أو رقصة خليعة، أو شرود هناك أو هنا من صور التجارب المختلفة في الأرض فتعزيا بالباطل، وتدفعا أقسى ثمن إذ تطيحا بنقاوتكما وبكوريتكما وبركتكما!!.. لم يكن عيسو ضياعاً لنفسه وحده، بل كان أكثر من ذلك أصل مرارة، يصنع الضياع والانزعاج والمرارة في حياة الآخرين،.. ومن الناس من يكون نبعاً صالحاً يرتوي، ويروي غيره من الناس بالماء العذب القراح،.. ومن الناس من يكون على العكس نبع مرارة لا ينتهي لنفسه وجيله وعصره وأجيال أخرى تتعاقب وتأتي في أثره، وكان عيسو كذلك،.. ولا تحسبن عيسو –وهو يقود أربعمائة رجل وهو بمثابة الزعيم- إنه كان سعيداً، كلا وألف كلا، فإن الذي ينحرف عن خط الحياة الإلهي، والذي يحتقر البكورية والبركة، والذي يتمشى على رأس الناس في العالم، يمكن أن يأخذ كل شيء، ولكنه لابد أن يأخذ كأس العلقم والافسنتين والمرارة جزاءاً وفاقاً للبعد عن الله، لأنه لا سلام قال إلهي للأشرار،.. وعيسو الذي أدخل يهوديت وبسمة إلى بيت أبيه وأمه، فكانتا كلتاهما مرارة لإسحق ورفقة لابد أنه أدخل المرارة لا إلى بيته فحسب الذي لم يعد يعرف هدوءاً أو أمناً أو سلاماً، بل مد المرارة إلى كل من عاشره أو اتصل به أو تعاقب بعده، وهل يمكن لإنسان أبغضه الله، وحلت لعنة القدير عليه بعد أن فقد بركته إلا أن يكون كذلك؟.. عندما رفع عيسو صوته أمام أبيه وبكى وأخذ إسحق يبحث له عن بقايا من بركة هنا أو هناك: "قال له هوذا بلا دسم الأرض يكون مسكنك، وبلا ندى السماء من فوق. وبسيفك تعيش ولأخيك تستعبد. ولكن يكون حينما تجمح أنك تكسر نيره عن عنقك".. وهكذا عاش أدوم في الصراع لأجيال طويلة مع شعب الله، حتى سمع القول الإلهي الرهيب المخيف: "من أجل ظلمك لأخيك يعقوب يغشاك الخزي وتتعرض إلى الأبد يوم وقفت مقابلة يوم سبت الأعاجم قدرته ودخلت الغرباء أبوابه وألقوا قرعة على أورشليم كنت أنت أيضاً كواحد منهم.. كما فعلت يفعل بك. عملك يرتد على رأسك".. أيها الشاب.. أيتها الشابة: احذرا من بيع البكورية، وفقد البركة، والطريق الذي سلكه عيسو فانتهى به إلى الكارثة والضياع والخراب الأبدي!!..
المزيد
13 أكتوبر 2022

شخصيات الكتاب المقدس يعقوب

يعقوب "لا يدعى اسمه فيما بعد يعقوب بل إسرائيل.." مقدمة ربما لا يجد المرء وصفاً أبلغ وأقسى، وأقطع من وصف أحدهم ليعقوب عندما قال: "كان مع أبيه شيطان مع ملاك، وكان مع أخيه شيطاناً مع إنسان، وكان مع خاله شيطان مع شيطان"ومن عجب أن يجد هذا "الشيطان" طريقه إلى الله، وإلى الحياة المباركة المقدسة، ومن عجب أن يتغير اسمه من "يعقوب" أو المتعقب الذي أمسك بعقب أخيه من بطن أمه، إلى "إسرائيل" أمير الله أو المجاهد مع الله،.. إن قصة يعقوب تعطي الرجاء أمام الخطاة الذين أوغلوا في خطاياهم، وأمعنوا في آثامهم وشرورهم، لكي يعودوا مرة أخرى أمراء أمام الله، أو المجاهدين الناجحين.. وإذا كان الناس في الموازنة مع إبراهيم واسحق ويعقوب، يرون أنهم أدنى وأقرب في غالبيتهم مع هذا الأخير، فإن هذه الغالبية –إذا كانت تسر بقول الله-: أنا إله إبراهيم واسحق ويعقوب، فإنهم أكثر طرباً وبهجة وسروراً، وهم يتوقفون عند القول: "إله يعقوب".. وإذا كان مكتشف المعادلة كما يصفه أيوب: "ينقب في الصخور سرباً وعينه ترى كل ثمين"، وإذا كان الباحث في الصحراء يجد المعدن النفيس تحت أطباق الصخور والرمال، ‎.. فإن عين الله هي التي تكتشف القديس والعظيم والناجح والقوي خلف الخاطيء والحقير والفاشل والضعيف، وهي التي صنعت إسرائيل من يعقوب، وتصنعني وتصنعك من خلف الطين والوحل والقمامة والزغل الذي اختلط بحياتنا على هذه الأرض!!.. ومن ثم فإنه من أهم الأمور أن ننطلق وراء الفخاري الأعظم، وهو يعيد مرة أخرى الوعاء الذي فسد، لنرى ما صنع الله بيعقوب ومعه!!.. يعقوب من هو؟!! هذا الرجل العجيب بدأ حياته مجموعة من الشر والإثم، والضعف والخطية، ولو أنها نعمة الله التي انتشلته لكان غريباً جداً أن يكون هذا الإنسان ابن الموعد وسر البركة!!.. يعقوب الأناني لم يكن يعقوب أنانياً فحسب، بل كان مهندساً بارعاً في حياة الأنانية التي عاشها في صدر الشباب، فهو أناني مع أخيه، وأناني مع زوجته، وأناني مع أولاده. والأنانية عنده فن وحساب وتخطيط،.. فهو الأناني في علاقته بأخيه عيسو، فهو يطلب البكورية التي فاتته بالمولد، وهو يطلب البركة، ولا يفزع خشية بل خوفاً من أن يعرف أبوه صوته، ويكتشف الخداع الذي رتبه للحصول على البركة،.. وهو أناني كزوج لا يبالي بالزوجة إلا بالقدر الذي تعطيه إياه من متعة الحياة، وهو لهذا يقدم راحيل على ليئة المكروهة والمنبوذة، ولقد ضاق الله بهذه الأنانية، وانحنى على الزوجة البائسة يحسن إليها بالأولاد، إن عز أن يحسن إليها الزوج بعدله ومحبته،.. وهو أناني كأب –فهو في موكب المواجهة والمقابلة مع أخيه عيسو الذي سار إليه ومع أربعمائة رجل، قسم الأولاد على ليئة، وعلى راحيل، وعلى الجاريتين، ووضع الجاريتين وأولادهما أولاً، وليئة وأولادها وراءهم، وراحيل ويوسف أخيراً.. كان يعقوب دون أدنى شك أستاذاً بارعاً في هندسة الأنانية. يعقوب المتآمر وهو المتآمر من بطن أمه.. إذ ماذا يعني أنه يمسك مولوداً بعقب أخيه؟!.. أنت لا تمسك بعقب غيرك إلا إذا كنت أشبه بالحية القديمة، تلسع العقب. وقد كان هو حية في التآمر، يدبر المؤامرة في الخفاء، ويحكم تخطيطها، وتنفيذها، فهو يلبس ثياب أخيه، ويضع جلد المعزى على يديه وملامسة عنقه بالاتفاق مع أمه، وهو يكشط القضبان الخضراء من اللبن واللوز والدلب، ويقشرها مخططا إياها تخطيطاً ليوقفها في الأجران على مجاري المياه، ويستولد على وحم الأغنام القوية له، والضعيفة للابان، وهو يخرج هارباً من خاله دون أن يعطيه خبراً، منتهزاً فرصة غيبته بعيداً عندما مضى ليجز غنمه!!.. ولعله وهو ينتقل من مؤامرة إلى أخرى، كان يتدرب على جرأة تتزايد مع نجاح المؤامرة، فلا يرمش له الطرف، وهو يندفع، ويغامر، ويتآمر!!.. يعقوب الطامع وطمعه في المال كان بغير حدود،.. إذ كان كل شيء عنده بثمن، فهو إذا اشترى يبخس الثمن إلا إذا أكره على غير ذلك، فهو يشتري من أخيه أغلى ما عنده بأكلة عدس، وقد علم بيته أن كل شيء لابد أن يكون بحساب، لدرجة أن مبيت ليلة عند ليئة تأخذ راحيل مقابله لفاحاً من الحقل، وهي تسلمه لها في تلك الليلة.. كان معلماً عظيماً من أعظم المعلمين الذين ظهروا على هذه الأرض في حساب المال، وما يزال أبناؤه اليهود إلى اليوم سادة الكل في السيطرة والطمع والجشع والتجارة بالمال في كل أرجاء الأرض!!.. يعقوب الصبور وهو الصبور إذا ما وضع هدفاً أمام عينيه، أو كما قال هوشع: "وهرب يعقوب إلى صحراء آرام وخدم، إسرائيل لأجل امرأة ولأجل امرأة رعي".. وهو لا يكل لأجل راحيل سبعة أعوام، أو بتعبير أصح أربعة عشر عاماً بعدما خدعه خاله بأختها ليئة، وهو يخدم ست سنوات من أجل الثروة التي اقتناها!!.. هذا هو الرجل الذي جاءت به نعمة الله ليكون ابن الموعد، وسر البركة لأجيال بلا عدد ستأتي بعده وفي أثره!!. يعقوب المختار وقصة الاختيار من أعمق وأعوص ما يمكن أن يواجه الذهن البشري، وليس من سبيل للإنسان أن يفهم الأساس الذي يختار به الله الفرد أو الشعب ليحمل رسالته بين الناس، وقد كان يعقوب مختاراً بهذا المعنى،.. وليس لأي بشري- وهو يرى الحكمة الإلهية العميقة وراء الاختيار- إلا أن يقول: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء لأن من عرف فكر الرب أو من صار له مشيراً أو من سبق فأعطاه.. يعتقد البعض أن الرسول بولس –وهو يتحدث عن الاختيار في رسالة رومية- لم يكن يقصد المفارقة بين عيسو ويعقوب كشخصين بقدر ما كان يقصد أنهما يمثلان أمتين وشعبين، وأن الله في حكمته الأزلية رفض آدوم واختار إسرائيل، وأن الآيات الواردة في الأصحاح التاسع من رومية، لم تقصد فرض صحته لم يعطنا حلاً للمشكلة أو تفسيراً لها،.. كما أنه من الخطأ الواضح، وقصر النظر أن تربط الاختيار بسبق الله لمعرفته بما سيعمله الإنسان، والرسول ينفي تماماً هذه القاعدة: "لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو".. ولو أخذنا بهذه القاعدة لرفض الله عيسو ويعقوب معاً، فلئن كان عيسو مستبيحاً وزانياً، فإن يعقوب المخادع الماكر الأناني لم يكن في أعماله ما يدعو إلى الاختيار أي يشجع على الأفضلية،.. إن النظرة العجلى في الحياة تبنى الاختيار على سبق العلم بالأعمال الصالحة عند الله، تأسيساً على مفهوم العدالة المطلقة الكاملة عنده تعالى، ونحن نؤكد أن الله لا يمكن وهو الإله العادل، أن يتجاوز العدالة قيد أنملة، في قضية الاختيار الإلهي،.. على أن الاختيار إذا أخذ بمفهوم الأعمال السابقة يخرج مسخاً قبيحاً مبتوراً، إذ أنه يجرده من النعمة الإلهية الكامنة خلفه،.. وحيث هناك النعمة فليست الأعمال، وحيث هناك الأعمال فليست النعمة،.. إن الأصح هو القول أن الاختيار الأزلي مبني على كمالات الله جميعاً وعلى صفاته وطبيعته مجتمعة معاً، وهنا نحن أمام بحر بعيد عميق، مهما سجنا فيه فإننا لا نتجاوز قط بضع خطوات من الشاطيء، وسيبقى العمق أبعد من كل فهم أو ذكاء أو حكمة بشرية!!.. في الواقع أن جميع مقاييس الناس لا تصلح البتة أن تخضع الاختيار الإلهي للميزان البشري، وإلا فهل يمكن أن يقع الاختيار على راحاب الزانية في مدينة أريحا؟ وهل يمكن والموآبي ممنوع أن يدخل في شعب الله إلى الجيل العاشر أن يكون هناك مجال لراعوث الموآبية؟.. عندما تحدث الله إلى حنانيا عن الشاب الطرسوسي بولس فزع الرجل: "يا رب قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقديسيك في أورشليم وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة أن يوثق جميع الذين يدعون باسمك" "فقال له الرب اذهب لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي".. عندما سئل أحد القديسين عن مشكلة الاختيار، ولماذا اختار الله هؤلاء جميعاً، رغم ما فعلوا، وتركوا في قصة حياتهم من آثار قاسية رهيبة بشعة؟!!. أجابه في تأمل وديع قائلاً: إن هذه ليست بالحري المشكلة الكبرى أمامه!!.. إن مشكلتك الحقيقية الكبرى! لماذا اختاره هو الله، وليس فيه أدنى استحقاق على الإطلاق لمثل هذا الاختيار!!.. يعقوب المجد التجديد هو التغيير الفجائي الذي يطرأ على حياة الإنسان، فيقطع صلته بماض مخز أثيم إلى حياة تختلف عن الحياة القديمة التي كان يعيشها، وقوام هذه الحياة، أن يدخل الله فيها، وهي كما وصفها السيد المسيح الولادة من فوق، وهي معجزة دون أدنى شك في حياة المؤمن، وهي ليست قالباً واحداً يصب فيه الإنسان ليصنع من جديد، إذ أنها لها صورها المتعددة بطبيعة الحياة التي يطرأ عليها التغيير، وقد أخذت هذه المعجزة تلفت أنظار علماء النفس، وهم يدرسون التغير المثير، الذي ليس من السهل تعليله، دون دخول عوامل خارجية، هي في لغة المسيح، الولادة من الروح القدس، فكيف حدث هذا التغيير في حياة يعقوب، فرأى الله، وسلم السماء والملائكة، ودخل في عهد حاسم وشركة جديدة، مع سيده لم تكن معروفه أو مألوفة عنده من قبل؟.. هذه الرؤيا التي أثارت رهبته، وأوقفته على باب السماء، وكانت بمثابة نقطة تحول فاصلة في تاريخه، لا يمكن أن نمر بها دون أن ندرك معناها وكنهها، كنموذج عظيم من النماذج المتعددة المختلفة للولادة الجديدة عند الكثيرين من أبناء الله!!.. ومع أنه ليس من السهل أن نصف بدقة العوامل المتعددة النفسية التي انتهت بيعقوب إلى العهد الذي وصل إليه مع الله،.. إلا أنه يمكن ملاحظة ثلاثة أمور متتابعة وصلت به بالتأكيد إلى الولادة الجديدة وهي العزلة والندم والغفران الإلهي!!.. أما عن العزلة فقد كانت هذه أول ليلة يخرج فيها يعقوب من بيته، ويضرب في الصحراء في اتجاه آرام النهرين، ولعله خرج في الصباح الباكر من بئر سبع حتى وصل إلى المكان الذي أطلق عليه فيما بعد "بيت إيل" وهو يتجاوز الستين ميلاً، وما من شك بأنه بلغ حد الإعياء الجسدي، فارتمى على الأرض، ولم يجد سوى حجر يتوسده هناك ويضع رأسه عليه، ولا حاجة إلى القول إن الوحشية الكاملة قد أمسكت به في تلك الليلة، وأضعفته، وليس هناك من أحد يؤنسه، وقد ترك أباه وحضن أمه الحبيبة لأول مرة في حياته، وما من شك بأنه رفع رأسه فرأى النجوم اللامعة فوقه، هل ناجاها، واستمع إلى ما يمكن أن تثيره في أعماق نفسه،.. إن بعض الشراح يصورون لنا شيئاً من هذه المناجاة، وقد تحولت إلى ما يشبه الندم العميق على ما حدث منه، وما صار إليه،.. ولقد قال واحد منهم: إنه في بيته كان يجد دائماً تبريراً لما فعل أو يعتد على حقه، إذ أن هذا الحق مقرر له من قبل مولده،.. وهو إن كان قد لجأ إلى الخداع، فإن أمه هي المسئولة عن غشه لأبيه، وخداعه له،.. كان من السهل عليه في بيته أن يبرر كل شيء، وأن يهدي نفسه دون أدنى لوم أو تثريب،.. أما الآن –وهو وحيد أعزل في الصحراء- فإنه يدرك تماماً، أنه يحصد نتيجة ما فعل،.. وأن الصراع النفسي الذي يستولي عليه، تحول إلى ما يشبه مناخس شاول الطرسوسي التي كان يرفسها فيزداد ألماً، وهو إذ ينام في بؤسه وندمه، يواجه سؤال واحد لا غير: هل يغفر الله ذنبه، وهل تتسع له رحمته ورأفته وإحسانه وجوده؟ أم هو الإنسان الذي سيرى عقاب العدالة الإلهية التي ستتابعه وهو شريد غريب؟!!.. على أي حال لقد نام يعقوب في الصحراء وحيداً أعزل نائماً كالطفل الصغير الخائف الذي يتمنى أن يحتضنه أبوه وأمه في دفء الحنان والرقة والمحبة!!.. على أنه مهما تصور وتخيل فمن المستحيل أنه كان يتصور معاملة الله العجيبة التي ظهرت له في الرؤيا الخالدة التي رآها وغيرت تاريخه في بيت إيل، لقد جاءه الله كا يأتي الأب إلى طفله المذعور، لا ليهديء مخاوفه فحسب، بل ليعطيه من العطايا ما لم يكن يحلم بها أو ينتظرها على وجه الإطلاق.. لم يأت منتقماً كما كان يتخيل أو يتصور، بل جاء حانياً مهدئاً مترفقاً.. وكانت الرؤيا باديء ذي بدء إعلاناً عميقاً عن غير المنظور، فهناك الله، وهناك السماء، وهناك السلم الرابطة بين السماء والأرض، وهناك الملائكة، وهناك اليقين الثابت بأن القوى الخفية غير المنظورة هي الأقوى والأعظم والأفعل، بل لقد أدرك يعقوب أكثر من ذلك أنه في البرية أو الأرض ليست بعيداً أو مقطوع الصلة بهذه القوى العظيمة، بل أنه وهو في الأرض: "ما أرهب هذا المكان ما هذا إلا بيت الله وهذا بابا السماء" لقد تدانت السماء والأرض وانتهى الفاصل الرهيب بينهما بالسلم التي رأسها في السماء وقاعدتها ترتكز على الأرض وهناك الملائكة الصاعدة باحتياجات الإنسان وانتظاره وتوسلاته وطلباته من الله، وهناك الملائكة النازلة بجواب الله عليها جميعاً، وفوق الكل، وقبل، وبعد الكل هناك الله الذي يقف على رأس السلم يحنو ويراقب ويهتم ويجيب ويعطي،.. إلى هذا الحد يغفر الله ويتسامح؟!! أإلى هذا الحد لم يصنع معه حسب خطاياه أو يجازه حسب آثامه؟!!.. أإلى هذا الحد يترفق ويعين فهو لن يترك يعقوب وحده في الطريق، هل سيسير معه الرحلة كلها، ويتعده ويضمنه ذهاباً وعودة؟!! أإلى هذا الحد يمكن أن يكون الله طيباً؟!!.. أجل، والله لا يمكن أن ينهال ضرباً على ابنه الخائف النادم المذعور الوحيد في الصحراء،.. بل على العكس إن الله بهذا الأسلوب من الحنان والرفق والإحسان والرحمة قصد أن يخجل يعقوب من نفسه ليكتشف دركات الخسة والوضاعة والدناءة والحطة التي وصل إلى قرارها، ولا حاجة إلى القول إن هذه الحقيقة هي التي نفذت إلى أعماقه طوال العشرين عاماً التي قضاها عند خاله لابان، وأنها قد أضحت الصلاة التي صلاها في عودته عند نهر الأردن وهو يصيح: "صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك فإني بعصاي عبرت هذا الأردن، والآن قد صرت جيشين".. هذه الألطاف وهذه الأمانة هي التي كسرت قلب يعقوب، وهي التي أعطته من أول يوم رأى فيه الله في بيت إيل أن تستولي عليه الهيبة وأخذ لمسة الحياة، ويولد جديداً، وهو يسمع الله ويجيب عليه، ويدخل معه في عهد ونذر الحياة الجديدة، وبالجملة كان بيت إيل بمثابة النقطة والمكان لمولد يعقوب وحياته الجديدة.هل توقف الله عند يعقوب وهو يقابل الخسة والضعة والأنانية والإثرة بالجود والمحبة والترفق والإحسان!!.. كلا وإلى الأبد، وما يعقوب إلا واحد من النماذج المتعددة التي بها يجذب الله ابنه الضال الشريد الهائم على وجهه في الأرض، ومهما بعد الابن ونأى وتاه في الكورة البعيدة، فإن استقباله الدائم هو الحضن الأبدي، والقبلة المشرقة، والحلة الأولى والعجل المسمن، والخاتم، والحذاء، والموسيقى والرقص، فإذا قالوا لك غير ذلك فلا تصدق،.. لأن الله لا يمكن أن يعالج ابنه العائد بالقسوة والعقوبة والشدة إلا كآخر أسلوب عندما لا تنجح الأساليب الأخرى من جود وعطاء ورفق ومحبة!!.. يعقوب المقدس كانت الولادة الجديدة بمثابة الفجر في حياته مع الله، غير أنه لابد من السؤال هنا: وماذا بعد ذلك؟!! هل نخطيء فيغفى الله ويدلل، ويطلق العنان، وكأنما لم يحدث شيء،.. حاشا لله أن يفعل ذلك،.. إنه على العكس يحب، ويؤدب، ويصقل. وكاتب الرسالة إلى العبرانيين -وهو يستحث أبناء الله المجاهدين ضد الخطية- يقول: "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية، وقد نسيتم الوعظ الذي يخاطبكم كبنين يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبخك لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن قبله. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لا يؤدبه أبوه ولكن إن كنتم بلا تأديب فقد صار الجميع شركاء فيه فأنتم نعول لا بنون ثم قد كان لنا آباء أجسادنا مؤدبين وكنا نهابهم أفلا نخضع بالأولى جداً لأبي الأرواح فنحيا لأن أولئك أدبونا أياماً قليلة حسب استحسانتهم وأما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته".. كانت المسافة بين بيت إيل وفنيئيل عشرين عاماً، وقد عامل الله يعقوب الابن المجدد معاملة ثلاثية واضحة، هي المحبة، والتأديب، والصقل، أما الحب فقد ظهر في الرعاية العجيبة التي لم تتخل عنه قط، وفهو يكثر كثرة مذهلة في البنين والثروة معاً، وهو محروس بعناية الله العجيبة دون أن يناله أدنى أذى من خاله الأرامي الذي جاءه الله في حلم الليل وقال له: "احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر".. وهو يلاقي في الطريق ملائكة الله وجيش الله في محنايم، وهو قاب قوسين أو أدنى من لقائه بماضيه،.. وهو الابن المحبوب لله سواء كان في قمة الصواب أو في قاع الخطأ.. وهو المؤدب تماماً من الله، وكيف أنه الرجل الذي عاش مع خاله يأكله الحر في النهار وفي الليل الجليد، وطار النوم من عينيه، وإذا كان قد غش أباه مرة، فقد غشه خاله مرات، وما يزرعه الإنسان فإياه يحصد أيضاً،.. لم تكن الحياة ليعقوب هينة وادعة لينة مريحة، بل كانت على العكس كما وصفها لفرعون غربة قليلة ورديئة،. أليس من الغريب أن الله الذي سهل أمامه الطريق، هو بعينه الذي صارعه في الطريق؟ وأن الخير الظاهر وقد جاء بالكثرة العجيبة المذهلة التي رأيناها، صاحبه في الوقت عينه ذلك الخير الداخلي العميق الخفي، الذي لم يستطع الحصول عليه بغير الجهاد والدموع والحق المخلوع؟ "هل رأيت ذلك العمود الرخامي المصقول الذي يقوم عليه السقف في بيت الله؟.. إنه يقطع أولاً من الجبل بطوله ويتجمع القوم حوله وقد ألقوه على الأرض، ويظلون يحكونه ويدعكونه في الرمال حتى يصقل ويصبح ناعم الملمس على الصورة الجميلة الرائعة التي نبصره عليها في بيت الله،.. فإذا رام الله أن يجعل إنساناً ما، عموداً في هيكل الله، فإنه يفعل معه ذات الشيء، ليخلصه من كل الشوائب، والعيوب والزوائد، والنتوءات التي يتركها الجسد والعالم والخطية والشيطان في حياته!!.. على مشارف كنعان وقف الإنسان الذي جاء إلى عالمنا متجسداً فيما بعد، وقف يمنع الحياة العرجاء من دخول أرض الموعد، وإذ أراد يعقوب أن يقتحم الطريق عند مخاضة يبوق، منعه، وصارعه الواقف بالمرصاد أمامه في الطريق،.. وكانت ليلة من أقسى الليالي في حياة يعقوب، لجأ فيها (كما يقول هوشع) إلى البكاء والاسترحام وطلب البركة، ورق المعطى، وضربه في الجسد، ليرفعه في الروح، وبدل اسمه القديم يعقوب "بالاسم الآخر الجديد "إسرائيل" أمير الله أو المجاهد مع الله!!.. يعقوب المكرس وإذا كان بيت إيل نقطة التجديد، فإن فنيئيل نقطة التكريس الشامل الكامل عند يعقوب، وها نحن نراه الآن قابعاً حيث يوجد، وقد فقد بصره، ولم يعد يتطلع إلى غنم تتوحم، أو إلى بقر يخور، ولم يعد له مطمع في الدنيا، وقد ارتسمت علامات من الألم والحزن لفقد ابنه الحبيب يوسف، وهو يبقى في مصر بجسده، أما روحه فليست هناك، وحتى الجسد يريد أن يودعه مغارة المكفيلة مع أوبيه إبراهيم واسحق، ولا فرق عنده في الحياة طابت أو غابت إذ هو غريب في الأرض،.. فقد يعقوب بصره، وتفتحت رؤاه وبصيرته، وهو يمد البصر إلى الأفق البعيد البعيد، فيرى أجيالاً تأتي بلا عدد، ويرى هناك شيلون الذي سيأتي وله تخضع شعوب بأكملها!!.. ولعله -وهو يمد النظر إلى مطلع الحياة والشباب- عاد يسأل: لماذا حدث كل ما حدث؟! ولماذا اندفع وتخبط فيما فعل وتصرف؟! لقد كان عبثاً مؤلماً على أي حال، نال تأديب الرب عليه.. أما حياته بجملتها فقد تلخصت في عبارة واحدة، قالها في ضجعة الموت، وهو يبارك أولاده الواحد بعد الآخر،.. قالها وهو يلتقط أنفاسه، في قلب البركة،.. ولم تكن أكثر من ثلاث كلمات: "لخلاصك انتظرت يا رب"..!!
المزيد
19 يونيو 2022

عظة تأسيس الروح القدس للكنيسة

إنجيل اليوم هو الأحد الأول من صوم الرسل، ويتحدث عن تأسيس الروح القدس للكنيسة علي مستوي العالم كله، فالكنيسة هي وحدة الخلاص وهي عمل ربنا يسوع المسيح علي الأرض، ولم يؤسس ربنا عمل عام فقط ولكنه كان يؤسس ملكوته الخاص داخل كل منا، فالكنيسة هي ملكوت الله الذي به يخلص العالم كله إذ وضع فيها أسراره وتعاليمه ووضع فيها ذاته شخصياً، ولكنه أيضاَ كان يؤسس الملكوت الداخلي شخصياً في كل واحد فينا. "كل مملكة إذا أنقسمت علي ذاتها تخرب أو كل بيت إذا أنقسم علي ذاته لا يثبت " هو يتكلم عن وحدة العمل، الشيطان لا يمكن أبداً أن ينقسم لأن له هدف محدد سواء علي مستوي الحرب الكنسية أو الحرب الشخصية لكل منا.وهذا مبدأ مهم، لكي ندرك أن كل من يسعي لأهداف، لأبد أن يكون له هدف ثابت وواحد، هدف الكنيسة هو الملكوت، وإن كان القلب الذي يحمل ملكوت الله له أهداف أخري غير الملكوت يسقط.الوحدة هي صورة دائمه لكل ما هو عميق، فالأنقسام يؤدي إلي التشتيت وإلي السقوط، حتي أن علماء النفس يصفون النضج أنه وحدة الشخصية، الأنسان الناضج هو الذي كيانة ليس به صراعات، والمرض يبدأ حين تستمر الصراعات داخل النفس، لذلك التوبة هي وحدة الهدف، فحينما يسقط الأنسان في خطايا متعددة يسقط أيضاً في داخله احترامه لنفسه، وكرامته، فيأتي المسيح ويعيد مرة أخري كرامة الأنسان ويصالحه علي نفسه، ليعيش الأنسان مرة أخري في وحدة داخلية مستقيمة الحياة بالمسيح.وكذلك البيوت والأسر المنقسمه تؤدي إلي حياة غير سوية، فالأب والأم الذين في حالة صراع دائم علي الذات، ومنقسمين لأجل أمور مادية أو نفسية يحيوا دائماً في حالة ضيق وتعب، في علم التربية لأبد أن يصدر قرار تربوي واحد في الأسرة، فوحدة الأسرة تؤدي إلي بناء الكل.ولكن الأخطر والأهم هو وحدة الكنيسة، ونحن في هذة الأيام نسمع دعوات تصل إلي حد التراشق بفكر الوحدة، والبعض ينظر إلي الوحدة أنها قبول الأختلاف ودخول في شركة المختلفين ..لن تكون بذلك كنيسة. وحدة الكنيسة هي التقليد المقدس، هي الأيمان المسلم، وكل من ينشق من هذا الأيمان المسلم لا يمكن أن يعتبر كنسياً بل يخرج للخارج، لتظل الكنيسة وحدتها هي إيمانها هي تقليدها، هي الصورة الثابته التي رسمها السيد المسيح، يقول بولس الرسول: "كنيسة واحدة..إيمان واحد ..معمودية واحدة"، لا يمكن أن تكون هناك عقائد مختلفه ونقبل لأجل الوحدة، لن تكون وحدة، لأن الوحدة معناها الأيمان الثابت.هناك من يتشدق بكلمات الوحدة السطحية، وقبول مناسبات وأعياد التي تظهر أمام الجميع أننا نقبل بعض. قبول الأختلافات الإيمانية تعني الأنقسام وليس العكس. الوحدة هي الحفاظ علي الكنيسة وعلي الإيمان. الوحدة هي رفض كل ما هو غير مسلم. لذلك كان الأباء يدافعون عن الإيمان بدمائهم، لأن دخول إيمان آخر داخل الكنيسة يعني أنشقاقها من الداخل، ولم يعد المسيح جسد واحد.خارج الكنيسة الواحدة الوحيدة الجامعة الرسولية لا يوجد مسمي يُدعي كنيسة.فالكنيسة الوحيدة هي ما تسلمناه، هي مارمرقس والرسل، هي كل ما هو مسلم إيماني، وكل ما بنُي علي الإيمان الرسولي.لذلك حينما اجتمع الأباء في المجامع المسكونية لم يقبلوا آريوس ونسطور، وكان القرار طرد هؤلاء الذين يدخلون إيمان آخر، كان قرار الكنيسة كلها، من لا يريد أن يخضع للإيمان الرسولي يخرج خارجاً، أما الكنيسة فهي وحدة واحدة.يقول القديس كيرلس الأورشليمي: "يامن تحملون مشاعل الأيمان احتفظوا بها في أيديكم غير مُطفئة"كل إهتمام الشيطان أن يكسر الوحدة، تحت مسمي قبول الآخر، نقبل بعض علي مستوي شخصي، ولكن علي مستوي كنسي لا قبول أبداً لآي صورة من صور الأنشقاقات، حينما ارسل السيد المسيح تلاميذه قال لهم: "اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزا بالأنجيل وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" لم يقل هناك مناهج كثيرة وكلها تؤدي إلي الخلاص.أحد الآباء يدعي روفينوس الأكلاوي في القرن الثالث يقول: "يروي لنا أجدانا أن الروح القدس بعد صعود السيد المسيح لما استقر علي كل واحد من الرسل مثل ألسنة نار لكي يفهمهم بكل اللغات، تلقوا أمراً من السيد المسيح أن يذهبوا إلي جميع الأمم لكي يبشروا بكلمة الله، وقبل أن يغادروا وضعوا معاً قاعدة للبشارة التي ينبغي أن يعلنوها حتي إذ ما تفرقوا لا يكون هناك خطر من يعلم تعليماً مختلفاً للذين يجذبونهم إلي الأيمان المسيحي، إذ كانواجميعاً ممتلئين من الروح القدس كتبوا هذا المختصر الوجيز لبشارتهم المستقبله بما لكل واحد منهم مقرين بعقيدة واحدة وقاعدة واحدة يسلمونها للمؤمنين، وكانت هذة تسمي قانوناً، من يخالف الأيمان الرسولي فليخالف، ولكن لا يدخل الكنيسة، فالكنيسة لها إيمان واحد ثابت مسلم لا يمكن التنازل عنه".يقول ماربولس لتلميذه تيموثاوس: "ما تسلمته مني بشهود كثيرين اودعه أناس أمناء ليكونوا أكفاء ليعلموا أخرين".فأن كانت الكنيسة تقبل أختلاف الآراء والأفكار والعقائد فما الداعي لهذة الوصية "احفظ الوديعة".يقول القديس جيروم: "أن قانون إيماننا ورجائنا نُقل لنا من الرسل" يقول مار أغناطيوس: " أن المسيحيون حاملوا الإله وحاملوا المسيح وحاملوا الهيكل، وأن المسيح لا يوجد فردياً بل في أتحاد مع جمهور المؤمنين وممارسة الكنيسة، الحياة المسيحية ليست كتاباً أوراقاً وكلمات وحبر بل حياة متفقة داخل الكنيسة، كل أعضائها يحملون سمات المسيح وقوة الروح القدس بالأسرار الكنسية"من يقول أن الخلاص ليس بالأسرار، أو أن المسيح طبيعتين منفصلتين، أو يخلص المؤمن دون الحفاظ علي الأيمان الرسولي.. لا نعتبره مسيحي أصلاً.فالمسيحية هي الأيمان الرسولي المسلم مرة للقديسين، وقرار المجامع المقدسة كل من يخالف الأيمان الرسولي فليفرز ويخرج خارجاً.إذاً الوحدة هي وحدة الخلاص كنسياً ووحدة الملكوت داخلياً التي بها نستطيع أن نخلص.لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
15 مايو 2022

صورة الحياة الجديدة بالمسيح

الكنيسة في هذه الفترة بتقدم صورة الحياة الجديدة بالمسيح، مثل الشعب الذي عبر من العبودية إلي الحرية وفي البرية هذا الشعب يجد الحياة فقط في الله، الذين انطلقوا معه بالإيمان وهذا هو الأحد الأول،وهو الذي اعطاهم المن في البرية ..الأحد الثاني، ثم الذي أعطاهم الماء من الصخرة..وهذا هو الأحد الثالث، لذلك اليوم هو أنجيل السامرية، المسيح هو ماء الحياة، السامرية كانت شخصية غير مستقرة إجتماعياً ولا نفسياً ولا دينياً..من يصدق شخصية مثلها لها نصيب مع المسيح، وجود المسيح يغير كل شئ ويعطي حياة جديدة، ليس فقط لكي نخرج من حالة العبودية والخصام والخطية، ولكننا أيضاً نستمتع بوجود المسيح فينا. أحياناً كثيرة نظن أن الحياة الروحية أنها طريق صعب وصلوات وأصوام وجهاد، ولكن بها تعزية، مقابلة المسيح مفرحة، المسيح يغير كل شئ ويعطي عمق لكل شئ، حتي أن كل من يحمل صليباً، ولكن تحت الصليب يوجد أيضاً مسيح يفرح ايضاً، "خرجوا فرحين لأنهم حسبوا مستأهلين أن يتألموا من أجل أسمه" ويقول القديس إيسيذيروس: "صرنا نستعذب الألم لأجلك" . "الذي يحبني يحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً" وجود المسيح ليس وجود عابر، في العهد القديم كانت كل أشتياقتهم الأقتراب من قدس الأقداس، في مز 41 "إذ قيل لي كل يوم أين إلهك" "كما يشتاق الأيل إلي جداول المياة هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله"، مجرد اشتياقات روحية ولكن كان هناك حجاباً ثقيلاً بين البشرية والله، والآن نحن نستمتع بوجوده الفعلي "نحن ناظرين وجه الرب كما في مرآة نتغير إلي تلك الصورة" نأخذ مجداً جديداً، صارت البشرية بالمسيح بعد القيامة ليست فقط تقترب من الله ولكن صارت مسكناً أيضاً لله. موسي النبي بعظم قدرة كل ما كان يشتاق إليه أن يري وجهه "ارني وجهك" فرد عليه االله "من يراني ويعيش"، أما نحن وبرغم ضعفنا وحقارتنا ولا نحمل طبيعة مجاهدة ولكن صار لنا في العهد الجديد لا أن نرآه فقط ولكن أن نتحد به"، " الكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مثل مجد ابن وحيد"، بالتجسد أصبح لنا إمكانية الرؤيا، وبالقيامة أصبح لنا إمكانية الوجود الدائم في الأبدية، وبحلول الروح القدس أصبح لنا إمكانية الشركة الفعالة في أسرار إتحادنا به. وجود المسيح في حياتنا يجب أن يغير كياننا، ويغير طبعتنا، يجب أن نحيا ليس مثل باقي العالم "نأكل ونشرب لأننا غداً نموت"، الحياة مع المسيح هي رؤية دائمة له، يقول مار أسحق: "هذه النعمة يؤهل لها الأنسان بقدر ما يستطيع العتيق أن يتعري" . البشرية كان عندها أشتياقات ولكن لا تمتلك الأمكانية، أخاف أن نكون نمتلك الأمكانية ولكننا فاقدين الأشتياقات، تقول له عذراء النشيد "أخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعي أين تربض عند الظهيرة"، ولكننا نحن الآن نعرف اين يربض، أن الصليب هو مكان لقائنا المحبوب ونعرف أن الذبيحة والمذبح يعطينا حياة أبدية وخلوداً، ولكن كثيراً ما نفقد الأشتياق إليه، نفقد هذه الروح التي كانت تتكلم بها العروس وتقول "أني مريضة حباً"، أننا نحبه ولكن إلي آي حد، نسعي خلفه كي نراه فقط..كي يصنع لنا معجزة..كي يحقق لنا رغبة، أم نسعي إليه لأننا نحبه حتي وأن كنا نتألم أو متعبين في العالم.إذا لم ترآه فهذا معناه أن حواسك منغلقة ولم تشعر بوجودك معه. الملحدين الذين رفضوا الله وصلوا لحالة أكتئاب، يقول سارتر: ""وجود هذا الإله يلغي وجودي لذلك لا أرديه" أما هؤلاء البسطاء الذين صاروا خلفه تاركين كل شئ، شاعرين وكأنهم في السماء، يُقال عن الأنبا أنطونيوس أن وجهه كان بشوشاً حتي أن أحد تلاميذه يدعي الأنبا مرقس لم يفتح فاه طوال الليل، وحينما سأله الأنبا أنطونيوس لماذا لم تسأل أجاب" كان يكفيني أن أنظر إلي وجهك يا أبي" . إن أردت أن تحيا أبحث عن المسيح بكل أشتياق، لأنه هو يريدك أيضاً، هو مات لأجلك لا فقط لكي يخلصك ولكن لتكن لك معه شركة حياة.لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل