المقالات

29 نوفمبر 2020

طقس أوشية الراقدين

- ثم يصلي الكاهن الأواشي، ففي رفع بخور عشية يصلي أوشية الراقدين ودائمًا في رفع بخور عشية نصلي هذه الأوشية لأن غروب اليوم يرمز لغروب العمر "الذين سبقوا فرقدوا".. س: لماذا نصلي أوشية الراقدين؟ (الصلاة على الراقدين) ج : الصلاة لأجل الراقدين عقيدة (العجيب أنها تميز الأرثوذكس عن بقية الطوائف الأخرى) وذلك للأسباب الآتية: 1- مبدأ المحاماة: فكل الصلوات علي الراقدين "لأجلهم" منذ نياحة الشخص إلى الدينونة تمثل المحاماة عن هذا الإنسان وهذه النفس. والمحاماة شرط أساسي من شروط العدل لدرجة أن المحكمة تحضر محامي للمتهم الذي لم يستطيع إحضار محامي للدفاع عنه يتمشي مع العدل وجود المحاماة. 2- غفران الخطايا: وذلك منذ آخر اعتراف إلى لحظة الوفاة إذًا الصلاة تحل محل اعترافه طالما لم يمت في خطيته من حقه أن نصلي لأجله.وبشرط مهم جدًا وهو التوبة والإقرار بها لأن: التوبة = استحقاق المغفرة. الإقرار بها (الاعتراف) = نوال المغفرة. التناول = تمام المغفرة. بدليل قراءة التحليل علي المنتقل فإذا كان تائب يستفيد أما إذا كان غير تائب فلا يستفيد، إذا الصلاة من أجله مهمة ورحمة الله تخص الله يقبل أو لا يقبل. 3- تأكيد فكرة القيامة: إعلان الإيمان بالقيامة، حتى لا يظن الناس لا قيامة بعد الموت. وهناك رد جميل للقديس يعقوب السروجي رد علي سؤال لتلاميذه كيف الناس تموت والمسيح قام المفروض المسيح قام لا يموت الناس، فرد القديس يعقوب قائلًا: بعد قيامة المسيح تأكد قيامة من نقوم بدفنهم للموت وليس للبشر لأنهم يقومون إذًا يخرج الجسد وندفن الموت. 4- تأكيد فكرة الدينونة العامة (يوم المحاكمة): بصلاتنا علي الراقدين نعترف جهارًا بالدينونة، يتذكرها العارفون ويعرفها من يجهلها يوم يدين الله سائر الناس عن كل عمل إن كان خيرًا أم شرًا حسب قول الكتاب.وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة. 5- عضوية الراقدين في الكنيسة: الراقدين في العالم الآخر ولكنهم لازالوا أعضاء في الكنيسة "الصديق تدوم ذكراه إلى الأبد" (مز 112: 6)إذًا نفوس الراقدين حيه وليس كالحيوانات مثلًا الله إله أحياء وليس إله أموات إذاَ خلود الروح يجعلنا نجاه نحن أيضًا. 6- لأجل تعزية الأحياء: الذين يتألمون لانتقال الأحباء وطلب الصبر لهم. 7- لتأكيد المكافأة لم ينلها أحد بعد: لأنهم لم يكملوا بدوننا (عب 11: 40) إذًا العالم مستمر إلى أن يكمل العبيد رفقائهم كما في الختم الخامس في سفر الرؤيا. ملحوظة هامة: أوشية الراقدين تقال في جميع العشيات حتى في الأعياد السيدية أما في يوم سبت النور تقال في الصباح تذكارًا لوجود السيد المسيح في القبر يوم سبت النور. نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
28 نوفمبر 2020

المقالة التاسعة عشرة في معرفة الجهاد وهي رسالة بعث بها إلى أولوجيوس العابد

أيها الأخ لما نظرت ثمر الطاعة، بادرت أن أكتب إليك عن الأشياء التي أمرتني بتلخيصها. تقوى الرب ابتداء صالح. الشيخوخة الحسنة مكرمة في النفس المحبة المسيح. من يصغِ إلى ذاته في كل مكان يسلم.من يحب أحاديث العالم، ما بغض العالم.الحطب يشعل النار ويزيد التهابِها، والأحاديث العالمية تنهض الآلام في قلب العابد.أيها الأخ إن كنت تؤثر أن تنفع القاصدين إليك، فلا تضر ذاتك.من يحب محادثة النساء، يستنهض على ذاته شيطان الزنا.إذا سمع والداك عنك سمعاً صالحاً، يسران أكثر من سرور النبيذ وطرب الخمر. من يحب السكر ؛ يخسر فوائد كثيرة، وقد قيل أنه يعمل أشياء ما لا يجب افتعالها، ويبدد ثروته، ويُدفع إلى الأعداء مثل غريب لأن السكر أعمى ذهنه. أيها الأخ صر ورعاً، فإن الورع يولد سجية سلامية، والسجية السلامية تنتج عدم التألم، وليكن ورعك مقترناً بالتواضع، حتى تصير عابداً محقاً، وترث المحبة والعفة. أيها الأخ إن كثرة الكلام تسود الذهن وتظلمه، وإذا أظلم الذهن أنقاد إلى عدم الحياء، وعدم الحياء هو أم الزنا.من يحب السكوت يلبث بلا قلق، ولا يغيظ قريبه، أما الضحك والدالة يضران المبتدئ كمضرة السم القاتل، ولا يوافقانه أصلاً، لأن الرب إنما طوب الذين يبكون وينوحون.إن انغلاب العابد أن يسمع دفعتين على المائدة: أسكت. حب الصمت يا أخي ؛ ليثبت الورع عندك. أحفظ التورع ؛ ليصونك من الزنا. من يجاوب الرئيس ولا يخضع له، فلا يبطئ أن يتكردس في المساوئ. من يطع وعظ من هو أكبر منه، يسر مع الصديقين. من يفتخر بقوته، يبعد عن ذاته معونة اللـه. أما المفتخر فليفتخر بالرب. من يحب الشغب الذي يشغل الذهن، ويبغض السكوت، يحزن حزناً كثيراً. ومن يسكت بتواضع، يسر الرب. من لا يقدم اختبار الوقوف في الصلاة الجامعة بثبات، يخسر فوائد كثيرة، ومن يقف بتورع وصبر، يستجاب له. من يتكلم كلاماً باطلاً في أوان الصلاة الجامعة يحصل له لوم مضاعف، لأنه يبطل من الصلاة والترتيل بالكلام. من يفاوض، يسبب لذاته خسارة. من يحب النسك، سيكون متوافر القوة. ومن يحب السكر، يثبت في لا شيء. من يبغض العمل، فذاك فضولي هو، لأن البطالة تسبب شهوات كثيرة، ومن يحب العمل، يبقى بلا حزن. من يفتخر بجسامة شأن والديه، فذاك غير مختبر، لأنَهما في مصاف القتال لا ينفعانه. أكرم أيها الأخ الصغار والكبار ليعليك الرب، لأن من يواضع ذاته يُرفع. ذلل رأسك للرئيس وللمتقدمين في رفقة الإخوة، أخضع بالرب فإن ثمر الخضوع مخافة اللـه، والتواضع لا يظهر بأن تتواضع لمن هو أعظم منك شأناً بل بمنح الإكرام للصغار الأدنياء جداً. فقد كتب: ” أنا أشرف الذين يشرفونني، ومن يستحقرني يهان “. فنحن فلنشرف اللـه لكي ما يشرفنا مع جماعة قديسيه، وبماذا نشرفه؟ بحفظ قول وصاياه، لأنه قد كتب: “ليس ملكوت اللـه بكلام بل بقوة” وأيضاً: ” ليس كل من يقول يارب يارب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات “. فقبل كل شيء أيها الأخ أتقِ اللـه بالحقيقة فإن تقواه يضئ عيني ذهنك، حب التواضع فإن التواضع الذي من أجل اللـه هو سور لا ينقب قدام وجه العدو، وصخرة مصادمة تكسر حيل الشيطان ونشاب الخبيث المحمي. إن وضعت في فكرك أن تصبر من أجل الرب على السب والخسارة والازدراء ستكون كمحارب بطل مشتمل بالسلاح دائماً على المقاومين، وإذا رآك حينئذ أعداؤك متخذاً مثل هذا الحرص يتساقطون من قدام وجهك. إن شئت أن تحاضر بلا تعب، فأحفظ طهارة جسدك مع المحبة، لأن المحبة هي أم الفضائل، والطهارة مصباح وعضد لها، إن السكوت نور الفضائل، وسورها مخافة اللـه. فلنحفظ الآن أيها الأخ طهارة جسدنا بمخافة اللـه ليحصينا الرب مع ملائكته القديسين، لأن من يحب الطهارة، يسر به الروح القدس، ويعطيه الصبر. فالطهارة إذاً تقوم بالحمية والوداعة والسكوت بمحبة. فلذلك نحتاج أن نبتعد عن كل أخ يسلك سيرة غير مرتبة، لئلا نمنح الذين يبصروننا وهماً، لأن الرسول يقول: ” نتقدم فنفطن برؤيات حسنة أمام الرب والناس، فإن كان أحد يحب السجس فنحن ليس لنا مثل هذه العادة ولا لكنائس اللـه “. فلهذا يجب اضطراراً أن نقبل عظات الناس المتقين الرب، ولا نرضي ذاتنا كما يعلمنا القائل: ” كل واحد منكم فليرضي قريبه في الخير لإبتناء منفعته “. وأيضاً حتى يخجل المنتصب بإذائنا، ولا يكون له أمر طالح يقوله عنا لأن رب المجد قد قال: ” فليشرق نوركم هكذا أمام الناس ليعاينوا أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السماوات “. ولا نضيع القداسة بحجة المواساة، فإن للعدو عادة مثل هذه أن يبدل بالخير الشر، لأن من يخطئ ويفتكر أن يكتم ذلك يطغي ذاته، لأن ليس شئ خفياً لا يشتهر. إن أخطر لك العدو شهوة بشرية فقل له: حاشا لي أن أُحزن الروح القدس الذي خُتمت به يوم الافتداء. فإنه قد كُتب: ” كل خطية يصنعها الإنسان هي خارج جسده، أما من يزني فإلى جسده يخطئ “. أما القتال الصائر بالذهن، فقد عرفته بعض المعرفة، لأن أخاً قال له أخ: أن الأفكار الدنسة تقلقني. فأجابه: أن الشيوخ القديسين قد أمروا قوماً أن يتركوا الأفكار كي تدخل إلى داخل وحينئذ يقاتلونَها، أما الضعفاء كثيراً فأوصوهم أن لا يناجوها ألبته، لكي لا بدوام الفكر يصعب ألم شفائه. فقال حينئذ الأخ: وما معنى أن تترك الأفكار تدخل إلى داخل، وحينئذٍ تقاتل ؟ فقال له: أسمع متى أحضر العدو لأحد فكراً قبيحاً أو فكراً دنساً، في الحين تقيم له في الذهن امرأة جميل وجهها، أو أحد الأشياء التي تفضي إلى الفساد، فإذا رأى المحارب ذلك بالذهن، لا ينزعج من مثل هذه الأفكار بل ينتصب مقابلها، ويحارب بشهامة وبسرعة. ثم يفتح لها ويغلق عليها، فإذا صارت داخل مع الصورة التي حاربته بِها، يقول للأعداء: أنه بِهذه الواقفة معكم آذيتموني كل يوم، وخبلتم ذهني الآن أشاء أن أعرف بالدقة ما الحاجة إليها.فيأمر أن يحضر له سكيناً بذهنه، فإذا أخذها يفتح بِها بطنها قائلاً: أشاء أن أعرف أجمالاً أو نتناً وقيحاً، فإذا فتح جوفها يجد داخله الأشياء التي نعرفها كلنا، فتظهر بعض قباحة الشهوة.فإذا شاهد المضادون انكسارها، يحدثون شغباً مريدين أن يستحقروا فكر الأخ، حتى إذا كدروا ذهنه بأفكار أُخر، يبطلون الجهاد المنصوب، خوفاً من أن يظهر خزيهم بالكمال. فيقول المحارب المنتصب بإذائهم: لِمَ ترومون أن توردوا أشياء أخر عوض تلك، فإنني لا أترككم أن تخرجوا إلى أن أفحص جملة الأمر بالتأكيد، إن كان بالحقيقة أهلاً أن يُحب ما تمدحونه.فحينئذ يحبس الأخ الجثة في الخزانة الباطنة ثلاثة أو أربعة أيام، وبعدها يفتحها مريداً أن يعاين الجثة، فقبل أن يدخل إلى داخل، تلتقيه النتانة التي لا تُحتمل، فيسد بيده فمه ومنخريه، ويشير للأفكار المضادة ومؤازري الخطيئة نِهاية الأمر. ثم يقول لهم: ماذا تجاوبون عن هذه ؟ فيخزون حينئذ، وينحلون كدخان في الهواء، ويصبح الأخ أعلى من الآلام، مؤازراً من قبل النعمة، فيعترف للرب ويقول: أشكرك أيها الرب إلهي فإنك لم تسلمني إلى أيدي أعدائي بل خلصتني من شرك القانصين، وأنارتني نعمتك لأتفطن بِهذه الرؤيات، وأخلص بِها من شركهم.فلنتخذ يا إخوتي مخافة اللـه نصب أعيننا كل حين لكي ما يسترنا، لأنه خلواً من ستر اللـه لا يحسب الإنسان شيئاً ؛ فإن رداءة صناعة أعدائنا كثيرة، لكن معونة اللـه المحيطة بالإنسان أكثر منها، ولا سمح لنا أن نبصرها بأعيننا.فلنحب إذاً الإله الذي يعيننا ويخلصنا حباً بكل قلوبنا كما نحب أنفسنا، وليكن في عقلك أيها الأخ الحبيب كل يوم وفاتك، أي فزع يشتمل النفس في ذلك اليوم.يا أخي الحبيب إن كنت قد عملت شيئاً صالحاً في هذا العالم الذي سكنته، إن كنت قد احتملت الحزن والتعيير من أجل الرب، وصنعت الفضائل التي ترضيه، تصعدها الملائكة مرفوقة بفرح عظيم إلى السماوات.لأنَها مثل فاعل نشيط حريص، عمل في كافة النهار، ينتظر الساعة الثانية عشرة لكي ما يقبل بعد العمل أجرته ويستريح. هكذا نفوس الصديقين تنتظر ذلك اليوم، أما نفوس الخطاة فيشتملها في تلك الساعة خوف وجزع بمنزلة مجرم قد قبض عليه الأعوان يقتادونه إلى مجلس القضاء.لذلك ترتعد نفوس الظالمين في تلك الساعة لمعاينة عذاب الظُلمة البرانية الدهرية التي لا نَهاية لها.وإن قال أحد: اطلقوني أمضي إلى ذلك العالم لأتوب، فيسمع، حيث كان لك زمان ولم تتب، فالآن لم تتب، حين فتح المقام للكافة لم تجاهد، أفتروم الآن أن تجاهد، فقد غُلقت سائر الأبواب، وعبر زمان الجهاد، أما قد سمعت القائل: ” تيقظوا فإنكم لا تعرفون الساعة “. فإذ قد تقدمنا وعرفنا هذا يا أخي الحبيب، ما دام لنا زمان فلنتب لكي ينقذنا اللـه من الرجز الذي يحل بأبناء المعصية، ويؤهلنا لحظ القديسين. صلِ من أجلي أنا الخاطئ، فإني أقول ولا أعمل، فإنه قد كتب: ليعترف بعضكم لبعض بالخطايا، وليصلِّ بعضكم على بعض لتشفوا، لأنه يليق باللـه المجد إلى الدهور. آمين مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
27 نوفمبر 2020

قوة خرجت مِنّي

في معجزة شفاء المرأة نازفة الدم، المذكورة في إنجيل لوقا أصحاح 8، يقول الإنجيلي إنّه لما جاءت المرأة من وراء، ولمسَتْ طرَف ثوب الرب، أنّها شُفيتْ في الحال، ووقف نزْف دمها.. فالتفتَ الربُّ العارف كلّ شيء، فاحص القلوب ومختبر الكُلى، وقال: «مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟» بالطبع لم يكن خافيًا على الرب.. بل لقد عرفها، عرف ما أضمرته في قلبها بالإيمان الذي سكنَ فيها، حين قالت: أنا إن لمستُ فقط طرف ثوبه شُفيت.لذلك بعد أن أظهرها الرب للجميع، مدح إيمانها، ودعاها ابنته، قائلاً لها: «ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ». والذي يجذب الانتباه قول الرب: «لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي». لأنّه لما سأل الرب من الذي لمسني؟ ملَكَ العجب على الذين كانوا حوله إذ قد كان الزحام حول الربّ شديدًا جدًّا، حتّى قال القديس بطرس ومَن معهُ «يَامُعَلِّمُ، الْجُمُوعُ يُضَيِّقُونَ عَلَيْكَ وَيَزْحَمُونَكَ، وَتَقُولُ مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي؟». فكانت إجابة الرب «قَدْ لَمَسَنِي وَاحِدٌ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي».الأمر إذن غاية في الوضوح، فشتَّان بين من يَزحِم وبين من يَلمِس، بين مَن كان معدودًا إنّه سائر مع المسيح أو قريب منه، وبين مَن يتلامس مع الرب تلامسًا حقيقيًّا. لقد خرجَتْ قوّة شفاء من الرب، واستقرّتْ في المرأة التي لمسته ليس بطرف أصبعها بل تلامسَت معه بقلبها العامر بالإيمان.كلّ مرّة أقترِبُ لألمس الرب، يلزمني هذا القلب وهذا الإيمان، لأشعر بالقوّة الخارجة وأتحصل عليها، ويقف نزيف الدم الذي يؤدِّي إلى الموت. ربى يسوع... العارف قلب كلّ واحدٍ، هَبني هذه النعمة، ومُرْ لي بالقوّة الخارجة من عندك، حتّى تسكُن أعماقي، فأشعر في الحال بنعمة الحياة.. حياة المسيح تدب فيَّ.. حينئذ يتوقّف عمل الموت في الحال. هبني يارب أن أتلامس معك كلّ يوم وكلّ ساعة.. ومهما يكُن مِن زحام حولك في كلّ مكان وكلّ زمان، أعطِني نصيب هذه المرأة، وأن أطلبك أنت وحدك من عمق نيتي، وأن لا يشغلني الزحام أو يعوّقني أو يعطّلني عن التلامس معك. لاسيّما يا سيدي حينما أقترب وأتلامس مع جسدك المقدس ودمك الكريم.. هو في الواقع تلامُس حقّ، لأنّ جسدك ودمك هما الحقّ بذاته. وما أحتاجه في الحقيقة هو خلوص النيّة واستقامة الغرض، لكي أتقرّب وأنا واثق أنّني حالما أتلامس تسري فيَّ قوّة الحياة والشفاء. فلتدركني نعمتك يا سيدي، واسمَح لعبدك أن يقترب منك للتلامس الحقيقي، فأحظى بهذا النصيب الصالح. وأخيرًا، إذ أقف أمامك معترفًا بفضلك عليَّ، وأُخبِر الكلّ بعمل نعمتك، أسمع صوتك الإلهى المُفعَم صلاحًا «ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ». وإذ أَنعَم بهذا السلام من فمِك الإلهي، تكون قد تبدّلَتْ الأمور في حياتي.. من مرض إلى صحة، ومن موتٍ إلى حياة، ومن خوف إلى سلام إلهي لا يُنطق به؛ آمين. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
26 نوفمبر 2020

شخصيات الكتاب المقدس آساف

"لأني غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار" مز 73: 3 مقدمة ربما لا يجد المرء في كل ما خطه القلم البشري، وصفا أروع وأبلغ من وصف المؤمن عندما يسقط فريسة الشك، مما كتبه يوحنا بنيان في كتاب: "سياحة المسيحي"، إذ صور هناك السائح المسيحي ومن معه يسيرون، ليجدوا أنفسهم وهم لا يدرون في أرض غريبة، وإذ ينامون ليلتهم يستيقظون في الصباح ليجدوا أنفسهم في قبضة جبار عات اسمه "جبار اليأس".. وقد أمسك بهم ليطوحهم في عنف وقسوة، في جب مظلم رهيب اسمه "قلعة الشك" ولعل بنيان وهو يصور هذه الحقيقة، كان يكشف عن خبيئة نفسه، عندما أحاط به الشك العاصف، بعد أن دخل السجن في 12 نوفمبر عام 1660م بعد أن اقتحم رجال الشرطة الكنيسة الصغيرة التي كان يعظ فيها وكانت عظته في ذلك اليوم مما جاء في إنجيل يوحنا: "فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجاً فوجده وقال له أتؤمن بابن الله" يو 9: 35.. وكان بينان يقول للحاضرين مخاطباً كل فرد فيهم. "أتؤمن بابن الله"؟ فأخذته الشرطة وقدمته للمحاكمة إذ كان شارل الثاني ملك انجلترا يحارب ويضطهد المؤمنين الأحرار الذين لا يريدون أن يخضعوا أنفسهم سوى لصوت الله والكتاب المقدس والضمير، وقد طلب القضاة من بنيان أن يمتنع عن الوعظ التبشيري مقابل أن يتمتع بالحرية والأمن، ولكنه رفض ليبقى في السجن اثنى عشر عاماً ذاق خلالها كل أنواع التجارب والآلام والأهوال، كانت زوجته وأولاده يزورونه في السجن، وكان أشد ما يؤلمه رؤية ولده الصغير الأعمى ولقد صاح مرة: “يا طفلي المسكين.. ما أكثر ما ترى في حياتك من مأساة، وإن كنت لا أستطيع أن أتحمل مر النسيم عليك”!. وخاض بنيان معركة الشك، وانتصر فيها الانتصار الحاسم، وكتب كتاب “سياحة المسيحي” و“الحرب المقدسة” من زنزانة السجن ودون أن تناله الهزيمة بأية صورة من الصور،.. وقبل بنيان بما يقرب من ستة وعشرين قرناً، دخل آساف ذات المعركة، وهو يرى مظاهر الصراع القاسي بين الخير والشر، وخرج إلى العالم بمزاميره المنتصرة. ولعل قصته يمكن أن تعطينا لذلك أغلى الدروس: آساف وتجربته ليس هناك من شك أن المزمور الثالث والسبعين قد كتبه آساف النبي المرنم في إسرائيل، وأن عشرة مزامير أخرى تحمل اسم آساف، وقد يختلف الشراح في نسبة بعضها إليه،.. ولكن الطابع العام المتقارب في هذه المزامير يكشف عنه المزمور الثالث والسبعون، وهو التجربة التي أحس بها آساف تجاه مشكلة الشر في الأرض، وقد أثرت ظاهرة الشر في أفكار الرجل، وعواطفه، وكانت على وشك أن تغير مساره وتاريخه بالتمام، كيف يمكن تفسير ظاهرة الشر مع وجود الله الكلي الحكمة، والقدرة، والمحبة؟ وكيف تبدو هذه الظاهرة فيما تترك من طابعها المدمر الرهيب الملحوظ بين الناس!!.. لقد بدت عند آساف أولاً: في ثروة الأشرار المتزايدة: "هوذا هؤلاء هم الأشرار ومستريحين إلى الدهر يكثرون ثروة".. وبدت عند أيوب من قبل يوم قال: "عندما أتذكر أرتاع وأخذت بشرى رعدة لماذا تحيا الأشرار ويشيخون نعم ويتجبرون قوة، نسلهم قائم أمامهم معهم وذريتهم في أعينهم بيوتهم آمنة من الخوف وليس عليهم عصا الله ثورهم يلقح ولا يخطيء، بقرهم تنتج ولا تسقط يسرحون مثل الغنم رضعهم وأطفالهم ترقص".. وبدت في لغة المسيح سيدنا في صورة مؤلمة قاسية مثيرة: "كان إنسان غني وكان يلبس الأرجوان والبز ويتنعم كل يوم مترفهاً وكان مسكين اسمه لعازر الذي طرح عند بابه مضروباً بالقروح ويشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني بل كانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه".. ولست أعلم لماذا يضع الله الرجلين جنباً إلى جنب وفي مكان واحد، وعلى هذه الصورة الرهيبة من التباين والتباعد! وهل قصد المسيح أن يصور حال الدنيا على هذا الوضع الغريب الذي يتقابل فيه فقر المؤمنين مع غنى الأشرار، ولئن كان لعازر لم يتحدث إلينا عن الآلام النفسية العميقة التي كانت تملأ قلبه، وهو يقارن بين حاله وحال الغني الذي يتنعم كل يوم وهو على قيد خطى قليلة منه،.. غير أن آساف تحدث عن عمق ألمه وتجربته، وهو لا يرى مجرد الأغنياء فحسب، بل تزايد ثرواتهم على نحو رهيب، وكلنا مرات كثيرة "آساف" في الحياة المعاصرة، ويكفي أن تقرأ الصحف أو الكتب أو المجلات، لكي نرى مدى الصعود الغريب السريع لأشر الناس في الأرض، وهم يتحولون من أصحاب الآلاف إلى عشرات الألوف إلى مئات الألوف إلى أصحاب الملايين، والبلايين والمليارات،.. وهل نقرأ عن الأموال التي لا تعد ولا تحصى، ويحصل عليها الناس بأشر الأساليب، وأفحش الوسائل، وأقسى السبل، وليذهب الحق والخير والفضل والهدوء والراحة والسلام، إلى الجحيم ما داموا يصلون إلى معبودهم الذي رفعوه إلى مستوى الله، وعبدوه بكيفية يمكن أن يقال معها بكل يقين ما قاله السيد: "لا تقدروا أن تخدموا سيدين الله والمال"؟!. إن المال عند الأشرار وخلفه الحروب والمفاسد والشرور التي قلبت كل الأوضاع في الأرض، فأعطت من لا ينبغي أن يأخذ، وأخذت ممن ينبغي أن يساعد وبنت قلاعاً للشيطان ينبغي أن تهدم،.. وهدمت قلاعاً لله ينبغي أن تقوم وترتفع!!.. كل هذا يمكن أن يقترب بالمؤمن من خطوة الانزلاق ليقول. "أما أنا فكادت تزل قدماي لولا قليل لزلقت خطواتي" "هوذا هؤلاء هم.. الأشرار يكثرون ثروة".. وكانت التجربة الثانية أمام آساف: راحة الأشرار: ".. ومستريحين إلى الدهر".. وقد بدت هذه الراحة أمامه: "إذ رأيت سلامة الأشرار لأنه ليست في موتهم شدائد وجسمهم سمين ليسوا في تعب الناس ومع البشر لا يصابون".. فإذا ترجمنا هذا الكلام، فإننا نجد عاموس واحداً من أبرع المترجمين القدامى إذ يقول: "ويل للمستريحين في صهيون والمطمئنين في جبل السامرة.. أنتم الذين تبعدون يوم البلية وتقربون مقعد الظلم المضطجعون على أسرة من العاج، والممتدون على فراشهم، والآكلون خرافاً من الغنم، وعجولاً من وسط الصيرة الهاذرون مع صوت الرباب، المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود، الشاربون من كؤوس الخمر، والذين يدهنون بأفضل الأدهان ولا يغتمون على انسحاق يوسف"... وإذا حولناه إلى لغة العصر الحديث، فإنه يعطي صورة للإنسان الذي اخترع المخترعات الحديثة، الإنسان الذي يطلق عليه "إنسان الأزرار، فهو يمد إصبعه ليضغط على الزر، وهو متمدد في مكانه، أو جالس على نغم الموسيقى، في أمكنة التكييف، وقد طوع لنفسه كل شيء في السفر، والسكن، والملبس والمشرب، ولا يكلفه هذا كله، سوى أن يضغط بطرف إصبعه على الزر، والدنيا كلها عند قدميه، وهو يرى نفسه في راحة ما بعدها راحة وفي عز ما بعدها عز،.. هذا في وقت قد يشقى فيه المؤمن، وهو يجد لقمته بصعوبة بالغة في أرض العرق والدموع!!.. وهو قد يعاني من هذا أو ذلك، فيجف نهره في أرض المجاعة، وهو يتنقل في حاجته بين عطايا الغربان أو مساندة أرملة فقيرة تقش عيدانها، باحثة عن لقمة عيش ستأكلها هي وابنها الصغير، ثم يموتان جوعاً بعد ذلك،.. كلنا آساف في بعض المواطن ونحن نرى هذا الوضع المقلوب في الأرض!!.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن آساف رأى شيئاً، إذ رأى الكبرياء المذهلة التي تتملك الأشرار: "تقلدوا الكبرياء.. جعلوا أفواههم في السماء وألسنتهم تتمشى في الأرض".. أي أنهم لبسوا الكبرياء كالقلادة في العنق، إذ يبدو عنقهم ملتوياً، وأفواههم شامخة إذ يتكلمون بكبرياء المرتفعين في لغة نبوخذنصر القائل: "أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي؟"، دون أن يعلموا أن العلي متسلط في مملكة الناس،.. أو في لغة آدوم الذي قيل عنه: "تكبر قلبك قد خدعك أيها الساكن في محاجي الصخر رفعة مقعده القائل في قلبه من يحدرني إلى الأرض".. والكبرياء دائماً ساخرة مستهزئة، تتعالى على الله والناس، وهي أشبه بقبضة الغلام الصغير الذي رفع عينيه نحو السماء، ولوح بقبضته مهدداً القدير،.. ومن المتصور أن يحتمل كل هذا كما يحتمل عبث الأطفال. ولكن المشكلة عند آساف أن هذا قد انصرف إلى الظلم البين الرهيب الذي وقع المؤمنون ضحيته، إذ: "لبسوا كثوب ظلمهم،.. ويتكلمون بالشر ظلماً من العلاء يتكلمون".. أو في لغة حبقوق: "حتى متى يا رب ادعو وأنت لا تسمع أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلص لم تريني اثما وتبصر جورا وقدامى اغتصاب وظلم ويحدث خصام وترفع المخاصمة نفسها لذلك جمدت الشريعة ولا يخرج الحكم بتة لأن الشرير يحيط بالصديق فلذلك يخرج الحكم معوجاً":.. ألم يدفع هذا سليمان إلى القول: "ثم رجعت ورأيت كل المظالم التي تجري تحت الشمس فهوذا دموع المظلومين ولا معز لهم ومن يد ظالميهم قهر أماهم فلا معز لهم فغبطت أنا الأموات الذين قد ماتوا منذ زمان أكثر من الأحياء الذين هم عائشون بعد. وخير من كليهما الذي لم يولد الذي لم ير العمل الرديء الذي عمل تحت الشمس".. وقد فاضت الكأس آخر الأمر عند آساف بأن الأشرار في كل هذا قد طرحوا الله وراء ظهورهم، فهم لا يكادون يرونه أو يبالون به: "وقالوا كيف يعمل الله وهل عند العلي معرفة".. إنهم يعيشون ويفعلون دون أن يقيموا للقدير حساباً، أو يروا فيه رقيب الناس المطلع على الظاهر والخفي في الحياة!!.. آساف المصاب هذه المظاهر الشريرة انتهت بآساف إلى الحالة الشقية التعسة التي وصل إليها في القول: "وكنت مصاباً اليوم كله وتأدبت كل صباح".. لقد أدرك آساف بأن هذه المظاهر الشريرة لابد أن تصيب أحداً، إذ هي غير طبيعية، وغير متفقة مع ناموس العدالة الإلهية، فإذا كان الأشرار: "ومع البشر لا يصابون".. فإن الإصابة بدورها تتحول إلى المؤمنين، وهي إصابة دائمة ومتكررة، إذ أنها اليوم كله وتتجدد كل صباح، أو في لغة أخرى: إنها كالمرض المزمن العميق الذي تظهر له مضاعفات متعددة على الدوام،.. مرض المؤمن برؤية الشرير في الأرض،.. عاد هنري دراموند ذات يوم إلى بيته، ووجهه ناطق بالأسى والألم العميق، وإذا سأله أحدهم: هل أنت مريض؟.. أجاب: نعم أنا مريض بالناس وبشرهم وخبثهم وحقدهم وقساوة قلوبهم ووحشيتهم التي لا تنتهي!!.. فما هو نوع المصاب الذي وصل إليه آساف؟ لقد أصيب أولاً بالحسد: "غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار"... ولقد صور واحد من المؤمنين هذه الغيرة في القول: إنه كان شريكاً مع آخر في شركة تجمعهما معاً،... وذات مرة دعاه شريكه إلى عمل آخر، غير أنه رفض إذ أن هذا العمل لا يمكن أن يتم إنجازه مع الاحتفاظ بالمباديء الصحيحة السليمة، وبعد فترة وكان الآخر قد ذهب إلى العمل، وأصاب نجاحاً مادياً كبيراً- فرق بينه وبين شريكه من الوجهة المادية إلى حد بعيد،.. أرسل المؤمن إلى أحد الرعاة يقول له: ها أنا قد تمسكت بالمباديء المسيحية العلمية!!.. ولكن ماذا كانت النتيجة!!؟.. أليست هذه صرخة الكثيرين من أبناء الله، الذين يصابون بالألم العميق، عندما يؤخذ حقهم ليعطي لمن لا يستحق؟، والذين كلما تمسكوا بالحق والشرف والأمانة والصدق، كلما واجهوا السجن والآلام، والتشريد، والمتاعب، وما أشبه؟!كتب أحدهم مقالاً عن ابراهام لنكولن تحت عنوان "الفاشل العظيم" وهو يروي قصة المتاعب التي لاقاها الرجل حتى مصرعه الأخير، نتيجة تمسكه بالمبدأ، ورغبته في عدم التخلي عنه مهما كان الثمن... عندما سقطت الظلمة على عيني ملتون قال له الأطباء: ينبغي أن تكف عن العمل إذا رمت أن تبقى على بصرك، أما هو فأجاب: كلا أن أكون أعمى وأتمم عمل الله وإرادته، خير عندي من أن أبصر بعيداً عن هذا العمل والإرادة،.. قد يفقد الشاب شيئاً ما، كان يمكن أن يحصل عليه، لو سلك السبيل العالمي، وقد يأتيه الشيطان ليهمس في أذنه، والآن ماذا أخذت؟!! وقد يصل إلى النقطة التي وصل إليها آساف: "غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار" وثمة أمر آخر ضاعف الألم والصعوبة عند الرجل القديم، هو أنه المصاب الذي لم يحصد نتيجة سريعة يمكن أن تعطيه تعويضاً عما ضاع منه أو فاته إلى الدرجة التي اهتزت معها الأسس الدينية عنده: "حقاً قد زكيت قلبي باطلاً وغسلت بالنقاوة يدي"... وإنها مصيبة، وأية مصيبة أن يتقوض في أعماق الإنسان الإحساس الداخلي بقيمة الدين أو فائدته!!... إن مثوبة الحق الأولى والأهم، ليس في أنه يمكن أن يعطي مغنماً مادياً أو أدبياً، بل لأنه أولاً وقبل كل شيء هو الحق، ونقاوة القلب في حد ذاتها هي أهم مكافأة للإنسان حتى ولو عذب أو مات شهيداً،.. لكن المؤمن مع ذلك يعيش منتظراً نتيجة محسوسة لحياته الدينية في مواجهة المتطلبات والمشاكل التي تربطه بالعالم!!.. فإذا أضيف إلى ذلك أن المصاب كان قاسياً وشديداً، لأنه كان مكبوتاً: "لو قلت أحدث هكذا لغدرت بجيل بنيك".. وقد يهون المصاب إذا وجد المتألم أذنا تسمعه أو تعطف عليه،.. لكن آساف تحول إلى مرجل مكبوت شديد الغليان، ولعل مشاعره كانت ذات المشاعر التي أصابت إرميا عندما تحدث إلى الله قائلاً: "قد أقنعتني يا رب فاقتنعت وألححت علي فغلبت. صرت للضحك كل النهار كل واحد استهزأ بي لأني كلما تكلمت صرخت ناديت ظلم واغتصاب لأن كلمة الرب صارت للعار وللسخرية كل النهار فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم أستطع" لم ينجح إرميا في الاحتفاظ بالصمت، والامتناع عن ذكر اسم الله، إذ ملأت النيران قلبه، وحاصرت عظامه، حتى تكلم ونطق،.. وكانت المشكلة بالنسبة لآساف تختلف إلى حد ما، فهو لا يريد أن يتكلم، وعلى وجه الخصوص أمام الشباب، لأنه لو تحدث إليهم عن الشكوك التي تملأ نفسه وصدره، لأجهز على إيمانهم الغض الحديث بالله،.. وقد انتهى الموقف بالنسبة للمصاب أنه أضحى واقفاً على حد الضياع والكارثة، وقد أضحت الطريق أمامه رخوة زلقة، كادت تزل معها قدماه، ولولا قليل لزلقت خطواته،.. لقد أضحى آساف أشبه بالمريض الذي يقف على الخط الفاصل بين الحياة والموت!!.. كان مرضه عميقاً، وكان مرضه خطيراً!!.. آساف والعلاج كيف أمكن أن يجد آساف علاجاً لهذا الضياع الذي أوشك أن يلم به؟؟ لقد وجد العلاج في تأدية الواجب رغم الشكوك العميقة التي كانت تملأ صدره، لقد كان آساف نبياً، ورائياً، وموسيقياً،.. وربما استمر سنوات متعددة يحيط الضباب برؤياه، وتحيط الأحزان بصنوجه وموسيقاه،.. لكنه لم يكف عن الخدمة، أو يتقاعس عن الرسالة أو يطوح بآلاته الموسيقية حتى يعود مرة أخرى إيمانه بالله،.. كانت المعركة الداخلية بينه وبين نفسه أمام الله،.. وكان أشبه بالواعظ الإنجليزي العظيم فردرك روبرتسن، الذي كانوا -لفرط بلاغته وإبداعه- يطلقون عليه "واعظ الوعاظ"، إذ كانت عظاته نموذجاً رائعاً يمكن أن يتعلم منه الوعاظ كيف يتكلمون ويعظون!!.. هذا الرجل خاض في حياته معركة من أقسى معارك الشك، حتى انتصر دون أن يتراجع أو يتقهقر عن الرسالة والخدمة،.. إن أعظم علاج للشك، هو الاستغراق في الخدمة، وبذل الجهد المتواصل فيها، إذ أن التجربة تفرخ دائماً في أحضان الفراغ والبطالة، والجندي الذي يشغل نفسه بالصراع في المعركة، ليس عنده من الوقت أو المجال ما يجعله ينساق هنا أو هناك وراء أحابيل الخطية أو شراكها المخادعة!!.. على أن آساف -مع ذلك- وجد المكان العظيم للانتصار على الوساوس والشكوك "مقادس العلي" حيث دخل هناك إلى الشركة العميقة مع الله،.. لقد عزل نفسه عن العالم، إذ أنه لا يستطيع أن يرى الرؤية الصحيحة، وزيف العالم أمام عينيه، ولا يستطيع أن يسمع صوت الله، وضجيج العالم يملأ أذنيه،.. ومن ثم فهو في حاجة إلى المكان الهاديء العميق في بيت الله، إلى الخلوة الصحيحة مع سيده وإلهه دون مقلق أو مزعج،.. ولعله السيد المسيح كان يقصد هذا المعنى عندما قال: "ادخل إلى مخدعك واغلق بابك"... فليس يكفي أن ندخل المخدع، بل نغلق الباب على كل ما يصل بيننا وبين العالم الخارجي بغروره وشروره وأوهامه وخياله، وهناك نتحدث إلى الله، وهناك نسمع صوته،.. هل نستطيع في الكنيسة والمخدع والعزلة مع الله، أن نواجه كافة المتاعب والمخاوف، والشكوك والصراع، ونجد الحل الذي نفتقر إليه ولا نجده في أي مكان آخر؟.. وقد وجد المصاب علاجه في صفاء الرؤية: “حتى دخلت مقادس العلي وانتبهت”.. لقد سقطت القشور عن عينيه، وانتبه، وماذا رأى؟.. لم يعد يرى المظاهر المخادعة، بل أضحى يبصر الرؤيا الحقيقية، ولم يعد الأشرار أمامه بالصورة القديمة، رآهم في سقوطهم الكامل العظيم،.. رأى مزالق الضياع، رأى البوار بل رأى الخراب المباغت، رأى الاضمحلال، رأى الدواهي المضنية، رآهم كالحلم العابر الذي ذهب كالخيال عند التيقظ،.. ولقد ملأت هذه الرؤية قلبه ونفسه، حتى أدرك أنه كان بليداً ولا يعرف وكان أشبه بالبهيم فيما تصور،.. لقد عرف كل ذلك عندما أدرك فكر الله ورأيه وهدايته في قلب المخاوف والوساوس،.. في الكلمة "انتبهت" الفرق الحاسم بين البصر والبصيرة، وبين ظاهر المنظر وعمق الحقيقة، ولعل هذا هو الذي دعا المرنم أن يقول: "اكشف عن عيني فأرى عجائب من شريعتك".. إذ لا يمكن أن يعثر الإنسان على الحقيقة من تلقاء نفسه دون مساعدة أو مساندة الله، في مقادس العلي!!.. عش حياة التأمل والصلاة، وادخل إلى عمق الشركة، وهناك تعثر على الحقيقة التي لا شك فيها!!... آساف والأغنية انجابت الزوبعة عن قلب الرجل، وصفا الجو من الغيوم الكثيفة التي حجبت الشمس، ورفع الرجل صوته مغنياً للرب الصالح، واستهل مزموره بالقول: "إنما صالح الله"، أو يمكن أن تكون العبارة: "بالتأكيد صالح الله".. أو أنه ليس هناك شك أو ريب في الله الصالح، أليس هذا عين ما قاله إرميا في مراثيه: "طيب هو الرب للذين يترجونه للنفس التي تطلبه" وقاله حبقوق بعد العاصفة النفسية التي اجتاحته: "فمع أنه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعاماً ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المذاود فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي الرب السيد قوتي ويجعل قدمي كالأيائل ويمشيني على مرتفعاتي".. من عهد غير بعيد حدث زلزال مروع في الجزء الغربي من الولايات المتحدة، وقد دمر هذا الزلزال كثيراً من المباني والممتلكات، غير أنه عوض أصحابها تعويضاً لم يكن في الحسبان إذ كشف في قلب الأرض التي مزقها عن مناجم غنية بالذهب،.. وكم تأتي التجارب القاسية بغنى الاختبارات، التي تؤكد أن الرب طيب وصالح وإلى الأبد رحمته!!... لقد تحدثنا في مطلع الأمر عن يوحنا بنيان، وما من شك أن دخوله إلى السجن كان بمثابة الكارثة المروعة له،.. لقد أراد أن يبشر جيله، في الكنيسة الصغيرة التي كان يعظ فيها، وشاء له الله أن يمنع من ذلك، ليتكلم إلى عالم أوسع وأعظم، وأكثر امتداداً فيما كتب عن الرحلة الخالدة، من مدينة الهلاك إلى جبل صهيون وقاد أجيالاً وراء أجيال في سياحته العظيمة إلى المدينة الخالدة التي صانعها وبارئها الله!!... كان الرب صالحاً وهو يخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة!!كشف آساف في الدراما الخالدة التي كتبها لا عن الفصل الأول فقط في حياة الأشرار بل عن الفصل الأخير أيضاً، وقد تأكد الرجل أن الشر قد يكسب معركة، ولكنه لابد أن يخسر الحرب، وقد كان دقيقاً في التصوير إذ ربط بين يد الله الخفية، وبين المظهر الفجائي، ففي الوقت الذي نرى فيه يد الله في القول: "حقاً في مزالق جعلتهم أسقطتهم إلى البوار".. نجد الحوادث الظاهرة، أو أسباب الثانوية المباشرة: "كيف صاروا للخراب بغتة اضمحلوا فنوا من الدواهي".. وقد يتعجب الناس للسقوط المفاجيء، الذي قد يأتي في أوج المجد والقوة، حسب المظهر الخارجي،.. ولكن الشر أشبه بالنمل الأبيض، الذي يدخل في جسم الخشب ليأكل لبه، وعندما يستعمل الخشب في بناء المنازل أو الكباري، لا تلبث أن تنهار، وبهذا المعنى ينخر الشر والفساد والخطية في حياة أي فرد أو أمة، وتقوضها فجأة أبشع تقويض!!.. وقد رأى آساف كل هذا، وأمكنه أن يرى الله خلف كل هذه النهاية الرهيبة الداوية في حياة الأشرار،... وإذا قرأنا المزامير الأخرى خلاف المزمور الثالث والسبعين -والتي يعتقد أن آساف كاتبها- نجد الله لا يبدو في صورة الساكن الذي لا يتحرك أمام آثام الأشرار أو خطاياهم، بل نراه شديد القوة والبطش: "الله معروف في يهوذا اسمه عظيم في إسرائيل كانت في ساليم مظلته ومسكنه في صهيون هناك سحق القسى البارقة المجن والسيف والقتال".. "اللهم في القدس طريقك أي إله عظيم مثل الله أنت الإله الصانع العجائب عرفت بين الشعوب قوتك فككت بذراعك شعبك بني يعقوب ويوسف أبصرتك المياه يا الله أبصرتك المياه ففزعت ارتعدت أيضاً اللجج سكبت الغيوم مياها أيضاً سهامك طارت صوت رعدك في الزوبعة أضاءت المسكونة ارتعدت ورجفت الأرض في البحر طريقك وسبلك في المياه الكثيرة وآثارك لم تعرف هديت شعبك كالغنم بيد موسى وهرون" وغنى آساف آخر الأمر بالمكان الذي اختاره في هذه الدراما العظيمة، إذ أخذ مكانه إلى جانب الله: "ولكني دائماً معك أمسكت بيدي اليمنى برأيك تهديني وبعد إلى مجدك تأخذني" لم يعد يرى في السماء أو الأرض إلا شخص الله: "ونصيبي الله إلى الدهر" "أما أنا فالاقتراب إلى الله حسن لي، جعلت بالسيد الرب ملجأي لأخبر بكل صنائعك".. أين هذا من المكان الآخر مكان الأشرار، ممن ابتعدوا عن الله، وكانوا بهذا كمن يرتكب الفسق والزنا "لأنه هوذا البعداء عنك يبيدون تهلك كل من يزني عنك".. "لأن خارجاً الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان وكل من يحب ويصنع كذباً"... هل تعرف أيها القاريء الصديق: أين مكانك في مسرحية الحياة؟؟. كان هناك مبشر في نيويورك تعود أن يطرق نوافذ البارات، وعندما يطل السكارى والمعربدون يسمعونه يقول لهم: "لأن أجرة الخطية هي موت"... وهي الكلمة التي يستطيع آساف أن يقولها لكل البعداء عن الله،.. وفي الوقت عينه يستطيع أن ينادي المؤمنين، ولو في قلب المتاعب والآلام والتجارب... "وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا!!"...
المزيد
25 نوفمبر 2020

الأعذار و التبريرات

إن كنت يا أخي تريد أن تحيا في حياة التوبة الحقيقية, فلا تحاول أن تقدم أعذارًا وتبريرات عن كل خطية تقع فيها. فالتبريرات تعنى أن الإنسان يخطئ, ولا يريد أن يتحمل مسئولية أخطائه. ويعتبر كأنما كان الخطأ شيئًا طبيعيًا هناك أسباب دعت إليه, أو كأن لا خطأ في الأمر! فإن كان يجد لخطيئته ما يبررها, فكيف يتوب إذن عنها؟!التبريرات هي محاولة لتغطية الأخطاء, بإيجاد مبرر لها! وهكذا ما أسهل أن يستمر المخطئ فيها, وعذره معه ويظن بهذا أنه يخرج بلا لوم ولا عيب أمام الناس, وربما أمام نفسه أيضًا, لكي يريح ضميره إذا احتج عليه... ولكن حتى لو قبل الناس منه ما يقدمه من أعذار, وحتى لو استطاع هذا المخطئ أن يخدع نفسه ويخدّر ضميره ليقبل منه تلك التبريرات, فإن الله لا يقبلها, لأنه عالم بكل شيء وفاحص القلوب والنيات.حقًا ما أصدق الذي قال إن طريق جهنم مفروش بالأعذار والحجج والتبريرات إن الإنسان المتواضع- إذا أخطأ- يعترف بما ارتكبه من خطأ. أما غير المتواضع وغير التائب, فإنه يحاول أن يجد تبريرًا عند ارتكاب الخطيئة, وبعد ارتكابها أيضًا, وكلما دام الحديث عنها بصفة عامة ويؤسفني أن أقول إن توالى الأعذار والتبريرات عند مثل هذا الشخص تجعل القيم والمبادئ عنده تهتز... ومادام كل خطأ يمكن له تغطيته. فلا توجد إذن مثل يسير على مناهجها أو روحيات يتمسك بها وسنحاول هنا أن نذكر بعض الأعذار التي يعتذر بها البعض ممن لا يسلكون حسنًا في حياتهم. 1- يقولون كل الناس هكذا (الكل كده), فهل نشذ عن المجتمع؟وكأنهم بهذا يعتبرون أن الخطأ إذا صار عامًا, لا يلام عليه الفرد! أي صار الخطأ العام مبررًا لخطأ الفرد. وكأن نقائص المجتمع كله لم تعد تناقص! كلا, فالخطأ هو خطأ, عامًا كان أو خاصًا. ومن أجل هذا, يقوم المصلحون الاجتماعيون بإصلاح أخطاء مجتمعاتهم. وكذلك يهاجم تلك الأخطاء: أصحاب المبادئ من رجال القلم ومن الوعاظ.إن أبانا نوحًا البار لم يندمج مطلقًا في أخطاء وفساد المجتمع في أيامه, وهكذا نجا في الفلك مع أسرته. ويوسف الصديق كان يعبد الله, بينما كانت كل العبادات التي حوله فرعونية. والأبرار باستمرار يحتفظون بمبادئهم السامية مهما كان الخطأ عامًا. وعلى العكس- يمكن أن يقال- إن الخطأ إذا كان منتشرًا, فهذا يحتاج إلى حرص أكبر لتفاديه.وهكذا أنت, عش بروحياتك السليمة, حتى لو عشت بها وحدك وإن لم تستطع أن تؤثر على المجتمع وترفعه إلى مستوى أعلى فعلى الأقل لا تندمج في الأخطاء المنتشرة, ولا تجعلها تؤثر عليك.والمفروض في الإنسان البار أن يطيع ضميره ولا ينجرف مع التيار الخاطئ. 2- البعض يعتذر بالعوائق, بينما يليق بالأقوياء أن ينتصروا على العوائق إن القلب القوى يمكنه أن يجد وسائل عديدة لتنفيذ الغرض النبيل الذي يهدف إليه, مهما صادفته عقبات وعوائق.. يقول الآباء الروحيون "إن الفضيلة تريدك أن تريدها لا غير". نعم, يكفى أن تريد, وحينئذ تجد النعمة تفتح أمامك أبوابًا كانت مغلقة إذن لا تعتذر بالعوائق, إنما ضع أمامك أن تنتصر عليها.. ولا تكن دوافعك الداخلية إلى عمل الخير ضعيفة بحيث تمنعها العوائق. 3- يعتذر البعض بشدة الضغوط الخارجية, أو بعنف الإغراء الخارجي.ولكن القلب الثابت من الداخل, لا يقبل أن يخضع لأي ضغوط خارجية, ولا يسقط بسببها, ولا يتخذها تبريرًا لسقوطه. إنما يبرر سقطته بسبب الضغوط الخارجية, ذلك الشخص الذي ليست محبته للفضيلة قوية.وخذوا يوسف الصديق كمثال رائع للانتصار على الضغط الخارجي الذي وقع عليه من امرأة سيده. فهي التي كانت تطلب منه الخطيئة, وتلح عليه, وهو تحت سلطانها تسئ إلى سمعته في حالة رفضه لها. ولكنه كان أقوى من الأغراء, وانتصر ولم يبالِ بما يحدث له... 4- قد يعتذر البعض بأنه ضعيف, والوصية صعبة!ربما تقول بأنك ضعيف, إم لم تضع معونة الله في اعتبارك. فأنت لست وحدك, إنما معك النعمة الإلهية التي تسند الضعفاء. ثم لا تقل عن وصية الله إنها صعبة لأنها لو كانت صعبة, ما كان الله أمر بها. كيف يأمر بما لا يمكن تنفيذه؟! إنه لا يأمرنا بالمستحيل. بل عندما يعطى الله وصية, إنما يمنح في نفس الوقت القدرة على تنفيذها طوباهم أولئك الجبابرة الذين انتصروا على قلوبهم من الداخل, ولم يعتذروا بصعوبة الوصية كما نفعل نحن في تبرير أنفسنا..! 5- هناك من يقصّر في أمور العبادة من صلاة وتسبيح وصوم وقراءات مقدسة, معتذرًا بأن نقاوة القلب تكفى, والله هو أله قلوب!فمن الذي قال إن نقاوة القلب تغنى عن هذه الممارسات الروحية؟!إن الإنسان البار يجمع بين الأمرين معًا: نقاوة القلب وكل الممارسات الروحية التي هي ثمرة طبيعية لنقاوة القلب.وما أعمق عبارة "افعلوا هذه, ولا تتركوا تلك". قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
24 نوفمبر 2020

المُشَرَّدُونَ فِي الأَرْضَ

بسبب ويلات الحروب الأهلية والإرهاب الدموي؛ نزح ملايين البشر ، ولازالت الإحصائية الرسمية للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين UNHCR غامضة بشكل مطلق بسبب التواتر المتزايد لعمليات التشرد واتساع دوائر المخيمات المكتظة بالنازحين، فمن وجهة اجتماعية يحتاج هؤلاء البشر إلى المأو ى والمأكل والكساء والمياة والإسعافات والخدمات الطبية والتعليم المدرسي؛ الأمر الذي عجزت عنه برامج الغذاء العالمي World Food Programme . الاحتياج الأهم من كل هذا هو حل أزماتهم السياسية التي عقدتها عصابات الأصولية الدموية والمصالح والقوى والفتوات والتشابكات الدولية والإقليمية. مما جعل جحيمهم مستمرًا بلا أي أفق وسط مناخ غاية في الصعوبة؛ يعكس عطش العالم كله للحق والعدل والصلاح والجمال، بل يعكس عطش العالم للمعنى والوجود الذي لا يمكن لأحد أن يتهرب منه، ولا بمقدور أحد أن يصم الأذن أو يغض البصر عنه . العالم اليوم يعيش قانون الغاب "القوي يأكل الضعيف" النمر يأكل الغزال، الذئب يلتهم الحمل، الصقر يقتنص الأرنب، الأسد يفتًرس الجميع، بقاعدة الوحشية، إنتٍ "لي الحق" أن أفتًرسك لأني الأقوى والأشرس. لذلك لا يقاس تقدم الجماعة البشرية بمعيار تقدم العلم والتقنية لكن بقيمة الإنسان، ويقاس بأولية القيم الروحية والأخلاقية؛ حتى ينتصر الضميرالبشري على أغراض الهيمنة والاستعمار والفتوحات والإرهاب الذي سيفنى ويُفقر الإنسان.لقد قل الوعي العام بكرامة الإنسان وبحقه في حرية التعبير والفكر والتنقل والهجرة والجهر بالدين والمشاركة؛ التي هي جوهر كرامة كل كائن بشري ببعده الإنساني التام من غيرانتقاص. إن جميع الأشخاص أُعطُوا عقلاً وإرادة حرة واختيارًا، يلزم على الجميع ضبطها وأتباعها مع جميع أمم الأرض؛ وهو ما تنادي به كنيسة المسيح كضمير لهذا العالم .فهذا العام تحديدًا ترك ملايين من المسيحيين أرض الآباء والأجداد وهجِّروا قسريًا، تخلواعن أرضهم وأرزاقهم ومقتنياتهم وعيشهم الكريم وحضارتهم التي أسهموا في بنائها...حامليين صليبًا ثقيلاً في عيش صعب؛ بعد أن فقدوا كل شيء وخُطفوا وتعذبوا وفقدوا أحباءىم وسلبوا.والآن يعيشوا مصيرا مخيفًا، وصليبهم الأكبر في صمت الأخيار وأصحاب الضمائر عن قضية حياتهم؛ لكننا نضعهم في صلاتنا كل حين وفي أولوية أجندة أعمالنا واهتمامنا،ونقول لهم لستم وحدكم تحملون الصليب... صليب أنكم مسيحيون، فكل منا قيرواني يحمل معكم صليبكم ومهما طال درب الجلجثة فإن أُفق القيامة تحل علينا .إن مسيحنا القدوس اللاجئ الأول، عندما أتى هار بًا إلى مصر من بطش هيرودس الدموي... متغربًا فيها، وقد حُفظت حياته ونجا من مذبحة أطفال بيت لحم ومن يد الناقميين حتى يضمن الحياة للعالم بتدبير خلاصه.ولا زال إلى الآن الذين يطلبون نفس الصبي من أعداء صليبه يسعون قتلاً وحرقًا وإجرامًا وإرعاباً ضد المؤمنيين بإسمه، والحقائق على الأرض مكشوفة أمام الجميع في خديعة الإثم،لكن رجاؤنا عالٍ في ذراع قدس الرب ليعلنها أمام عيون كل الأمم فتًرى كل أطرافها خلاصه وتعمل عمل الدهور كلها... يارب إليك نصرخ يا ضابط الكل أن ترحم جُبلتك التي صنعتها يداك وتجمعها بمراحمك من الشتات. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
23 نوفمبر 2020

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح(17) الأستنارة الروحية

الاستنارة الروحية وضرورتها ... مفهموم الاستنارة الروحية .. يقصد بها ان يكون للانسان عيون روحية وبصيرة قادرة على تمييز ومعرفة الحقائق الروحية التى يكشفها روح الله للانسان المجاهد فى طريق الفضيلة . انها المعرفة التى تعطي بالنعمة الإلهية لكي تعلم وتعقل وتقوي المؤمن في حياة الجهاد والفضيلة لنكون ابناء لله { لذلك انا ايضا اذ قد سمعت بايمانكم بالرب يسوع ومحبتكم نحو جميع القديسين. لا ازال شاكرا لاجلكم ذاكرا اياكم في صلواتي.كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح ابو المجد روح الحكمة والاعلان في معرفته. مستنيرة عيون اذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين. وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته}أف 15:1-19. ان الاستنارة الروحية تتأتى للمؤمن بعمل الروح القدس فى المعمودية وينميها من خلال التوبة وشركة وعطية الروح القدس بالصلاة والجهاد والتواضع ليكون للانسان الوعى الداخلى والحكمة والتمييز ومعرفة الله وحكمته وحقيقة الاشياء وفهمها والشفافية الروحية لمعرفة ارادة الله وصوته والتصرف السليم نحو العالم الحاضر والأتي {لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين و لكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون. بل نتكلم بحكمة الله في سر الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا. التي لم يعلمها احد من عظماء هذا الدهر لان لو عرفوا لما صلبوا رب المجد. بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع اذن ولم يخطر على بال انسان ما اعده الله للذين يحبونه. فاعلنه الله لنا نحن بروحه لان الروح يفحص كل شيء حتى اعماق الله. لان من من الناس يعرف امور الانسان الا روح الانسان الذي فيه هكذا ايضا امور الله لا يعرفها احد الا روح الله. ونحن لم ناخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الاشياء الموهوبة لنا من الله. التي نتكلم بها ايضا لا باقوال تعلمها حكمة انسانية بل بما يعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات.ولكن الانسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لانه عنده جهالة ولا يقدر ان يعرفه لانه انما يحكم فيه روحيا. واما الروحي فيحكم في كل شيء وهو لا يحكم فيه من احد.لانه من عرف فكر الرب فيعلمه و اما نحن فلنا فكر المسيح} 1كو6:2-16. إن أمور الله يمكن أن تعرف فقط بالعنصر الأسمى في الشخصية الإنسانية أى عن طريق الروح الذي يستنير بروح الله. لان الروح هى العنصر الأساسى في الإتصال بالله. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله. وكما جاء فى الكتاب { ولكن الإنسان الطبيعى لا يقبل ما لروح الله لأن عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً }.ويقصد بالإنسان الطبيعى أى الذي لم يولد من جديد بنعمة الروح القدس، ولم يتجدد قلبياً وذهنياً فهو لا يتقبل هذه التعاليم التي يعلم بها روح الله، بل تبدو أمامه كما لو كانت غير منطقية وليس لديه القدرة على إدراكها، لأن مثل هذه التعاليم لا يمكن فهمها وفحصها والحكم فيها إلاّ روحياً أى بواسطة الإستنارة التي يعطيها الروح القدس والتي ليست موجودة عند ذلك الإنسان الطبيعى. إن الرسول بولس هنا يتكلم عن النفس كأداة للمعرفة البشرية في مقابل الروح كأداة للمعرفة الروحية. وعلى ذلك فالإنسان الذي يعتمد على إمكاناته الطبيعية فقط، هو إنسان طبيعى في مقابل الإنسان الروحى الذي تبلغ إليه المعرفة الإلهية. ان امور الله تفوق ادراك الانسان ولهذا فاننا نحتاج لنعمة الروح القدس وحكمته للعيش على مستوى الروح فان كانت العين العادية ترى الاشياء الظاهرة لها فان العيم الداخلية ترى حقيقة جوهر الأشياء لذلك راينا تلمذي عمواس عندما ظهر لهم السيد المسيح بعد القيامة لم يعرفاه حتى فتح اذهانهم ليفهموا الكتب وعرفاه عند كسر الخبز{فقال لهما ايها الغبيان والبطيئا القلوب في الايمان بجميع ما تكلم به الانبياء. اما كان ينبغي ان المسيح يتالم بهذا ويدخل الى مجده. ثم ابتدا من موسى ومن جميع الانبياء يفسر لهما الامور المختصة به في جميع الكتب. ثم اقتربوا الى القرية التي كانا منطلقين اليها وهو تظاهر كانه منطلق الى مكان ابعد. فالزماه قائلين امكث معنا لانه نحو المساء وقد مال النهار فدخل ليمكث معهما. فلما اتكا معهما اخذ خبزا وبارك وكسر وناولهما. فانفتحت اعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما. فقال بعضهما لبعض الم يكن قلبنا ملتهبا فينا اذ كان يكلمنا في الطريق و يوضح لنا الكتب} لو 26:25-32. بين نور البصر والبصيرة ...ذات مرة قالت الفيلسوفة العمياء ،الصماء،الخرساء (هلين كلير) :"يوجد شئ واحد أسوأ من العمي وهو إن يكون للأنسان عينان ولا يُيصر" . نعم يا أحبائي ان النظر لا يعادله شئ ، وعندما شفي الرب يسوع المسيح المولود أعمي خالقاً له عيون (يو9) تدرج الأعمي في المعرفة بالسيد المسيح قائلاً في الابتداء انه "أنسان" ثم قال في الحوار مع الذين ارادوا ان يصطادوه "انه نبي" وبعد ان هاجموا السيد المسيح قال لهم لو لم يكن هذا الانسان باراً لما كان يقدر ان يفعل هذه المعجزة فمنذ البدء لم نسمع ان أحد فتح عيون أعمي منذ ولادته ! بعد هذا قابله الرب وعرفه بذاته وقال له "أتؤمن بابن الله" قال له الأعمي من هو يا سيد لأؤمن به؟ أجابه الرب قد رايته وهو الذي يكلمك. قال له المولود أعمى : أؤمن ياسيد وسجد له، بعد هذا هاجم المتطرفين المولود أعمي وطردوه من المجمع فقال الرب { لدينونة اتيت انا الى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون. فسمع هذا الذين كانوا معه من الفريسيين وقالوا له العلنا نحن ايضا عميان. قال لهم يسوع لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية ولكن الان تقولون إننا نبصر فخطيتكم باقية} يو39:9-41 . نعم يا أحبائي هناك الكثيرين جدا عميان ولا يرون الحق هؤلاء يجب ان نصلي من أجلهم ونطلب لهم النور والهداية ،وهناك مقاوموا الحق عن عناد وأصرار ومن احبوا الظلمة أكثر من النور لان أعمالهم شريرة وهؤلاء مدعاة للرثاء والصلاة بلجاجة ليفتح الله عيونهم ليرجعوا من عالم الظلمة الي نور الأيمان والتوبة. الولادة من فوق .. كمثال للاستنارة ومعرفة أمور اللة والسماء .. حديث السيد المسيح مع نيقوديموس وكان من أعضاء السنهدريم اعلى سلطة تشريعية وقضائية دينية فى ذلك الزمان عندما أتى للسيد المسيح ليلاً بسبب الخوف من اليهود ليسأله عن الدخول الى ملكوت الله {كان انسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس رئيس لليهود.هذا جاء الى يسوع ليلا وقال له يا معلم نعلم انك قد اتيت من الله معلما لان ليس احد يقدر ان يعمل هذه الايات التي انت تعمل ان لم يكن الله معه. اجاب يسوع وقال له الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من فوق لا يقدر ان يرى ملكوت الله. قال له نيقوديموس كيف يمكن الانسان ان يولد وهو شيخ العله يقدر ان يدخل بطن امه ثانية ويولد. اجاب يسوع الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح. لا تتعجب اني قلت لك ينبغي ان تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من اين تاتي ولا الى اين تذهب هكذا كل من ولد من الروح . اجاب نيقوديموس وقال له كيف يمكن ان يكون هذا. اجاب يسوع و قال له انت معلم اسرائيل لست تعلم هذا. الحق الحق اقول لك اننا انما نتكلم بما نعلم ونشهد بما راينا ولستم تقبلون شهادتنا.ان كنت قلت لكم الارضيات ولستم تؤمنون فكيف تؤمنون ان قلت لكم السماويات} يو 1:3-12. كيف اذن للأنسان الارضى ان يفهم امور السماء اذا ان لم يستنير بروح الله القدوس ان كان يصعب عليه ان يفهم الامور الارضية . لهذا يجب علينا ان نأتى باتضاع قلب الى الله ونطلب اليه ان يعلمنا ويضئ أفهام عقولنا وقلوبنا وارواحنا لنفهم أمور الارض والسماء ويحق فينا قول المعلم الصالح { ولكن طوبى لعيونكم لانها تبصر ولاذانكم لانها تسمع. فاني الحق اقول لكم ان انبياء وابرارا كثيرين اشتهوا ان يروا ما انتم ترون ولم يروا وان يسمعوا ما انتم تسمعون ولم يسمعوا} مت16:13-17. كيف ترى العالم حولك ... أننا نري العالم من خلال مرآة أنفسنا فاذا كانت سوداء او معتمة فلن نري شئ بوضوح ، وان كانت عيوننا بسيطة فجسدنا كله سيكون نيراً وان كانت عيون قلوبنا شريرة فكل حياتنا والناس حولنا لن نراهم علي حقيقتهم وهذا ما يفعلة المتعصب الذي يضع عصابة علي عيونه لكي لا يرى الا ما يعتقده . وهذا ايضا ما يفعله الانسان الشهوانى فان أفكاره تكون فى النجاسة والماديات والانسان محب المال ترى المال كل همه وينصبه له الهاً دون الله {لان محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان وطعنوا انفسهم باوجاع كثيرة }(1تي 6 : 10). علي مثل هؤلاء بكي يسوع المسيح قديما {وفيما هو يقترب نظر الى المدينة و بكى عليها. قائلا انك لو علمت انت ايضا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك ولكن الان قد اخفي عن عينيك. فانه ستاتي ايام ويحيط بك اعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة.ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر لانك لم تعرفي زمان افتقادك }.لو 41:19-44. السيد المسيح واهب الأستنارة السيد المسيح يهب البصر والبصيرة لمن يريد .. صرخ أعمي اريحا للسيد المسيح طالباً ان يبصر {وجاءوا الى اريحا و فيما هو خارج من اريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الاعمى ابن تيماوس جالسا على الطريق يستعطي. فلما سمع انه يسوع الناصري ابتدا يصرخ ويقول يا يسوع ابن داود ارحمني. فانتهره كثيرون ليسكت فصرخ اكثر كثيرا يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وامر ان ينادى فنادوا الاعمى قائلين له ثق قم هوذا يناديك. فطرح رداءه وقام وجاء الى يسوع. فاجاب يسوع وقال له ماذا تريد ان افعل بك فقال له الاعمى يا سيدي ان ابصر. فقال له يسوع اذهب ايمانك قد شفاك فللوقت ابصر وتبع يسوع في الطريق} 46:10-52. لقد وهب السيد المسيح للأعمى البصر كما وهبه البصيرة اي استنارة الذهن والقلب والروح بنور الروح القدس. أى الحكمة الروحية . وكثيرون لهم عيون ولا تبصر ، ولا يفكرون فى عالم المجد والمستقبل الأبدى ، بل كل همهم النظر إلى الماديات والشهوات ، وقد أعمى الشيطان عيونهم وأضلهم عن طريق الحق ، من أجل هذا قال السيد المسيح عن الكتبة والفريسين فى تمسكهم بالحرف دون الروح { ثم دعا الجمع وقال لهم اسمعوا وافهموا. ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الانسان. حينئذ تقدم تلاميذه و قالوا له اتعلم ان الفريسيين لما سمعوا القول نفروا. فاجاب وقال كل غرس لم يغرسه ابي السماوي يقلع. اتركوهم هم عميان قادة عميان وان كان اعمى يقود اعمى يسقطان كلاهما في حفرة. فاجاب بطرس وقال له فسر لنا هذا المثل. فقال يسوع هل انتم ايضا حتى الان غير فاهمين.الا تفهمون بعد ان كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف ويندفع الى المخرج. واما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر وذاك ينجس الانسان. لان من القلب تخرج افكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف .هذه هي التي تنجس الانسان واما الاكل بايد غير مغسولة فلا ينجس الانسان} مت10:15-20. لهذا صلى داود النبي قديما قائلاً { اكشف عن عينى، فأرى عجائب من شريعتك } ( مز 119 : 18 ) . وكان القديس " ديديموس الضرير" فاقد البصر ، ولكن الله أعطاه استنارة الداخل، وشهد عنه القديس جيروم بأنه كان أعظم من كتب عن الروح القدس، وقد أمتدحه القديس أنطونيوس، وقال عنه ( إن الله أعطاه بصيرة روحية رأى بها نور اللاهوت ).ونحن يجب ان نصرخ طالبين من واهب البصر والبصيرة ان يهبنا أستنارة روحية . فكم نحن فى حاجة ماسة الى نور البصيرة لنعرف الاشياء الموهوبة لنا من الله ، ونعرف كم نحن فى حاجة للألتصاق بالله والاستعداد للأبدية السعيدة. وفى الظروف الصعبة نحتاج ان نبصر بالإيمان ان الذين معنا أقوي وأكثر ممن هم علينا، نحتاج ان نبصر يد الله في الاحداث ونثق أنه ضابط الكل، نريد نشعر ونحس بحنان الله الابوى والأمان والايمان فيه. ونتبع الذى قال {انا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة } يو 8 : 12 . السيد المسيح يدعونا للنور ... جاء الربّ يسوع ليفتح عيوننا لكي نرجع من الظلمات إلى النور ومن سلطان الشيطان إلى الله . أع 26 : 28 .انه النور الهادئ الوديع الذي يكشف لنا الطريق وينير لنا الحياة ويشرق علينا بنور الإيمان كما تنبأ عنه ملاخى النبى قديما {ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها } ملا 4 : 2 . لقد قاد الله الشعب في القديم بعمود السحاب نهاراَ وعمود من النار ليلا،وهو لا يزال يهدي ويرشد وينير الذين يطلبونه. وهو الذي ينير أعين قلوبنا مانحا إيانا روح المعرفة والحكمة والفهم. وعندما جاء السيد المسيح الى ارضنا تحققت فينا نبؤة اشعياء النبى { الشعب الجالس في ظلمة ابصر نورا عظيما والجالسون في كورة الموت وظلاله اشرق عليهم نور} أش 6:42 ،مت16:4. انه يدعونا ان نؤمن به وان نسير في نوره، ونصير أبناء النور ونستيقظ من نوم وظلمة الخطية. ان الايمان به واتباع وصاياه يحقق فى النفس البشرية كلام الرب بفم أشعياء النبى { قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك ..لانه ها هي الظلمة تغطي الارض والظلام الدامس الامم اما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يرى } اش 60 : 1-2 .النور يدعونا ان نعرفه ونمشي معه وهو لا يريد إلا خيرينا . المعمودية والاستنارة...إننا إذا اعتمدنا بالماء والروح نولد من فوق كأبناء الله بالتبني، وإذ يشرق علينا نور الإيمان نعطى استنارة داخلية . وننمو في معرفه ربنا يسوع المسيح وحقائق الإيمان المسيحي وسرّ التجسّد والفداء ونحيا أسرار الكنيسة ونجاهد برجاء منتظرين المجيء الثاني وقيامة الأموات وحياة الدهر الآتي . ويشير القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى، إلى المعرفة التي يهبها الروح القدس، فيقول {وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شئ} (1يو20:2)، ويقول أيضًا { وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ، وهى حق وليست كذبًا. كما علمتكم تثبتون فيه} (1يو 27:2). اطلب أذن من الله ان يعطيك البصيرة الروحية لتعرفه وتعبده بالروح والحق . اننا نتدرج في معرفة الله حسب نمونا الروحي ومقدرتنا على المعرفة والحبّ . وإلا فإننا لو نظرنا ما لا نستطيع احتماله لإصابتنا بالكبرياء ، والله يدعونا لننمو في النور والحياة معه، وهو يريد ان يأتي إلينا ويصنع عندنا منزلا فلا تتكاسل فى زمن الجهاد، بل لنطلب فنجد ، ونسأل فسيعطى لنا ، ونقرع فسيفتح لنا . آمنوا بالنور وسيروا معه وفيه وهو يقود خطواتكم ويمنحكم حياة أبدية . إن المؤمن وإن كان حائزًا على هذه النعم الروحية إلاّ أنه لايزال في صراع شديد مع الشيطان ، عدو الجنس البشرى (أف12:6) فلا يليق إذًا أن نتخاذل في هذا الجهاد بل أن نتكل على رحمة الله ونرجو رجاء مباركًا لممارسة أعمال الصلاح باستمرار وأن نضع على الدوام نصب عيوننا محبة الله وكل ما هو طاهر وجليل. التوبة والنور... ترمز الظلمة إلى حياة الخطية ، التى يفعلها الأشرار بعيداً عن النور، لأنها مخجلة ، وتجلب العار لفاعلها ، وتحرمه من عالم النور لهذا فان رجوع الخاطئ إلى الله ينقله من الظلمة إلى نور الله العجيب، ولهذا جاء النور الى العالم ليفضح إعمال الظلمة. ومن اجل هذا دعي الرسل إلى التوبة {قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور } رو 13 : 12 . الإنسان الخاطئ يحيا في الظلام والذي يبغض أخاه يحيا في الظلمة {من قال انه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة . من يحب أخاه يثبت في النور وليست فيه عثرة }1 يو 2 : 9- 10 . فلا نخاف حتى وان حاولت قوات الظلمة ان تعثرنا ،ولنقم مجاهدين مع الله من اجل خلاص نفوسنا { لا تشمت بي يا عدوتي إذا سقطتُ أقوم ، إذا جلست في الظلمة فالربّ نور لي } أم 7 : 8 . لنحرص إذا على نقاوة حواسنا وفكرنا لا سيما عيوننا { فسراج الجسد هو العين فان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيّراً،وان كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً، فان كان النور الذي فيك ظلامًا فالظلام كم يكون }مت 6 : 22- 23 . لنقل مع داود المرنّم {الرب نورى وخلاصي مما أخاف ، الربّ حصن حياتي ممّا ارتعب } مز 27 : 1 . ان مسيحنا هو نور العالم وشمس البر ، ونستمد منه النور ، كما أن كلمته المقدسة هى نور للنفس السالكة فى ظلمة العالم ، كما قال الكتاب { الوصية مصباح ، والشريعة نور }( أم 6 : 23 ) . ويرمز النور إلى السلوك فى الحياة المقدسة ، والقدوة الصالحة للناس : { أنتم نور العالم ، فليضئ نوركم قدام الناس ، لكى يروا أعمالكم الحسنة ، ويمجدوا أباكم الذى فى السماوات } ( مت 5 : 14 – 16 ) . ان الانسان الروحى بقيمه ومبادئه وبالمسيح الساكن فيه يضئ كنور فى العالم لمن حوله { كونوا بلا لوم وبسطاء أولاد الله بلا عيب ، فى وسط جيل مُعوج وملتو ، تضيئون بينهم كأنوار فى العالم } ( فى 2 : 15 ) .ونحن نطلب من الرب ، فى صلوات الساعات ( الأجبية ) ونقول كل يوم : أنر قلوبنا وأفهامنا ، أيها السيد الرب . فالحاجة ماسة إلى طلب الإستنارة الروحية للقلب والذهن ، من الروح القدس، ومن مداومة ممارسة كل وسائط النعمة والخلاص ، بناء على رجاء القديس بولس { مستنيرة عيون أذهانكم } ( أف 1 : 18 ) . فلنطلب من الرب من كل القلب، أن ينير عقولنا ويهبنا توبة مقبولة ، ويعطينا حكمة ونعمة دائمة ، وارتباط بكل وسائط الإستنارة الروحية ، والعملية ، ولنتعلم من كل الاباء القديسين ، التى أنارهم الروح القدس ، وأعطاهم نعمة وحكمة ، وخبرة ، لربح وخلاص النفوس، والسعى لربح السماء . ولا نركن إلى مشورة الأشرار ، أو لذوى أفكار عالمية ، مضادة لتعاليم الإنجيل ، ولا ننصت لخبرات أهل السوء ، لأنها ستقود الى الهلاك . الروح القدس والاستنارة .. الروح القدس هو روح الله القدوس ، روح الحكمة والمعرفة والعلم، هو الذى يبكت الانسان على الخطية ليتوب عنها ويدفعه لعمل البر ويعلمنا كل شئ ويذكرنا بكلام السيد المسيح فى وقته المناسب ، انه يهبنا الصيرة الروحية التى بها نعرف ارادة الله التى بها نتصرف بحكمة من الله تجاه الناس والظروف والاحداث لنصير تحت سلطان الروح {واما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم (يو 14 : 26). وكما قال القديس الانبا مقاريوس الكبير فى عظته السادسة والاربعين لابنائه الروحيين ويقول لنا ايضا ان من يلتصق بالرب يصير متحدا به ويستنير ويصير طاهرا بنعمة وعمل الروح القدس (إن الله محب البشر في حنانه نحو الإنسان، يفعل هكذا مع النفس التي تأتى إليه وتطلبه باشتياق. ولأنه يكون مدفوعاً بالمحبة، من ذاته، وبالصلاح الطبيعي الخاص به، إذ هو الكلى الصلاح، فإنه يلتصق بتلك النفس ويصير معها "روحاً واحداً" كما يقول الرسول (1كو17: 6). النفس والرب يصيران روحاً واحداً: وحينما تلتصق النفس بالرب، ويعطف عليها الرب ويحبها ويأتى إليها ويلتصق بها، وتكون نية الإنسان وقصده أن يستمر بلا انقطاع أميناً لنعمة الرب، فإن الرب والنفس يصيران "روحاً واحداً" و‘حساساً واحداً وعقلاً واحداً، وبينما يكون جسدها مطروحاً على الأرض فإن العقل يكون بكليته في أورشليم السماوية مرتفعاً إلى السماء الثالثة، ويلتصق بالرب ويخدمه هناك. وبينما يكون الله جالساً في عرش العظمة في الأعالى في المدينة السماوية، فهو يكون بكليته في شركة مع النفس وهى في الجسد الخاص بها. لقد وضع صورة النفس فوق في أورشليم، المدينة السماوية - مدينة القديسين، وفي نفس الوقت وضع صورته الخاصة أي صورة نوره الإلهى الفائق الوصف - في جسدها. وهو يخدمها في مدينة جسدها، بينما هي تخدمه في المدينة السماوية. لقد صارت وارثة له في السماء وصار هو وارثها على الأرض. فالرب يصير ميراثاً للنفس وتصير النفس ميراثاً للرب. فإن كان قلب الخطاة الذين في الظلمة أو عقلهم يستطيع أن يمضى بعيداً عن الجسد ويستطيع أن يتجول في أمكنة بعيدة، وفي لحظة يسافر إلى أقطار بعيدة، وأحياناً بينما يكون الجسد مُلقى على الأرض، يكون العقل (سارحاً) في بلاد أخرى مع صديق يحبه، ويرى نفسه كأنه يعيش هناك معه، فأقول إن كانت نفس الخاطئ هكذا خفيفة ونشيطة حتى أن عقلها لا يحجزه بُعد المسافات، فكم بالأولى جداً تكون النفس التي نزع الرب عنها حجاب الظلمة بقوة الروح القدس وقد استنارت عيونها العقلية بالنور السماوي، وقد أُعتقت تماماً من شهوات الخزي، وصارت طاهرة بالنعمة، فإنها تخدم الرب كلّية في السماء بالروح، وتخدمه كلية في الجسد، وتتسع في أفكارها حسبما يريد لها الرب وحيثما يريد لها أن تخدمه. وهذا ما يقوله الرسول { لكي تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعلو والعمق، وتعرفوا محبة المسيح التي تفوق المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله} (أف19،18: 3). فتأمل في الأسرار الفائقة الوصف، التي لتلك النفس التي ينزع الرب عنها الظلمة المحيطة بها، ويكشف عن عينيها ويظهر لها ذاته أيضاً، وكيف يمد ويوسّع أفكار عقلها إلى الأعراض والأطوال والأعماق والارتفاعات التي في الخليقة المنظورة وغير المنظورة. فالنفس هي حقاً صنيع إلهى عظيم مملوء عجباً. وحين صنعها الرب، صنعها من طبيعة ليس فيها شر، بل صنعها على صورة فضائل الروح (القدس). ووضع فيها قوانين الفضائل والبصيرة، والمعرفة والفطنة، والإيمان، والمحبة والفضائل الأخرى بحسب صورة الروح. وإلى الآن فإن الرب يمكن أن يأتي إليها ويكشف لها ذاته بالمعرفة والفطنة والمحبة والإيمان. وقد وضع فيها فهماً وملكات فكرية، ومشيئة وعقلاً مدبراً. وقد جعلها أيضاً لطيفة جداً وصيّرها خفيفة متحركة وغير خاضعة للتعب. ووهبها القدرة على المجيء والذهاب في لحظة، وأن تخدمه في أفكارها حيثما يشاء الروح. وبالإجمال فإنه خلقها لكي يصيّرها عروساً له وتدخل في شركة معه، لكيما يلتصق بها ويصير " روحاً واحداً" معها كما يقول الرسول { وأما من التصق بالرب فهو روح واحد} (1كو17: 6) الذي له المجد إلى الأبد أمين). السير في النور .... اننا مدعوين ان نسلك فى نور الإيمان والقداسة والبر والتعفف لنكون ابناء النور {اسلكوا كأبناء النور} اف 5 : 8 . {وكونوا شاكرين الآب الذي أهلّنا لشركة ميراث القديسين فى النور} كو 1 : 12 . أنت كابن للنور مدعو لحياة القداسة والتعفّف ، ومدعو أن تكون نورا يضئ للذين في العالم لكن لنعلم ان النور الذي فينا ليس منا انه كنور القمر في الليل، يستمده من نور الشمس. وإذا ابتعدنا عن إلهنا ، شمس البر أصبحنا ظلمة لا نور فينا. وكلما اقتربنا من الِبرِّ ونور المسيح ازداد نورنا وبهائنا. لقد بقي موسى النبي مع لله في الجبل أربعين يوما مصليّاً وعندما رجع لم يستطع بنو إسرائيل ان يروا وجهه لأنه كان يشع نورا وأنت كذلك، عندما تجلس مع مصدر النور تستضئ بنوره ويشرق في قلبك وعقلك ويقود خطواتك، ويرى الآخرون أعمالك الحسنة ويمجّدوا أباك الذي في السموات. لكن يجب علينا ان نلاحظ أنفسنا ونحرص على خلاصنا الى النفس الاخير ولا نطفئ الروح او نفقد الاستنارة بخطايانا وتهاوننا كما هو مكتوب { لا تطفئوا الروح} (1تس19:5). فالروح نفسه لا يمكن أن ينطفئ بل هو نور دائم. ولكن إذا اهملنا خلاصنا، فبعدم توافقنا اوتعاوننا مع الروح فإننا ننطفئ ونفقد حرارة الروح . ولهذا يقول الكتاب أيضًا {لا تحزنوا الروح القدس الذي به ختمتم ليوم الفداء}(أف30:4). الكتاب المُقدّس والنور...ان أردت ان تستنير وتقترب من فكر الله ادخل الى الكتاب المقدس في تواضع وحب، وقل أنر يا رب عينيّ قلبي وعقلي وأجلس في هدوء وأقراء كلمات الكتاب طالباً ارشاد روح الله وان صعب عليك شئياً في الفهم ابحث عن تفسيره في كتابات الأباء القديسين ،ان كلام الله نور { سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي} مز 119 : 105 .والوصية مصباح ،والشريعة نور، وعندما آتي الينا كلمة الله المتجسد اخفي هذا النور لكي نستطيع أن نقترب إليه . واستتر نور اللاهوت في الناسوت ليقترب الينا ونعرفه ونحبه { فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور أضاء في الظلمة والظلمة لم تدركه } يو 1 : 4 – 5 . وعندما أتمَّ الربّ الفداء قام بجسد نوراني ممجدًا صاعداً به للسماء كسابق لأجلنا . وطلب منا ان نحيا مفكرين فيما هو فوق فى السماء { ان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الآب } (كو 3 : 1). أفتح عيني لأعاين .. يا ابن داود ارحمني أنا الأعمى . افتح عينيّ وبصيرتي لأعاين مجدك ، كن نورا في قلبي وشمسا لدربي ، واستنارة لبصيرتي وحكمة تهديني . ولا تتركني أو تدعني أسير في الظلام . يا نور العالم والملكوت أسرع واعني . فقد خيم عليّ حزن عميق وقوات الجحيم لمسيرتي تعيق . ولا أرى في جهلي الا مشاقّ الطريق ، ومعها الضياع والهلاك . فتعال يا يسوع الحلو فأنر حياتي فانك لا تجعل ابنك يهلك بل بنورك عليه أشرق . يا أبي السماوي الساكن في نور لا يدنى منه ونور لاهوتك نار آكلة للخطايا والأثام ، ونور حكمتك لا يمكن سبر أغوارها . ومحبتك للبشر تفوق العقول. نحبك يا أبانا القدوس ونعبدك في خشوع ، ونشكرك لعظيم رعايتك المعلنة لنا من خلال بهاء مجد ابنك الوحيد الذي أنار لنا وأعلن محبتك . نحن في شوق إلى معرفتك وقبولك والنمو في نورك فأهدنا بالروح القدس المحيّي المنبثق منك والواحد معك . العامل في الكون خالقا ومجددا ليعمل ويجدد طبيعتنا ، لنكون ابناًء مُكمَّلين بالفضائل. يا روح الله اعمل فينا وأنرْ عقولنا واروحنا وقلوبنا ، لنكون لك ونحيا في النور وبك نكون انوار تنير الطريق لكثيرين. فنحن نحتاج للاستنارة الروحية في مسيرة حياتنا علي الارض ووسط صعوبات الحياة وشرورها نحتاج لنورك ليضئ علينا لنكون نور ونسير في النور ونسكن اخيرا في الملكوت السماوي فى عالم النور . القمص أفرايم الأورشليمى
المزيد
22 نوفمبر 2020

دورة البخور

شرح دورة البخور: بعدما يقول الكاهن صلاة سر بخور عشية وباكر: - يقف الكاهن غرب المذبح متجهًا للشرق ويبخر علي المذبح في أول الدورة الأولي ويقول أوشية السلامة، ثم يقبل المذبح بفمه ويسير ناحية قبلي (قبلي المذبح) وهو يقول: هذه الكائنة.. ثم يكمل ويمشي جهة الشرق ووجهة للغرب (للشعب) ويبخر ويقول: • أوشية الآباء، ثم يمشي بحري المذبح وهو ذاهب ناحية الغرب ويقول: حفظًا احفظه لنا.. ثم يكمل ويقف في نفس المكان غرب المذبح ووجه للشرق وهو يبخر ويقول: • أوشية الاجتماعات، في أول الدورة الثانية، اذكر يا رب اجتماعاتنا باركها أعطي أن تكون لنا بغير مانع ولا عائق نصنعها كإرادتك المقدسة الطوباوية ثم ينتقل شرق المذبح ووجه للغرب ويبخر ويقول: بيوت صلاة بيوت طهارة بيوت بركة أنعم بها لنا يا رب ولعبيدك الآتيين بعدنا إلى الأبد ثم يسير غرب المذبح ووجهة إلى الشرق ويبخر في أول الدورة الثالثة ويقول قم أيها الرب الإله ولتتفرق جميع أعدائك وليهرب من قدام وجهك كل مبغضي اسمك القدوس. ثم ينتقل إلى شرق المذبح ووجهة للغرب ويبخر ويقول: أما شعبك فليكن بالبركة ألوف ألوف وربوات ربوات يصنعون إرادتك. ثم ينتقل غرب المذبح ووجهة للشرق ويبخر ويقول بالنعمة والرأفات ومحبة البشر اللواتي لأبنك الوحيد الجنس ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح هذا الذي من قبله.. الخ. بعد تمام الدورة الثالثة والشماس في كل دورة يقف مقابلة يقبل المذبح وينزل من الهيكل ووجهة إلى الشرق. تعبير يد بخور يتكون من معنيان: 1- وضع كمية بخور في الشورية بملقط البخور. 2- إعطاء بخور من الشورية علي شكل صليب. الحركات واللف: 7 أيادي البخور تشير لكمال العمل الإلهي. دورة بخور الكنيسة بعد دورة بخور المذبح يقدم الكاهن البخور أمام الهيكل ويعطي 3 أيادي بخور ويقول الأب الكاهن: - في اليد الأولى: نسد لك أيها المسيح إلهنا مع أبيك الصالح والروح القدس لأنك أتيت وخلصتنا. - في اليد الثانية: وأنا بكثرة رحمتك أدخل بيتك وأسجد قدام هيكلك المقدس بمخافتك (مز 5: 7). - في اليد الثالثة: مع الملائكة أرتل لك وأسجد قدام هيكلك المقدس (مز 137: 1) ثم يتجه الكاهن إلى الشمال ويقول – وهو يخاطب العذراء متمثله في أيقونتها نعطيك السلام مع غبريال الملاك السلام لك يا ممتلئة نعمة الرب معك (لو 1: 28) ثم يتجه الكاهن ناحية الغرب ويقول: السلام لمصاف الملائكة وسادتي الآباء الرسل وصفوف الشهداء وجميع القديسين. هنا نلاحظ: كأن الكاهن ينظر لصفوف الشعب وكأنهم صفوف السمائيين لأن الكنيسة مثال السماء وفعلًا وسطنا ملائكة وقديسين، صحيح لا نراهم لكنه إحساسنا بذلك لأن الكنيسة مكان سكني القديسين. ثم يتجه الكاهن ناحية الجنوب ويقول: السلام ليوحنا بن زكريا.. السلام للكاهن بن الكاهن. ثم يتجه إلى الشرق ثانية قائلًا: فنجسد لمخلصنا الصالح محب البشر لأنه تراءف علينا وخلصنا. س: يوحنا المعمدان لم يقدم ذبائح حيوانية حسب العهد القديم ولا ذبيحة الخبز والخمر في العهد الجديد فلماذا سمي الكاهن بن الكاهن؟ ج: أولًا ابن الكاهن لأنه فعلًا ابن زكريا الكاهن. أما يوحنا الكاهن لن يوم استعلان المسيح كمخلص يوم العماد من المعمدان صوت من السماء قائلًا "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت والروح القدس استقر عليه". إذًا يوحنا قدم المسيح كذبيح من أجل غفران الخطية وإلا لم يكن الماء التي يعمد بها المعمدان تغسل الخطية لأنه يجب أن يوهب للماء قوة فائقة لغسل الخطية، الماء يغسل أي شيء هو ماء عادي أما الذي يغسل من الخطية يحتاج إلى قوة فائقة.. يوحنا هو الكاهن بن الكاهن. تذكر أن: - أثناء تقديم البخور.. ذبيحة البخور.. لأنها ذبيحة فوق الزمن يرتل الشمامسة والشعب أرباع الناقوس تمجيدًا لله، فكل من الكاهن والشعب يمجدون الله ويخاطبون القديسين كل برتبتهم، وهنا ربط بين العبادة وبين القداسة فهذا تشويق للقداسة لأنه لو صارت العبادة عادة لا يخرج قديسين أما العبادة التي لها روح التوبة فهي تمجيد لله وقديسيه إظهار مجد القداسة. نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
21 نوفمبر 2020

المقالة الثامنة عشرة في استعداد العابد للأجل وملازمته القراءة والسكوت

إن سيرة الصديقين لبهية ؛ وكيف صارت بَهية جميلة إلا بالصبر، فحب الصبر أيها العابد بما أنه أم الشجاعة، أما المترنم داود فطوب قائلاً: ” أصطبر للرب وأحفظ طريقه “. وأما بولس فيعلم كيف تقتنى هذه الفضيلة بقوله: ” إن الحزن يصنع صبراً “.فإذا تصرفت في هذه الفضيلة تجد الرجاء ينبوع الصالحات، والرجاء لن يخزى، فأخضع الآن للرب، وتضرع إليه، فتصادف من هذه ما يتلوه فيعطيك كافة مسائلات قلبك.فماذا يكون أسعد غبطة من هذا، أن تقتني سمعاً من الملك هكذا صارخاً بوداعة، من ذا لا يؤثر أن تكون مسامع القاضي مفتوحة وسامعة له، أنت أيها الأخ فاعل الفضيلة أستأجرك المسيح لكرمه فما دام لك وقت أعمل الصلاح.أسمع بولس الرسول قائلاً: ” مهما زرعه الإنسان إياه يحصد “. أزرع في الروح فتحصد حياة أبدية، لأنه زعم من يزرع في جسده من جسده يحصد بلاء.أسمع الواعظ النصوح قائلاً: ” ازرعوا في ذاتكم العدل فتقطفون ثمر الحياة “.لا تسأم من العمل إذ تشاهد قدامك الرجاء، لأنه حيث الجهادات فهناك رايات الغلبة، وأين ما تكون الحروب فهناك الكرامات، وحيث ما يكون الصراع فهناك الأكاليل، فإذ تشاهد هذه الفوائد فروض نفسك بالصبر.أصرخ مع ذاتك كل حين مع القديسين قائلاً: تشجع وليتأيد قلبك وأصطبر للرب. هيئ للانصراف أعمالك وأستعد في الحقل، فالحقل هو هذا العالم، خذ مثالاً نافعاً العهد العتيق والعهد الجديد.سيج حول قطعانك بالأشواك، متكاتفاً بالصوم والصلاة بالتعليم إن كان لك مثل هذا السياج، فلا يدخل الوحش أعني المحال.فلح نفسك مثل كرم جيد، وكما أن محافظي الكروم يصفقون بأيديهم ويزعقون بصوتِهم ويُعرِّفون بذلك الذين يغتالونَهم، كذلك أهتف أنت بالصلاة، وكبر بالترنيم، فتطرد الثعلب الوحش الخبيث الذي هو المحال، الذي عنه يقول الكتاب: ” اقتنصوا بذاتكم ثعالباً صغاراً…. الخ “.صد العدو كل حين، إن رشق قلبك بشهوة قبيحة، إن رمى بمقلاع نفسك، وزج فيها أفكاراً دنسة، فأنصب نحوه ترس الأمانة، وألبس خوذة الرجاء، وأستل سيف الروح الذي هو قول اللـه، وإذا تسلحت مقابل العدو فأصبر ولا تسأم في الحرب.فُقْ في كل شيء، وقل: أنا لا تخفى عني معقولاته، أفرح في كل حين كما كتب قائلاً: فليعرف كافة الناس دعتكم، وليبرق تقوى اللـه في قلبك. لا تكن جندياً طارحاً سلاحه، ولا فاعلاً جباناً وعاجزاً. لا تَهرب من الأكاليل، فالعمر قصير والدينونة طويلة، تبصر في هذه أيها العابد.أصرخ بقلبك وقل مع القديسين: “تشجع وليتأيد قلبك وأصبر للرب”.شابه داود برميه حجر واحد مع المحارب، فالملائكة وقوف يبصرون سيرتك. لأننا قد صرنا مشهداً للعالم والملائكة والناس، فإن رأوك تقوِّم الفضيلة ظافراً يُسرون، وإن رأوك مغلوباً ينصرفون مقطبين، لأنَهم لا يحتملون أن يشاهدوا الشياطين يقهقهون عليك. أخرط عوض السيف مخافة اللـه، لأن خشية اللـه هي كسيف ذي حدين يقطع كل شهوة خبيثة.فأتخذ في عقلك كل وقت خشية اللـه، متذكراً في عقلك اليوم الأخير المخوف، حين تضطرم السماوات وتنحل، وتحترق الأرض وكافة الأعمال التي فيها، حين تنتشر النجوم كالورق، والشمس والقمر يظلمان، ولا يمنحان ضوءهما.حين يظهر ابن اللـه وينحدر من السماوات إلى الأرض، وقوات السماوات تضطرب حين يتسارع إحضار الملائكة، وتتواتر أصوات الأصوار، وقدامة نار محرقة جارية عدواً تنظف المسكونة، وحوله زوبعة شديدة حين تصير زلازل مرهبة، وبروق لم تصر أبداً ولن تصير إلا في ذلك اليوم، حتى قوات السماوات يشملهم الرعب والرعدة.فكيف مزمع أن نكون يا إخوتي ؟ أية خشية أو أي رعب يشملنا ؟ تأمل يا أخي بني إسرائيل في البرية، أنَهم ما استطاعوا أن يحتملوا الضباب والظلام وخوار الأصوار، وصوت المتكلم في وسط النار، بل أبو أن يزيدهم كلمة. لأنَهم بالحقيقة ما احتملوا ما كان بازائهم، ومع هذا أنه لم ينحدر بغضب، ولا خاطبهم بسخط بل بتسلية محققاً عندهم أن الذي معهم هو الإله.أسمع إذا يا أخي إن لم يستطيعوا احتمال وروده الذي كان بتسلية حين لم تلتهب السماوات وتنحل ؛ وما الأرض وما فيها احترقت ؛ ولا ضربت الأصوار شديداً كما يزمع هو أن يتوق ذلك الصور فينبه الراقدين منذ الدهر، ولا ظهرت نار تغسل كافة المسكونة، ولا صار شيء من الخوف العتيد أن يصير، ومع ذلك لم يستطيعوا أن يحتملوا.فماذا نصنع إذاً، إذا أنحدر بغضب وغيظ لا يقاسان، وجلس على عرش مجده، وأستدعى الأرض من مشارق الشمس إلى مغاربِها، وكافة الأقطار إلى محاكمة شعبه، ليجازي كل أحد نظير أعماله.الويل لنا، كيف سبيلنا أن نكون حين نمثل عراة بادية أعناقنا ؛ مزمعين أن ندخل إلى الموقف المرهوب، أفِّ أين حينئذ شجاعة البشرة ؟ أين الجمال المزور الغير نافع ؟ أين التذاذ الناس بالآلام ؟ أين حينئذ الدالة الموقحة الفاقدة الحياء ؟ أين حينئذ زينة الثياب ؟ أين وقتئذٍ لذة الخطيئة النجسة ؟ أين حينئذ المحتسبون أن الزنا بالذكور لذة ؟ أين حينئذٍ الذين كانوا يشربون الخمر على الطبول والأغاني الموسيقية، ولا يعاينون أعمال الرب ؟ أين حينئذ العائشون بالنفاق والتواني ؟ أين حينئذٍ التنعم والبطر ؟. كل تلك عبرت وزالت وانحلت بمنزلة الرياح. أين محبة الفضة وحب الاقتناء ؟ أين الكبرياء النافرة الإنسانية الرافضة الكل، المحتسبة ذاتِها وحدها أنَها شيء ؟ أين وقتئذٍ الشرف الفارغ الباطل والمجد الإنساني ؟ أين التمرد ؟ أين الملك ؟ أين الرئيس ؟ أين المدبر ؟ أين السلطان ؟ أين المتبدخون بكثرة الغنى ؟ والمتهاونون باللـه ؟. هناك إذا أبصروا يتعجبون هكذا، ويقلقون ويتزلزلون، ويشملهم الرعب والمخاض كالتي تلد، ويسحقون بريح عاصف. أين حينئذٍ حكمة الحكماء ؟ أين مكرهم الباطل ؟ اضطربوا وناموا كالسكارى وابتلعت كافة حكمتهم، أين حينئذٍ الحكيم ؟ أين الكاتب ؟ أين الملتمس هذا الدهر الباطل ؟ يا أخي ردد الفكر كيف سبيلنا أن نكون إذا طولبنا أن نؤدي جواباً عن الأعمال التي عملناها ؛ إن كانت صغاراً أم كباراً، لأنه على كلمة بطالة سنعطي القاضي العادل جواباً. كيف يجب أن نكون لنجد في تلك الساعة نعمة أمامه ؟ وأي فرح يستقبلنا إذا عُزلنا عن يمين الملك. كيف نزمع أن نكون إذا سلم علينا الصديقون وصافحونا ؟ هناك يقبلك إبراهيم واسحق ويعقوب، وموسى وداود وباقي الأنبياء، والرسل والشهداء وجماعة القديسين الذين أرضوا اللـه في حياة أجسادهم، وجماعة الذين سمعت هنا سيرتِهم وتعجبت منها وكنت تريد أن تعاينهم، هم يجيئون إليك هناك فيقبلونك ويسلمون عليك مبتهجين بخلاصك. كيف تكون حينئذٍ ؟ وكيف هو ذاك الفرح الذي لا ينعته وصف، إذا قال الملك للواقفين عن يمينه ببشاشة: ” تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم “. فحينئذٍ يا أخي تأخذ ملك حسن البهاء ؛ وتاج الجمال من يد الرب، وتملك مع المسيح، وترث الخيرات التي أعدها اللـه للذين يحبونه، وتكون بلا هم ؛ ولا يذهلك حزن. تفكر يا أخي ما هو التملك في السماوات، والملك مع المسيح الذي هو معاينة وجهه الأقدس كل حين، وأنه هو يكون لك نجماً، لأنه في ذلك الحين تعطيك الشمس لا أنواراً للنهار كما قال إشعياء، ولا القمر يضئ لك بالليل، لكن الرب يكون لك نوراً أبدياً، والإله مجدك. أنظر يا أخي أي شرف ومجد قد أعد للذين يتقونه وللحافظين وصاياه ؛ وأفتكر في هلاك الخطاة إذا دخلوا إلى المجلس الرهيب، أي خزي يشملهم أمام القاضي العادل حين لا يكون لهم جواب اعتذار. أي خجل يكتنفهم إذا افرزوا إلى يسار الملك، أي ظلمة تسقط عليهم إذا كلمهم بسخطه، وأقلقهم بغضبه قائلاً: ” انصرفوا عني أيها الملاعين إلى النار الأبدية المعدة للمحال ورسله “. بأي ندب يولولون منتحبين نائحين ؛ مساقين ليعذبوا إلى الدهور التي لا أخر لها، كيف مكان البكاء وصرير الأسنان الذي يفرق منه الشيطان نفسه ؟ كيف جهنم النار ؟ كيف الدود الذي لا يرقد ونفثات السم ؟ ما أصعب تلك الظلمة البرانية، كيف الملائكة الموكلون بعذاب الغير رحومين يعيرون ويقرعون بجفاوة، يزعق المعذبون بدوام وليس من يخلصهم، والرب لا يستجيب لهم. وحينئذٍ يعرفون أن كل أمور العالم باطلة، والأشياء التي ظنوها هنا مستلذة وجدوها أمر من المر والصدى. أين حينئذ لذة الخطيئة المسماة لذة كاذبة ؛ لأن ليست لذة إلا مخافة الرب ومحبته، وبالحقيقة هذه اللذة تملأ النفس وتشبعها شحم وسمن. حينئذ يعرفون ذاتِهم، والأفعال التي فعلوها، ويعترفون أن حكومة اللـه مقسطة قائلين: أننا سمعنا بِهذا، ولم نشاء أن نرجع عن أعمالنا الخبيثة. فلا ينتفعون من هذه إذا قالوها. ويلي ويلي أنا المقتنص بخطايا لا تقاس، لأنني أخطأت أكثر من عدد رمل البحر، وقد انحنيت تحتها كما من حمل حديد، وليس لي دالة أتفرس وأبصر علو السماء. إلى من ألتجئ إلا إليك أيها المحب للإنسان، إلا إليك أيها المحتمل السوء، ألهم ارحمني كرحمتك العظمى، وككثرة رأفاتك أمح أثمي، أغسلني كثيراً من ذنوبي، وطهرني من خطيئتي. فأنني عارف أثمي، وخطيئتي أمامي كل حين، إليك وحدك أخطأت، وقدامك صنعت الإثم، فإذ صنعته ألتجئ إليك بما أنك عديم الحقد، إياك خالفت، وإليك لجأت من أجل كثرة خيريتك وتعطفك. وأتوسل هاتفاً أعرض بوجهك عن خطاياي، وأمح كافة آثامي من أجل اسمك، لأن ليس لي شيئاً أقربه إليك، لا عملاً صالحاً، ولا قلباً نقياً، لكنني أثق برأفاتك، وأطرح ذاتي أمامك، لكي ما تجدد فيَّ قلباً نقياً، وتوطدني بروح رئاسي حتى لا أتكردس بسهولة في الخطية بل أعبدك منذ الآن ببر وعدل كافة أيامي، لأنه إياك تسبح كافة قوات السماوات، ولك المجد والعز إلى الدهور. فأطلب إليكم إذاً يا إخوتي، بما أن هذه الأشياء تنتظر، فلنسارع لنكون عنده بسلامة غير مدنسين ولا عيب فينا. إذا وافتك شهوة خبيثة أو فكر ردىء، فأستل هذا السيف الذي هو التفكر في مخافة اللـه، فيقطع كل قوة العدو. عوض البوق لك الكتب الإلهية، لأنه كما أن البوق إذا ضُرب يجمع الجند، هكذا الكتب الإلهية إذا هتفت إلينا تجمع أفكارنا إلى مخافة اللـه، لأن أفكارنا مثل الجند الذين يحاربون أعداء الملك. وأيضاً كما أن البوق إذا ضُرب في وقت القتال يُنهض نشاط المجاهدين الشجعان على الذين يقاتلونَهم، هكذا الكتب الإلهية تستنهض نشاطك إلى الخير، وتشجعك على الآلام. فلذلك يا أخي كلف ذاتك بكل طاقتك أن تقرأها بمداومة، لتقرع أفكارك التي شتتها العدو برداوة صناعته وسوء حيلة، لأنه ينشئ نتائج خبيثة، وربما يجلب أحزاناً أو رفاهية وسعة كثيرة، لأنه يصنع هذه بمكره وخبثه حتى يغرب الإنسان من اللـه. لأنه إذا صارع إنساناً بالأفكار، ولا يستطيع أن يقهره ويحطمه، فحينئذٍ يجلب غموماً لكي ما يسود ذهنه ويظلمه، فيجد فسحة أن تزرع المقاصد التي يؤثرها، ويبدي أن يخطر للإنسان فيقول بأقسام: أنني منذ صرت أعمل الخير رأيت أياماً رديئة، فأعمل إذاً المساوئ لكي ما تجئ الخيرات. فحينئذٍ إن لم يكن الإنسان مستفيقاً يبتلعه كالهاوية حياً. فإن لم يمكنه بِهذه أن يقتسره، يجلب له حينئذٍ السعة، ويعليه ويطغيه بالسعة التي هي أصعب وأشر كافة الآلام، لأنَها تجعل الإنسان متكبراً لا يتقي اللـه، تجذب العقل وتسحبه إلى قعر اللذات. وتصيره أن يجعل في السماء فم التجديف، لأنه قد كتب ” جعلوا أفواههم في السماء “. هذه تجعل الإنسان لا يعرف اللـه، ولا يعرف ضعف طبيعته، ولا يوم الوفاة، هذا طريق كافة الشرور، من يحب أن يمشي في هذا الطريق يصل إلى أبواب الموت، هذه هي الطريق التي قال عنها الرب أنَها عريضة واسعة مؤدية إلى الهلاك. فها قد سمعت يا أخي أن العدو يجلب وقتاً سعة ووقتاً غموماً وضيقة، فالشىء الذي يختبر به نية الإنسان ويراها جانحة إليه يحاربه بِها. فلذلك تيقظ يا أخي بتحرز وحرص دائماً أن تلاصق قراءة الكتب الإلهية، ولا تفصل ذاتك منها، لتتعلم كيف يجب أن تَهرب من فخاخ العدو، وتستدرك الحياة الأبدية. لأن قراءة الكتب الإلهية تسلي القلب الحقيقي، فلذلك لا تتوانى في نفسك بل ثابر على القراءة والصلوات، وأشتغل بَها ليستضئ ذهنك وتصير تاماً كاملاً لا ناقصاً. آخرون يتفاخرون بمخاطبة الرؤساء المعظمين والملوك، فأفتخر أنت أمام الملائكة بأنك تخاطب اللـه بالروح القدس بالكتب الإلهية، لأن الروح القدس هو المتكلم بِها. فأحرص إذاً أن تفاوض الكتب الإلهية، وواظب على الصلوات، لأنه بمقدار ما تخاطب اللـه بِها يتقدس جسمك ونفسك وروحك. فأعرف هذا أنك تتقدس بمقدار قراءتك واستماعك، وأحرص أن تفاوضها بمداومة، وإن كانت يداك مشغولتين فصلي بذهنك، فإن حنه المغبوطة صلت، فشفتاها كانتا تتحركان فقط، وأما صلاتِها فدخلت في مسامع الرب الصباؤوت، لأنه أعطاها سؤالها. فلهذا إن كانت يداك مشغولتين، فأتلُ بذهنك، فإن اللـه يستمع من الساكتين. وإن كنت لا تعرف أن تقرأ، فأذهب إلى حيث تسمع وتنتفع دائماً، فأنه قد كتب: إذا رأيت إنساناً فقيهاً فادلج ( أسرع ) إليه، ولتسحق قدماك درج ( سُلَم ) أبواب منزله. وهذا يا أخي يفهمه لا الذين يعرفون أن يقرءوا فقط بل والذين لا يعرفون معاني الأقوال التي يقرءونَها. أحذر أيها العابد أن تتوانى في الموهبة التي مُنحتها من المسيح، لكن أحرص وأطلب كيف ترضيه، وتنال تطويب القديسين، فقد كتب: مغبوطون الذين يفحصون شواهده ويتبعونه بكل قلوبِهم. وأحذر أن يقطعك العدو إذا عزمت أن تقرأ، إذ يجلب عليك الضجر ويلقيك في تغلبات يسحب بِها ذهنك إلى كل جهة ويقول لك: أعمل هذا الأمر ما دام عمله يسيراً ثم أقرأ بلا اهتمام. فيبتدئ يخطر لك هذه، ويمنحك نشاطاً في عمل اليد ليشغلك بِها، ويعوقك عن أن تقرأ وتنتفع، لأنه إذا رأى أخاً يداوم القراءة وينتفع بِهذه الحجج وأكثر منها يجتهد أن يعيقه، فلا تذعن له، وصر كالآيل الذي يعطش ويشتاق أن يجئ إلى عيون المياه أي الكتب الإلهية لتشرب منها وتبرد عطشك الملتهب فيك بالآلام. ولاتركنَّ أن أصف لك المنفعة الصائرة من القراءة، فكما قلت: إذا منحك اللـه أن تعرف منها كلمة لا تُهملها تعبر عنك، بل أتلوها درساً، وأكتبها في قلبك، وأحفظها في حاسة ذكرك غير ممحوة. فقد كتب: ” أني أتلو حقوقك “. وأيضاً: ” خبأت في قلبي أقوالك لكي لا أخطئ إليك “. وأيضاً: “بماذا يقوم الشاب سبله؟ بحفظه أقوالك”. أرأيت أيها الأخ أنه بتكرار أقوال الرب يقوَّم طريق الإنسان، لأن من ذا يتذكر أقوال الرب فلا يتقوم، اللهم إلا إن كان غير مختبر وشقي، فمثل هذا لا يذكر بالجملة بل والذى يشعر أنه يذكره ينساه. ولمثل هذا يقول اللـه: ” لم تُحدث بحقوقي وتأخذ بفمك ميثاقي “. ويأمر أن ينزع منه الشىء الذي يظنه له، فماذا يظن في ماله ؟ يظن أن له أمانة لأنه يدعى مسيحياً، وبأفعاله يجحد ذلك، فهو أشر من الكافر. فلذلك يأمر أن ينتزع ما له من الروح القدس، الذي أخذه في يوم الافتداء، فيصير ذلك الإنسان بمنزلة جرة نبيذ، ترشح رشحاً كثيراً، وبرشحها تضيع النبيذ. فكافة الذين يبصرونَها ولا يعرفون الأمر الصائر، يظنون أنَها مملوءة، فإذا فتشت حينئذ يظهر للجماعة أنَها موضوعة فارغة. هكذا ذلك الإنسان إذا أختبر في يوم الدينونة المهول، وصودف مصفراً حينئذٍ تصير أموره ظاهرة للكل، ونظيره الذين في ذلك اليوم يقولون للملك: أيها الرب أليس باسمك تنبأنا وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فيجيب الملك ويقول لهم: حقاً أقول لكم لست أعرفكم. أرأيت أيها الأخ أن مثل هذا ليس بالجملة شيئاً، فتذكر أنت إذاً الأقوال التي سمعتها وقوم طريقك، أحذر أن تدع النسيان أن ينحدر فيخطفها من قلبك، أحذر أن تترك الطير الخبيث ينزل فيأكل زرع ابن اللـه، فإنه هو قال: أن البذار هو القول الذي سمعتموه. أخفِ البذار في بطون الأرض لكي ما يثمر، أي أخفِ قول التعليم في صميم قلبك ليثمر للـه بالتقوى، فإذا قرأت أقرأ باهتمام وتعب، وأعبر في الفصل بثبات كثير، ولا تسر في تقليب الورق فقط، فإن كانت الحاجة ماسة فلا تعجز أن تكرر الفصل مرتين وثلاثة ومراراً كثيرة لتفهم قوته. وإذا عزمت أن تجلس لتقرأ، فأطلب أولاً إلى اللـه قائلاً: يا ربي يسوع المسيح أفتح مسامع قلبي وناظري لأسمع أقوالك وأفهمها، فأصنع مشيئتك، فأنني ساكن في الأرض، فلا تكتم عني وصاياك. أكشف حجاب عيني، فأتأمل عجائبك من شريعتك، لأنني عليك أتوكل يا إلهي أن تضئ قلبي. نعم يا أخي أطلب إليك أن تبتهل إلى اللـه كل حين هكذا، لكي ما يضئ عقلك، ويوضح لك قوة أقواله. فإن كثيرين ضلوا إذ وثقوا بذهنهم، وزعموا أنَهم حكماء فحمقوا، وإذ لم يتفطنوا ويفهموا المكتوبات تكردسوا في التجديف وهلكوا. وإن وجدت في كل قراءتك كلمة مستعجم فهمها، فأحذر أن يعلمك الخبيث أن تقول في ذاتك ليس هكذا المعني كما يذكر هذا القول، لأنه كيف يمكن أن يكون هكذا أو نظيره. لكن إن كنت تؤمن باللـه فصدق أقواله، وقل للخبيث: أنصرف ورائي يا شيطان فإنني اعرف أن كلمات اللـه كلمات طاهرة فضة محماة مصفاة سبعة أضعاف، وليس فيها شئ صعب ولا معوج، لكنها كلها ظاهرة للذين يفقهون، ومستقيمة لذوي العلم. وأنا إذ لا فهم لي لست اعرفها، أنا اعرف أنَها مكتوبة بمعنى روحاني لأن الرسول يقول: إن الناموس روحاني. ثم بعد هذا ارفع طرفك إلى السماء وقل: يارب أنا أصدق أقوالك ولا أقاومها بل أني أرتضي بأقوال روحك القدوس، أنت يارب خلصني لأجد نعمة أمامك، أنا لست ألتمس شيئاً آخر إلا أن أخلص فقط وأنال رحمتك أيها المتحنن. لأن لك الملك والمجد والعز والاقتدار إلى الدهور. آمين. أقتنِ السكوت أيها الأخ بما أنه سور حصين، لأنه يجعلك أعلى من الآلام. فأنت تقصد في الاستعلاء، والآلام تروم إحدارك إلى أسفل، فأقتنِ السكوت بمخافة اللـه، فلا تصل إليك كافة نبل العدو ولا تضرك.الصمت المقترن بمشيئة اللـه هو مركبة نارية من أقتناها يصعد إلى السماء، ويقنعك بذلك إيليا النبي كيف أحب السكوت وتقوى اللـه فصعد إلى السماء. يا للسكوت نجاح العُبَّاد، يا للسكوت السُلَّم السماوي، السكوت طريق ملك السماء، السكوت أم التخشع، السكوت مسبب التوبة، السكوت مرآة ترى الخطايا، موضح للإنسان ذنوبه، سبيل الدموع، والد الوداعة، مسكن للتواضع.يجيب الإنسان إلى الترتيب السلامي، مقترن بمخافة اللـه، منير الذهن، جاسوس الأفكار، ومحتسب الإفراز، والد كل خير، توطيد الصوم، ومعوق هيام البطن، مسبب المثابرة على الصلاة والقراءة، سكون الأفكار، وميناء صاحي، جاعل النفس بلا اهتمام.نير صالح ووقر خفيف ينيح ويحمل من يحمله، سرور النفس والقلب، لجام العينين والسمع واللسان.يا لك من سكون مبغض العربدة وعدو الوقاحة، أم الوداعة سجن الآلام، مؤازر كل فضيلة، مسبب هجر الاقتناء، حقل المسيح المثمر الأثمار الصالحة، مقترن بخشية اللـه، سور وحصن للمريدين أن يجاهدوا من أجل ملك السماوات.نعم أقتنِ يا أخي هذا الحظ النفيس كما اقتنته مريم ولن ينتزع منها.أرأيت أيها الأخ ما قدر السكوت، وكيف الرب يمدح من أقتناه، أقتنيه فتتنعم بربك جالساً عند رجليه ملتصقاً به وحده وقل بدالة: لصقت نفسي وراءك وإياي عضدت يمينك، من أجل هذا تمتلئ نفسي كأنَها ممتلئة من شحم ودسم.أقتنِ هذا السكوت فإنه أحلى من العسل، لأن خبزاً وملحاً في سكوت أفضل من تنضديد ألوان الأغذية الفاخرة بِهم وحزن.أسمع القائل: تعالوا إليَّ يا معشر المتعوبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم.فالرب يشاء أن يريحكم من الهموم والغضب والأتعاب، وغموم هذا الدهر، يشاء أن تكون بلا هم من عمل لبن مصر، يريد أن يدخلك البرية أي السكوت، ليضئ سبلك بعمود السحاب لكي يطعمك المن أي خبز السكوت وعدم الهم، ويورثك الأرض الصالحة أعني أورشليم التي في العلا.نعم يا حبيبي حب السكوت وإياه أقتنِ لتتنعم بطرق شواهد اللـه كمن يتنعم بكافة الغنى، أقتنيه بمخافة اللـه فيكون إله السلامة معك.لأن به يليق المجد والعز الآن وإلى آباد الدهور. آمين. أطلب إليكم أيها الإخوة المحبوبون من اللـه، أن تحرصوا كل يوم، وتتذكروا هذه التعاليم، متذكري الأمانة الرجاء المحبة التواضع.اختموا كل حين الصلوات وتلاوة الكتب الإلهية بالسكوت، لأن هذه الفضائل إذا كانت حاضرة عندكم وذائدة فيكم فلا تكونوا في معرفة ربنا يسوع المسيح بطالين ولا غير مثمرين.والعابد الذي لم يقتني هذه بل يتوانى في خلاصه هو أعمى شحاذ قد أشتمله نسيان خطاياه القديمة، وصح علية المثل أنه كالكلب الراجع إلى قيئه، كالخنزير الذي يستحم ويتمرغ في حمأته.فإن الذين هربوا من أدناس العالم بمعرفة ربنا يسوع المسيح ويلتفون بِها ويلتفتون ثانياً وينغلبون فقد صارت أواخرهم أشر من أوائلهم، ولقد كان أفضل لهم ألا يعرفوا طريق الحق، أوفق لهم من أنَهم بعد ما عرفوا عادوا إلى ورائهم.فمنذ الآن يا أحباء المسيح وجنده المصطفين ؛ لنتناول الأسلحة من التعاليم المقدم ذكرها، ونحفظها في قلبنا، لنستطيع أن نجاهد الجهاد النفيس، ونطأ كافة قوة العدو، وننجى من السخط الموافي الذي يحل بأبناء المعصية، ونجد رحمة ونعمة في ذلك اليوم المرهوب أمام القاضي العادل المجازي كل أحد نظير أعماله.الذي به وحده يليق المجد إلى آباد الدهور. آمين. مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل