المقالات

03 مايو 2020

الأحد الثانى من الخماسين

فى إنجيل هذا اليوم يقول ربنا يسوع المسيح: “أنا هو الخبز الحى الذى نزل من السماء .إن أكل أحد من هذا الخبز يحيـا إلى الأبد. والخبز الذى أنا أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم” (يو 6: 51). 1- قال القديس كيرلس عمود الدين فى تأملاته هذه الكلمات التى قالها الرب يسوع باية وسيلة يمكن للإنسان الذى على الأرض- وقد التحف بالمـائت أن يعود إلى عدم الفساد؟أجيب أن هذا الجسد المائت يجب أن يشترك فى قوة واهب الحيـاة النازلة من الله، أما قوة وهب الحياة التى لله الآب فهى الإبن الوحيـد الكلمة الذى أرسله إلينا مخلصا وفاديا.كيف أرسله إلينا؟ يخبرنا يوحنا الإنجيلى بكـل وضـوح: ” والكلمة صار جسدا وحل بيننا ” (يو14:1) عندما نأكل جسد المسيح المقدس ونشرب دمه الكريم ننال الحيـاة فينا إذ نكون كما لو أننا واحد معه.. نسكن فيه وهو أيضا يملك فينا لا تشك فإن هذا حق، ما دام يقول بنفسه بوضوح فى نفس الإنجيـل ” الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمـه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير. لأن جسدى مأكل حق ودمى مشرب حق. من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فى وأنا فيه ” (يو 53:6-56) لذلك يجب أن نتقبل كلمة المخلص بإيمان، اذ هـو الحـق الـذى لا يقدر أن يكذب وقال أيضا القديس كيرلس عمود الدين فى موضوع : الحاجة إلى الإشتراك المنتظم فى سر الإفخارستيا: ( إن اكتسـاب الحياة الروحية من خلال الإفخارسـتيا يتطلـب إشـتراكا منتظمـا فى السر. فالمؤمن يحتفظ بحياته الروحية وينمو فى الروح طالمـا إستمر إرتباطه بالمسيح، ليس روحيا فقط ولكن أيضـا مـن خـلال ممارسة عملية منتظمة للأكل من جسد المسيح والشرب من دمـه. أما الإشترك غير المنتظم فى الإفخارستيا فقد يحـرم المؤمـن مـن الحياة الأبدية ) إن هؤلاء الذين لا يأخذون المسيح من خلال الإفخارسـتيا يظلـون محرومين بصورة مطلقة من أى اشتراك أو تذوق للحيـاة المقدسـة السعيدة وفى كتابه ” شرح تجسد الإبن الوحيد “.. يشير القديس كيرلس الكبـير إلى قول أشعياء النبى: ” وجاء إلى أحد السيرافيم وفى يده جمرة متقدة أخذها من على المذبح بملقط وقال لى هذه ستلمس شفتيك فتنزع إثمك وتطهرك من خطاياك ” (أش 6: 7،6) ويعلق على ذلك القديس كيرلس فيقول ( نحن نقول أن الجمرة المتقدة هى مثال وصورة للكلمة المتجسد.. لأنه عندما يلمس شفاهنا، أى عندما نعترف بالإيمان به، فإنه ينقينـا من كل خطية ويحررنا من اللوم القديم الذى ضدنا ). 2- قال الأب ميلاتو من ساردس( يتحقق سر الفصح فى جسد الرب، فقـد أقتيـد كحمـل وذبـح كشاة مخلصا إيانا من عبوديـة العـالم ( مصـر ) ومحررنـا مـن عبودية الشيطان كما من فرعون، خاتماً نفوسنا بروحه وأعضائنـا الجسدية بدمه ) إنه ذاك الواحد الذى خلصنا من العبودية إلى الحرية، ومن الظلمـة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة ومن الطغيان إلى الملكوت الأبدى. إنه ذاك الذى هو ( الفصح ).. عبور خلاصنا، هو الحمل الصـامت الذى أخذ من القطيع وأقتيد للذبح فى المساء ودفن بالليل.. من أجـل هذا كان عيد للفطير مرآ كما يقول كتابكم المقـدس: تـأكلوا فطـيراً بأعشاب مرة نعم.. مرة لكم هذه !لمسامير!لتى استخدمت.. مر هو لللسان الـذى جدف.. مرة هى الشهادة الباطلة !لتى نطقتم بها ضده. 3- يقول القديس إكليمنضس الإسكندرى فى موضوع الإستعداد للتناول(لا يكون باستعدادات خارجيـة فحسـب وإنمـا بتهيئـة النفـس داخلياً خلال ممارسة حياة الحـب والطـهارة الجسـدية والقلبيـة، وأن يكون سلوكنا فـى حياتنـا اليوميـة مطبقـاً لسـلوكنا داخـل الكنيسة) ثم يقول: يليق بالرجال والنساء أن يذهبوا إلى الكنيسة فـى هـدوء ونظام وسكون، وتكون فيهم محبة صادقة.. يكونون أطهاراً بالجسـد والقلب مؤهلين للصلاة أمام الله. 4- يقول الأباء الرسل فى الدسقوليه أما يوم الرب ( يوم الأحد ) فهو للرب وحده. إجتمعوا فيه لتكسـروا الخبز وتصلوا الإفخارستيا بعدما تعترفون بخطاياكم لتكون ذبيحتكـم طاهرة. وليكف عن الإجتماع معكم كل من كان على خلاف مع أخيـه حتى يتصالحاً معاً لكـى لا تتنجس ذبيحتكحم.. لأن هذه الذبيحة هى التـى قال الرب عنها: ” لأن من مشرق الشمس إلى مغربها إسمى عظيم بين الأمم. وفى كل مكان يقرب لإسمى بخور تقدمة طاهرة لأن إسمى عظيم بين الأمم قال رب الجنود ” (مل 1: 14،11) ونلاحظ فى هذا النص أربع ملاحظات :- 1-إرتباط الإفخارستيا بيوم الرب. 2- إرتباط الإفخارستيا بالإعتراف بالخطية. 3- إرتباط الإفخارستيا بالإجتماع العام للكنيسة. 4- إرتباط الإفخارستيا بالمصالحة. 5- القديس يوحنا ذهبى الفم وسر الإفخارستيا (استحق القديس يوحنـا ذهبى الفـم أن يدعـى بحـق “معلـم الإفخارستيا” ليس لأنه أكثر الحديث عن هذا السر العظيـم وشـهد بأمانة وفى وضوح عن تحول القرابين وحضور الرب حقيقيا ككـاهن السر الخفى والذبيحة المحيية فى نفس الوقت، لكنـه أيضـا عرف كيف يسحب قلوب الكثيرين إلى مذبح الله ويدخل بهم إلى المقدسـات الإلهية ويرتفع بهم إلى السماء، ليدركوا سماوية السر الذى تخدمـه الطغمات السمائية فى شركة الأرضيين تحت قيادة الرب نفسه ) وإليك أجمل ما قاله القديس يوحنا ذهبى الفم عن الإفخارستيا:- أ‌- ” جعلنا أعضاء جسده من لحمه وعظامه ” (أف 5: 20)، ليس خلال الحب وحده وإنما بالفعل ذاته، هذا يتحقق بالطعام المجانى الـذى قدمه لنا، مريدا أن يعلن حبه لنا. من أجل حبه مزج نفسه بنـا،عجن جسده بجسدنا لكى نصير معه واحدا.. نصير جسدا واحدا متحدا بالرأس. ب‌- إذا كان الخبز يحوى حبوبا كثيرة صارت متحدة معا فلا تظـهر للحبوب بعد، هى موجودة فعلا ولكن لا يظهر إختلافها بسـبب إتحادها معا، هكذا أيضا إرتباطنا مع بعضنا البعـض.. لأنـه جسدا واحدا يغتذى به الكل، إنه شركة فى جسد الرب، شـركة مع المسيح نفسه. ج- وقال أيضا: فى خدمة الليتورجية يشترك معنا الملائكـة.. إن الملائكة يتضرعون إلى الرب من أجل جنس البشـر وكأنـهم يرددون قائلين: ” نصلى إليك من أجل الذين حسبتهم أهلا لحبـك فوهبتهم حياتك.. نسكب إليك تضرعاتنا عنهم كما سكبت دمـك من أجلهم.. نطلب إليك من أجل هؤلاء الذين بذلت جسدك هذا من أجلهم “. د- ويقول أيضا: إن كانت طقوسنا تتم على الأرض لكنها متأهبـة للسموات إذ يكون ربنا يسوع المسيح نفسه الذبيـح مضطجعـا، والروح مرافقا لنا، والجلس عن يميـن الآب حـاضرا هنـا.. ماذا؟! أليست تسابيحنا سماوية؟! أليس المذبـح سـمائيا؟! إذ لا يحمل أمورا جسدانية بل تقدمة روحية “فالذبيحة لا تتحـول إلى تراب ورماد بل هى بهية وسامية. الكنيسة سماوية بل هـى السماء نفسها. ه- ويقول أيضاً: حتى الأن المسيح الملاصق لنا الذى أعد المـائدة هو بنفسه يقدسها، فإنه ليس إنسان يحول القرابين إلـى جسـد المسيح ودمه بل المسيح نفسه الذى صلب عنا.. ينطق الكلمات لكن التقديس يتم بقوة الله ونعمته. 6- قال القديس كيرلس الاورشليمى ( لكونه هو نفسه تكلم وقال عن الخبز هذا جسدى، فمن يجسر بعد ذلك أن يرتاب.. ولكونه هو نفسه ثبت وقال هذا هو دمى، فمن يتوهـم أو يقول أنه ليس دمه؟.. لأن الذى حول وقتا ما الماء إلى خمر فـى قانا الجليل بإشارته أفليس مصدقا إذا قال أن هذا هو دمى؟! )وقد دعى إلى عرس جسدى فصنع فيه تلك العجيبة الفائقة، فكيـف لا نعترف له بالأحرى بأنه منح بنى العرس التمتع بجسـده ودمـه؟.. فلنتناولهما إذن باليقين التام أنهما جسد المسيح ودمه لأنه برسم الخبز يعطى لك الجسد وبرسم الخمر يعطى لـك الـدم، لكـى بتناولك من جسد المسيح ودمه تصير متحداً معه جسـداً ودمـاً. لأننا بهذه الحالة نصير لابسى المسيح، أى بإمتزاج جسده ودمه فـى أعضائنا. وبهذه الواسطة نصير مشاركـى الطبيعة الإلهية، كمـا قال القديس بطرس: ” كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذى دعانا بالمجد والفضيلة. اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكى تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهيـة هاربين من الفساد الذى فى العالم بالشهوة ” (2 بط 1: 3، 4). 7- وقال القديس يوستينوس الشهيد لأننا لا نتناولهما بمثابة خبز عادى لكن كما أنه بكلمة الله لما تجسـد يسوع المسيح مخلصنا قد أتخذ لأجل خلاصنا لحما ودما، هكذا تعلمنـا أن الغذاء الذى شكر عليه بدعاء كلامه- وبه يغتذى لحمنـا ودمنـا بحسب الإستحالة- هو لحم ودم ذلك المتجسد. 8- قال القديس مارافرآم السريانى إن جسد الرب يتحد بجسدنا على وجه لا يلفظ بـه أيضـاً ودمـه الطاهر يصب فى شراييننا، وهو كله بصلاحه الأقصى يدخل فينا وقال أيضاً: إنكم تشتركون فى جسد الرب الكلى القدسـية بإيمـان كامل غير مرتابين أنكم تأكلون الحمل كله. 9- وقال القديس أغناطيوس إن جسد الرب يسوع واحد، هو ودمه المهرق عنا واحـد.. خـبز واحد كسر، وكأس واحدة وزعت للجميع، ومذبح واحد لكل الكنيسة. 10- وقال القديس كبريانوس إننا نحثهم ونحرضهم على الجهاد ولا نتركهم بغير سلاح، بل نحصنهم بالسلاح الكامل وهو جسد ودم المسيح.. لأننا كيف نعلم من ندعوهم إلى الإعتراف بإسمه أن يهرقوا دمهم إذا كنا لا نمنح دم المسيح للمجاهدين عنه. 11- قال القديس جيروم حينما أتوا إليه بالسرائر المقدسه وقت نياحته ما هذا الإتضاع يا سيدى الذى تريد أن تـأتى بـه إلـى خـاطئ، وترضى لا أن تؤاكله فقط بل أن تؤكل منه أيضاً. صلوات خاصة قبل وبعد التناول من الأسرار المقدسة:- صلاة قبل التناول من الأسرار المقدسة:- ياربى إنى غير مسـتحق أن تدخـل تحـت سـقف بيتى لأنى إنسان خاطئ، فقل كلمة أولا لكى لتبرأ نفسى.. قل لنفسـى مغفـورة لك خطاياك إنى مقفر وخال من كل صلاح، وليس لى سوى تحننـك ورأفتـك ومحبتك للبشر.لقد تنازلت من سماء، مجدك غير المدرك إلى ذلنـا وأرتضيـت أن تولد فى مزود البقر، فلا ترفض يا مخلصى القدوس أن تقبـل إليـك نفسى الذليلة الحقيرة التى تنتظر حضورك البهى.إنك لم تستنكف من دخول بيت الأبرص لتشفيه، فاسمح يـا إلهى بالدخول إلى نفسى لتطهرها. لم تمنع الخاطئة من تقبيل قدميك، فلا تحرمنى الدنو منـك لتنـاول جسدك الطاهر ودمك الأقدس، بل فليصر تناولى للإشـتراك معـك، وإبادة كل ما هو دنس ولإماتة أهوائى الرديئـة، وللعمـل بوصايـاك المحيية، ولشفاء نفسى وجسدى من كـل خطيـة. ولقبـول مواهبـك ولسكنى نعمتك ولحلول روحك وللإتحاد بك والثباث فيك لأحيا لأجـل إسمك القدوس. أمين. صلاة بعد التناول من الأسرار المقدسة:- قد إمتلأ قلبى فرحا ولسانى تهليلا.. فلتعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى لقد أقبلت إليك يارب لتلبسنى حلة نقية تؤهلنى للدخول إلى عرسـك. فليكن إتحادى بك اليوم دائماً لأنى به أزداد فى الفضيلة ثباتـا ونمـوا ويشتد إيمانى ويتقوى رجائى فليصر تناولى الآن علامة للخلاص ولباسا للنعمة، وحلـة للميلاد الجديد، وطهارة وقداسة للنفس والجسد ونقاوة للحب، وفرحاً وسـروراً أبدياً وجواب حسن القبول أمام منبرك الرهيب أسلم ذاتى بين يدى حنوك، فاجعلنى واحدا معك وسـيرنى تحـت إرادتك. استدع إليك عقلى وحواسى وإرادتى لتباركـها وتكون طـوع مشيئتك أحيى قلبى وأيقظ ضميرى. شتت جميع خيـالات العـدو، وقـل للزوابع أن تسكت سر معى وهدئ روعى، أرو عطشى، وأضرم لهيب محبتـك فـى قلبى، تلاف بحنو ورفق كل ما ينقصنى. أمكث معى لأن النـهار قـد مال ورافقنى إلى أن ينسم النهار، فأنت وحدك غايتى وسعادتى. أنـت وحدك يارب إلى الأبد. أمين.
المزيد
12 ديسمبر 2018

الصلاح والإصلاح ينبغي أن ينبعا من الداخل

الحياة الروحية ليست مجرد ممارسات تعبدية تعمل بالجسد‏.‏ إنما المقياس الروحي لها‏,‏ يتوقف علي روحانية الإنسان من الداخل‏,‏ ومن حيث دوافعه ونياته ومشاعر قلبه وحالة فكره‏.‏ وقد رفض الرب كل عبادة تقدم إليه دون أن تكون نابعة من قلب نقي‏.‏ وقال عن اليهود في العهد القديم‏ هذا الشعب يكرمني بشفتيه. وأما قلبه فمبتعد عني بعيدا! إذن الفضائل تبدأ في القلب, ومن القلب تخرج, وتظهر في الأعمال الفاضلة. ولكن كل عمل فاضل, لا علاقة له بالقلب, لا يحسب فضيلة علي الإطلاق كما أن الفضيلة التي لا تتأسس علي محبة القلب لها, لن تبقي ولا تستمر. وسنضرب بعض أمثلة فتاة مثلا: سمعت عظة عن الحشمة والأزياء والزينة. فتأثرت بها, وبدأ يتغير مظهرها الخارجي. ولكنها من الداخل لم تتغير! ولم تتأسس في داخلها العفة الحقيقية.. هذه قد لا تستمر في مظهرية هذه( الحشمة) التي لم تنبع من قلبها. وقد تعود! العفة في جوهرها هي احترام المرأة لجسدها, وعدم عرضه علي الغير كوسيلة لإغرائهم وتحريك الشهوة فيهم. والعفة أيضا هي لون من الخشية أمام الله.. وإن كنت أقول هذا للفتاة العادية, فماذا أقول إذن للممثلات المحترفات لتمثيل أدوار الإغراء؟! علي كل هؤلاء أن يفكرن داخل أنفسهن عن مصيرهن جميعا في الأبدية من جهة سقوطهن ومن أسقطنه من الرجال. شخص آخر يقع في الغضب والنرفزة. ودائما يضج ويثور ويعلو صوته, ويفقد أعصابه, ويفقد من يثور عليهم. هل من المعقول أن يقول مثل هذا الشخص: سوف أدرب نفسي علي هدوء الصوت وهدوء الحركات. ويبدو هادئا من الخارج لفترة, بينما يكون قلبه من الداخل في أتون من نار مشتعلا غضبا؟! كلا, بل عليه أن يبحث عن أصول النرفزة والغضب في داخله, ويعالجها.. ربما يكون السبب هو كبرياء داخلية لا تحتمل كلمة معارضة, أو كلمة توجيه أو نقد, مع محبته للكرامة والمديح, أو قد يكون سبب غضبه, هو أنه يريد تنفيذ رأيه أيا كان أو تنفيذ رغباته. أو قد يكون سبب الغضب هو كراهيته لمن يصطدم به, فأصبح لا يحتمل منه شيئا, بل قد لا يحتمل مجرد رؤيته, فيثور أيا كان السبب, عليه أن يعالجه داخل نفسه أولا. لأن مجرد الظهور بهدوء خارجي لا ينفع, بل عليه أن يكتسب في داخله فضائل الاحتمال والوداعة ومحبة الآخرين, ولوم نفسه بدلا من لوم غيره, حينئذ ينجح في روحياته. مثال آخر: مريض ارتفعت درجة حرارته: أيمكنك معالجته بكمادات من الثلج, أو ببعض مخفضات الحرارة؟! أم الأصح هو البحث عن السبب الداخلي الذي أدي إلي ارتفاع درجة الحرارة ومعالجته؟ ربما كان السبب التهابا في اللوز, أو بؤرة صديدية في أحد أعضاء الجسم من الداخل, أو غير ذلك, وإن عرفنا السبب الحقيقي, حينئذ يمكن العلاج علي أساس سليم. يا إخوتي, لا يمكن إصلاحكم لأنفسكم مجرد إصلاح خارجي هناك أيضا من يفكر أن يحيا حياة نقية مع الله في ظروف خاصة, أو في مناسبة معينة. فقد يكون تحت تأثير مؤقت يحدث, أو عظة عميقة قد سمعها أو قراءة روحية تركت فيه أثرًا شديدًا. أو نتيجة لمشكلة حاقت به, فقال: إن أنقذتني يا رب, فسوف أتبعك كل حياتي. وأنقذه الله, فتبعه. ولكن ما إن يزول هذا المؤثر الخارجي, حتى يرجع كما كان.. وكذلك من يصمم أن يحيا حياة جديدة بمناسبة عام جديد في حياته, أو أي مناسبة أخري مفرحة إن التدين عند أمثال هؤلاء هو تدين مناسبات, وليس عن إيمان حقيقي وعمق في حياة الفضيلة. هو مجرد تأثرات خارجية, وانفعالات تزول بعد حين.. إذن لكي يثبت الإنسان في حياة البر, وفي علاقة دائمة مع الله, ينبغي أن يبني بره علي أساس داخل القلب وأحيانا يظن بعض رجال المجتمع أن الإصلاح قد يأتي عن طريق العقوبة. ولكن العقوبة هي عامل خارجي, ولا تصلح مع كل الحالات ولا مع كل مراحل السن. حتى السجن مثلا الذين يقولون عنه إنه: تدريب وتهذيب وإصلاح. نقول نعم من جهة التأديب أما من جهة التهذيب والإصلاح, فأمر مشكوك فيه. فقد يكون الإصلاح بالنسبة إلي الآخرين الذين يخافون نفس المصير. أما بالنسبة للسجين, فنادرًا ما يستفيد من السجن تهذيبًا وإصلاحًا. علي العكس قد يمتلئ قلبه بالحقد علي من تسببوا في سجنه, وعلي القسوة التي عومل بها. ويمتلئ بالسخط من جهة سمعته, وما هو فيه من ضيق, وما ينتظره بعد الخروج من السجن. أين هو الإصلاح إذن؟! لا يوجد إصلاح إلا الذي ينبع من القلب اهتموا إذن جميعًا بأن تبنوا حياتكم الروحية من الداخل, من عمق القلب في صلته مع الله. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
31 يوليو 2020

سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ

عندما تأمل القديس بولس الرسول فيما يجري حوله من مضايقات واضطهادات، ومن حروب داخلية وخارجية، رفع نظره نحو السماء، فأبصر وإذا: «سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا» (عب 12: 1)والمنظر كمثل بطل يصارع داخل حلبة المصارعة، أو مثل فريق يتبارى في استاد رياضي، يحيط به الآلاف من المشجعين، الذين يؤازرون فريقهم حتى يتم له النصر. والفرق بين هذا المشهد الأرضي وما رآه بولس الرسول، أن سحابة الشهود هم إما أبطالٌ سبقونا في الجهاد، ونالوا أكاليل الغَلَبةِ والظفر، وهم يشجعوننا أن نجاهد لننتصر كما جاهدوا هم ولبسوا أكاليل الجهاد. وإما قوات سماوية أرسلها الرب لتعضيد ومساندة خائفي اسمه: «أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحاً خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ!» (عب 1: 14) لقد هجمت جيوش ملك آرام قديماً على شعب الله، فارتعب خادم أليشع النبي من هول المنظر، فطمأنه أليشع النبي وقال له: «لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ. وَصَلَّى أَلِيشَعُ وَقَالَ: يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ. فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنَيِ الْغُلاَمِ فَأَبْصَرَ، وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلاً وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ» (2مل6: 16-17) وليس المقصود هنا الاضطهادات أو المضايقات التي تجري من حولنا فحسب، بل المقصود بالدرجة الأولى الحروب الروحية التي نتعرض لها كل يوم من عدو الخير، الذي يجول دائماً حولنا كأسد زائر، لكن لنا في سحابة الشهود العون الروحي واللمسة السمائية التي تحول الحرب من حرب مادية، إلى حرب ضد أولاد الله، المؤمنين باسمه يحكي لنا كتاب بستان الرهبان عن القديس موسى الأسود، في بدء حياته الرهبانية هذه القصة (قول 174)[قيل إن الأب الكبير أنبا موسى الأسود قوتل بالزنا قتالاً شديداً في بعضِ الأوقاتِ. فقام ومضى إلى أنبا إيسيذوروس وشكا له حالَه، فقال له: «ارجع إلى قلايتِك». فقال أنبا موسى: «إني لا أستطيعُ يا معلم». فصعد به إلى سطحِ الكنيسةِ وقال له: «انظر إلى الغربِ»، فنظر ورأى شياطين كثيرين يتحفَّزون للحربِ والقتالِ. ثم قال له: «انظر إلى الشرقِ»، فنظر ورأى ملائكةً كثيرين يمجِّدون الله. فقال له: «أولئك الذين رأيتَهم في الغربِ هم محاربونا، أما الذين رأيتَهم في الشرقِ فإنهم معاونونا. ألا نتشجع ونتقوى إذاً ما دام ملائكةُ الله يحاربون عنا»؟ فلما رآهم أنبا موسى فرح وسبَّح الله ورجع إلى قلايتِهِ بدونِ جزعٍ] عندما نظر القديس بولس الرسول سحابة الشهود، شجَّع المؤمنين أن يجاهدوا دون خوف، وقتها سيدركون مدى سهولة الجهاد في حضرة هؤلاء المشجعين: «لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا» (عب 12: 1). نيافة الحبر الجليل الانبا إبيفانيوس الأسقف الشهيد رئيس دير القديس أبو مقار
المزيد
02 أغسطس 2018

الأسفار التي يزعمون أنها مفقودة من العهد الجديد!!

يزعم البعض من الكتاب غير المسيحيين في كتب كثيرة وفي عشرات المواقع على النت، بل وفي كثير من المحطات الفضائية وغيرها، وجميعها تنقل بعضها عن بعض، أن هناك العشرات من الأسفار أو الكتب المقدسة التي يذكرها الكتاب المقدس بأسمائها سواء في العهد القديم أو العهد الجديد دون أن يكون لها أي وجود الآن!! وراحوا يدّعون بغير علم ولا معرفة أو دراسة حقيقية وعلمية للكتاب المقدس أو مفاهيمه ومصطلحاته وبيئته وخلفياته التاريخية والحضارية والثقافية والدينية التي كتب إثناءها وبمفاهيمها ومصطلحاتها، أن هذه الكتب أو الأسفار هي كتب وأسفار مقدسة وموحى بها! ثم راحوا يتساءلون؛ أين هي هذه الأسفار؟ وهل فقدت وضاعت، وكيف ولماذا؟ أم تم حذفها ولماذا؟ وراح البعض يسألوننا؛ كيف تؤمنون بكتاب مقدس ضاع منه الكثير من الأسفار المقدسة والغريب أنهم يذكرون أسماء كتب لا يعرفون عنها شيئًا بل ولا يعرفون حتى أن ينطقوا بأسمائها!! فقط نقلوها عن بعض الكتب التي كتبها نقاد المسيحية في أوربا وبصفة خاصة التي أصدرتها مدارس النقد الألمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، وتجاهلوا الكتب المسيحية التي ردت عليها، بل وقبل اكتشاف مخطوطات قمران سنة 1945م، والتي كشفت الكثير من مخطوطات العهد القديم ومخطوطات الكتب التي تشرح العهد القديم وكتب علماء اليهود التي كتبوها في الفترة ما بين العهدين والتي أوضحت لنا الفكر اليهودي قبل المسيح وقبل اكتشاف مخطوطات نجع حمادي سنة 1947م والتي كشفت عن معظم الكتب التي كتبها الهراطقة الغنوسيون الذين كتبوا عشرات الكتب وأسموها بأسماء أسفار العهد الجديد مثل ما يسمى بإنجيل فيليب وأعمال يوحنا.. الخ والتي تمت ترجمتها وبدأ نشرها ابتداء من سنة 1975م وقد قمنا بترجمتها إلى العربية ونشرنا الجزء الأول منها وقريبا سينشر الجزء الثاني والثالث.. الخ فقط هللوا لها دون أن يقرءوها أو يعرفوا محتواها مع أنها متاحة أمامهم الآن سواء في كتب أو على عشرات من مواقع النت. ولكنهم للأسف لم يقرءوها بل اعتمدوا على النقل مما سبق أن كتبه الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه أظهار الحق الذي كتبه في القرن الثامن عشر قبل أن تكتشف هذه الكتب، والذي نقل مادته الأساسية عن مدارس النقد الألمانية الإلحادية!! وما كتبه غيره وهو في الأغلب نقلا عنه أيضًا مثل الدكتور محمد وصفي في كتابه: "المسيح بين الحقائق والأوهام"!! بل والأغرب من ذلك فأن من كتب منهم قبل اكتشاف هذه الكتب، الأبوكريفية، وقبل ترجمتها ومعرفة محتواها راح يخمن ويتخيل محتواها وما تتضمنه طبقا لمعتقداته وبحسب أهوائه وتمنياته وخياله الذي تصور أن الكثير مما كتب قبل القرن السابع الميلادي يخدم فكره وديانته، هكذا دون سند أو دليل أو برهان!! وراح يكيل الاتهامات للمسيحية هكذا دون أي سند أو دليل، كالعادة، وليس بحسب البحث العلمي!! وعلي سبيل المثال فقد قال الشيخ محمد رشيد رضا، ناشر الترجمة العربية لإنجيل برنابا المزيف، في مقدمته لطبعة 1908م: "أننا نري مؤرخي النصرانية قد اجمعوا علي انه كان في القرون الأولى للمسيح عليه السلام أناجيل كثيرة وأن رجال الكنيسة قد اختاروا منها أربعة أناجيل ورفضوا الباقي. فالمقلدون لهم من أهل ملتهم قبلوا اختيارهم بغير بحث وسيكون ذلك شأن أمثالهم إلى ما شاء الله"الغريب أنه يتهم المسيحيين بما يقوم به هو نفسه!! وراح في أوهامه وتخيلاته يقول أنه: "لو بقيت تلك الأناجيل كلها لكانت أغزر ينابيع التاريخ في بابها ما قبل منها أصلا للدين وما لم يقبل ولرأيت لعلماء هذا العصر من الحكم عليها والاستنباط منها بطرق العلم الحديثة المصونة بسياج الحرية والاستقلال في الإرادة مالا يأتي مثله من رجال الكنيسة الذين اختاروا تلك الأناجيل الأربعة ورفضوا ما سواها"!!هكذا يضع تخيلاته وأوهامه وتمنياته ويتكلم بغير علم ولا دليل، ويزعم أن رجال الكنيسة اختاروا الأناجيل الأربعة دون بحث!! ورفضوا بقية الأناجيل بلا سند أو دليل!!ويتمنى ويتخيل ويتهيأ له، في أحلام اليقظة، أنه لو ظهرت هذه الأناجيل، التي رفضها رجال الكنيسة، ودرسها العلماء بطرق العلم الحديثة وبحرية إرادة، لأظهروا ما لم يظهره رجال الكنيسة‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! والغريب أنه وغيره يتكلمون فيما لا يعلمون ويزعمون ويدعون معرفة ما ليس لهم به من علم أو معرفة؟‍‍!! فلا الكنيسة اختارت الأناجيل الأربعة دون سند، ولا رفض رجالها الكتب الأخرى دون دليل!! وكل ما زعمه، هو وغيره، يدل علي عدم معرفة. القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير كاهن كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد من كتاب هل هناك أسفار مفقودة من الكتاب المقدس؟
المزيد
23 أغسطس 2018

التعليق على ادعاءات الدكتور منقذ السقار الغير سليمة

2 – التعليق على هذه الادعاءات: (1) وعند قراءتنا لما كتبه الدكتور منقذ السقار نجد أنه يعرف جيدا أن الغالبية العظمى من الكتب الأبوكريفية قد تم اكتشافها بل وترجمتها ومع ذلك لم يحاول الرجوع إليها بنفسه ومقارنتها ومحاولة معرفة الفرق بينها وبين الأسفار القانونية الموحى بها، بل أكتفى فقط بنقل ما كتبه بعض الكتاب الذين لم يقرءونها والذين اعتمدوا بدورهم على ما سبق أن كتبه الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه أظهار الحق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والذي أعتمد يدوره على ما نقله عن مدارس النقد والتشكيك، خاصة الألمانية، والتي تكلمت عن هذه الكتب أيضًا قبل اكتشافها وترجمتة نصوصها ومعرفة محتواها من خلال نصوصها ذاتها وليس مما نقل عنها نظريًا؟؟!! (2) نلاحظ أن سيادته تكلم عن وجود هذه الكتب الأبوكريفية عند بعض الفرق المسيحية في القرون الأولى واستخدامها دون أن يقول لقرائه؛ من هي هذه الفرق؟ وبماذا كانت تؤمن؟ وكيف وجدت هذه الكتب معها؟ هل ألفتها هي من خلال قادتها لترويج هرطقاتها وأفكارها المرفوضة مسيحيًا؟ أم تسلمتها عن رسل المسيح؟ أم كيف حصلت عليها وما الدليل الذي يمكن يعتمد عليه هو أو غيره؟ (3) للأسف فأن كل ما يحكم سيادته، هو وكل من كتبوا في مثل هذا الموضوع، ليس سوى شيء واحد هو: بما أنهم يعتقدون أن الإنجيل الحقيقي الذي نزل على المسيح، كما يتصورون، إنجيل المسيح أو إنجيل عيسى، قد فقد وأن الكتب المسيحية القانونية والموحى بها تضم الحق والباطل لأنها، من وجهة نظرهم ليست هي الإنجيل الأصلي، بل هي اقرب لسيرة المسيح منها للإنجيل!! لذا يتساوى في نظرهم الجميع سواء كتب قانونية أو أبوكريفية مزيفة!! فلا يعنيهم مثل هذه التساؤلات ولا كيف وجدت هذه الكتب ولا بماذا كانت تؤمن هذه الفرق الهرطوقية؟ ومن ثم لا يعنيهم البحث العلمي ولا الدراسة العلمية الدقيقة ولا محاولة معرفة حقيقة هذه الكتب حتى ولو للدراسة والعلم والمنطق، فهذا لا يعنيهم، إنما يعنيهم فقط أثبات صحة عقائدهم، وما تصوروه وزعموه عن المسيحية عبر مئات السنين، ليس من خلال مصداقية عقائدهم في ذاتها بل بهدم العقائد المسيحية!! (4) وعند قراءتنا لما كتبه الكاتب الثاني، والذي يمتليء كلامه بالادعاءات بل والتلفيقات المليئة بالأخطاء التي لا يمكن أن يقع فيها إلا من هو نوعية هذا الكاتب ومن نقل عنهم!! فهو ينقل أسماء لكتب، عن كتب أخرى كتابها من نفس النوع، بشكل يدل على عدم المعرفة بأصول الدراسة والبحث العلمي، فقط كل همهم أن يقدموا حشو لا هدف له إلا تشويه صورة المسيحية بأي وسلية مهما كانت وبمبدأ "الضرورات تبيح المحظورات!! والمبدأ الميكيافلي "الغاية تبرر الوسيلة"، نضع الملاحظات التالية: (أ) أن الكاتب، ومن نقل عنه أو عنهم، غير دارسين للمسيحية على الإطلاق، فهم لا يلمون بمعظم الأسماء فيها ولا بمصطلحاتها، والباحث الحقيقي هو من يدرس الديانة التي يبحث فيها ويعرفها كما هي في صورتها التي يؤمن بها أهلها، حتى يقيمها كما هي في جوهرها ويكون عارفا ومدركا وملما بأهم عقائدها وأفكارها ثم يقرر بعد ذلك ما يرى أنه صواب أو خطًا ويدرك معنى ما ينقله عنها ومن ذلك الكتب وأسمائها سواء الكتب التي يؤمن بوحيها أو التي يرفض وحيها وكذلك الأشخاص، دورهم وصحة أسمائهم، كما هي في صورتها الأصلية. ولكننا هنا نرى العكس، حيث يتضح لنا من أسلوب الكاتب، ومن نقل عنهم، أنه لا يعرف أي شيء عن المسيحية!! وكل همه، كما يفعل الكثيرون غيره، هو نقل ما يمكن نقله من الكتب التي ينتقدها دون التحقق من صحة ما ينقل!! فهو هنا يعتمد على الكتب والمقالات التي تهاجم المسيحية، التي تملأ الكثير من الكتب والمواقع التي تهاجم المسيحية على النت، وعلى رأسها كتاب إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي، والذي أعيدت طباعته منذ نشره للمرة الأولى وحتى الآن مئات المرات!! إلى جانب المنتديات الحوارية التي تناقش الأديان، وخاصة التي تهاجم المسيحية، على النت، والتي تفتقر إلى نوعية المسيحيين الدارسين للرد على مثل هذه المواضيع. (ب) ولذا نراه، هو ومن ينقل عنهم، ينقل أسماء الكتب من عدة مصادر وكل مصدر منها يسمي بعض الكتب باسم يختلف عن الأخر دون أن يدرك الفارق بينهما وعلى سبيل المثال فقد كتب اسم كتاب الراعي لهرماس باسمين واحد صحيح وهو كتاب الراعي لهرماس، والثاني خاطيء وهو كتاب المراعي لهرماس!! وربما يكون من نقل عنه الاسم الثاني سقط في خطأ مطبعي فنقل عنه نفس الخطأ على أنه كتاب أخر!! وبنفس الطريقة ذكر إنجيل ماركيون وإنجيل أتباع مرقيون (مرسيون) وكأنهما اثنان، دون أن يدري أنهما تكرار لنفس الاسم الواحد والفارق هو في الترجمة عن Marcion والذي يترجم مركيون أو مرقيون أو مرسيون!! ومثل ذكره لإنجيل يهوذا وإنجيل يهوذا الأسخريوطي وكأنهما كتابان، دون أن يدري أن يهوذا المنسوب له هذا الكتاب هو يهوذا الاسخريوطي!! وكذلك قوله إنجيل الطفولة ويُنسب لمتى الحواري وكتاب إنجيل متى المزيف، وكلاهما كتاب واحد ويبدو أنه نقل كل اسم منهما عن مصدر مختلف عن الأخر فاعتقد أنهما كتابان مختلفان!! وكذلك قوله؛ مشاهدات بطرس ورؤيا بطرس، فمشاهدات ورؤيا هي ترجمة مختلفة لكلمة أبوكاليبس (Apocalypse) اليونانية أو التي نقلت عنها في القبطية!! وواضح أنه نقلهما عن مصدرين وأعتقد أنهما كتابان!! (ج) ذكر أسماء لا وجود لها في أي قائمة من قوائم الكتب الأبوكريفية ولا نعرف من أين أتى بها، هو ومن نقل عنهم، مثل؛ زبور عيسى الذي كان يعلم منه، ورسالة عيسى إلى بطرس وبولس، وكتاب عيسى التمثيلات والوعظ، كتاب الشعبذات والسحر ليسوع، والغريب هنا أن يقبل مثل هذا الكاتب ومن نقل عنهم كتاب يقول أنه كتاب سحر وشعوذة وينسبه للمسيح!! في حين أنه لا يوجد اسم لمثل هذا الكتاب في الوجود!! وكتاب مسقط رأس يسوع ومريم وظئرها!! ورسالته التي سقطت من السماء في المائة السادسة، ورسالة بطرس إلى كليمنس، ومباحثات بطرس وأى بَيْن، ولا نعرف معنى قوله "وأى بَيْن"!! كما ذكر عدة كتب باسم آداب الصلاة مثل؛ آداب الصلاة وينسب لمتى الحواري، وآداب الصلاة وينسب ليعقوب الحواري، آداب صلاة يوحنا آداب الصلاة وينسب لمرقس!! فهو، كعادته وعادة من نقل عنهم ينقل أي شيء دون أن يحاول معرفته والتحري عنه!! وآداب صلاة بطرس، وكتاب قياس بطرس، وغيرها من أسماء الكتب التي لا نعرف من أين أتى بها؟!! وهنا نسأله هو ومن نقل عنهم؛ كيف تنقلون ما لا تعرفون؟! وتضعون أسماء لكتب لم تتحققوا من صحتها أو حقيقة وجودها؟! هل هذا هو أسلوب البحث العلمي وهل هكذا تتعاملون في بحثكم عن الحق؟! (د) ذكر أسماء لكتب غير مسيحية على أنها أناجيل مرفوضة، مثل؛ إنجيل تهيودوشن، وهذا يدل على جهله الفاضح هو ومن نقل عنهم، فالكتاب هو ترجمة للعهد القديم قام بها شخص يهودي في القرن الثاني يدعى ثيودوشن!! فهو لم يدقق في أسماء الكتب نفسها أو أسماء الأشخاص المنسوبة إليهم ولا يحاول الإلمام بها بل ومن الواضح أن مثل هذه الأمور لا تعنيه ولا تهمه، لأن كل هدفه هو تشويه المسيحية بأي وسيلة مهما كانت فالغاية عنده تبرر الوسيلة، وقل على البحث العلمي السلام!! (ر) وقد ركز الكاتب كل همه على تصوير المسيحية لقرائه بأنها ديانة محرفة ومليئة بالأفكار الخرافية مع محاولة تصوير أتباعها وكأنهم قطيع من الحيوانات لا يفهمون شيئًا ولا يعون شيئًا، بل فقط يسيرون خلف رجال الدين الذين يصورهم وكأنهم مجرد عبدة شيطان وليس عبدة الله، ولا يرى فيهم سوى ما يتخيل أنهم أناس لا عقول لهم يحرفون كتبهم بأنفسهم ويؤمنون بها!! وتجاهل تمامًا المبادئ السامية التي علمها الكتاب المقدس بعهديه، وخاصة التي علمها الرب يسوع المسيح وأن المسيحيين يتمثلون في حياتهم بشخص المسيح ذاته وبنهاية سيرة القديسين الأبرار الذين ملئوا ويملئون الأرض كلها والذين قال عنهم الرب يسوع المسيح "أنتم ملح الأرض"، ونظر فقط إلى خطايا البعض سواء كانوا من البسطاء أو من رجال الدين ونسي أنهم بشر وغير معصومين، يصيبون ويخطئون، وأن المسيحية لا تقاس بتصرفات بعض أفرادها بل بما تنادي به من عقائد ومباديء، سامية لا يمكن أن يؤلفها بشر بل هي ذروة وحي الله وكلمته أنه وغيره لا يرى الملح، بل فقط التراب. (س) لا يحاول مطلقا التحري لمعرفة شيء كما هو الطبيعي بالنسبة للباحث الذي يعرف معنى البحث والدراسة، كما سنرى، بل كل همه هو أن يخطف عبارة من هنا وجملة من هنا وفقرة من هناك ترضي فكره السطحي، فكل همه هو إظهار المسيحية وكأنها ديانة محرفة ومليئة بالخرافات والأفكار الشريرة!! فهو لا يريد أن يبحث عن الحقيقة، فهذا ليس هدفه مثله في ذلك مثل الكثيرين غيره، بل ما يريده فقط هو أن يظهر المسيحية في صورة هو يريدها وليس في صورتها الحقيقية كما نؤمن بها!!!؟؟ (ص) ذكر أسماء العشرات من الكتب الأبوكريفية دون أن يحاول أن يعرف عنها شيئًا، لأنه نقلها عمن سبقوه وبنفس طريقته، ولم يحاول لا هو ولا غيره أن يسألوا لماذا رفضت هذه الكتب، فقط حاولوا، دون علم أو دراسة، أن يصوروا أن المسيحيين انتقوا كتبا ورفضوا أخرى بسبب الهوى وليس الحقيقة؟؟!! علما بأن هذه الكتب، كما بينّا، موجودة على مئات بل آلاف مواقع النت وبأكثر من لغة، ولكن هذا لا يعنيه، فقط يريد أن يقدم صورة مشوهة للمسيحية بأسلوب ميكيافلي الغاية فيه تبرر الوسيلة، واستخدم قاعدة الضرورات تبيح المحظورات لأنه وضع نفسه في صورة المحارب الذي يبيح لنفسه كل شيء لكي ينتصر في معركته التي وضع نفسه فيها!! فهو لا يبحث عن الحقيقة بل وضع كل همه في تشويه المسيحية!! (ط) نسب، مثله مثل الكثيرون غيره، لمجمع نيقية تحديد نوعية الكتب والأناجيل الصحيحة من المزيفة، بل وصوروا هذا المجمع وكأنه الذي أخترع وألف العقائد المسيحية وكتُبها، وذلك دون الرجوع لأي مرجع تاريخي أو حتى مجرد إشارة تاريخية سواء كانت مسيحية أو غير مسيحية، وهذا محض افتراء وكذب وتدليس!! والغريب أنه لم يكلف نفسه سواء هو أو غيرة بقراءة جدول أعمال مجمع نيقية والقرارات والتوصيات التي صدرت عنه، ولم يحاولوا بحث الموضوع تاريخيا ولا علميًا ولا منطقيا لمعرفة صحة هذه المزاعم بل والأكاذيب، كما هي العادة، فهم لا يرجعون لأصل أي شيء لمعرفة حقيقته، بل فقط يقتطفون أقوال من هنا أو هناك تفي بغرضهم وهو محاولة تشويه المسيحية!! (ع) نقل أقوال بعض الملحدين عن الكتاب المقدس وكذلك أقوال بعض الليبراليين، الذين لا يؤمنون لا بوحي ولا بمعجزات، فقط يؤمنون بما تلمسه الحواس، فهم لا يؤمنون بميلاد المسيح من عذراء لأنهم لم يروا مثل هذه الولادة ولا يؤمنون بأن المسيح أقام الموتى لأنهم لم يروا شخص مات وأقامه أحد!! والغريب أن هذا الكاتب وغيره راحوا ينقلون عن هؤلاء، الملحدين واللادينيين وكأنهم هم رجال العالم المسيحي وقسوسه، دون التنويه لكونهم من الملحدين أو الليبراليين!!؟؟ (ف) راح مثله مثل غيره يقتطف بعض الأقوال التي وردت في دوائر المعارف والقواميس وبعض كتب التفسير، والأرجح أنه نقلها عن بعض الكتب غير المسيحية، فنوعية كتابته ولغته تدل على أنه لم يقرأ هذه الكتب، بل نقل عن غيره ما نقله من فقرات دون الرجوع لهذه الكتب التي من الصعب أن تكون في متناول يده أو أنه قرأها، والتي تناقش المواضيع بطريقة علمية دون أن يكمل بقية كلام هؤلاء الذين من المفترض أنه نقل عنهم، فقط اقتطف جملا من سياق كلامهم وقدمها مبتورة معتمدا على أن القارئ لن يرجع لمثل هذه المراجع!! (ق) في كثير من الأحوال، كما سنرى، يقول قال فلان ويستخدم في ذلك اسما أجنبيًا، موحيا أنه أحد العلماء دون أن يذكر المرجع الذي ورد فيها هذا الكلام، ويكتفي بقوله قال فلان وينسب له فقرة أو جملة طويلة تسيء للكتاب المقدس!! (ك) السمة الغالبة التي نراها في هذا الكتاب وغيره هي عدم الفهم الكافي للآيات التي ينقلها ويحاول أن يصورها بعكس صورتها، أو يقارنها بغيرها ليصور أن هناك تناقض دون أن يعي المعنى الحقيقي لكليهما!! (ل) كما أن هناك موضوع غاية في الأهمية وهو أنه يركز كل همه في أظهار أن الكتاب المقدس لا يوجد به شيء جيد بل كل ما فيه هو أخطاء وفضائح وأمور لا تتفق مع الله ونسي أو تجاهل بعلم أو جهل، في حالة مثل هذا الكاتب حقائق كتابه المقدس، كتابه هو، فعندما يطعن في الكتاب المقدس في نقطة معينة لا يحاول مجرد التفكير في أن ما ينتقده له مثيل في كتابه أم لا، بل ربما يكون ما يطعن فيه في الكتاب المقدس هو من أهم مواضيع علم الكلام التي يدرسها العلماء والفقهاء!!! (م) واضح أن الكاتب ليست لديه خلفية كبيرة بحقائق الإسلام نفسها لأنه يهاجم مواضيع في المسيحية لها مثيلها في الإسلام دون أن يأبه ذلك أو حتى يدرك ذلك!! وأنا أجزم أنه لا يعرف شيئًا عن الكتب الإسلامية ذات الطبيعة العلمية أو الليبرالية وكتب التراث والكتب التي يمكن أن نسميها كتب المصادر مثل كتب د. جواد على ومنها كتب تاريخ العرب قبل الإسلام، وكتب خليل عبد الكريم وسيد القمني والمستشار سعيد العشماوي وبقية الكتب ذات الطبيعة الليبرالية. القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير كاهن كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد من كتاب هل هناك أسفار مفقودة من الكتاب المقدس؟
المزيد
29 أغسطس 2018

الصمت والصلاة والتأمل من فضائل القديسة مريم

كان من تدبير الله، أن تتيتَّم وأن تعيش في الهيكل وفي الهيكل تعلمت حياة الوحدة والصمت، وأن تنشغل بالصلاة والتأمل. وإذ فقدت محبة وحنان والديها، انشغلت بمحبة الله وحده. وهكذا عكفت على الصلاة والتسبحة وقراءة الكتاب المقدس، وحفظ الكثير من آياته، وحفظ المزامير. ولعل تسبحتها في بيت أليصابات دليل واضح على ذلك. فغالبية كلماتها مأخوذة من المزامير وآيات الكتاب وصار الصمت من مميزات روحياتها. فعلى الرغم من أنها في أحداث الميلاد: رأت أشياء عجيبة ربما تفوق سنها كفتاه صغيرة، وما أحاط بها من معجزات، ومن أقوال الملائكة والرعاه والمجوس .فلم تتحدث مفتخرة بأمجاد الميلاد، بل "كانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها" (لو 2 : 19) إن العذراء الصامتة المتأملة، درس لنا فليتنا مثلها: نتأمل كثيرا، ونتحدث قليلا على إني أرى، إنه لما حان الوقت أن تتكلم، صارت مصدرًا للتقليد الكنسي، في بعض الأخبار التي عرفها منها الرسل وكتبوا الأناجيل، عن المعجزات والأخبار أثناء الهروب من مصر، وعن حديث المسيح وسط المعلمين في الهيكل وهو صغير (لو3 :46 ،47 ). قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث من كتاب السيدة العذراء
المزيد
10 أغسطس 2019

في والدة الإله والقديسين

والدة الإله مع العلم أن عذراوية مريم كانت سرا مخفيا عن الشيطان مثل أمر صلبه.وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. فسر ذهبي الفم يوحنا هذه الآية وقال: "استخدم هنا كلمة "حتى" لكي لا تشك وتظن أنه عرفها بعد ذلك أنما ليخبرك أن العذراء كانت هكذا قبل الميلاد ولم يمسها رجل قط ربما يقال لماذا استخدم كلمة "حتى" لأن الكتاب أعتاد أن يستعمل هذا التعبير دون الإشارة إلى أزمنة محددة. فبالنسبة للفلك قيل أن الغراب لم يرجع حتى جفت الأرض مع أنه لم يرجع قط.." القديسون "عمل الله هو إعطاء النعمة وعمل الانسان هو تقريب الإيمان"طوبى لكواكب المسكونة، لأنّ غرفتهم نقية خالية من كل ضجة، ونفسهم مُصفّاة من كل هوى، ومتحرّرة من كل مرض. وهي رقيقة، خفيفة، وأنقى بكثير من هواء عليل. أما العمل عندهم فهو ما كان لآدم في البدء قبل الخطيئة، يوم كان متسربلاً المجد ويكلّم الله بدالّة، مقيماً في ذلك المكان المفعم غبطة.إذا فتح الناسك فاه، شملك بالطيب الذكي، فإنّ أفواه الرهبان القديسين((ينابيع عسل جارية)) تفيض بالمياه النقية "إنّ محبّة القدّيسين لا تنقص بموتهم، ولا تنتهي بخروجهم من هذا العالم، بل إنّهم، بعد موتهم، يكونون أعظم قدرة (على الشفاعة) منهم وهم أحياء" "بالموت لا تتغرب أجساد القديسين عن النعمة التي كانوا يحيون بها، بل تزداد بها" طالما أنّ عشقك لايزال حاراً، فاتّجه صوب الملائكة وزدْه حرارة، فإنّ الكلام الذي لدينا يعجز عن إيقادك كما تشعلك رؤية الأمور الحاصلة هلموا إلى برية مصر لتروها أفضل من كل فردوس! ريوات الطغمات الملائكية في شكل بشري… لقد تهدم طغيان الشيطان وأشرق ملكوت المسيح ببهائه!…السماء بكل خوارسها ليست في بهاء برية مصر الممتلئة من قلالي النساك. "إن المخادع الأول (الشيطان) لم يجرؤ أن ينظر قبر بابيلا. هذه هي قوة القديسين الذين وهم أحياء لم تحتمل الشياطين ظّلهم ولاثيابهم وهم أموات ترتجف حتَّى من قبورهم". في الخطاب على كورنثوس الثانية: "ان عظام القديسين تخضع تعذيبات الأبالسة وتزدريها وتحلّ المكبّلين بقيودها القاسية... أن الغبار والعظام والرماد هي تعذيب الكائنات الخفية". فلا تنظرن إلى جسد الشهيد العاري والفاقد العمل النفساني والملقى أمامك بل إلى أن فيه تستقر قوة أخرى أعظم من النفس ذاتها وهي نعمة الروح القدس التي تحقق لنا بفعلها العجائبي حقيقة القيامة. لأنه إذا كان الله قد أولى الموتى والأجساد المتحوّلة غبارًا مثل هذه القوة التي لا يملكها أحد من الأحياء فبالأحرى أن يعطيهم يوم القيامة حياة أفضل وأهنأ من السابقة" (خطابه بخصوص الشهيد بابيلا). في تقريظة للقديس اغناطيوس الحامل الاله: "ليست أجساد القديسين وحدها ملأى نعمة بل ونفوسهم ذاتها أيضًا لأنه إذا كان في زمن أليشع قد تمّ شيء من هذا القبيل، إذ مسّ الميت النبي انحل من قيود الموت وعاد إلى الحياة. فبالأحرى الآن النعمة أغزر وفعل الروح القدس أخصب؟ فمن يمسّ نعش (القديسين) ذاته عن ايمان لا بدّ وأن يجتذب منه منفعة كبرى. ولذلك أبقى الله لنا ذخائر القديسين رغبة منه أن يقودها إلى تلك الغيرة التي كانت فيهم ويمنحنا ميناء وتطبيبًا حقيقيًا ضد الشر المحيط بنا من جميع الجهات". في القديس لوقيانوس: :"تُرك القديس طويلا دون أن يُحضَر إليه أي طعام... وأُنهك بشتى الاستجوابات التي أُخضع لها... وحين كان يُسأل "من أين أنت... ما هي مهنتك... من هم أقرباؤك...؟" كان يجاوب "أنا مسيحي"، لأنه كان يعرف جيدا انه بالإيمان يغلب لا بالبلاغة، وان الدرب الأكيد ليس ان يعرف المرء لغة الكلام بل لغة المحبة... بهذا الجواب "أنا مسيحي" أكمل لوقيانوس سعيه حائزا على إكليل الظفر..." في ايليا النبي: أريد أن أتكلم عن ايليا، هذا الرجل الذي رُفع الى أعالي السماوات بسبب غيرته على الرب. هذا الذي قال له آخاب الملك: "انت مُقْلقُ اسرائيل"، فأجابه ايليا: "لم أُقلق اسرائيل انا، بل انت وبيت ابيك". الا ان هذا لما سمع إيزابيل امرأة آخاب تقول: "كذا تفعل الآلهة بي وكذا إن لم أجعل نفسك في مثل الساعة من غدٍ كنفس واحد من الكهنة الذين قتلتهم"، هرب مبتعداً عن المكان مسافة اربعين يوما مشياً. كلمة سمعها من امرأة فهرب بسببها. تصرّف ايليا في كل أعماله تصرُّف عتوٍَّ وقساوة. فلما كان بمعزل عن الخطيئة ظهر متجبّرا الى أقصى حدود التجبّر. الا ان الله سمح بعثاره وهيأه تلك التهيئة حتى يجعل الرحمة التي أُنعم عليه بها ألطف جانب في معاملته للقريب... بعد اربعين يوما وافاه الله، وأقبل السيد على عبده إذ كان الله مملوءا من الرحمة والعطف. فسأله الله: "ما بالك ههنا يا ايليا؟". فكأن الله يقول له: "انك هربت، فأين الثقة بي؟ تلك حالةٌ تعلمك أن لاتثق بنفسك...". أجابه ايليا وكأنه الآن غيَّر أفكاره السابقة، قال: "ايها الرب انهم قد نبذوا عهدك وقوَّضوا مذابحك وقتلوا أنبياءك بالسيف، وبقيت انا وحدي، وقد طلبوا نفسي ليأخذوها". فقال له الله: "كلا لم يكن هذا سبب هربك، ولستَ وحدك يا ايليا لم تسجد لدى بعل، بل قد أبقيتُ في اسرائيل سبعة آلاف ركبة لم تجثُ للبعل". لامه الله على هربه، وليس على هربه فقط، بل على أن كلمة امرأة أنزلت به مثل ذلك الخوف. لقد اراد الله أن يجرّب ايليا ليُفهمه بأن الاعمال التي قام بها لا يجب أن ينسبها الى نفسه بل الى قدرة الله. ايليا الذي كان يغلق السماء تارةً فلا تمطر، وتارةً يُهبِط النار من السماء على مذبح المحرقة، سمح الله بأن يسقط سقطة صغيرة، لكي يرتدي من بعدها ثوب المحبة... في القديس بابيلا أسقف أنطاكية: "هل هناك إنسان في العالم كان يمكن لبابيلا أن يخشاه، بعدما وقف في وجه الإمبراطور بمثل هذا السلطان؟ لقد لقّن الملوك، بذلك، درسا أن لا يحاولوا بسط سلطانهم إلى أبعد من القدر المسموح به من الله، كما أعطى رجال الكنيسة مثلاً كيف ينبغي أن يستعملوا السلطان المعطى لهم". في القديس ملاتيوس العظيم رئيس أساقفة أنطاكية: ان مجرد التطلع اليه كان يبعث الفرح في النفس ويحرك الفضيلة في الشهيدة ذروسيذا: "حيث لاينفع ذهب ولاغنى هناك تفيد بقايا القديسين .لأن الذهب لايشفي من مرض ولاينجي من موت ولكن عظام القديسين تفعل الاثنين" القديس يوحنا الذهبي الفم
المزيد
04 يوليو 2019

شروط الخدمة الناجحة

هلكوا في الخدمة: ليست كل خدمة واسطة روحية، فهناك من هلكوا وهم في محيط الخدمة، أو سقطوا وتعبوا مثال ذلك الابن الكبير الذي لم يفرح برجوع أخيه الضال، ورفض أن يدخل البيت ولما خرج إليه أبوه يتوسل إليه، قال لأبيه "ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك. ولم تعطني قط جديًا لأفرح مع أصدقائي.." (لو 15: 28-30) كان في الخدمة سنين هذا عددها، ومع ذلك كانت مشيئته غير مشيئة الآب، ولم يكن قلبه صافيًا من جهة أخيه. مثال آخر هو بعض ملائكة الكنائس السبع: على الرغم من أنهم كانوا رعاة للكنائس، إلا أن واحدًا منهم قال له الرب "إن لك اسمًا أنك حيّ وأنت ميت" (رؤ 3: 1). كما قال لآخر "لأنك فاتر، ولست حارًا ولا باردًا، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي" (رؤ 3: 16). وقال لثالث: "أنك تركت محبتك الأولى. فاذكر من أين سقطت وتب" (رؤ 2: 4، 5). وذكر الرب لكل هؤلاء أسبابًا جعلتهم -وهم في قمة الخدمة- في حاجة إلى توبة وآخرون من مساعدي بولس الرسول هلكوا تمامًا أولئك الذين قال عنهم " لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم أيضًا باكيًا وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك.. ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (فى 3: 18، 19). ولعل من أمثلة هؤلاء أيضًا ديماس، الذي ذكره الرسول في إحدى المرات قبل القديس لوقا (فل 24)، يعود الرسول فيقول عنه "ديماس قد تركني، إذ أحب العالم الحاضر" (2تى 4: 10). كل هؤلاء ضاعوا، وغيرهم سقط وتاب ولم تكن الخدمة هي سبب ضياعهم. ولكنهم نسوا روحياتهم في مجال الخدمة. فسقطوا وبعضهم هلكوا إذن يمكن أن تكون الخدمة واسطة روحية. ويمكن أن يسقط الإنسان فيها أو يهلك، إن لم يسلك بطريقة روحية. فما هي إذن شروط الخدمة الروحية؟ الحب:- تحب الله، وتحب الملكوت، وتحب الناس والمحبة تولد محبة. أما إذا كنت تخدم وفي نفسك ضيق وتبرم، وإن كنت تعطى مضطرًا وفي النفس تذمر، فهل تظن أنك تستفيد روحيًا؟!يحدث أحيانًا أن بعض الناس يبدأون الخدمة وليس لهم الهدف الروحي السليم. ولكنهم حينما يرون احتياجات المخدومين، ويلاحظون آلامهم وضيقاتهم يتحرك في قلوبهم العطف عليهم والإشفاق فيخدمونهم بقلب محب. وتكون هذه المحبة نتيجة للخدمة وليس سببًا. وتبدأ المحبة تمتزج بخدمتهم، وتعلمهم كيف يخدمون بعاطفة أشخاص يخدمون الفقراء. ثم يجدون أن طلاب الحاجات يلجأون في طلبهم إلى الكذب والاحتيال، أو يمتزج طلبهم بإلحاح متعب، أو بضجيج وعلو صوت.. فيتبرمون بهم، قد يطردونهم ويقسون عليه أما القلب المحب، فإنه يحتمل متاعب هؤلاء.. لأن المحبة تحتمل كل شيء (1كو 13: 7) فإن خدمت، ووجدت أن أعصابك بدأت تتعب في الخدمة، وأنك بدأت تحتد وتشتد، وعلى الفقير إذا كذب واحتال، أو على التلميذ إذا عاند وشاغب، أو على الذين يفقدون النظام في الاجتماعات. فاعرف أن في داخلك شيئًا يحتاج إلى علاج، وأن الخدمة قد كشفت في نفسك عيبًا كيما تصلحه لا تقل إن العيب في الخدمة، إنما فيك قل لنفسك: ينبغي أن أوسع صدري، وأن أطيل بالى، وأن أحتمل غيري مهما أخطأ. وأن أضرب لهم باحتمالي مثلًا يقتدون به أو أن تقول: لقد كشفت لي الخدمة أن هؤلاء الفقراء، ليسوا فقط في حاجة إلى مال يسدون به احتياجاتهم، إنما هم أيضًا في حاجة إلى عمل روحي يقودهم إلى التوبة ومعرفة الله وإلى السلوك.. وهكذا تبدأ في عمل روحي معهم، حتى يستفيدوا من الخدمة ماديًا وروحيًا ونفس الوضع مع التلاميذ المشاغبين، ومع الذين لا يحفظون النظام في الاجتماعات.. إذن شروط الخدمة الروحية أن تمتزج بالاحتمال. الاحتمال :- كل خدمة فيها متاعب. وكل خادم -كما قال الرسول- سيأخذ أجرته بسبب تعبه (1كو3: 8). وآباؤنا الرسل تعبوا كثيرًا في خدمتهم. يقول القديس بولس الرسول عن خدمته هو وزملائه في الخدمة "بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام لله في صبر كثير، في شدائد في ضرورات، في ضيقات في ضربات في سجون، في اضطرابات في أتعاب، في أسهار في أصوام.. بمجد وهوان، بصيت حسن وصيت رديء" (2كو6: 4- 8). ويقول أيضا "مكتئبين في كل شيء، لكن غير متضايقين. متحيرين لكن غير بائسين. مضطهدين لكن غير متروكين، مطروحين لكن غير هالكين" (2كو4: 8، 9). ويشرح الرسول أمثلة من المتاعب التي احتملها في (2كو 11: 23 – 29). يكفى قوله "في الأتعاب أكثر" ولكنه احتمل كل هذا، واكتسب أكاليل من الاحتمال وكما نذكر بولس الرسول نذكر كثيرين من شخصيات الكتاب مثال ذلك العذابات التي تحملها القديس يوحنا الإنجيلي مع نفيه إلى جزيرة بطمس، حيث كتب سفر الرؤيا وفي أوله "أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة" (رؤ1: 6). كذلك دانيال النبي وكيف ألقوه في جب الأسود (دا 6) والثلاثة فتية وإلقاؤهم في أتون النار (دا 3) ولا ننسى قول السيد المسيح لتلاميذه "ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب" (مت 10: 16) "سيسلمونكم إلى مجالس وفي مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ملوك وولاة من أجلي.. وتكونون مبغضين من الجميع من أجل أسمي" (مت 10: 17، 22). والرسل احتملوا كل هذا وصبروا والصمود يمنح الخادم قوة روحية من الرب يمنحه قوة في الرجاء فلا ييأس. كما يقويه أيضًا في الرجاء، مؤمنًا أن الرب لابد سيتدخل ويصلح كل شيء. وهكذا ينال فضيلة أخرى هي انتظار الرب. كما قال المرتل فيالمزمور "انتظر الرب. تقو وليتشدد قلبك وانتظر الرب" (مز 27: 14). وهكذا قال في خبراته الروحية أيضًا "انتظرت نفسي الرب من مَحْرَس الصبح حتى الليل" (مز130) نقطة أخرى تميز الخدمة وتسبب نجاحها وهي: اهتم أن تكون خدمتك روحية وعميقة. روحانية الخدمة:- كثير من الناس خدمتهم مجرد نشاط يستهلك كل طاقاتهم: هم عبارة عن شعلة متحركة من الإنتاج والعمل، ولكن بلا روح. مثل هذه الخدمة لا تفيدك روحيًا، لأن الله لا نصيب له فيها.. بل كثيرًا ما يحدث أن هذا النشاط الحركي المتزايد، يعطل في مشغولياته العمل الروحي فتجد مثلًا أمينًا لمدارس الأحد، له طاقاته الواسعة من جهة تطبيق المناهج، وكراسات التحضير، واجتماعات الخدام، واجتماعات الشباب، والمكتبة والنادي، والنشاط الصيفي.. وتسأله عن نفسه وروحياته، فلا يجد لها وقتًا. فتفتر حياته، وبالتالي تفتر أيضًا خدمته، وتجدها مجموعة ضخمة من التنظيمات، بلا روح. لا تفيد حياته ولا تفيد الآخرين وتتحول الخدمة إلى أمور إدارية بحته وربما يحدث هذا الأمر أيضًا بالنسبة إلى الخدمة الاجتماعية، وإلى خدمة الملاجئ والمسنين، والمغتربين، ومجالس الكنائس.. وفي هذا العمل الإداري قد تكثر المناقشات والمجادلات والضجيج والصياح. وربما المنافسات أيضًا والحزبيات. وفي هذا كله تضيع روح الخادم. لأن الخدمة لم تتسم بالطابع الروحي. ولم يكن الله شريكًا فيها. ولم تدخل فيها الصلاة ولا التنفيذ العملي للوصية حاول إذن في كل خدمة تخدمها، أن تبعد عن الروتين والشكليات، وأن تدخل الله فيها، ويكون لها الطابع الروحي.. حتى في الأعمال الإدارية فلتكن لها "روحانية الإدارة". وهذه عبارة تحتاج منا إلى موضوع خاص يشرح تفاصيلها فرق كبير بين رجل الله حينما يدير، وأهل العالم في إدارتهم.إذن في خدمتك، ابعد عن الأخطاء الروحية.أبعد عن أسلوب الأمر والنهى، وليكن لك روح الاتضاع وأدب التخاطب مع الصغير كما مع الكبير. ومهما أوتيت من سلطة في الخدمة، لا تكلم الناس من فوق ولا تتعال على أحد، ولا تدخل إلى قلبك روح السيطرة والتسلط. وتذكر قول الرب "أكبركم يكون خادمًا لكم. لأن من يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع" (مت 23: 11). وأيضًا "إن ابن الإنسان لم يأت ليخدم، بل ليخدم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت 20: 28) لذلك لا تجعل الخدمة تفقدك وداعتك وتواضعك إن وجدت صوتك بدأ يعلو ويحتد في الخدمة، لابد أن تحترس وتراجع نفسك. وإن وجدت أنك بدأت تتحدث عن نفسك وما تفعله من أمور عظيمة، احترس أيضًا لئلا شيطان المجد الباطل يحصد كل ما زرعته في الخدمة. وإن نظرت باحتقار إلى غيرك، مقارنًا بين مستواه ومستواك، فاعرف أن الكبرياء قد دخلت إلى نفسك.. ضع أمامك إذن قول الرسول "لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك. فإنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا" (1تى 4: 16). قل لنفسك باستمرار: أنا ما دخلت إلى الخدمة لكي أقع في خطايا جديدة، إنما لكي أنمو روحيًا. في الخدمة أيضًا أحترس من الذات الـEgo لا تجعل الخدمة وسيلة لكي ترتفع بها أو تبنى كرامتك. فأنت فيها مجرد خادم للرب، تقول عنه كما قال القديس يوحنا المعمدان "ينبغي أن ذلك يزيد، وأنى أنا أنقص" (يو 3: 30) أو كما قيل في المزمور "ليس لنا يا رب ليس لنا. لكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز 115: 1)احترس من إنذار الرب للرعاة الذين يرعون أنفسهم (خر 34: 8-10) وليكن هدفك هو ملكوت الله، وخلاص الناس.. وليس نفسك وكرامتك. الخدمة المفيدة روحيًا، هي التي تنسى فيها كلمة أنا كثيرون دخلوا في الخدمة. وبعد حين بدأوا يهملون أنفسهم، وينشغلون بتدبير الخدمة، ثم يصطدمون بالكنيسة، وكاهن الكنيسة، ومجلس الكنيسة، والعاملين في الكنيسة. ويتحدثون عن تصرفات هؤلاء وأولئك، وما يفعلونه من خطأ ومن صواب، ويركزون على الخطأ! وتصبح أخطاء الآخرين، أو ما يظنونها أخطاء، هي موضع حديثهم الدائم وإدانتهم المستمرة. بل يتحولون من الإدانة إلى التشهير، ويفسدون عقول غيرهم والعجب أنهم يغطون كل ما يقعون فيه من إدانة وتشهير، بتبرير هو الدفاع عن الحق!! وباسم الدفاع عن الحق يقعون في خطايا لا تحصى. ويدخلون في خصومات وانقسامات. ولكي ينتصروا في حروبهم، يحاولون أن يكسبوا أكبر عدد ممكن ينضم إليهم في الإدانة والتشهير. ويَتَعَكَّر جوّ الخدمة، ويفقد روحانية، يفقد روح المحبة، ويفقد الوداعة والبساطة!! وهل كل هذا من أجل الدفاع عن الحق؟! دون أن يسأل أحد نفسه: هل من حقي أن أفعل كل هذا؟ ودون أن يسأل نفسه: هل هذا هو الأسلوب الروحي الذي أدافع به عن الحق؟! ما أكثر الذين ضاعوا وأضاعوا غيرهم، وهم في الخدمة!! لكي تنتفع روحيًا، اهتم في خدمتك بالعمل الإيجابي وليس بالسلبيات. دع أمامك المثل الذي يقول "بدلًا من أن تلعنوا الظلام، أضيئوا شمعة". كن قدوة للكل، وثق أن هذه في حد ذاتها رسالة وخدمة.. واعرف أن العمل الإيجابي البناء هو الباقي على الدوام، ولا ينتقدك فيه أحد، ولا تخطئ فيه إلى أحد. أما الانشغال بالسلبيات، فإنه يتعب فكرك وروحك. وربما تصل به إلى أسلوب الهدم ويوقعك في خطايا كثيرة أليس الأفضل لك أن لا تخدم، من أن تخدم بأسلوب يوقعك في الخطية؟! وتصبح فيه عثرة لغيرك. وقد قال الرب "ويل لمن تأتي بواسطته العثرات" (لو 17: 1). مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث من كتاب الوسائط الروحية
المزيد
09 سبتمبر 2018

رسالة شهيد

من رسالة معلمنا بولس الرسول إلى أهل رومية بركاته على جميعنا آمين ” من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عُري أم خطر أم سيف كما هو مكتوب إننا من أجلك نُمات كل النهارقد حُسبنا مثل غنمٍ للذبح ولكننا في هذه جميعها يعظُم انتصارنا بالذي أحبنا فإني مُتيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا “ ( رو 8 : 35 – 39 ) لماذا استشهد الشهداء وكيف تحملوا ؟ تخيلوا الشهيد يقف وأمامه آخر مثله يُهان ويُضرب ويُجلد ويُعذب وتُقطع رأسه وهو واقف يرى كل ذلك بالطبع يوجد من ضَعَف ومن أنكر الإيمان وهناك أيضاً من ثَبَت حتى أن الكنيسة وضعت قانون توبة لمن أنكر الإيمان في هذه الفترة وكانت هناك عظات تُسمى عظات المُرتدين أي من ترك الإيمان أثناء فترة الإستشهاد كيف يصبر الإنسان ويصمُد أمام آلام الجسد مارجرجس احتمل سبع سنوات تعذيب أمر عجيب لكنهم عاشوا ثلاثة أمور مهمة هي :- 1. لا تُحبوا العالم :- لا يمكن لإنسان مُتعلق بمقتنيات العالم ويستشهد .. كيف يقف أمام سيف السياف وهو مربوط بسبب الموت ؟ العالم في قلب الشهيد غير موجود .. مفطوم عن العالم .. حدث له انفصال نفسي عن العالم وكأنه غير موجود في العالم لكنه يراه من الخارج ولا يملُك عليه العالم كما يقول معلمنا بولس الرسول ” الذين يشترون كأنهم لا يملكون .. والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه “ ( 1كو 7 : 30 – 31 ) .. أي قلبهم غير مُتعلق بالقنية .. لا تُحبوا العالم . كان الشهيد تيموثاوس متزوج حديثاً .. ولأن المُضطهدين كانوا يكرهون عبادة المسيحيين فكانوا يسرقون كتب العبادة فخبأ المسيحيون كتب العبادة في منازلهم .. كان الشهيد تيموثاوس لديهِ كُتب العبادة والقراءات في منزله .. فدخل المُضطهدون بيت تيموثاوس وأخذوه وضربوه وأهانوه وعذبوه ليأخذوا كتب العبادة لكنه رفض .. فحاولوا إغرائه بعروسه وزوجته فلم يستطيعوا أن يثنوه فأحضروا له زوجته ليتراجع عندما يراها لكنها كانت قوية مثله فقوَّته .. فعذبوهما .. رغم إنهما كانا مُتزوجان حديثاً لكنهما لم يُحبا العالم ولم يضعا ويخططا مستقبل لأنفسهما .. لأنه صعب على إنسان يحب العالم أن يستشهد . هناك قصة خيالية تقول أنه كان هناك شاب في عمر الثلاثين متزوج وله طفلان ويعمل من أجل بيته وزوجته .. وفي أحد الأيام جاءه ملاكه الحارس وقال له أنت أتعبتني أنت لست مع الله .. أجابه الشاب أنت الذي أتعبتني .. أُريدك أن تتجاوب معي وتساعدني على امتلاك الممتلكات والمال .. أريد أن أصير غني وأتمتع و...... فقال له الملاك أنت تعرف أن الزمن مِلك لله وأستطيع بحركة من جناحي أن أُدير الكون وتِكبر في عمرك .. وبالفعل حرك الملاك جناحه وفي ثوانٍ كبر الشاب حوالي " 45 " سنة وصار مُسن أشيب وأولاده يتزوجون وزوجته طريحة الفراش وصديقه الذي كان يُنافسه في عمله قد مات وماله موجود كما هو لكن أمامه ثلاثة أيام ويموت .. فسأل الملاك ماذا أفعل الآن ؟ هل أستطيع أن أُعطي نصف أموالي للفقراء ؟ وأصوم هذه الأيام الثلاثة وأصلي وأعمل ميطانيات وأسجد لإلهي ؟ أجابه الملاك تستطيع ذلك .. بالفعل صام وصلى وسجد وطلب مراحم الله .. ثم قال للملاك هل أستطيع أن أُعطي كل أموالي لله ؟ أجابه الملاك تستطيع .. ثم طلب منه الملاك مهلة لحظة وحرك جناحه فعاد الزمن وعاد الشاب لعمره الأصلي .. شاب .. وسأله حينئذٍ الملاك ماذا تريد الآن ؟ هل تريد أموال .. ممتلكات ....... ؟ نحن لنا طموحات لن تشبع .. قد نرى المُسن في دار المسنين يغطي وجههُ أثناء النهار لا يريد أن يرى أحد لأنه حقق كل طموحاته ولم يشبع .. كل جزء يفرغ في قلبه ولا يملأه بمحبة الله لذلك يتعب .. الأولاد تزوجوا و........ إملأ الفراغات بالمسيح تِشبع . الشهداء لم يحبوا العالم لذلك عندما أتتهم الفرصة لتقديم حياتهم للمسيح لم يتراجعوا لأنهم رفضوا العالم بكل مغرياته لأن محبة المسيح التي ملكت قلوبهم أقوى من محبة العالم .. دقلديانوس كان يتلذذ بتعذيب المسيحيين لكنه كان يتعجب من فرحتهم أثناء الإستشهاد فقال لمساعديه يستحيل أن يكونوا هؤلاء مربوطين بشهوات .. ” الذي يقتني في نفسه شهادة صالحة يشتهي الموت أكثر من الحياة .. وكل إنسان تدبيره ردئ أمور هذا العالم شهية عنده “ .. بينما الإنسان الروحاني الأفكار المقدسة والكتاب شهية عنده .. الشهيد يعيش في العالم لكنه لم يتغير ولم يسمح لماء العالم أن يدخل سفينته بل ركب العالم وسار فوقهُ . 2. لا تخافوا :- يقول الآباء أن الكتاب المقدس به " 365 " مرة كلمة " لا تخافوا " .. أي بعدد أيام السنة .. الخوف ضد الله لذلك الخوافين لا يدخلون الملكوت .. هناك خوف طبيعي هذا أمر عادي لكن لا تتحول حياتنا إلى سلسلة خوف ووقت الجد نُنكر الإيمان .. لا .. هذا مرفوض .. نعم كل شئ فيَّ ردئ إلا إني مسيحي وهذا أجمل ما فيَّ فلا أخاف لو ظُلمت أو كنت في وسط مخيف .. لا أخاف لأني في يد المسيح الغالب الموت .. ” الذي فيكم أعظم من الذي في العالم “ ( 1يو 4 : 4 ) .. الشهداء لم يخافوا من رعب دولة .. أمامهم حاكم قاسي وجلاَّد مُرعب والسيف والقسوة على وجوه من حولهم ولم يخافوا . لابد أن نعرف أنه سيكون لنا في العالم ضيق .. قايين قتل هابيل لكن هابيل لم يمُت .. هيرودس قتل يوحنا المعمدان لكن يوم قتل يوحنا كان يوم حزن عند هيرودس وكانت رأس يوحنا الميتة تصرخ ” لا يحل لك “ ( مت 14 : 4 ) .. عيسو اضطهد يعقوب .. فرعون اضطهد بني إسرائيل .. عيسو أراد قتل يعقوب وفرعون أراد قتل بني إسرائيل .. هناك مرات كثيرة أراد العالم إبادة شعب الله .. عثليا أرادت قتل النسل الملكي هذا أمر غير منطقي .. فرعون أراد قتل أطفال بيت لحم منتهى القسوة ويسوع مُضطهد لكنه يبقى .. بعد ذلك هيرودس يقتل يعقوب الرسول وأراد قتل بطرس .. هل الكل يخاف ؟ لا .. دقلديانوس قتل الكثير والكثير .. وحتى اليوم وغداً و...... . الإضطهاد موجود لأن وجود المسيحيون يُسبب ألم للعالم لكن لا تخاف حتى لو أدى الأمر للإستشهاد لأن المسيح أعطاني وعد أنه ” ثقوا أنا قد غلبت العالم “ ( يو 16 : 33 ) .. أكثر شئ يُخيف الإنسان نفسه .. 65 % من مخاوف الإنسان لا تحدث .. الذي يجعل ثقته في الله .. في يقين أن الله قادر أن يُدير كل أموره هذا لا يخاف .. قل له كل يوم " أنا مِلك لك " . القديس أبو مقار كان يصلي فظهر له الشيطان وفي يده سيف يريد قطع يدي أبو مقار .. لكن القديس لم يهتز ولم يخاف .. فقال له الشيطان أما تخاف يا راهب ؟ أجابه أبو مقار إن أمرك الله أن تقطعها فاقطعها .. ما يحدث هو الذي يسمح به الله فقط .. لا تخف لأنك كلما ارتبطت بالأرض كلما خفت أكثر . شخص في طريقه للسفر وكان الطريق طويل ومعه حقيبة بها أمور مهمة كثيرة فوضع الحقيبة بجانبه ولم يحرك عينه عنها لكنه كان النُعاس يغلبه وهو يقاوم ويعود يطمئن على الحقيبة إلا أن النُعاس غلبهُ فغفل للحظات وقام من غفلتهِ ونظر لم يجد الحقيبة .. لقد سُرقت عندئذٍ استسلم للنوم . هناك ما يربطك بالحياة ويُخيفك وكلما انحليت من العالم كلما عشت فوقهُ .. الإنسان يخاف من نفسه ومن أطماعه وضعفه لكن مادمت في يد الله لا أخاف شراً .. لذلك رأينا في الشهدتء بطولات .. عندما تُوضع فتاة رقيقة في زيت مغلي .. عندما يحضروا رضيع بربتوا تصرخ من جوعها فتقول لهم بربتوا " هو أعطاني إياها .. هو يقُوتها " .. قوية .. لا تخاف .. ويحاولون إضعافها أكثر فيضعون الرضيعة في حضنها لعلهت تتراجع .. عذابات نفسية وجسدية لكنهم غلبوا لأنهم من داخلهم غالبين . 3. لا تنسوا المجد الأبدي :- لهم هدف ترى منظر الشهيد وترى الدم وهو يرى السماء أنت ترى سيف وهو يرى مجد الذي يجعلك تصبِر على السيف وعلى الآلام أنك ترى السماء قديسون كثيرون سمح الله لهم أن يروا إكليلهم لأن بعد لحظات قليلة يتحول الضعف إلى قوة ومجد ويُستبدل الإضطهاد إلى استقبال في مجد لا تنسى مجد السماء لا تنظر للجزء المُتعب في القصة بل انظر للمكافأة الشهيد عينه على المكافأة فكان مشتاق لمجد السماء ووجد أن الإستشهاد خطوة للمجد يقول القديس أغسطينوس ” يا الله أنت قلت لا أحد يراني ويعيش إذاً لكي أراك لابد أن أموت أريد أن أموت لكي أراك “ لذلك رأينا في الكنيسة صفوف شهداء وقالوا للملك قسطنطين نحن غير فرحين بالحرية لأن عدو الخير وجد أنه قد خسر كثيراً عندما أشعل الإضطهاد على المسيحية لأن الضيق أقام في الكنيسة آلاف من الشهداء فغيَّر الشيطان خطته وجعل الضيق من داخل الكنيسة بالبدع والهرطقات لكن وسط كل هذا حب الإستشهاد مازال في قلوب أولاد الله فأقاموا صفوف تريد الرهبنة فنجد في القرن الخامس 20.000 راهب في البرية وكان في منطقة الساحل الشمالي حوالي " 400 " دير فكانت الأديرة تُسمى بالأرقام وصوت التسبيح لا ينقطع في هذه المنطقة الشهيد تُقطع رأسه وينزف" 5 " لتر دم والراهب ينزف نفس الدم لكن قطرة قطرة بالميطانيات والجهاد عندما تملُك محبة المسيح على القلب تهون الحياة لذلك أُطلِق على الرهبنة اسم " الإستشهاد الأبيض " قدموا حياتهم على مذبح العبادة والنسك يجوع ولا يأكل ويتعب وكل يوم يجدد عهد استشهاده مع يسوع هذا أتى من إنسان وضع مجد السماء هدف له الشهيد يقول لك لا تنسى مجد السماء إجعل في عقلك شكل أجمل وهو صورتي وعلى رأسي إكليل المجد الذي يضع لنفسه هدف يسعى له وتهون عليه الوسيلة والتعب كان أسهل طريق على الشهيد لنوال المجد هو قطع الرأس لكن الأصعب أن يتعذب يوم بعد يوم لكي يواجه الإنسان الموت أيام هذا أمر صعب ورغم ذلك صمدوا هم ليسوا بشر الله غيَّر طبيعتهم وجعلهم يتخطون طبع البشر لم يكونوا أصحاب قوة جسمانية وعضلات بل قوَّتهم في عبادتهم لذلك هدفهم مجد الأبدية وصارت عائلات بأكملها تتقدم للإستشهاد طفل صغير كان يشاهد أبوه يستشهد وتقابلت نظرات الأب مع الطفل فدمعت عين الأب فأجابه طفله " إحذر أن يتغير قلبك بسببي " أي كان يُشدده ويشجعه الشهيد يقول لك " ألا تريد أن تكون مثلي " ؟ أنا ضعيف مثلك لكني أحببت الله أكثر من العالم ولم أخاف ولم أنسى مجد الأبدية فصرت شهيد وتمتعت بالمجد عِش هذه الثلاثة تقدم له نفسك شهيد كل يوم حتى يأتي اليوم الذي تكون فيه معه وتسمع صوته الجميل ” كنت أميناً في القليل فأُقيمك على الكثير ادخل إلى فرح سيدك “ ( مت 25 : 21 )” من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عُري أم خطر أم سيف كما هو مكتوب إننا من أجلك نُمات كل النهار قد حُسبنا مثل غنمٍ للذبح ولكننا في هذه جميعها يعظُم انتصارنا بالذي أحبنا فإني مُتيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا “ ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانيا أتطونيوس – محرم بك - الاسكندرية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل