المقالات

01 ديسمبر 2021

الحكمة ج1

الفرق بين الحكمة والذكاء­ والحكمة والدهاء، مصادر الحكمة­ ومعطلات الحكمة ما أروع الحكمة. إنها من أعظم الفضائل. بل هي أهم مفتاح للفضائل كلها. يحتاج إليها البشر جميعًا وبخاصة القادة وكل من هو منصب بل تحتاج إليها الدول أيضًا. وهي الميزة التي يجب أن يتصف بها رجال السياسة، ومن يطلق عليه لقب دبلوماسي.إنها باب التوفيق والنجاح والتفوق. وما أجمل قول سليمان الحكيم: 'الحكيم عيناه في رأسه. أما الجاهل فيسلك في الظلام'. لذلك فهي نور داخلي ينير العقل والقلب كما أنها نور خارجي ينير للآخرين طريقهم هنا ويقف أمامنا سؤال: هل من فارق بين الحكمة والذكاء؟ الحكمة لها معني أوسع بكثير من الذكاء. وقد يكون الذكاء مجرد جزء منها. فكل إنسان حكيم يكون ذكيا. ولكن ليس كل ذكي حكيما..! فقد يتمتع إنسان بذكاء خارق وعقل ممتاز ومع ذلك لا يكون حكيما في تصرفه فربما توجد عوائق تعطل عقله وذكاءه أثناء التصرف العملي! فما الحكمة إذن؟ وفي أي شيء تتميز عن الذكاء؟ الذكاء مصدره العقل. وقد يكون مجرد نشاط فكري سليم أما الحكمة فهي لا تقتصر علي التفكير السليم بل تتبعه بالتصرف الحسن في السلوك العملي. وهي لا تعتمد علي العقل فقط، إنما تستفيد أيضًا من الخبرة والإرشاد ومن معونة الله بالصلاة.فالحكمة ليست هي مجرد المعرفة السليمة أو الفكر الصائب إنما هي تدخل في صميم الحياة العملية لتعبر عن وجودها بالسلوك الحسن.. فان كان العقل يميزه الفهم والتفكير فان الحكمة يميزها حسن التصرف والتدبير.. حقًا إن الذكاء أو التفكير السليم يجوز اختبارًا دقيقًا عند التطبيق العملي فان نجح فيه يتحول إلى حكمة.وهكذا تشمل الحكمة جودة التفكير ودقة التعبير وسلامة التدبير. معطلات الحكمة:- قد يكون الإنسان ذكيا يفكر أفكارًا سليمة ولكن تنقصه الدقة في التعبير لنقص معلوماته عن المدلول الدقيق لكل لفظة. فيخطئ حينما يعبر عن قصده. أما الإنسان الحكيم، فانه يقول بدقة ما يقصده. وأيضًا يقصد كل ما يقوله. من معطلات الحكمة أيضًا السرعة في التصرف، ولذلك يتصف الحكماء بالتروي.. فالحكيم لا يندفع في تصرفاته. وإنما يُهدئ اقتناعه الخاص حتى يتبصر بأسلوب أعمق وأوسع. إن السرعة لا تعطي مجالًا واسعًا للتفكير والبحث والدراسة ومعرفة الرأي الآخر. كما أنها لا تفسح مجالا للمشورة ولعرض الأمر علي الله في الصلاة.. وربما تحوي السرعة في طياتها لونا من السطحية.. ولذلك كثيرا ما تكون التصرفات السريعة هوجاء طائشة! والإنسان الذي يتصرف بتسرع قد يرسل الله له من ينصحه قائلا: 'خلي بالك من نفسك'. أعط نفسك فرصة أوسع للتفكير. راجع نفسك في هذا الموضوع.أذكر في هذا المجال بعض أبنائنا من المهجر، الذين يحضرون إلى مصر ويريد الواحد منهم أن يتزوج في بحر أسبوع أو أسبوعين! إن الحكماء تصرفاتهم متزنة رزينة قد نالت حظها من التفكير والدراسة والعمق والفحص مهما اتهموهم بالبطء.ولا ننكر أن بعض الأمور تحتاج إلى سرعة في البت. ولكن هناك فرقا بين السرعة والتسرع!! والتسرع هو السرعة الخالية من الدراسة والفحص ويأخذ التسرع صفة الخطورة إذا كان في أمور مصيرية أو رئيسية. كما يكون بلا عذر إذا كانت هناك فرصة للتفكير ولم يكن الوقت ضاغِطًا لذلك فإنني أقول باستمرارإن الحل السليم ليس هو الحل السريع بل الحل المتقن وقد تكون السرعة من صفات الشباب إذ يتصفون بحرارة تريد أن تتم الأمور بسرعة ولكنهم حينما يختبرون الأمر مع من هو اكبر منهم يمكن أن يقتنعوا بان السرعة لها مخاطرها! وقد تكون السرعة طبيعية في بعض الناس وهؤلاء يحتاجون إلى التدريب علي التروي والتفكير وكثيرًا ما يندم الإنسان علي تصرف سريع قد صدر منه فاخطأ فيه أو ظلم فيه غيره. من معطلات الحكمة أيضًا: قلة المعرفة! ومن أمثلة ذلك: ربما يكون رجل ذكيا جدا ومع ذلك هو فاشل في حياته الزوجية إذ لم يكن حكيما في تعامله مع زوجته! وسبب ذلك هو جهله بنفسية المرأة والمفروض في الزوج الحكيم انه يدرس عقلية المرأة ونفسيتها وظروفها. ولا يتعامل معها كأنها بنفسية رجل! وبالمثل علي المرأة أن تدرس نفسية الرجل وعقليته، لكي تعرف كيف تتعامل معه بما يناسبه.ونفس الكلام نقوله في معاملة الأطفال إذ ينبغي أن ندرس نفسية الطفل وعقليته في كل مرحلة حتى نعرف الطريقة الحكيمة للتعامل معه.وهكذا في التعامل عموما ينبغي للإنسان الحكيم أن يدرس نفسية وعقلية وظروف كل من يتعامل معه.. سواء كان زميلًا في العمل أو رئيسًا أو مرؤوسًا، أو صديقًا أو جارًا. ويعامله بما يناسبه.فان درست نفسية وعقلية من تتعامل معه تعرف حينئذ المفاتيح التي تدخل بها إلى قلبه. وتنجح في تصرفك معه.وحتى لو تعطل المفتاح حينًا تعرف كيف تزيته وتشحمه.. ثم تعيد بعد ذلك فتح الباب فينفتح.حقا انه في بعض الأحيان يكون فشلنا في التعامل مع أشخاص معينين ليس راجعًا إلى عيب فيهم، بقدر ما هو راجع إلى عدم معرفتنا بطريقة التعامل معهم. مصادر الحكمة:- أول مصدر هو الله ­تبارك اسمه­ الذي يهب الحكمة لمن يشاء وهكذا قد يولد الإنسان حكيمًا كموهبة له من الله. وتظهر حكمته في مراحل سنه المختلفة.. أنها الحكمة النازلة من فوق.وأيضًا نحن في مواقف عديدة نطلب من الله أن يهبنا حكمة لكي نستطيع أن نتصرف حسنا، بمعونته. المصدر الثاني هو المشورة نأخذها من ذوي الحكمة. كما قال الشاعر: فخذوا العلم علي أربابه واطلبوا الحكمة عند الحكماء وفي ذلك يضيف الإنسان معرفة إلى معرفته وعقلًا إلى عقله.. ويصير حكيمًا بشرط أن ينفذ المشورة التي أخذها من حكمة غيره. وما أجمل قول الشاعر في ذلك: إذا كنت في حاجة مُرْسِلًا فأرسل لبيبًا ولا توصهِ وان باب أمر عليك التوي فشاور حكيما ولا تعصهِ وعكس ذلك يقول الآباء الروحيون: إن الذين بلا مرشد يسقطون مثل أوراق الشجر، وبخاصة المبتدئون منهم. المصدر الثالث هو قراءة سير الحكماء والناجحين في حياتهم لكي يتأثر القارئ بسيرة هؤلاء وسلوكهم وكيف كانت تصرفاتهم في شتي الظروف والملابسات وكيف كانوا يجيبون علي الأسئلة المعقدة وكيف كانوا يحلون المشاكل العويصة.وكل ذلك يقدم للقارئ أمثولة طيبة في فهم الحياة وفي حسن التصرف فيعمل علي محاكاتها والسير علي نفس النهج من الحكمة.كذلك يدرس كيف يحترس من الأخطاء التي وقع فيها الغير. ومعرفة أسباب ذلك السقوط، وكيفية النجاة منه. وهكذا كما قال أحد الحكماء 'تعلمت الصمت من الببغاء..'! المصدر الرابع، هو الخبرة فالإنسان المختبر يكون أكثر حكمة. وكلما زادت خبرته تتعمق علي هذا القدر حكمته، لهذا يتحدث الكثيرون عن 'حكمة الشيوخ' من واقع ما مر عليهم من خبرات في الحياة.وبعد، أيها القارئ العزيز ألا ترى أن موضوع الحكمة يحتاج إلى مزيد من التفصيل؟ يُخَيَّل إليَّ هذا. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
30 نوفمبر 2021

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح - 30 المسيحى وحياة الألتزام

مفهوم الالتزام المسيحى وأهميته .... الالتزام هو تجاوب مع محبة الله الباذلة ... ان العلاقة بيننا وبين الله تقوم على المحبة الباذلة المسئولة من الله نحو الانسان، لقد خلقنا الله وافتقدنا بالانبياء واخيرا اتى الينا متجسداً ليقدم لنا الفداء والخلاص ويهبنا نعمة البنوة له بالإيمان فالالتزام المسيحى ليس فروض او واجبات بل هو ان نبادله المحبة { نحن نحبه لانه هو احبنا اولا} (1يو 4 : 19).الالتزام هنا يعنى ان الإنسان الروحى لكى ينال خلاصه الابدى ويحيا البنوة لله عليه ان يحيا حياة التلمذة لله وطاعة وصاياه فى حياة الجهاد للوصول الى حياة الفضيلة والبر ثابتين فى الله ومنقادين بروحه القدوس . الالتزام اذاً هو واجب علينا على ضوء كلمة الله فى الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة وفكر الاباء القديسين وهذا ما عاشته الكنيسة منذ العصر الرسولى فى تلمذة مستمرة وتقوى الله { هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم ام يسوع ومع اخوته} (اع 1 : 14) {وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة واذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب} (اع 2 : 46). انه الالتزام ينبع من الحرص على المحبة المتبادلة والوفاء لله وطاعة وصاياه فى فرح وسرور { ان افعل مشيئتك يا الهي سررت وشريعتك في وسط احشائي }(مز 40 : 8) الالتزام قيمة ومبدأ روحى ..... ان الالتزام هو التحلى بروح المسئولية كقيمة ومبدأ روحى وهو لا يعنى فقط أحترام المواعيد او الوفاء بالعهود والوعود بل أيضا يعنى ايضا الالتزام الإيمانى السليم والالتزام بالروحيات والاخلاقيات وبالسلوك الحسن أمام النفس والله قبل ان يكون مع الناس .هو فضيلة ضبط النفس وتعفف داخلى وتظهر ثماره فى علاقات الانسان الخارجية { من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنبا او من الحسك تينا. هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة واما الشجرة الردية فتصنع اثمارا ردية. لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا ردية ولا شجرة ردية ان تصنع اثمارا جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار. فاذا من ثمارهم تعرفونهم. ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السماوات} مت 16:7-21. الالتزام الروحى هو مرحلة أعلى بكثير من الالزام القانونى او مرعاة قيم وعادات المجتمع والتى يخضع لها الانسان بحكم القانون وتقع عليه العقوبات أو الاحكام او الرفض الإجتماعى ان لم ينفذها فهو هنا الزام اضطرارى اما الالتزام فينبع من ضمير وروحيات الانسان واخلاقه { لان فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا اننا في بساطة واخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم} (2كو 1 : 12). الالتزام والنضج الروحى ... الالتزام هو نضج روحى واحساس بالمسئولية وجهاد روحى مما يجعل الانسان ذو مصداقية راض عن نفسه ومحل احترام الغير وهو وصول الى الرجولة الروحية واحترام الانسان لوصايا الله وللوعود والعهود مع الله والغير. انه ادراك واعى لجدية الحياة الروحية { الرخاوة لا تمسك صيدا اما ثروة الانسان الكريمة فهي الاجتهاد} (ام 12 : 27). ان ادراكنا ان لنا اعداء يتربصون بنا يجعلنا نعمل بحرص ونشاط ونحن مستعدين لكل عمل صالح { اصحوا واسهروا لان ابليس خصمكم كاسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الايمان عالمين ان نفس هذه الالام تجرى على اخوتكم الذين في العالم. واله كل نعمة الذي دعانا الى مجده الابدي في المسيح يسوع بعدما تالمتم يسيرا هو يكملكم ويثبتكم ويقويكم ويمكنكم} 1بط 8:5-10. ان النفس التى تستسلم لحياة الكسل والرخاوة تكون العوبة فى يد الشيطان وأفكاره أما الانسان الملتزم والعامل بنشاط فانه ينمو يوماً فيوم { ايها الاخوة انا لست احسب نفسي اني قد ادركت و لكني افعل شيئا واحدا اذ انا انسى ما هو وراء وامتد الى ما هو قدام }(في 3 : 13). ان الالتزام هو قبول بفرح لحمل الصليب واتباع السيد المسيح فى امانة حتى الى الجلجثة لكى نستطيع ان نعاين أمجاد القيامة المجيدة { وقال للجميع ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم و يتبعني } (لو 9 : 23). وكما قال القديس بولس الرسول { لاعرفه وقوة قيامته وشركة الامه متشبها بموته }(في 3 : 10). الالتزام وحياة الإيمان القويم ... ان الالتزام ينبع من ضرورة ان نحيا حياة الايمان { ولكن بدون ايمان لا يمكن ارضاؤه لانه يجب ان الذي ياتي الى الله يؤمن بانه موجود وانه يجازي الذين يطلبونه} (عب 11 : 6). فى الايمان عاش ابائنا القديسين ونحن مدعويين الى حياة الجهاد فى الايمان القويم المسلم للقديسين { لذلك نحن ايضا اذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع امامنا. ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله. فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم} عب 1:12-3. نحن نحافظ على الايمان ونحياه { مبنيين على اساس الرسل والانبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية} (اف 2 : 20). وعلى مدى تاريخ الكنيسة الطويل تصدى أبطال الإيمان للدفاع عن سلامة الإيمان وصحة العقيدة وكانوا ملتزمين بدحض كل الهرطقات والأفتراءات مهما كلفهم هذا من ألم واضطهاد بل وسفك دم أو استشهاد ، إننا نضع أمام عيوننا باستمرار هؤلاء البطاركة الملتزمين الجبابرة مثل القديسين أثناسيوس الرسول وكيرلس عمود الدين وباسيليوس الكبير ويوحنا ذهبي الفم وغيرهم وليس هؤلاء فقط ابطال الايمان بل ان الذين يعيشوا الايمان ويحيوه فى كل جيل محافظين على الامانة والعقيدة هم ابطال ايمان وتقوى والتزام فان الشهيد يموت مرة واحدة أما من يتمسك بايمانه وسط عالم الاثم والخطية ويحيا حياة البر والتقوى هو شهيد يمات طوال النهار كما قال القديس بولس الرسول { من سيفصلنا عن محبة المسيح اشدة ام ضيق ام اضطهاد ام جوع ام عري ام خطر ام سيف. كما هو مكتوب اننا من اجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا امور حاضرة ولا مستقبلة. ولا علو ولا عمق ولا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا} رو 35:8-39. الالتزام اذا هو حرص وسهر على خلاص النفس وحفاظ على الايمان القويم وانتماء للكنيسة وايمانها وشركة مع الجماعة المؤمنة بالروح الواحد مع الشهادة الحسنة للمسيح الذى دعانا ان نكون نورا فى العالم وملحا فى الارض. الالتزام اذن هو ان نعيش الحياة الفاضلة بما فيها من محبة وصلاة من اجل خلاص العالم وسلامه ومن أجل كل نفس خاطئة او بعيدة عن المسيح لتذوق ما أطيب الرب . السيد المسيح قدوة ومثال فى الالتزام السيد المسيح والالتزام بالهدف الروحى ... لقد جاء السيد المسيح الى العالم من اجل خلاصه وهكذا دعى اسمه منذ ان بشر به الملاك "يسوع" تعنى " مخلص" { فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم }(مت 1 : 21) وهكذا سار السيد المسيح يجول يصنع خيراً ويعلم ويشفى كل مرض وضعف فى الشعب . داعيا الخطاة الى التوبة والرجوع الى الله دون ان يحيد عن طريق الصليب والفداء لقد أخبر تلاميذه قبل الصلب والفداء بما سيحدث له وانه جاء ليبذل نفسه على الصليب بارادته وسلطانه أكثر من مرة { وفيما كان يسوع صاعدا الى اورشليم اخذ الاثني عشر تلميذا على انفراد في الطريق وقال لهم.ها نحن صاعدون الى اورشليم وابن الانسان يسلم الى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت. ويسلمونه الى الامم لكي يهزاوا به ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم} مت 17:20-19. وقال للآب القدوس { انا مجدتك على الارض العمل الذي اعطيتني لاعمل قد اكملته (يو 17 : 4) وعلى الصليب قال { قال قد اكمل ونكس راسه واسلم الروح }(يو 19 : 30). ان السيد المسيح التزم بهدفه الروحى رغم خطورته وصعوبته { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله} (عب 12 : 2). اننا عبر التاريخ كله نجد انه ما من صاحب رسالة استطاع كما السيد المسيح فى مدة تذيد قليلاً عن ثلاث سنوات ان يغير وجه العالم لا بجيوش جرارة ولا باسلحة جبارة ولا بعدوان او طغيان كما يفعل الغزاة الفاتحين بل بالمحبة والتواضع والوفاء وانكار الذات والبذل والفداء . فافكاره وتصوراته ووسائله وغاياته النبيلة والتزامه بالمحبة والبذل جعلته يمتلك القلوب وتسجد وتنحى له الرؤوس . السيد المسيح والالتزام برسالته السامية ...لقد جاء السيد المسيح كلمة الله المتجسد من اجل رسالة سامية عمل وعلم بها منذ بدء خدمته ويلتزم بها الى المنتهى { جاء يسوع الى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله. ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وامنوا بالانجيل} مر 14:1-15. كان يعلم انه مسيح النبؤات الذى تنبأ عنه الانبياء والذي ينتظره اليهود مبشرا للمساكين ولتحرير الماسورين وليهب البصر والبصيره للبشر، انه جاء فاتحا باب الرجاء للخطاه من كل جنس ولون وفى بدء خدمته دخل المجمع كعادته كل سبت فى التزام روحى وفتح سفر اشعياء ليقرأ { فدفع اليه سفر اشعياء النبي ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه. روح الرب علي لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للماسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وارسل المنسحقين في الحرية. واكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه الى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة اليه. فابتدا يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم. وكان الجميع يشهدون له ويتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه} لو 17:4-22. لقد وبخ السيد المسيح الذين لم يؤمنوا به لانهم رغم النبؤات التى عينت زمن مجيئه وعلاماته ورغم تعاليمه ومعجزاته وحياته لم يؤمنوا { فاحتاط به اليهود وقالوا له الى متى تعلق انفسنا ان كنت انت المسيح فقل لنا جهرا. اجابهم يسوع اني قلت لكم ولستم تؤمنون الاعمال التي انا اعملها باسم ابي هي تشهد لي. ولكنكم لستم تؤمنون لانكم لستم من خرافي كما قلت لكم. خرافي تسمع صوتي وانا اعرفها فتتبعني. وانا اعطيها حياة ابدية ولن تهلك الى الابد ولا يخطفها احد من يدي} يو 24:10-28. ولهذا نراه يمتدح اعتراف القديس بطرس الرسول بانه المسيح ابن الله الحى { ولما جاء يسوع الى نواحي قيصرية فيلبس سال تلاميذه قائلا من يقول الناس اني انا ابن الانسان. فقالوا قوم يوحنا المعمدان واخرون ايليا واخرون ارميا او واحد من الانبياء. فقال لهم وانتم من تقولون اني انا. فاجاب سمعان بطرس وقال انت هو المسيح ابن الله الحي. فاجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا ان لحما ودما لم يعلن لك لكن ابي الذي في السماوات. وانا اقول لك ايضا انت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وابواب الجحيم لن تقوى عليها} مت 13:16-18. وحتى بعد القيامة أخذ يظهر للتلاميذ والرسل ليخبرهم باسرار ملكوت السموات ويؤهلهم بالامكانيات اللازمة للقيام بالكرازة { وقال لهم اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها. من امن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن. وهذه الايات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بالسنة جديدة. يحملون حيات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون ايديهم على المرضى فيبراون . ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع الى السماء و جلس عن يمين الله. واما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم و يثبت الكلام بالايات التابعة امين} مر 15:16-20. السيد المسيح ومواصلة عمله الخلاصى .. لقد اختار السيد المسيح عددا قليلا من التلاميذ والرسل الذين أمنوا به ليكونوا هم طليعة المؤمنين الذين بهم ينشر رسالته الساميه فيكونوا الخميرة الصغيرة التى تخمر العجين كله وتنقل بشرى الخلاص الى العالم وبعد ان عاينوه وتتلمذوا عليه تاركين كل شئ دون تردد ولازموه حتى نهاية حياته على الارض ظهر لهم بعد القيامة وعدهم بان يكون معهم ومع من يؤمنون بواسطتهم الى انقضاء الدهر { فتقدم يسوع وكلمهم قائلا دفع الي كل سلطان في السماء وعلى الارض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس. وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر امين} مت 18:28-20. لقد اختار السيد المسيح التلاميذ والرسل من عامة الناس وليس من ذوى الجاه او السلطان او من المتضلعين فى الشريعة او العلوم ليكون فضل القوة لله لا منهم ولكى ياتوا بثمار كثيره للملكوت ويدوم ثمرهم { ليس انتم اخترتموني بل انا اخترتكم واقمتكم لتذهبوا وتاتوا بثمر ويدوم ثمركم لكي يعطيكم الاب كل ما طلبتم باسمي} يو 16:15. ولقد التزم التلاميذ والرسل القديسين بتوصيل بشرى الخلاص الى كل العالم وقد انهى معظمهم حياته بالاستشهاد من أجل القيام برسالته ولكن كانت دمائهم هى البذار الصالحة التى نمت منها شجرة الايمان وامتدت مستندة على صخرة الايمان وستحمل الكنيسة هذه الرسالة الخلاصية عبر الزمان حسب وعده الصادق ان ابواب الجحيم لن تقوى عليها. ونحن نثق انه وان كان لنا فى العالم ضيق فاننا به منتصرين { قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم} (يو 16 : 33). فنحن نحيا الايمان ونحتمى فيه ونكرز به { اسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق و يتمنع } ( أم 18 : 10 ) فنحن ملتزمون بايماننا بمسيحنا القدوس والسعي لنشر ملكوته سواء بالقدوة او الاعمال الحسنة او الاستعداد لمجاوبة كل من يسالنا عن سبب الرجاء الذى فينا { إذ الضرورة موضوعة علىّ فويل لي إن كنت لا أبشر} (1كو 9: 16 ) المؤمن الأصيل ملتزم بالحديث عن الرب واستعلان مجده على الأرض من خلال حياته الاختبارية وإنجيله المعاش ، فالمومن لاسيما الخادم الامين ملتزم في عبادته وجهاده بخلاص نفسه ونفوس مخدوميه ،يصلي من اجلهم ويعلمهم ويقتادهم للملكوت وفي هذا كله ينال نصيبه في المكافاة فى الملكوت السماوى. الالتزام فى حياة المؤمن الإلتزام كمبدأ عام ... ان حياة الالتزام المسيحى كمبدأ عام فى حياة المؤمن ليس فى المجال الروحى فقط بل وفى الحياة الاجتماعية والكنسية والسياسية والاقتصادية وفى التعاملات العامة والخاصة وفى العلاقات مع الله والناس والنفس فالالتزام كل لا يتجزء وينطبق على المؤمن قول السيد المسيح له المجد {أنتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} 13:5-16. فإذا إنعزل النور عن البيت لا يفيد الساكنين فيه ، وإذا أُنتُزِعَ الملح من الطعام فلا فائدة منه، وإذا أُخرجت الخميرة عن العجين تَحجَّرَتْ وفسدت. لذا علينا أنْ نشارك بايجابية وفعالية ومحبة فى خدمة مجتمعنا والصلاة من أجله . الالتزام بآداب التعامل والسلوك المسيحى .... الالتزام منهج داخلي وتعهد قلبي وحياة داخلية تثمر وتظهر فى العلاقات مع الله والناس ، فيلتزم الانسان بكل كلمة يقولها وبوعوده التى يقطعها وتعهداته مع الله والناس . لقد قال بنى اسرائيل لموسى النبى{ تقدم انت واسمع كل ما يقول لك الرب الهنا وكلمنا بكل ما يكلمك به الرب الهنا فنسمع ونعمل. فسمع الرب صوت كلامكم حين كلمتموني وقال لي الرب سمعت صوت كلام هؤلاء الشعب الذي كلموك به قد احسنوا في كل ما تكلموا. يا ليت قلبهم كان هكذا فيهم حتى يتقوني ويحفظوا جميع وصاياي كل الايام لكي يكون لهم ولاولادهم خير الى الابد} تث 27:5-29. فهل سمعو وعملوا والتزموا ام خانوا العهد والوعد { ولما راى الشعب ان موسى ابطا في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هرون وقالوا له قم اصنع لنا الهة تسير امامنا لان هذا موسى الرجل الذي اصعدنا من ارض مصر لا نعلم ماذا اصابه. فقال لهم هرون انزعوا اقراط الذهب التي في اذان نسائكم وبنيكم وبناتكم واتوني بها. فنزع كل الشعب اقراط الذهب التي في اذانهم اتوا بها الى هرون. فاخذ ذلك من ايديهم وصوره بالازميل وصنعه عجلا مسبوكا فقالوا هذه الهتك يا اسرائيل التي اصعدتك من ارض مصر} خر1:32-4. وليس هؤلاء فقط بل هناك الكثيرين من الذين يسيرون وراء الشهوات والمال والعالم ويتركون الله كما يحزرنا الكتاب المقدس {ولكن اعلم هذا انه في الايام الاخيرة ستاتي ازمنة صعبة. لان الناس يكونون محبين لانفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين مجدفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين. بلا حنو بلا رضى ثالبين عديمي النزاهة شرسين غير محبين للصلاح. خائنين مقتحمين متصلفين محبين للذات دون محبة لله. لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها فاعرض عن هؤلاء. فانه من هؤلاء هم الذين يدخلون البيوت ويسبون نسيات محملات خطايا منساقات بشهوات مختلفة. يتعلمن في كل حين ولا يستطعن ان يقبلن الى معرفة الحق ابدا. وكما قاوم ينيس و يمبريس موسى كذلك هؤلاء ايضا يقاومون الحق اناس فاسدة اذهانهم ومن جهة الايمان مرفوضون} 2تيم 1:3-8. المؤمن الملتزم يحترم حقوق الاخرين ويلتزم حتى بدفع النذور والعشور واذيد منها ان أقتضى الامر فهو يعطى حتى من اعوازه ، ويقدر قيمة النفس البشرية كصورة الله من اى جنس ولون ودين وهو ملتزم بالمشاركة في أفراح الآخرين وآلامهم { فرحاً مع الفرحين و بكاء مع الباكين } رو 12 : 15. كما يلتزم بمساعدة المحتاجين ليس ماديا فقط بل ومعنويا وروحيا فى سعى لاعلان محبة الله لهم ولخلاصهم { مشتركين في احتياجات القديسين عاكفين على إضافة الغرباء } ( رو12: 13 ) لقد التزم داود بعمل الخير والمعروف مع كل من بقى من بيت شاول الملك من أجل يوناثان ابن شاول ، فيا ليتنا نلتزم بفعل الخير لكل أحد كطبيعة خيرة فينا كاولاد وبنات الله القديسين . نحترم المواعيد ونقدر مشاعر الاخرين ونتفهمهم ونتأنى فى الحكم عليهم . علينا اذاً ان نكون ملتزمين فى حياتنا ونطلب معونة وارشاد الروح القدس لنا فى حياتنا وننفض عنا الكسل والتراخى والتساهل مع النفس وان استلزم الامر عدم مخالطة المتسيبين والاشرار ما لم نكون أقوياء وثابتين فى الحق نؤثر ولا نتاثر بمن حولنا. المسيحي والإلتزام بالعمل العام ... الانسان المؤمن يلتزم بالانخراط والمشاركة فى العمل العام سواء فى الحياة الاجتماعية أو السياسية او الاقتصادية وكل مجالات الخدمة العامة فى مجتمعه وبيئته ، فهو انسان له رسالة كسفير للسماء وامينا على الوزنات التى يؤتمن عليها. عليه ان يتجنب الذوبان فى المجتمع وفقدان شخصيته الإيمانيه فى المجتمع كما يتجنب الانعزال وفقدان الهوية الحلُّ الصحيح هو في الحضور الفعّال كمواطنين مسيحيين. من هنا يجب علينا أن نفهم جيداً معنى ما قاله المسيح {أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله}. فالمعنى الصحيح لهذا القول هو أن لا يتمَّ إستغلال الله لمآرب سياسية أو المتجارة بالدين ، ولا إستغلال السياسة لفرض الامور الإيمانية التى تاتى بالاقتناع القلبي . القصد من القول هو التمييز بين الإثنين. خاصة وهناك مجالات عمل مشتركة بين ما لله وما لقيصر فكرامة الانسان، الحريَّة ، العدل، السلام والمساواة ومعالجة الفقر والجهل والمرض كلها أمور من صميم الأيمان كما انها من صميم العمل الانسانى والاجتماعى والسياسى . من هنا كان الالتزام بالشأن السياسي كمواطنين مسيحيين أمر حيوي من الناحية الإيمانية أيضاً. الايمان لا يخص قومية او جنس او كنيسة بل هو محبة لله لكل انسان . مع انتماء المؤمن الى للوطن الذى يعيش فيه وخدمته والوفاء له. كما ان الايمان لا يعنى اقلية تعيش بين أكثرية وعلى هذه الاقلية ان تتدبر أمورها فهويتنا لا يجب ان تنحصر فى أقلية وأكثرية بل تقوم على كرامة الانسان وحق المواطنة التى يجب ان يتمتع بها كل إنسان . ايماننا المسيحى ليس سلعة مستوردة من الغرب ولا يحمل تبعات الغرب فى علاقته بالعالم الاسلامى فنحن مواطنين من أصل ونسيج الوطن عبر مئات والاف السنين ولنا ما لاى مواطن مصرى من حقوق وعلينا ما عليه من واجبات ولن يستطيع أحد ان يذايد على محبتنا لبلادنا أو ولائنا لترابها وماضيها ودفاعنا عن حاضرها وعملنا من أجل مستقبلها الحر الكريم إنَّ الهدف من العمل العام او السياسى هو خدمة الصالح العام وذلك ليضمن الكرامة الكاملة للإنسان كفردٍ وكجماعة. وفي هذا القول حدٌّ واضحٌ لأيِّ شكلٍ من أشكال الإستبداد الجماعي بحجَّة الأمن أوالزعم بحكم الاغلبية ، فيجب الحفاظ على حقوق الاقلية وصيانتها . كما أنَّه لا يجوز لأحدٍ أن يحتكر هذه الخدمة بحيث يمنع غيره من المشاركة الفعّالة في تسيير أمور الحياة العامة. ولا يجوز عدم مشاركة العادلة للأقليَّة فى العمل السياسي بحجَّة أنَّها أقليَّة مغايرة لدين الاغلبية تحت اى حجج او مبررات . إنَّ المشروع السياسي المسيحي المٌنْطَلِقْ من الإنجيل، يوضِّح لنا المبادى العامة التى يجب ان يبنى عليها النظام من أخاء ومساواه واحترام وعدالة وحقوق متساويه ورفع الظلم وسيادة القانون ويترك التفاصيل لكى تتناسب مع الزمان والمكان وبما يخدم الناس كما ان من يقوموا بالعمل العام لابد ان يدفعه مبدأ الخدمة وليس المصلحة أوالتسيط أو السيادة { فدعاهم يسوع وقال انتم تعلمون ان رؤساء الامم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم . فلا يكون هكذا فيكم بل من اراد ان يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما. ومن اراد ان يكون فيكم اولا فليكن لكم عبدا. كما ان ابن الانسان لم يات ليخدم بل ليخدم و ليبذل نفسه فدية عن كثيرين} مت 25:20-28. فالعمل السياسي إذن هو من أعمال الخدمة العامة لكلُّ المؤمنين، لكن بدرجات متفاوتة. فقد يتفرَّغ البعض له، بينما يبقى البعض الآخر مشاركاً فيه بالإضافة الى خدمة أخرى يؤدّيها في المجتمع. والكنيسة كمؤسسة دينية توجِّه نداءها الى أبنائها والى كلِّ إنسان يريد أن يسمع صوتها. لكنَّها تأبى أن يستغلَّها أحد ليجعلها أحدَ أعوانه. الكنيسة عونٌ لكلِّ إنسان مهما كان هذا الإنسان. لكنَّها ككنيسة لا تدخل المعركة ضدّ أحدٍ وإن نَدَّدتْ بالإعتداءات أو نادت بالحقوق فمن المنطلق الروحى والانسانى فى الدفاع عن الحق ونصرة المظلومين . دور الكنيسة إذا هو دور نبوّي لتكون الضمير الحى لعصرها . أمّا المواطن، فإنَّه يدخل صفوف المعركة السياسية، لأنَّه مواطن مثل غيره، ومكانته تفرض عليه العمل من اجل مصلحة بلاده ، حيث يجب عليه أن يَتصرَّف بوحي من إيمانه. معنى ذلك أنَّه لا توجد محاذير مفروضة على المؤمن في التزامه السياسي. عليه هو أن يرى بإيمانه ما يناسب الإيمان أو لا يناسبه سوء في الحزب أو الخط السياسي الذي ينتمي اليه، وأن يَتصرَّف بحسب مبادئه الإيمانية . طبعاً هذا يفترض أن يكون الانسان المؤمن مُلِماً بأمور إيمانه. من جهة أخرى، إنَّنا نرفض وبشدَّة أمرين جوهريين في الكنيسة كمؤسَّسة: الأول أن تصمت وأن تبقى محايدة في حال وقوع الظلم وإنتهاك كرامة الإنسان وحريَّته، والثاني، أن تصبح بوقاً لتيارٍ أو حكمٍ سياسي ما. فالكنيسة الحقيقية، كنيسة المسيح الحقَّ يجب أن تكون صوت دعوة الى الحق والعدل والبر وصوت الإنسان المظلوم أوالذي أُنتُهكتْ حقوقه. ثمار الالتزام ونتائجه ... الالتزام والثبات فى الحق .. عندما نحيا فى التزام بمحبة الله والسير تبعا لوصاياه نثبت فيه ونأتى بثمرويدوم ثمرنا ونثبت فى محبة الله { انا الكرمة وانتم الاغصان الذي يثبت في وانا فيه هذا ياتي بثمر كثير لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا. ان كان احد لا يثبت في يطرح خارجا كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق. ان ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم. بهذا يتمجد ابي ان تاتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي. كما احبني الاب كذلك احببتكم انا اثبتوا في محبتي. ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي واثبت في محبته. كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم} يو 5:15-11.{ حبيب الرب يسكن لديه امنا يستره طول النهار وبين منكبيه يسكن }(تث 33 : 12). الالتزام يجعل الله الاول والاهم فى حياتنا ويجعلنا نعرف الحق ونثبت فيه {ِ ان ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي. وتعرفون الحق و الحق يحرركم. } (يو 31:8-32). ان للحق قوة غافرة ومحرره وقادره أن تنتصر على الشيطان والخوف والضعف . الالتزام وحياة السلام والفرح .... الانسان الملتزم يحيا فى سلام مع الله ومع من حوله ويواصل بامانة عمل السيد فى صنع السلام وينال الطوبى اى السعادة والبركة { طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون} (مت 5 : 9) الملتزم يحيا فى فرح بالرب وبعمله الطيب وثماره { ما اجمل اقدام المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات }(رو 10 : 15).عندما أعلن القديس بولس تقبله للقيود والشدائد التي تنتظره من أجل خدمة إلهه عقب على ذلك بقوله { ولكنني لست احتسب لشئ ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعى والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله}( أع 20 : 24 ) - الالتزام والثقة والاحترام ... الملتزم هو انسان يحترم نفسه وكلمته ووعوده وكلامه وواجباته مما يجبر الاخرين على احترامه ويجعله موضع ثقتهم فالملتزمون قدوة منيرة على الطريق. فالملتزم بضميره الحى واليقظ هو قدوة طيبة وسبب بركة عظمى للكثيرين هكذا كان يوسف الصديق فى التزامه وامانته بركة فى كل مكان حل به . نتيجة لذلك استطاع ان يحتل مكانة مرموقة فى مصر {فقال فرعون لعبيده هل نجد مثل هذا رجلا فيه روح الله. ثم قال فرعون ليوسف بعدما اعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك. انت تكون على بيتي وعلى فمك يقبل جميع شعبي الا ان الكرسي اكون فيه اعظم منك. ثم قال فرعون ليوسف انظر قد جعلتك على كل ارض مصر} تك 38:41-41. فالملتزمون روحياً هم الصالحون لمجالات القيادة والتدبير الروحي. الخادم الملتزم هو إنسان قيادي يستطيع أن يحقق مطالب الخدمة بغيرة ونشاط . والروح القدس يعمل في الكنيسة من خلال الامناء المخلصين هكذا عمل مع يوسف ففسر الاحلام وعمل مع الرسل وقادهم فى خدمتهم ، عمل فى الشماس اثناسيوس فدافع عن الإيمان وقاد الكنيسة لبر الامان فى ظروف قاسية وصعبة.إن الالتزام هو منهج حياة يتحول إلى عقيدة راسخة في عقلنا وضميرنا وحياتنا العملية فنحيا كانجيل معاش نٌسلم الايمان والامانة للأجيال المقبلة على أسـس الحياة السليمة المنضبطة {فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} (مت 5 : 16). وتكون لنا السيرة الحسنة والامانة والالتزام بالواجب بدافع المحبة لله والقريب كما يوصينا الكتاب وبوازع من الروح والضمير { وان تكون سيرتكم بين الامم حسنة لكي يكونوا في ما يفترون عليكم كفاعلي شر يمجدون الله في يوم الافتقاد من اجل اعمالكم الحسنة التي يلاحظونها }(1بط 2 : 12). القمص إفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
29 نوفمبر 2021

هل المسيح إله أم إنسان؟'

هل هو ابن الله أم ابن مريم؟ يسأل البعض هذا السؤال الجوهري بالنسبة للمسيحية: هل المسيح إله أم إنسان؟ هل هو ابن الله أم ابن الإنسان، أبن مريم؟ فعند القراءة الأولي للعهد الجديد يجد الإنسان نفسه أمام هذا السؤال وغيره من الأسئلة العديدة المرتبطة به: هل المسيح هو الله الخالق أم أنه مجرد إنسان مخلوق خُلق مثل آدم؟ هل هو الله الكلي الوجود، الموجود في كل مكان وزمان، غير المحدود بالزمان أو المكان، الأبدي الأزلي الذي لا بداية له ولا نهاية، أم أنه المولود من في بيت لحم ومن العذراء في زمن معلوم ومكان محدد؟ هل هو الله الواحد غير المولود الذي لا أب له ولا أم ولا نسب؟ أو أنه الإنسان الذي له ولد من أم وله سلسلة أنساب تصل إلى آدم؟ هل هو الله الذي لا يجوع ولا يعطش ولا يأكل ولا يشرب ولا يتعب ولا ينام، أم أنه الإنسان الذي جاع وعطش وأكل وشرب وتعب واستراح ونام؟ هل هو الله الحي الأبدي الذي لا يموت، أم أنه الإنسان الذي مات ودفن في القبر ثلاثة أيام؟ وكثيرا من الأسئلة التي سنذكرها في حينها. س 1: هل المسيح هو الله وابن الله؟ ج: نعم المسيح هو الله(1) وابن الله فقد نسب إليه الكتاب المقدس كل أسماء الله وألقابه وصفاته وأعماله، ودعي اسمه يسوع (مت21: 1؛ لو31: 1) واصله العبري " يهوشاع " ومعناه الله المخلص أو الله يخلص (يهوه يخلص) كما دعي " عمانوئيل " في سفر اشعياء وإنجيل متي وتفسيره " الله معنا " (اش14: 7؛ مت23: 1) كما دعاه الكتاب " الله " أو " الإله ": " عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد " (1تي16: 3). " لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا وتكون الرياسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام " (اش6: 9). " لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " (أع28: 20). " لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح " (1تي5: 2). " ونحن في الحق وفي ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية " (1يو20: 5). " إلهنا ومخلصنا العظيم يسوع المسيح " (تي13: 2). " ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن علي الكل الإله المبارك " (رو5: 9). " أما عن الابن يقول كرسيك يا الله إلى دهر الدهور " (عب8: 1). " أجاب توما وقال له (ليسوع المسيح) ربي والهي " (يو28: 20). " يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم والي الأبد " (عب8: 13). " الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان " (يه25). " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي يأتي القادر علي كل شئ " (رؤ8: 1). وكانت أعماله هي أعمال الله: فهو خالق الكون ومدبره:- " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس " (يو1: 13). " الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق الذي هو قبل كل شيء و فيه يقوم الكل " (كو15: 116). " الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته " (عب2: 13) وصاحب السلطان علي الكون " كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " (دا13: 7،14). وصفاته هي نفس صفات الله كالوجود الأزلي بلا حدود والأبدية، أي الأزلي الأبدي والوجود في كل مكان " وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو13: 3) والعلم بكل شئ " الآن نعلم انك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك أحد لهذا نؤمن انك من الله خرجت " (يو30: 16)، والقدرة علي كل شئ " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي يأتي القادر علي كل شئ " (رؤ8: 1) أما كون المسيح ابن الله ووصف الكتاب له بذلك باعتباره هو كلمة الله " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (يو1: 1) وعقل الله الناطق وصورة الله غير المنظور " المسيح الذي هو صورة الله " (2كو4: 4)، المساوي لله الآب " الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله " (في6: 2)، " الذي هو صورة الله غير المنظور ... فانه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق، الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل " (كو15: 1)، وبهاء مجد الله الآب ورسم (صورة) جوهره " الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته " (عب3: 1)، والموجود دائما وأبدا في حضن الآب من الأزل وإلى الأبد، بلا بداية ولا نهاية " الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الأب هو خبر " (يو18: 1)، " لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك وأيضا أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنا " (عب5: 1)، المولود من الآب وفي ذات الآب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق. من الآب " أنا اعرفه لأني منه وهو أرسلني " (29: 7)، وفي الآب " أنا في الآب والآب في ... صدقوني أني في الآب والآب في وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها " (يو10: 14،11)، وواحد مع الآب " أنا والآب واحد " (يو30: 10). وهذا ما يؤكده الكتاب أيضا في العشرات من آياته: فقد وُصف ب " ابن الله الحي " ؛ " أنت هو المسيح ابن الله الحي " (مت16: 16)، و " المسيح ابن الله " (مت63: 26)، وفي بدء الإنجيل للقديس مرقس يقول " بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله " (مر1: 1)، والشياطين " كانت تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول أنت المسيح ابن الله " (لو41: 4). وأكد الرب يسوع المسيح للجموع أنه ابن الله الذي من ذات الله الآب والذي له كل صفات الله الآب والذي يعمل جميع أعمال الله الآب ؛ " فمن اجل هذا كان اليهود يطلبون اكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضا أن الله أبوه معادلا نفسه بالله، فأجاب يسوع وقال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك، لان الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله وسيريه أعمالا اعظم من هذه لتتعجبوا انتم، لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء، لأن الآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للابن، لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله، الحق الحق أقول لكم أن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة، الحق الحق أقول لكم انه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون، لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان، لا تتعجبوا من هذا فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيّآت إلى قيامة الدينونة " (يو18: 529). القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب إذا كان المسيح إلهاً فكيف ُحبل به وولد؟
المزيد
28 نوفمبر 2021

دَوَافِعْ الخِدْمَة

مِنْ سِفْر أرْمِيَا النَّبِي ﴿ قَدْ أقْنَعْتَنِي يَارَبُّ فَاقْتَنَعْتُ وَألْحَحْتَ عَلَيَّ فَغَلَبْتَ صِرْتُ لِلضَّحِكِ كُلَّ النَّهَارِ كُلُّ وَاحِدٍ اسْتَهْزَأَ بِي لأِنِّي كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ صَرَخْتُ نَادَيْتُ ظُلْمٌ وَاغْتِصَابٌ لأِنَّ كَلِمَةَ الرَّبِّ صَارَتْ لِي لِلعَارِ وَلِلسُّخْرَةِ كُلَّ النَّهَارِ فَقُلْتُ لاَ أذْكُرُهُ وَلاَ أنْطِقُ بَعْدُ بِاسْمِهِ فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي فَمَلِلْتُ مِنَ الإِمْسَاكِ وَلَمْ أسْتَطِعْ ﴾ ( أر 20 : 7 – 9 ) الله كَلَّفْ أرْمِيَا بِإِنْذَار وَتَأدِيبَات الشَّعْب إِذَا إِسْتَمَرَ فِي شُرُورِهِ وَأنَّهُ سَيَسْمَح لَهُمْ بِالسَبْي وَالعُبُودِيَّة وَأنَّ الهِيكَل سَتَزُول مِنْهُ الذَّبَائِح وَالتَّقْدُمَات وَبَدَأَ أرْمِيَا النَّبِي يَتَكَلَّمْ لكِنُّه كَمَا قَالَ * صِرْتُ لِلهِزْءِ وَالسُّخْرَة وَالعَار كُل النَّهَار * أي لاَ إِسْتِجَابَة فَقَالَ ﴿ لاَ أذْكُرُهُ وَلاَ أنْطِقُ بَعْدُ بِاسْمِهِ فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي فَمَلِلْتُ مِنَ الإِمْسَاكِ ﴾ نَعَمْ لأِنَّهُ لاَ فَائِدَة مِنْ الشَّعْب لِذلِك سَأصْمُت لكِنْ لَمْ أسْتَطِع لِمَاذَا يَا أرْمِيَا ؟ لأِنَّ إِسْم الله كَالنَّار فِي قَلْبِي مَحْصُورَه فِي عِظَامِي مِنْ خِلاَل مَا نَرَاه فِي أرْمِيَا النَّبِي نَجِد أنَّ دَوَافِعْ الخِدْمَة عِنْدُه كَانَتْ دَوَافِعْ مَحَبَّة كَبِيرَة لله وَأنَّهُ يُوْجَدٌ عِنْدُه مَسْئُولِيَّة وَغِيرَة وَأنَّ إِسْم الله دَاخِلُه مَحْصُور فِي قَلْبُه وَعِظَامُه لِذلِك سَنَتَكَلَّمْ عَنْ أرْبَعِة كَلِمَات مُهِمَّة لاَبُدْ أنْ يَخْتَبِرْهَا الخَادِم لِيَعْرِف هَلْ خِدْمِتُه تَسِير فِي الطَّرِيق الصَّحِيح أم لاَ :- 1- مَحَبِّتُه لله أمِينَة:- الَّذِي تَذَوَّق مَحَبِّة الله بِأمَانَة لاَ يَسْتَطِيع أنْ يَكْتَفِي بِهِ وَحْدُه الَّذِي تَذَّوَق صَلاَح الله وَغُفْرَانُه لَنْ يَكْتَفِي بِهَا لِنَفْسُه بَلْ تِلْقَائِي يَخْدِم لِذلِك مِنْ أجْمَل تَعْرِيفَات الخَادِم أنَّهُ تَائِب يَقُودٌ تَائِبِينْ .. كُلَّمَا كَانَ الخَادِم أمِين فِي تُوبْتُه وَمُتَجَدِّد كُلَّمَا إِسْتَطَاعَ أنْ يَقُودٌ مَخْدُومِيه لاَبُدْ لِلخَادِم أنْ يَكُون مُخْتَبِر مَحَبِّة الله وَيَشْعُر أنَّ الله يَحْمِلُه وَيُعْطِيه الأدْوِيَة المُؤدِيَة إِلَى الحَيَاة وَيَحْتَوِيه وَيُخَلِّصُه إِخْتِبَار مَحَبِّة الله عَلَى المُسْتَوَى الشَّخْصِي مُهِمْ جِدّاً وَكَمَا قَالَ بُولِس الرَّسُول ﴿ الَّذِي أحَبَّنِي وَأسْلَمَ نَفْسَهُ لأِجْلِي ﴾ ( غل 2 : 20 ) بِدُون هذَا الإِخْتِبَار خِدْمِتِي خِدْمَة شَكْلِيَّة غِير فَاعِلَة لأِنَّهَا لَيْسَتْ نَابِعَة عَنْ حُبْ وَاخْتِبَار وَتُوبَة وَبِذلِك تَكُون خِدْمَة عَقْلِيَّة قَدْ يَكُون الخَادِم قَدِير فِي كَلِمَاتُه لكِنُّه غِير مُؤثِّر بَيْنَمَا الخَادِم المُخْتَبِر مَحَبِّة الله قَادِر أنْ يَنْقِل الكَلاَم وَيِعَيِّشُه لِلمَخْدُوم لأِنَّهُ إِخْتَبَر الأمر وَبَدَلاً مِنْ أنْ يَقُول * المَجْدُ لَك يَا مَنْ تَحْتَمِلْنِي * يَسْتَطِيع أنْ يَقُول * المَجْدُ لَك يَا مَنْ تَحْتَمِلْنَا * الإِحْتِمَال إِنْتَقَل مِنْ إِخْتِبَارِي الشَّخْصِي أنَا إِلَى إِخْتِبَار المَخْدُومِين وَبِذلِك يَسْتَطِيع الخَادِم أنْ يِوَصَّل صُورِة الله المَحْبُوب الغَالِي لِلمَخْدُوم وَيِعَرَّفُه أنَّهُ مَوْضِع سَعْي الله وَلَذِّتُه حَتَّى وَإِنْ كَانْ شَخْص مُتْعِب مَفْقُود خِدْمِة الحُبْ مُهِمَّة إِخْتِبِر مَحَبِّة الله هُنَاك كَلِمَة وَإِنْ كَانَتْ كَلِمَة مُسْتَهْلَكَة لكِنَّهَا إِخْتِبَار مُهِمْ جِدّاً عَلَى المُسْتَوَى الشَّخْصِي وَهيَ * إِنَّنَا نُحِبْ الله * الحُبْ يَنْمُو بِالعَطَايَا وَالعَوَاطِف وَاللِقَاء النَّاس تَنْمُو بَيْنَهَا المَحَبَّة بِاللِقَاءَات المُسْتَمِرَّة بَيْنَهُمْ وَعِنْدَمَا يَتَذَوَقُوا الإِخْتِبَار الشَّخْصِي لِبَعْضِهِمْ يَزْدَاد الحُبْ بَيْنَهُمْ هكَذَا اللِقَاءَات الدَّائِمَة مَعَ الله تُنَمِّي المَحَبَّة فِي القَلْب وَمَا أرْوَع تَشْبِيهَات القِدِيس يُوحَنَّا الدَّرَجِي عِنْدَمَا قَالَ ﴿ لِيُقَبِّلَك ضَمِيرِي كَمَا قَبَّل يَعْقُوب حَبِيبُه يُوسِف ﴾ تَخَيَّل لِقَاء أبِينَا يَعْقُوب بِحَبِيبُه يُوسِف بَعْد أنْ كَانَ يَعْرِف أنَّهُ مَات ثُمَّ عَرَفْ أنَّهُ حَي يَقُول الكِتَاب ﴿ بَكَى عَلَى عُنُقِهِ زَمَاناً ﴾( تك 46 : 29 ) تَخَيَّل أنَّ لِقَاءَك بَالله عَلَى مُسْتَوَى لِقَاء يَعْقُوب بِحَبِيبُه يُوسِف !! لِقَاء حُبْ عَمِيق جِدّاً صَلِّي كَثِيراً وَتَعَانَق مَعَ يَسُوع فِي صَلَوَاتَك سَتَجِد أنَّكَ قَدْ صِرْت مُتَأنِّي وَمُحِبْ وَلأِنَّكَ إِنْ لَمْ تَأخُذ مِنْ مَحَبِّة الله وَتَشْبَع سَتَكُون خِدْمِتَك مُذَبْذَبَة لأِنَّ العَوَاطِف البَشَرِيَّة مُذَبْذَبَة وَتُحِبْ الإِسْتِهْلاَك وَلَهَا عَوَائِق لكِنْ مَحَبِّة الله مَحَبَّة بَاذِلَة ثَابِتَة . 2- يَمْتَلِئ بِمَحَبِّة الله:- المُرْوَى يُرْوِي إِنْ عِشْت مَعَهُ يَصْعَد كَلاَمُه مِنْ قَلْبَك إِلَى فَمَك ﴿ مِنْ فَضْلَةِ القَلْبِ يَتَكَلَّمُ الفَمُ ﴾ ( مت 12 : 34 ) سَتَجِد أنَّ كَلاَمَك وَفِكْرَك هُوَ كَلاَم وَفِكْر الْمَسِيح عِشْ خِدْمِة التَّشَبُّع بِالْمَسِيح تَجِد أنَّ كُل مَا فِيك مِنْهُ تَجْلِس مَعَهُ كَثِيراً فَتَأخُذ مِنْهُ كَثِيراً وَتَتَلَذَّذ كَثِيراً وَتُرِيدْ أنْ تُعْطِي مَنْ حَوْلَك مِمَّا تَذَوَقْتَهُ السَّامِرِيَّة تَحَوَّلَتْ مِنْ خَاطِئَة إِلَى تَائِبَة إِلَى كَارِزَة التُوبَة وَالكِرَازَة خَطْوَة وَاحِدَة تِتُوب وَتِكْرِز قَالَتْ تَعَالُوا لأِكَلِّمَكُمْ لاَ عَنْ نَفْسِي بَلْ عَنْهُ عَنْ خَطِيِتِي وَغُفْرَانُه عَنْ قُبْحِي وَحَلاَوْتُه السَّامِرِيَّة كَانَتْ تَعْرِف سِتَّة رِجَال كَمَا قَالَ الكِتَاب وَرَقَمْ " 6 " هُوَ رَقَمْ يُشِير لِلنَقْص مَنْ الَّذِي دَخَل رَقَمْ " 7 " ؟ الْمَسِيح يَسُوع تَوِّبْهَا وَمَلأهَا فَلَمْ تَنْظُر لآِخَر ﴿ مَنْ إِمْتَلَكَك شَبَعَتْ كُل رَغَبَاتُه ﴾ بَعْد أنْ شَبَعِت كَرَزِت لِذلِك خِدْمِتْنَا هِيَ دَعْوَة لأِوْلاَدْنَا أنْ يَتُوبُوا فِي ثِقَة أنَّ الله سَيَقْبَل كَمَا نَتُوب نَحْنُ وَهُوَ يَقْبَل نَحْنُ لَسْنَا أصْحَاب فَضْل وَكُلَّمَا نَتُوب كُلَّمَا إِسْتَطَعْنَا أنْ نَدْعُو أوْلاَدْنَا أنْ لاَ يَسْتَثْقِلُوا خَطَايَاهُمْ عَلَيْهِ لأِنَّهُ فَعَلَ مَعَنَا وَعَمَلُه وَاضِح فِي حَيَاتْنَا الخَادِم لَهُ إِخْتِبَارُه وَلَهُ حَيَاتُه لِذلِك عِنْدَمَا يَعْرِف الخَادِم الْمَسِيح يَجِبْ أنْ يَتَزَايِد فِي مَعْرِفَتُه فَيَجْلِس مَعَ الإِنْجِيل أكْثَر وَمَعَ التَّسْبِيح أكْثَر وَ عَلاَمِة الخِدْمَة الصَّحِيحَة هِيَ أنْ تُحِبْ الجُلُوس مَعَ الْمَسِيح أكْثَر هذَا يُعْلِنْ أنَّ خِدْمِتَك لَيْسَت ذَاتِيَّة وَنُعْلِنْ أنَّنَا عَرَفْنَا الْمَسِيح وَالمَخْدُوم يُعْلِنْ أنَّهُ عَرَفْ الْمَسِيح عِنْدَمَا عَرَفَك وَأنْتَ تَقِلْ وَالْمَسِيح يَزْدَاد عِنْدَ المَخْدُوم إِمْتَلِئ وَغَمْر يُنَادِي غَمْر الحَيَاة مَعَ الله لَيْسَ بِهَا إِكْتِفَاء وَكَمَا يَقُول الأبَاء﴿ يَسْتَقْطِبْهُمْ بِالكَمَال وَلاَ يَسْتَطِيعُوا أنْ يَسْتَقْطِبُوه ﴾ أي الحَيَاة مَعَ الله لَيْسَ بِهَا إِنْتِهَاء تَخْرُج مِنْ قُدَّاس وَأنْتَ مُنْتَظِر قُدَّاس اليُوْم التَّالِي تَخْرُج مِنْ إِصْحَاح فِي الإِنْجِيل مُشْتَاق لِلإِصْحَاح التَّالِي تِنْهِي وَقْفِة الصَّلاَة وَإِنْتَ مُشْتَاق لِوَقْفِه صَلاَة أُخْرَى وَإِنْتَ دَاخِلَك تَتَمَنَّى ألاَّ تَنْتَهِي هذِهِ الوَقْفَة المُشْبِعَة فِي حُضُور الله لأِنَّ الحَيَاة تُعْطِي جِدَّة وَكُل يُوْم فِي العِلاَقَة الحَيَّة يُوْجَد تَجْدِيد . 3- غِيرْتُه عَلَى خِدْمِة الله:- الخَادِم لاَبُدْ أنْ تَكُون لَهُ غِيرَة عَلَى كُل عُضْو﴿ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوع ﴾ ( كو 1 : 28 )﴿ مَنْ يَعْثُرُ وَأنَا لاَ ألْتَهِبُ ﴾ ( 2كو 11 : 29 ) تَشْتَاق أنْ تُعَرِّف كُل شَخْص عَلَى الْمَسِيح وَتَحْزَن إِنْ غِيرَك لَمْ يَعْرِفُه بَعْد حَتَّى وَإِنْ كَانْ غِير مَسِيحِي سَتَجِد نَفْسَك تَرْفَع قَلْبَك لله لِكَيْ يِعْرَّفُه طَرِيقُه وَكَمَا قَالَ أرْمِيَا ﴿ فَقُلْتُ لاَ أذْكُرُهُ وَلاَ أنْطِقُ بَعْدُ بِاسْمِهِ فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي فَمَلِلْتُ مِنَ الإِمْسَاكِ وَلَمْ أسْتَطِعْ ﴾ نَار وَغِيرَه دَاخِلُه المُتَنَيِح أبُونَا بِيشُوي كَامِل كَانَ يَنْظُر لِلخِدْمَة فَيَعْرِف مَنْ مِنْ المَخْدُومِين لَمْ يَأتِي فَيَذْهَب لِيُحْضِرُه قَلْبُه مُلْتَهِب يَقُول فِي نَفْسُه خِسَارَة أنْ لاَ يَعْرِف أحَدٌ الله خِسَارَة إِنْ فُلاَن لَمْ يَأتِي اليُوْم لِيَتَعَرَّف عَلَى الْمَسِيح أكْثَر فَيُحِبُّه أكْثَر فَيِتْعَب وَيِبْذِل مِنْ أجْل أنَّ الكُلَّ يَعْرِفُه تَعَبْ الخِدْمَة يُعْلِن مِقْدَار المَحَبَّة لله يُقَال عَنْ أبِينَا يَعْقُوب أنَّ السِّنِين الَّتِي عَمَلَ فِيهَا مِنْ أجْل رَاحِيل ﴿ وَكَانَتْ فِي عَيْنَيْهِ كَأيَّامٍ قَلِيلَةٍ بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِ لَهَا ﴾ ( تك 29 : 20 )غِيرَه القِدِيس يُوحَنَّا ذَهَبِي الفَمْ قَالَ ﴿ إِنْ كُنْت تَقُول لِي أنَّكَ مَسِيحِي وَلاَ تَشْعُر أنَّ لَكَ إِلْتِزَام أنْ تَخْدِم أرَى أنَّكَ كَمِثْل مَنْ يَقُول أنَّ الشَّمْس لاَ تُعْطِي شُعَاع وَحَرَارَة إِذاً لَيْسَت شَمْس تَقُول لِي إِنَّهَا خَمِيرَة وَلاَ تُخَمِّر إِذاً لَيْسَت خَمِيرَة كَأنَّكَ تَقُول لِي عِطْر وَلاَ يُعْطِي رَائِحَة إِذاً لَيْسَ عِطْراً ﴾ هذَا هُوَ الْمَسِيحِي هُوَ شَمْس تُعْطِي شُعَاع وَحَرَارَة هُوَ خَمِيرَة تُخَمِّر هُوَ عِطْر يُعْطِي رَائِحَة الْمَسِيح الذَّكِيَّة لَمْ أسْتَطِع الإِمْسَاك لِذلِك الخَادِم يَفْتَقِد وَيَسْأل وَيَعْرِف هذَا وَذلِك وَعِنْدُه غِيرَه ﴿ هَلاَك وَاحِدٌ كَهَلاَك مَدِينَة ﴾ نَعَمْ هذَا هُوَ الخَادِم وَالمَخْدُوم لِذلِك أمر خَطِير جِدّاً أنْ تَشْعُر أنَّهُ لاَ يُوْجَد شِئ يُحَرِّكَك لِلخِدْمَة لأِنَّ هذَا مَعْنَاه أنَّكَ لَمْ تَذُق وَلَمْ تَخْتَبِر مَحَبِّة الله وَلَمْ تَشْعُر أنَّهُ إِلْتِزَام القِدِيس يُوحَنَّا ذَهَبِي الفَمْ يَقُول ﴿ حِينَمَا أرْعَى شَعْبِي أشْعُر أنَّ إِبْرُوشِيَتِي هِيَ عَالَمِي وَلكِنْ عِنْدَمَا أتَحَلَّى بِرُوح الكِرَازَة أشْعُر أنَّ العَالَم هُوَ إِبْرُوشِيَتِي ﴾ فَرْق كَبِير بَيْنَ الإِبْرُوشِيَّة هِيَ عَالَمَك وَالعَالَمْ هُوَ إِبْرُوشِيِتَك كَمَا إِسْتَلَمَ القِدِيس إِغْرِيغُورْيُوس إِبْرُوشِيِتُه وَبِهَا سَبْعَة عَشَر أُسْرَة مَسِيحِيَّة وَتَنَيَّح وَبِهَا سَبْعَة عَشْر أُسْرَة غِير مَسِيحِيَّة غِيرَه ﴿ مَنْ يَضْعُفُ وَأنَا لاَ أضْعُفُ ﴾ ( 2كو 11 : 29 ) . جَمِيل فِي الطَقْس أنَّهُ عِنْدَ صَرْف الذَّبِيحَة أنَّهَا لاَ تُصْرَف قَبْل أنْ يَجْمَع الأب الكَاهِن الجَوَاهِر الَّتِي تُمَثِّل النِّفُوس البَعِيدَة الأعْضَاء الَّتِي تَاهَت مِنْ الجَسَد وَيَطْلُب مِنْ الشَّمَاس أنْ يَفْحَص مَعَهُ وَكَأنَّهُ لاَ يَعْتَمِد عَلَى نَفْسُه فَيَطْلُب المُسَاعَدَة وَلاَ يَهْدأ حَتَّى يَجْمَع كُل الجَوَاهِر لِلجَسَد الوَاحِدٌ لِذلِك لَيْتَكَ تَشْعُر يَا خَادِم الله أنَّ كُل مَخْدُوم جَوْهَرَة تَائِهَة فَلاَ تَهْدأ حَتَّى تَشْعُر أنَّ الجَسَد كُلُّه تَجَمَّع مَعاً . 4- مُطِيع لِلإِنْجِيل:- كَمْ مَرَّة قَالَ إِذْهَبُوا إِكْرِزُوا نَادُوا بَشَّر ؟ الكِتَاب مُمْتَلِئ بِهذِهِ الكَلِمَات ﴿ هَأنَذَا أرْسِلْنِي ﴾ ( أش 6 : 8 ) إِذاً هِيَ طَاعَة وَأمر إِنْجِيلِي فَلاَ تَشْعُر أنَّكَ مُتَفَضِّل أنَّكَ تَخْدِم بَلْ هِيَ طَاعَة لأِمر أنْتَ جُنْدِي فِي جِيش الْمَسِيح وَعَلَيْكَ أنْ تُطِيع ﴿ يَنْبَغِي أنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أيْضاً ﴾ ( 1يو 2 : 6 ) تَخْدِم فِي كُل الحَالاَت وَكُل الأوْقَات وَفِي كُل الأوْسَاط المَرْأة المُمْسِكَة فِي ذَات الفِعْل كَانَت فِي الفَجْر أي أنَّ يَسُوع كَانَ يَخْدِم فِي اللِيل مَعَ السَّامِرِيَّة كَانَتْ خِدْمِتُه السَّاعَة الثَّانِيَة عَشْر ظُهْراً عَلَى الجَبَل فِي البَحْر فِي المَجْمَع أثْنَاء المَسِير قَالَ أسْرَار حَتَّى فِي لَحَظَات الإِسْتِرْخَاء يُقَال عِلْمِياً أنَّ المَعْلُومَة لاَ تَثْبُت إِلاَّ وَالنَّاس مُهَيَّأة بَعْد الفِصْح إِتَّكأ أي إِسْتَرْخَى وَأعْطَاهُمْ السِّر ﴿ خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي ﴾ ( مت 26 : 26 ) أهَمْ المَعْلُومَات أعْطَاهَا حَتَّى فِي وَقْت الإِسْتِرْخَاء حَتَّى عَلَى الصَّلِيب كَانَ يَخْدِم وَيَطْلُب مِنْ أجْل صَالِبِيه وَكَرَز لِلِّص اليَمِين وَيَفْتَح لَهُ بَاب الفِرْدُوس الخِدْمَة طَاعَة أنْ تُطِيع أمر الْمَسِيح وَتَسْلُك بِحَسَبْ أمْرُه وَالخِدْمَة وَاجِبْ رَاجِع نَفْسَك فِي هذِهِ الدَّوَافِع حَتَّى لاَ تَكُون قَدْ دَخَلْت الخِدْمَة مِنْ أجْل شَخْص أوْ أصْحَاب أوْ تَكُون قَدْ دَخَلْت فِي مَاكِينِة الخِدْمَة وَهُنَاك دَوَافِع أُخْرَى كَثِيرَة لِلخِدْمَة وَبِحَسَبْ مِقْدَار مَحَبِّتَك لله وَامْتِلاَءَك وَغِيرْتَك وَطَاعْتَك تَعْرِف نَجَاح خِدْمِتَك وَأي خَلَلْ فِي هذَا المِيزَان يُعْلِنْ أنَّ الخِدْمَة بِهَا أخْطَاء مُجَرَّدٌ أنْ تَمِل مِنْ الخِدْمَة أوْ تَشْكُو مِنْ الأوْلاَدٌ أوْ الوَقْت أوْحَتَّى لَوْ لَمْ تَأتِي إِلَى الخِدْمَة لاَبُدْ أنْ تُتَابِع مِنْ الخَارِج خِدْمِتَك تَابِع تُوبِة أوْلاَدَك وَاعْتِرَافْهُمْ وَتَنَاوُلَهُمْ وَأسَاسِيَات الحَيَاة مَعَ الله لَوْ لَمْ تَعِشْهَا لَنْ تَعْرِف كَيْفَ تَخْدِم وَلاَ تَكُون الخِدْمَة عِلاَقَة شَخْصِيَّة فَقَطْ بَلْ أسَاسِيَات الحَيَاة الرُّوحِيَّة حَتَّى تُحْضِرَهُمْ لِلْمَسِيح حَتَّى وَلَوْ بِالصَّلاَة بِرِحْلَة بِقُدَّاس الإِنْسَان الَّذِي عِنْدُه الغِيرَه الغِيرَه تِغْلِب الصِّعَاب رَبِّنَا يُكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسْنِد كُل ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه لَهُ المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين. القمص أنطونيوس فهمى - كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
27 نوفمبر 2021

النساء والزينة

«لاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ، مِنْ ضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلِبْسِ الثِّيَابِ، بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ. فَإِنَّهُ هكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ سَيِّدَهَا. الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْرًا، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفًا الْبَتَّةَ» (1بط3: 3–6). في صميم الخِلقة، تميل النساء، إلى التزيُّن وإلى الظهور بمظهر الجَمال.. هذه طبيعة وهي رأس زاوية تقف عند مفارق الطرق في تدبير الحياة.. فلا يمكن بصورة من الصور أن تُغيَّر الطبيعة!! ولكن إن انحازت النفس إلى العالم فجرفها في تيّاراته، فإنّ المظهَر يصير كلّ رأس مالها.. وتبتدئ الزينة الخارجيّة تملك على الكيان.. وعندئذ تتبارَى مَلَكات الإنسان وامكانياته تخدم الخارج والجسدانيّات.. فتُكرِّس كلّ الطاقات الماديّة والفِكرية والعِلميّة لفنون الجسد وزينة الخارج، الذي يَبلَى يومًا ولا بديل. ومُجرَّد نظرة بسيطة إلى ما هو موجود في عالَم الموضات، مِن اللبس والحُليّ والماكياچ والعطور وتصفيف الشعر.. شيء رهيب حقًّا لا يقع تحت حَصر.. تيّار جارف وأمواج مُزبِدة تجرِف الملايين بل ومئات الملايين. ولا يستطيع أحد أن يقف في وجه تلك التيّارات المخيفة، فأقلّ ما يَصفه به العالم هو الجنون وعدم الواقعيّة وأنّه يحيا في الوهم والخيال. بينما أولاد الله إذ قد اكتشفوا زوال أباطيل هذا العالم الخدَّاع، واستنارت بصيرتهم فأدركوا السماويات، صرفوا العمر كلّه يعتنون بالداخل ومجد الداخل، كمثل العذراء القديسة التي قيل عنها «كُلُّ مَجْد ابْنَةِ الملِكِ مِنْ داخِل. مشْتمِلةٌ بأطرافٍ مُوَشّاةٍ بالذَّهَبِ، مُزَيَّنَةٍ بأشْكالٍ كَثيرةٍ» (مز44 الأجبية).. مجد لا يوصَف.. ولا يعرفه العالم. قُلْ أنّ الاهتمام الزائد بالزينة الخارجية هو تغطية لعوار الداخل الذي تشمئزّ منه النفس. ألَمْ يكن هذا حال الفرّيسيين الذين قال لهم الرب: «تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ (نتانة)» (مت23: 27). فالنزوع إلى التزيّن الخارجي والانحصار فيه، يعني عدم الالتفات للداخل، بل وإهماله، بل وفي أحيان كثيرة هو محاولة للتغطيّة لِما قد يُخجَل منه إذا انكشف. لذلك جاءت الوصيّة صريحة للنساء القدّيسات «لاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ هى الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ... بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ». الزينة المختفية بالروح.. في القلب الخفي عن عيون الناس، ولكن مستعلَنَة لدى الله، في الإنسان العديم الفساد، لأنّ كلّ ما هو خارجي يفسد، لأنّ إنساننا الخارج يفنى ولا محالة!! زينة الروح الوديع.. وإن فطنت إلى هذه الفضيلة النادرة والغالية جدًّا، ليس قدّام الناس بل هي قدّام الله كثيرة الثمن.. فكم بالحري لدى الناس؟ قَلَّ أنْ تجد امرأة تتحلّى بالوداعة والهدوء الروحي.. فإن وجدتَها فثمنها يفوق اللآلئ، لأنّها مُشتَرَاه بدم زكي كريم ومُقدَّسة فيه!! أمّا الصفة الثانية وهي الاتكال على الله، فهي رصيد الزوجة المسيحيّة.. عليها يؤسَّس استقرار البيت، فهي لا تتّكل على أشياء ومقتنيات، ولا على ذراع البشر، بل على الله الحيّ.. تتّكل عليه مِن كلّ قلبها، وتسوس بيتها، وتشيع في أولادها عدم الخوف وعدم القلق وعدم الاضطراب، بإيمانها واتكالها على الله.. تُطَيِّب قلب زوجها وتُطَمئنه.. فهي لا تُرهِقه بكثرة المطالب في العالميات، ولا تدفعه إلى الأطماع لتلبية رغباتها، بل اتكالها على الله هو كفايتها وكنزها. «يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ بزِينَةَ الرُّوحِ ولباس الحشمة خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ» أمّا مِن جهة لباس الحشمة، فهذا يأتي من الإدراك الروحي، فالإنسان الروحي «يَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لاَيُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ» (1كو2: 15). فلا يوجد زِيّ يُقَال له الزِيّ المسيحي.. ولكن تُدرِك المرأة المسيحيّة بروحها، وتُمَيِّز بين ما يليق وما لا يليق، وما يوافق ومالا يوافق، بحسب ما هو مكتوب «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ» (1كو10: 23). + والإدراك الروحي والحياة في المسيح، يجعَل الإنسان يحرِص على نقاوة قلبه وطهارة جسده، عالِمًا أنّ الجسد هو هيكل الروح القدس الساكن فينا «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (1كو3: 16). وأيضًا يقول: «مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (1كو6: 20). فنحن أعضاء جسد المسيح وأعضاؤنا أعضاء جسده. لذلك لباس الحشمة يليق بمن أدركوا أنّ أجسادهم مِلكٌ للذي اشتراهم. فالخلاعة من أي نوع أو التشبُّه بأهل العالم، هي مجاراة للمجتمع لا تليق بأولاد الله. في تاريخ المسيحيّين الأوائل، لما ألقوا إحدى الشابات في ساحة، لثور وحشي، بسبب إيمانها بالمسيح، ومزّقها الثور بقرونه، كانت تلملم ثيابها لتستر نفسها غير عابئة بالموت، لأنّ عفّتها ومحبّها للقداسة كانت أغلى من الحياة (الشهيدة بِربِتوا). والقصص كثيرة جدًّا التي تؤكِّد أنّ المسيحيّات منذ الأيام الأولى كُنّ مِثالاً لقداسة السيرة والمظهر الذي يليق بأولاد الله. والشهيدات العفيفات: دميانة وبربارة ويوليانا صِرنَ نموذجًا لملايين، تَبعْنَ سيرتهن الطاهرة وتمثّلنَ بهنّ. في ستينيّات القرن الماضي ورَدَتْ إلى مصر موضة من أوربّا، هي لِبس الملابس القصيرة، وتأثّر بها معظم سيّدات وفتيات مصر.. وفي يوم أحد أثناء القداس، في كنيستنا في سبورتنج بالاسكندرية، دخلت إحدى السيّدات الشابّات بفستان قصير جدًّا بشكل لا يليق، وصار اشمئزازٌ من كثيرين.. وكان من عادتنا، أنّنا في نهاية القداس بعد انصراف الشعب، نقف على باب الكنيسة، لنسلّم على كلّ الشعب. (كانت أيّام جميلة محفورة في ذاكرتي..) كان يومها أبونا بيشوي هو الذي يُصلّي القدّاس، وفيما هو يُسَلِّم على الشعب لفَتَ نظره هذه الأخت، ولم يكُن يعرِفها.. سلّم عليها بمَوَدّة وسألها أين تسكن؟ وفي ذات اليوم زار أبونا منزلها هي وزوجها، وكان لها بنتان صغيرتان.. صلّى معهم وكلّمهم بكلمات النعمة، فدخلت إلى أعماق قلوبهم. بعد ذلك بوقت قصير، كانت الحياة قد تغيّرت، وأصرّت هذه الأخت أن تحرق هذه الملابس غير اللائقة. المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
26 نوفمبر 2021

الارتباط بالكنيسة

كلمتكم فى الاسابيع الماضية عن مهابة الكنسة وكرامتها، اريد ان اتحدث فى هذا اليوم عن الارتباط بالكنيسة: ما معنى الارتباط بالكنيسة فكرة الكنيسة تظهر بوضوح فى اعتراف القديس بطرس الرسول عندما اجتمع بهم ربنا يسوع المسيح فى قيصرية فيلبس وسألهم مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ فاجابوا اجابة واضحة فى فم القديس بطرس الرسول أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ! كانت النتيجة ان المسيح اجابه برد جميل انه عَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي وكانت هى المرة الوحيدة التى تاتى فيها كلمة كنيسة بصيغة الملكية الكنيسة بمفهوم جديد على اعتبار انها جسد المسيح او عروس المسيح وكما ذكرت فى المرات السابقة ان الكنيسة ليست مجرد مجتمع، الكنيسة هى شركة القديسين مع المسيح،والكنيسة ليست مجرد مبنى –نسمع فى القرون الاولى فى اوقات الاضطهاد واواقات الاستشهاد وقبل ان تبنى كنائس كانوا يصلون فى مقابر ومغائر وشقوق الارض وكانوا يصلون فى المزارع،فالكنيسة ليست مجرد مبنى… الكنيسة هى اعضاء جسد المسيح، والكنيسة ايضا ليست مجرد مؤسسة عادية ارضية الكنيسة تعنى الحياة فى المسيح وعلى هذا الاساس الكنيسة ليس لها حدود فى عملها لا فى الزمان ولا المكان ولا فى الكيان –كيان الانسان الكنيسة تمتد فى المكان والزمان وفى كيان الانسان- لهذا نقول على الكنيسة انها وحده، تتميز بالاتحاد الذى نسميه الشركة فى الكنيسة والكنيسة ايضا واحده بمعنى انها غير منقسمة، والمسيح يوحدها والكنيسة ايضا وحيده، بمعنى انه ليس مثيل لها يمكن ان نجد كل شئ خارج الكنيسة ولكن الكنيسة تقدم الخلاص بدم المسيح وصليبه فالكنيسة نقول عنها انها وحدة واحدة وحيدة كما نعبر فى قانون الايمان “نؤمن بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية الذى يعمل فى الكنيسة هو روح الله القدوس، المسيح حجر الزاوية، والكنيسة هى التى تمدنا بنعم الاسرار بعمل الروح القدس، لهذا عندما نصلى القداس جميعا معا يقف الاب الكاهن او الاب الاسقف يقول عبيدك يارب خدام هذا اليوم، وانتبه لكلمة خدام ليس المقصود بها خدام مدارس الاحد ولكن خدام هذا اليوم، بمعنى انه كل من يوجد فى الكنيسة فى هذا الوقت الكل ويفسرهم بحسب وضيعيهم والاخر وضعفى، كل الموجودين هم خدام هذا اليوم، ولذلك من التقاليد المستقرة فى كنيستنا الا يقدر كاهن ولا اسقف ان يصلى قداس بمفرده على الاقل ثلاثة، من يمثل الخدام من يمثل الشعب والاسقف او الكاهن الذى يصلى القداس، لابد من وجود هذه الشركة ماذا تعنى عبارة الارتباط بالكنيسة نشرح هذا الارتباط ليستطيع كل واحد فينا ان يقيم معنى ارتباطه بالكنيسة، وكل ما الانسان يعرف مقدار ارتباطه الحقيقى بالكنيسة يعرف تمام المهابه والكرامة التى تعطى للكنيسة الارتباط بالكنيسة هو شكل الصليب بأربعة اطراف، يوجد ارتباط فكرى، ويوجد ارتباط روحى، ويوجد ارتباط اجتماعى، وكل هذا على اساس الارتباط الليتورجى اولا الارتباط الفكرى:- الارتباط الفكرى يعتمد اولا على الكتاب المقدس (العهدين القديم والجديد) ويعتمد ايضا على تعاليم الاباء،الاعتماد الاساسى فى الارتباط الفكرى فى الارتباط بالكنيسة انه مرتبط بالكلمة المقدسة (الكتاب المقدس والاجبية) ومرتبط بتعاليم الاباء التى يقدمها لنا المعلم قد يكون الاب الاسقف او الاب الكاهن الذى يعلمنى بحسب تعاليم الاباء وبحسب ماتسلمت الكنيسة، ويجب ان يكون التعليم مطعما من الكتاب المقدس ومن اقوال الاباء وسيرهم،هذا هو الاتباط الفكرى، عقلى وافكارى كلها كما يقول الكتاب “مستأثرين كل فكر لطاعة المسيح” هذا هو معنى ارتباطك الفكرى بالكنيسة ينمو عقلك يوم ورا يوم فى معرفة ربنا يسوع المسيح الارتباط الليتورجى او الاساسى (او ممكن تسمونه الارتباط الحياتى) الذى هو قاعدة الصليب:- نسميه الارتباط بنعم الحياة ونعم الحياة هى الاسرار وخاصة سر المعمودية وسر الافخارستيا، نعتمد ونولد من جديد بطقس المعمودية ونبدأ به حياتنا فى الكنيسة، وكما ذكرت امامكم فى مرة سابقة ان يوم المعمودية هو يوم فريد لأن الطفل فيه ينال ثلاثة اسرار هم المعمودية والميرون والافخارستيا ولكن مهم فى اول تناول له يسمع فيه عبارات الاعتراف الاخير فى القداس عندما يقول الاب الكاهن يعطى عنا خلاصا وغفرانا للخطايا وحياة ابدية لمن يتناول منه، ويصير هذا اليوم هو الانطلاق الى الابدية، هذه هى محطة القيام لطريق طويل الى ان يصل هذا الانسان الى السماء، اذا كانت المعمودية هى ميلاد الحياة الجديدة فتأتى الافخارستيا هى غذاء الحياة الجديدة ويبدأ الانسان بالثبات فى المسيح ويرتبط الانسان بالكنيسة والغذاء والجسد والدم الاقدسين وهو يتقدم للتناول هذا هو الارتباط الحياتى الارتباط الروحى:- يعتمد ايضا على شيئين، هم التلمذة لأب الاعتراف ويعتمد على الصلاة وروح التوبة ارتباطك بالتلمذة لاب الاعتراف هو الرفيق فى الحياة الروحية، وارتباطك بالصلاة التى ترفعك الى روح التوبة التى تجعلك دائما حريص على نقاوة قلبك،تلمذتك لأب اعترافك هى التلمذه الروحية وليست التلمذة الشخصية، التلمذة الروحية ان اب الاعتراف هو انسان اختبر الحياة قبلى يمكن ان يرشدنى وان يرافق طريق حياتى الروحية، واب الاعتراف الحديث معه حديث روحى ليس اخبار او حكايات وجدل، ولذلك فى الاعتراف الاب يمسك الصليب فى يده ليكون الصليب بينه وبين المعترف ويكون هو الرابط او الجسر الذى يربط بين الاثنين، وأب الاعتراف يسمع ما تقوله ويصلى ثم يرشدك بحسب ماتحتمل قامتك الروحية وينمو معك قليلا قليلا وتكبر سنة عن سنة فى حياتك الروحية . الارتباط الاجتماعى:- الارتباط الاجتماعى يعنى العضوية الكنسية والخدمة الكنسية، انت عضو فى الكنيسة ولك مسؤلية، ولكن ليس الامر بالعضوية الكنسية فقط ولكن ايضا بالخدمة الكنسية، كلنا خدام ولا يوجد –او من المفترض ان لا يوجد- فى الكنيسة عضو عاطل خامل او لا يعمل، انت تعبر عن ارتباطك بعضويتك وبخدمتك ونسميه الارتباط الاجتماعى اذا يا أخوتى الارتباط بالكنيسة هو ارتباط فكرى بالانجيل وتعاليم الاباء، ثم ارتباط حياتى او ليتورجى من خلال الاسرار وعلى رأسها المعمودية والافخارستيا، ثم الارتباط الروحى بالتلمذة لأب الاعتراف وبالصلوات التى تدفعك الى التوبة، واخيرا الارتباط الاجتماعى من خلال عضويتك الكنسية ومن خلال خدمتك الكنسية بأى صورة من الصورهذه نسميها الارتباط والحياة فى الكنيسة وكما سمعتم هو ارتباط وعمل ايجابى فيه حركة هو ارتباط حى بالكنيسة وليس مجرد علاقة نظرية، وان عشت فى هؤلاء الاربعة تجد حياتك تكبر تدريجيا فى معرفة المسيح ،وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ”. توزيع الخدمة كأعضاء الجسد هناك تنوع “لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ” الكنيسة ممثلة فى الاب الاسقف والاب الكاهن والشماس والخادم والخادمة والرجال والنساء والشباب والشابات كل واحد له دور والخلاصة تكون تكميل القديسين ارجوكم تنتبهوا، كأن كل من صار عضوا فى الكنيسة صار من القديسين وهذه موجودة فى كتابات بولس الرسول كثيرا،لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ” هذا هو الارتباط بالكنيسة وبهذا اكون كلمتكم عن كرامة الكنيسة ومهابتها والارتباط بها، وكل ما عشت فى هذا الارتباط كل ما شعرت بهذه الكرامة وهذه المهابة لالهنا كل مجد وكرامة من الان والى الابد امين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
25 نوفمبر 2021

شخصيات الكتاب المقدس دبورة

دبورة «فأرسلت ودعت بارقا بن أبينوعم....» مقدمة في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، كانت الفتاة الفرنسية المشهورة «جان دارك» ترعى أغنامها في يوم من أيام الصيف، ولم تكن قد بلغت بعد الثامنة عشرة من عمرها وسمعت كما لو أن صوتًا سماويًا يناديها أن تذهب لإنقاذ فرنسا، التي كانت ترزح تحت النير الإنجليزي في ذلك الحين، وكانت الفتاة تؤمن بأن هذا صوت إلهي لا شك فيه، فسارت إلى حاكم المنطقة، وطلبت منه أو يرسلها إلى الملك، وسخر الحاكم بها في باديء الأمر، ولكنه اضطر إزاء إلحاحها أن يرسلها إلى الملك، وتردد الملك ورجال الدين في الاستماع إليها، ولكنهم ازاء إيمانها القوي لم يلبثوا أن أطاعوها، وجعلها الملك قائداً على الجيش الفرنسي، فإذا بالفتاة التي لم تكن تعرف الحرب تقود الجيوش الفرنسية بنجاح وتطرد الإنجليز وتتوج الملك على عرشه. ومع أن هذه الفتاة ذهبت. كما نعلم ضحية الحاسدين الذي أسلموها للبرغنديين، وهؤلاء بدورهم أسلموها لحلفائهم الإنجليز الذي اتهموها بتهمة السحر والشعوذة وحكموا عليها بالإعدام حرقاً وهي في التاسعة عشرة من عمرها، إلا أن السؤال الذي تطرحه هذه الفتاة - وطرحته من قبلها دبورة القاضية والنبية القديمة - على بعد التاريخ وتباين الأحوال والأوضاع والظروف، هو هل يجوز للمرأة أن تأخذ مركز القيادة والصدارة إلى الدرجة التي تقود فيها الجيوش وترأس الأمم، وتحكم البلاد، وتأخذ كافة المناصب القيادية اجتماعياً ودينيا، يقول البعض إن هذا جائز جدًا، وأن المسيحية لا يمكن أن تعترض عليه، وأنه اذا كان العهد القديم قد قدم لنا أسماء لامعة من هذا القبيل كمريم النبية، ودبورة، وراعوث، وأستير، وغيرهن، فإن العهد الجديد الذي حرر المرأة وأعطاها المساواة مع الرجل لابد يعطيها مركز أسمى وأعلى، ويمكنها من كافة المراكز القيادية في وقت غزت المرأة كل مكانة ومجال في الأرض، بل وأخذت سبيلها أيضًا في الفضاء، على أن البعض الآخر لا يرى هذا الرأى، ويرد عليه بأن التاريخ لا يعرف قط هذه القيادة النسائية إلا على وجه الاستثناء، وفي فترات متباعدة في التاريخ، ويوم يعز الرجال ويخرج ديوجين بمصاحبه المشهور في شوارع أثينا يفتش عن الرجل المنشود، وأن دور المرأة الصحيح أن تقف إلى جانب الرجل أو خلفه لتكون له بمثابة الملهم والمحفز والمعين كما فعلت دبورة عندما دعت باراق بن أبينوعم ليقود المعركة، واشترط أن تبقى إلى جواره حتى يصل إلى النصركم يكون من المفيد اذن أن نتعرض لهذه الدراسة لعلنا نصل إلى الرأى الأرجح ولذا سندرس دبورة باعتبارها:- قوية الشخصية:- إن الدراسة المتعمقة لشخصية دبورة كما جاءت في كلمة الله، تؤكد وتقطع بأنها شخصية نادرة غير عادية، أو إذا جاز التعبير على منطق الناس، فلته من الفلتات، أو نسخة من النسخ التي لا تتكرر سوى في عصور متباعدة في التاريخ قد تصل إلى المئات أو الألوف من السنين.. ولعل هذه الحقيقة تبدو بوضوح إذا أدركنا أن أية شخصية عادية، تبدو قوية في جانب من الجوانب على حساب جانب آخر، فالشخصية التي تملك عقلاً جبارًا مثلاً، قد يكون هذا على حساب العاطفة الرقيقة، أو المشاعر الحساسة التي تعوزها والعكس صحيح، فالشاعر الرقيق قل أن يكون محاربًا.. ولكن أن تكون الشخصية قاضية مفكرة وأما رقيقة، وأن تحمل في جنباتها عنف المحارب، وأغنية الشاعر، كمثل ما كانت عليه دبورة، فان هذا لا يحدث إلا على نحو نادر، وفي فترات متباعدة جدا وعلى الأغلب في عصور الأزمات والمحن القاسية والآلام الرهيبة في حياة الأمم والشعوب والممالك... كانت دبورة: جبارة التفكير:- وهذا يبدو من قدرتها كقاضية تجلس تحت نخلتها، ينتقل إليها المتنازعون من كل مكان للفصل بينهم، فيما استعصى عليهم حله من خصومه أو خلاف أو نزاع، ولا يمكن أن يذهب الرجال المتخاصمون إلى امرأة إلا لأن حكمتها فاقت جميع الرجال الموجودين في جيلها وعصرها، فهي من ذلك الصنف من النساء الذي يبرز في الأزمات كالمرأة التقوعية الحكيمة التي استعان بها يوآب في إرجاع أبشالوم من المنفى، أو الأخرى التي أنقذت مدينتها من الحصار عندما حاصر آبل بيت معكة، يوم فتنة شبع بن بكري، ولاشك أن شهرة أحكامها قد ذاعت في طول البلاد وعرضها وعرف عن أحكامها ما فيها من دقة وعمق وأصالة، وبعد عن التحيز والهوى والعاطفية التي جعلت بعض الدول تتردد في أن تجعل المرأة قاضية، أو على الأقل أن تجلس للحكم في ذلك النوع من القضايا الذي قد يخرج بها عن العدالة أو الإنصاف تحت تأثير العاطفة المفتعلة أو الشعور الوقتي. مرهوبة الجانب:- هذه الشخصية الحكيمة ولاشك مرهوبة الجانب محترمة من الجميع، وقد وصفها يوسيفوس المؤرخ اليهودي، أنها كانت موضع المهابة والاحترام، ليس في جيلها فحسب، بل في التاريخ اليهودي بأكمله، ولا يبدو هذا في قدرتها على وضع أحكامها كقاضية موضع التنفيذ، في عصر وصف أبلغ وصف بالكلمة التي جاءت في ختام سفر القضاة: «في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل، كل واحد عمل ما حسن في عينيه». بل أكثر من ذلك في أنها وجهت الأمة ودعتها إلى الحرب، ورفض القائد أن يتحرك للقتال ألا اذا كانت هي على رأس الجيش، تسير إلى جواره خطوة فخطوة، والشيء العجيب في هذه المرأة أنها كانت تجمع بين قوة السكون، وقوة الحركة، كانت جالسة تحت نخلة دبورة، تحكم كما يحكم ملك من عرش، وعندما دعت باراق ابن أبينوعم إلى القتال، لم تذهب هي إليه، بل دعته ليأتي إليها، وفي هذا اعتزاز كبير بشخصيتها القوية، ولسلطانها الآمر، على أنها في قوة الحركة هي دبورة أو «نحلة» فهي أشبه بالنحلة المتحركة التي لا تستطيع أن تهدأ أو تسكن حتى تنفذ ما تريد، وتتمم ما ترغب!! فياضة الأنوثة:- على أن هذا كله لم يكن على حساب أنوثتها، أو مركزها كامرأة، لقد كانت هذه المرأة زوجة، وأما في ذات الوقت كان زوجها «لفيدوت» أو «مصباح» معروفًا ومذكورًا،.. كما أنها إلى جانب ذلك كانت أما، وأغلب الظن أنها كانت أما في بيتها، اذ كان لهما أولاد،.. ولكن أمومتها اتسعت لتشمل البلاد بأكملها، فإذا أضفنا إلى هذا كله أنها غنت شعرًا، والشاعر على الدوام إنسان مرهف الحس رقيق المشاعر، تبين إلى أي مدى كانت هذه المرأة دفاقة العاطفة، فوارة الاحساس مما يؤكد أن أنوثتها لم تذهب أدراج الرياح، وهي تفكر أو تقضي أو تعطي المشورة لشعبها. مفتوحة العينين:- كان عصرها عصر المأساة والنكبة، ومثل هذا العصر ليس من السهل على الإنسان أن يبصر فيه ما قد يحيط به الظلام من كل جانب، لكن هذه المرأة كانت «نبية» اخترقت عيناها الحجب الكثيفة، لترى رؤى الله، مفتوحة العينين، مكشوفة الحجاب، وقد وصلت إلى هذه الرؤيا لأنها كانت امرأة تقية، قريبة من الله، في أرض الاعوجاج والشر، ولعل من أكبر البركات في حياة الإنسان رجلاً كان أم امرأة، أن تكون له هذه الشفافية، فيرى خلف المنظور مالا يرى، ومن لا يرى، وطوبى للأتقياء القلب لأنهم يعاينون الله... شجاعة القلب:- ومن العجيب أن هذه المرأة، إلى جانب هذا كله كانت تحمل بين جنبيها أرق المشاعر وشجاعة الأسد، فهي لم تدع باراق إلى الحرب فحسب، لكنها سارت معه إلى الميدان، عندما طلب ذلك، ومع أنه ليس من السهل على الإنسان أن يتصور امرأة تقود أو تدفع جيشًَا إلى القتال، وأنها إذا سارت إلى ميدان القتال أو المعركة، فلكي تعمل على إيقاف نزيف الدم المنهمر بين المحاربين في أعمال الأغاثة والإسعاف والتمريض، إلا أن الذي يعنينا الآن في هذه المرأة، ونحن بصدد التعمق في تحليل شخصيتها مقدار ما كانت عليه من صلابة وشجاعة تستروح معها صيحة الحرب وقعقعة السلاح كانت دبورة في الواقع على حظ عال كبير من قدرة الفكر، والتهاب العاطفة، وجبروت الإرادة، وتكامل الشخصية غير العادية ونادرة الوجود!!.. دبورة وقضيتها:- كانت هذه المرأة قاضية في جيلها وعصرها، وكم حكمت ولاشك بين المئات أو الآلاف من المتنازعين الذين وفدوا لكي تفصل بينهم فيما أثاروا من شكاوي أو خصومات، لكنها تحولت هي فيما بعد إلى قضية عامة تنتقل من جيل إلى جيل، ومن بلد إلى آخر ومن مجتمع إلى مجتمع، قضية المرأة، وهل من حقها أن تأخذ مكان القيادة أو الصدارة، وهل هذا الحق مطلق، وعام، وشامل!!؟ أم هو حق نسبي أو استثنائي لا يأتي إلا في أوقات خاصة، وظروف معينة!؟ ربما نكون أقدر على الأجابة أو أتيح لنا أن نمسك بها كقضية كتابية ندرسها بتأمل وعمق وإمعان في ضوء الحق الإلهي الظاهر من الوحي المقدس، وكلمة الله، وقضية دبورة على هذا الأساس تحمل الخصائص التالية:- قضية إقناع:- وهذه الظاهرة الأولى في هذه القضية، فان أول أوصاف دبورة أنها «نبية» وهي ثاني نبية يذكرها الكتاب المقدس بعد مريم النبية «أخت موسى وهرون»، وهي النبية الوحيدة خلال أربعة قرون بين قضاة إسرائيل، وكان من المستحيل أن تظهر على المسرح إلا بعد اقتناعها واقتناع الشعب بصوت الله الذي جاء إليها، وليس في الكتاب ما يفصح عن النبوات التي تنبأت بها، فيما خلا إعلانها لباراق عن دعوة الله له ليقود المعركة، غير أنه من الواضح أن الشعب آمن بأنها تحمل رسالة الله، وأن صوت الله في فمها، وأن قوتها الصحيحة والحقيقية، بل إن شجاعتها الفائقة لم تكن كلتاهما صادرتين عن مجرد استعداد طبيعي في كيانها البشري، بل ليقينها الكامل بأنها مدفوعة من الله لغاية مقدسة... هذا هو الأمر الذي نطلق عليه في لغة الإيمان المسيحي بالدعوة العليا ومع أنه كما قال أحدهم: لم يعد من طبيعة المرأة أو من عملها أن تدعو إلى الحرب كما فعلت دبورة دفعاً للاستعباد أو الطغيان الذي وقع فيه الشعب بعد أن أسلمه الرب لأعدائه نتيجة لشرهم وخطاياهم، إلا أن الدعوة العليا في الرسالات المفتوحة أمام المرأة هي أول ما ينبغي أن تتحققه على نحو أكيد قاطع، لا يستشار معه كما يقول الرسول بولس لحم ودم، بل تندفع إليها بكل حماس ودون أدنى تردد، وقد جاءت أعداد كثيرة من النساء بعد دبورة، وتحققن من الرسالة التي وضعت عليهن وسرن وراء إعلانها الخاص وندائها الإلهي،... كانت ماري ريد مرسلة كسائر المرسلات اللواتي يعملن في الهند، ولكنها يوماً ما وقع نظرها على أبرص، فامتلأ قلبها ألماً ورأت الله يدعوها لخدمة البرص، فكرست حياتها لخدمتهم، وانتقلت اليها العدوى، ولكنها لم تجزع بل خدمت، وفنيت في خدمتهم، إذ كانت هذه رسالتها الموضوعة عليها في الأرض،... أبصرت جين ادامز متسولاً فقيرًا يلتقط قطعة من الكرنب من القمامة ويأكلها في الحي الشرقي في لندن، حي الفقراء، فآلمها المنظر وكرست حياتها لخدمة الضائعين المتشردين،... وهل يمكن أن ننسى خدمة اليزابيث فراى مع المسجونين وفلورنس نايتنجيل مع الجرحي، وفرانسيس ويلارد مع المدمنين والسكيرين، وهاريت بيتشر التي كتبت قصتها المشهورة «كوخ العم توم» للخلاص من الرق والعبودية، ومدام كوري مكتشفة الراديوم، وأمثالهن اللواتي كن نبيات عصرهن والعصور اللاحقة، فيما أدركن من رسالة عشن لها علي نحو عظيم ونبيل، لمجد الله، وخدمة الإنسانية، ورفع الألم والعار والتعاسة عن أعداد لا تنتهي من المعذبين في هذه الأرض!!.. قضية بيت:- وبيت دبورة لم يضع في زحام قصتها العظيمة، إذ كانت زوجة «لفيدوت» ومعنى اسمه كما ذكرنا «مصباح» وهذا المصباح لم ينطفيء أو يخفت نوره خلف شخصيتها العظيمة، كما أن بيتها حيث ألفت أن تجلس تحت ظل نخلة دبورة كان بيتًا شهيرًا ومعروفًا، وأمومتها تؤكد ما قاله بصدق د.م. مكاي عندما وصفها بالقول: «ما هو الشيء العام الذي نلحظة على دبورة، هذا الأمر العام، أنها كامرأة عاملة لم تفشل في حياتها الخاصة، ونجاحها في حياتها العامة لم يبن على أنقاض حياتها البيتية، إذ لم تتلمس شهرتها ومجدها على أساس قذارة بيتها أو عدم المحافظة عليه أو على الشقاء أو عدم العناية التي يمكن أن تصيب زوجها وأولادها، وقد تقول كيف عرفت ذلك أجيبك أني عرفته من قولها أقمت أنا أما، وهل تظنون أن دبورة كانت تقول هذا لو أنها كانت فاشلة في حياتها البيتية كلا، بل أنها تقول: لا تحسبونني شاذة أو نبية بدوية، لأني وإن كنت نبية فأنا كغيري امرأة وادعة....» ولا شبهة عند هذا كله، أن نذكر أن المكان الأول للمرأة في كل العصور هو بيتها.. وأنها تستطيع أن تقدم أعظم الخدمات للحياة والكنيسة والمجتمع البشري، إذا استطاعت أن تبني بيتها، وتحسن معونة زوجها، وتربية أولادها تربية روحية دينية صافية، كانت زوجة لأحد خدام الله الإنجليز، وكان زوجها فقيرًا، وأنجبت أربع فتيات، أشرفت على تعليمهن وتربيتهن، وتزوجت الأولى بورن جونز الرسام العظيم، وتزوجت الثانية لورد بونيتير، وأصبحت أما للسير هوج بونيتير الكندي المشهور، وتزوجت الثالثة جون كبلنج وأنجبت أربع فتيات، أشرفت على تعليمهن وتربيتهن، وتزوجت الأخيرة رجلاً اسمه بولدوين الذي كان أبًا لبلدوين رئيس وراء بريطانيا في يوم من الأيام،.. وفي كل بلد ووطن تستطيع الأم الصالحة أن تخلق جيلاً ممتازاً لخدمة الله ومجد الأوطان والجماعات والشعوب. قضية قيادة:- والآن نأتي إلى السؤال الهام والحيوي، هل من حق المرأة أن تأخذ المراكز القيادية، على انفراد أو مشاركة الرجل في كل ميدان، وهل يشجع الفكر المسيحي مثل هذا الاتجاه؟ وهل تلقى قصة دبورة مزيداً من النور علي الرأى الصحيح من هذا القبيل؟ وأيا كانت الأفكار المختلفة والمتباينة في الإجابة على هذا السؤال، فمما لاشك فيه أن هناك ظاهرة تستدعى الالتفاف، أنه بدراسة الوحي والتاريخ، نجد أن الشخصيات غير العادية من النساء كن يظهرن في وقت الأزمات والشدائد وليس هذا بالغريب، سواء نظرنا إلى الظاهرة من خلال التفكير الديني أو الاجتماعي على حد سواء، فمن الوجهة الدينية هناك قاعدة أكيدة ثابتة، أنه إذا كان البشر يفاجأون لمحدودية أنظارهم وأعمارهم بهذه الصور أو تلك من أزمات الحياة، فحاشا لله أن يفاجأ على الإطلاق، بأية آزمة بل أنه في عنايته الشاملة يعد للأزمة أبطالها من الرجال أو النساء، الذين ينسجهم في بطن الزمن أو التاريخ ليظهروا في اللحظة المناسبة، وفي الوقت الدقيق، أليس هو القائل للشعب: أرسلت أمامك موسى وهرون ومريم، وأليس هو الذي أعد أستير لمواجهة المؤامرة التي كانت وشيكة الوقوع، كما سنشير في إفاضة الى ذلك، عند عرض قصة هذه الملكة القديمة، وأليس هو الذي أعد الكثير من البطلات والشهيدات، في أقسى عصور الاضطهاد والآلام ليكتبن أروع ما يمكن أن يكتب من سطور العظمة والمجد، أما إذا نظرنا إلى هذه الظاهرة بتفسيرها الاجتماعي، فإننا نعلم أن الضغط يولد الانفجار، والآلام تصنع البطولة والشدائد تخلق أنبل الناس وأعظمهم وأقواهم على الأطلاق.ولعل عيون الكثيرات من أصحاب النفوس النبيلة، عندما تفتحت على تعاسة الآخرين وآلامهم كانت أشبه بعيني السامري الصالح، وهو يرى المنكوب الجريح على حافة الطريق الذي كان يسير فيه. وفي مثل هذه الأزمات لا يهم عند الله أن يستجيب لندائه رجل أو امرأة، فاذا لم يجد الله الرجل، سيجد المرأة التي تكون كما قال أحدهم: قريبة إلى إراداته وقلبه، وتتحرك للخدمة المقدسة، إذا كان الرجل غارقًا في هوانه أو ضعفه أو مشغولاً بالتافة أو الحقير من أوضاع هذه الحياة، وهذا ما كان عليه اليهود تماماً في عصر القضاة إذ تركوا الرب إلههم الحي الحقيقي ليعبدوا آلهة حديثة، وانحطوا إلى أبعد حدود الانحطاط دينيًا وأدبيًا واجتماعياً، فانفصل عنهم وتركهم، وباعهم، لينالوا ما وصلوا إليه من ضيق واستعباد وآلام وتعاسات.والأزمات بهذا المعنى لا يمكن أن تؤخذ قياسًا مطلقًا يبني عليه المبدأ أو يتوسع فيه، كما ينبغي أن نلاحظ أن دبورة لم تعمد حتى في قلب هذه الأزمة، إلى أن تنشيء جيشًا أو تقوده كما فعلت جان دارك في التاريخ الفرنسي، بل رأت أن تدعو رجلاً إلى مكان القيادة، وعندما رفض الرجل أن يذهب إلى المعركة بمفرده، رضيت أن تذهب معه، على أن يدرك الفارق الطبيعي بين الرجل والمرأة، فهي لم تخلق للقتال كما يفعل الرجل، لكن رسالتها أن تقف خلف المقاتلين لتقوى وتشجع وتحفز وتدفع إلى الأمام ومن ثم فمن الطبيعي أن ندرك أن الأزمات تضع تحفظًا مضاعفا على ما ينادون بمساواة المرأة والرجل في الأعمال أو الوظائف أو الخدمات العامة، وهي أكثر من ذلك في نظر الفريق الأخر، استثناء من القاعدة، والاستثناء لا يجوز الأخذ به أو القياس عليه!! بل على العكس هو الضرورة التي لا يتجه إليها إلا في أضيق الحدود وأدق الأوقات فاذا طرحنا القضية في معناها الواسع، وليس فقط في حدود العهد القديم، بل ونحن نطل على المرأة في العهد الجديد، وفي التاريخ المسيحي على بعد أكثر من ثلاثة وثلاثين قرنًا من المرأة القديمة، كان لنا أن ندرك باديء ذي بدء أن مبدأ المساواة في المسيحية بين الرجل والمرأة أمر لا خلاف عليه، وأن الحضارة العظيمة التي وصل إليها الإنسان كان من العسير أن تتحقق من غير هذه المساواة، وأن نظرة واحدة بين ما كانت عليه المرأة أيام الحضارة الأغريقية أو الرومانية وما هي عليه الان ترينا مدى ما وصلت إليه من حرية لم تكن تحلم بها على الاطلاق، وقد أشرنا إلى هذا، عند الحديث عن شخصية بريسكلا، ويكفي أن نذكر هنا أن المسيح حطم كل الحواجز بين المرأة والرجل، أو كما يقول الرسول بولس: ليس ذكر ولا أنثى، وأوضحها بالقول: «غير أن الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في الرب...» غير أن هذه المساواة لا تعني الاندماج العملي أو الوظيفي في كل شيء، بل أن هناك أشياء يعملها، في الأصل، الرجل، وليس من السهل أن تعملها المرأة، والعكس صحيح، والتنظيم الوظيفي أمر يلفت الرسول النظر إليه في معرض هذه القضية عندما يقول: «أم ليست الطبيعة نفسها تعلمكم أن الرجل ان كان يرخي شعره فهو عيب له، وأما المرأة ان كانت ترخي شعرها فهو مجد لها لأن الشعر قد أعطى لها عوض برقع...» فوظيفة المرأة أو تكوينها أو طبيعتها أو نوع حياتها كأنثى، شيء يختلف تماما عما للرجل، وقد وضع الله من هذا القبيل القيادة للرجل، اذ وضعه موضع الرأس من الجسد كما يقول الكتاب: «لأن الرجل رأس المرأة» ولا يعني هذا للحظة واحدة معنى السيادة أو السيطرة أو التسلط بل بالأحرى التحرك والعمل على نظام ثابت دقيق، فالرأس لا يستطيع الاستغناء عن الجسد أو الانفصال عنه، أو أخذه بأي أسلوب من الشدة أو العنف أو القسوة، دون أن يرتد هذا الأثر عليه هو أولا وقبل كل شيء، إن العلاقة بين الرأس والجسد كالعلاقة بين أي رئيس وأمته أو أي قائد وجيشه، علاقة وظيفة لا يمكن أن يتصور فيه سوى الرابطة التي تحكم الاثنين، على وجه التكامل والتناسق والترتيب.وقد أحكم السيد المسيح هذه القاعدة، وطبقها بالمعنى الكامل الدقيق، ففي الوقت الذي جمع فيه حوله من الأتباع الرجال والنساء على حد سواء، دون أدنى تفرقه، كان هناك التلاميذ، وكانت هناك النساء اللواتي كن يخدمنه من أموالهن، وفي الوقت الذي ظهرت فيه العلاقة بين الجميع على أرفع وأرقى لون حضاري عرفه الإنسان حتى يومنا الحالي، وطبقته الكنيسة المسيحية عندما كانت المرأة تسير جنبًا إلى جنب إلى جوار الرجل، في أورشليم واليهودية والسامرة، وفيلبي وكورنثوس وتسالونيكي وروما وسائر الكنائس التي ظهرت في آسيا وأوروبا معًا.. لم يمنع هذا من التمييز بين العلاقة الوظيفية والتنظيمية بين الرجل والمرأة سواء في داخل الكنيسة أو خارجها وعلى النحو الواضح الملحوظ في الإنجيل أو التاريخ!! فمثلاً لماذا لم يختر المسيح من بين تلاميذه الاثنى عشر أو السبعين امرأة واحدة أو أكثر ولماذا قصر هذا على الرجال دون غيرهم، ولماذا لم يختر للكنائس المختلفة امرأة لتكون أسقفًا أو شيخًا، أو لماذا لم يكن ملاك واحدة من الكنائس السبع من بين النساء، رغم وجود الكثيرات اللواتي كن من أعظم الشخصيات، وكان أثرهن في الكنيسة في بعض الأوقات أعمق وأقوى من أثر الرجال، كليدية وأفودية وسنتيخي في فيلبي، وبريسكلا التي كانت الكنيسة تنتقل في بيتها بانتقالها من مكان إلى آخر، وكانت على قدرة تعليمية، مكنتها من تعليم أبلوس العظيم طريق الرب بأكثر وضوح، ومع أن بولس في ختام رسالة رومية بعث بتحياته إلى مجموعة من النساء وصفهن في الخدمة والعمل بأجل الأوصاف، ومع أن يوحنا الرسول كتب رسالته الثانية إلى كيرية المختارة، فاننا لا نعثر في الكنيسة الأولى على وظيفة قيادية للمرأة، ما خلا فيبي التي ذكر أنها خادمة الكنيسة في كنخريا ويمكن أن تترجم الكلمة «شماسة» وتاريخ الكنيسة الأولى لا يتحدث كمبدأ عام عن استخدام النساء كشماسات، وحتى لو جاز هذا فان هذه الوظيفة، وقد أخذتها المرأة على هذا النطاق الاستثنائي، لا تؤخذ بالمفهوم الكتابي المطلق.. معنى الوظائف القيادية الكبرى في الكنيسة:- على أن البعض يقول إن المسيحية كان من العسير عليها أن تعطي المرأة مثل هذه الوظائف القيادية، في وقت كان فيه مركز المرأة عند الرومان أو اليهود على حد سواء في أدنى المستويات، ولم يكن العالم مؤهلا لأن يراها في مثل مركزها العتيد، وأنه كان لابد من التدرج في هذه الحركة، حتى تفهم على صحتها، وحتى تحرر من السلبيات أو الأضرار التي كان يمكن أن تنشأ فيما لو فقدت التوازن بينها وبين تقدم المرأة التدريجي في التاريخ، ومع أن الرأى يبدو سليما إلى حد ما فإن المسيحية لم تقطع صلتها البتة بالأجواء والظروف والبيئات المحيطة بها، وأن ما يصلح في مكان لا يصلح بالضرورة في مكان آخر، كما أنها تدفع الحركات التقدمية في كل التاريخ إلى الأمام، غير أن هذا الرأى ما يزال قاصرًا عن ملاحظة أن الموقف الحضاري بالنسبة للمرأة المسيحية ظهرت أضواؤه بوضوح كما أشرنا من الدقيقة الأولى للمسيحية في العالم، وأن الطليعة بين النساء من أيام مريم العذراء، والمجدلية وليدية، وبريسكلا، وفيبي، وغيرهن، كان لهن من الجلال والنفوذ والتأثير ما يشجع على أن يأخذن كافة المراكز القيادية أسوة بالرجل دون أدنى تردد أو اقحام؟ لكن المسيحية لم تفعل لأنها ما تزال تفرق بين المساواة والتنظيم الوظيفي للذكورة والأنوثة في حياة الناس، وأن مريم العذراء أم المخلص، والتي اصطفاها الله وفضلها على جميع النساء في العالم، هذه السيدة المباركة أمر الرب أن تضم إلى خاصة يوحنا دون أن يمس هذا مركزها المقدس في شيء،.. ولكنه التنظيم الوظيفي في الحياة بين الناس، ولا شبهة في أن الكثيرات من النساء، ممن ذكرنا وغيرهن فاقت الواحدة فيهن بالخدمات، مما يتعذر على عشرات من الرجال مجتمعين معا، دون أن ينال هذا من التنظيم الذي يأخذ فيه الرجل أصلا، وعادة، مكان الرأس أو القائد فإذا عدنا لوضع السؤال بصورة أخرى، نرى فيها إمكانية وضع المرأة موضع القيادة على كافة المستويات وتخيلنا ماذا يمكن أن تكون حال الدنيا لو أن المرأة هي القائد في البيت أو الكنيسة أو المجتمع أو الجيش أو العالم بأسره، منفردة في ذلك أو متبادلة مع الرجل في هذا الموقع أو ذاك. أو سيدة أو رئيسة في بعض المجالات أو الميادين!! أيكون حال الدنيا أقل أو أسوأ؟ أيمكن أن تكون البيوت أهدأ أو أشر؟ وهل تتقدم الكنائس وتنمو أو تتراجع وتفشل؟ وهل يطلب البشر ضروريات الحياة أو ينزعون إلى الترف والكماليات؟ وهل يسود السلام أم تعم الحروب؟ كل هذه وغيرها من الأفكار التي يمكن أن تنهض عن هذا السؤال، لست أظن أنه من السهل الإجابة عليها بمعزل عن الوحي والتاريخ وأحداث العصور والأجيال ولعل القراءة المدققة لكلمة الله، وملاحظة الطبيعة، وأحداث الحياة والتاريخ تؤكد أن مكان المرأة على الدوام خلف الرجل، حيث هناك عملها ونشاطها ومملكتها العظيمة، وأنه لا يجوز بحكم التنظيم الوظيفي الإلهي لها، أن تأخذ مركز القيادة إلا من قبيل الاستثناء حين يضيع الرجل، أو يهمل رسالته أو يفقدها، أو يخور تجاهها، فلا تثريب هنا علي المرأة كالإناء الأضعف أن تحل محله في مثل هذه الحالات ليعطي المجد خالصًا وكاملاً للإله العظيم وحده الذي يستطيع أن يتمجد في الأنثى كما في الذكر سواء بسواء. دبورة وأغنيتها:- وأخيراً نأتي إلى أغنية دبورة التي غنتها غداة نصرها العظيم مع القائد باراق، والأغنية من الشعر العبري الرفيع، وتعد واحدة من أعظم الأغاني وأصدقها في التعبير عن الجو الحربي والوطني الذي قد يعيشه المرء في وطن محتل وشعب معذب، ولا نستطيع أن ننظر إلى الأغنية من هذا القبيل، دون أن نتذكر، أن دبورة غنتها في القرن الرابع عشر قبل المسيح، وأن روح دبورة أو يا عيل التي قتلت الرجل النائم الآمن في خيمتها، هي أشبه الكل بتلك الروح التي انتفضت ذات يوم في ابني زبدي وهما يريدان نارا من السماء تأتي لتحرق قرية من قرى السامرة لأنها رفضت دخول المسيح أو إيوائها له، فانتهرهما وهو يقول: «من أي روح أنتما لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص...» على أن دبورة وهي تغني لم تنظر إلى وطنها كمجرد وطن، ولا شعبها كمجرد شعب، بل نظرت إلى هذا الوطن وهذا الشعب، كأداة واعلان لمجد الله في الأرض، ومن أجل ذلك فهي تقر في يقين بأن الخراب والضياع والمأساة التي عاناها الشعب، جاءت لأنه استبدل إلهه بآلهة أخرى حديثة وانحرف عن الله، واعوج في السبيل، كما أن المعركة التي خاضتها، كانت عندها ليست مجرد معركة وطنية، بقدر ما هي معركة إلهية، ولأجل ذلك فهي تسخر من الذين رفضوا الدخول في المعركة، وجلسوا على المساقي بين الحظائر لسمع الصفير لقطعان الأغنام، وهم يتشدقون بالفارغ من حديث أو كلام كما لعنت من وقف على الحياد! ولست أتصور أن هناك ما يمكن أن نختم به هذه الأغنية بأفضل من كلمات بروفسور مكاي عندما قال: «والآن أليس بينكم من يسمع الدعوة الإلهية كما سمعتها دبورة في القديم،.. فهناك بيوت خربة، ضائعة بينكم في هذه الأيام كما كانت أيام دبورة قديمًا، فالشهوة، والإدمان، والاغتصاب، والشر هي جيوش سيسرا القديمة التي ذبحت في طريقها عشرات الآلاف في أرضنا البهيجة فماذا أنتم فاعلون تجاه هذا الخراب؟ وهل لا يوجد بينكم من ينهض كدبورة لينضم إلى ذلك الجمع النبيل من الرجال والنساء، الجمع الذي لا يمكن أن يهدأ أو يستريح حتى يضرب ضربته القاضية لمجد الله، والإنسانية؟ ألستم تسمعون نداء المسيح أيتها الأخوات من النساء؟ أجل فإنه نفس الصوت الذي جاء قديمًا إلى بنات أورشليم عندما قال: «يا بنات أورشليم لا تبكين علي، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن...» ابكين بكاء الضراعة والحزن على غيركن من أخوات خاطئات.... ألا فانهضن من فراش تنعمكن، وهدوء جمودكن وسرن مع المسيح في «طريق الآلام» لتساعدنه بمساعدة إخوتكم من الرجال والنساء...».
المزيد
24 نوفمبر 2021

روحانية الصوم

أهنكم يا أخوتى ببداية صوم الميلاد المقدس،الذي هو فترة روحية يرتفع فيها الإنسان فوق مستوى الجسد، ويرتفع أيضًا فوق مستوى المادة.. وتتفرغ فيها الروح للعبادة.. وهذه هي حكمة الصوم. والصوم الحقيقي، هو الذي يتدرب فيه الصائم على ضبط النفس فإذا ما اتفق ذلك خلال الصوم، يصير ضبط النفس -بالنسبة إليه- هو منهج حياة، يستمر معه. والصوم ليس مجرد فضيلة للجسد، بعيدًا عن الروح!! فكل عمل لا تشترك فيه الروح، يعتبر فضيلة على الإطلاق، أن عمل الجسد في الصوم، هو تمهيد لعمل الروح، أو هو تعبير عن مشاعر الروح.. الروح تسمو فوق مستوى المادة والطعام، وفوق مستوى الجسد.. فتقود الجسد معها في موكب نصرتها، وتشركه في رغباتها الروحية. ويعبر الجسد عن ذلك بممارسة الصوم.إننا أن قصرنا تعريفنا للصوم على أنه إذلال للجسد بالجوع والامتناع عما يشتهيه، نكون قد أخذنا من الصوم سلبياته، وتركنا عمله الايجابي الروحي، وهو الأساس. الصوم ليس مجرد جوع للجسد، بل بالأكثر هو غذاء للروح.. ليس الصوم هو تعذيب للجسد كما يطن البعض.. إنما الصوم هو تسامي الجسد، لكي يصل إلى المستوى الذي يتعاون فيه مع الروح.والصائم الحقيقي ليس هدفه أن يعذب جسده، بل هو يقصد عدم السلوك حسب شهوات الجسد، فيكون إنسانًا روحيًا وليس جسدانيًا.. الصوم هو روح زاهدة، تشرك الجسد معها في الزهد والصوم ليس هو الجسد الجائع، بل هو الجسد الزاهد، أو على الأقل الجسد الذي يتدرب على الزهد في فترة معينة.ليس هو حالة الجسد الذي يجوع ويشتهي أن يأكل.. بل الجسد الذي يتدرب على التخلص من شهوة الأكل.. وبالتالي يفقد الأكل قيمته في نظره، من فرط اهتمامه بطعام آخر هو طعام الروح. الصوم فترة ترتفع فيها الروح، وتجذب الجسد معها تخلصه من أحمال وأثقال، وتجذبه معها إلى فوق، لكي يعمل معها من أجل الله بلا عائق، والجسد الروحي يكون سعيدًا بذلك.. الصوم هو فترة روحية، يقضيها الجسد والروح معًا في عمل روحي يشترك فيه الاثنان معًا في الصلاة والتسبيح والعشرة الإلهية.فيصلي الإنسان ليس فقط بجسد صائم، إنما أيضًا بنفس صائمة.بفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات، وبروح صائمة عن محبة المادة والماديات، في حياة مع الله تتغذى بمحبته ووصاياه..الصوم بهذا الشكل هو الوسيلة الصالحة للعمل الروحي.. وهو -الجو الروحي الذي يحيا فيه الإنسان جميعه- بقلبه ونفسه، وجسده وروحه، وبحواسه وفكره وعواطفه.. كل ذلك في مشاعر مقدسة..الصوم ليس مجرد علاقة بين الإنسان والطعام بل هو فترة مقدسة يشعر فيها الإنسان بعلاقته مع الله..والصوم الذي ليس هدفه القربى من الله، هو صوم باطل..الله هو الهدف. فنحن من أجل الله نأكل، ومن أجله نصوم.. من أجل الله نأكل، لكي ينال هذا الجسد قوة يستطيع بها أن يخدم الله، وان يكون أمينًا في واجباته التي كلفه بها الله من نحو الناس.. ونحن من أجل الله نجوع، لكي نخضع الجسد فلا نخطئ إلى الله. ولكي يكون الجسد تحت سيطرتنا، ولا نكون نحن تحت سيطرة الجسد، ولكيلا تكون رغبات الجسد وشهواته هي قائدنا في تصرفاتنا.. إنما نسلك حب الروح.لهذا كله، هناك فضائل لابد أن يرتبط بها الصوم، ليكون مقبولًا عند الله.. وأولى هذه الفضائل هي التوبة.. فالصوم البعيد عن التوبة هو صوم غير مقبول.. والله -تبارك اسمه- يريد القلب النقي أكثر مما يريد الجسد الجائع.والإنسان الذي يصوّم فمه عن الطعام، ولا يصوّم قلبه عن الخطايا، ولا يصوم لسانه عن الأباطيل، فصوم هذا الإنسان باطل بل أن الخطية التي يرتكبها الإنسان -وهو صائم- تكون عقوبتها أشد. لأنها تحمل كذلك الاستهانة بقدسية أيام الصوم.لذلك على كل صائم أن يتأكد من أن الصوم قد حوّل حياته إلى مستوى أفضل.. ليس فقط بالامتناع عن خطايا كان يقع فيها قبلًا. بل أيضًا باكتساب فضائل جديدة قد تدرب عليها.هذا ويكون من لوازم الصوم: التدريبات الروحية التي يكتسب بها الصائم صفات من حياة البر كانت تنقصه وليسأل الإنسان نفسه: كم من أصوام مرت عليه خلال ما مضى من سنوات، دون أن يكتسب فضائل جديدة تضاف إلى روحياته..؟! وإنما هو هو، لم يتغير فيه شيء!! ولم يدفعه صومه إلى درجات في حياة الروح، ينمو فيها سنة بعد سنة.لماذا لا نراقب أنفسنا أثناء صومنا؟ ولماذا لا نحاسب أنفسنا: في أية درجة روحية نحن الآن؟ وماذا بذلناه من جهد لكي تكون علاقتنا بالله أكثر عمقًا وأكثر قربًا؟!. وكما يرتبط الصوم بالتوبة، يرتبط أيضًا بالغذاء الروحي إن أخطر ما يتعب البعض في الصوم، أن يكون الجسد بلا غذاء، والروح أيضًا لا تجد ما تتغذى به، ويصبح الصوم مجرد فترة من الحرمان!! وهذا الحرمان يعطي صورة قاتمة عن الصوم.. فيشتهي البعض متى ينتهي الصوم ليأكلوا!! وغذاء الروح معروف، وهو الصلاة والألحان والتسابيح، والتأمل في كلام الله وعمق وصاياه والتأمل في صفات الله وفي سير الأبرار، والتأمل في الفضائل. وغذاء الروح أيضًا: المشاعر الروحية، والتفكير في السماء وفي الأبدية والروح إذا تغذت، تستطيع أن تحمل الجسد، فيحتمل الجسد جوعه وترتبط بالصوم أيضًا: أعمال الرحمة وإطعام الجياع فالإنسان الذي جرب في الصوم قسوة الجوع، بالضرورة يشفق على الجياع، ويعطيهم شيئًا من طعامه.. ليس هذا فترة الصيام فقط وإنما تصبح فضيلة له أن يهتم بكل جوعان ويعطيه ليأكل.وهكذا تدخل الرحمة في مشاعر الإنسان الصائم.. ولا تقتصر رحمته على إطعام الجياع فحسب، بل تشتمل الفقير واليتيم والمسكين، بكل أنواع الإحسان التي يقدر عليها.وأخيرًا أقول يا أخوتي، أن أيام الصوم هي فترة تخزين روحي للعام كله، تفيض بروحياتها على باقي أيام السنة.فالصوم ليس مجرد فترة تمر وتنتهي، وتنتهي معها فضائلها ومشاعرها!! كلا.. بل من عمق روحيات الصوم، يأخذ الصائم طاقة روحية تستمر معه بعد انقضاء الصوم أيضًا، وما تعوده خلال الصوم، وما درب نفسه عليه، يتحول بالوقت إلى جزء من طبعه لا يود أن يفقده.والتوبة التي كانت له في صومه، ليس من السهل أن يزول تأثيرها، وكذلك ما أصلحه في نفسه من طباع وعادات.فإن تخلصت من خطية في فترة الصوم، اثبت في ذلك، ولا تعد إلى ممارسة الخطيئة فيما بعد.وليكن هذا الصوم مباركًا في حياتك، وفي حياة كل من يتصل بك، ويراك أمثولة يقتدي بها. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
23 نوفمبر 2021

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (29) المسيحى وحياة الأستقامة

مفهوم الاستقامة واهميتها ... الاستقامة تعنى الصدق والبر .. ما احوجنا فى حياتنا المعاصرة التى تتميز بتسارع وتصارع الاحداث الى اناس الله القديسين الذين يحيوا حياة الاستقامة التى تعنى الصدق والبر والحق سواء بالفكر أو القول او العمل وفى السر والعلن ومع النفس والقريب والبعيد وفى عبادتهم وعلاقتهم بالله .اننا وسط عالم يكثر فيه الكذب والنفاق والرياء والتلون نحتاج الى حياة الاستقامة حتى ما تستقيم حياتنا وتنصلح امورنا .ان اصعب ما نواجهه فى حياتنا هو عدم الاستقامة سواء فى الفكر او الضمير او المبادى عندما يلبس الرياء والنفاق والخداع ثوب المجامله والتقدير، ويلبس الباطل ثوب الحق والفضيلة باسم الدين ، وتلبس الخيانة والدهاء والانتقام ثوب الدفاع عن الحق . وتلبس الرشوة ثوب الهدية المقبولة . ان الله من اجل المستقيمين والابرار يصبر على مجتمعنا وعالمنا هكذا خاطب الله ارميا النبى قديما { طوفوا في شوارع اورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها هل تجدون انسانا او يوجد عامل بالعدل طالب الحق فاصفح عنها. وان قالوا حي هو الرب فانهم يحلفون بالكذب. يا رب اليست عيناك على الحق ضربتهم فلم يتوجعوا افنيتهم وابوا قبول التاديب صلبوا وجوههم اكثر من الصخر ابوا الرجوع} ار 1:5-3. اننا نحتاج لوجود القدوة والسلوك المستقيم فهم سر لنجاح الانسان الروحى فى كل زمان ومكان وهذا لا يتوقف على مركز الانسان اوعمره أو مكان تواجده فيوسف الصديق البار كان كعبد شاب فى مصر واستطاع ان يحيا حياة الاستقامة ورفض الاغراء والوعود الزائفة ودانيال كان فى قصر الملك وعاش مستقيم ورفض ان يتنجس باطايب الملك ولا بخمر مشروبه ، وزكريا الكاهن واليصابات عاشا زمن طويل بدون انجاب محتفظين باستقامتهما {وكانا كلاهما بارين امام الله سالكين في جميع وصايا الرب واحكامه بلا لوم} لو6:1. الانسان المستقيم يقول الحق ولا يسلك فى الباطل ويكون صادقا فى أقوله وتعاملاته ، هكذا شهد ملك اخيش عن داود النبى فى وجوده بينهم وهو هارب من وجه شاول الملك {فدعا اخيش داود وقال له حي هو الرب انك انت مستقيم وخروجك ودخولك معي في الجيش صالح في عيني لاني لم اجد فيك شرا من يوم جئت الي الى اليوم }(1صم 29 : 6). ان الكذب والجهل والباطل والتزويير هم ضد الاستقامة حتى وان كان طريق الجاهل مستقيم فى عينيه { توجد طريق تظهر للانسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت} (ام 14 : 12). المتواضع متى اخطأ يعترف بخطئه ويتوب ويرجع اما المتكبر فيسلك فى الجهل والضلال ، هكذا كان عليم الساحر يقاوم الايمان المستقيم { فقاومهما عليم الساحر لان هكذا يترجم اسمه طالبا ان يفسد الوالي عن الايمان. واما شاول الذي هو بولس ايضا فامتلا من الروح القدس وشخص اليه. وقال ايها الممتلئ كل غش وكل خبث يا ابن ابليس يا عدو كل بر الا تزال تفسد سبل الله المستقيمة. فالان هوذا يد الرب عليك فتكون اعمى لا تبصر الشمس الى حين ففي الحال سقط عليه ضباب وظلمة فجعل يدور ملتمسا من يقوده بيده} أع 8:13-11. الاستقامة ايضا تعنى العدل والاعتدال وعدم التطرف .. ان الاستقامة تعنى العدل فتكفل لكل واحد حقه بغض النظر عن الجنس او الدين او العرق حتى وان لم يقرّه عرف أو شريعة وضعية.هكذا تعامل بنى حث مع ابراهيم ابو الاباء وهو غريب بينهم حتى قبل الشريعة المكتوبة بالاف السنين { وقام ابراهيم من امام ميته وكلم بني حث قائلا. انا غريب ونزيل عندكم اعطوني ملك قبر معكم لادفن ميتي من امامي. فاجاب بنو حث ابراهيم قائلين له. اسمعنا يا سيدي انت رئيس من الله بيننا في افضل قبورنا ادفن ميتك لا يمنع احد منا قبره عنك حتى لا تدفن ميتك} تك 3:23-6 . اما فى زمن المادية والإنانية فنجد الاخوة يتنازعوا الارث قبل مواراة جسد ابيهم فى الثرى ويقوم الابناء على الاباء والاباء على الابناء فى تكالب على المال والشهوات ويقوم الكبير على الصغير، والقوى على الضعيف ، فى ظلم وتطرف وتعصب . ان الاستقامة صفة من صفات الله { وهو يقضي للمسكونة بالعدل يدين الشعوب بالاستقامة} (مز 9 : 8). والله يريد لنا ان نسلك بالاستقامة فهو يهدينا الى طرقة {تفرح وتبتهج الامم لانك تدين الشعوب بالاستقامة وامم الارض تهديهم } (مز 67 : 4) وبهذا شهد للسيد المسيح حتى اعدائه {فسالوه قائلين يا معلم نعلم انك بالاستقامة تتكلم وتعلم ولا تقبل الوجوه بل بالحق تعلم طريق الله} (لو 20 : 21). ان الاستقامة تجرم الظلم وتقيم العدل { هكذا قال الرب احفظوا الحق واجروا العدل لانه قريب مجيء خلاصي واستعلان بري} (اش 56 : 1). { مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما مكرهة الرب} (ام 17 : 15). الاستقامة تعنى الاعتدال وعدم التطرف سواء فى الكلام او السلوك فيحيا الانسان المستقيم دون تطرف أو قسوة او تدليل او تحييز لنفسه او غيره ولهذا راينا السيد المسيح يدين الكتبة والفريسيين فى زمانه الذين حملوا الناس احمالاً عثرة وهم لم يعملوا بها بل عاشوا فى رياء وخداع لانفسهم والناس { ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون المراؤون لانكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم اثقل الناموس العدل والرحمة والايمان كان ينبغي ان تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. ايها القادة العميان الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تنقون خارج الكاس والصحفة وهما من داخل مملوان اختطافا ودعارة. ايها الفريسي الاعمى نق اولا داخل الكاس والصحفة لكي يكون خارجهما ايضا نقيا. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام اموات وكل نجاسة. هكذا انتم ايضا من خارج تظهرون للناس ابرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء واثما} 23:23-28. الاستقامة البشرية هى انعكاس وثمرة لبرّ الله الأسمى وللرقة العجيبة التي يقود الله بها المسكونة، ويغفر بها للإنسان ويرحمة طالبا منه ان يحيا باستقامة وان يقيم العدل والاعتدال والرحمة والحق . الاستقامة تعنى حفظ وصايا الله ... الانسان المستقيم يعمل على السير فى وصايا الله ومرضاته لان الله يسر بالمستقيمين ويخلصهم هكذا صلى داود النبى لله مع الشعب طالبا منهم حفظ وصايا الله { وقد علمت يا الهي انك انت تمتحن القلوب وتسر بالاستقامة انا باستقامة قلبي انتدبت بكل هذه والان شعبك الموجود هنا رايته بفرح ينتدب لك. يا رب اله ابراهيم واسحق واسرائيل ابائنا احفظ هذه الى الابد في تصور افكار قلوب شعبك واعد قلوبهم نحوك. واما سليمان ابني فاعطه قلبا كاملا ليحفظ وصاياك شهاداتك وفرائضك وليعمل الجميع وليبني الهيكل الذي هيات له. ثم قال داود لكل الجماعة باركوا الرب الهكم فبارك كل الجماعة الرب اله ابائهم وخروا وسجدوا للرب} 1 أخ 17:29-20. واذ يسير الانسان بالاستقامة فانه يجد احسانا وعونا من قبل الرب { واصنع احسانا الى الوف من محبي وحافظي وصاياي }(تث 5 : 10){يا ليت قلبهم كان هكذا فيهم حتى يتقوني ويحفظوا جميع وصاياي كل الايام لكي يكون لهم ولاولادهم خير الى الابد }(تث 5 : 29). {ليتك اصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر} (اش 48 : 18). هكذا يدعونا السيد المسيح لحفظ وصاياه { ان كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي }(يو 14 : 15). فحفظ وصايا الله دليل على محبتنا له وعملنا على طاعة {الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه ابي وانا احبه واظهر له ذاتي} (يو 14 : 21). وحفظ الوصايا يثبتنا فى محبة الله {ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي واثبت في محبته} (يو 15 : 10). الاستقامة تعنى الاخلاص وعدم الخيانة او الرياء... الانسان المستقيم هو انسان وفى مخلص لا يعرف الخيانة او الخبث أو الجحود أونكران الجميل . هكذا كانت دعوة السيد المسيح الى الاخلاص والاستقامة والمحبة والتسامح والرحمة ونقاء القلب وسمو الروح والاستعداد للوفاء والتضحية الى حد بذل الذات . لقد مدح السيد المسيح السامرى الذى نال منه الشفاء فرجع دون التسعة الباقين ليقدم له الشكر على نعمة الشفاء وعاتب يهوذا الخائن الذى فى رياء جاء ليقبله ليرشد عنه الذين اتو للقبض عليه ليلاً وقال خير لذلك الانسان لو انه لم يولد . لقد ادان السيد هذا الرياء فى علاقتنا بالله او بالغير { يقترب الي هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه واما قلبه فمبتعد عني بعيدا} (مت 15 : 8). نحن نسعى لكى نكون مستقيمى القلوب والافكار والاعمال لانه كما علمنا السيد المسيح { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسهْ (مت 16 : 26). فنحن نسعى لنكون امناء مستقيمين من اجل خلاصنا الابدى والله لا ينسى تعب المحبة التى نقوم بها من اجل اسمه القدوس { بر المستقيمين ينجيهم اما الغادرون فيؤخذون بفسادهم} (ام 11 : 6). { لان المستقيمين يسكنون الارض والكاملين يبقون فيها} (ام 2 : 21). { كن امينا الى الموت فساعطيك اكليل الحياة} (رؤ 2 : 10). السيد المسيح وحياة الاستقامة ... عاش السيد المسيح حياة الاستقامة وعلمها .. الاستقامة التى تتضمن القداسة والحق والصدق والعدل والوفاء وعدم الرياء والاخلاص هذا ما عاشه السيد المسيح على الارض وعلمه وكان قدوة للناس فى كل ماقال وعمل . وقد شهد بذلك تلاميذه وحتى اعدائه { نعلم انك بالاستقامة تتكلم وتعلم ولا تقبل الوجوه بل بالحق تعلم طريق الله} لو 21:20 . ولقد لام السيد المسيح هؤلاء الذين عاش بينهم حياة القداسة وهو يجول يصنع خيرا ، يشبع الجياع ويفتح أعين العميان ويقيم الساقطين والموتى ويصنع المعجزات ومع هذا اتسمت قلوبهم بالقساوة وعيونهم بالعمى وحياتهم بالرياء وقال لهم { من منكم يبكتني على خطية فان كنت اقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بي} (يو 8 : 46). جاء السيد المسيح معلما للحق.. لقد تحققت فى المسيح يسوع نبوة اشعياء النبى {هوذا فتاي الذي اخترته حبيبي الذي سرت به نفسي اضع روحي عليه فيخبر الامم بالحق.لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع احد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ حتى يخرج الحق الى النصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الامم} مت 18:12-21 . جاء الله الكلمة متجسدا ليخبرنا الحق { قال له يسوع انا هو الطريق والحق والحياة ليس احد ياتي الى الاب الا بي} (يو 14 : 6). وشهد بالحق امام بيلاطس البنطى وهو ماض فى طريق الصليب { أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا اسلم الى اليهود ولكن الان ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس افانت اذا ملك اجاب يسوع انت تقول اني ملك لهذا قد ولدت انا ولهذا قد اتيت الى العالم لاشهد للحق كل من هو من الحق يسمع صوتي} يو 36:18-37 . ودعانا للثبات فى الحق وهو الذى لم يتملق او يجامل أحد على حساب الحق { فقال يسوع لليهود الذين امنوا به انكم ان ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي. وتعرفون الحق والحق يحرركم. اجابوه اننا ذرية ابراهيم ولم نستعبد لاحد قط كيف تقول انت انكم تصيرون احرارا. اجابهم يسوع الحق الحق اقول لكم ان كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. والعبد لا يبقى في البيت الى الابد اما الابن فيبقى الى الابد. فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون احرارا} يو 31:8-36. لقد جاء المسيح ليعرفنا طريق الحق . الانسان المستقيم يؤمن بالحق ويعيش فيه اما الشرير فيهرب من الحق والاستقامة الى عالم الظلمة { لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم واحب الناس الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شريرة. لان كل من يعمل السيات يبغض النور ولا ياتي الى النور لئلا توبخ اعماله. واما من يفعل الحق فيقبل الى النور لكي تظهر اعماله انها بالله معمولة} يو 16:3-21. لقد تتلمذ الرسل على تعاليم المخلص وسلموها للمؤمنين ليحيوا بها مستقيمى السريرة والسيرة ودعوا الناس الى التوبة والرجوع الى الحق {فالله الان يامر جميع الناس في كل مكان ان يتوبوا متغاضيا عن ازمنة الجهل }(اع 17 : 30). حتى لا يقع احد تحت حكم غضب الله باثامه { لان غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم الذين يحجزون الحق بالاثم. اذ معرفة الله ظاهرة فيهم لان الله اظهرها لهم. لان اموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر. لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه او يشكروه كاله بل حمقوا في افكارهم واظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون انهم حكماء صاروا جهلاء} رو 18:1-22. ابناء الله يعرفوا الحق ولا يشاكلوا أهل العالم فى جهلهم بل يحيوا فى الحق والصدق والاستقامة والوفاء { فاقول هذا اشهد في الرب ان لا تسلكوا في ما بعد كما يسلك سائر الامم ايضا ببطل ذهنهم. اذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم. الذين اذ هم قد فقدوا الحس اسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع. واما انتم فلم تتعلموا المسيح هكذا.ان كنتم قد سمعتموه وعلمتم فيه كما هو حق في يسوع. ان تخلعوا من جهة التصرف السابق الانسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور. وتتجددوا بروح ذهنكم. وتلبسوا الانسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لاننا بعضنا اعضاء البعض} أف 17:4-25. فان الله يريد ان كل الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون . السيد المسيح عاش صادقا وأمينا .. ودعى لقبه بالامين والصادق { هذا يقوله الامين الشاهد الامين الصادق } (رؤ 3 : 14). ودعانا للصدق { ايضا سمعتم انه قيل للقدماء لا تحنث بل اوف للرب اقسامك. واما انا فاقول لكم لا تحلفوا البتة لا بالسماء لانها كرسي الله. ولا بالارض لانها موطئ قدميه ولا باورشليم لانها مدينة الملك العظيم. ولا تحلف براسك لانك لا تقدر ان تجعل شعرة واحدة بيضاء او سوداء. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا وما زاد على ذلك فهو من الشرير} مت 33:5-37. ان الصدق يستلزم منا الامانة والابتعاد عن الرياء الذى حزرنا منه السيد الرب { ابتدا يقول لتلاميذه اولا تحرزوا لانفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء }(لو 12 : 1) لان عقابة الرياء الهلاك { ولكن ان قال ذلك العبد الردي في قلبه سيدي يبطئ قدومه. فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءه وياكل ويشرب مع السكارى. ياتي سيد ذلك العبد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها. فيقطعه ويجعل نصيبه مع المرائين هناك يكون البكاء وصرير الاسنان} مت 48:24-51. كما حزرنا من ادانة الاخرين ودعانا لاصلاح وعلاج عيوبنا { لا تدينوا لكي لا تدانوا.لانكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. ام كيف تقول لاخيك دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. يا مرائي اخرج اولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى من عين اخيك} مت 1:7-5. ولقد تابع التلاميذ دعوة معلمهم الى الاستقامة والصدق { اطرحوا عنكم الكذب و تكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لاننا بعضنا اعضاء البعض }(اف : 25) { واما الان فاطرحوا عنكم انتم ايضا الكل الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من افواهكم }(كو 3 : 8). { طهروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الاخوية العديمة الرياء} ابطر 22:1. جاء السيد المسيح عادلا ويدعو الى العدل.. وهو الديان العادل الذي يعطى كل واحد كنحو أعماله فى عدل ورحمة { ثم رايت السماء مفتوحة واذا فرس ابيض والجالس عليه يدعى امينا وصادقا وبالعدل يحكم ويحارب} (رؤ 19 : 11) ودعانا لكى لا نحكم بالمظاهر { لا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكما عادلا} (يو 7 : 24). ووبخ الكتبة والفريسيين على تركهم للعدل وتمسكهم بالشكليات ومظهرية العبادة { ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم اثقل الناموس العدل والرحمة والايمان كان ينبغي ان تعملوا هذه و لا تتركوا تلك} (مت 23 : 23). لذلك دعانا الكتاب الى السلوك بالحق والعدل { اخيرا ايها الاخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مسر كل ما صيته حسن ان كانت فضيلة وان كان مدح ففي هذه افتكروا. وما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورايتموه في فهذا افعلوا واله السلام يكون معكم} في 8:4-9. السيد المسيح يدعو الخطاة الى التوبة والاستقامة .. جاء السيد المسيح يدعونا الى الاقتداء به فى تواضعه ووداعته وزهده فى المال او المقتنيات وقد وعد انه يتكفل بنا . ولمعرفته بضعف البشر فقد جاء يدعوا الخطاة الى التوبة والبعد عن الطمع ومحبة المال ورايناه يبحث عن الخطاة ليحررهم ، بحث عن المرأة السامرية ودعاها الى التوبة وعبادة الله بالروح والحق { الله روح و الذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا }(يو 4 : 24). وعندما راى فى قلب زكا العشار رغبته فى ان يراه ذهب الى بيته وحرره من الطمع ومحبة المال { فلما جاء يسوع الى المكان نظر الى فوق فراه و قال له يا زكا اسرع وانزل لانه ينبغي ان امكث اليوم في بيتك. فاسرع و نزل وقبله فرحا. فلما راى الجميع ذلك تذمروا قائلين انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ. فوقف زكا وقال للرب ها انا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وان كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف. فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم. لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك} لو 5:19-10. جاء السيد المسيح ليعلن محبته للخطاة { اما الكتبة والفريسيون فلما راوه ياكل مع العشارين والخطاة قالوا لتلاميذه ما باله ياكل ويشرب مع العشارين والخطاة. فلما سمع يسوع قال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى لم ات لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة} مر 16:2-17. السيد المسيح يحزرنا من العثرات ... ان حياة الاستقامة تدعونا الى الحرص والسهر على خلاص أنفسنا واخوتنا وان نحثهم على حياة الفضيلة والبر ولا ندفعهم الى العثرة او الاغراء باى صورة فهذا هو عمل أبليس وجنوده وفى البعد عن العثرات نبتعد عن من هم عثرة لنا حتى وان كانوا بمثابة اليد أو الرجل او العين اليمنى لنا ولا نكون نحن عثرة لاخوتنا واخواتنا الصغار سواء بالتعليم او القدوة او التحريض { ويل للعالم من العثرات فلا بد ان تاتي العثرات ولكن ويل لذلك الانسان الذي به تاتي العثرة. فان اعثرتك يدك او رجلك فاقطعها و القها عنك خير لك ان تدخل الحياة اعرج او اقطع من ان تلقى في النار الابدية ولك يدان او رجلان. وان اعثرتك عينك فاقلعها والقها عنك خير لك ان تدخل الحياة اعور من ان تلقى في جهنم النار ولك عينان. انظروا لا تحتقروا احد هؤلاء الصغار لاني اقول لكم ان ملائكتهم في السماوات كل حين ينظرون وجه ابي الذي في السماوات. لان ابن الانسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك} مت 7:18-11. بل يجب ان نسعى الى رد الخطاة عن طريق ضلالهم { فليعلم ان من رد خاطئا عن ضلال طريقه يخلص نفسا من الموت ويستر كثرة من الخطايا} (يع 5 : 20). الاستقامة فى حياة الانسان المؤمن ... الاستقامة جهاد مستمر .. ان حياة الاستقامة والبر والتقوى هى حياة تلمذة وتعلم من الراعى الصالح ، كما انها جهاد مستمر بامانة للسير والاقتداء بالمسيح . هى حياة نمو فى معرفة الله والتوبة عن الضعفات للوصول الى حفظ الوصايا والتأمل فيها والعيش فى مخافة الله بقلب طاهر غير منقسم وضمير صالح وايمان بغير رياء { واما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وايمان بلا رياء} (1تي 1 : 5). حياة الأستقامة لا تعرف التعرج بين الفرقتين او الغش والمكر والخداع { فتقدم ايليا الى جميع الشعب وقال حتى متى تعرجون بين الفرقتين ان كان الرب هو الله فاتبعوه وان كان البعل فاتبعوه }(1مل 18 : 21). الاستقامة تنبع من الفكر السليم والذى يبنى على كلمة الله وعمل الروح القدس وقيادته للنفس وتقديسه للحواس والعواطف .ان أفكارنا وعواطفنا المقدسة هى الموجه لسلوكنا فان كانت أفكارنا مقدسة وعواطفنا طاهرة تكون حياتنا نقية وسلوكنا مقدس ، حواسنا وقلوبنا هى النافذة التى نرى بها العالم من حولنا والله يبحث عن مستقيمى القلوب ويخلصهم . الاستقامة والثقة ... الانسان المستقيم هو مصدر ثقة وامانة لمن حوله وضرورة لمجتمعه . ان الاستقامة ليس فضيلة اجتماعية فقط بل هى مقياس للإيمان السليم ، فالعقيدة السليمة تقود الى حياة الاستقامة . لهذا ينبغى لابناء وبنات الله ان لا يشاكلوا أهل هذا الدهر بل يتغيروا للافضل بناء على دعوتهم المقدسة ليكونوا قديسين وكاملين { فاطلب اليكم ايها الاخوة برافة الله ان تقدموا اجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية. ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} رو 1:12-2. الاستقامة هو طريقنا للنجاح والحياة الابدية ، وتتضمن استقامة وسلامة التعليم {لاننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله لكن كما من اخلاص بل كما من الله نتكلم امام الله في المسيح }(2كو 2 : 17){ قد رفضنا خفايا الخزي غير سالكين في مكر او غاشين كلمة الله بل باظهار الحق مادحين انفسنا لدى ضمير كل انسان قدام الله }(2كو 4 : 2). ولهذا نداوم على حفظ استقامة التعليم الذى نتلقاه ونعلمه لغيرنا { لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك لانك اذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك ايضا }(1تي 4 : 16). صفات الانسان المستقيم ... أ*- الامانه والصدق ... الاستقامة تحلى صاحبها بالامانه { من يسلك بالاستقامة يسلك بالامان ومن يعوج طرقه يعرف }(ام 10 : 9) . سواء فى عبادته وعلاقته بالله او بالاخرين . فيكون امينا فى وعوده ومواعيده وفى حفظة لاسرار الغير وفى توبته عن خطاياه واخطائه والتماسه الاعزار لضعفات الغير ، كما ان الانسان المستقيم هو انسان صادق لا يعرف الغش أو الخداع ولا يرضى بالمكسب او المنفعة التى تأتى من طريق غير مستقيم . الاستقامة تجعلنا أمناء فى القليل وتجعل الله يقيمنا على الكثير { الامين في القليل امين ايضا في الكثير والظالم في القليل ظالم ايضا في الكثير} (لو 16 : 10). والاستقامة تجعل الانسان يحرص على خلاص نفسه فلا يكون لديه ازدواجية فى المعايير ويهتم بالتدقيق فى الامور الصغيرة لانه ان لم نتخلص منها تكبر وتتفاقم وتشكل خطر على استقامة حياتنا الروحية وخلاصنا . ب*- البعد عن الشر والخطية... الاستقامة تجعل صاحبها يحيد عن الشر والخطية ويصنع الخير { منهج المستقيمين الحيدان عن الشر حافظ نفسه حافظ طريقه} (ام 16 : 17). هكذا كان ايوب البار { فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على عبدي ايوب لانه ليس مثله في الارض رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر} (اي 1 : 8). وهذا ما اوصى به الرب سليمان الحكيم عندما تراءى له { وانت ان سلكت امامي كما سلك داود ابوك بسلامة قلب واستقامة وعملت حسب كل ما اوصيتك وحفظت فرائضي واحكامي. فاني اقيم كرسي ملكك عن اسرائيل الى الابد كما كلمت داود اباك قائلا لا يعدم لك رجل عن كرسي اسرائيل. ان كنتم تنقلبون انتم او ابناؤكم من ورائي ولا تحفظون وصاياي فرائضي التي جعلتها امامكم بل تذهبون وتعبدون الهة اخرى وتسجدون لها. فاني اقطع اسرائيل عن وجه الارض التي اعطيتهم اياها والبيت الذي قدسته لاسمي انفيه من امامي ويكون اسرائيل مثلا وهزاة في جميع الشعوب. وهذا البيت يكون عبرة كل من يمر عليه يتعجب ويصفر ويقولون لماذا عمل الرب هكذا لهذه الارض ولهذا البيت. فيقولون من اجل انهم تركوا الرب الههم الذي اخرج اباءهم من ارض مصر وتمسكوا بالهة اخرى وسجدوا لها وعبدوها لذلك جلب الرب عليهم كل هذا الشر } (1مل 9 : 4-9). وهذا جعل القديس بولس يدافع عن استقامته {لان فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا اننا في بساطة واخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم }(2كو 1 : 12) ج- الاستقامة والثقة فى الله .. الانسان المستقيم يثق فى الله ولا يتكل على سلطة او مال ويكون عفيف طاهر الفكر والجسد والروح . ان من اعداء الانسان الذين يحارب بهم الشيطان الانسان المستقيم، شهوة الجسد وشهوات العيون وتعظم المعيشة . الانسان الملتوى يتمسك بالسلطة ليجد فيها المركز والامان اما المستقيم فيحتمى فى الرب { الاحتماء بالرب خير من التوكل على انسان. الاحتماء بالرب خير من التوكل على الرؤساء (مز 118 : 8- 9). الثقة فى الله تجعلنا لا نتكل على الغنى او المادة ايضا { لان محبة المال اصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان و طعنوا انفسهم باوجاع كثيرة} (1تي 6 : 10). ويكون المال لنا خادم جيد وليس عبداً قاسى لهذا يوصي الانجيل الاغنياء ان يتكلوا على الله لا الغنى { اوص الاغنياء في الدهر الحاضر ان لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتع} (1تي 6 : 17). ولنتعود على حياة الشكر لله والعرفان بالجميل فى كل شئ أننا دخلنا العالم بلا شئ وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشىء . وحيث أننا لم ندخل العالم بشىء لذا فإن كل شىء نحصل عليه يجب أن نأخذه بشكر وعرفان بالجميل .. لذا فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما . الاستقامة تعلمنا أن تشكر على كل شىء مهما صغر والشكر لا يجعل مكاناً فى قلوبنا للتذمر أو الطمع. كما ان الاستقامة تجعلنا نحرص فى علاقتنا لاسيما فى العلاقة بالجنس الاخر ان تكون علاقات طاهرة تتسم بالاتزان والالتزام وتوجيه الانظار الى المسيح المشبع لعواطفنا وارواحنا ونفوسنا وهذا الحرص يلازم الانسان فى كل مراحل حياته فداود القوى سقط عندما أهمل حرصه وعاش حياة الكسل والترف وترك المعركة الروحية ليتطلع على اسرار الغير { طرحت كثيرين جرحى و كل قتلاها اقوياء }(ام 7 : 26) فلا تعطى لنفسك وجسدك فرصة للخطية واشغل وقتك بما هو صالح ومفيد فوقت الفراغ هو الفرصة الثمينة التى نعطيها لإبليس ليحاربنا ويسقطنا فى الخطية. لابد ان نشبع ارواحنا بمحبة الله وننشغل بأهداف الله السامية وخطته العظيمة لحياتنا ورؤيته المقدسة لخلاص العالم .وكلما عشنا فى مخافة الله ننمو فى حياة الاستقامة لنصل الى القداسة والكمال النسبى الذى يستطيع المؤمن الوصول اليهما . القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل