المقالات
11 نوفمبر 2023
إنجيل عشية الأحد الأول من شهر هاتور(مر ٤ : ۱۰ - ۲۰ )
" ولَمّا كانَ وحدَهُ سألهُ الذينَ حَوْلَهُ مع الاثْنَيْ عَشَرَ عن المثل، فقال لهم: قد أُعطي لكُم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذينَ هُم مِـنْ خارج فبالأمثال يكونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، الكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلا يَنظُروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا ، لئلا يرجعوا فتُغفَرَ لَهُمْ خطاياهم. ثم قالَ لهُمْ:أما تعلمون هذا المثل؟ فكيف تعرفون جميع الأمثالِ ؟ الزّارِعُ يَزرَعُ الكَلِمَةَ. وهؤلاء هم الذين على الطريق: حيث تُزرَعُ الكَلِمَةُ، وحينما يسمعون يأتي الشَّيطانُ للوقت ويَنزِعُ الكَلِمَةَ المَزروعة في قُلُوبِهِمْ. وهؤلاء كذلك هُمُ الذِينَ زُرِعوا عَلَى الأَمَاكِنِ المحجرة: الذين حينما يسمعونَ الكَلِمَةَ يَقْبَلُونَها للوقت بفَرَح ، ولكن ليس لهُمْ أَصلُ في ذَواتِهِمْ، بـل هم إلى حين فبعد ذلك إذا حَدَثَ ضيق أو اضطهاد من أجل الكلِمَةِ، فللوقت يعثرونَ. وهؤلاءِ هُمُ الذِينَ زرعوا بَينَ الشَّوْكِ: هؤلاءِ هُمُ الذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ. " وهمومُ هذا العالَمِ وعُرورُ الغِنَى وشَهَواتُ سائر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر. وهؤلاءِ هُمُ الذينَ زُرِعوا على الأرض الجَيّدَةِ: الذينَ يَسمَعونَ الكَلِمَةَ ويَقْبَلُونَها ، ويُثمِرُونَ: واحِدٌ ثلاثين وآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ مِنَةً ".
بذور الحياة الأبدية: الأحد الأول والثاني من شهر هاتور كانـا همـا موسم الزراعة وبذر البذور في مصــر أيام ري الحياض، ومازال هذان الأسبوعان هما موسم زراعة القمح والفول والبرسيم... لذلك رتب الآباء فصول أناجيل هذين الأحدين لتخدم غرض تحويل الفكر من الأرضيات إلى السماويات، وبينما كان الإنسان يعمل عملـه الـيـومـي فـي الفلاحة والزرع والبذر يتجه قلبه نحو بذور الحياة الأبدية. كلمة الحياة الفضلى ومآلها ومستقبلها وعملها في داخل الإنسان وذلك بحسب ما تصادف من تربة وما تناله البذرة
من عناية. فالمثل قاله الرب للجمع المجتمع عند البحر عندما علمهم من داخل سفينة بطرس الرسول بسبب الزحام. والمثل بسيط غاية البساطة يستطيع أن يستوعبه ذهن العامة من الناس ولكنه عميق غاية العمق يحتاج إلى الحياة كلها لكي يدرك الإنسان شيئًا من أسرار ملكوت الله. وفصل الإنجيل يحكي كيف أن خاصة المسيح من الاثني عشر الأطهار مع بعض آخرين أحاطوا بالسيد المسيح في البيت على انفراد وسألوه عن المثل.وهذه عادة الأبرار في كل زمان أنهم عندما يصعب عليهم فهم أمر من الأمور المختصة بملكوت المسيح وعمق الحياة فيه فإنهم ينفردون به في خلوتهم الخاصة ويجلسون عند قدمي يسوع يسألونه عن الأسرار وما خفي في أعماق كلمة الحياة.وهكذا عرف الآباء القديسون حين اعتكفوا بعيدًا عن الزحام ودخلوا إلى مخادعهم أنهم في الحقيقة يدخلون إلى المقادس العليا، ومن هناك اغترفوا غنى معرفة وحكمة روحية، ثم عادوا إلى الكنيسة وهم محملون بالنعم التي لا تستقصى. فالكلمة الإلهية وإن كانت بسيطة من جهة الإدراك العقلي لكنها تعلو على العقل والإدراك لأنها تخص جذور الحياة وتغيير السلوك وتهدف إلى حياة أبدية. فإن أخذت كلمة الحياة للفهم العقلي فإن الإنسان يكون قد جانب الصواب، إذ صارت الكلمة بالنسبة له أمر عقلاني فلسفي للجدل وللنقاش أو الدرس أو البحث أو عمل المقارنات وكتابة الكتب أو الوعظ وتنميق الكلام... وكل هذا بعيد كل البعد عن هدف الكلمة القادرة أن تحكم الإنسان للخلاص التي هي "قوية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين"، ولها القدرة الإلهية أن تخترق أعماق قلب الإنسان وتجرح الضمير وتوقظ من النوم بل من الموت؟. وإذا أراد الإنسان أن يعرف سر الكلمـة... يرجع إلـى المسيح وهو في البيت على انفراد ... بعيدًا عن ضوضاء الدنيا، وباتضاع يسأل... وينصت فيعطيه الرب سر الكلمة. لقد أعطاها سابقًا لإرميا النبي وحزقيال وإشعياء وموسى رئيس الأنبياء فنظروا مواعيدها من بعيد وحيوها.
موسى أخذها مكتوبة بأصبع الله ولكن على حجر، إشارة إلى قساوة قلب الإنسان في القديم قبل أن يُغير الله قلب الحجر بالقلب اللحمي... وحزقيال أكلها وهى مكتوبة في درج کتاب فصارت في فمه كالعسل حلاوة. ولإرميا قال الرب: "جعلت كلامي في فمك " أخذوا كلمة الله الحية، وقول الرب الذي صار إليهم. قال الرب لتلاميذه: قد أعطي لكُم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذينَ هُم مِنْ خارج فبالأمثال " إذن الرسل هم من داخل ... وهذا تعبير عن حالنا في المسيح إذ صرنا شركاء الطبيعة الإلهية بحسب ولادتنا في الإنسان الباطن في العديمة الفساد وصار لنا بهذه النعمة دخول بسعة إلى ملكوت ربنا ومُخلّصنا لأنه دخل بنا إلى ما داخل الحجاب إلى قدس الأقداس الموضع الذي لا يدخل إليه ذو طبيعة بشرية فوجد لنا فداءً أبديًا وهو إذ دخل إلى قدس أقداس السماء دخل كسابق لأجلنا، وصار لنا به جرأة وقدوم ودالة لدى الآب هذا هو ميراثنـا فـي المسيح. فصرنا نعرف - ليس بذواتنا - بل بالروح الذي فينا، نعرف أمور الله لأن الروح يفحص كل شيء ويعرفنا كل شيء ويذكرنا بكل شيء.
زرع الكلمة:
حينما تصادف الكلمة قلبًا جيدًا صالحًا يخبئها وبالصبر وطول الأناة يخضع لعوامل الحياة التي فيها لكي تشق طريقها في وسط رطوبة وظلمة الطبيعة الترابية حينئذ تظهر حياة الكلمة إلى ما فوق السطح بعد أن تكون أصلت جذورها في عمق القلب وهى حين تنبت وتظهر ما كان مخفيًا من الحياة حينئذ يتمجد الزارع الكلمة (الذي هو الرب نفسه).يرى الناس أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات".
يارب عَمّق كلمتك في قلوبنا ولا تتركنا نلهو بها على سطح الحياة وسطح القلب عمقها فتجد فينـا مكـان راحة، وتبدأ بعيدًا عن العيون الفاحصة، تبدأ تنمو وتزيد. حبة الحنطة الحقيقية هي المسيح الكلمة. قال هو:" إن وقعت في الأرض وماتت تأتى بثمركثير " يارب خبَّأت كلامك في قلبي .يارب أبتهج أنا بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة.يارب وجدت كلامك فأكلته. يارب اجعلنا لسنا سامعين الكلمة فقط خادعين نفوسنا،بل سامعين عاملين.
يارب بحسب كلمتك أحيني. يارب قدسني في حقك كلامك هو حق. يارب اجعل كلامك في فمي يقدس الكلام، واجعله في قلبي يُقدس مخارج الحياة، واجعله في عقلي يحفظني من الزلل "أنتم أنقياء بسبب الكلام الذي أكلمكم به" لتعمل كلمتك في عمل النقاوة مثل الرسل الأطهار. "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة"فلتدرك كلمتك أعماقي فأحيا بها."ولو لم تكن شريعتك هى تلاوتي لهلكت حينئذ في مذلتي"، إن قولك أحياني حينما رددته طول النهار ألهج فيه يا زارع الزرع الجيد ألق إلي بذارك ولا تهملني حتى لو بدا قلبي أنه غير مفلح أو مستعد ألم تلق بذارك حتى على الأرض المحجرة وعلى الطريق وفي وسط الشوك حقًا إنك صالح وطويل الروح.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
04 نوفمبر 2023
إنجيل عشية الأحد الرابع من شهر بابه (مت٢٢:١٤-٣٦)
" وللوقت ألزَمَ يَسوعُ تلاميدَهُ أَنْ يَدخلوا السفينة ويَسبقوهُ إِلَى العَبرِ حتَّى يَصْرِفَ الجُموعَ. وَبَعدَما صَرَفَ الجموعَ صَعِدَ إِلَى الجَبَلِ مُنفَرِدًا لِيُصَلِّي وَلَمَّا صَارَ المساء كان هناك وحدَهُ. وأمّا السَّفِينَةُ فكانت قد صارت في وسط البحرِ مُعَذَّبَةً مِنَ الأمواج. لأنَّ الرِّيحَ كانَتْ مُضادَّةً. و وفي الهَزِيعِ الرَّابِعِ مِنَ اللَّيْلِ مَضَى إِلَيهِمْ يَسوعُ ماشيًا على البحر. فلما أبصَرَهُ التلاميدُ ماشيًا على البحر اضطَرَبوا قائلين: إِنَّهُ خَيال. ومِنَ الخَوْفِ صَرَخوا! فللوقتِ كَلَّمَهُمْ يَسوعُ قائلاً: تشجعوا ! أنا هو. لا تخافوا. فأجابَهُ بُطرُسُ وقال: يا سيد، إنْ كُنتَ أنت هو، فمُرني أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى المَاءِ. فقال: تعالَ. فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى المَاءِ ليأتي إِلَى يَسوعَ . ولكن لَمّا رأى الرِّيحَ شَدِيدَةً خاف. وإذ ابْتَدَأَ يَعْرَقُ، صَرَحَ قائلاً: يارَبُّ، نَجِّنِي!. ففي الحالِ مَدَّ يَسوعُ يَدَهُ وأَمْسَكَ بـهِ وقال له: يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟ .ولَمّا دَخَلَا السَّفِينَةَ سكَنَتِ الرِّيحُ. والذين في السفيئَةِ جاءوا وسجدوا له قائلين: بالحقيقَةِ أَنتَ ابنُ اللَّه!. فَلَمّا عَبَروا جاءوا إلى أرض جنيسارَت، فَعَرَفَهُ رجال ذلكَ المَكانِ. فأرسلوا إلى جميع تلك الكورة المُحيطَةِ وأحضروا إليهِ َجميعَ المَرضَى، وطلبوا إليهِ أن يلمسوا هُدبَ ثوبه فقط. فجميع الذين لَمسوه نالوا الشفاء ".
الزم تلاميذه:
فصل الإنجيل هذا تمت أحداثه بعد معجزة إشباع الجموع من الخمس خبزات مباشرة وبعد أن صرف الجموع بقى يسوع وحده على الجبل ويقول الإنجيلي إن الرب ألزم تلاميذه أن يركبوا السفينة وحدهم حتى يصرف الجموع".
وهذه هي المرة الأولى والوحيدة التي يقال إن الـرب ألزم تلاميذه بشيء ويبدو أن التلاميذ الأطهار كانوا يريدون أن يبقوا في صحبة الرب وإن لزم الأمر أن يعبروا إلى الجهة الأخرى فيكونوا في معيته. ولكن الــرب طلب منهم أن يركبوا السفينة وحدهم فلما أبدوا عدم الرغبة في ذلك ألزمهم أن يركبوا وحدهم كان الرب مزمعًا أن يختبر إيمانهم ليزيدهم ثقة في شخصه وليرتفع رصيدهم من اختبار يد الرب في الأوقات الحرجة فهو كان مزمعًا أن يحرك الريح والموج ضدهم ولو إلى ساعة !! أليس الريح والبحر يطيعانه.
وإن سألت فيما كانت سفينة التلاميذ تتقاذفها الأمواج وترتطم بها وتخطفها الرياح وتقذفها، فإن سألت بعمق هل كان هذا بسماح من المسيح أم لا؟ فإن الجـواب التلقائي يكون بكل تأكيد سمح الرب للرياح أن تهب وأذن للأمواج أن تلاطم السفينة.
أليس هو ضابط الكل...
على أن السر الأعظم في هذا التدبير الإلهي هـو مــا خفي عن بال التلاميذ في ذلك الوقت وهو إن ركبوا السفينة وحدهم فهو كائن معهم لم يتركهم ، وإن كانت حواس الجسد لا تسعفهم بالرؤيا إذ قد تركوه على الجبل وكلما ابتعدوا عن الشاطئ غاب عنهم جسديًا ... إلا أن ما كان يجب أن يدركوه بالإيمان أنه موجود في كل مكان وفي كل زمـــان. لذلك عندما جاء إلى سفينتهم وقلوبهم المضطربة بكت عدم إيمانهم. فما هو الإيمان؟ أليس هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا ترى؟ إيمان أن اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا، وإن كان الله معنا فمن علينا ؟ إيمان بحضور المسيح الذي لا يغيب وإن لم نره بالعيان فنحن بالإيمان نسلك لا بالعيان، ونحن غير ناظرين إلى ما يرى بل إلى ما لا يرى إيمان بحضور المسيح معنا في أقسى الظروف وأصعب المخاطر وأن كان ما يدور حولنا حتى ما يصيبنامن ضرر أو خسارة يجري تحت بصره وبسماح منه فهو إن جربنا لا يدعنا نجرب فوق ما نحتمل بل يعطي التجربة المنفذ.
الهزيع الرابع:
الهزيع الرابع هو آخر رمق، بعد أن يكون الإنسان جاز الهزيع الأول والثاني والثالث وهو مترقب ومنتظر ومتوقع خلاص الله لقد أجاز الرب تلاميذه في هذا الاختبار الصعب لخيرهم وقد صارت هذه الحادثة كحجر أساس يُبنى عليه المستقبل.فبولس الرسول حين انكسرت به السفينة وقضـــــي لـيـلاً ونهارًا كاملاً في العمق معلقًا بأحد ألواح السفينة وكان لـــه في نفسه حكم الموت حتى يئس من الحياة أيضا فلما نجــاه الرب وأنقذه مع جميع ركاب السفينة صــار يـكـــرز بهذه الخبرة الروحية، إذ لم يعد يتكل على نفسه بل على الله الذي نجاه من موت مثل هذا وهو ينجي الذي له رجاء أنه سينجي أيضا فيما بعد. فمن هذه الامتحانات الإيمانية الصعبة تخرج النفس بخيرات جزيلة وإيمان أعمق أليس الذهب يختبر بالنــــار كقول القديس بطرس الرسول فالإيمان أثمن من الذهب لذلك يُمحص بأتون التجارب إذن انتظر الرب فهو لابد أت ولو في الهزيع الرابع لا تضع توقيتا لمجيئه فهو له تدبيره الإلهـ فإنه يأتي في الوقت الذي يراه نافعًا لخلاصنا لما رآه التلاميذ ماشيًا على البحر ظنوه خيالاً ومـــن الخوف صرخوا، كما ظنته مريم المجدلية بعد قيامته إن مجيئه يفوق تخيلنا وتوقعاتنا ستجده ماشيًا على الماء أو متمشيا في أتون النار ووقتها حين تدرك حضوره وتحتمي فيه تقول: "جزنا في الماء والنار وأخرجتنا إلى الراحة". المشي على الماء ليس ضد قوانين الطبيعة بل هو فوق قوانين الطبيعة فالمسيح أخضع الطبيعة تحت قدمي إنسان العهد الجديد إنسان القيامة لقد عبر إسرائيل في العهد القديم في وسط الماء كاليابسة وصار الماء سورا عن يمين وعن يسار، فهل يكثر على المسيح (إسرائيل الجديد) أن يمشي فوق الماء صوت الرب بقوة صوت الرب علــى المياه" لما جاء إلى الأردن ليعتمد فيه، رأته المياه فخافت كقول المزمور. وأيضا ارتعدت أيضا اللجج" في مزمور آخر.
بطرس الرسول:-
أما القديس بطرس فإنه بتلقائية قال للرب: " إن كُنتَ أنت هو، فمرني أن آتي إلَيكَ ". لم يقل هذا على سبيل التجربة، فهو تلميذ الرب فكيف يجربه؟ ولكنه أراد أن يختبر إيمانه، وثقته في المسيح وحين مارسها مشى على الماء إذ كان إيمانه في قمة الثقة والتصديق. ولكن ألا يدوم هذا الإيمان فينا؟ سريعًا ما نضعف، ونتلفت ذات اليمن وذات اليسار وتجذب انتباهنا الرياح تلفحنا والموج الذي ندوسه فنهتز ويهتز قلبنا في داخلنا. وما كنا ندوسه بثقة ينقلب ضدنا ليحتوينا ويغرقنا. في ذلك نحتاج مراحم الله لكي تدركنا، ونحتاج يــــد المسيح لترفعنا حين نصرخ قائلين: "يارب نجنا". فيمد يــــده يرفع من الموت ويخلص من الهلاك ولكن الأمر لا يخلو من عتاب حنون لماذا" شككت يا قليل الإيمان؟!!".
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
28 أكتوبر 2023
إنجيل عشية الأحد الثالث من شهر بابه( مر 4 : 35 - 41)
" وقالَ لهُمْ في ذلك اليوم لَمّا كانَ المساءُ: لَنَجتَزْ إلى العبر. فَصَرَفوا الجَمعَ وأخذوه كما كانَ في السَّفِينَةِ. وكانَتْ معه أيضًا سُفنُ أخرَى صَغِيرَةٌ. فَحَدَتْ نَوْءُ ريح عظيم، فكانت الأمواج تضرب إِلَى السَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تمتلئ. وكان هو في المؤخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نائمًا. فأيقَظوهُ وقالوا له: يا مُعَلِّمُ، أما يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكَ؟ فَقَامَ وانتَهَرَ الرّيح، وقال للبحر: اسكُتْ إِبكُمْ فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وصارَ هُدوء عظيم وقالَ لَهُمْ: ما بالُكُمْ خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكُمْ؟ . فخافوا خَوْفًا عظيمًا، وقالوا بَعضُهُمْ لبَعض مَنْ هو هذا؟ فإنَّ الرِّيحَ أيضًا والبحر يُطيعانه ".
المسيح في مؤخر السفينة نائما:-
أمر عجيب أن يكون المسيح في مؤخر السفينة، هكذا أراد المسيح للتلاميذ أن يجوزوا هذا الاختبار الصعب، فهو رب السفينة ومدبر السفينة فكيف يكون في مؤخرها؟ولكنه في مرات كثيرة يود لو يجوز بنا فيما لا ترغبه نفوسنا ولا نريده، ولكن على كل حال طالما خضعنا لتدبير الله في حياتنا وسلّمنا له قيادة نفوسنا ففي جميع الظروف التي يجيزنا فيها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا الرسل الأطهار صيادو السمك لم تكن تعوزهم الخبرة بالأنواء وتقلبات الجو والأمواج والرياح المضادة، فهذه ليست المرة الأولى التي يركبون فيها البحر وليس من جديد على أن كثيرًا ما يريد الرب أن نختبر ضعف ذراع البشر لكي لا نكون متكلين عليها "لا" تتكلوا على الرؤساء ولا على بني البشر الذين ليس عندهم خلاص"فالرؤساء والمعتبرون وأصحاب الخبرات في كل المجالات لابد أن يدركوا أنهم في اللحظات الحرجة لا تسعفهم خبراتهم ولا غناهم ولا مراكزهم.أين ذهبت خبرة التلاميذ في الملاحة عندما هاج البحر؟ وعندما نصل إلى حد عدم الثقة في خبراتنا وإمكانياتنا وقوتنا حينئذ نتجه بكل قلبنا إلى طلب المعونة، فنجد عونًا في حينه "كان لنا في أنفسنا حكم الموت لكي لا نكون متكلين على أنفسنا لابد أن التلاميذ الأطهار بذلوا قصارى جهدهم وقاوموا حتى لم يبق أمل وأين كان المسيح لـــه المجد؟ إنه كان يراقبهم عن قرب فعيناه لا تغفل وإن بدا لنا نائما لقد كان السيد المسيح في مؤخر السفينة على وسادة نائما !! لقد سجل الروح هذا الأمر خصيصا لندرك أن الرب بالفعل شاركنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها لقد مارس المسيح بالجسد كل ما لنا بالطبيعة وهو إذ دخل إلى هذه الأفعال البشرية قدسها وباركها وأعطاهـا كمـــال قوتها "باركت طبيعتي فيك" فكما بارك طبيعتنا البشرية وجعلها واحدًا مع لاهوته ورفعها إلى أكمل وأجل صورة لها، هكذا في جميع الأفعال والأقوال التي تصدر من الطبيعة جازت تجليا إلهيـــا فى المسيح. فهو حين أكل بارك أكلنا فصرنا نأكل لمجد الله "إن كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئًا افعلوا كل شيء لمجد الله" فإن قيل عن رب المجد إنه نام فهو قد قدّس نومنا فصرنا إن نمنا أو استيقظنا فنحن له إن عشنا وإن متنا فنحن نحيا له ونموت له ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته، إن عشنا للرب نعيش وإن متنا للرب نموت إن عشنا وإن متنا فللرب نحن" ولكن لا يفهم نوم الرب أنه نوم الغفلة !! حاشا فهو إن نام حسب الجسد لكنه لا يغفل ولا ينام ولا تسهو عينه بــل هو دائم أزلي أبدي منزه عن الضعف، ولكنه قبل الضعف من أجلنا بإرادته الكاملة فهو بإرادته نام بالجسد وبإرادته تألم ومات بالجسد ولكننا نقول دائمًا "قدوس الحى الذى لا يموت الذي صلب عنا ارحمنا" والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل يمكن أن تهلك هذه السفينة أو يصيبها ضرر والمسيح في وسطها؟ طبعا الجواب هو هذا من رابع المستحيلات. فإن كان الأمر كذلك فلماذا الاضطراب إذن ولماذا تخور نفوسنا وتضعف في أوقات التجارب؟يكفي أن نتأكد أن مسيحنا موجود في سفينتنا وهذا وحده كفيل أن يجعل سلامنا لا يهتز مهما عصف بنا نوء التجارب أو تقاذفتنا أمواج بحر هذا العالم الهائج لابد أن تكون فينا هذه الثقة أنه طالما هو في حياتنا فلن يلحق بنـــا أذى أو يصيبنا ضرر فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟" صراخ الصلاة في وقت الشدة مسموع ومستجاب "ادعني وقت الضيق أنقذك فتمجدني"، وكلنا اختبرنا هذا الأمر وعندما نهرع إليه صارخين يسمع صراخ المساكين ويميل أذنه إلى طلبتهم قال الرب عن بني إسرائيل في القديم وهم تحت سخرة فرعون "سمعت أنينهم فنزلت لأخلصهم" صوت التلاميذ في أذني المعلم الإلهي وصراخ استغاثتهم دخل إلى مسامع رب الجنود وهذه الاستغاثة والصراخ إلى المسيح هــي بعينها الصلاة والطلب ، وقد جاء سؤال التلاميذ استنكاري دون قصد منهم لأنهم كانوا قد قاربوا الموت وقد لفهم الخطر فلا وقت لحساب في الكلام "لا يهمك أننا نهلك؟" حاشا. فأنت موضوع اهتمامه وحبه، ومن أجلكم نزل إلى الأرض واشترك في المشي مع الناس، ومن أجلكم أخذ صورة عبد، ومن أجلكم يتألم ويصلب ويرذل من رؤساء الكهنة وكتبة الشعب، ومن أجلكم صنع المستحيل وما فوق المستحيل وبعد كل هذا يقال "أما يهمك أننا نهلك؟" بل يهمه بالدرجة الأولى والعظمى، لقد جعل شعور رؤوسكم محصــاة فلا تسقط واحدة منها دون إذنه وأمره وقد أمن لكم الحياة فصارت حياتكم محسوبة له فمن يمسسكم يمس حدقة عينه، إذ كان مزمعا أن ينقش أسماءكم بالمسمار في كفه الإلهي فلا يجوز فينا هذا الفكر الذي راود قلب أورشليم فــــي القديم فصرخت تقول: قد تركني الرب وسيدي نسيني" فرد الرب عليها ببرهان الحق قائلاً "هل تنسى الأم رضيعها ابن بطنها ؟ حتى هؤلاء ينسين أما أنا فلا أنساك". فلا ترحم فقام وانتهر الريح وقال للبحر " اسكت" ابكم فسكنت الريح وصار هدوء عظيم من أين للريح آذان فتسمع صوته؟ ومن أين لموج البحر إدراك فيطيع ويفعل ما أُمــــر به؟ هو أمر يفوق الخيال ولا يستوعبه ذهن إنسان ولكن الريح والبحر هما صنع يديه فإذا شاء غيّر ما يريده في صنعته فتتغير الطبيعة محكومة بقوانين وضعها صانعها، ولكنه واضع القوانين ومغيرها إذا أراد فلنمجده على رحمته التي يدركنا بها من العلاء ونمجد وجوده معنا ونشكر فضله وإحسانه علينا وليقل كلمة في حينها الحسن فتهدئ روعنا والعواصف التي بداخلنا فيصير هدوء عظيم وسلام الله يملك على قلوبنا.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
21 أكتوبر 2023
إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر بابه (مت 17 : 24 - 27 )
ولَمّا جاءوا إِلَى كفرناحومَ تقَدَّمَ الذين يأخُذونَ الدَّرْهَمَينِ إِلَى بُطرس وقالوا أما يوفي مُعَلِّمُكُم الدرهمين؟ قالَ: بَلَى فَلَمّا دَخَلَ البَيتَ سَبَقَهُ يَسوعُ قائلاً ماذا تظُنُّ يا سمعان؟ مِمَّنْ يَأخُذُ مُلوكُ الأَرضِ الجباية أو الجزيَةَ، أمِنْ بَنيهِمْ أم مِنَ الأجانب؟. قالَ لهُ بطرُسُ مِنَ الأجانب قالَ لَهُ يَسوعُ فَإِذَا البنونَ أحرار ولكن لنلا نُعثرَهُمُ اذهَبْ إِلَى البحر وألقِ صِنَارَةً، والسَّمَكَةُ التي تطلع أولاً خذها، ومَتَى فتحت فاهـا تجد إستارًا ، فخذهُ وأَعطِهِمْ عَني وَعَنكَ ".
لئلا نعثرهم
لم يجسر جامعو الجزية أن يتقدموا إلى الرب فيسألوه عن دفع الجزية ولكنهم تقدموا إلى بطرس وسألوه هكذا قائلين: "أما يوفي معلمكم الجزية؟".
السؤال ينطوي على نوع من الامتحان وإن كانوا في قرارة أنفسهم يعرفون أنه ليس مفروضا على المواطنين أن يدفعوا لمستعمر جزية أو خراجًا، ولكنه الظلم السائد فـــي العالم وقانون القوة وليس قانون الحق فالقوي هـو صاحب السلطان والسطوة، والضعفاء يخضعون سواء كانوا أصحاب حق أو لا لم يرد القديس بطرس من نفسه، ولم يجب الرب لا السائل ولا أجاب بطرس ولكن عندما دخل البيت ســـــأل الرب بطرس قائلا ماذا" تظن يا سمعان ممن يأخذ ملوك الأرض الجزية أو الجباية أمن بنيهم أم من الأجانب؟" أجاب بطرس من الأجانب، فقال له يسوع: "إذن البنـــون أحرار تجنب الرب الحديث في العلن في هذا الأمر، وهو أمر سياسي اجتماعي لئلا يفهم أن المسيح قائد ثورة اجتماعية أو خارج على النظام السائد ولئلا يصير هذا الموضوع شغل الجماعة الشاغل، فيفهم من الناس أن هذا هو مســيا الخلاص من الاحتلال الروماني وأنه قائد ثورة التحرير والتمرد د على السلطات وعدم دفع الجزية وقد سئل يسوع مجربا لكي يزجوا به في حلقة السياسة قائلين هل يجوز أن تدفع الجزية لقيصر أم لا؟ فقال الرب: "ائتوني بدينار"، وهو العملة السائدة آنذاك، ثم سألهم عن الصورة والكتابة قالوا: "لقيصر"، فقال الرب : أعطوا" ما لقيصر لقيصر وما لله لله أما ما أسره الرب لبطرس فهو القاعدة التي أرســـــى الرب عليها كثيراً من التصرفات التي يجب أن يحياها أولاد الله. لم يكن مفروضا على المواطنين أن يدفعوا الجزية، فهم أحرار في وطنهم وليسوا مستعبدين. فمن حق بطرس أن لا يدفع... وأن يعصي هذه الأوامر المجحفة والقوانين التي جانبت الحق والصواب ولكن من هؤلاء الجباة الصغار الذين يطالبون؟ هم أداة تنفيذ ليس إلا وهم ليسوا واضعي قوانين فماذا يكون إذا أُعثر هؤلاء الصغار؟ ماذا يرون في هذا المعلم الذي اختشوا أن يسألوه؟ هـل يخضع للقانون أو يتمرد عليه؟
هكذا انحصر الأمر في عثرة هؤلاء الصـغار ، وهذا ما جعل الرب يقول لبطرس أن يلقي صنارته في البحر والسمكة التي تطلع أولاً تكون قد أتت بالأستار فـــي فمها فقال الرب لبطرس "ادفع عني وعنك" وهذا عجب العجب في تدبير الرب، ومن هـذا نلمــح بعض الأمور الجديرة بالتأمل:- أن الرب الذي أرسل تلاميذه بلا كيس وبلا مزود لــم يكن أيضا يقتني شيئا من ذلك غاية في الاتضاع والتجرد والمسكنة.
قدرته الإلهية تفوق الوصف والإدراك فالخليقة كلها تطيعه البحر والسمك والعالم المادي أليست هـــي صنع يديه؟!
من سخرك ميلاً لا تكتفي بما سخرك به، بل امش معه اثنين ضعف ما طلب ليس قسراً ولا قهرا ولا مذلة ولا شيء من هذه السلبيات، بل بكامل الإرادة والحريةوالعطاء والسخاء الإلهي والبذل والتنازل الإرادي.
من لطمك على خدك حول له الآخر، من طلب ثيابك تنازل له عن الرداء هذا منهج المسيح الذي غلب به العالم لم ينازع العالم ولا مملكته تنازعت مع مملكة العالم لأن ملكوته فوقاني وليست مملكته أرضية مادية، ساعية إلى خير هذا العالم الزائل ولا طامعة فيه. أشياء كثيرة نفعلها طوعًا لئلا نعثر الآخرين القديس بولس الرسول تبع هذا القانون عينه في رسالته إلى أهل كورنثوس في موضوع ما ذُبح للأوثان فهو وإن كـــان لا يعتد مطلقا بوجود الأوثان ولا يعترف بها كأنها شيء ويستطيع أن يأكل لحما مهما كان الأمر وحتى لو كان قــــد ذبح للوثن، فضميره واثق أن الأكل في ذاته ليس شيئًا ينجس الإنسان المسيحي،حتى لو ذبحوا للوثن نفسه وكان حيوانا ولكن هناك الأخوة أصحاب الضمير المرهف الضعيف فلأجلهم قال القديس بولس الرسول: "لو كـــان أكل اللحم يعثر أخي ما أكلت لحما طول حياتي" فلأجل الآخرين الضعفاء نسلك بهذا التنازل الإرادي عمــا يكــون حتى لنا الذي يشغل بالنا هو ليس ما لنا، بل ما للآخرين، كيف نربحهم فرابح النفوس حكيم وكيف لا نعثرهم لأنهم أعزاء لدينا فإن كان الرب قد رسم منهجاً للحياة المسيحية في أمر إعطاء الجزية رغم أنها غير مفروضة على البنين ولكـــن لكي لا يعثرهم جعل بطرس يدفع هذا كان هـو السلوك المسيحي تجاه الغرباء (جامعي الضرائب) فكـم يكون السلوك تجاه الإخوة في المسيح!! أعتقد أن الذين يسلكون بحسب هذا القانون يصير المسيح ظاهرا فيهم ويستطيعون بنعمته أن يربحوا حتـــى الوثنيين والجاحدين لأن من لا يتحرك قلبه حينما يُعمل بهذا الأسلوب الإلهي الفائق حقا مغبوط هو العطاء أكثرمن الأخذ بقي أن نشير إلى أن فصل إنجيل القداس في هذا الأحد هو معجزة صيد السمك الكثير وهى الآية التي جعلت القديس بطرس الرسول يسجد عند قدمي يسوع ويقول: "اخرج من سفينتي يارب فإني رجل خاطئ" ومن هذه الساعة قال الرب لسمعان "من الآن تصير صيادًا للناس" فتحول مجرى الحياة من صيد السمك المــادي إلى صيد النفوس بشبكة الإنجيل لحياة الخلود فإن أشار إنجيل العشية إلى صيد السمكة الخاصة الحاملة إستاراً في فمها فهى تضاف إلى الخبرات ذات الطابع الخاص الذي لا يُنسى في حياة سمعان بطرس محترف الصيد.فهذه أصبحت حادثة فريدة له تحمل ذكريات تصحيح المنهج نحو السياسة والغرباء والعثرة والسعي إلى الميـــل الثاني وفي تفرد هذه الحادثة حفرت في ذاكــرة القــديس بطرس الرسول تعاليم المعلم الإلهي وتلك السمكة المُعدة لهذا العمل وكأنها حوت يونان أعدها الرب لمأمورية خاصة وكثيرا ما يعد الرب مثل هذه، فلما تحول سمعان إلى صيد الناس صارت عينه فرازة و ذهنه متوقد كمثل هذه السمكة التي تأتي وفي فاها خير جزيل، ولعلـه صــادف المئات من النفوس المُعدّة لخدمة المسيح بل الألوف ذات الإمكانيات الخاصة، والمواهب الفريدة لعمل تكميل إرادة المسيح وقصده هذا غير كثرة السمك الروحي التي صادفها في أول محاولة لإلقاء شبكة الإنجيل على الذين اجتمعوا حول الرسل في يوم الخمسين، وحين جذبها وإذا بها ثلاثة آلاف نفس شيء مهول وأشار إلى زملائه أن يساعدوه حتـــى يجذبها إلى شاطئ الأبدية فمع كثرة السمك هذه توجــــد السمكة الواحدة ذات المواصفات الخاصة والمرسلة خصيصا لخدمة خاصة فريدة.ليكن الرب العامل فينا ومعنا هاديًا لطريقنا مصححا لمنهجنا مالئًا شباكنا بصيد الروح بعد ما تعبنا الليل كله تلفنا ظلمته وبرودته ولم نصطد شيئًا.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
14 أكتوبر 2023
إنجيل عشية الأحد الأول من شهر بابه( مت 15:14 - 21 )
ولَمّا َصارَ المساءُ تَقَدَّمَ إليهِ تلاميذه قائلين: المَوْضِعُ خلاء والوقت قد مَضَى اِصرِفِ الجُموعَ لِكَيْ يَمضوا إِلَى القرى ويبتاعوا لهُمْ طَعامًا فقالَ لَهُمْ يَسوعُ: لا حاجَةَ لهُمْ أنْ يمضوا أعطوهُمْ أنتُم ليا كلوا فقالوا له ليس عِندَنا ههنا إلا خمسَةُ أَرغِفَةٍ وسمكتان فقال: ائتوني بها إلى هنا فأمَرَ الجُموعَ أَنْ يَتَّكِبُوا عَلَى العُشب ثمَّ أَخَدَ الأَرغِفَةَ الخَمْسَةَ والسَّمَكَتَينِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نحو السماءِ وبارَكَ وَكسَّرَ وأعطى الأرغفة للتلاميذ،والتلاميذ للجموع فأكل الجميـع وشـبعـواثم رفعــوا ما فضَلَ مِنَ الكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَملوءةً والآكِلُونَ كانوا نَحوَ خَمْسَةِ آلافِ رَجُلٍ، ما عدا النساء والأولادَ "
"ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين الموضـع خلاء والوقت قد مضى اصرف الجموع لكي يمضوا إلـــى القرى ويبتاعوا لهم طعامًا ، فقال لهم يسوع "لا حاجة لهـم أن يمضوا أعطوهم أنتم ليأكلوا" في كل عشية عندما تغيب الشمس يقبل المساء والظلام ومع قدوم الظلام تصير المخاوف والليل دائما ثقيل بهمومه وكئيب بظلامه، ولكن عندما تشرق الشمس تبدد الظلام وينتهي كل شيء وقد وضع الآباء أناجيل العشيات تحمل ذات الملابسات من جهة حلول الليل وحلول الظلام مع ما يحمله ذلك من معاني كانت تخيف الإنسان وتضغط على نفسه، لا سيما أنه في الأيام القديمة لم تكن إضاءة في الليل ولا كهرباء، فكان ستر الظلام يخفي وراءه كل أنواع الغدر والشر والسرقة والاعتداءات التي لا يمكن أن تحدث في النور بل ومازالت غارات الحروب تشن ما بعد الغروب حيث يكون الظلام خافيًا للتحركات على كل حال فإن الظلام المادي يُشير دائما إلى روح الظلمة والعدو الشرير الذي هو ضد النور الحقيقي، وكل أعماله أعمال ظلمة وكل تابعيه بنور الظلام حتى يستقروا في الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الأسنان. على أن الكنيسة وهى تضع في معظم العشيات فصــــول الأناجيل التي تتحدث عن إقبال المساء والظلام والأهوال تضع المسيح شمس البر والنور الحقيقي الذي لم تدركه الظلمة النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان وفصل إنجيل هذه العشية يشير إلى إقبال المساء ودخول التلاميذ في حيرة ماذا يفعلون مــع هـذا الجمــع الغفير؟ خمسة آلاف رجل ماعدا النساء والأولاد شيء مهول حين أحسوا بالمسئولية الملقاة عليهم فـودوا لو يتحرروا منها فقالوا للرب اصرف الجموع أين نأتي لهم بطعام؟ وحين أراد الرب أن يمتحن إيمانهم قال لفيلبس كـــم يكفيهم؟ فأجاب فيلبس - ويبدو أنه كان يحب الحسابات لا يكفيهم بمائتي دينار حتى يأخذ كل واحد منهم شيئا يسيرا قال هذا ليمتحنه حسب رواية القديس يوحنــا الإنجيلي، والواقع أن يسوع عارف بما يفعله ولم يكن ينوي أن يعطيهم شيئًا يسيرًا بحسب كلام فيلبس الرسول ورأيـــهبل كان الرب مزمعًا أن يعطيهم للشبع والفيض واثنتى عشرة قفة مملوءة من الكسر الفائضة. ولما قال الرب للرسل أعطوهم أنتم ليأكلوا. جعل عليهم هذه المسئولية من تلك اللحظة وهيهات أن يتحرروا منها أو يتحللوا من نيرها ... لقد حمّلهم حمل الشعب رجالاً ونساءً وأطفالاً معًا... ليطعموهم لا الخبز المادي فقط بــل الخبز النازل من السماء الذي هو المسيح ذاته. فحمل التلاميذ ذلك النير اللذيذ من تلك اللحظة وصاروا آباء المسكونة. والآباء دائما مسئولون اسمع القديس بولس يقول: "يا أولادي الذين أتمخض بهم إلى أن يتصور المسيح : كاملاً فيكم لأني حاملكم في قلبي وفي وثقي". أما وقد صار المساء ولكن النور الحقيقي قائم في وسطهم .مع المساء كان الجوع ولكن في المسيح الشبع. كل الذين اختبروا المسيح صاروا في الشبع كل أيام حياتهم... لم يجوعوا أبدًا لأن في يمينه شبع سرور. الجوع إلى العالم الجوع إلى الشهوات، الجوع إلى المراكز، الجوع إلى الكرامة الجوع إلى الانتقام الطمع في الماديات جوع، الميول المنحرفة جوع. هكذا تنبأ الأنبياء أنه يكون في العالم جوع لا إلى خبز وماء بل إلى كلمة الرب هذا هو الجوع الحقيقي نحو البر وطوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون" المسيح وحده هو الذي يُشبع النفس الجائعة فتكتفي عن كل شيء وعن كل أحد. * أما سر البركة في المسيح فهو فائق للعقل والإدراك. من يقول إن خمس خبزات شعير صغيرة تستطيع أن تشبع خمسة آلاف رجل ؟ ولكن إن وضعت في يد المسيح فإنها تشبع وتفيض. * لا تعتذر بالإمكانيات البسيطة التي لك فقط ضعها بين يدي يسوع الخبزة في يد يسوع تستمد قوة إلهية، ولكنها لابد أن تكسر، لا يمكن أن تشبع دون أن تكسر، وإن ظلت الخبزة غير مكسورة وحافظت على نفسها كمـا هى لا تؤكل ولا تشبع. جيد أن نسلم نفسنا ليد يسوع، ليكسرنا كما يشاء ويوزعنا بحسب تدبيره إلى حيث يريد وبالطريقة التـى يستحسنها هو، هذه هي حياة التسليم. إن ظلت الخبزة كما هى في أنانية تبقى واحدة، ولكن إن انكسرت وتوزعت تصير لكثيرين من يحيا لذاته يكون كخبزة واحدة، ولكن من يبذل نفسه لآخرين يعرف البركة ويدرك سر الشبع في نفسه وفي الآخرين. ولكن قبل أن يكسر شكر وبارك، فالخبزة جازت أولاً خبرة الشكر ونعمة البركة قبل أن تكسرها يد الرب لتوزعها، فإنه يعبر بنا في مراحل الشكر والبركة ويستودعنا سر نعمته الغنية فيا مرحبًا بحياة البذل والعطاء حتى النهاية، ما أجمل العبارة التي قالهــا القديس أغناطيوس اللابس الروح: "أنا حنطة الله". واشتهي أن تطحنه الأسود بأسنانها محبة في المسيح الذي مات لأجله. ومن الأمور التي يلذ لنا أن نتأملها أن المسيح ذاته هو خبز الحياة المكسور لأجل خلاص العالم، فإن اتحدنا به بشبه موته واختبرنا قيامته حين نأكل الخبز المكسور الذي هو جسده تصير فينا هذه الشهوة أن نبذل نفسنا على مثال الذي أحبنا بل نشعر بشركتنا مع الآخرين أننا خبز واحد وأعضاء بعضا البعض.من البداية قال الرب للتلاميذ : أعطوهم أنتم"، ربما كان الرب يقصد أن التلاميذ قد نما إيمانهم ونمت بالمسيح حتى أصبحوا على مستوى المعجزة، ولكن التلاميذ اعتذروا في ذلك الوقت، أما عندما امتلأوا من الروح المعزي صارت لهم النعمة والقوة حتى أنهـم عملوا أعمال المسيح بحسب وعده القائل: "الأعمال التي أعملها أنا تعملونها وأعظم منها . وذلك بحلول روحه القدوس فيهم وصار الروح يعمل بهم آيات غير المعتادة، شفوا مرضى وأخرجوا شياطين وأقاموا موتى. والذي يجذب الانتباه أن الرب في معجزة إشباع الجموع جعل التلاميذ يُتكئون الجموع بحسب الترتيب الإلهي خمسين خمسين وهو حين كسر الخبزات بيديه الطاهرتين أعطى التلاميذ والتلاميذ أعطوا الجموع فتناول الشعب هذا الخبز من يد المسيح بواسطة رسله القديسين فهم الذين دعاهم وقدسهم وبررهم وأعطاهم ليعطوا وملأهم ليفيضوا ثم إذ أكل الجميع وشبعوا قال للرسل: "ارفعوا الكسر لئلا يضيع منها شيء". فالكسر عند الناس مهملة وملقاة.أما عند المسيح فهى مجموعة مكرمة لئلا يضيع منها شيء أو تداس بالأرجل فلا تفتخر الخبزات على الكسر ، فالذي صنع المعجزة بالخبزات اهتم بالكسر هؤلاء هم الصغار غير المعتبرين من الناس ولكن ليس عند المسيح فهو كثير العناية بالضعفاء وصغار النفوس والقلوب، وغير المعتبرين والمرذولين والمهانين إله عجيب ساكن في الأعالي وناظر إلى المتواضعين وقد رفع التلاميذ اثنتي عشر قفة مملوءة من الكسر، وكأن كل واحد من الاثني عشر قفة كاملة من الكسر، جمع واعتنى بها حتى الملء.
أكل الجميع وشبعوا تُرى ماذا كان طعم هذا الخبز الذي بارك الرب عليه وشكر وكسره؟ وكيف أكله الناس؟ يا للحسرة إن كانوا قد أكلوه جسديًا، كلقمة خبز عادية !! وإذ كان الحال كذلك وطلبوه مرة أخرى قال لهم: "تطلبوني ليس لأنكم رأيتم آيات فآمنتم بل لأنكم اكلتم من الخبز فشبعتم اعملوا لا للطعام البائد بــل للطعام الباقي للحياة الأبدية"فإن كان الحال هكذا مع خبز المعجزة، فكم يكون الحال ونحن نأكل خبز الحياة الأبدية من على المذبح كل يوم، بأي حاسة روحية نأخذه وبأي روح نأكله؟!.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
07 أكتوبر 2023
إنجيل عشية الأحد الرابع من شهر توت ( مت 9 : 18 - 26 )
وفيما هو يُكَلِّمُهُمْ بهذا ، إِذا رَئيس قد جاءَ فَسَجَدَ له قائلاً: إِنَّ ابنتي الآن مالت، لكن تعالَ وضَع يَدَكَ عليها فتحيا. فقامَ يَسوعُ وتبعَهُ هو وتلاميذه. وإذا امرأةٌ نازِفَةً دَم مندُ اثْنَتَي عَشَرَةَ سَنَةً قد جاءَتْ مِنْ ورائهِ ومَسَّتْ هُدَبَ ثَوْبِهِ، لأنَّها قالت في نفسها إِنْ مَسَستُ ثَوْبَهُ فقط شُفيتُ فالتَفَتَ يَسوعُ وأَبصَرَها، فقال ثقي يا ابنة، إيمانك قد شَفاك فشفيتِ المرأةُ مِنْ تلك السَّاعَةِ وَلَمّا جَاءَ يَسوعُ إِلَى بَيتِ الرئيس ونَظَرَ المُزَمَّرِينَ والجَمْعَ يَضِحُونَ، قَالَ لَهُمْ: تَنَخَوْا، فإنَّ الصَّبيَّةَ لم تمُتْ لكنها نائمَةٌ. فَضَحِكُوا عَلَيْهِ فَلَمّا أخرج الجمعُ دَخَلَ وأمْسَكَ بَيَدِها، فقامَتِ الصَّبِيَّةُ. فخرج ذلك الخَبَرُ إِلَى تِلكَ الأَرضِ كُلَّها ".
إقامة ابنة يايرس وشفاء نازفة الدم:
في ثقة عجيبة جاء هذا الرئيس كما يدعوه متى الإنجيلي وسجد عند قدمي يسوع قائلا: "ابنتي ماتت لكن تعال وضع يدك عليها فتحيا " فقام يسوع وتبعــه هـو وتلاميذه.وفي طريقه إلى بيت الرئيس لمست المرأة نازفة الدم هدب ثوب المُخلِّص فوقف نزيف دمها وشفيت في الحال، فأظهر يسوع إيمانها وكشف أمام الجميع سر ثقتهـا في المسيح وكيف نالت وأخذت من الرب ســــلام وحيـــاة وبنوة في آن واحد حين قال لها: "ثقي يا ابنة، إيمانك قد شفاك، اذهبي بسلام" (لو 8 : 48)إنجيل العشية يركز على الإيمان ويزكيه جدًا كأعظم قوة وأكبر نعمة يحوزها الإنسان ويمتلكها الإيمان الذي يتحدى الموت ويغلبه الإيمان الذي يسكن القلب في ســر وبحسبه يكون للإنسان ما يسأله
القديس لوقا الإنجيلي يقول : إن يايرس كان رئيس المجمع وإنه طلب إلى الرب يسوع أن يأتي إلى بيته لأن ابنته كانت على آخر نسمة، ثم بينما هم في الطريق إلى البيت جاء واحد من الخدم وقال: ابنتك ماتت فلا تتعب المعلم"... ولكن يسوع بادره بقوله: "لا تخاف أمن فقط فهي تشفى" هنا بينما كان إيمان يايرس يجوز في الامتحان الصعب إذا بيسوع نفسه يمد يده يسند إيمانه لئلا يفشل فكلمة المسيح ليايرس كان لها فعل حياة وقوة عجيبة مثلمـا طلب الرب من أجل سمعان في وقت التجربة لكي لا يفنى إيمانه مع بقية التلاميذ.وهذه النعمة كثيراً ما تدركنا ونحن في حال ضعفنا ونحن نلتمسها دائمًا بتوسل وسؤال الصلاة قائلين: زد إيماننا اسند إيماننا قوي ضعف إيماننا لأنه إن كان الذهب يمتحن بالنار فالإيمان وهو أسمى من الذهب يُمتحن وطوبى لمن يعبر التجربة بإيمان وثقة في القادر على كــل شيء.سكن هذا الإيمان بالمسيح في قلـب يــايرس وهـو مجرب إن المسيح معين المجربين، وإذ زحف الموت ليقتنص نفس صغيرته هرع إلى رب الحياة لكي لا يغتصب الموت نفس وحيدته فاستجاب واهب الحياة وكسر شوكة الموت.قال الرب للرجل: "لا" "تخف" إذ رآه في مهب ريح الشكوك فسكنت الكلمة القادرة رياح الشكوك وابكمـــت هيجان أمواج الموت فتشبث بالحياة نازفة الدم طلبت أن تلمس فقط هدب ثوبه أما يايرس فأصر أن يأخذ المسيح إلى بيته، وأراد أن يواجــه بالحياة أحزان الموت وصراخ الحزن فذهب الرب معـه ودخل بيته فدخلت الحياة الجسد الميت فتبدل الحزن إلى دهشة وفرح.
* من لنا بإيمان يايرس ومن لنا بثقته في المسيح من يقول: "أمسكته ولم أرخه". حقا إن الضيقات هــي التي تخرج بنا بأجمل الاختبارات، لأن ربنا في الضيق وجد نصيرا شديدًا وفي وادي ظل الموت صار لنا خير رفيق فطرد الخوف عنا آمن فقط دع عنك كل ما يدور حولك ركز البصر في النور، في الحياة، في المسيح دع عنك کلام الناس وصراخ وعويل النسوة وضجة المزمرين فهذه كلها حركات العجز الجسدي واليأس الحزين حينما يُقهر الموت الطبيعة الضعيفة آمن أن النور أقوى من الظلمة، والحيــاة أقـوى مـن الموت لا يضعف قلبك فغير المستطاع لدى الناس مستطاع لدى الله. * أما المرأة نازفة الدم فكانت بالنسبة ليــايرس كعلامة على الطريق على صدق المسيح وقدرته الإلهية. لقد قوت إيمانه وشددت رجاءه حينما جاءت وأخبرت أمام الجميع كيف جف نزيف دمها في الحال عندما لمسـت هدب ثوبه تأكد وقتها أن ابنته ستقوم ولو ماتت المرأة نازفة الدم صارت برهانا على نعمة الإيمان التي سكنت قلبه لم يعد يايرس يحتاج إلى تشجيع ولا إلــى كلمات آية استعادة الحياة صارت حقيقية أمامه فسجد في قلبه للمسيح لقد جاء جاثيًا طالبًا أن تشفى ابنته فلما أبرأ المسيح نازفة الدم وجاءت وخرت عند قدميه كان قلب يايرس يقدم السجود معها لواهب الحياة.
* المسيح يسند إيماننا بكلمته أي بالإنجيل لأن فيــه كــل مواعيده الصادقة، وكلمته حية فعالة بكل المقاييس ومن يدخل الإنجيل إلى قلبه يتشدد إيمانه يكفي أن تسمع من فم المسيح كلمة: "لا تخف، آمن فقط".الخوف هو العدو الأول للإيمان لأن من خاف لم يتكمل في المحبة بل المحبة الكاملة تطرد الخوف إلى خارج" الخوف ينشئ شكا في الإيمان بطرس الرسول لما خاف من الأمواج والرياح حوله وحول نظــــره الذي كان مثبتا في المسيح بدأ يشك وإذ داخله الشك بدأ يغرق ثم في الطريق إذ نحتاج إلى معونة لتكميل المشوار يتدخل الرب ليسندد إيماننا بالأكثر ، إذ يرينا آيات وعجائب أعماله في أخوتنا بقوة تفوق الإدراك، فنرى ونزداد إيمانا بواهب الحياة ونسير وراءه غير خائفين وغير عابثين بالمزمرين والنادبين والمشككين والهازئين إذ يكون إيماننا وقد سنده الرب بالكلمة (الإنجيل) وبالآية يكون إيماننا قد تخطى دوائر الشك ودخل مراحل اليقين فلا يهتز ولا يتزعزع مهما قابلنا من ظروف وهكذا يأتي بنا المسيح إلى ملء القيامة والفرح ويبــــدد حزننا ويزيل مخاوفنا إلى التمام إذ نكون قد أكملنا السعي وحفظنا الإيمان.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
30 سبتمبر 2023
إنجيل عشية الأحد الثالث من شهر توت ( مر ١ : ٢٩ - ٣٤ )
ولَما خرجوا مِنَ المَجْمَعِ جاءوا للوقتِ إِلَى بَيتِ سمعان وأندراوس مع يعقوب ويوحنا، وكانت حمـاة سمعان مُضطَحِعَةً مَحمومَةً ، فللوقت أخبروه عنها فتَقَدَّمَ وأَقامَها ماسكا بيدها، فتركتها الحمـى حــالاً وصارت تخدِمُهُمْ. ولَما صار المساءُ، إِذ غَرَبَتِ الشَّمس، قدموا إليهِ َجميعَ السُّقَماءِ والمَجانين. وكانت المدينة كُلُّها مُجتَمِعَةً عَلَى الباب. فشَفَى كثيرين كانوا مَرْضَى بأمراض مُختَلِفَةٍ، وأخرج شياطين كثيرةً، ولم يَدَع الشَّياطين يتكَلَّمُونَ لأَنَّهُمْ عَرَفوهُن.
فصل إنجيل شفاء حماة سمعان بحسب إنجيل القديس مرقس الرسول - يذكر أن الرب تقدم وأقامها ماسكا بيدها، فالقديس مرقس الرسول في إنجيله يظهر عمل الخلاص في التلامس مع شخص المسيح وهذا يظهره مارمرقس في معظم آيات الشفاء حتى أنه يقول: إن جميع الذين لمسوه برئوا ووقع عليه ليلمسه كل من فيه داء، والمرأة نازفة الدم لمست هدب ثوبه فقط و حين قدموا إليه الأعقد الأصم (مر ٧) وضع يديه في أذنيه وتفل ولمس لســــانه وقال له: "إفثا أي انفتح". فقوة الخلاص بحسب بشارة مارمرقس كائنة لنا التلامس مع شخص الرب يسوع. أمسك بيدها ليتني في كل حين أتحسس بالإيمان يمين الرب التي تمسك بيدي وأقول: "أمسكت بيدي اليمين"، وأقول مع المرنم يمين الرب رفعتنـى يمين الرب صنعت القوة وأدرك وعد الرب بفم إشعياء القائل: "أنا هو الممسك بيمينك" ذراع المسيح قوية أليست هي التـي شــقت البحـــر الأحمر وصنعت طريقا للمفديين هو يمسكني بيمينه فأشعر في الحال بقوة ذراعه تنتشلني من فراش مرضي هـذه اليد التي قبلت المسمار من أجل خلاصي. تمتد إليَّ لترفعني من مذلة خطيتي لما مدها لعروس النشيد ولاحظت أثر المسمار أنت أحشاؤها بالوجع والحب وتحركت نحــــو الذي أحبها إلى المنتهى تطلبه حتى تجده. يمين الرب يسوع ممتدة مبسوطة بسطت يدي طول النهار"يطلب أن نقبل إليه إنه ينادي "تعالوا إليّ وأنـــا أريحكم".هو يمسكني لكي لا أعثر ويمسكني لكي يسندني لأنـى بدونه ضعيف وساقط لما ابتدأ القديس بطرس يغرق وصـرخ نحــو الــرب الواقف أمامه قائلاً : "يارب نجني" مد المسيح يده وانتشله قائلا: "لماذا شككت يا قليل الإيمان"مد يده وأقامها يمين المسيح يمين القيامة ليس من مرض وحمى بل من الموت حين يمد يده ماسكًا أياي أشعر بروح القيامة يسري في كياني. هي ذات اليــــد قدمها لتوما مؤخراً قائلاً: "هات" يدك وضعها في أثـر المسمار وحين تلامس معها توما الرسول صرخ قائلاً: "ربي وإلهي" ففي يد المسيح تستعلن القيامة ويتشدد الإيمان ويتقوى رجاء الإنسان.أما من يتأمل يد المسيح الماسكة بالسبعة كواكب الذين هم ملائكة السبع الكنائس فيدرك يد ضابط الكل الذي بيده مقاليد الأمور ومصائر الأشياء. وهو مدبر كنيسته لأنـه أسقف نفوسنا وراعينا الصالح ونحن شعبه وغنم رعيته. ثم يذكر القديس مرقس أن المدينة كلها كانت مجتمعة على الباب إذ أدركت الجموع ينبوع النعم والشفاء لجميع السقماء تقاطرت وازدحمت حول المخلص يطلبون أن يلمسوه وينالوا البرء من أمراضهم وكان يسوع كلما يرى الجمع يتحنن عليهم إذ كانوا منطرحين كغنم لا راعي لها. ولكن المؤسف أنهم كعادة اليهود طلبوه فقط من أجل حاجات الجسد!!.
أليسوا هم الذين أكلوا المن طعام الملائكة ولكنهم أكلوه جسديًا فماتوا !.
لا يُدرك المسيح إلا إذا أردنا أن نحيا به، ولا يُطلـب المسيح من أجل خيراته التي يمنحها لنا بغنى ولكن يُطلب لأجل ذاته.لا تطلب عطايا المسيح بل اخرج اطلب المسيح نفسه. ولا تقنع حتى بالخيرات الروحية التي يعطيها لك، بل تمسك به لكي تأخذه لك وتقول مع عروس النشيد: "حبيب لي وأنا له".
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
23 سبتمبر 2023
إنجيل عشية الأحد الثاني من شهر توت ( لو ٤ : ٣٨ - ٤١)
ولما قامَ مِنَ المُجمَع دَخَلَ بيت سمعان. وكانت حَماةُ سِمعان قد أخذتها حُمَّى شَديدَةٌ. فسألوهُ مِنْ أجلِها.فوقَفَ فوقها وانتَهَرَ الحُمَّى فتركتها! وفي الحال قامت وصارَتْ تخدمُهُمْ. وعِندَ غُروبِ الشَّمس، جميع الذينَ كانَ عِندَهُمْ سُقَمَاءُ بأمراض مُختَلِفَةٍ قَدَّمُوهُمْ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وشَفاهُمْ. وكانت شياطينُ أيضًا تخرُجُ مِن كثيرين وهى تصرخ وتقول: أنتَ المَسيحُ ابن الله فانتَهَرَهُمْ وَلم يَدَعَهُمْ يتكَلَّمُونَ، لأَنَّهُمْ عَرَفوهُ أَنَّهُ المَسيحُ ".
شفاء حماة سمعان :
هذا الفصل من الإنجيل وضعته الكنيسة في صلاة الغروب في صلوات السواعي في الأجبية لكي نصليه كل غروب شمس لما فيه من منفعة في حياة أولاد الله، فنهاية النهار وغروب الشمس يشير إلى قرب حلول الظلام ومع الظلام المخاوف والمتاعب والأوهام والأمراض ولنا أن نجد المسيح عند غروب الشمس فتهرب كل هذه الأمور المخيفة. فإذا كان لنا المسيح معنا وفي بيتنا فلن تغيب شمسنا الشمس المادية تغيب وتطلع قانونها هـو الـدوران الدائم صباحًا ومساءً لا يمكن أن تدوم على حال، هـــي دائمة الدوران وعنها تنتج الدورات الكثيرة في الحياة ليل ونهار، صيف وشتاء حر ،و برد بداية اليوم ونهايته بداية الأسبوع ونهايته، ثم الشهور والسنون، ولكنها تدور كدورات عقارب الساعة. لا تهدأ ولا تسكت ولا ترجع إلى الوراء ومع دورانها تطوي أجيالاً جيل يأتي وجيل يذهب ومع دورانها يأتي وقت لنقطة تحتل القمة ونقطة أخرى تكون في القاع. ولكن دوام الحال من المحال فالقمة لا تبقى لأحد فعندما تدور الدورة تنزل النقطة العالية في طريقها إلى أسفل. هذا حال الزمن ومسكين من يقع تحت وطأته!! أما المسيح شمس البر فليس عنده تغيير ولا شبه ظــــل دوران شمس دائمة نور من نور لا ينقطع ولا يتغير ولا يتبدل ولا يعتريه التغير بل هو أزلي أبدي دائم لا يحتويه مكان ولا زمان... هو غير الزمنى ، غير المبتدئ.العالم إن رفع فهو إلى زمان سل الذين احتلوا يوما مكان القمة وماذا كان نهاية الأمر !!. قد تصل قوة الجسد إلى القمة في الشباب في العنفوان في الافتخار بالجسد وصحة الجسد وجمال الجسد وشهوة الجسد ولكن هذا لا يدوم تدور الدورة فيضمحل الجسد ويذبل جمال منظره مثل العشب كقول يعقوب الرسول وتخمد شهواته كقول الحكيم لأن الجسد راجع إلى التراب حين تظلم النواظر وتضعف كل القوة. وهكذا الذين احتلوا المراكز العالية حين رفعهم العالم ومجدهم الناس لم تدم لهم الكراسي طويلاً، بل تركوها لغيرهم وكثيرون انقلبت بهم الدوائر فنزلوا مـن علــى الكراسي وذاقوا المذلة بعد العز (راجع تسبحة العذراء القديسة مريم). وهكذا الذين اقتنوا الغنـى المــادي غيـر اليقيني حيث يأكل السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون. هذا هو غروب الشمس عند الذين ارتبطوا وربطوا مصائرهم بشمس هذا العالم الذي يزول ويتغير هذا هو غروب الشمس لكل الذين جعلوا رجاءهم في الجسد والتراب والعالم ومجد العالم وأحبوا هذا العالم. ولكن يا لسعدنا نحن الذين ارتبطنا بمسيح الحياة الأبدية وشمس البر والشفاء في أجنحتها. "كان عند غروب الشمس كل الذين عندهم مرضى بأنواع أمراض كثيرة يقدمونهم إليه وكان يضع يديه علــــى كل واحد ويشفيهم". هذا هو رجاؤنا في ساعة الغروب نتقدم إليه ليلمسنا، ويشفي سائر أمراضنا لسنا نعتفي مــن المرض فطبيعتنا مائلة إلى الفساد لا نستحي أن نكشف أوجاعنا فهو فاحص القلوب ومختبر الكلى كل من يأتي إلى المسيح ينال شفاء جميع الذين نظروه استناروا ووجوههم لم تخجل.لمسة واحدة من يد المسيح الحانية قادرة أن تزيل الآلام والهموم، فلماذا لا يكون هذا هو نصيبنا في كل غروب شمس؟!.
لما سألوه من أجل حماة سمعان وهي راقدة محمومة،جاء إليها ووقف فوقا منها وانتهر الحمى لماذا يقف إيماننا هكذا ضعيفا؟ لماذا لا نثق بالمسيح ثقة كاملة وبيقين شديد أنه قادر أن يقيم من الأموات؟ انتهر الحمى فأطاعت انتهر البحر فسكت والريح أيضا استمعت إلى كلمته لسنا نقترب إلى المسيح لأجل حاجات الجسد فقط، وإلا حصرنا عمل المسيح الخلاصى لحساب الجسد وهذه خسارة جسيمة المسيح مُخلِّص نفوسنا وفادي حياتنا من الموت الأبــدي والفساد الأبدي الذي يطلب المسيح، من أجل حاجات الجسد فقط يهين المسيح ويهين صليبه الذي به أقامنا من موت وعفن ونتن الخطية.
يا ليتنا عند غروب الشمس نقدم للمسيح ليس فقط نفوسنا بل وكل من نحبهم ونرى أنهم مرضى وسقماء بكل أنواع الخطايا نقدمهم إليه بسؤال الصلاة والطلبـة والتضرع الواثق بعمل المسيح أنه يلمسهم ويشفيهم وتنتهي الحمى ويطرد المرض إلى خارج علامة شفاء حماة سمعان هي الخدمة. خدمة المسيح وتلاميذ المسيح في الحال قامت و خدمتهم" لقد عادت صحيحة قادرة بنعمته على عمل الخدمة. "وكانت شياطين تخرج من كثيرين وهى تصرخ وتقول: أنت هو المسيح ابن الله الحي الشياطين فزعت لما عرفته وصرخت وولت هاربة وهل تقدر الظلمة أن تتراءى أمام الشمس ؟ هيهات هكذا أرواح الظلمة فرت هاربة صارخة. "لا يظن أحد أن الشيطان كان يشهد للمسيح وللاهوته بقوله أنت هو المسيح ابن الله الحي. فالمسيح لا يقبـــل شهادة الشيطان حتى لو كانت صادقة فهو عن اضطرار يقول والمسيح لا يقبل كلامه بل انتهره قائلاً: اخرس فكان" ينتهرهم ولا يدعهم ينطقون".إياك وكلام العدو الشيطان حتى لو بدا أنه يقول الحق فهو بعيد كل البعد عن الحق ولا يعرف الحق فلا تخدعك حيل الشياطين ولا أقوالهم لا من قريب ولا من بعيد، ولا تقبل من فم الشيطان كلمة لأنه كذاب وأبــو الكذاب.تمسك بالمسيح شمس حياتك اسلك في النور لأنه هو النور الحقيقي وأنت مولود منه .جميعكم أبناء نور وأبناء نهار.أما أعمال الظلمة غير المثمرة فلا تشتركوا فيها بل بالحري وبخوها".
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
16 سبتمبر 2023
إنجيل عشية الأحد الأول من شهر توت( مت ١١ : ١١ – ١٩)
الحَقَّ أَقولُ لكُم لم يَقُمْ بَينَ المَوْلُودِينَ مِنَ النّساء أعظَمُ مِن يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماواتِ أعظَمُ مِنهُ. ومن أيّام يوحنا المعمدان إلى الآن ملكوت السماوات يُغصَبُ والغَاصِبونَ يَحْتَطِفونَهُ. لأنَّ جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا. وإِنْ أردتُمْ أنْ تقبلوا ، فهذا هو إيليا المُزمِعُ أَنْ يأتي. " مَنْ لهُ أُذُنان للسَّمْعِ فَلَيَسمَعْ . وبمَنْ أَشَبِّهُ هذا الجيل؟ يُشبه أولادًا جالسين في الأسواق يُنادون إلى أصحابهم " ويقولون : زَمرنا لكُمْ فلم ترقُصوا ! نحنَا لَكُمْ فلم تلطموا !لأَنَّهُ جَـاءَ يوحنا لا يأكُلُ ولا يَشرَبُ، فيقولون: فيه شيطان. جاءَ ابنُ الإنسان يأكُلُ ويَشرَبُ، فيقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمرٍ، مُحِب للعشارين والخطــاةِ. والحِكمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ بَنيها ".
صوت صارخ في البرية
يقع عيد استشهاد القديس يوحنا المعمدان ثاني يوم عيد النيروز، أي اليوم الثاني من شهر توت. لذلك رتب الآباء هذه القراءة في الأحد الأول. وإنجيل العشية فصل من حديث الرب يسوع عن يوحنا المعمدان الحق أقول لكم إنه لم يقم من بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان،ومن أيــام يوحنــا المعمدان إلى الآن ملكوت السموات يغصب والغاصبون يختطفونه".والتدبير هنا بديع للغاية، حيث تتوافق المناسبتان، مناسبة بداية عام قبطي جديد، ومناسبة شهادة يوحنا المعمدان كارز التوبة والصراخ في برية العالم كله ورجل الاستقامة والنسك وحياة التجرد. فإن كنا في بداية السنة دائمًا نرجو إصلاح سيرتنا وتتحرك فينا دائمًا حواس التوبة والرجوع إلى الله وأن نبدأ بدءًا حسنا.نحتاج إلى يوحنا المعمدان قائماً في وسطنا وصوته الصارخ يهز كياننا من جديد ويوقظ فينا الروح الذي اعتمدنا به وله منذ زمان ولكن تاه عنا الصوت أو ابتعدنا عنه بإرادتنا إلى الوراء نطلب ما للعالم والجسد بل صرنا أهواء الهوان اليوم يتجدد لنا الصوت لأنه إن مات فهو يتكلم بعد حاجتنا اليوم شديدة إلى فعل الروح الناري، روح إيليا وقوته لكي تستقيم أرجلنا مرة أخرى في طريق الخلاص. لقد تعوّجت بنا المسالك حتى صرنا إلى التيه في برية العالم الموحش وارتفعت بنا تلال الكبرياء وطرحتنا إلى انخفاض الانكسار فارتفعنا وانطرحنا بين الارتفاع والانخفاض. تاهت عنا السهول ومسالك الخلاص المستقيمة وعرفنا الغش والكذب واللف والدوران واستحسان طرق العالم وأساليب الخداع وعدم الصراحة وعدم المحبة مع الرياء، واستلطاف النجاسات وكل ما يخدم الجسد والجسدانيات.
أين ملامح المسيح ونوره الحقيقي؟ أين ملامح المسيحيين في الأمانة والحب الصادق وطهارة السيرة والسريرة؟.
لقد تفرقنا وتمزقنا إلى شيع وأحزاب وفرق كثيرة. وقبلنا مجد الناس ومدح الناس، بل مدحنا أنفسنا حين قسـنا أنفسنا إلى أنفسنا ولم نقس حياتنا إلى القديسين مــن كــل الفئات الذين برهنوا بحياتهم أنهم كانوا صادقين في المحبة،صادقين في الإيمان. و مادام الحال هكذا صرنا نحتاج إلى بوق الله، وصراخ يوحنا المعمدان ملاك العهد، قبل أن يدركنا بوق القيامة ونحن على حالنا من الكسل والتواني والتفريط والبرودة في الروح.يوحنا يصرخ أعدوا طريق الرب، قوموا سبله مستقيمة. كل تل الكبرياء وأكمة التعالي تنخفض الاتضاع هـو سبيل الخلاص. المسكنة والانكسار أمام الله يرفـــع الإنسان يرفع البائس من المزبلة، والكبرياء يحــط الإنسان إلى أسفل الجحيم. نحتاج أن نأخذ الأمر بجدية لتغيير الحياة من جذورها والبداية هي الإصغاء إلى صوت الصارخ ليزلزل أساسات الشر في داخل النفس، ويهدم كل علو وكل تعال علـــى هذا يصير قول الرب إنه ليس من بين المولودين مــن النساء أعظم من يوحنا لقد صار بالنسبة للتائبين والسامعين والراجعين عن طرقهم الردية، أعظم من البشر لأن من يقود إلى التوبة وتغيير الحياة وينقذ النفس من الهلاك، هل يوجد إنسان أعظم منه؟. على أن الأمر يحتاج إلى أكثــر صـحـو فكثيرون سمعوا يوحنا المعمدان يكرز بالتوبة والرجوع ولكن رفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم غير معتمدين منه بينما كثيرون أقبلوا إليه كصوت إنقاذ ونجاة وإذ سمعوا منه عملوا فقادهم إلى المسيح وأرشدهم إلى حمل الله. القديس يوحنا المعمدان هو الذي قدم المسيح للعالم كحامل خطية العالم وهو الذي يُعمد بالروح القدس والنـ صوت المعمدان يقود إلى المسيح حيث الحياة الأبدية. ملكوت الله يُغصَب ما أعجب قول الرب، إنـــه مــــن أيام يوحنا المعمدان، صار الملكوت يُغصب ويختطف والغاصبون يختطفونه فالملكوت أصلاً ليس من حقنا، فنحن خطاة فإن حصل أحد عليه فقد أغتصبه اغتصابًا واختطفه. فالأمر إذن يحتاج إلى هذا الجهاد العجيب، كيف تغتصب الملكوت؟ كيف تختطفه ؟ وإلا فلا نصيب في الملكوت.الجهاد المسيحي ليس سهلاً، ولا يوجد فيه تدليل للنفس ولا استهتار ولا رخاوة ولا تكاسل هو اغتصاب ملكوت الله، وبعبارة أخرى قالها الرب كل واحد يغصب نفسه إليه" لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد. فالذين يعيشون بالروح يعيشون حياة التغصب، أقمع جسدي واستعبده بالأصوام والصلوات والجهادات والأسهار. إن أعثرتك عينك اقلعها هذا فعل تغصب. يتدرب الإنسان عليه... أن يكف عينه عن الشر بكل جهاد وقوة. إن أعثرتك يدك اقطعها واغصب نفسك إلى الملكوت... كف لسانك عن الشر ... كفوا عن فعل الشر، تعلموا فعل الخير كقول داود النبي: "من كل طريق شر منعت رجلي"(مز ١١٩ : ١٠١).
أجاهد ليس كمن يلاكم الهواء تعلمت أن أكون مكتفيًا بما أنا فيه لماذا الطمع ؟ أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني.يا ليت روح يوحنا المعمدان يتجــدد لنا، ونسمع صوته من وراء الأزمنة يصرخ اصنعوا أثمارا تليق بالتوبة".فالتوبة ليست صراخا ودموعًا ونـدما على الخطايا وحسب، بل هى ثمار وأعمال وحركة تجديد للحياة كلها وتنقية للقلب الذي منه مخارج الحياة.
المتنيح القمص لوقا سيدراوس
عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد