المقالات

18 سبتمبر 2023

كيف نحبّ الآخرين ؟ المحبّة الثابتة

«من يثبت في المحبة يثبت في الله، والله فيه » ( ١يو ٤ : ١٦) المحبة الحقيقية تكون ثابتة، فلا تتزعزع على الإطلاق. لأن مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء المحبة، والسيول لا تغمرها » نش ۷:۸) ومن المعروف أن المحبة كثيراً ما تتعرض للعواصف ولكن ليبها لا يمكن أن ينطفئ المحبة السطحية تنمو سريعاً ، ثم لا تلبث أن تجف . وقد شرح ذلك السيد المسيح حينما تكلم عن مثل الزارع الذي خرج ليزرع ، وفيما هو يزرع سقط بعض على مكان محجر، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالاً إذ لم يكن له عمق أرض. ولكن لما أشرقت الشمس إحترق، وإذ لم يكن له أصل جف. هؤلاء هم الذين حينما يسمعون الكلمة يقبلونها للوقت بفرح . ولكن ليس لهم أصل في ذواتهم بل هم إلى حين. فبعد ذلك إذا حدث ضيق أو إضطهاد من أجل الكلمة، فللوقت يعثرون (أنظر مر٥:٤، ٦ ، ١٦ ، ١٧). المحبة ينبغى أن يكون لها عمق ، فلا تتأثر بالعوامل الخارجية .هي عطية من الله لا يستطيع العالم بكل ثقله أن يسحقها ، وهى نار إلهية لا يستطيع الشيطان بكل عواصف تجاربه أن يطفئها .هذه المحبة المنسكبة في القلب بالروح القدس، تختلف تماماً عن كل محبة أخرى في العالم. لقد رأينا هذا النوع من الحب فى السيد المسيح - المثل الأعلى في المحبة الذي تهتز محبته حينما صوبت نحوه سهام الكراهية بل صلى لأجل صالبيه ملتمساً لهم العذر وطالباً لهم الغفران. ولم تهتز محبته لبطرس حينما أنكره أمام الجارية والخدام، بل نظر إليه معاتباً حتى أن بطرس خرج خارجاً وبكى بكاءاً مراً ( أنظر مت ٢٦ : ٧٥ ) . المحبة تتعرض للتجارب : لا يمكننا أن نتصور أن لا تتعرض المحبة للتجارب ، بل تختبر مثل الذهب الذي يجرب بالنار... في محبتنا الله ينبغى أن تكون ثابتين غير متزعزعين، وفى محبتنا لإخوتنا أيضاً ينبغى أن تكون ثابتين، فلا نتقلب في محبتنا لهم . المحبة المتقلبة غير الثابتة تفشل في إثبات أصالتها .لأن برهان المحبة الحقيقية هو فى ثباتها وعدم تقلبها . والمحبة الأصيلة لا تحتج بأى علل تبرر عدم ثباتها ... وأمامنا مثال يوسف الصديق فى محبته الله وفى محبته لإخوته . مثال يوسف بن يعقوب : لقد حسده إخوته لسبب محبة أبيهم له ـ وكان مستحقاً لهذا الحب ولكنه ظل ثابتاً في محبته لإخوته الذين حسدوه وذهب باحثاً عنهم ليفتقد سلامتهم . وحينما أبصروه قادماً تآمروا ليقتلوه ، ثم ألقوه في البئر. وبعد ذلك باعوه إلى الإسماعيليين... ولكنه ظل ثابتاً في محبته لهم ولم ينطق بكلمة واحدة تدل على عدم المحبة. وقد ظهرت هذه المحبة جلية واضحة في مسامحته لهم حينما إقتادهم إلى التوبة بعد أن صار سيداً في أرض مصر.أما في محبته الله فبالرغم من الأحلام المقدسة التي أعلنها له الله ، فقد عصفت التجارب بهذه المحبة حتى وصل به الأمر إلى السجن فى مصر متهماً بأبشع الخطايا وهو الذي كان أميناً في كل شيءولكن كانت محبة الله في قلب يوسف أقوى من ظلام التجربة الدامس فبقى ثابتاً فى محبته وحينما إجتذبته المرأة الخليعة إلى السقوط قال بكل ثبات «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطىء إلى الله » ( تك ۹:۳۹) - كان يوسف رائعاً فى هذا القول لأنه لم يشك في محبة الله بالرغم من التجارب المريرة التي سمح الله بأن يجتازها ، حتى صار عبداً منفياً بعيداً عن أبيه الذى أحبه وعن إخوته الذين باعوه لم يعتبر أن سكوت الله فى وقت التجربة مبرراً لكي يخطىء في حقه قال ذلك لأنه أحبه من كل القلب لم يستطع الشيطان أن يقنعه بأن الله قد نسيه، لكى يجتذبه بذلك إلى نسيان وصايا الله بل كانت المحبة في قلب يوسف ترجو بإستمرار أن يتدخل الرب لإنقاذه من الشرور التي أحاطت به، ويعيده إلى كنف أبيه لكى يعبد الله في وسط إخوته « أخبر بإسمك إخوتى فى وسط الجماعة أسبحك » (مز ۲۲ : ۲۲ ) كانت الأحلام التي رآها تراود مخيلته، وتهتف فيه بمشاعر الرجاء فظل ثابتاً في محبته إلى النهاية فليكن لنا فى يوسف الصديق مثالاً ودرساً وعبرة لحياتنا لكى نكون ثابتين في الحب . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثالث عشر عام ١٩٨٩
المزيد
11 سبتمبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟. المحبة الخادمة

بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً » ( غل ٥ : ١٣ ) . المحبة الخادمة : تفرح بالخدمة، وتسرع إليها ، بلا توان أو تقصير. فالخدمة كامنة في طبيعتها وفي أعماق إقتناعاتها .هي تتخطى كل الحواجز والعقبات، ولا تتعلل بأية عقبةمهما كانت صعوبتها . وهى تضع نفسها تحت الكل لكى ترفعهم، لأن الخدمة "الفوقية " التي تتعالى على الآخرين لا تنجح في كسب النفوس ، ولا ترفع أحداً من حضيض ضعفه، بل بالعكس ربما تأتى بنتيجة عكسية، وتزيد المخدومين إنحداراً إلى اسفل. هذا قال السيد المسيح «من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً . ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً. كما أن إبن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين » مت ٢٦:٢٠ -٣٨ المحبة الخادمة : لا تسعى وراء الألقاب ولا الوظائف الرسمية، بل تعمل بفرح فى الحدود اللائقة برتبتها دون جسارة.ولكنها تستطيع أن تعمل الكثير حتى من خلال أبسط الأمور التي لا يكترث لها المنقادون إلى الأمور العالية . للأسف فإن بعض الخدام يكون لهم أسماء لامعة في مجال خدمة الكنيسة، ولكنهم ينفرون من الأعمال البسيطة التي لا تحيط بها مظاهر العظمة والتوقير. فقد يتهربون من أداء أية خدمة بسيطة في المنزل لمساعدة أهل البيت مثل الوالدين ويصير الخادم العملاق ذو الصيت الذائع أبعد ما يكون عن روح الخدمة الحقيقية في حياته الخاصة والعائلية بل ربما يصير عشرة لمن يعرفون عنه هذا المسلك . المحبة الخادمة : تهرب من المناصب - كلما وجدت الفرصة لذلك. وتجد مسرتها فى أن تخدم في الخفاء، لأن دافعها هو الحب للآخرين . المحبة الخادمة : لا يهدأ لها بال حتى تتمم عملها بصورة مرضية، وتطمئن على مصير من تحبهم .. مثل الأب الكاهن الذى يسهر على نفوس مخدوميه، وهو يردد قول المزمور «لا أعطى لعيني نوماً، ولا لأجفاني تماماً، ولا راحة لصدغى، إلى أن أجد موضعاً للرب ومسكناً لإله يعقوب » (مز ۱۳۲ : ٤، ٥) . فهو يبحث عن موضع للرب في قلب كل إنسان، ويهتم بكل أحد ليخلصه . المحبة الخادمة : تهتم جداً بأن تكون أمينة في القليل الذي بين يديها، لأن الأمين فى القليل أمين أيضاً في الكثير» (لوا١ : ١٠) . لهذا فهى لا تسعى إلى مزيد من المسئوليات حتى تكمل العمل المطلوب منها بأمانة . كيف نتدرب على المحبة الخادمة ؟ 1 - فلنبداً بأبسط الأمور لأن الذي يحمل حقيبة لإنسان مسافر قد أصابه التعب، يستطيع أن يحمل أثقال الغير في رحلتهم نحو الأبدية والذي لا يحتمل أن يترك إنساناً عطشاناً في موضع قفر، بل يسرع لنجدته لن يحتمل أن ينظر حالة العطش الروحي الرهيبة الموجودة في العالم، بل يتحرك بقوة ليعمل من أجل إنتشار ملكوت الله والذي يعرف قيمة النفس البشرية الواحدة في شخص زميل أو صديق أتاحت له الظروف الفرصة لخدمته روحياً ، سوف يعرف قيمة كل نفس في الرعية إذا اختارته العناية الإلهية لرعاية الآلاف من أنفس شعب المسيح وفى كل ذلك نرى أن الخدمة ليست وظيفة ولكنها أسلوب حياة . ٢- لندرب أنفسنا على الإسراع إلى خدمة الآخرين لكي نأخذ بركة هذه الخدمة فلا نضيع الفرصة المتاحة لنا، وذلك لأن الفرصة التي تفوتنا قد لا تتكرر مرة أخرى . ٣- ولتدرب أنفسنا أن لا نطلب خدمة الآخرين لنا بقدر ما تخدمهم نحن أى أن يضع الإنسان في قلبه أن لا يكون في موضع الذي يتكى بل الذى يخدم وأن لا يكون هو في موقف الذي يأخذ بل الذى يعطى متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ » (أع ٢٠: ٣٥) . ٤- ولندرب أنفسنا أن تتعب لكي يرتاح الآخرون وحينئذ سوف نجد راحة لأنفسنا فى الرب، كما أننا سوف نجد لأنفسنا بعد التعب - موضعاً في كل قلب ترتاح فيه . إذا تقدمنا لكى ننال شرف الخدمة فلنتذكر أن الخدمة هي طريق الصليب، وهى أيضاً طريق المجد، كقول الرب « إن كان أحد يخدمني فليتبعني. وحيث أكون أنا هناك أيضاً يكون خادمي . وإن كان أحد يخدمتى يكرمه الآب » (يو ١٢ : ٢٦) . أنواع من المحبة الخادمة : هناك خدمة الصلاة ، وخدمة التسبيح، وخدمة الكلمة والتعليم، وخدمة الأسرار وخدمة الرعاية والإفتقاد، وخدمة الفقراء والمحتاجين، وخدمة المرضى، وخدمة المجتمع أنواع كثيرة من الخدمة نقدمها لله وللناس، ولكن المحبة هي القوة الدافعة لها جميعاً وحينما نخدم فإننا نشترك مع المسيح الذي جاء ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين. كما أننا نشترك مع الملائكة خدام العرش الذين يسبحون الرب بغير فتور ومع الملائكة المرسلة للخدمة «أليس جميعهم أزواجاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب ١: ١٤ ). نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثانى عشر عام١٩٨٩
المزيد
04 سبتمبر 2023

كيف نحب الآخرين؟ المحبة المحتملة

المحبة المحتملة هى التى تحتمل التعب من أجل الآخرين، وهي التي تحتمل ضعفات غيرها، وهى أيضاً التي تحمل أثقالهم احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا تمموا ناموس المسيح » غل ٦ : ٢ ) . محبة المسيح : السيد المسيح أعطانا مثال الإحتمال في المحبة حينما احتمل الآلام من أجلنا، وحينما حمل خطايانا في جسده «أحزانناحملها، وأوجاعنا تحملها » ( اش ٥٣ : ٤ ) قديماً قال موسى لشعب اسرائيل « لا أقدر وحدى أن أحملكم كيف أحمل وحدى ثقلكم وحملكم وخصومتكم.» ( تث ۱ : ۹، ۱۲). لم يستطع موسى أن يحمل وحده هذا الشعب، ولا أن يحمل ثقلهم ولا خطاياهم ولكن السيد المسيح قد حمل خطية العالم كله (يو١ : ۲۹ ، ۱ : ٣٦) ، وهو «حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين (اش ٥٣: ١٢). حمل السيد المسيح وحده خطية العالم ولم يستطع أحد من البشر أن يحمل معه ثقل الخطية التي كفر عنها بذبيحة نفسه على الصليب (عب ٩ : ٢٦ ) عن هذا تنبأ اشعياء النبي فقال «من ذا الآتي من أدوم بثياب حمر من بصره هذا البهى بملابسه قد دست المعصرة وحدى ، ومن الشعوب لم يكن أحد معی» (اش ١:٦٣- ٣) وقد أوضح داود النبى في مزاميره ما احتمله السيد المسيح من تعييرات إذ قال « لأنى من أجلك احتملت العار. غطى الخزى وجهی صرت أجنبياً عند إخوتي ، وغريباً عند بني أمي . لأن غيرة بيتك أكلتنى، وتعييرات معيريك وقعت على » (مز ٦٩ : ٧-٩) والقديس بولس الرسول يدعونا للتأمل فيما إحتمله السيد المسيح «ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه إحتمل الصليب مستهينا بالخزى ، فجلس في يمين عرش الله فتفكروا فى الذى احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه، لئلا تكلوا وتخوروا فى نفوسكم (عب ۱۲ : ٢-٣) .لقد حمل السيد المسيح الصليب (يو ۱۹ : ۱۷)، وحمل إكليل الشوك (يو ١٩ : ٥)، وحمل خطايانا فى جسده على الخشبة (١بط ٢ : ٢٤ ) ، واحتمل الآلام واحتمل التعيير والعار والخزى والرذل والإحتقار والمقاومة والشتم والإنكار والخيانة والمحاكمة، واحتمل القيود كمذنب حتى أحصى مع أئمة ( اش ٥٣ : ١٢) ، واحتمل أن يجوز معصرة سخط وغضب الله (رؤ ۱۹ : ١٥) واحتمل أن يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد (عب ٢ : ٩) كل ذلك لمحبته لنا وإطاعته الكاملة للآب السماوى، معطياً إيانا المثل الأعلى في المحبة المحتملة فليتنا ننظر نحو احتماله ونتعلم إن العقل يقف مذهولاً أمام هذه الحقيقة: أن السيد المسيح قد حمل خطايا ملايين البشر، ووقف أمام الآب السماوى - نائباً عن البشرية لكي يأخذ العدل الإلهي حقه بالكامل في ذبيحة الصليب . محبتنا لإخوتنا : «المحبة تحتمل كل شيء » ( ۱ کو ۱۳ : ۷ ) هناك مستويان روحيان في الإحتمال : ١ - أن يحتمل الإنسان ضعفات الآخرين - من أجل المحبة ويسامحهم عليها من كل قلبه ٢ - أن يحمل الإنسان خطايا غيره : أي لا يكتفى بأن يحتمل خطايا الغير، بل أن يحملها نيابة عنهم، ناسباً خطايا غيره إلى نفسه - كأنه هو المذنب أو أن تُنسب إليه خطايا غیره.وهو في هذا يحتمل أن يحمل خطايا غيره وهو برىء لكى يدفع جزءاً من ثمن هذه الخطايا، أو أن يدفع ثمنها بالكامل مثلما قيل عن السيد المسيح «نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله ، لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه »(۲ کو ٥ ۲۰ - ۲۱) إن الذي يحتمل هو أيضاً الذي يحمل أثقال الآخرين وبالمحبة يحتمل هذا الثقل، وكل أنواع المشقة مثل الأم التي تحمل طفلها فى البطن، ثم تحتمل كثيراً في رضاعته وفي السهر على تربيته، إلى أن يبلغ حد القامة كل ذلك تفعله المحبة، في صبر وفرح وبدون مقابل نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الحادى عشر عام ١٩٨٩
المزيد
28 أغسطس 2023

كيف نحب الآخرين ؟

المحبة الباذلة : تكلمنا عن« المحبة الغافرة » وعن «المحبة المتأنية » ،ونتكلم الآن عن « المحبة الباذلة » وهذه وتلك كلها مظاهر متنوعة للمحبة فالمحبة واحدة لا تنقسم المحبة الطاهرة المنسكبة في القلب بالروح القدس ،هي نفسها تظهر في الغفران ، وفي التأني ، وفي البذل ،وهكذا وإذا تكلمنا عن البذل في المحبة ، فإننا نتكلم عن برهان المحبة الصادقة لأن المحبة الحقيقية تختبر بالألم تختبر في العطاء تختبر عند التضحية بما هو عزيز ومحبوب من السهل أن نتكلم عن المحبة ، أو أن تنسب لأنفسنا أننا نحب غيرنا .ولكن يبقى كل ذلك يفتقر إلى دليل ، حتى يأتى الإمتحان وحينئذ تنكشف حقيقة محبتنا وهناك من لا يتكلم عن محبته ،ولكنها تظهر جلية في تصرفاته لهذا قال معلمنا يوحنا الرسول «يا أولادي لا نحب بالكلام، ولا باللسان بل بالعمل والحق » ( ١يو٣ : ۱۸ ) . وتحدث معلمنا يعقوب الرسول عن الإيمان العامل بالمحبة وأهميته فقال « أرني إيمانك بدون أعمالك وأنا أريك بأعمالي إيماني» (یع ۲ : ۱۸) أي أن إيماننا العامل بالمحبة سوف تظهره أعمال محبتنا نحو الله ، ونحو الآخرين تنفيذاً للوصايا الإلهية إن طريق المحبة هو طريق الصليب لهذا قال السيد المسيح «إن أراد أحد أن يأتي وراثي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني » ( لو ٩: ۲۳ ) . والمحبة هي عطاء متواصل لا ينقطع هي بذل مستمر للذات هي معانقة الصليب في كل لحظة من الحياة لهذا قال السيد المسيح « كل يوم » المحبة تفرح بالبذل تفرح بالعطاء تفرح بالصليب ، لأن الصليب هو وسيلتها في التعبير عن نفسها ، بل بأكثر وضوح ـ هو وسيلتها في برهان حقيقتها وصدقها . الأبوة والرعاية : الأبوة والمحبة الباذلة أمران لا يفترقان وقبول رسالة الأبوة هو قبول للبذل والتضحية والتعب من أجل راحة الأبناء كذلك الرعاية تقترن بالبذل ، وقبول عمل الرعاية هو قبول لرسالة المحبة الباذلة وهكذا نرى السيد المسيح يحدد رسالته الرعوية فيقول « أنا هو الراعي الصالح ، والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف » (يو۱۰: ۱۱). وقد سار القديس بولس الرسول على منهج السيد المسيح فقال لابنائه « يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم » (غل ٤ : ١٩) وقال كذلك « الموت يعمل فينا ولكن الحياة فيكم » (۲کو٤ : ۱۲ ) بمعنی أنه كان يحتمل الآلام من أجل النفوس التي يرعاها ،وكان يقدم نفسه للموت باستمرار لكي تعمل الحياة فيهم وهكذا في محبته للسيد المسيح ، وفي محبته للمخدومين كان يتغنى للرب ويقول « من أجلك نمات كل النهار» (رو٨ : ٣٦) محبة الله الآب : لم يكن ممكناً أن تفهم كمال معنى البذل في المحبة بالنسبة لله الآب ، إلا من خلال تجسد الكلمة ـ أي تجسد الإبن الوحيد الذي وضع نفسه لأجلنا لأنه « هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية » (يو٣: ١٦). محبة الشهداء : الشهداء امتحنت محبتهم لله ولإخوتهم وقد نجحوا في الامتحان « ولم يحبوا حياتهم حتى الموت » ( رؤ ١٢ : ١١) لأنهم أحبوا الرب أكثر من ذواتهم كما أنهم شعروا بمسئوليتهم في الشهادة للآخرين بقوة إيمانهم ، حتى يقتادوا غيرهم إلى صمود الإيمان فكانوا بذلك سبباً في خلاص الكثيرين في جيلهم وفي الأجيال اللاحقة . ثمار المحبة الباذلة : قال السيد المسيح « إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت ، فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير» (يو۱۲ :٢٤ ) البذل الذي في المحبة يتحول - بنعمة الرب ـ إلى قوة للحياة فالمحبة الباذلة لابد أن تثمر وأن يتألق مجدها ، كما تألقت محبة المسيح على الصليب وقد تحولت آلام الصليب إلى قوة للحياة وصارت طريقاً إلى المجد فيجد المحبة الباذلة الكامن في الصليب ، صار معلناً في القيامة فطوبى لمن يتأمل ويفهم و يتخذ من البذل طريقاً للمحبة . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد العاشر عام ١٩٨٩
المزيد
21 أغسطس 2023

لقب "والدة الإله" في الصلوات الطقسية بكنيستنا

إن لقب "والدة الإله" يتردد كثيرًا في صلوات الكنيسة الجامعة الطقسية كمصطلح مقبول كنسيً،ا تم قبوله على مستوى الكنيسة الجامعة في مجمع مسكوني وهو المجمع المسكوني الثالث في أفسس 431م. وهذا اللقب هو لقب مُحبَّب إلى قلوب أبناء الكنيسة المخلصين المحبين للقديسة العذراء مريم والدة الإله ويحلو لهم ترديده.في القداس الإلهييرتل كل الشعب لحن: "بشفاعة والدة الإله القديسة مريم يارب أنعم لنا بمغفرة خطايانا".ونفس العبارة تقال في الهيتنيات قبل قراءة البولس. في مقدمة قانون الإيمان التي وضعها البابا كيرلس عامود الدين؛ تُتلى في رفع بخور العشية وباكر وفي القداس الإلهي وفي كل الصلوات الطقسية والتي نقول فيها: "نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله".وفي مجمع القداس يقول الكاهن: "وبالأكثر القديسة المملوءة مجدًا العذراء كل حين والدة الإله القديسة مريم".في صلاة الأجبيةفي كل ساعة من سواعي الصلوات السبع نجد القطعة الثالثة والسادسة (إن وُجدت ثلاث قطع أخرى) من قطع الصلوات التي تُتلى بعد قراءة الإنجيل كلها مخصصة للسيدة العذراء ويتردد فيها لقب "والدة الإله".في تسبحة نصف الليلهناك ثيئوطوكية أي "تمجيد لوالدة الإله" لكل يوم من أيام الأسبوع، وهي كلها تشرح سر التجسد الإلهي.. علاوة على أن جزءًا من ثيئوطوكية الأحد يُرنَّم كل يوم بعد الهوس الأول، بالإضافة إلى ثيئوطوكية اليوم، وكلها يتردد فيها لقب والدة الإله، كما أن هناك الشيرات التي تُقال في تسبحة يوم السبت. وبعد مجمع التسبحة تقال الذكصولوجيات وهي تماجيد للقديسين وفي مقدمتها ذكصولوجية السيدة العذراء التي يبدأ بها المرتل كل الذكصولوجيات، وأخرى للسيدة العذراء أيضًا تقال في ختام الذكصولوجيات. وهذه الذكصولوجيات يتردد فيها لقب "والدة الإله".وهناك ذكصولوجية باكر التي تقال بعد صلاة باكر كل يوم وبها جزء تمجيد للسيدة العذراء تُلقَّب فيه بلقب "والدة الإله".كما أن هناك كثير من ألحان الكنيسة الخاصة بالمناسبات الكنسية يتردد فيها لقب "والدة الإله" مثل اللحن العريق الذي تردّده كنيستنا والكنائس اليونانية وهو لحن "أومونوجينيس" الذي يقال في يوم الجمعة العظيمة وفي سيامة الآباء البطاركة وفي تقديس الميرون ويرد فيه لقب "والدة الإله". نيافة مثلث الرحمات الحبر الجليل الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
31 يوليو 2023

كيف نحب الآخرين ؟

تتنوع مظاهر المحبة العملية. فبعد أن تكلمنا عن المحبة الغافرة، وعن الغفران بأنواعه وأبعاده ومفهومه السليم . نتكلم الآن عن : المحبة المتأنية ( طول الأناة ) : طول الأناة صفة جميلة من صفات الله ، وهي أيضا ثمرة من ثمار الروح القدس في حياة أولاده وطول الأناة يعبر عنه أحياناً بطول الروح ، أو ببطء الغضب مثلما قيل عن الرب إنه «حنان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة » (مز١٤٥: ٤). أو أنه « إنه رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء . حافظ الإحسان إلى ألوف ، غافر الإثم والمعصية والخطية » (خر٣٤: ٧،٦). وقد ورد الحديث عن لطف الله وطول أناته حينما حذر القديس بولس الرسول من الإستهانة بطول أناة الله على الخطاة « أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة » (رو٢: ٤). بمعنى أن طول أناة الله لا يعنى التصريح للخاطيء أن يتمادى في شرورة وخطاياه ، بل بالحرى أن يشعر بالخجل من معاملة الله له لطف مقتاداً إياه إلى التوبة. وقد أكد القديس بطرس الرسول هذا المعنى حيثما قال « اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس ولا عيب في سلام واحسبوا أناة ربنا خلاصاً » ( ۲بط ٣ : ١٣، ١٤). كما قال أيضاً «لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطوء ، لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس ، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة » ( ۲بط ۳ : ۹) فضائل مترابطة : حينما يتكلم الكتاب المقدس عن طول الأناة في حياة المؤمنين يقترن ذلك بذكر الصبر أو اللطف أو الترفق ، لارتباط هذه الفضائل معا . « وأما ثمر الروح فهو محبة ، فرح ، سلام ، طول أناة ، لطف ، صلاح ، إيمان ، وداعة ، تعفف » (غلا ٥: ۲۲). لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضى ، مثمرين في كل عمل صالح ، ونامين في معرفة الله . متقوين بكل قوة بحسب قدرة مجده لكل صبر وطول أناة بفرح » ( أف ١: ١٠). «المحبة تتأتى وترفق » (١کو١٣: ٤). فالصبر يقود إلى طول الأناة، وطول الأناة يقترن باللطف والترفق . وهكذا ترتبط الفضائل بعضها ببعض كثمار للروح القدس الواحد . طول أناة الله حيثما تتكلم من طول الأناة، ينبغي أن نتذكر دائماً أن الرب كثيراً ما أطال أناته علينا بصفة خاصة، كما أطال أناته على البشرية بصفة عامة ولولا ذلك لما أمكن أن نوجد في رضى الرب على الإطلاق ماذا كان من الممكن أن يحدث لو أن الرب نفذ حكم الموت بالكامل في آدم في نفس اللحظة التي أخطأ فيها ؟ لقد مات آدم إذ دخل إليه الموت . ولكن الرب أطال أناته .حتى جاء منه نسل كإمتداد مؤقت للجنس البشرى ، وحتى يأتى من هذا النسل من « فيه كانت الحياة » (يو١: ٤). ومن يستطيع أن يسحق رأس الحية و يعيد الحياة إلى الجنس البشرى مرة أخرى ماذا كان من الممكن أن يحدث لو أن الرب لم يطل أناته على البشرية في تاريخها الطويل على مدى آلاف السنين حتى مجيء المخلص ؟ كثيراً ما أخطأ البشر ـ يهوداً كانوا أم أميين وأغاظوا الرب يسوء أفعالهم » الجميع زاغوا وفسدوا ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد، (رو۳ : ۱۲). ولكن الرب أطال أناته على الجميع ليرحم جميع الذين يقبلون خلاصه ومحبته ماذا كان من الممكن أن يحدث لو أن الرب لم يطل أناته يوم الصليب ، فأنزل سخط غضبه على البشر الذين تجاسروا وصلبوا السيد المسيح ؟ هؤلاء منهم من نخسوا في قلوبهم - بعدالصلب واعترفوا للسيد بلاهوته وآمنوا به وقبلوه مخلصا وفاديا ماذا كان من الممكن أن يحدث ، لو أن الرب، لم يطل أناته على شاول الطرسوسي الذي اضطهد المسيحيين بعنف إلى أن ظهر له الرب في الطريق إلى دمشق ؟ وصار شاول هو بولس الرسول أكثر من تعب في الكرازة بالمسيح ، وأثمرت كرازته في كل مكان لولا طول أناة الله لما أمكن أن يبقى الجنس البشرى منذ البداية ، وما أمكن أن يستمر على مدى الأجيال، ولما أمكن أن يتم الفداء، ولما أمكن أن تتم الكرازة بالإنجيل لجميع الأمم ولما أمكن أن يوجد كل أولئك القديسين الذين تألقت فضائلهم فأناروا المسكونة، وسوف يتألقون مع المسيح في ملكوت أبيهم ما أعظم المكاسب الذي حصلت عليها البشرية لسبب طول أناة الله هذا كلما تصلى في كل ساعة تقول عنه الإله «الطويل الروح الكثير الرحمة الجزيل التحنن الذي يحب الصديقين و يرحم الخطاة الذي لا يشاء موت الخاطيء مثلما يرجع وتحيا نفسه الداعي الكل إلى الخلاص لأجل الموعد بالخيرات المنتظرة » (خاتمة صلاة الأجبية ) . أهمية طول الأناة : طول الأناة يعطى فرصة للآخرين ليصلحوا أخطاءهم، أو ليتدرجوا في الفضائل ، فالفضيلة تحتاج إلى وقت لإقتنائها والمحبة تمنح فرصة للآخرين لينتقلوا من دائرة الخطأ إلى دائرة الصواب . لأن المحبة لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق ، ولا تتصيد الأخطاء بل تتأنى وترفق ناظرة بعين الرجاء إلى مستقبل أفضل . وحينما نتعامل مع أخوتنا ، ينبغي أن تطيل أناتنا عليهم مثلما أطال الرب أناته علينا ولعلنا نتذكر المثل الذي قاله السيد المسيح عن العبد المديون بعشرة آلاف دينار الذي توسل أمام سيده ساجداً « يا سيد تمهل على فأوفيك الجميع . فتحنن سيد ذلك العبد واطلقه وترك له الدين» (. مت ۱۸ : ٢٦ ، ٢٧).وإذ لم يتمهل العبد على رفيقه المديون له بمئة دينار،غضب السيد وسلمه إلى المعذبين وقد أكد السيد المسيح في هذا المثل أهمية التمهل على أخوتنا وإطالة أناتنا عليهم فقال هكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته » (مت ۱۸: ٣٥).الكنيسة في صلاة باكر تذكرنا بوصية القديس بولس الرسول بشأن السلوك المطلوب في علاقة الإخوة ببعضهم «بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضاً في المحبة ، مجتهدين تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام » ( أف ٤ : ٢، ٣). إن التحلى بالصبر وطول الأناة يجعلنا نكسب أناساً كثيرين نكسب محبتهم ونكسب ثقتهم وعرفانهم بالجميل كما أنه يجعلنا نكسب كثيراً في علاقتنا مع الله ، إذ يطيل الله اناته علينا بالمثل حتى يأتى بنا إلى الكمال ، وإلى « القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب » ( عب ١٢: ١٤ » . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثامن عام ١٩٨٩
المزيد
24 يوليو 2023

كيف نحب الآخرين ؟

المحبة الغافرة ( تكملة ) : المحبة الغافرة هي نوع من المحبة التي لا تطلب ما لنفسها ، بل تطلب ما هو للآخرين، سعيا وراء خلاصهم واصلاح شأنهم . حتى أنها من الممكن أن تضع نفسها عوضاً عنهم ، طالما كانت هناك بارقة أمل في هذا الخلاص والإصلاح .هذه المحبة الغافرة التي لا تطلب ما لنفسها ، أعطانا السيد المسيح مثالاً لها حينما طلب المغفرة لصالبيه . إذ قال «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون » ( لو٢٣ : ٢٤).كانت هذه هي أول كلمات السيد المسيح على الصليب ، مدفوعاً بمحبته غير الموصوفة واظهر بها حرصه الشديد على طلب الغفران للبشر الذين جاء سعياً وراء خلاصهم ولم تمنعه كراهية صالبيه له ، من أن يطلب لهم الغفران ، ملتمساً لهم العذر.عن هذا الموقف العجيب الخالد تحدث قداسة البابا شنوده الثالث في تأمله في كلمات السيد المسيح على الصليب فقال [ المسيح إلهنا الحنون ـ وهو في عمق الآلام على الصليب . كان منشغلاً بغيره لا بنفسه . ولم يذكر آلامه ولا تعبه ولا جراحاته . لم يأبه لآلام السياط على ظهره، ولا بإرتكاز المسامير في يديه وقدميه ، ولا بوخز الشوك في جبينه ورأسه، ولا بجسده المرضوض المنهك وإنما ترك كل ذلك جانباً، وكان كل ما يشغله هو محبته للبشر، وأول ما فكر، فكر في إنقاذ كارهيه وصالبيه وهكذا كانت أول كلمة قالها على الصليب « يا أبتاه أغفر لهم » كان حقاً في عمق المقاساة من هؤلاء الذين يطلب لهم الغفران ! .. ولكن محبته لهم كانت أكثر من عداوتهم له، عداوتهم التي لا توصف من عمق بشاعتها ] .هذه العبارة التي قالها السيد المسيح في عمق آلامه استطاعت أن تغير حياة الكثيرين ، بل إن كثيراً من قد آمنوا بالسيد المسيح وأحبوا المسيحية بسببها .. شروط الغفران : كما ذكرنا في المقال السابق فإن المحبة الغافرة السليمة ، هي تلك التي تضع نصب أعينها مصير من تحب ، كما أنها لا العدالة المطلوبة في إطار الكمال الذي يليق بالحياة مع الله . تعارض إطلاقاً لهذا فإن الغفران يأخذ كثيراً من المعاني، وله أبعاد كثيرة في المسيحية بالنسبة إلى الله ، وبالنسبة إلى الناس : ١ ـ بالنسبة إلى الله : الغفران بالنسبة إلى الله له شرطان : الإيمان والتوبة وعن هذا الأمر كتب قداسة البابا شنوده الثالث في حديثه عن طلب السيد المسيح المغفرة لصالبيه 🙁 على أن قول السيد المسيح «يا أبتاه اغفر لهم »، لا تعنى أنه غفر لجميع صالبيه على الإطلاق ، بلا استثناء فلا يمكن أن يتمتع بالمغفرة ـ من صالبيه وغير صالبيه إلا من ينطبق عليهم شرطان مبدئيان جوهریان ، هما الإيمان والتوبة لأنه بدون الإيمان والتوبة، لا يمكن أن ينال أحد خلاصاً ولا مغفرة] . ۲ ـ بالنسبة إلى الناس : حينما تتشبه بالسيد المسيح الذي طلب الغفران لمن أساءوا إليه وتطلب المغفرة للآخرين فإننا في هذا ننظر إلى خلاصهم تنظر بعين الرجاء إلى توبتهم القادمة .من من الناس كان يتصور أن أريانوس الوالي الذي عذب الشهداء المسيحيين بمنتهى القسوة سيتحول يوما إلى المسيحية ويصير شهيداً وقديسا تعترف به الكنيسة ؟! لاشك أن صلوات كثيرة قد رفعت من أجله، واستجاب لها الله وقال أريانوس المغفرة من الله حينما تاب عن شروره وأعلن إيمانه بالسيد المسيح .الغفران بالنسبة لنا يعنى أمرين : الأول : أننا لا تطلب الإنتقام ممن أساءوا إلينا ، بل تطلب لهم أن يتربوا «صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يطردونكم » (مته : 44). والثاني : أننا تظهر لهم المودة في مقابل الإساءة لكي تحاول أن تكسبهم عن طريق الحب « أحبوا أعداءكم احسنوا إلى مبغضيكم » (مته : 44). أما في إطار الحياة داخل الكنيسة فهناك أمر ثالث جوهري وهو حرصنا على أن تكون الكنيسة صورة أو أيقونة لملكوت الله . كما أن لا مسئولية خاصة بالنسبة لإخوتنا : تجعل المغفرة مرتبطة بتوبتهم وإستقامة مسلكهم . وهذا يقودنا إلى الحديث عن : الغفران في الحياة داخل الكنيسة : الكنيسة كعروس للمسيح في صورة حقيقية لاورشليم السمائية التي لا يدخلها شيء نجس أو دنس ( رؤ۲۱ : ۲۷ ) . والإفخارستيا ( أي الاشتراك في سر القربان) هي استعلان مبكر للإشتراك في الحياة الأبدية مع المسيح فمن يدخل إلى الكنيسة ، ويشترك في سر القربان المقدس ، يكون كمن يدخل إلى الملكوت لينال الحياة الأبدية. هذا لا يشترك في سر القربان إلا المؤمن التائب الذي نال حلاً من خطاياه ، واستحق الغفران بعد أن مارس التوبة والاعتراف ، وجاهد في إصلاح سيرته بالتوبة .حينما دخل السيد المسيح بيت زكا وقف زكا وقال « ها أنا يارب أعطى نصف أموالى للمساكين وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف » (لو١٩ : ٨). لهذا قال السيد « اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضاً إبن ابراهيم » ( لو۱۹ : ۹). لقد جاهد زكا في إصلاح سيرته ـ إذ كان رئيساً للعشارين-ورد ما عليه للآخرين ، رافعاً عنهم الظلم الذي أوقعه هو عليهم . فإذا أخطأ شخص في الكنيسة ، لا تمنحه الكنيسة حلاً إلا إذا تاب توبة حقيقية. والكنيسة مسئولة عن إنذاره وتقويم سيرته ومنعه من التمادي في الخطية وقد توقع عليه عقوبات وتأديبات كنسية حرصاً على أبديته وخلاص نفسه وأيضاً في علاقة أعضاء الكنيسة ببعضهم قال ، السيد المسيح « إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما . إن سمع منك فقد ربحت أخاك » (مت۱۸ : ١٥). وهذا يوضح مسئوليتنا تجاه إخوتنا في ربح نفوسهم للمسيح . فمن واجبنا - إذا أخطأوا أن نعاتبهم أو نوبخهم. وإن تابوا أن تغفر لهم « إن أخطأ إليك أخوك فوبخه، وإن تاب فإغفر له » ( لو١٧: ۳).ولكن كل ذلك ينبغى أن يجرى في إطار المحبة الأخوية ، العديمة الغش والرياء «محتملين بعضكم بعضا بالمحبة ، مسرعين إلى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل » (أف ٤ : ٣). فليست كل الأمور تحتاج إلى عتاب أو توبيخ . بل ما نراه يهدد سلامة إخوتنا الروحية، ويمنع عنهم المغفرة من الله لسبب عدم تويتهم .وحينما تعاتب إخوتنا فلنعاتبهم بلطف وشفقة كلما أمكن ذلك ، حاملين في قلوبنا بالحب روح التسامح ، لكي نجتذبهم إلى التوبة متذكرين كلمات معلمنا بولس الرسول « كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح » (أف ٤ : ٣٢). نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد السابع عام ١٩٨٩
المزيد
17 يوليو 2023

كيف نحب الآخرين

تذكر إحسانات الآخرين وأهميته :- راينا كيف يجب أن نتذكر إحسانات الآخرين لكي تزداد محبتنا لهم . وقد أعجبني قول لقداسة البابا شنوده الثالث فيما كتبه عن خبرات في الحياة « لا تنس الخير الذي يفعله الآخرون بل إجعله سببا يقربهم إلى قلبك ، ويقربك إلى قلوبهم أشكرهم عليه وامتدحهم من أجله » . نسيان تعب المحبة :- من الأمور المؤلمة جداً للنفس ، أن يتعب شخص من أجلنا أو من أجل عمل جليل، ويبذل و يضحى ، ثم يرى أننا قد نسينا له هذا التعب أو أننا ننسب تعبه إلى أنفسنا ، وذلك حينما تدخل على تعبه، وتبنى عليه ، ثم ننسى أن نتسب إليه الفضل ، أو أن تذكر تعبه، أو أن نشكره عليه ربما يراوده الإحساس بأننا قد سلبنا منه هذا التعب أو اغتصبناه لأنفسنا وفي هذا نتذكر قول السيد المسيح « آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم » (يو٤ : ۳۸) الله نفسه يعطينا مثلاً رائعاً في عدم نسيان تعب الآخرين إذ أعلن لنا في الكتاب المقدس أن « الله ليس بظالم حتى ينسى تعب المحبة » (عب ٦: ١٠). ولعلنا نفهم من هذه الكلمات أن نسيان تعب المحبة في نظر الله يعتبر ظلماً . إذن ليس الظلم فقط هو في الاحكام غير العادلة، أو في اغتصاب أموال الغير وحقوقهم المحسوسة، بل أن نسيان تعب المحبة يعتبر ظلماً حقيقياً ووجود مال فائض بين أيدينا بينما ترى غيرنا محتاجاً إليه، يعتبر أيضا نوعاً من الظلم وقد اطلق الرب على هذا المال لقب «مال الظلم » وقال « اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى متى فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية » ( لو١٦: ٩). وهكذا نرى أنواعاً متعددة من الظلم ، ونحتاج أن ننمو في فضيلة المحبة، لكي ننجو من هذه الأمور جميعا. المحبة الغافرة :- إن كنا في محبتنا لإخوتنا نتذكر أفضالهم علينا ، ونحاول أن نتغاضى عن هفواتهم وتقصيراتهم لكي لا تؤثر على مشاعر محبتنا من نحوهم ،فإن هناك من المواقف ما يحتاج إلى غفران خطايا الآخرين سواء الأصدقاء منهم أم الأعداء وهذا يقودنا إلى الحديث عن المحبة الغافرة وحيثما نتكلم عن المحبة الغافرة فإننا نكون كمن يعانق الصليب لأن الغفران هو إنكار للذات هو محبة باذلة هو عطاء بلا مقابل لمن يعجز عن الوفاء هو تنازل عن الحق الشخصي بدون التنازل عن مبادىء الكمال المثل الأعلى في المحبة الغافرة هو السيد المسيح الذي طلب من الآب الغفران لصالبيه «لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون » ( لو ٢٣ :٣٤) على الصليب أخذ القاضي مكان المتهم ، لكي يوفى عنه دين خطاياه والمحبة الإلهية الغافرة لا تتعارض مع الكمال الإلهي الذي يطلب أيضاً أن يأخذ العدل مجراه ، بل هي المحبة التي تغفر وتوفى في آن واحد أي هي التي تدفع ثمناً لغفرانها من خلال عطاء الحب إلى المنتهى فليس الغفران الحقيقي هو تساهل مع الخطية وقبول لها ، لأن هذا يكون ضد قداسة الله بل هو رفض كامل للخطية ،مع عطاء فائق يمنح الخاطىء التائب القدرة على ترك الخطية ، والتحرر من سلطانها ، والإنتقال من موت الخطية إلى حياة البر والقداسة الغفران هنا هو عطاء للحياة من خلال المحبة « الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف » ( يو۱۰: ۱۲) . « أتيت لکی تكون لهم حياة ولكي يكون لهم أفضل » (يو١٠: ١١) المحبة الغافرة هي المحبة التي تضع نصب عينيها مصير من تحب فليست هي نوعاً من عدم المبالاة بحالة الآخر، بل هي تحمل أثقال الآخرين وتتألم لأجلهم، وقد تدفع حياتها ثمناً لنجاتهم عن مثل هذه المحبة المثالية قال قداسة البابا شنوده الثالث « المثاليات تحتاج إلى قلب نقي، وإلى ارادة وعزيمة . وأن يبذل الإنسان من أجلها ، ويحتمل في سبيل تنفيذها . وحينما يصعد إنسان على الصليب ، لأجل مثالياته، حينئذ يكون مثالياً بالحقيقة » (خبرات من الحياة ) . لقد عومل السيد المسيح بمنتهى القسوة من البشر الذين جاء لخيرهم ولخلاصهم ولم يدركوا محبته وجازوه عوض محبته شراً حتى تأسى قائلاً بلسان المرنم « بدل محبتي يخاصموننی » (مز١٠٩: ٤) « وضعوا على شرا بدل خير، وبغضاً بدل حبى » (مز١٠٩: ٥). ولكنه لم يتراجع عن الصليب لأن فيه كان - خلاص البشرية من البغضة والعداوة ، ومن كل الشرور وقد وجد السيد المسيح مسرته في الصليب (عب ۱۲ : ۲)، لأنه بالصليب أبطل العداوة بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان. وفتح طريقاً للحب أن يسرى في كيان البشرية التي اكتشفت محبته الغافرة على الصليب ، وآمنت به، وقبلت محبته. وحينما إكتشفت إثمها الهائل، جعلت تقبل جراحاته كقدس أقداس وكينبوع للغفران لا ينتهى أيتها المحبة الغافرة ، إن من يتكلم عنك يكون كمن يتكلم عن الله ، لأن « الله محبة » ( ١يو٤: ٨). مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد السادس عام ١٩٨٩
المزيد
29 مايو 2023

القيامة هي النور الذي أشرق

القيامة هي الجانب الملموس لمجد الصليب. ففي الصليب قوة المحبة الباذلة التي يبدو كأن بذلها يحتّم الغياب الحزين. أمَّا في القيامة فتظهر وهي حاضرة في جراح المصلوب القائم لكي تمنح لقابليها الفرصة للتعبير عن فرحهم وتقديرهم وامتنانهم.إن المحبة مثل الشمس إذا غابت فإنها تشرق في الجانب الآخر من المسكونة، وتعود لتشرق من جديد في صباح جديد حاملة معها كل الخير، وتعانقها أغصان الأشجار، وتتألّق بها قطرات ندى الليل، وينسى الطير غيابها لأنها لم تغب إلاَّ لتشرق؛ لا يعوقها عن موعدها لا الجبال ولا الآكام لأنها ترتفع متسامية فوق الجميع.لقد غاب حضور السيد المسيح عن أرض الأحياء حينما غاب بحسب الجسد عن تلاميذه القديسين. ولكنه مُماتًا في الجسد ومحييًا في الروح ذهب فكرز للأرواح التي في السجن. بشَّرهم وأشرق عليهم في العالم الآخر بنوره العجيب الذي فزعت منه الأرواح الشريرة وخفافيش الظلام. وفرح به آدم وبنوه الذين رقدوا على رجاء الخلاص.. وهكذا نقلهم من السجن إلى الفردوس، وطيّب قلوبهم بعد طول انتظار لآلاف السنين.أمَّا الكنيسة في أورشليم الأرضية فقد أشرقت عليها أنوار القيامة في اليوم الثالث، إذ قام الرب من الأموات وصار باكورة الراقدين. ورافقت قيامته مظاهرة تهتف للحياة من القديسين الراقدين، جاءت من العالم الآخر لتعلن أن شمس البر قد أشرق عليهم بنور خلاصه العجيب. ولم يكن لقيام أجساد القديسين الراقدين ودخولهم المدينة المقدسة أي معنى لولا أن شمس البر نفسه قد قام مُظهرًا أنه هو الحياة للجميع.من الآن سوف نفهم أن الهوان هو الجانب المنظور للمجد غير المنظور، والتخلّي هو الجانب المنظور للغنيمة غير المنظورة، والغياب هو الجانب المنظور للحضور غير المنظور، وفقدان الذات هو الجانب المنظور لوجودها غير المنظور.. وهكذا.. ولكن الجانب غير المنظور هو غير منظور بالنسبة للعالم الطبيعي فقط، أمَّا بالنسبة للروحيين أو لمَن يحيون بالإيمان فإنهم سوف ينظرون ما لا يستطيع العالم أن يراه.. لأن المجد لا يراه من باعوا المجد، والوجود الحقيقي لا يراه من باعوا وجودهم للباطل الزائل، والرب القائم لا يراه من رفضوا قيام الحق في حياتهم وأحكامهم.إن الرب سيبقى دائمًا هو الغائب الحاضر، المختفي الظاهر، لأنه هو الحق: والحق يتكلم حتى ولو صمت، ويتكلم حتى ولو بدا أنه قد ضاع، لأن الحق لا يمكن أن يضيع..في صباح أحد القيامة المجيد فلنهرع لنعانق النور الذي أشرق ولن يغيب إلى الأبد.في الخليقة القديمة كان الرب يقول: وكان صباح وكان مساء يومًا واحدًا. أمّا في الخليقة الجديدة فقد أشرق فجر أحد القيامة أي في اليوم الثامن الذي لن يغيب إلى أبد الدهور.إن من يحتفل بالقيامة فإنما يحتفل بالحياة الجديدة التي لا يغلبها الموت عابرًا كل عوامل الموت الزمني لأنه قد اتحد بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهِرت لنا (1يو1: 2). نيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل