المقالات

16 أكتوبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟ المحبة التي لا تتفاخر ولا تنتفخ

"المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ " ( ١كو١٣ : ٤ ) المحبة تسعى بطبيعتها لتكريم الآخرين، وتجد سعادتها فى أن تنكر نفسها لتكرم غيرها وذلك عملاً بنصيحة القديس بولس الرسول «مقدمين بعضكم بعضاً فى الكرامة» (رو۱۲ : ۱۰). «حاسبين البعض أفضل من أنفسهم » ( في ٢ : ٣) ولأن المحبة تفرح بتكريم ،غيرها، فإنها تنسب إليهم الفضل في كثير من الأمور، وتعمل وتنسب الفضل لمن تحب إنها من خلال منظار الحب ترى في تكريم الغير تحقيقاً لأهدافها، لأن في تكريمهم تمجيداً للفضيلة التي فيهم، وإبرازاً العمل نعمة الله بواسطتهم، وتشجيعاً لهم على المزيد من العمل لمجد الله لهذا كله فالمحبة لا تتفاخر، ولا تحاول أن تبدو متفوقة على من تحب ، أو أن تمدح ذاتها متفاخرة على الآخرين، أو أن تنتقص من شأنهم لكي تبدو في صورة المتفوق . الإنتفاخ يتعارض مع المحبة : حينما نقصت المحبة في قلب إبليس من نحو الله ، بدأ ينتفخ ويتفاخر وبالرغم من حكمته الكبيرة، إلا أن الكبرياء سيطرت على أفكاره، لأنها صارت خالية من المحبة «أفسدت حكمتك لأجل بهائك » ( حز ۲۸ : ۱۷ ) المحبة تمنع الكبرياء عن القلب، لهذا قيل أن «من يثبت في المحبة يثبت فى الله والله فيه» «لأن الله محبة» (١يو٤ : ١٦ ) إن المعرفة وحدها قد تقود إلى الكبرياء، أما المحبة فهى محفوظة على الدوام، وتحفظ المعرفة من الظلمة العقلية جميل أن يمتلىء العقل بالمعرفة التي تجعل المحبة تزداد أما المعرفة التي تقود إلى الإنحصار حول الذات، وإنهيار المحبة فهى معرفة باطلة ومفسدة للعلاقة مع الله ومع خليقته العاقلة لهذا ترى أن وصية المحبة الله هى الوصية الأولى والعظمى، والثانية مثلها - محبة القريب وبهذا يكمل الناموس كله والأنبياء (متى ٢٢ :٤٠) المحبة هي السر الخفى الذى يتدفق من قلب الله نحو الخليقة وهى الرباط المقدس الذي يربط الخليقة بالله . ويربطها بعضها ببعض على مثال الحب الكائن في الثالوث القدوس منذ الأزل المحبة هى سر الحياة، وهى رباط الكمال، وهي الوصية الأولى والأخيرة، والجديدة القديمة التي لا تشيخ، ولا تسقط أبداً لهذا صلى السيد المسيح قبل الصليب مباشرة، وخاطب الآب قائلاً: «أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتنى وعرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به، وأكون أنا فيهم»( يو ١٧: ٢٥، ٢٦) كانت أحلى طلبة للسيد المسيح هي أن يسكب الآب محبته في قلوب تلاميذه والذين أحبهم، وأن يحفظ فيهم الحب بعضهم نحو بعض «أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحداً كما نحن» (يو ١٧ : ١١) ونلاحظ أيضاً كيف ربط السيد المسيح بين الحب والمعرفة «أنا عرفتك الحب الذى أحببتنى به » ، «عرفتهم اسمك ليكون فيهم الحب»فالمعرفة السليمة الحقانية تقود إلى الحب، والحب يقود إلى المعرفة ويحفظها لهذا نرى حول عرش الله الشاروبيم الممتلئين أعيناً( أى ملء المعرفة) والسارافيم المتقدين بالنار ( أى ملء المحبة المشتعلة ) فليمنحنا الله معرفة مفعمة بالحب،وحباً ممتلئاً بالمعرفة الخالية من الإنتفاخ والكبرياء والعجرفة .( للحديث بقية ) نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد التاسع عشر عام ١٩٨٩
المزيد
09 أكتوبر 2023

كيف تحب الآخرين ؟

(المحبة ) لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق(١كو ١٣ : ٦) المحبة تتمنى لمن تحب أن يسلكوا في الحق وليس في الإثم أو الباطل هي تحزن لأجل من يسلكون حسب هواهم في الشر وتتألم لأجلهم وتفضل دائماً أن تراهم في طريق الحق. معلمنا بولس الرسول كخادم كان يبكى حينما يتذكر الذين انحرفوا عن جادة الصواب من بين أحباته ومخدوميه وكتب يقول "كثيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً أذكرهم الآن باكياً وهم أعداء صليب المسيح " ( فى ۳ : ۱۸). المحبة لا يمكن أن تفرح بهلاك الخاطيء، لأنها تتشبه بالله الذي يشاء أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون »(١تى٤:٢) المحبة تحزن كثيراً من أجل البعيدين عن الله ومن أجل البعيدين عن الطريق المؤدى إلى الحياة الأبدية، وتتمنى أن يخلصوا ، وأن يُقبلوا إلى معرفة الحق السيد المسيح بكى على أورشليم قائلاً: «إنك علمت أيضاً ما هو لسلامك، ولكن الآن قد أخفى عن عينيك ، لأنك لم تعرفى زمان افتقادك ) ( لو ١٩ : ٤٢ ) وعن محاولاته المتكررة مع أورشليم، لكي تسلك في طريق الحق، وتصنع مشيئة الله الذى أحبها قال «كم مرة أردت أن أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ، وأنتم لم تريدوا مت ۲۳ : ۳۷، لو ١٣ : ٣٤) ظلت محبة المسيح تنتظر وتقرع على الباب، حتى رفضت بصورة واضحة، حينما سمرت على الصليب خارجاً عن أورشليم «تألم خارج الباب» (عب ۱۳ : ۱۲ ) ومع ذلك فإن السيد المسيح لم يرفض شعبه، ولكن بقيت محبته تنتظر توبتهم وعودتهم إليه إن أرادوا . مثال داود و شاول : حينما أخطأ شاول الملك إلى الرب، واختار الرب داود ومسحه ملكاً على اسرائيل بيد صموئيل النبي، ابتدأ شاول يحقد على داود ، وملأت الغيرة قلبه، وذلك بالرغم من أن داود لم يفعل شيئاً ليسيء إلى شاول على الإطلاق، بل قدم له بكل محبة وكان مخلصاً له على الدوام وحاول شاول الملك مراراً أن يقتل داود ولم يتمكن، وطارده في البرية عدة مرات، وانقذه الرب من يده. وفى النهاية هرب داود، ولجأ إلى أخيش معوك ملك جت .وبعد أن عاش داود شريداً، مطارداً من شاول لسنوات عديدة، جاء اليوم الذي قتل فيه شاول في معركة جبل جلبوع . وتوقع البعض أن يفرح داود بمقتل شاول وثلاثة من بنيه في أن بعضهم اسرع ليبشر داود بهذا الخبر. وكانت المفاجأة أن داود قد حزن كثيراً وتأوه، وصار يرثى بنشيد القوس شاول و يوناثان ورجال الحرب الذين قتلوا . وقال أن يتعلم بنو يهوذا هذا النشيد"اَلظَّبْيُ يَا إِسْرَائِيلُ مَقْتُولٌ عَلَى شَوَامِخِكَ. كَيْفَ سَقَطَ الْجَبَابِرَةُ لاَ تُخْبِرُوا فِي جَتَّ لاَ تُبَشِّرُوا فِي أَسْوَاقِ أَشْقَلُونَ، لِئَلاَّ تَفْرَحَ بَنَاتُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، لِئَلاَّ تَشْمَتَ بَنَاتُ الْغُلْفِ. يَا جِبَالَ جِلْبُوعَ لاَ يَكُنْ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ عَلَيْكُنَّ، وَلاَ حُقُولُ تَقْدِمَاتٍ، لأَنَّهُ هُنَاكَ طُرِحَ مِجَنُّ الْجَبَابِرَةِ، مِجَنُّ شَاوُلَ بِلاَ مَسْحٍ بِالدُّهْنِ. مِنْ دَمِ الْقَتْلَى، مِنْ شَحْمِ الْجَبَابِرَةِ لَمْ تَرْجعْ قَوْسُ يُونَاثَانَ إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَيْفُ شَاوُلَ لَمْ يَرْجعْ خَائِبًا. شَاوُلُ وَيُونَاثَانُ الْمَحْبُوبَانِ وَالْحُلْوَانِ فِي حَيَاتِهِمَا لَمْ يَفْتَرِقَا فِي مَوْتِهِمَا. أَخَفُّ مِنَ النُّسُورِ وَأَشَدُّ مِنَ الأُسُودِ. يَا بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ، ابْكِينَ شَاوُلَ الَّذِي أَلْبَسَكُنَّ قِرْمِزًا بِالتَّنَعُّمِ، وَجَعَلَ حُلِيَّ الذَّهَبِ عَلَى مَلاَبِسِكُنَّ. كَيْفَ سَقَطَ الْجَبَابِرَةُ فِي وَسَطِ الْحَرْبِ يُونَاثَانُ عَلَى شَوَامِخِكَ مَقْتُولٌ. قَدْ تَضَايَقْتُ عَلَيْكَ يَا أَخِي يُونَاثَانُ. كُنْتَ حُلْوًا لِي جِدًّا. مَحَبَّتُكَ لِي أَعْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ." (۲صم ۱ : ۱۹ - ٢٦ ) كان داود يغار على مجد الله، فلم يفرح بنصرة الوثنيين والغلف على شاول الملك وجيشه. كما أن عداوة شاول له لم تنسه الصداقة الأولى، والمحبة القديمة والعشرة الحلوة، فصار بيكي و ينوح على أحبائه القدامى كان داود يتمنى أن يخدم شاول، إذ كان من قواد جيشه، وأن يضع مواهبه كمسيح للرب في خدمة المملكة، وتزوج ميكال ابنة شاول ، وتمنى أن يسكن سالماً في كتف حماء الملك. ولكن أحلام داود تبددت أمام عاصفة الحقد التي اجتاحت حياة شاول ، أنه أوشك ان يقتل ابنه يوناثان لسبب محبته واخلاصه لداود حتى ولكن المحبة التي لا تفرح بالإثم ، بل تفرح بالحق، فى حياة داود ظلت أمينة إلى النهاية وصارت مثلاً يحتذى لجميع الأجيال .ولم يكن هذا أمراً عارضاً في حياة داود ، بل تكرر في علاقته بابنه ابشالوم الذى قام ضده وطرده من كرسيه في أورشليم. وطارده بجيش كبير ليقتله. ولكن داود بالرغم من ذلك كان يتوسل إلى قواد جيشه والجنود أن يترفقوا بالفتى أبشالوم . وحينما مات أبشالوم في المعركة انزعج داود وصعد إلى علية الباب وكان يبكي ويقول هكذا وهو يتمشى يا ابنى ابشالوم یا ابنی ابشالوم يا ليتني مت عوضاً عنك يا ابشالوم يا ابنی (۲صم ۱۸ : ۳۳) . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد السادس عشر عام ١٩٨٩
المزيد
02 أكتوبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟ الثقة في المحبة

" المحبة لا تظن السوء " ( ١كو ١٣ : ٥ ) . المحبة تعطى نوعاً من الثقة دائما الإنسان يثق فيمن يحب يثق في أمانته، في اخلاصه في صدقه وصراحته معه لهذا فالمحبة لا تظن السوء، وهى ترى الجانب النير من الأمور، وتفترض حسن النية في الآخرين. ولا تحكم على أحد ممن تحب، دون أن تعطيه فرصة للدفاع عن نفسه لهذا فالعتاب هو سياج لحماية الثقة التي للمحبة العتاب يحمى المحبة من ظنون السوء . ولكن العتاب يحسن أن يستخدم فقط عند الضرورة، وليس في كل الأمور كبيرها وصغيرها، لئلا ينطبق عليك قول الشاعر: إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لن تلقى الذى لا تعاتبه فكن واحداً أوصل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة وبجانبه إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأى الناس تصفو مشاربه ؟ كيف نصون الثقة التي للمحبة : ۱ - رؤية الجانب النير : الحقيقة غالباً يكون لها في تقديرنا وجهان وجه مضىء ووجه مظلم فلا ينبغي أن نلتفت كثيراً إلى الجانب المظلم، بل للتركيز على الجانب المضيء حتى يتأكد العكس مثال ذلك : إذا قابلك شخص بوجه متجهم غير بشوش ، وشعرت أنه لم يحسن استقبالك فريما نظن أن هناك سوء تفاهم بينك وبينه ، أو أنه لم يعد يحبك مثل الأول ومن جانب آخر قد تعلل ذلك بأنه حزين أو مهموم بسبب ظروف صعبة يمر بها في حياته، أو أنه مريض أو متوعك أو مثقل ببعض الأمور المتعبة أو ببعض المشاكل التي يبحث لها عن حل فالجانب النير هنا ، هو افتراض أن ما حدث هو بسبب ظروف عابرة لا تخصك، وأنه لا يوجد شيء يعكر صفو العلاقة بينكما ومن الممكن الإنتظار لملاحظة ما يحدث في المستقبل، فإذا تكرر الوضع فمن الممكن الإستفسار عن سبب التعب البادي على الوجه وفى مرحلة تالية يأتي العتاب إن لزم الأمر.عموماً يلزمنا أن ندرب أنفسنا أن نبحث عن الجانب النير قبل أن نتأثر ونقتنع بالجانب الآخر، وهذا يقودنا إلى مبدأ آخر، وهو أن لا تحكم على إنسان دون أن نناقشه ونعطيه فرصة للدفاع عن نفسه . ٢ - عدم التسرع في الحكم بدون فحص : "هذا المبدأ ذكره القديس نيقوديموس، كعضو في مجمع السنهدريم أثناء الجلسات التحضيرية لمحاكمة السيد المسيح إذ قال ألعل ناموسنا يدين إنساناً لم يسمع منه. أولاً ويعرف ماذا فعل"(يو ٧: ٥١) وقد أكد السيد المسيح هذا المعنى حينما أوصى في عظته على الجبل لا تدينوا لكي لا تدانوا ، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون . وبالكيل الذى به تكيلون يكال لكم » (مت ۱:۷) إذا كنا نحب أن يحكم الناس علينا في ضمائرهم أو بأقوالهم، دون أن يعرفوا قصدنا الحقيقي ودوافعنا ، فيلزمنا نحن أن لا نحكم على الناس، دون أن تسألهم وتفهم دوافعهم الحقيقية يلزمنا أن نفترض حسن النية عند الآخرين، إلى أن يثبت عكس ذلك، لأن هناك مبدأ قضائياً أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته فلا أقل من أن يكون ميزاننا في الحكم مثل ميزان القوانين الوضعية فى العالم، من حيث درجة عدالتها من الممكن إذا تسرعنا فى الحكم، ولم نفترض حسن النية، أن نخسر محبة الكثيرين، وتنهار علاقتنا بهم بدون سبب معقول أو مقبول فلنطلب من الرب بلجاجة أن يحفظ لمحبتنا بساطتها حتى لا تظن السوء ، ولقلوبنا نقاوتها لكي تثبت في المحبة. نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الخامس عشر عام ١٩٨٩
المزيد
25 سبتمبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟ المحبة غير الحاسدة

الحسد هو خطية مشهورة من خطايا الشيطان، وبسبب هذا الحسد دخل الموت إلى العالم حينما حسد الشيطان أبوينا الأولين . أمثلة من الحسد :+يوسف الصديق حسده اخوته وحاولوا أن يقتلوه ، ثم باعوه للإسماعيليين ... السيد المسيح حسده رؤساء كهنة اليهود، فأسلموه لحكم الموت على يد بيلاطس الحاكم الرومانى «الذي علم أنهم أسلموه حسداً» (مت ۲۷ : ۱۸) . وقد أعماهم الحسد عن أن ينظروا محبة السيد المسيح لهم، وسعيه من أجل خيرهم وخلاصهم، فجازوه عوض محبته شراً. وأيوب البار حسده الشيطان، وأصابه بكثير من البلايا محاولا أن يقتلع محبته لله مدعياً أنه لا يتقى الرب مجاناً (أى ١ : ٩) سبب الحسد : من الواضح أن الحسد ينبع من الأنانية، والانحصار حول الذات، وهو ضد المحبة تماماً فالذى يحب يفرح لخير الآخرين، ونموهم وتقدمهم في كل شيء، بل يعمل جاهداً ليحقق كل ذلك في حياة الذين يحبهم الوالدان مثلاً يندر أن نراهما يحسدان أولادهما على ما يحققونه من تقدم في طفولتهم أو في شبابهم، بل على العكس يعتبران ذلك نوعاً من الأحلام التي يسعدان كثيراً بتحقيقها ، ويجاهدان بكل قوة الأجل ذلك . فالمحبة هي تجعلهما يفرحان بخير الأبناء .لماذا يكره الإنسان أن يأتى الخير لغيره ؟ ولماذا يأكله الحسد حتى يتمنى أن يزول هذا الخير؟ ولماذا تلتهب فيه هذه النار الحاسدة التي تفنى كل علاقته مع الآخرين ؟ السبب هو عدم المحبة .... مخاطر الحسد : يقول الكتاب حياة الجسد هدوء القلب، ونخر العظام الحسد» (أم ١٤: ٣٠) . الحسد يتعب الذين يقتنونه في داخل قلوبهم أكثر مما يتعب المحسودين لهذا فحينما نطلب في صلاة الشكر أن ينزع الرب عنا الحسد، فإننا نعنى أن ينزع عنا حسد الشياطين، وأن ينزع الحسد من قلوبنا نحو الآخرين الحسد يعمى البصيرة الروحية، فلا يستطيع الحاسد أن يرى نور المحبة ولا نور ملكوت الله ومجده إنه لا يفرح بالخير للغير، ولا بالخير أن ينتشر أما ملكوت الله فهو إنتشار الخير واتساع نطاقه، حتى أن الصلاح الكائن في الله يشمل كثيراً من الخلائق التي على صورته، والفرح الكائن في الله يشمل كثيراً من الكائنات العاقلة التي تفرح بوجودها معه وهكذا .ما أعظم الفارق بين حسد الشيطان للقديسين، وبين محبة معلمنا بولس الرسول الذى قال إن لى حزناً عظيماً ووجعاً في قلبي لا ينقطع. فإنى كنت أود لو أكون أنا نفسى محروماً من المسيح ، لأجل إخوتى أنسبائى حسب الجسد» (رو۹: ۲، ۳). إنها درجة عالية من المحبة لا نستطيع أن نفهمها ، إلا من خلال رؤيتنا للإتحاد بالله من خلال الحب ولعلنا هنا نقول : محال أن يصير محروماً من المسيح من وصل في محبته إلى درجة الإستعداد للحرمان من أجل الآخرين، دون أن يكون قد ارتكب ذنباً يستوجب ذلك ؟ عاقبة الحسد : الحسد يضر الحاسد ، أكثر مما يضر المحسود، وربما لا يضر المحسود بل يفيده . يضر الحاسد لأنه ينخر فى عظامه، ويؤذى كيانه ومشاعره وقد يتعب صحته تعباً كبيراً... ويضره لأنه يخسر محبة الآخرين، ولا يستطيع أن يكتشف محبتهم له ويضره لأنه خطية ضد المحبة، فيحرمه من الشركة مع الله كلى المحبة .و يضره لأنه يعمى بصيرته عن معرفة الحق، فيحرمه من معاينة ملكوت الله ، إذا استمر ثابتاً فى الحسد إلى النهاية مثل الشيطان. ومن جهة أخرى ، فإن المحسود ينال معونة من الله ضد الحاسد، مثلما صنع الرب الفداء لإنقاذ البشرية من حسد الشياطين ومثلما أنقذ يوسف من حسد إخوته، ورفعه وجعله سيداً لهم ومثلما بدد حسد الكتبة والفريسيين ورؤساء كهنة اليهود ، حينما قام السيد المسيح منتصراً من بين الأموات ومثلما ذكر أيوب وشفاه من بلاه، وعوضه أكثر مما كان وأنقذه من حسد الشيطان ومثلما كلل قديسين بأكاليل لا تذبل : أولئك الذين احتملوا الآلام، وإختبرت محبتهم فوجدت ثابتة، ولم يحبوا حياتهم حتى الموت، بل تمسكوا بمحبة الله إلى النهاية. ولهذا فقد غلبوا الشيطان بدم الخروف وبكلمة شهادتهم، ولم يقو حسد المشتكى أن يضرهم في شيء بل على العكس نالوا الأكاليل . المحبة لا تحسد ( ١كو ٤:١٣ ) : فلنحرص أن تكون محبتنا خالية من الحسد، ولتكن صلاتنا بلجاجة أمام الله ليحمى قلوبنا من هذا الحسد الدفين، الذي يتسلل إلى القلب خفية، ويفسد كثيراً من ثمار المحبة. ولنتذكر دائماً أن المحبة تطرد الحسد ، وأن الحسد يطرد المحبة . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الرابع عشر عام ١٩٨٩
المزيد
18 سبتمبر 2023

كيف نحبّ الآخرين ؟ المحبّة الثابتة

«من يثبت في المحبة يثبت في الله، والله فيه » ( ١يو ٤ : ١٦) المحبة الحقيقية تكون ثابتة، فلا تتزعزع على الإطلاق. لأن مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفىء المحبة، والسيول لا تغمرها » نش ۷:۸) ومن المعروف أن المحبة كثيراً ما تتعرض للعواصف ولكن ليبها لا يمكن أن ينطفئ المحبة السطحية تنمو سريعاً ، ثم لا تلبث أن تجف . وقد شرح ذلك السيد المسيح حينما تكلم عن مثل الزارع الذي خرج ليزرع ، وفيما هو يزرع سقط بعض على مكان محجر، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالاً إذ لم يكن له عمق أرض. ولكن لما أشرقت الشمس إحترق، وإذ لم يكن له أصل جف. هؤلاء هم الذين حينما يسمعون الكلمة يقبلونها للوقت بفرح . ولكن ليس لهم أصل في ذواتهم بل هم إلى حين. فبعد ذلك إذا حدث ضيق أو إضطهاد من أجل الكلمة، فللوقت يعثرون (أنظر مر٥:٤، ٦ ، ١٦ ، ١٧). المحبة ينبغى أن يكون لها عمق ، فلا تتأثر بالعوامل الخارجية .هي عطية من الله لا يستطيع العالم بكل ثقله أن يسحقها ، وهى نار إلهية لا يستطيع الشيطان بكل عواصف تجاربه أن يطفئها .هذه المحبة المنسكبة في القلب بالروح القدس، تختلف تماماً عن كل محبة أخرى في العالم. لقد رأينا هذا النوع من الحب فى السيد المسيح - المثل الأعلى في المحبة الذي تهتز محبته حينما صوبت نحوه سهام الكراهية بل صلى لأجل صالبيه ملتمساً لهم العذر وطالباً لهم الغفران. ولم تهتز محبته لبطرس حينما أنكره أمام الجارية والخدام، بل نظر إليه معاتباً حتى أن بطرس خرج خارجاً وبكى بكاءاً مراً ( أنظر مت ٢٦ : ٧٥ ) . المحبة تتعرض للتجارب : لا يمكننا أن نتصور أن لا تتعرض المحبة للتجارب ، بل تختبر مثل الذهب الذي يجرب بالنار... في محبتنا الله ينبغى أن تكون ثابتين غير متزعزعين، وفى محبتنا لإخوتنا أيضاً ينبغى أن تكون ثابتين، فلا نتقلب في محبتنا لهم . المحبة المتقلبة غير الثابتة تفشل في إثبات أصالتها .لأن برهان المحبة الحقيقية هو فى ثباتها وعدم تقلبها . والمحبة الأصيلة لا تحتج بأى علل تبرر عدم ثباتها ... وأمامنا مثال يوسف الصديق فى محبته الله وفى محبته لإخوته . مثال يوسف بن يعقوب : لقد حسده إخوته لسبب محبة أبيهم له ـ وكان مستحقاً لهذا الحب ولكنه ظل ثابتاً في محبته لإخوته الذين حسدوه وذهب باحثاً عنهم ليفتقد سلامتهم . وحينما أبصروه قادماً تآمروا ليقتلوه ، ثم ألقوه في البئر. وبعد ذلك باعوه إلى الإسماعيليين... ولكنه ظل ثابتاً في محبته لهم ولم ينطق بكلمة واحدة تدل على عدم المحبة. وقد ظهرت هذه المحبة جلية واضحة في مسامحته لهم حينما إقتادهم إلى التوبة بعد أن صار سيداً في أرض مصر.أما في محبته الله فبالرغم من الأحلام المقدسة التي أعلنها له الله ، فقد عصفت التجارب بهذه المحبة حتى وصل به الأمر إلى السجن فى مصر متهماً بأبشع الخطايا وهو الذي كان أميناً في كل شيءولكن كانت محبة الله في قلب يوسف أقوى من ظلام التجربة الدامس فبقى ثابتاً فى محبته وحينما إجتذبته المرأة الخليعة إلى السقوط قال بكل ثبات «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطىء إلى الله » ( تك ۹:۳۹) - كان يوسف رائعاً فى هذا القول لأنه لم يشك في محبة الله بالرغم من التجارب المريرة التي سمح الله بأن يجتازها ، حتى صار عبداً منفياً بعيداً عن أبيه الذى أحبه وعن إخوته الذين باعوه لم يعتبر أن سكوت الله فى وقت التجربة مبرراً لكي يخطىء في حقه قال ذلك لأنه أحبه من كل القلب لم يستطع الشيطان أن يقنعه بأن الله قد نسيه، لكى يجتذبه بذلك إلى نسيان وصايا الله بل كانت المحبة في قلب يوسف ترجو بإستمرار أن يتدخل الرب لإنقاذه من الشرور التي أحاطت به، ويعيده إلى كنف أبيه لكى يعبد الله في وسط إخوته « أخبر بإسمك إخوتى فى وسط الجماعة أسبحك » (مز ۲۲ : ۲۲ ) كانت الأحلام التي رآها تراود مخيلته، وتهتف فيه بمشاعر الرجاء فظل ثابتاً في محبته إلى النهاية فليكن لنا فى يوسف الصديق مثالاً ودرساً وعبرة لحياتنا لكى نكون ثابتين في الحب . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثالث عشر عام ١٩٨٩
المزيد
11 سبتمبر 2023

كيف نحب الآخرين ؟. المحبة الخادمة

بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً » ( غل ٥ : ١٣ ) . المحبة الخادمة : تفرح بالخدمة، وتسرع إليها ، بلا توان أو تقصير. فالخدمة كامنة في طبيعتها وفي أعماق إقتناعاتها .هي تتخطى كل الحواجز والعقبات، ولا تتعلل بأية عقبةمهما كانت صعوبتها . وهى تضع نفسها تحت الكل لكى ترفعهم، لأن الخدمة "الفوقية " التي تتعالى على الآخرين لا تنجح في كسب النفوس ، ولا ترفع أحداً من حضيض ضعفه، بل بالعكس ربما تأتى بنتيجة عكسية، وتزيد المخدومين إنحداراً إلى اسفل. هذا قال السيد المسيح «من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً . ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً. كما أن إبن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين » مت ٢٦:٢٠ -٣٨ المحبة الخادمة : لا تسعى وراء الألقاب ولا الوظائف الرسمية، بل تعمل بفرح فى الحدود اللائقة برتبتها دون جسارة.ولكنها تستطيع أن تعمل الكثير حتى من خلال أبسط الأمور التي لا يكترث لها المنقادون إلى الأمور العالية . للأسف فإن بعض الخدام يكون لهم أسماء لامعة في مجال خدمة الكنيسة، ولكنهم ينفرون من الأعمال البسيطة التي لا تحيط بها مظاهر العظمة والتوقير. فقد يتهربون من أداء أية خدمة بسيطة في المنزل لمساعدة أهل البيت مثل الوالدين ويصير الخادم العملاق ذو الصيت الذائع أبعد ما يكون عن روح الخدمة الحقيقية في حياته الخاصة والعائلية بل ربما يصير عشرة لمن يعرفون عنه هذا المسلك . المحبة الخادمة : تهرب من المناصب - كلما وجدت الفرصة لذلك. وتجد مسرتها فى أن تخدم في الخفاء، لأن دافعها هو الحب للآخرين . المحبة الخادمة : لا يهدأ لها بال حتى تتمم عملها بصورة مرضية، وتطمئن على مصير من تحبهم .. مثل الأب الكاهن الذى يسهر على نفوس مخدوميه، وهو يردد قول المزمور «لا أعطى لعيني نوماً، ولا لأجفاني تماماً، ولا راحة لصدغى، إلى أن أجد موضعاً للرب ومسكناً لإله يعقوب » (مز ۱۳۲ : ٤، ٥) . فهو يبحث عن موضع للرب في قلب كل إنسان، ويهتم بكل أحد ليخلصه . المحبة الخادمة : تهتم جداً بأن تكون أمينة في القليل الذي بين يديها، لأن الأمين فى القليل أمين أيضاً في الكثير» (لوا١ : ١٠) . لهذا فهى لا تسعى إلى مزيد من المسئوليات حتى تكمل العمل المطلوب منها بأمانة . كيف نتدرب على المحبة الخادمة ؟ 1 - فلنبداً بأبسط الأمور لأن الذي يحمل حقيبة لإنسان مسافر قد أصابه التعب، يستطيع أن يحمل أثقال الغير في رحلتهم نحو الأبدية والذي لا يحتمل أن يترك إنساناً عطشاناً في موضع قفر، بل يسرع لنجدته لن يحتمل أن ينظر حالة العطش الروحي الرهيبة الموجودة في العالم، بل يتحرك بقوة ليعمل من أجل إنتشار ملكوت الله والذي يعرف قيمة النفس البشرية الواحدة في شخص زميل أو صديق أتاحت له الظروف الفرصة لخدمته روحياً ، سوف يعرف قيمة كل نفس في الرعية إذا اختارته العناية الإلهية لرعاية الآلاف من أنفس شعب المسيح وفى كل ذلك نرى أن الخدمة ليست وظيفة ولكنها أسلوب حياة . ٢- لندرب أنفسنا على الإسراع إلى خدمة الآخرين لكي نأخذ بركة هذه الخدمة فلا نضيع الفرصة المتاحة لنا، وذلك لأن الفرصة التي تفوتنا قد لا تتكرر مرة أخرى . ٣- ولتدرب أنفسنا أن لا نطلب خدمة الآخرين لنا بقدر ما تخدمهم نحن أى أن يضع الإنسان في قلبه أن لا يكون في موضع الذي يتكى بل الذى يخدم وأن لا يكون هو في موقف الذي يأخذ بل الذى يعطى متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ » (أع ٢٠: ٣٥) . ٤- ولندرب أنفسنا أن تتعب لكي يرتاح الآخرون وحينئذ سوف نجد راحة لأنفسنا فى الرب، كما أننا سوف نجد لأنفسنا بعد التعب - موضعاً في كل قلب ترتاح فيه . إذا تقدمنا لكى ننال شرف الخدمة فلنتذكر أن الخدمة هي طريق الصليب، وهى أيضاً طريق المجد، كقول الرب « إن كان أحد يخدمني فليتبعني. وحيث أكون أنا هناك أيضاً يكون خادمي . وإن كان أحد يخدمتى يكرمه الآب » (يو ١٢ : ٢٦) . أنواع من المحبة الخادمة : هناك خدمة الصلاة ، وخدمة التسبيح، وخدمة الكلمة والتعليم، وخدمة الأسرار وخدمة الرعاية والإفتقاد، وخدمة الفقراء والمحتاجين، وخدمة المرضى، وخدمة المجتمع أنواع كثيرة من الخدمة نقدمها لله وللناس، ولكن المحبة هي القوة الدافعة لها جميعاً وحينما نخدم فإننا نشترك مع المسيح الذي جاء ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين. كما أننا نشترك مع الملائكة خدام العرش الذين يسبحون الرب بغير فتور ومع الملائكة المرسلة للخدمة «أليس جميعهم أزواجاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب ١: ١٤ ). نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الثانى عشر عام١٩٨٩
المزيد
04 سبتمبر 2023

كيف نحب الآخرين؟ المحبة المحتملة

المحبة المحتملة هى التى تحتمل التعب من أجل الآخرين، وهي التي تحتمل ضعفات غيرها، وهى أيضاً التي تحمل أثقالهم احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا تمموا ناموس المسيح » غل ٦ : ٢ ) . محبة المسيح : السيد المسيح أعطانا مثال الإحتمال في المحبة حينما احتمل الآلام من أجلنا، وحينما حمل خطايانا في جسده «أحزانناحملها، وأوجاعنا تحملها » ( اش ٥٣ : ٤ ) قديماً قال موسى لشعب اسرائيل « لا أقدر وحدى أن أحملكم كيف أحمل وحدى ثقلكم وحملكم وخصومتكم.» ( تث ۱ : ۹، ۱۲). لم يستطع موسى أن يحمل وحده هذا الشعب، ولا أن يحمل ثقلهم ولا خطاياهم ولكن السيد المسيح قد حمل خطية العالم كله (يو١ : ۲۹ ، ۱ : ٣٦) ، وهو «حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين (اش ٥٣: ١٢). حمل السيد المسيح وحده خطية العالم ولم يستطع أحد من البشر أن يحمل معه ثقل الخطية التي كفر عنها بذبيحة نفسه على الصليب (عب ٩ : ٢٦ ) عن هذا تنبأ اشعياء النبي فقال «من ذا الآتي من أدوم بثياب حمر من بصره هذا البهى بملابسه قد دست المعصرة وحدى ، ومن الشعوب لم يكن أحد معی» (اش ١:٦٣- ٣) وقد أوضح داود النبى في مزاميره ما احتمله السيد المسيح من تعييرات إذ قال « لأنى من أجلك احتملت العار. غطى الخزى وجهی صرت أجنبياً عند إخوتي ، وغريباً عند بني أمي . لأن غيرة بيتك أكلتنى، وتعييرات معيريك وقعت على » (مز ٦٩ : ٧-٩) والقديس بولس الرسول يدعونا للتأمل فيما إحتمله السيد المسيح «ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه إحتمل الصليب مستهينا بالخزى ، فجلس في يمين عرش الله فتفكروا فى الذى احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه، لئلا تكلوا وتخوروا فى نفوسكم (عب ۱۲ : ٢-٣) .لقد حمل السيد المسيح الصليب (يو ۱۹ : ۱۷)، وحمل إكليل الشوك (يو ١٩ : ٥)، وحمل خطايانا فى جسده على الخشبة (١بط ٢ : ٢٤ ) ، واحتمل الآلام واحتمل التعيير والعار والخزى والرذل والإحتقار والمقاومة والشتم والإنكار والخيانة والمحاكمة، واحتمل القيود كمذنب حتى أحصى مع أئمة ( اش ٥٣ : ١٢) ، واحتمل أن يجوز معصرة سخط وغضب الله (رؤ ۱۹ : ١٥) واحتمل أن يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد (عب ٢ : ٩) كل ذلك لمحبته لنا وإطاعته الكاملة للآب السماوى، معطياً إيانا المثل الأعلى في المحبة المحتملة فليتنا ننظر نحو احتماله ونتعلم إن العقل يقف مذهولاً أمام هذه الحقيقة: أن السيد المسيح قد حمل خطايا ملايين البشر، ووقف أمام الآب السماوى - نائباً عن البشرية لكي يأخذ العدل الإلهي حقه بالكامل في ذبيحة الصليب . محبتنا لإخوتنا : «المحبة تحتمل كل شيء » ( ۱ کو ۱۳ : ۷ ) هناك مستويان روحيان في الإحتمال : ١ - أن يحتمل الإنسان ضعفات الآخرين - من أجل المحبة ويسامحهم عليها من كل قلبه ٢ - أن يحمل الإنسان خطايا غيره : أي لا يكتفى بأن يحتمل خطايا الغير، بل أن يحملها نيابة عنهم، ناسباً خطايا غيره إلى نفسه - كأنه هو المذنب أو أن تُنسب إليه خطايا غیره.وهو في هذا يحتمل أن يحمل خطايا غيره وهو برىء لكى يدفع جزءاً من ثمن هذه الخطايا، أو أن يدفع ثمنها بالكامل مثلما قيل عن السيد المسيح «نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله ، لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه »(۲ کو ٥ ۲۰ - ۲۱) إن الذي يحتمل هو أيضاً الذي يحمل أثقال الآخرين وبالمحبة يحتمل هذا الثقل، وكل أنواع المشقة مثل الأم التي تحمل طفلها فى البطن، ثم تحتمل كثيراً في رضاعته وفي السهر على تربيته، إلى أن يبلغ حد القامة كل ذلك تفعله المحبة، في صبر وفرح وبدون مقابل نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد الحادى عشر عام ١٩٨٩
المزيد
28 أغسطس 2023

كيف نحب الآخرين ؟

المحبة الباذلة : تكلمنا عن« المحبة الغافرة » وعن «المحبة المتأنية » ،ونتكلم الآن عن « المحبة الباذلة » وهذه وتلك كلها مظاهر متنوعة للمحبة فالمحبة واحدة لا تنقسم المحبة الطاهرة المنسكبة في القلب بالروح القدس ،هي نفسها تظهر في الغفران ، وفي التأني ، وفي البذل ،وهكذا وإذا تكلمنا عن البذل في المحبة ، فإننا نتكلم عن برهان المحبة الصادقة لأن المحبة الحقيقية تختبر بالألم تختبر في العطاء تختبر عند التضحية بما هو عزيز ومحبوب من السهل أن نتكلم عن المحبة ، أو أن تنسب لأنفسنا أننا نحب غيرنا .ولكن يبقى كل ذلك يفتقر إلى دليل ، حتى يأتى الإمتحان وحينئذ تنكشف حقيقة محبتنا وهناك من لا يتكلم عن محبته ،ولكنها تظهر جلية في تصرفاته لهذا قال معلمنا يوحنا الرسول «يا أولادي لا نحب بالكلام، ولا باللسان بل بالعمل والحق » ( ١يو٣ : ۱۸ ) . وتحدث معلمنا يعقوب الرسول عن الإيمان العامل بالمحبة وأهميته فقال « أرني إيمانك بدون أعمالك وأنا أريك بأعمالي إيماني» (یع ۲ : ۱۸) أي أن إيماننا العامل بالمحبة سوف تظهره أعمال محبتنا نحو الله ، ونحو الآخرين تنفيذاً للوصايا الإلهية إن طريق المحبة هو طريق الصليب لهذا قال السيد المسيح «إن أراد أحد أن يأتي وراثي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني » ( لو ٩: ۲۳ ) . والمحبة هي عطاء متواصل لا ينقطع هي بذل مستمر للذات هي معانقة الصليب في كل لحظة من الحياة لهذا قال السيد المسيح « كل يوم » المحبة تفرح بالبذل تفرح بالعطاء تفرح بالصليب ، لأن الصليب هو وسيلتها في التعبير عن نفسها ، بل بأكثر وضوح ـ هو وسيلتها في برهان حقيقتها وصدقها . الأبوة والرعاية : الأبوة والمحبة الباذلة أمران لا يفترقان وقبول رسالة الأبوة هو قبول للبذل والتضحية والتعب من أجل راحة الأبناء كذلك الرعاية تقترن بالبذل ، وقبول عمل الرعاية هو قبول لرسالة المحبة الباذلة وهكذا نرى السيد المسيح يحدد رسالته الرعوية فيقول « أنا هو الراعي الصالح ، والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف » (يو۱۰: ۱۱). وقد سار القديس بولس الرسول على منهج السيد المسيح فقال لابنائه « يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم » (غل ٤ : ١٩) وقال كذلك « الموت يعمل فينا ولكن الحياة فيكم » (۲کو٤ : ۱۲ ) بمعنی أنه كان يحتمل الآلام من أجل النفوس التي يرعاها ،وكان يقدم نفسه للموت باستمرار لكي تعمل الحياة فيهم وهكذا في محبته للسيد المسيح ، وفي محبته للمخدومين كان يتغنى للرب ويقول « من أجلك نمات كل النهار» (رو٨ : ٣٦) محبة الله الآب : لم يكن ممكناً أن تفهم كمال معنى البذل في المحبة بالنسبة لله الآب ، إلا من خلال تجسد الكلمة ـ أي تجسد الإبن الوحيد الذي وضع نفسه لأجلنا لأنه « هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية » (يو٣: ١٦). محبة الشهداء : الشهداء امتحنت محبتهم لله ولإخوتهم وقد نجحوا في الامتحان « ولم يحبوا حياتهم حتى الموت » ( رؤ ١٢ : ١١) لأنهم أحبوا الرب أكثر من ذواتهم كما أنهم شعروا بمسئوليتهم في الشهادة للآخرين بقوة إيمانهم ، حتى يقتادوا غيرهم إلى صمود الإيمان فكانوا بذلك سبباً في خلاص الكثيرين في جيلهم وفي الأجيال اللاحقة . ثمار المحبة الباذلة : قال السيد المسيح « إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت ، فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير» (يو۱۲ :٢٤ ) البذل الذي في المحبة يتحول - بنعمة الرب ـ إلى قوة للحياة فالمحبة الباذلة لابد أن تثمر وأن يتألق مجدها ، كما تألقت محبة المسيح على الصليب وقد تحولت آلام الصليب إلى قوة للحياة وصارت طريقاً إلى المجد فيجد المحبة الباذلة الكامن في الصليب ، صار معلناً في القيامة فطوبى لمن يتأمل ويفهم و يتخذ من البذل طريقاً للمحبة . نيافة مثلث الرحمات الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن مجلة الكرازة العدد العاشر عام ١٩٨٩
المزيد
21 أغسطس 2023

لقب "والدة الإله" في الصلوات الطقسية بكنيستنا

إن لقب "والدة الإله" يتردد كثيرًا في صلوات الكنيسة الجامعة الطقسية كمصطلح مقبول كنسيً،ا تم قبوله على مستوى الكنيسة الجامعة في مجمع مسكوني وهو المجمع المسكوني الثالث في أفسس 431م. وهذا اللقب هو لقب مُحبَّب إلى قلوب أبناء الكنيسة المخلصين المحبين للقديسة العذراء مريم والدة الإله ويحلو لهم ترديده.في القداس الإلهييرتل كل الشعب لحن: "بشفاعة والدة الإله القديسة مريم يارب أنعم لنا بمغفرة خطايانا".ونفس العبارة تقال في الهيتنيات قبل قراءة البولس. في مقدمة قانون الإيمان التي وضعها البابا كيرلس عامود الدين؛ تُتلى في رفع بخور العشية وباكر وفي القداس الإلهي وفي كل الصلوات الطقسية والتي نقول فيها: "نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله".وفي مجمع القداس يقول الكاهن: "وبالأكثر القديسة المملوءة مجدًا العذراء كل حين والدة الإله القديسة مريم".في صلاة الأجبيةفي كل ساعة من سواعي الصلوات السبع نجد القطعة الثالثة والسادسة (إن وُجدت ثلاث قطع أخرى) من قطع الصلوات التي تُتلى بعد قراءة الإنجيل كلها مخصصة للسيدة العذراء ويتردد فيها لقب "والدة الإله".في تسبحة نصف الليلهناك ثيئوطوكية أي "تمجيد لوالدة الإله" لكل يوم من أيام الأسبوع، وهي كلها تشرح سر التجسد الإلهي.. علاوة على أن جزءًا من ثيئوطوكية الأحد يُرنَّم كل يوم بعد الهوس الأول، بالإضافة إلى ثيئوطوكية اليوم، وكلها يتردد فيها لقب والدة الإله، كما أن هناك الشيرات التي تُقال في تسبحة يوم السبت. وبعد مجمع التسبحة تقال الذكصولوجيات وهي تماجيد للقديسين وفي مقدمتها ذكصولوجية السيدة العذراء التي يبدأ بها المرتل كل الذكصولوجيات، وأخرى للسيدة العذراء أيضًا تقال في ختام الذكصولوجيات. وهذه الذكصولوجيات يتردد فيها لقب "والدة الإله".وهناك ذكصولوجية باكر التي تقال بعد صلاة باكر كل يوم وبها جزء تمجيد للسيدة العذراء تُلقَّب فيه بلقب "والدة الإله".كما أن هناك كثير من ألحان الكنيسة الخاصة بالمناسبات الكنسية يتردد فيها لقب "والدة الإله" مثل اللحن العريق الذي تردّده كنيستنا والكنائس اليونانية وهو لحن "أومونوجينيس" الذي يقال في يوم الجمعة العظيمة وفي سيامة الآباء البطاركة وفي تقديس الميرون ويرد فيه لقب "والدة الإله". نيافة مثلث الرحمات الحبر الجليل الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل