المقالات

27 مايو 2021

27- شخصيات الكتاب المقدس إيليا

" يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل وفرسانها" 2" مل 2: 12 " مقدمة تطرح قضية إيليا علينا سؤالا حيوياً يلزم أن نتنبه إليه بين الحين والآخر، وهو ما قيمة: الرجل!!؟ فى علم الإحصاء: الرجل الواحد يكتب واحداً مهما صغر أو كبر شأنه، وإن رجلين مهما يختلفان طولا أو عرضاً أو سناً أو مقاماً أو قوة أو نفوذاً، يحسبان اثنين!!... غير أن الأمر يختلف تماماً فى قصة الحياة!!؟... وقف القائد الإنجليزى نيلسون على بارجة من البوارج البحرية، والتف حوله الجنود، وهم يتحدثون عن قوة أعدائهم،... وإذا به يمسك بالمنظار المكبر، ويضعه على عينه المفقودة البصر، وينظر بها إلى الأمام، ويقول: إنى لا أرى أمامى أعداء!!... وهو يقصد السخرية والاستهانة بمن يحسبونهم قوة معادية وهو يراهم لا شئ أمامه،... فالإنسان فى نظره لا يحسب قوة معادية وهو يراهم لا شئ أمامه،... فالإنسان فى نظره لا يحسب بمجرد العدد، بل بالعدة والقوة، ويبدو أن إيليا كان يقصد شيئاً من هذا القبيل، وليس بالضرورة مع الأعداء، بل ربما مع الأصدقاء أيضاً،... فمع أن عوبديا حدثه عن نفسه، وكيف أمكنه أن يخبئ مائة من الأنبياء فى مغارتين، إلا أن إيليا عندما تحدث مع الرب بعد ذلك، لم يحسب حساباً لهؤلاء الأنبياء، ناهيك عما علمه بعد ذلك بأن هناك سبعة آلاف ركبة لم تجث لبعل، وكل فم لم يقبله، إذ أن إيليا لم ير أحداً يواجه الوثنية والفساد غيره: " بقيت وحدى "... وفى عرف أليشع كانت هذه الحقيقة واضحة وهو يصرخ عند صعود إيليا إلى السماء،... إذ لم ير فردا صاعداً أمام عينيه، بل رأى جيشاً بأكمله فى صورة فرد. مركبة إسرائيل وفرسانها "... وهو يذكرنا بما قاله أحد القواد لجنوده، عندما جاءوا يتحدثون إليه عن الكثرة الهائلة المتفوقة لجنود الأعداء على عددهم!!.. وكان سؤاله للجنود!!.. وبكم تحسبوننى أنا!!؟ كانت مارى الدموية تفزع من جون نوكس، وتفضل أن تلاقى جيشاً من عشرة آلاف رجل، على مقابلة الرجل الذى كتب على قبره... هنا يرقد الرجل الذى لم يهب فى حياته قط وجه إنسان!!.كان إيليا جيشاً عرمرما فى وجه آخاب وإيزابل، ومن هنا سنقرأ قصته ونعرف من هو، وما هى رسالته، وكيف يمكن أن تتكرر فى كل أبطال اللّه على كر العصور والأجيال!!؟ إيليا ومن هو كان إيليا من الشخصيات العظيمة التى كثرت حولها الآراء والتقاليد، إلى درجة أن الأساطير فى التلمود صورته بصورة فينحاس بن هرون، وقد عاد إلى الحياة مرة أخرى لينتقم لمجد الرب الذى حاولت إيزابل وآخاب أن يضيعاه من إسرائيل!!.. أو هو الملاك أو رسول الرب الذى صعد إلى السماء، بعد أن قدم جدعون تقدمته أمامه، فمسها بالعكاز وصعد فى لهيبها إلى السماء،... وهو الرجل الذى قلده الكثيرون من اليهود زعامة الأنبياء، والذى رن اسمه طيلة تسعة قرون فى صدور الإسرائيلين، والذى كانوا يضعون له كرسياً شاغراً عند ختان كل صبى فى إسرائيل، وعند الفصح، آملين أن يظهر بغتة فى مثل هذه المناسبات،.... والكلمة " إيليا " تعنى " إلهى يهوه " أو: " إلهى إله العهد " - أما " تشبه " التى ولد فيها فلا يعرف موقعها على وجه التحديد، فالبعض يقول إنها بلدة فى الجليل تقع فى سبط نفتالى، ولذا يعتقدون أن إيليا كان من هذا السبط، وأنه هو أو ربما أبويه، قد هرب إلى جلعاد من وجه الاضطهاد والوثنية أيام عمرى أبى آخاب، واستوطن هناك، ولذا دعى من مستوطنى جلعاد، بينما يعتقد آخرون أن تشبه هذه بلد فى جلعاد الواقعة شرقى الأردن تجاه السامرة، وأن إيليا ولد فيها، ووجد من رده إلى الأصل القينى كيوناداب بن ركاب فى أيام ياهو!!. ومهما يختلف الناس فى أصله أو نسبه، فإنه من الواضح أنه كان رجلاً جبلياً إذا صح التعبير، يألف حياة الجبال. وقد جاء المعمدان بعده، ليعيش فى البرية إلى يوم ظهوره لإسرائيل، وهذا النوع من الناس يتسم فى العادة بالخشونة والصلابة والشجاعة وقوة الاحتمال،... ومنهم الجاديون الذين فى أيام داود، وصفوا بالقول: " جبابرة البأس رجال جيش للحرب صافوا أتراس ورماح وجوههم كوجوه الأسود وهم كالظبى على الجبال فى السرعة. هؤلاء هم الذين عبروا الأردن فى الشهر الأول وهو ممتلئ إلى جميع شطوطه وهزموا كل أهل الأودية شرقاً وغرباً ".. " 1 أي 12: 8 - 15 " والكتاب يصف إيليا: " أشعر متنطق بمنطقة من جلد على حقويه ". " 2 مل 1: 8 ". والتقليد يقول: " إنه كان قصير القامة نذيراً، أسود الشعر يتدلى شعره على كتفيه فى شبه عرف الأسد "... ومع أننا لا نعرف كم استمرت فترة نبوته لإسرائيل، غير أن البعض يرجح أنها كانت عشرين عاماً، وأنه دعى للنبوة ومواجهة آخاب فى السنة الخامسة من كلمة، أو حوالى عام 920 ق. م. وأنه التقى بآخاب بعد مصرع نابوت عام 906 ق.م،وأنه صعد إلى السماء عام 900 ق. م.. إيليا وظهوره ظهر إيليا فجأة كالشهاب اللامع فى الليل البهيم... وأغلب الظن أنه كالمعمدان، عاش السنوات السابقة لظهوره فى البرية، وبين الجبال، يتأمل ماضى أمته العظيم، وكيف تحول كل شئ خراباً إثر مجئ إيزابل زوجة لأخاب الملك، وكانت إيزابل بنت اثبعل ملك الصيدونين، وكان أبوها كاهنا للبعل - كما يقول يوسيفوس - وقدوضعت خطتها من اللحظة الأولى لمجيئها إلى إسرائيل أن تبيد اسم اللّه من كل مكان، وأن تحل محله اسم البعل وعبادته، وهوت ابنة الشيطان على كل مقدس فى إسرائيل، هدمت مذابح اللّه، وقتلت الأنبياء، وأجبرت الناس على الانحناء للبعل وعشتاروث، وأحلت محل أنبياء اللّه أربعمائه وخمسين من أنبياء البعل، وأربعمائه من أنبياء السوارى، وكان البعل أبا الآلهة عند الفنيقيين ومصدر القوة والسيطرة والبهجة، والسوارى أو عشتاروث آلهة الخصب والشباب والجمال، ولم يستطيع إيليا وهو ينظر مأساة أمته، إلا أن يتحول ينبوعا من الحزن العميق والغضب الهائل، والمقاومة الجبارة،... وهل يمكن أن يكون غير ذلك، وهو الإنسان الذى كانت عبارته المفضلة: "حى هو رب الجنود الذى أنا واقف أمامه " " 1 مل 18: 15 ".. وهل يستطيع واحد منا وقد وقف أمام الرب الحى، ليرى بيتاً من بيوت اللّه، وقد كان عامراً بالأمس، مجيداً ينادى بمجد اللّه، وقد تحول اليوم خراباً تنعق فيه البوم والغربان، بسبب الخطية والشر؟، وهل يمكن أن يمر بهذا البيت دون أن يقول: " ياليت رأسى ماء وعينى ينبوع دموع فأبكى نهاراً وليلا قتلى بنت شعبى " " إر 9: 1 ". أليس هذا هو إحساس نحميا أمام أرتحشستا الملك: " فقال لى الملك لماذا وجهك مكمد وأنت غير مريض؟ ما هذا إلا كآبة قلب... وقلت للملك ليحيى الملك إلى الأبد. كيف لا يكمد وجهى والمدينة بيت مقابر آبائى خراب وأبوابها قد أكلتها النار " " نح 2: 2 و3 " وإلى جوار هذا الحزن امتلأ الرجل بالغضب الهائل، إذ أنه عاش طوال سنى خدمته يتقد غيره، وانطوت نفسه على ثورة لا تهدأ ولا تستريح،... وإن الغيرة المتقدة الآكلة، حولت قلبه إلى كتلة من لهيب، وثورة هائلة، لا تستطيع مياه الأرض كلها أن تطفىء سعيرها، ولظاها،.. هل لك اللهيب المقدس أيها المؤمن - وعلى وجه الخصوص - وأنت تعلم، أنه ليس شئ عند اللّه أقسى وأوجع من الحياة الفاترة إلى الدرجة التى تثير الغثيان: " ليتك كنت بارداً أو حاراً، هكذا لأنك فاتر ولست بارداً ولا حاراً أنا مزمع أن اتقيأك من فمى " " رؤ 3: 15 و16 " وقد تحول الحزن والغضب إلى مقاومة جبارة،... لقد كانت رسالته، فى لحمتها وسداها، مقاومة الشر والفساد والطغيان والعبادة الكاذبة،... وهل يستطيع أن يقف أمام الرب، ثم يواجه البعل، وتهدأ نفسه وتستريح،.. كانت روسيا القيصرية تبذل كل جهدها فى مقاومة المرسليات فى القرن الماضى فى أنحاء الامبراطورية التركية،... وقد حدث لقاء بين واحد من سفراء القيصر، وأحد رجال اللّه،... وقال السفير للمرسل: ينبغى ان أقول لك بكل صراحة أن سيدى القيصر لن يسمح للمرسليات البروتستانتية بأن تضع قدمها فى الإمبراطورية التركية، وقال المرسل رداً على ذلك: " ياصاحب الفخامة: إن سيدى الرب يسوع المسيح لن يسأل قيصر الروس أين يضع قدميه "... إن روسيا التى ضربها العفن والفساد هوى قياصرتها، ومجدهم، وبقى اسم المسيح، وسيبقى إلى الأبد، وقد أصدر السلطان عبد المجيد خان الفرمان الهمايونى فى شهر ديسمبر عام 1850، والذى أخذ به المذهب الإنجيلى فى مصر مركزه القانونى وقد نص فيه: " عند وصول أمرى العالى الشاهانى إليك ليكن معلوماً لديك أن طائفة النصارى من رعايا دولتى الذين تبعوا مذهب البروتستانت وسلكوا فيه حيث أنهم لغاية الآن ليسوا تحت نظارة مستقلة وأن بطارقة ورؤساء مذاهبهم القديمة التى تركوها بالطبع لم يعد لهم أن ينظروا فى أشغالهم ولذلك حاصل لهم الآن بعض المضايقة والعسر، وقد اقتضت أفكارنا الخيرية ومرحمتنا السامية الملوكية المشهورة فى حق كافة رعايانا من سائر الطوائف بأن لا ترضى عدالتنا الشاهانية بحصول التعب والاضطراب لأى طائفة منهم. وحيث أن المذكورين هم عبارة من جماعة متفرقة من سائر المذاهب، وبقى لإصلاح أمورهم والحصول على استتباب راحتهم، تعيين وكيل لهم من طائفة البروتستانت... وتباشرون جميع مصالحهم مثل سائر الطوائف من رعايانا، ولذلك تسهلون لهم جميع ما يلزم لمحال عبادتهم ولا ترخصوا لأحد من الطوائف الأخرى أن يتداخل فى مصالحهم وأشغالهم الأهلية والدينية، ولا يعارضهم أحد فى شئ من ذلك... إلخ "وقد شاء اللّه أن تأتى مقاومة إيليا للبعل وعشتاروث عن طريق المجاعة التى لابد أن تحل بالشعب بمنع المطر من السماء،... وكانت المجاعة أنسب أسلوب ليعرف الشعب من هو الإله الحقيقى، ومن هى الآلهة الباطلة،.. فإذا كان البعل وعشتاروث يشيران إلى الخصوبة والإثمار، ويعتبران السر وراء كل طعام وماء، فإن أفضل الطرق لإثبات كذب هذا الادعاء هو افلاسهما، وعجزهما عن أى مساعدة من هذا القبيل،... وفى الوقت عينه إعلان اللّه عن سخطه وغضبة ولعنته على التحول عنه وراء آلهة غريبة كما ذكر موسى فى سفر التثنية: " وتكون سماؤك التى فوق رأسك نحاساً والأرض التى تحتك حديداً، ويجعل الرب مطر أرضك غباراً وتراباً ينزل عليك من السماء حتى تهلك " " تث 28: 23 و24 " وكان لابد أن تطول المجاعة، حتى يحس بها الملك وإيزابل إحساساً عميقاً، وأكثر من ذلك يحس بها الشعب، حتى يدرك مدى الغضب الإلهى، وضرورة العودة والرجوع إلى شخص اللّه!!.. إيليا والعناية الإلهية وكان لابد لعناية اللّه أن تظهر وتعمل عملها مع إيليا فى قلب المجاعة، وكان على إيليا نفسه أن يأخذ بعض الدروس من المجاعة ولعل أول هذه الدروس هو أن المصلح لابد أن يشارك الشعب الذي يحاول إصلاحه متاعبه وضيقاته وآلامه، كان لابد لإيليا نفسه أن يجوع، ويعيش حياة الشظف مع الآخرين، وقد حق لأحدهم أن يتصوره يخرج ذات يوم ليشرب من نهر كريت: " وكان بعد مدة من الزمان أن النهر يبس لأنه لم يكن مطر فى الأرض "... " 1 مل 17: 7 ".. وظل ذلك اليوم ظامئا، وسار فى طريقه إلى أرملة صرفة صيدا، ومن حديثه مع المرأة وطلبه منها أن تعمل له أولا كعكة صغيرة، نحس مدى الجوع الذى وصل إليه،... ومع أن المجاعة لم تكن بسبب خطية ارتكبها هو، أو أن اللّه قد تخلى عنه فى إحسانه وجوده، لكنه مع ذلك كان لابد أن يكون شريكاً فى آلام قومه وشعبه، وهى ضريبة المصلح فى كل العصور والأجيال،... والدرس الثانى الذى كان لابد أن يتلقنه، هو الفرق بين الشجاعة والتهور، فقد كان عليه أن يختبئ عند نهر كريت، وقد تكون عناية اللّه مرات كثيرة بتخبئة المعتنى به من وجه الشر، وقد خبأ اللّه إرميا من وجه الأعداء، ورأى بولس عناية السيد، عندما أنزل فى زمبيل من سور دمشق،... وهى العناية التى تملك الوسائل الطبيعية والمعجزية، الظاهرة والخفية، الكبيرة والصغيرة ومن الواجب أن نراها ونقبلها بالشكر ولا يجوز قط أن تبعدنا هذه العناية عن الحكمة والواجب إلتماسها، بدعوى أنه مادام اللّه معنا، فلا يجوز أن نلجأ إلى هذا التحفظ أو غيره من الأساليب أو الصور،على أنه يلزم أن نعلم، على أية حال، أن عناية اللّه فى المجاعات تستطيع أن تشق الطريق، مهما كانت العوائق والحواجز، ونحن نرى العناية هنا تسلك سبيلا عجيباً، سواء فى الانتصار على الغرائز أو فى قلب الأوضاع رأساً على عقب،... وقد مد اللّه عنايته لإيليا أولا عن طريق الغربان التى كانت تأتيه بالخبز واللحم مرتين كل يوم صباحاً ومساء،... وهذه الطريقة المثيرة جعلت البعض يتصورون أن كلمة الغربان " يمكن أن تترجم " العربان أو رجال البادية الذين كانوا يمدون إيليا مرتين، وقالوا إن الأصل العربى كالعبرى يصح معه مثل هذه الترجمة، وهذا تفسير واه ضعيف، وليس أقل ضعفاً منه ذلك التفسير بأن الكلمات رمزية تشير إلى أنه كان يأكل بوفرة فى المجاعة،... ولعل الصعوبة عندهم هى أن غريزة الغراب الأولى هى الخطف وأنه يأخذ ولا يعطى،... وهذا فى عقيدتى، هو السر فى استخدام اللّه له، ليثبت جلاله ومجده فى السيطرة على الغرائز، فهو يعطيك من حيث لا تدرى وهو يفنيك بتغيير مجرى الغرائز فى العجماوات أو البشر على حد سواء، وأنه يمكن أن يجعل القاسى ودوداً، والشحيح سخياً، والشره باذلا، والآخذ معطياً، ويده لا تقصر عن استخدام الجماد والحيوان والإنسان فى إتمام قصده ومشيئته،... فإذا تلقن إيليا هذا الدرس، فإنه يعطيه درساً آخر، ليؤكده من وجه ثان، إذ ينقله من إسرائيل إلى صرفه صيدا، الواقعة فى أرض أثبعل أبى ايزابل، الأرض التى لا يمكن أن يخطر ببال إنسان أن إيليا يلجأ إليها، ويأتيه المدد من امرأة أرملة أممية معدمة، تقف على الخط الفاصل بين الحياة والموت، لتقش عيداناً، لتعمل لقمة تتبلغ بها مع ابنها، ثم يموتان... وهكذا تأتى العناية عن طريق الجائع المسغب الذى يهلك جوعاً، وليس هناك من قلب للاوضاع فى الدنيا مثل هذا القلب، فالرجل تعوله امرأة، والمرأة ليست إلا أرملة، والأرملة ليست إلا الفقيرة المعدمة التى لا تملك قوت الحياة!!.. ذهبت المرأة لتسعف إيليا بجرعة ماء، وتعتذر عن تقديم كسرة خبز له، وتكشف عن آخر مكانها مع اللقمة الباقية، ولكن إيليا رجل اللّه مع ذلك يطلب، ويطلب كعكة صغيرة أولا،... يريد أن يعلمها أن حق اللّه يسبق كل حق،... وأنك يوم تعطى اللّه، ولو شيئاً صغيراً مما تملك، فإنك ستعثر على سر ينبوع البركة وستعرف سيلا من الزيت لا يمكن أن ينتهى حتى تنتهى المجاعة من الأرض!!.. عندما نقف أمام عناية اللّه، ينبغى أن نلغى من الذهن البشرى كل مفهوم للحساب الأرضى، وقواعده، وأصوله، وذلك لأن هذا الحساب يستطيع أن يعطى صورة جيدة للمنظور، ولكنه يعجز تماماً عن أن يدخل إلى بحر غير المنظور، ويقيم هناك حسابهن،... ولعل اللّه أراد أن يعطى إيليا درساً ثالثاً أبعد وأعمق من الدرسين السابقين،... فإذا بابن الأرملة يموت، وإذا بالمرأة تعجز عن أن تفسر موته، إلا أنه عقاب على خطايا سابقة ربما عملتها فى أيام الصبا،... سقط السلاح من يد المرأة، وذهب الولد الذى كان رجاءها وتعزيتها فى الأرض،... ورفض إيليا هذا المنطق، فهو لا يعتقد أن اللّه يمكن أن يجازى المرأة هذا الجزاء،... وهو يصرخ إلى الرب بلغة من أغرب اللغات وأجرأها، تلك التى يتعود أبناء اللّه الاتجاه فيها إلى سيدهم فى لحظات الضيق والشدة والألم: " أيها الرب إلهى أ أيضاً إلى الأرملة التى أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك إبنها.. يارب إلهى لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه " " 1مل 17: 20 ت 21 "هل تستطيع أيها المؤمن أن ترفع كل تحفظ بينك وبين اللّه؟، وهل تستطيع – كابن اللّه – أن تعبر بأعمق تعبيرات النبوة، إلى الدرجة التى تقول فيها مع موسى: " فرجع موسى إلى الرب وقال يا سيدى لماذا أسأت إلى هذا الشعب؟ لماذا أرسلتنى؟ " " خر 5: 22 "... ومع إيليا: " قد أسأت بإماتتك ابنها "..!!؟... ألا يقبل اللّه التعبير المخلص، حتى ولو بدا خشناً قاسياً!... بلى! إنه عنده أفضل من التعبير المهذب المرائى، الذى لا يتحدث بعمق الحب المتألم المخلص العميق!!؟.. إن اللّه يفضل أن نأتى إليه بالإخلاص، مهما بدا هذا الإخلاص ضعيفاً أو خالياً من العبارة المصنوعة أو التعبير المتكلف،... إنه يريد أن تعانق روح المؤمن مع روحه فى الحب والألم والشركة المخلصة، مهما كانت الظروف التى نعيش فيها!!.. وسمع اللّه لإيليا وأرجع الولد،... الذى يقول تقليد - لا يعلم إن كان صحيحاً أو غير صحيح - إن الغلام كبر ليكون يونان النبى الذى أرسله اللّه إلى نينوى الأممية... على أنه على أية حال، كان هذا النوع من العناية مقوياً ومشدداً للأرملة وللغلام ولإيليا،... وكان درساً خالداً فى كل الأجيال لكل الذين يتطلعون فى أرض الآلام والمتاعب والمجاعات، إلى ينابيع العناية الإلهية التى لا تنضب. أو تنفد أو تفيض!! إيليا والمعركة على جبل الكرمل ولعله من المناسب أن نذكر هنا ان إيليا لم يذهب إلى آخاب، بل إن آخاب ذهب للقاء إيليا،... وهذا هو الفارق العظيم بين الرجلين، أن إيليا يعلم أنه أعظم من آخاب، بذات الصورة التى رأى فيها بولس نفسه وهو يقول للملك أغريباس: " كنت أصلى إلى اللّه أنه بقليل وبكثير ليس أنت فقط، بل أيضاً جميع الذى يسمعوننى اليوم يصيرون هكذا كما أنا ما خلا هذه القيود " " أع 26: 29 " إن قيمة الإنسان الحقيقية لا تظهر فيما يملك من متاع أو ما يلبس من ثياب فاخرة، أو ما يحيط به من الخدم أو الحشم، أو مظاهر العظمة أو القوة، إن قيمته الحقيقية تكمن فى شخصيته ونفسه،كان إيليا أشعر، يتمنطق بمنطقة من جلد، وعندما ركض أمام آخاب، سار ما يقرب من ستة عشر ميلا على قدميه،... لم يكن له مركبة آخاب أو ثيابه أو بهاؤه أو مظهره، ولكنها هذه جميعها، ليست إلا الغلاف الذى يغطى الحمقى والأشرار فى الأرض!!.. أما جوهر الإنسان ففى قلبه المرتبط باللّه، وهو الذى يمكن أن يعطيه أعظم قيمة فى هذا الوجود!!.. وفى اللقاء بين الملك وإيليا كان آخاب الإنسان الأحمق الذى غطت الخطية الحقيقة عن عينيه وقلبه،... فهو يرى الذنب كل الذنب فى إيليا: " ولما رأى آخاب قال له آخاب: أ أنت هو مكدر إسرائيل؟ " "1مل 18: 17 ".. وهو لا يستطيع أن يرى خطية واحدة فى نفسه، أو فى الشعب الذى ترك اللّه،.. أو عبادة البعل وعشتاروث التى كانت سر النكبة والكارثة والمجاعة!!!.. وهى الصورة الدائمة للبشر، فهم يدفعون عن أنفسهم النتيجة: التى لابد أن تكون لخطاياهم،... وهى فى نظرهم الظروف السيئة أو أخطاء الآخرين أو القسوة التى لا مبرر لها من اللّه!!... ولم يخف إيليا من أن يضع الصورة الصحيحة للمأساة كلها إذ قال: " لم أكدر إسرائيل، بل أنت وبيت أبيك، بترككم وصايا الرب وبسيرك وراء البعليم " " 1 مل 18: 18 "... وقاد إيليا الجميع إلى المعركة الفاصلة على جبل الكرمل.. وكان لابد من أن تدرك الأمة - عن بكرة أبيها - من هو الإله الحى الحقيقى وحده، ومن هى الالهة الزائفة الباطلة الكاذبة!!؟ والبينة على من ادعى!!؟.. فإذا زعم إنسان أنه فيلسوف أو شاعر، فالبرهان يظهر فى فلسفته أو شعره،... وإذا قال أنه رجل فإن أعمال الرجال تظهره، وإذا ادعى أنه نبى مرسل من اللّه، فإن أقوال النبى أو أعماله هى التى تشهد له!!.. وقد وقف إيليا وحده فى مواجهة ثمانمائة وخمسين نبياً للبعل وعشتاروث، ولم تكن الكثرة دليلا على الحق أو الصواب الذى يزعمون أنه فى جانبهم،... وأعطاهم إيليا الفرصة الكاملة أولا دون أن يستطيع صراخهم أو جراحهم التى سالت من أجسادهم بسيوفهم، والتى ظنوا أنهم يرضون الآلهة بها،.. لم تستطع أن تعينهم فى شئ وسخر إيليا منهم سخرية الواثق بإلهه، وكانت سخريته لاذعه، فى قوله ك " ادعوا بصوت عال لأنه إله. لعله مستغرق أو فى خلوة أو فى سفر أو لعله نائم فيتنبه ".." 1 مل 18: 27 ".. ومن الغريب أن هذا التحدى لم ينته بعصر إيليا، فإن البعل يذهب ويجئ فى العصور كلها، حيث يستبدل اللّه بآلهة غريبة، أو كما قال أحدهم: " إن البعل العصرى هو ما يعبده الناس من ثروة أو شهوة أو جاه، أو مجد عالمى أو راحة مادية،... وهم يضعونها فى مواجهة البر والأمانة والحق وكل ثمار الروح القدس فى الإنسان الباطن "!!.وإذ عجز الأدعياء عن أن يثبتوا ادعاءهم، تقدم هو ورمم بالاشتراك مع الشعب مذبح الرب المنهدم، وقدم الذبيحة بما لا يدع مجالا للشك أو التساؤل أو الخداع، إذ أنه لم يرتب الحطب والذبيحة فقط، بل صب ماء كثيراً حتى لا يقال إن النار المشتعلة حدثت عن طريق خداع بشرى، وأبصر الشعب جميعاً النار التى أتت من السماء لتلتهم كل شئ. على أنه من الملاحظ أن النار لم تنزل إلا بعد صلاة النبى، وهكذا فى كل حين يشجع اللّه أبناءه ليحسوا بكيفية اختبارية بينه وبين العالم، وهو مستعد أن يظهر ذاته لهم وللعالم أجمع، بصورة لا تحتمل اللبس أو الإبهام!!.. ألم يقل عرافو فرعون أمام ضربة البعوض: " هذا إصبع اللّه " "خر 8: 19 "... وإذ رأى الشعب المعجزة بلغ بهم الانفعال ذروته وسجدوا على وجوههم أمام اللّه، واشتركوا مع إيليا فى ذبح أنبياء البعل على نهر قيشون!!.. ومع أن هذا الانفعال كان قصيراً ووقتياً، إلا أنه - على أية حال - عرف الجميع من هو الإله الحق، ومن هى الآلهة الباطلة!!.. إيليا وآخاب عند كرم نابوت اليزرعيلى بعد أربع سنوات أو خمس من القضاء على أنبياء البعل، عاد إيليا ليلتقى بآخاب عند كرم نابوت اليزرعيلى، وكانت يزرعيل إلى الشمال من السامرة بما يقرب من العشرين ميلا، وعاد الشر إلى جولة أخرى مع الخير، وآخاب يزداد سوءاً ومصيره يزداد بشاعة، وذهب آخاب إلى الكرم ليرثه، والتقى به إيليا هناك، ليقول له: " هل قتلت وورثت أيضاً؟ " "1مل 21: 19 ". ويا له من ميراث رهيب! "... والحقيقة المحزنة هى أن الميراث الرهيب من الجائز أن يصل إليه الإنسان فى أرض الفساد والظلم، رغم كافة الحواجز التى يمكن تجاوزها أو تجاهلها أو تخطيها بكل قوة وعنف.طلب آخاب كرم نابوت لكى يحوله إلى بستان بقول، وقال له إنى مستعد أن أعطيك ثمنه أو كرماً أحسن منه، وكان يمكن لنابوت أن يرضى لولا أن الشريعة تمنع ذلك إذ لا يجوز لإنسان أن يتصرف فى ميراث آبائه، وأغلب الظن أنه قال للملك: " كان بودى أن أفعل ذلك، ولكن أمر اللّه يمنعنى من التصرف فى أرض الميراث "، وذهب آخاب إلى بيته مغموماً " وامتنع عن الطعام، ونام محزوناً كئيباً، وإذا بإيزابل تأتى إليه وتستفسر عن سر حزنه، ثم تسخر منه لأنه وهو ملك لا يستطيع أن يزيل عقبة كهذه، وأمكن للملكة عن طريق الشر أن تحصل على الكرم، هذا هو الفصل الأول من القصة،... وهو فصل يتكرر كثيراً فى الحياة.. قال السيد: " لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك. وكثيرون هم الذين يدخلون منه " مت 7: 13 ".. إن طريق الشر واسع ميسور فيمكن أن تحصل علي ما تريد، ولا يحتاج الأمر إلا إلى كذبة أو غش أو خداع أو تدليس، أو شئ يعمل فى الظلام. وقد ينجح الشر فى الجولة الأولى من المعركة، ولكنه هيهات أن يكسب المعركة الأخيرة.. يقول المرنم: " لا تغر من الأشرار ولا تحسد ععمال الإثم، فإنهم مثل الحشيش سريعاً يقطعون، ومثل العشب الأخضر يذبلون!!.. "مز 37: 1 و2 " ومع أن الميراث الرهيب أمر ممكن وجائز فى الأرض، إلا أنه تلحق به حقيقة أخرى، أنه دائماً مخجل،.... واعتقد أن آخاب أحس الكثير من الخجل وهو فى طريقه إلى الكرم لرؤياه.. لقد اكتشف فيه نفسه، واكتشف فى هذه النفس أشياء كثيرة تنكس الرأس. لقد اكتشف طمعه، وكذبه، وظلمه،.. كان آخاب ملكاً يملك أعظم القصور والبساتين، وكانت لديه بساتين وكروم متعددة، ولكن هذه لا تساوى شيئاً طالما هو غير مستطيع أن يحصل على كرم نابوت!! يا للنفس البشرية التى لا تشبع، والتى تتريد أن تأخذ لنفسها كل شئ!!. إننا نقيس أمورنا لا على حساب حاجاتنا، بل على حساب جيراننا، إذ لا أريد أن يظهر مجد إلى جانب مجدى، أو سلطان إلى جانب سلطانى، أو نفوذ إلى جانب نفوذى، وكل بساتين الدنيا أو كرومها لا تساوى البستان الصغير الذي يملكه جارى،... يا له من طمع مخجل!.. بل يا له من ميراث قبيح! ذاك الذي لا أستطيع الحصول عليه إلا بالكذب والخداع والغش.. نادوا بصوم، والمناداة بالصوم لا تحدث إلا إذا حدث أمر رهيب، والأمر الرهيب أن نابوت جدف على اللّه والملك، فياله من مجرم، ويا لها من خطية شنيعة، وها اثنان يشهدان أمام الشيوخ، وها المحاكمة كلها تتم فى جو من الكذب، وآخاب يعلم ويطأطئ رأسه خجلا، بل هو يعلم أنه حصل على هذا الميراث بغير حق أو عدل، بل حصل عليه بظلم صارخ،.. ما أكثر الذين يأخذون من الناس مواريث متعددة، ولكنهم يدفعون فى سبيلها أثمان باهظة، إذ يدفعون المبادئ الروحية والأدبية: يدفعون الحق والشرف والكرامة والنبل والإباء والعدالة!!، وهل تستحق كروم الدنيا كلها - لا كرم نابوت فحسب - هل تستحق أن يدفع فيها مثل هذا الثمن؟!!... فإذا أضفنا إلى هذا كله، أن الميراث كان ميراثاً مقلقاً!!.. ذهب آخاب ليستمتع بالكرم الذي ورثه، ولعل الكرم كان جميلاً ظليلا، وكانت عناقيده حلوة ولذيذة، وكان موقعه بديعاً، وآخاب يستطيع أن يملأ نظره منه، ويفيء إليه سعة الحر والهجير، بل يستطيع أن يأكل منه ما يشاء دون أن يمنعه أحد، فهل استراح الملك وأكل؟، لقد أضحت الظلال ظلاماً، والعناقيد علقماً، والكرم سجناً رهيباً، إذ سمع صوت اللّه العادل هناك: !! هل قتلت وورثت أيضاً "!! لقد ظهر نبى اللّه فى لحظة السرور والبهجة والتمتع،.. يقولون إنه قبل أن يذهب إلى الكرم ثار عليه ضميره، وحاول إسكاته بالقول: لم أصنع شيئاً!!؟ فأنا لم أحاول اغتصاب الكرم.. لقد عرضت عليه ثمناً سخياً فأبى!!.. لقد عرضت عليه كرماً آخر أحسن منه مقابله فرفض.. ولم أفعل أنا شيئاً ضده، فلم أتدخل فى الأمر، بل تدخل غيرى، كما أنه يستحق الموت لأنه عصى أمر مليكه، ولكن صوت اللّه جاءه لينسب إليه القتل كيفما كان، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة!!.. فالرضا على الظلم، هو بعينه الظلم، والقتل بأمر آخاب أو بأمر إيزابل أو بأمر الشيوخ، هو الدم الذي يتحمله آخاب أولا وأخيراً!!.. لم يتمتع الرجل بالكرم كما كان يشتهى، لأنه فى قلب الكرم سمع عن مصيره المفجع، ومصير بيته، ولولا أنه اتضع ومزق ثيابه وصام، لجلب اللّه عليه العقاب سريعاً، ولكن بقية من رحمة اللّه آتية فلم يحدث كل الشر فى حياته، ولو أنه تاب مع إيزابل لنجيا، ولكنها لم تتب، فدمرت بيتها بيديها وأضحت قصتها مثلا تذكره الأجيال بالخوف والفزع والرهبة!!.. قيل إن أحد ملوك انجلترا أراد مرة أن يستولى على حديقة كنيسته ليكمل بها قصره، فسأل رئيس الوزراء: كم تكلف هذه الحديقة.. فأجابه: إنها تكلف ثلاثة تيجان.. تاج انجلترا، وإيرلندا، واسكتلندا، أى أن محاولة أخذها ستقلب العرش، وكان هذا كافياً لإقلاع الملك عن فكرته!!.. أجل " مخيف هو الوقوع فى يدى اللّه الحى!!.. " عب 10: 31 ".. إيليا والمركبة السماوية من المعتقد أن خدمة إيليا استمرت حوالى عشرين عاماً، كانت الخمسة عشر أو الستة عشر عاماً الأولى منها عاصفة، ممتلئة بالثورة والصراع، وهو أشبه بالخادم الميثودستى، الذي اشتكوا من صوته الصارخ فى المنبر، وإذ به يجيبهم: " أنا لا أغنى لتنويم الأطفال، بل أنا أحطم الصخور ". وكانت رسالة إيليا تحطيم صخور الوثنية والشر التى ملأت كل مكان... ومع أننا نعلم أنه أصيب بصدمة قاسية غداة قتل أنبياء البعل، وهى رد الفعل للنجاح العظيم فوق جبل الكرمل، إذ أن إيزابل هددته بالقتل،.. ولم يجد من الشعب الذي آزره فى ذبح الأنبياء الكذبة، ما يشجعه على مواجهة الشريرة الطاغية، التى مازالت تمسك بزمام الأمور فى الأمة كلها، كان إيليا تحت الرتمة شيئاً يختلف تماماً عن إيليا فوق جبل الكرمل، وهى النفس البشرية المتلونة والتى لا تثبت على حال، فهى تارة فى أعلى جبال الشركة مع اللّه ثم لا تلبث أن تهوى تارة أخرى إلى بالوعة اليأس،.. ولكن شكراً للّه، الذي أرسل ملاكه إليه تحت الرتمة، دون أن يناقشه فى شئ، فقد كانت نفسه ممتلئة بالمرارة والأسى واليأس والقنوط، والتوتر يملأ عواطفه، والانفعال لا يعطيه أية فرصة للمناقشة الهادئة الساكنة، وكان علاج اللّه لنفسه أن يطعمه ويريحه، حتى يهدأ ويسكن، قبل أن يتكلم إليه أو يحاجه أو يسأله... وهى الحكمة الإلهية التى ينبغى أن نتعلم منها، كيف نعالج الثورات النفسية عند الآخرين " فالأفضل أن ننتظر، حتى تستريح أجسادهم ونفوسهم، قبل أى حديث أو مناقشة،.. كان عمل اللّه الوحيد أن يطعم إيليا ويريحه، وينتظر أربعين يوماً قبل إن ينقاشه على جبل اللّه حوريب قائلا: " مالك ههنا يا إيليا؟. "" 1مل 19: 9 " ومن الغريب أنه فوق جبل اللّه حوريب فى سيناء أدرك إيليا الحقيقة التى غابت عنه طويلا، إن الصوت المنخفض الخفيف، وليس صوت الريح أو الزلزلة أو النار، هو الأكثر تأثيراً وقوة وفاعلية، إن الثلاثة الأصوات الأولى ليست فى حقيقتها، سوى المهد للصوت الأقوى والأعمق والأبعد أثراً، صوت الحب والحنان والرحمة والإحسان والجود والغفران، أو فى لغة أخرى هو صوت الصليب، الصوت الذى تحدث به موسى وإيليا مع المسيح فوق جبل التجلى: " وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وإيليا، اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذى كان عتيداً أن يكمله فى أورشليم " " لو 19: 30 و31 " لقد أهلك اللّه العالم بالطوفان أيام نوح، وأباد اللّه سدوم وعمورة بالنيران، وذبح إيليا أنبياء البعل، ومع ذلك فالخطية لا تزال تفتك بالبشر، وهى فى حاجة إلى أصوات أخرى أفعل من العواصف والزوابع والنيران والزلازل، إنه صوت اللّه المنخفض فى الصليب،... وعاد إيليا إنساناً من حوريب يختلف، إلى حد بعيد، عما كان عليه أولا، يمسح حزائيل ملكاً على آرام، وياهو بن نمشى ملكاً على إسرائيل، وأليشع بن شافاط نبياً عوضاً عنه ودخلت إلى حياته حلاوة أعمق وأجل،... وأضحى أشبه بشجرة عنب فى إنجلترا ربما هى أكبر شجرة من نوعها، وهى قديمة، وقد لاحظ أحدهم أن عنبها أصغر من المعتاد، وسأل لماذا يبدو حجم الحبة من العنب أصغر وأجابة البستانى: إنه أصغر لأن الشجرة قديمة عجوز، ولكن لا يوجد ما هو أحلى من هذا العنب على الاطلاق، "عاش إيليا سنواته الأخيرة أهدأ وأجمل وأقوى، وأخذ يشرف على مدارس الأنبياء،... وجاء اليوم الذى وصفه جوزيف باركر كدرس من أعظم دروس العناية، وهو: " لا متى يذهب إيليا، بل متى يأخذه اللّه الذى يعلم متى تنتهى خدمتنا ورسالتنا " أو فى لغة أخرى: إن اللّه يعلم متى يأخذنا إلى حقل آخر أعظم وأجمل، وإلى فرصة أوسع: " من عشرة أمناء إلى عشر مدن "... وها نحن نرى الرحلة الأخيرة لإيليا فى الأرض، التى تنقل فيها من الجلجال إلى بيت إيل إلى أريحا، أو قرابة ثلاثين ميلا " وأغلب الظن أنه كان يريد زيارة ثلاث مدارس للأنبياء هناك، ويتزود بالنظرات الأخيرة للارض التى أحبها وخدم فيها، قبل أن يصعد إلى السماء، وقد لازمه ورافقه فى الرحلة أليشع، وأبى أن يتخلى عنه البتة، رغم أن إيليا ألح عليه أن يبقى حيث هو،... ونحن نسأل لماذا أراد إيليا أن يمكث أليشع فى المكان الذى كان فيه!!؟ هل لأنه كان لا يريده أن يتخلى عن عمل كان يقوم به عند بدء الرحلة!!... أم لأنه أراده أن يكون بين بنى الأنبياء فى واحدة من المدارس الثلاث!!؟... أم لأنه كما هو الأرجح أراد أن يختبر معدنه وصلابته، قبل أن يرحل عنه، وفى الوقت عينه أن يختلى باللّه الذى سيذهب إليه بعد قليل!!... على أية حال لقد أصر أليشع على مرافقته، كما ينبغى للخادم الأمين أو الصديق الوفى، أو الجندى الذى أوشك أن يحمل العلم ليؤدى الرسالة الموضوعة عليه،... وها نحن نراهما الآن يصلان إلى الأردن، ويلف إيليا الرداء ويشق الأردن به، ويعبر كلاهما، ويسأل المعلم تلميذه ماذا يريد قبل أن يؤخذ منه!!؟ ويصر التلميذ على أن يقف من المعلم موقف الابن البكر الذى يأخذ نصيب اثنين حسب الشريعة الإسرائيلية، ولما لم يكن لايليا شئ من متاع الأرض، ولما كانت الطلبة روحية، قال له إيليا: " صعبت السؤال "!!... " 2 مل 2: 10 " وذلك لأن الطلبات الروحية، عطية من اللّه، وليس هبة من إنسان!!... وهى تؤخذ بالعين الروحية المفتوحة، فإن رآه يؤخذ منه، كان هذا دليلا على أن اللّه سيعطيه هذا النصيب، نعود فنشير إلى أن أليشع لا يقصد أن يكون له ضعف ما كان إيليا، بل أن يأخذ نصيب البكر من الأولاد،... وفتح اللّه عينى إليشع، وسقط رداء إيليا عنه، فأخذه وأخذ نصيب إثنين من روحه، بعد أن مزق ثيابه، " وهو يصرخ يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل وفرسانها "، " 2مل 2: 12 " وهو كما أشرنا أولا لم يره فرداً واحداً، بل جيشاً عرمرما، والقائد المسيحى الغيور الشجاع سيبقى دائماً هكذا، سواء فى الدفاع أو الهجوم لمجد اللّه،... ومع أن إبراهيم، وداود، وايليا، وبولس، وأثناسيوس، ولوثر وويسلى، وأمثالهم - لا يظهرون إلا نادراً فى موكب العصور، لكننا نصلى لعل واحداً منهم يظهر فى أيامنا هذه فى عظمة الأبطال الخالدين، ويمكن أن نقول قبل أن يؤخذ منا فى مركبة السماء: " يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل وفرسانها"..
المزيد
26 مايو 2021

تأملات فى أهمية القيامة

الحياة والخلود:- مبارك هو الله الذى منحنا الوجود إذ لم تكن ، وميزنا عن باقى الكائنات بالعقل والنطق وأعطانا الله الحياة 0 وهى سر يغوص الناس فى أعماقه ، ولا يصلون إلى مكنوناته وأعطى الله الحياة لكائنات حية عديدة جداً تعيش معنا على هذا الكوكب ، من طيور وحيوانات وحشرات وهوام وأسماك ، كل منها له طبيعته ولكن الحياة فى الإنسان تميزت بميزة أسمى من كل تلك الكائنات تميزت بالروح التى تختلف عن أنفس الحيوانات فتلك الكائنات الحية معنا حياة أما نحن فلنا حياة ، وحياة أخرى إذ أعطامنا الله حين خلقنا أرواحاً خالدة الخلود عطية عجيبة وعميقة جداً ، منحها الله للبشرية فكان إذن من أهم عطاياه لنا الوجود ، والحياة ، والخلود 0 مع سمو فى كل من هذه الأمور الثلاثة ، نتفوق فيها على كل المخلوقات الأرضية 0 يضيف لها الله مجموعة من المواهب والقدرات ، تتنوع من إنسان لآخر ، حسبما قسم الله لكل واحد كما شاءت مواهبه الإلهية ( 1 كو 12 : 11 ) خروج الحياة من الإنسان سر لا ندريه 0 ورجوع الحياة إليه سر أعظم كل ما ندريه عن خروج الحياة من الإنسان هو بعض مظاهر خارجية ، مثل توقف المخ ، وتوقف القلب ، وتوقف النفس ، وتوقف النبض ، وتوقف الحرارة ، وتوقف الحس ، وبالتالى توقف كل أجهزة الجسد أما خروج الروح من الجسد ، فهو سر كيف يحدث ، ومتى ؟ وما تحيط به من مشاعر وأحاسيس ، أو من مناظر 0 وما يتبع ذلك ، ومسيرة الروح كل هذه أسرار حتى الذين عادوا إلى الحياة ، وأقامهم الأنبياء فى العهد القديم ، أو أقامهم السيد المسيح له المجد ، لم يخبرونا بما حدث لهم ، وكيف خرجت منهم الحياة ، وكيف عادت إليهم ، وكيف كانوا بين الحالين ؟! كل ذلك بقى سراً مختوماً عليه بسبعة ختوم كل ما نستطيعه ، هو أن نشكر الله ، لأنه وعد أن يعطينا حياة أخرى إنها حياة بعد الموت ، ننالها فى القيامة العامة ، التى تقوم فيها جميع البشر 0 ترجع الأرواح إلى اجسادها فتقوم ، لتقف فى يوم الدينونة العظيم ، الذى فيه يجازى الله كل نفس بما عملت 0 وينال كل واحد منا حسبما صنع بالجسد كان أم شراً ( ( 2 كو 5 : 10 ) ولكن كيف تعود الأرواح إلى الأجساد ؟ هنا نقف بالإيمان أمام قدرة الله القادر على كل شئ الله الذى خلق الكون كله من العدم ، أتكون القيامة صعبة عليه ؟ حاشا القيامة تعطينا إذن فكرة عن قدرة الله الله القوى المتناهى فى قوته ، الذى يستطيع أن يعيد هذه الأجسام مرة أخرى بعد أن تتحلل وبعد أن نتحول إلى تراب 000 ويعيدها فى نوع من التجلى ، أجساداً روحانية ،سماوية ، نورانية ( 1 كو 15 : 49 ) 0 لا يدركها الموت فيما بعد ، ولا يدركها تعب ، ولا مرض فالله وعد الإنسان بالخلود ، وليس بالخلود لجزء منه فقط هو الوح ، بل الخلود للإنسان كله ، روحا وجسداً فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود والنعيم الأبدى ، إذن لا يمكن أن نقول إن الإنسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة ، وإنما جزء منه فقط ، وهو الروح 0 فبالضرورة إذن لابد أن يقوم الجسد من الموت ، وتتحد به الروح ، لتكون إنساناً كاملاً تصير له الحياة الدائمة 0 الجسد والروح معا:- القيامة عقيدة أساسية فى جميع الأديان ولولاها ما يثبت دين إطلاقاً فنحن نؤمن بقيامة الجسد من الموت وبالحياة الأخرى والنعيم الأبدى وعقوبة الأشرار إن قيامة الأجساد ضرورة تستلزمها عدالة الله فالإنسان مخلوق عاقل ذو إرادة 0 وبالتالى هو مخلوق مسئول عن أعماله وسيقف أمام الله ، لينال ثواباً أو عقاياً عما فعل خلال حياته بالجسد على هذه الأرض فهل يعقل أن يقع هذا الجزاء على الروح فقط ، أم يقع على الإنسان كله بروحه وجسده ؟ إن الروح والجسد اللذين اشتراكاً معاً فى العمل ، تقتضى العدالة الإلهية أن يتحملا الجزاء معاً ، أو أن يتنعماً بالمكافأة معاً الجسد هو الجهاز التنفيذى للروح أو للنفس أو للعقل الروح تميل إلى عمل الخير ، والجسد هو الذى يقوم بعمل الخير ، يجرى ويتعب ويشقى ويسهر ويحتمل أفلا تكون له مكافأة عن كل ما اشترك فيه من خير مع الروح ؟ أم تتنعم الروح وحدها فى الأبدية ، وكل تعب الجسد يضيع هباء ؟! وهل يتفق هذا مع عدل الله الكلى العدالة ؟! ونفس الوضع نذكره أيضاً عن عمل الشر الذى يشترك فيه الجسد مع الروح بل قد يكون له فى الشر النصيب الأوفر فالجسد الذى ينهمك فى الملاذ العالمية ، من أكل وشرب وسكر ومخدرات وزنى ورقص وعبث ومجون ، ويلذذ حواسه باللهو هل بعد هذا كله ، تدفع الروح الثمن وحدها فى الأبدية ، ولا يلحق بالجسد شئ من العذاب أو من المجازاة ؟! كلا ، فهذا لا يتفق مطلقاً مع العدل الإلهى ، الذى لابد أن يجازى الإنسان كله روحاً وجسداً إذن لابد أن يقوم الجسد ليشترك فى المجازاة ، ويكون الحساب لكليهما معاً لأنهما أشتركا فى العمل معاً ، سواء بدأت الروح ، وأكمل الجسد أو أشتهى الجسد واستسلمت الروح له ، واشتركت معه فى شهواته إن الجسد ينفذ ما تريده الروح ، ويبر أيضاً عن مشاعرها ولنأخذ الجندى فى الميدان مثالاً لنا الجندى تدفعه روحه إلى أعمال البسالة والبذل والفداء ، وتشتعل روحه بمحبة وطنه ومواطنيه ولكن الجسد هو الذى يتحمل العبء كله ، ويدفع الثمن كله الجسد هو الذى يتعب ويسهر ويحارب ، وهو الذى يجرح ويتمزق وتسيل دماؤه فهل بعد كل هذا تتمتع الروح وحدها ، والجسد لا يشترك معها فى المكافأة ؟! وكأنه لم ينل أرضاً ولا سماء ؟! إن العدل الإلهى لا يوافق إطلاقاً على هذا إذن لابد أن يقوم الجسد من الموت ، ليشترك مع الروح فى أفراحها ولنضرب مثلاً واحداً للشركة بين الروح والجسد ، وهو العين الروح تحب أن تشفق ، ويظهر الحب والإشفاق فى نظرة العين 0 والروح تغضب أو تميل إلى الانتقام 0 وترى العين نظرة الغضب أو نظرة الانتقام 0 الروح تتجه إلى الله بالصلاة ، وترى فى العين نظرة الابتهال ، أو تغرورق العين بالدموع من تأثر الروح الروح الوديعة المتضعة يشترك معها الجسد بنظرات وديعة متضعة 0 والروح المتكبرة المتغطرسة المتعالية ، يشترك معها الجسد أيضاً بنظرات التكبر والغطرسة والتعالى 0 وكما تشترك العين ، تشترك أيضاً كل ملامح الوجه ، كما تشترك دقات القلب ومراكز المخ ، وأعضاء أخرى من الجسد 0 هذه أمثلة من الشركة بين الروح والجسد 0 وفى مجال الجد والإجتهاد ، نرى هذا أيضاً ويوضح هذا قول الشاعر : وإذا كانت النفوس كباراً تعبت فى مرادها الأجساد إذن تكون المكافأة فى الأبدية للروح الكبيرة التى أرادت الخير وصممت على عمله ، وأيضاً للجسد الذى حمل عبء وجاهد واحتمل وصبر ، حتى حقق حقق للروح رغبتها وهكذا كما اشترك معها فى العمل ، ينبغى أن يقوم ليشترك معها فى الجزاء وفى حمل المسئولية فالمجازاة هى للإنسان كله ونحن على الأرض نكافئ الجسد ، ونعتبر هذا أيضاً مكافأة فى نفس الوقت للروح التى لا نراها ألسنا نمجد أجساد الشهداء والأبرار ، ونجعل مقابرهم مزاراً ، ونضع عليها الورود والأزهار والأطياب ، ونصلى هناك من أجلهم ؟ ولا نعتبر هذا كله مجرد إكرام للجسد أو للعظام أو للرفات أو للتراب ، وإنما للإنسان كله 0 لأننا فيما نفعل هذا ، إنما نكرم روحه أيضاً وإن كان الإنسان لا يستحق الإكرام ، ينسحب الأهمال على جسده وعلى روحه معاً 0 فالمجرمون الذين يحكم عليهم بالأعدام أو بالسجن ، تنال أجسادهم جزاءها وفى نفس الوقت يلحق بأرواحهم سوء السمعة ، وتتأثر أرواحهم بما يحدث لأجسادهم فإن كانت عدالتنا الأرضية تفعل هكذا ، فكم بالحرى عدالة الله عدالة الله تشمل الإنسان كله ، روحاً وجسداً ، لذلك لابد أن يقوم الجسد الذى عاش على الأرض مشتركاً مع الروح فى أعمالها 0 وليس فى مجرد الأعمال فقط ، بل حتى فى الأفكار والمشاعر فإن الجسد ينفعل بحالة الروح ، بفكرها ومشاعرها ونياتها الروح تقدم المهابة أو الخشوع فينحنى الجسد تلقائيا الروح تحزن فتبكى العين ، ويظهر الحزن على ملامح الوجه وفى حركات الجسد الروح تفرح ، فتظهر الابتسامة على الوجه الروح تخاف فيرتعش الجسد ، ويظهر الخوف فى ملامحه الروح تخجل ، فيعرق الإنسان ، أو يبدو الخجل فى ملامحه إنها شركة فى كل شئ ، ليس من العدل أن تتحملها الروح وحدها أو الجسد وحده إنما يتحملها الإثنان معاً ، وهذا هو الذى يحدث فى القيامة كذلك من العدالة أن تقوم الأجساد لتنال تعويضاً عما كان ينقصها فالعميان مثلاً والمعوقون أصحاب العاهات ، والمشوهون ، وكل الذين لم تنل أجسادهم حظاً من الجمال أو الصحة أو القوة من العادلة أن تقوم أجسادهم فى اليوم الخير ، وتقوم بلا عيب ، حتى يعوضها الله عما قاسته على الأرض من نقص وألم كذلك الذين عاشوا على الأرض فى فقر وعوز ، وفى جوع ومرض ، كان له تأثيره على أجسادهم ، يحتاجون أن تقوم أجسادهم فى حياة أخرى لا تشعر فيها أجسادهم بما كان لها على الأرض من ألم كرامة الإنسان :- إننا نفرح بالقيامة ، ونراها لازمة وضرورية وممكنة ونراها تعبيراً عن محبة الله للبشر ، وتعبيراً أيضاً عن عدله القيامة أيضاً تعطينا فكرة عن محبة الله للبشرية ،الله الذى أحبنا حتى أنعم علينا بالخلود ، كما أحبنا من قبل وأنعم علينا بالوجود الله المحب منح البشرية هذا الخلود العجيب ، فيحيون إلى الأبد فى نعيم دائم القيامة أعطت الإنسان قيمة معينة ، أعطت لحياته قيمة فلو كانت حياة الإنسان تنتهى عند القبر ، لأصبح مخلوفاً فانياً زائلاً ، مثله مثل الحيوان تماماً ، ومثل باقى الكائنات التى لها مجرد حياة أرضية فقط ما هى إذن الميزة التى لهذا الكائن البشرى العاقل الناطق ، الذى وهبه الله من العلم موهبة التفكير والاختراع ، والذى سلطه على كل الكائنات الأرضية الأخرى ! هل يعقل أن هذا الإنسان العجيب ، يؤول جسده إلى مصير كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهوام ؟! إن العقل لا يمكنه أن يصدق هذا إذن قيامة الجسد تتمشى عقلياً مع كرامة الإنسان الإنسان الذى يتميز على جميع المخلوقات ذوات الأجساد ، والذى يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعاً ، وأن يقوم لها بواجب الرعاية والاهتمام إذ أراد 0 فكرامة الجسد هذا المخلوق العاقل ، لابد أن تتميز عن مصير باقى أجساد الكائنات غير العاقلة غير الناطقة وهذه الميزة تظهر فى قيامة الجسد وتجليه لذلك نشكر الله لأنه بالقيامة أعطى لحياتنا امتداداً كبيراً إلى غير نهاية ، حيث يعيش الإنسان فى حياة أخرى لا تنتهى إلى الأبد عندما خلق الله الإنسان خلقه حياً ، ذا نفس حية ، ولم يكن تحت سلطان الموت إذن الموت دخيل على العالم ، والحياة هى الطبيعة الأصلية للإنسان وبالقيامة يرد الله الإنسان إلى رتبته الأولى ، إلى الحياة التى خلق بها ولأجلها 0 فوائد أخرى للقيامة:- بالقيامة تتثبت المبادئ الروحية ، ويصبح الإنسان صاحب رسالة وصاحب قيم لأنه مع القيامة توجد المسئولية وتوجد الدينونة ، والإنسان يقوم من الموت لكى يقف أمام منبر الله العادل ليعطى حساباً عن كل ما فعله بالجسد إن خيراً وإن شراً يعطى حساباً ليس فقط عن أعماله ، وإنما أيضاً عن أعماله ونياته وحواسه ومشاعره الباطنية ومادام الإنسان سيقوم وسيعطى حساباً عن كل شئ ، ينبغى إذن له أن يحيا حياة التدقيق والحرص ، حياة البر والقداسة التى يقف فيها بلا خجل ولا خزى ولا خوف أمام الله ، وأمام الناس فى اليوم الأخير لو لم تكن قيامة لساد الفساد العالم ، ولأنتشر الظلم ، ولأكل الناس بعضهم بعضاً لو لم تكن هناك قيامة للأجساد ، وحياة أخرى ، لانتشر الفساد والأربيقورية التى تقول " لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت " ، ولتهالك الإنسان على ملاذ الدنيا وعلى المادة 0 لكن بالقيامة أصبحت هناك قيم ، وهناك مبادئ ، وهناك أهداف روحية يحيا الإنسان لها ، وهناك الحياة الآخرة التى يسعى الإنسان إليها بهدف واسع كبير غير الأهداف القصيرة المؤقتة التى يعيش لها الناس وبالقيامة دخلت إلى الإنسان مشاعر الشجاعة والجرأة وعدم الخوف وأصبح الإنسان لا يخاف الموت ، وهكذا على رجاء القيامة تقدم الشهداء إلى الموت غير هيابين إنهم يعرفون أن الموت ليس نهاية حياتهم ، ويرون أن بعد الموت باباً واسعاً لحياة لا تنتهى على رجاء القيامة عاش الناس على هذا الرجاء فى فكرهم السماء ، وفى فكرهم النعيم الأبدى ، وفى فكرهم سعادة تفوق سعادة الدنيا ، وهى ما عبر عنها الكتاب بقوله " ما لم تره عين ، وما لم تسمع به أذن ، وما لم يخطر على قلب بشر ما أعده الله لمحبى اسمه القدوس " إن الناس كلما يودعون راحلاً عن الدنيا يودعونه على رجاء القيامة ، باعتبار أنهم سيرونه هناك بل إن القيامة أعطت رجاء أوسع من هذا ، ليس فقط فى تلاقى الأحباء والأقرباء ، وإنما فى تلاقى الأجيال كلها حيث يلتقى الناس هناك فى السماء مع أبينا آدم وأبينا نوح والأنبياء ، ومع جميع الأبرار فى جميع العصور ستلقى الأجيال كلها هناك فى القيامة ولولا القيامة ما كان مثل هذا اللقاء ممكناً ، ولعاش الناس فى جيل محدود ، وفى زمن محدود لا يتعدونه ومن هنا رأينا أناساً يعيشون حياة الزهد والنسك والتجرد من الماديات فى العالم ، لأنهم يعرفون تماماً أن وراء هذا النسك والزهد توجد مكافأة أبدية تعوض كل شئ 0 الاستعداد:- ولكن ولكن هذه القيامة يا أخوتى هى فرح للأبرار ، وهى خوف ورهبة للمخطئين والأشرار الذين يخافون من القيامة لأنها تفتح باباً أبدياً فىعقاب الله لذلك إذ نتذكر القيامة ، وإذ نتذكر هذا العمر الطويل غير المتناهى الذى ينتظرنا فى الأبدية ، نستعد لهذه الحياة بحياة البر وحياة الإيمان ، لكى نستحق هذا الخلود السعيد لأنه لن يدخل فى نعيم الله الأبدى إلا المؤمنون الذين عاشوا بالحب ، وعاشوا بالسلام ، وعاشوا فى خير ، ينشرون الخير أينما وجدوا ، وأينما حلوا ويبحثون عن سعادة غيرهم أكثر من سعادتهم الشخصية هؤلاء الأنقياء الأبرياء ، الأبرار هم الذين يعيشون فى النعيم الأبدى علينا أن نحيا فى هذا البر ما دامت لنا أنفاس تتردد فينا ، ولنبذل كل طاقاتنا لكى نسعد الأجيال التى نعيش فيها ، ولكى نتمثل بالسيد المسيح الذى قيل عنه " كان يجول يصنع خيراً " قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
25 مايو 2021

القيامة والماء الحي

المسيح هو ينبوع الماء الحي (يو4: 1-42): «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا، أمّا من يشرب من الماء الذي أعطية أنا له فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطية له يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية».. وكان الماء من الأمور الضرورية للشعب في البرية لأن بدونه يهلكون عطشًا، لذلك أرسل لهم الرب ماءً من الصخرة ليشربوا.. لذلك لا يمكن للمسيحي أن يعيش في هذا العالم بدون مياه الروح القدس. + والإنسان له عواطف ومشاعر وأحاسيس لابد أن تشبع، فإن لم يصل إلى الامتلاء بالروح القدس فإنه يعطش إلى العالم ومياهه التي كل من يشرب منها يعطش، لأنه ليس في العالم الماء الحي، بينما طبيعة روح الله القدوس أنه أنهار ماء حي يفيض إلي حياة أبدية «الروح والعروس يقولان: تعالَ، ومن يسمع فليقل: تعالَ، ومن يعطش فليأتِ، ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانًا» (رؤ22: 17). + وفي القيامة ينبغي أن نحس بالحركة الباطنية للروح القدس في حياتنا وتفيض على الآخرين أيضًا، أي أن الإنسان الذي يتكلم عن القيامة بدون إحساس بجريان الماء الحي من بطنه لهو يعيش الموت.. ومن جهله يظن أنه يملك أنهارًا داخلية.. لنتذوق قوة، القيامة ونرتوِ بمياه روحها الفيّاضة، لنذوق ينابيع الحب المنفجرة من الجنب الإلهي.. + لذلك يقول: «ومن يعطش فليأتِ، ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانًا» (رؤ22: 17)، لأن مياه العالم (أي شهواته وملذاته) تزيد الإنسان عطشًا ونهمًا، أمّا شخص السيد المسيح ففيه كل الشبع وكل الارتواء الدائم الحي «أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانًا» (رؤ21: 6). + ولقد رأي الرائي نهرًا صافيًا من ماء حياة لامعًا كبلور، خارجًا من عرش الله (رؤ22: 1). + وعن الماء الحي مكتوب أيضًا: «وفي اليوم الأخير وقف يسوع ينادي قائلًا: إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب. من آمن بي - كما قال الكتاب - تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون مزمعين أن يقبلوه، لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطِي بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد» (يو7: 39-37).. السيد المسيح يكشف عن حقيقة أنه المانح ماء الحياة (الماء الحي): لقد ظنّت السامرية المسكينة أن الرب يسوع فعلًا يطلب أن يشرب لأنه كان قطع مسافات طويلة (6 ساعات)، فقالت له: «كيف تطلب مني لتشرب...؟»، فإذ به يقول لها: «لو كنتِ تعرفين عطية الله، ومن الذي يقول لكِ: أعطيني لأشرب، لطلبتِ أنتِ منه فأعطاك ماء ينبع إلى حياة أبدية» (يو4: 10). + ما معني الماء الحي؟: ما هذا الماء الذي يعطي الإنسان الحياة الأبدية، والإنسان مخلوق ولابد للمخلوق أن يفنى، فكيف ينال الإنسان الحياة الأبدية ما لم يُعطَ ما يتغذى عليه، وما يعطينا أن نبقى إلى الأبد؟ هذا الماء الذي تكلم عنه سفر الرؤيا.. الذي يخرج من العرش، أي أن مصدره من الله نفسه.. لأن الله هو الحياة، فلابد لماء الحياة أن ينبع من الله.. ليس هناك مصدر للحياة ألّا الله. لأن الله هو الحي الأول، والسيد المسيح يقول عن نفسه: «أنا هو القيامة والحياة»، ومنه ينبع نبع الحياة، وكل من يريد أن يحيا لابد أن يأخذ من نهر الحياة، ولابد أن يشرب من نهر الحياة. وفي سفر إرمياء يقول: «تركوني أنا ينبوع الحياة»، مَن الذي يتكلم؟ الله هو الذي يقول : «تركوني أنا ينبوع الحياة».. هو باعث الحياة، ومَن يريد أن يحيا لابد أن يشرب من الماء الذي يعطية هو.. ومن يشرب من الماء الذي أنا يعطية يحيا إلى الأبد، ويصير فيه ينبوع ماء «ينبع إلى حياة أبدية». نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين أسقف المنوفية
المزيد
24 مايو 2021

ظهر لأكثر من خمسمائة أخ ظهر ليعقوب - ثم للرسل أجمعين

1- ظهر لأكثر من خمسمائة أخ:وهذا ظهور مجيد وهام... ينفي أي محاولة تشكيك، سواء في الرؤيا أو في الصدق!! فإذا ما كانت جماعة الشهود صغيرة، كالتلاميذ فقط مثلًا، فربما تصور البعض أنهم اتفقوا على ضلالة وكذب (مع أن المنطق يتنافى مع أناس يموتون شهداء ضلالة!!).أمّا وقد صار الرقم أكثر من خمسمائة، فيستحيل أن يخطئ كل هؤلاء في الرؤيا، أو أن يتفقوا معًا على ضلالة!!وأرجو أن نلاحظ أن رسالة كورنثوس كُتِبت حوالي سنه 58 ميلادية، أي بعد حوالي ربع قرن من القيامة، «وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاقٍ إِلَى الآنَ» (1كو15: 6). فهل يُعقَل أن يتفق أكثر من خمسمائة شخص، لمدة ربع قرن، على خيال أو ضلال؟! مستحيل!! فالقيامة أكيدة، وهذا الظهور مجرد أحد براهينها!! 2- ظهر ليعقوب:«وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ» (1كو15: 7).وهذا ظهور خاص... لماذا؟هل لأن يعقوب هو أخو الرب؟ أم لأنه سيكون أول أسقف على أورشليم؟إنه يعقوب البار... الذي كانت ركبتاه مثل خُفّي الجمل من كثرة السجود...ودعاه اليهود (البار) لأنه كان دائم الصلاة، مواظبًا على الهيكل.حتى ظنوه يهوديا مثلهم لا مسيحيا...ولمّا سألوه عن إيمانه...وقف على جناح الهيكل...وأعلن مسيحيته...فطرحوه من أعلى...فمات ساجدا...غافرًا لهم فعلتهم!!ولعل هذا الظهور، كان دعمًا خاصًا لشهيد مبكر، سيموت بفرح من أجل اسم المسيح!!3 3- ثم للرسل أجمعين:وهذا الظهور لم يقتصر على الاثني عشر فقط، بل كان معهم جماعة الرسل السبعين، فهذا إذًا ظهور هام، لعدد ضخم، وهو يضارع الظهور السابق، الذي كان لأكثر من 500 أخ.القيامة إذًا أكيدة!!وجسد القيامة نوراني!! وأمجاد القيامة تنتظرنا!!فلنحذر أن نفقد نصيبنا منها!!فالرب في انتظار!!... هيّا إليه!! نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
23 مايو 2021

المرأة السامرية

تقرأ علينا الكنيسة ياأحبائىِ إِنجيل المرأة السامِريّة وأيضاً فِى أثناء رِحلتنا فِى الصوم الكبير قرأنا إِنجيل المرأة السامِريّة وقريباً بعد حوالىِ 3 أسابيع أى الأسبوع الرابع مِن الآن أخر إِسبوع فِى الخماسين المُقدّسة فِى صلاة السجدة فِى تذكار حلول الروح القُدس سوف نقرأ أيضاً إِنجيل المرأة السامِريّة ولكِن فِى كُلّ مرّة تُحاوِل الكنيسة أن تُركّز على معنى جديد الكنيسة المُلهمة بالروح القُدس التّى أدركت أسرار الإِنجيل تعرِف تُوظّف فصول الكِتاب المُقدّس ، كُلّ فصل مُناسِب فِى مُناسبة مُناسِبة ، ففِى الصوم الكبير تقرأ إِنجيل السامِريّة كحادِثة توبة ، فإِنّ المرأة كانت تحيا فِى دنس عميق وقد تركت هذا الدنس وصارت كارِزة ، وفِى فترة الخماسين الحالِيّة التّى تعيشها الكنيسة الآن تُركّز لنا على الحياة ما بعد التوبة وهى الثبات فِى المسيح ، يلزمنا أن نثبُت فِى المسيح ولِكى نثبُت فِى المسيح لنا أن نأخُذ منهُ ماء الحياة لِكى ما نحيا ونرتوىِ ونفرح " يسوع هو الماء الحىّ " ، أمّا فِى صلاة السجدة بِيُقرأ إِنجيل السامِريّة لأنّهُ يُعلّمنا عن السِجود بالروح والحق ، فقال لهُم ] أنتُمْ تسجُدوُن لِما استُمْ تعلمُون أمّا نحنُ فنسجُد لِما نعلِم [ ، وقال لهُم وإِنّ الآب طالِب مِثل هؤلاء الساجِدين لهُ وإِنّ ] الله روح والّذين يسجُدوُن لهُ فبالّروح والحق ينبغىِ أن يسجُدوا [ ، والكنيسة يا أحبائىِ فِى كُلّ مُناسبة تضِع الفصل المُناسِب وتُعلّمنا كيف يثبُت ويرسخ فينا ربّ المجد يسوع الخادِم الحقيقىِ الراعىِ الصالح ترك أورشليم وذاهِب بلده كفرناحوم ويقول لنا ] كان لابُد لهُ أن يجتاز السامِرة [ ، وهو فِى الحقيقة ياأحبائىِ الجماعة الّذين يعرِفون فِى الكِتاب المُقدّس يقولون أنّ الطريق ليس بالشرط أن يجتاز السامِرة ولكِن يوجِد طريق ساحِلىِ أجمل وأهدى ويمكِن يكون فيهِ نسمات لطيفة لأنّهُ ساحِلىِ ويمكِن يكون طريق أجمِل وهو على الضّفة اليُمنى مِن النهر الّذى يوصّلهُ لِبُحيّرة الجليل المكان الّذى يُريد الوصول إِليهِ لِماذا قال أنّهُ لابُد أن يجتاز السامِرة ؟ لأنّ هذا لِتدبير خلاص وهذا موضوع يخُصّ إِهتمامات الله بالنِفَس وهو مِنْ أجل النِفَس يجتاز الطُرُق الصعبة ، وهو مِنْ أجل خلاص النِفَس يجِد أنّهُ لازِماً عليهِ وواجِباً عليهِ أن يجتاز الطريق الأصعِب ، وكان لابُد لهُ أن يجتاز السامِرة ، لِدرجة أنّ الطريق مُتعِب ومُشمِس وصحراوىِ لا يوجِد فيهِ ماء وأول ما رأى بير يقول الإِنجيل جلس هكذا على البئر والبير فِى الكِتاب المُقدّس ملىء بالرموز والمعانى ، البير إِشارة إِلى الحياة البير إِشارة إِلى المعموديّة البير إِشارة إِلى الخير والبِرّ البير إِشارة إِلى عطيّة الله ومِن هُنا ربّ المجد يسوع يتلاقى مع النِفَس البشريّة عِند البير ويقول لها ] أعطينىِ لأشرب [، فتقول لهُ ] كيف تطلُب منّىِ لِتشرب وأنت يهودىِ وأنا إِمرأة سامِريّة [ ، ربّ المجد يسوع يُظهِر أنّهُ مُحتاج إِلى النِفَس ، يُظهِر هذا فِى إِتضاع عجيب وكأنّهُ هو المُحتاج للسامِريّة وإِن كانت هذهِ إِمرأة دنِسة ، وإِن كانت إِمرأة سيّئة الُسمعة ،إِلاّ أنّهُ تعِب مِنْ أجلِها ، وكان لابُد لهُ أن يجتاز السامِرة لِكى ما يتقابل مع هذهِ النِفَس ، والعجيب رغم كُلّ تنازُل الله ورغم كُلّ لُطف وإِحسانات ربّ المجد يسوع إِلاّ أنّ هذهِ النِفَس أول ما قال لها أعطنىِ لأشرب هى التّى تبعِدهُ وتقول لهُ أنت يهودىِ وأنا سامِريّة أيام إِنقسام مملكِة إِسرائيل فِى عهد رحبعام إِبن سُليمان المملكة إِنقسمت فأحدثت عداوة بين المملكة الشماليّة والمملكة الجنوبيّة وكانت بينهُم حروب كثيرة ، لِدرجِة أنّ السامريين كانوا يرفُضون أن يذهبوا للجنوب فِى أورشليم لِكى يُعيّدوا وقالوا نقوم ونبنىِ هيكل ومذبح ونُعيّد هُنا ولا نذهِب هُناك فِى أورشليم ، فكانت العداوة شديدة جِداً لِدرجِة أنّهُ لو وُجِد فِى أورشليم اليهوديّة سامرىِ كان يُقتل فِى الحال 0 ربّ المجد يسوع كان يعرِف أنّها سامِريّة ويتعامل معها رغم هذهِ العداوة ، أصل هو جاء لِيُصالح السمائيين بالأرضيين ، النِفَس مع الجسد ، الشعب مع الشعوب ، ويقول لنا فِى سِفر هوشع ] أنا سأجعل الّذى هو ليس شعبىِ شعبىِ والتّى ليست محبوبة محبوبة [ ، أنا سأجعل الغير محبوبة النِفَس التّى يجزع مِنها الكُلّ مِثل السامِريّة أجعلها محبوبة ، أنا أتيت لِكى أرُدّ للإِنسان كرامتهُ ، أتيت لِكى أُزيل كُلّ الفوارِق التّى بين الناس وبعضها ، أتيت لأمنِع أنّ أحد يتكلّم على الآخر بِسبب اللون أو الجنس أو الشكل ، فإِنّ القانون اليهودىِ كان يُجرّم الحديث المرأة مع الرجُل فِى الطريق ، يُجرّم ، وكان اليهودىِ يحتقِر جِداً المرأة لِدرجِة أنّ التلاميذ تعجّبوا أنّهُ يتكلّم مع إِمرأة فكان اليهودىِ كان يُصلّىِ ويقول أشكُرك يارب لأنّك لم تخلِقنىِ إِمرأة ، إِلى هذا الحد كان إِحساسهُم بالمرأة إِحساس مُتدّنىِ ومع هذا ربّ المجد يسوع جاء لِيفتقِد جهل وغباوِة الإِنسان ولِكى يعلم الإِنسان غرض الله مِن خلقتِهِ قال بولس الرسول ] ليس المرأة دون الرجُل فِى المسيح يسوع [ ، فيأتىِ ربّ المجد يسوع لِكى يخترِق هذهِ النِفَس بالرغم مِنْ أنّ هذهِ النِفَس كثيراً ما تستخدِم أسلِحة لِكى تسِدّ إِختراق الرّبّ يسوع لها تستخدِم معاه سلاح الكنز والجاه والذكاء والثقافة والمعرِفة أنت يهودىِ وأنا سامِريّة وسِلاح المُراوغة ، كثيراً ياأحبائىِ النِفَس تأخُذ لِنفسها موضِع إِستغراب عِند الله وتُحاول أن تُقنِع نِفَسها وتقول لِنِفَسها أنا فين وربِنا فين ومين ربنِا بالنسبة لىّ وماذا يُريد منّىِ ربنا كثيراً ما يأتىِ ربنا لِيفتقِد النِفَس ويأتىِ إِليّها ويُكلّمها وهى لا تستجيب ، كثيراً ياأحبائىِ يُحِب الرّبّ أن يخترِق قلب الإِنسان بإِشراقات مِنْ نوره تُزعزِع جِبال ومع ذلك نجِد النِفَس تقول أنت يهودىِ وأنا سامِريّة يوجد فِى العالمْ الآن دعوة لِرفض الحياة مع الله ، العالمْ كُلّه ، لِدرجة أنّهُم يقولون أنّهُ مِنْ غير المعقول أنّنا نقوم بِقوانين وُضِعت مِنْ عشرين قرن يُريِدون أن يضعوا حواجِز بينّهُم وبين الوصيّة ، بينّهُم وبين ربّ المجد يسوع ، وعايزين يقولوا إِن كلامك مايناسِبناش إِنت مِنْ طبيعة وإِحنا مِنْ طبيعة ، لكِن ربّ المجد يسوع طويل الأناة كثير الرحمة وبار لا يُعامِلنا بِحسب جهلِنا ولا بِغباوِتنا وبالرغم أنّ المرأة أخذت تصُدّهُ فِى الكلام وكان هذا كفيل بأن يترُكها ولكنّهُ تأنّى عليّها لِدرجِة أنّها كانت تشعُر فِى داخِل نِفَسها أنّها أمام نور وأمام حق ولا تستطيع أن تُقاوِمهُ ، لِدرجة أنّ ربّ المجد يسوع إِبتدأ يتدرّج معها فِى الحديث يُعلِن فيها عن نِفَسهُ بالتدريج ، وهى أيضاً كانت مُتدرِجة معهُ فِى الحديث ، إِبتدأت بأنت يهودىِ وأنا سامِريّة ثُمّ قالت لهُ يا سيّد ، ثُمّ قالت لهُ أرى أنّك نبىّ ، ثُمّ وصلت لِقمة الإِعلان الإِلهىِ وقالت لهُ أنّنا نعرِف أنّهُ فِى مسِيّا الّذى يُقال لهُ المسيح يأتىِ بالرغم ياأحبائىِ النِفَس المُغلقة قلبها مِنْ ناحية إِعلانات الله إِلاّ أنّ طول أناته معاها وحُبّهُ وصلاحه لها وإِفتقادهُ لها رغم كُلّ إِنصراف عنهُ ورغم كُلّ غلق للأحشاء النِفَس عن مراحِم الله إِلاّ أنّ الله لازال مُتأنّىِ ولازال يُعلِن نِفَسهُ لِكُلّ قاسىِ ولِكُلّ جاحِد ولِكُلّ غريب عنهُ حتى عن غير المؤمنين وحتى للّذين خارِج رعيّتهُ جاء لِيُعلِن لهُم عن ذاته ، جاء الحديث فِى إِنجيل يوحنا فِى مرحلة فيها ربّ المجد يسوع يُريِد أن يُعلِن أنّهُ للكُلّ فِى الحادِثة التّى يسبِق حادِث المرأة السامِريّة صنع الرّبّ يسوع فيها مُعجِزة فِى عُرس قانا الجليل لليهود ، والحادِث التالىِ كان حديثهُ مع نيقوديموس مِنْ عُلماء اليّهود ، أراد الله أن يُعلِن أنّهُ لليهود وللسامِريين للكُلّ ، وأراد الله أن يذهِب للمُحتاجين بل وأكثرهُم إِحتياجاً لِكى يُعلِن عن قوّة عمله وأنّهُ قادر أن يجذِب إِلى نفسه بِقليل وبِكثير ناس كثيرين ويدخُل بِهُم إِلى المجد ، ولمّا قالت أنت يهودىِ وأنا سامِريّة قالها إِدّينىِ لأشرب وأخذت تضع فِى حدود بينّها وبين يسوع ربّ المجد قال لها يسوع ] لو كُنتِ تعلمين عطيّة الله ومِنْ هو الّذى يقول لك أعطينىِ لأشرب لطلبتِ أنتِ منهُ فأعطاكِ ماءً حيّاً [ ، قالت لهُ المرأة ] ألِعلّك أعظم مِنْ أبينا يعقوب [ ، عِندما مرّ أبينا يعقوب هو وغُلمانه وجِماله مِنْ هذهِ الأرض ولا يوجد معهُم ماء فعِندما رأوا هذا البير وجد الماء عميقة جِداً ومائها كاد أن يجِفّ ، قال يارب بعدما وجدت البير أجِدهُ مائهُ عميقة وليس فيهِ ماء ، فصلّى إِلى الله صلاة عميقة فحدثت الأُعجُوبة أنّ الماء أفاض فقالت المرأة ألِعلّك أنت أعظم مِنْ أبينا يعقوب ، نُلاحِظ مِنْ حديثها أنّ قلبها مازال مُغلق وإِن كانت السامِريّة تعيش فِى شر ودنس إِلاّ أنّ فيها بعض نِقاط مُضيئة ، واضِح أنّها على معرِفة وغيره وذلك نُلاحِظهُ مِنْ خِلال حديثها السابِق لهُ ثُمّ سالتهُ ] ياسيّد آباؤنا سجدوا فِى هذا الجبل وأنتُم تقولون إِنّ فِى أورشليم الموضِع الّذى ينبغىِ أن يُسجِد فيهِ [ ، سألت المرأة يا سيّد نحنُ لا نذهِب لأورشليم أين نسجُد ، إِذاً أين نسجُد لأنّهُ غير مسموح للسامِريين أن يذهبوا لأورشليم لكِن أنا أعرِف أنّ السِجود الحقيقىِ فِى أورشليم ، هل سِجودنا فِى السامِرة هو مقبول عِند ربنا ؟ قال لها لا فِى أورشليم ولا فِى الجبل ] الساجِدون الحقيقيّون يسجُدون للآب بالروح والحق [ ، أراد أن يقولها فِى أى مكان يكون السِجود وهذا مقبول عِند ربنا ، الحديث كُلّهُ غِنى 0 ] قالت لهُ المرأة يا سيّد لا دلو لك والبِئر عميقة [ ، الإِنسان لمّا يستخدِم الذكاء والعقل ويستخدِم أساليب بشرِيّة لِكى يمنع نِفَسه مِنْ مُقابلة صريحة مع الّذى يُحبّهُ ، كثيراً ما الإِنسان يهرُب تماماً مِن مواجهة نِفَسهُ وعِندما يُلاقىِ حقيقة تكون صعبة مِثل حقيقة الموت لا يُحِب يُفكّر فيها ويخاف ويترُكها ، حقيقة الديّمومة أين أنت مِنْ الآخرين ، أين أنت مِنْ الوصايا ، المحبّة العطاء الإِتضاع وليس هذا فقط بل وأيضاً تُقدِّم لِنِفَسك الأعذار ، أنت لا دلو لك والبئر عميقة ، أنت يهودىِ وأنا سامِريّة ، ألِعلّك أنت أعظم مِنْ أبينا يعقوب ، كثيراً ما النِفَس تُخادِع نِفَسها لِكى تهرُب مِنْ حقيقة خلاصِها ، فِى حين أنّهُ قائم معها الآن لِكى يُخلّصها ، قائم معها قُدّامها ، وإِبتدأ يُكلّمِها عن ماء الحياة الماء الحىّ 0] الماء الّذى أُعطيه يصير فيِهِ ينبوع ماء ينبُع إِلى حياة أبديّة [ ربّ المجد يسوع يُعلن لنا اليوم ونحنُ فِى فترة أفراح القيامة أنّهُ هو ماء الحياة ، أنّهُ مات لِكى يُحّول موتنا لِحياة يُقدّم لنا حياة مِنْ جسدهُ ودمهُ ، مات لِكى يُعطينا نِفَسهُ كماء حياة ، ماهو الفرق بين منطقة حيّة ومنطقه ميّتة ؟ لِماذا الصحارىِ ليس عليّها إِقبال 00لِماذا لا تُبنى ولا تُزرع لا أحد يسكُن فيها ؟ لأنّهُ ليس بِها ماء ، ربّ المجد يسوع هو ماء الحياة ،داود النبىِ قال ] صارت لك نِفَسىِ مِثل أرض بِلا ماء [ ، يقول الرّبّ تعالى أنا الماء الحىّ لك سوف أُحّوِل صحرائك إِلى فراديس مملوءة أثمار ، فقط إِفتح قلبك للماء وأنا مُستعِد أفجّر فيك ينابيع قال ] تجرِى مِن بطنهِ أنهار ماء حيّة [ ، ] تركونىِ أنا ينابيع الماء الحىّ وحفروا لأنّفُسهُم آبار مُشقّقة لا تضبِط ماء [ ، هو ينابيع الماء الحيّة وهو الماء الحىّ القادر بِنعمتهِ تحويل جفاف نِفَسىِ إِلى فردوس مُثمِر لهُ مِثل ما حدث للمرأة السامِريّة الكِتاب المُقدّس يستخدِم كثيراً جداً تعبير المياه ، يقول المياه هى التّى نجّت 8 أنفُس أيام أبينا نوح ، يقول] وكان روح الله يرِفّ على وجه المِياه [ لِماذا ؟ لأنّ المياه إِشارة للحياة ، عِندما عطش أبائنا فِى البرّيّة قال الرّبّ لموسى إِضرب الصخرة ، والصخرة أخرجت لهُم ماء ، يقول مُعلّمِنا بولس الرسول ] والصخرة تابعتهُم وكانت الصخرة المسيح [ ، لأنّ الّذى أعطى الماء الصخرة والّذى يُعطىِ الحياة هو المسيح ، المسيح هو الصخرة الّتى تُعطينا ماء الحياة ، يُعطيهِ لنا بِلا كيل ولا حِدود ، هو يقول إِفتح فمك وأنا أملئهُ القطيع وهو ذاهِب لِيشرب مِنْ بِركة يشرب على قدر ما يأخُذ ويستوعِب ، أمّا روح الله فِى الكنيسة ماء الحياة متروك لنا لِكى نشرب منهُ بِلا حِدود دون إِمتلاء ، إِنّنا لا نمتلىء بل بِإستمرار عطشانين إِليهِ ، يقول داود النبىِ ] عطِشت نِفَسىِ إِليّك يارب [ ] كما تشتاق الآيّل إِلى جداوِل المياه هكذا تشتاق نِفَسىِ إِليّك يارب [ ، الآيائل ( الغِزلان ) تُحِب أن تتغذّى وعِندما تأكُل تُصاب بِعطش شديد جِداً يكون مُميت وقاتل ، ففِى الحال تبحث عن الماء بِشغف وقوّة وسُرعة غير عاديّة داود النبىِ يُشبّهنا أنّنا دائماً عطشانين لِربنا مِثل الأيائِل وهى عطشانة للماء بِطريقة فيها سُرعة وشغف وقوّة وحماس غير عادىِ ربّ المجد يسوع يُعطينا حديث السامِريّة هذا لِكى يُعلّمِنا كيف نأخُذ مِنْ هذا الماء الحىّ ، لِذلك قال الرّبّ يسوع للسامِريّة ] لو كُنتِ تعلمين عطيّة الله [ ، نحنُ مُحتاجين أن نعلِم عطايا الله ، مُحتاجين جِداً أنّ عطايا الله كُلّها عطايا بِلا ندامة وليس بِكيل وليست بِفضّة أو ذهب ولكنّها عطايا مجانيّة تُعطى لِمن يبحث عنها ، مَن يشتاق إِليّها ، يقول عنها أنّها كنز الصالِحات ، كنز صلاح ، إِذا ذهبت لِشراء شىء بِتدفع فيهِ ثمن غالىِ جِداً لِشراء أى حاجة ، ماذا أفعل لآخُذ الصلاح ؟ يلزمك شيئين إِجتهاد وسعى وإِشتياق ، إِذا قدّمت الإِجتهاد والسعى والإِشتياق يكون الصلاح لك ، إِذا وجد عِندك الإِستعداد ربنا يجعِل لك البير لا يفرغ أبداً ، تأخُذ منهُ كُلّ يوم ويُعطيك بِفيض وبِغنى وليس بِكيل ، لو كُنتِ تعلمين عطيّة الله ، عطيّة مجانيّة ، ولِهذا قال أشعياء النبىِ ] تعالوا إِشتروا بِلا ذهب وبِلا فِضّة [ ، إِشتروا ، إِشتروا منهُ رحمة ،أحد القديسين قال ] حاولنا نبتاع لنا خلاصاً بِلا فِضّة وبِلا ثمن نأخُذ خلاص مِن الله خلاص مجاناً [ 0 فِى الكنيسة الأولى كانت الناس تظُنّ أنّ مواهِب الروح تُعطى بِدراهِم أو بِفلوس مِثل سيمون الساحِر عِندما شاهد التلاميذ يصنعون مُعجِزات قال أذهب لأُعطيهُم بعض المال وأجعلهُم يُعطونىِ أن أعمل مُعجِزات ، فقال لهُ بُطرُس ] لِتكُن فِضّتك معك للهلاك [ ، كُلّ شىء تِقدر تشتريه بالمال إِلاّ عطيّة الله 0 ] إِن كُنتِ تعلمين عطيّة الله [ ، لِذلك الّذى يأخُذ مِنْ عطيّة الله يشعُر بِغنى غير عادىِ فهو يُريد خلاص وتوبة ورحمة ، وبيشعُر فِى كُلّ يوم أنّهُ بيأخُذ كُلّ هذا بإِقترابه مِنْ الله ، ويقول أنا بآخُذ مِن ربنا الشىء الّذى يعجز عنهُ كنوز الدُنيّا أن تُعطيها لىِ ، لكِن أنا غير مُحتاج لِكنوز الدُنيّا ، وإِذا أحسست أنّهُ يوجِد شىء ينقُصنىِ فِى حياتىِ لكِن مع المسيح أنا شبعان وغِنىِ ومالِك لِكُلّ شىء رأينا أُناس لا تطلُب المال ولا تطلُب الماديّات لأنّهُم تركوا ، متى تركوا ؟ عِندما أخذوا عطايا الله إِحتقروا الماديّات والأرضيّات تجرىِ مِنْ بطنهِ ماء حىّ ، تجرىِ بِغزارة ، الّذى يضع نِفَسه فِى مجال عمل النعمة يشعُر أنّهُ يفيض بِها وفيها كُلّ يوم جُدد وعُتقاء ، ويُعطيها كجريان الأنّهار بِلا توقُفّ بِلا حِدود ، عطايا الله غنيّة جِداً ياأحبائىِ الماء الحىّ ربنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بِنعمتهُ لإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين 0 القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك
المزيد
22 مايو 2021

الرسالة الرابعة عید القیامة في ٧ برمودة ٤٨ 2 أبریل ٣٣٢ م.

أرسلت هذه الرسالة من البلاط الإمبراطوري بواسطة أحد الجنود أرسل إلیكم یا أحبائي رسالتي متأخراً ولیس كما اعتدت؛ واثقًا أنكم ستسامحونني على تأخیري وذلك لطول رحلتي وبسبب مرضي. فقد أعاقاني هذان السببان عن الإرسال، هذا مع حدوث عواصف شدیدة على غیر العادة فأرجأت الكتابة إلیكم.وبالرغم من طول مدة السفر مع مرضي الشدید، لكنني لا أنسى أن أقدم لكم تعالیم العید، إذ من واجبي أن أخبركم عن العید.ومع أن هذه الرسالة قد جاءت متأخرة عما اعتدت علیه، لكنني أظن أنه لا زال الوقت مناسبًا، خاصة وأن أعداءنا قد صاروا في عار، ووبختهم الكنیسة لأنهم اضطهدونا بلا سبب فلنرنم الآن بترنیمة العید ناطقین بتسبحة النصرة ضد فرعون قائلین "أرنم للرب فأنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر" انتعشوا بالغذاء الروحي یوم العید حسنًا یا أحبائي أن نخرج من عید إلى عید، فأن احتفالات العید والأسهار المقدسة التي ترتفع في عقولنا، تدعونا إلى حفظ السهر على التأمل في الأمور الصالحة. لیتنا لا نترك هذه الأیام تمر علینا مثل تلك التي حزنا فیها، إنما إذ نتمتع بالغذاء الروحي تخمد شهواتنا الجسدیة.بهذه الوسیلة نقدر أن نغلب أعداءنا الشیاطین والشهوات كما صنعت یهودیت المباركة، إذ تدربت أولاً على الأصوام والصلوات، وبهذا غلبت الأعداء وقتلت ألیفاناذ.وعندما كان الخراب سیحیق بكل جنس استیر… لم تفسد ثورة الطاغیة إلا بالصوم والصلاة إلى الله،وهكذا حولت هلاك شعبها إلى حفظهم في سلام وإذ كانت الأیام التي فیها یقتل العدو أو تباد مؤامراته، تعتبر بالنسبة لهم أعیادًا… لذلك أمر موسى المبارك أن یعید بعید الفصح العظیم، لأن فرعون قد قتل والشعب خلص وتحرر من العبودیة… الیوم قد قتل الشیطان عدونا والآن یا أحبائي.. قد ذبح الشیطان، ذلك الطاغیة الذي هو ضد العالم كله، فنحن لا نقترب من عید زمني بل عید دائم سمائي. معلنین إیاه لا خلال ظلال (وحرف) بل في الحق لأن أولئك بعد ما شبعوا من جسدالخروف الأبكم تمموا العید، وإذ مسحوا قوائم بیوتهم بالدم نجوا من المهلك. أما الآن فإذ نأكل "كلمة" الآب وتمسح قلوبنا بدم العهد الجدید نعرف النعمة التي یهبنا إیاها المخلص الذي قال "ها أنا أعطیكم سلطانًا لتدوسوا الحیات والعقارب وكل قوة العدو" (لو ١٩:١٠ ) لأنه لا یعود یملك الموت، بل تتسلط الحیاة عوض الموت، إذ یقول الرب "أنا هو الحیاة" (یو ٦:١٤ )، حتى أن كل شيء امتلأ بالفرح والسعادة، كما هو مكتوب "الرب قد ملك، فلتفرح الأرض". ، لأنه عندما ملك الموت "على أنهار بابل جلسنا فبكینا" (راجع مز ١:٩٧, ١:١٣٧ ) ونحنا، لأننا قد شعرنا بمرارة الأسر. وأما الآن إذ بطل الموت وانهدمت مملكة الشیطان، لذلك امتلأ كل شيء بالفرح والسعادة.ولم یعد الله معروفًا في الیهودیة وحدها بل في كل الأرض "في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقصى المسكونة كلماتهم" (مز ١:٧٦ , ٤:١٩) الأمور الباقیة واضحة یا أحبائي. أنه یلزمنا أن نقترب إلى عید كهذا لا بثوب مدنس، بل أن تلتحف نفوسنا بأثواب طاهرة.یلزمنا أن نلبس ربنا یسوع حتى نستطیع أن نعید العید معه.والآن نحن نلبسه عندما نحب الفضیلة ونبغض الشر؛ عندما ندرب أنفسنا على العفة ونمیت شهواتنا،عندما نحب البر الآثم، عندما نكرم القناعة، ویكون لنا عقلاً راسخًا، عندما لا ننسى الفقیر بل نفتح أبوابنا لجمیع البشر، عندما نعین الضعفاء وننبذ الكبریاء. بین الفصح الحقیقي والفصح الرمزي لقد كان هذا لإسرائیل القدیم في رموز، محاربین لأجل النصرة، معیدین في ظلال وحرف.أما نحن أیها الأحباء فقد تحقق لنا ما كان ظلالاً، وتم ما كان حرفًا، لذلك یلزمنا ألا ننظر إلى العید كرمز، ولا نذهب إلى أورشلیم التي هي هنا أسفل (في الأرض) لكي نقدس خروف الفصح… لئلا عندما یعبر الوقت(الموسم) ینظر إلینا أننا نصنع أمراً غیر مناسب. ولكن بحسب أمر الرسل یلزمنا أن نتعدى حدود الحرف، ونترنم بأغنیة التسبیح.فبإدراكنا هذا، مجتمعین مع بعضنا البعض بالحق (المسیح) یقتربون إلینا ویقولون لمخلصنا "أین ترید أن نعد لك لتأكل الفصح؟!" فإنه لا تعود هذه الأمور تصنع في أورشلیم التي هي أسفل ولا هناك فقط بالعید بل أینما یرید الله. إنه یرید الآن أن یكون العید في كل مكان حتى أنه "في كل مكان یقرب لاسمي (لأسمه)" (مل ١١:١) فمع أنه في التاریخ لم یكن یحفظ الفصح إلا في أورشلیم لكن لما جاء ملء الزمان وعبرت الظلال وانتشرت الكرازة بالإنجیل في كل مكان، ونشر التلامیذ الأعیاد في كل الأماكن كأنهم یسألون المخلص "أین ترید أن نعده؟!" والمخلص أیضًا إذ حول الحرف إلى روح، وعدنا أنهم لا یعودون یأكلون جسد الخروف، بل یأكلون جسده هو قائلاً: خذوا كلوا واشربوا هذا هو جسدي ودمي (راجع مت ٢٦:٢٦-28) فإذ ننتعش بهذه الأمور، فأننا بالحق یا أحبائي نحفظ عید الفصح الحقیقي. الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الكبير القمص تادرس يعقوب ملطي
المزيد
21 مايو 2021

تعرفون الحق والحق يحرركم كيف أكون حر ؟

من أثمار خدمة ربنا يسوع المسيح دخول كثير من اليهود إلى الإيمان وهذه هي أكبر شهادة لسلطانه على النفس مهما كانت خطاياها وماضيها وقساوة قلبها إلا أنه قادر على الكثير .. يقول الكتاب المقدس ﴿ فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به ﴾ .. بالطبع واجه اليهود صعوبات في التصدي لمن حولهم من أهل وأصدقاء لإعلان إيمانهم لذلك يقول لهم ربنا يسوع المسيح ﴿ إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي ﴾ ( يو 8 : 31 ) .. كيف نثبت ؟ بالبعد عن المظاهر .. عن أقاويل الناس .. عن إهتمام العالم .. ربنا يسوع المسيح لا يريد تلاميذه تسير وراءه ولكن تلاميذ تثبت فيه .. وإن ثبتم تعرفون قوة الحق والحق هو الذي يقودك إلى أجمل ناموس المسيحية وهي الحرية .. الحرية المأخوذة من المسيح يسوع فهي أجمل عطية يتمتع بها الإنسان في جهاده الروحي .. حريته من سلطان ذاته .. من رغباته وشهواته .. من محبة العالم .. إذاً يتم الوصول إلى ناموس الحرية بثلاث نقاط :0 1- الثبات :- من أقوال القديسين ﴿ يجب علينا عند قراءة الآيات أن نقف أمام كل آية وقراءتها مرات ومرات بتمعن وتعطيها فرصة لكي تدخل في روحك وعقلك ﴾ .. إثبت في الكلمة لكي لا تكون الكلمة مجردة .. معلمنا بولس الرسول يقول ﴿ لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنىً ﴾( كو 3 : 16) .. أُترك مبادئ العالم ومعارفك الموروثة فقط كلامي هو الذي يقودك .. ربنا يسوع المسيح في حديثه مع اليهود أصحاب الناموس أمرهم بالثبوت في كلامه حيث أن الناموس مرحلة عين بعين وسن بسن ( مت 5 : 38 ) .. والآن أقول لكم ﴿ أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنواإلى مبغضيكم ﴾ ( مت 5 : 44 ) .. يريدك ربنا يسوع أن تثبت في الكلمة عند قراءتها كي تلتصق بك وتدخل في قلبك وتبقى على لسانك .يقول القديسين ﴿ يسيل منك عِلم أقوال الله ﴾ .. فعندما تثبت الكلمة بداخلك فمتى تكلمت كأقوال الله تُحدِّث .. ترددها فتقودك للتوبة .. في المعاملات .. لرجاء الحياة الأبدية .. وعندما ندخل في مرحلة الثبات في الكلمة سوف نعرف القاعدة التي تحكمنا هل نسير حسب أقوال الله وكتابه المقدس ؟ كما يقول معلمنا بولس الرسول ﴿ فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح ﴾ ( في 1 : 27 ) . 2- الحق :- الحق يرشدنا للزيف والباطل إذا كنا نعيشه .. نعرف خداعات العالم ونعرف الحق .. إذا سار الإنسان في طريق الحق يعرف القوة لأنه من ألقاب ربنا يسوع المسيح .. الحق هو أن نترك الأمور الباطلة .. الحق هو أن لا أركن إلى الكذب على أنه حق .. الحق هو الخلاص .. الحق هو الأبدية .. يقول معلمنا بولس الرسول ﴿ لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها ﴾ ( أف 5 : 11) .. لذلك نقول في مزمور التوبة ﴿ لأنك هكذا قد أحببت الحق ﴾ .. الحق أن الله يقبل التوبة لأن الله رحمة وحق وعدل لأن الإنسان تمسك بالحق في المعاملات والمجاملات والأمور المستقيمة لا خداع ولا رياء .. الحق هو ثمرة الثبات في الكلمة . 3/ الحرية : جاءت وصايا العهد القديم كلها بالنفي ﴿ لا تقتل .. لا تزني .. لا تسرق ﴾ ( مت 19 : 18 ) لأنهم لم يحصلوا على الحرية بعد .. أما وصايا العهد الجديد فوصاياه جاءت إيجابية .. ﴿ سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم ﴾ ( مت 5 : 43 – 44 ) .. هذا لأننا تحررنا من إنساننا العتيق .. تحررنا من الطبع البشري الشرس .. تحررنا من المادة والشهوة .. الحُر هو شخص غير مربوط برباطات لذلك يقول الأب الكاهن في التحليل الذي يُقال للمغفرة ﴿ أيها السيد الرب الذي قطَّع كل رباطات خطايانا ﴾ .. نذكر قول اليهود في حديثهم مع السيد المسيح ﴿ أجابوه إننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحدٍ قط ﴾ .. فقال لهم ﴿ الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية ﴾ ( يو 8 : 33 – 34 ) .. لذلك إشتاقوا للحرية وجاءت كلمته ﴿ فبالحقيقة تكونون أحراراً ﴾ ( يو 8 : 36 ) لأنها عطية منه .. وداود النبي الذي كان يصرخ إلى الله ويقول ﴿ إقترب إلى نفسي فكها ﴾ ( مز 69 : 18) .. يرى أن النفس مربوطة برباط الخطية وأن الله هو القادر على فك هذه الرباطات .. الإنسان العبد عند شهواته هو مُر النفس .القديس يوحنا فم الذهب يقول ﴿ إن العبودية عند سيد قاسي أهون من عبودية الخطية ﴾ .. إن الله لم يُصلب لكي نعيش نحن عبيد عند إبليس فإن الذي قيد الشيطان لازال يعرض علينا أن يقيد الشيطان في حياتنا .. لأنه إنسحق على الصليب كي يعطينا الحرية .. وُضِع على الصليب لكي نضع نحن قيودنا عليه .. ثُبِّتَ على الصليب بالمسامير كي تنحل قيودنا نحن .. لذلك نقول في قسمة القداس ﴿ قَبَلَ أن يُربط بالحبال ليحلنا من رباطات خطايانا ﴾ ( قسمة * أيها الإبن الوحيد * ) قَبَلَ بإرادته لكي يحلنا نحن الخطاة .. أخذ ذنوبنا بدلاً عنا وقُيِّد بدلاً عنا مثل الشخص الذي يعترف بالجريمة التي أرتكبها أنا ويقبل أن يُقيد ليعطيني أنا الحرية .. إذاً حريتي خاصة به .. لذلك فإن أجمل عطية تُقدم له هي حريتنا ونقول له يارب كل إرادتنا نعطيها لك وكل مشورة وقرار كما تعلمنا الكنيسة أن نقول ﴿ أقدم لك يا سيدي مشورات حريتي ﴾ .. إذاً عند الثبات في الكلمة يرفعنا الحق ونأخذ الحرية .. فتعلم كيف تكره الخطية وتدعو الناس وتقول لهم تعالوا لأني وجدت الإله .ندعو الله أن يكمل نقائصنا ويحل علينا بنعمته وبركته .. آمين القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك
المزيد
20 مايو 2021

شخصيات الكتاب المقدس إيزابل

وكأنه كان أمرًا زهيدًا سلوكه في خطايا يربعام بن نباط حتى اتخذ إيزابل ابنة اثبعل ملك الصيدونيين امرأة. مقدمة لست أظن أن أفلاطون كان يعلم شيئًا عن إيزابل، أو قرأ قصتها، ولو أنه جاء بعدها على الأغلب بما يقرب من خمسة قرون، لكن أفلاطون أعطانا في أحد كتبه العظيمة، صورة مثيرة خيالية تكاد تكون تشبه إيزابل الملك القديمة تمام المشابهة... إذ طلب إلينا أن نتصور وحشًا ضاريًا يجمع في جسد واحد جميع رؤوس الحيوانات المفترسة مجتمعة معاً ومضاف إليها رأس إنسان، والوحوش لا تعيش جميعًا داخل هذا الجسد الواحد فحسب، لكنها أكثر من ذلك تنمو على نحو أكثر ضراوة وتوحشًا ورعبًا... وهل كانت إيزابل إلا هذا الوحش، وقد أطل من عيني امرأة، فأضحت رمزًا عتيدًا رهيبًا لكل أنثى تفعل الشر على نحو معربد وحشي، يسير في قلب العصور والأجيال، ويدمر الأفراد والبيوت والجماعات والعشائر، والكنائس حتى نسمع القول الإلهي لملاك كنيسة ثياتيرا: «أنك تسيب المرأة إيزابل التي تقول إنها نبية حتى تعلم وتغوي عبيدي أن يزنوا ويأكلوا ما ذبح للأوثان، وأعطيتها زمانًا لكي تتوب عن زناها ولم تتب، ها أنا ألقيها في فراش والذين يزنون معها في ضيقة عظيمة إن كانوا لا يتوبون عن أعمالهم وأولادها أقتلهم بالسيف»... أجل وما إيزابل في الواقع إلا الشر مجسمًا، أو المرأة التي تلقت تدريباً خاصًا على يدي الشيطان، واذا كان كل شرير في العادة لا يقدم على الشر، إلا بإغراء وتحريض شيطاني، إلا أن هناك أفراداً وجماعات، وفرقًا يتجاوزون عادة هذا الحد إلى خط أكثر عمقًا ورهبة وهولا، فيفعلون ما لا يمكن أن يفعله إلا من عرف أعماق الشيطان، أو من دخله الشيطان بتعبير آخر كما قيل عن يهوذا الاسخريوطي «وبعد اللقمة دخله الشيطان» والآن هل لنا أن نتتبع كيف دخل الشيطان هذه المرأة، وتغلغل فيها، ففعلت من الشر ما تطن له الأذن - وفي الوقت عينه، نرى يد الله وعقابه وعدالته التي تؤكد أنه فوق العالي وأن الشرير لا يمكن أن يستفيد من الشر بتة، بل أن الشر هو الحية القديمة التي قد تنفث سمها هنا وهناك، ولكنها تتحول آخر الأمر على صاحبها فتلدغه اللدغة القاسية القاتلة المفزعة المميتة، على نحو الدمار والخراب الذي جاء مروعًا ورهيبًا إلى إيزابل وبنيها والذي ذهب في كل تاريخ مذهب الأمثال. المرأة وشخصيتها الشريرة هل يولد الشر ويستقر في حياة الإنسان بين يوم وليلة، أم أن بذرته كأية بذرة أخرى، تبدأ عندما تزرع في مطلع الأمر، عودًا رطبًا يمكن أن يقلع، أو ينمو على حسب ما ينال من صاحبه أو من الآخرين أو المجتمع من مقاومة أو تأييد، ولا أعتقد أن بي تلك الجرأة التي جعلت الكسندر هوايت، يقارن من هذا القبيل بين أشر امرأة في الوجود وأقدسها، بين إيزابل والعذراء المباركة: ويقول إن إيزابل كان شأنها شأن أي فتاة تدخل العالم، بدأت من نفس النقطة، التي بدأت منها العذراء أيضًا، مع هذا الفارق الضخم الرهيب أن كلتيهما وقفت على رأس الطريق الممتد الطويل، فذهبت العذراء في طريق القداسة والحق لتكون الأم العظيمة المطوبة للمسيح سيدنا مخلص العالم، وذهبت الأخرى في شوطها التعس المرهب لتقطعه إلى النهاية، وتكون رمزًا للشر في كل زمان ومكان، ولا شبهة في أن إيزابل كانت امرأة جميلة، فائقة الجمال تدرك ما في الجمال من قوة، وماله من سلطان، ولا شبهة أيضًا في أنها أحسنت استخدامه على ذلك النحو من الصغيان الذي جرف معه كل مقاومة، ربما حاول أخاب أن يبديها، في بعض اللحظات عندما هم ضميره أن يشتكي أو يحتج أو يثور، على ما تفعل من منكر أو تظهر من شر أو استبداد، ولاشك أن مفتاح المرأة يكمن أيضًا في عقيدتها الدينية فهي ابنة اثبعل ملك الصيدونيين، والكلمة «اثبعل» تعني «مع بعل» أو ذاك الذي يسير مع البعل، ينال رعايته ويتمتع بحمايته، ولم يكن الرجل ملكًا على أمته فحسب، بل كان كما يذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي كاهنًا للبعل وخادمًا له، وقد كان الملك في الأصل لأخيه، إلا أنه تمكن من اغتياله وأصبح ملكًا وكاهنًا معا واستمر يحكم بلاده اثنين وثلاثين عاماً متواصلة، وكان البعل أبا الألهة عند الفينيقيين ومصدر القوة والبهجة والسيطرة وكنت السواري أو عشتاروت آلهة الخصب والشباب والجمال ولم تكن العبادة في الواقع للاثنين إلا مزاجًا من الفساد والخرافة والقسوة والشهوة والدنس مجتمعة معاً، ولا حاجة إلى القول إن الكاهن وابنته، لابد أن الحياة التي يمكن أن يعيشاها ويسلكاها بين الناس،... قال الأب في ثورة غاضبة لولده الصغير: لا أعلم لماذا أنت ولد رديء،... أنا أذكر إني عندما كنت في سنك لم أكن أرتكب من الحماقات والشر مثل ما تفعل أنت نظيره اليوم!!... وأجابه الولد في هدوء وعمق وأناة ورصانة: ربما يا أبي لأنه كان لك أب أفضل وأجمل! ومهما كان في التعبير من سخرية وقسوة لاذعة، إلا أنه يصور إلى أبعد الحدود ماذا يمكن أن يفعل الآباء في أبنائهم في كل جيل وعصر، وإذا كانت القديسة تريزا قد ذكرت أنها تشكر الله أوفر الشكر، لأن واحداً من أبويها لم يصنع في حياتها إلا ما هو مجيد وعظيم ومقدس، فإنه على العكس تماماً، لا يمكن أن ننسى عندما نتأمل شخصية إيزابل أثبعل وأمها وأهلها وبيتها ومدى ما حملت معها من هذا البيت وهي تشق طريقها إلى أرض إسرائيل تحكم مع زوجها قرابة اثنين وعشرين عاماً ثم تسيطر بعد ذلك في نسلها سنوات أخرى قاسية رهيبة، ولعل هذا يفسر كيف ظهرت هذه المرأة على ما عرفت عليه من قسوة أو شر أو عنف!... بل يفسر كيف لعب الدور الوراثي والديني معًا، أبعد الآثار في طبعها الدموي الفتاك، فلا تستريح إلى منظر القتل أو السفك أو الدم فحسب، بل تسر به وتبتهج وترقص على طلب من مزيد! أليس هذا عينه ما قاله السيد: «تأتي ساعة فيها يظن من يقتلكم إنه يقدم خدمة الله...» أجل وبالحقيقة لا نعلم قط، قسوة أو طغيانًا يمكن أن يصل إليه الإنسان، كمثل هذا الذي يمعن خلف تفسير ديني أو فهم عقائدي، ومن العجيب أن المرأة رغم ما جبلت عليه من هذه القسوة أو البطش إلا أنها كانت واسعة الحيلة شديدة الدهاء، تستطيع أن تجد لكل عقدة حلا حتى هذه التي يقف أمامها نابوت اليزرعيلي وآخاب، دون الاهتداء إلى حل، فنابوت كان لا يملك أصلا أن يتصرف في كرمه إذ هو محرم عليه دينيا أن يفعل هذا بحسب الشريعة والدين، وآخاب لا يعرف كيف السبيل إلى حل مثل هذه العقدة مع شهوته العارمة إلى هذا الكرم، إلى الدرجة التي يدخل فيها إلى بيته، ويضطجع على سريره، ويحول وجهه إلى الحائط، ويمتنع عن الطعام والشراب، على أن المرأة الشريرة، وهي ترى زوجها على هذا الوضع، تأتي إليه وتسخر منه وتتعجب، كيف يعجز الملك، أمام عقدة سهلة ميسورة كهذه، فإذا كانت العقدة دينية، فالحل يمكن أن يكون أيضًا بكل بساطة أو يسر حلا دينيًا يستطيع معه الملك أن يأخذ الكرم كما يشتهي دون مبادلة أو حتى بغير ثمن على الإطلاق، ويتم هذا عن طريق حل واحد لا غير، باتهام نابوت بالتجديف على الله والملك، وليس أيسر من اثبات هذه التهمة، بإشاعة الجو المناسب لها، بالصوم والصلاة والحزن كأعظم جريمة يتصور وقوعها في ذلك الحين، فإذا وجد الشاهدان اللذان يمكن أن يعد للشهادة بذلك، فالعقوبة لا تلحق بنابوت وحده، بل لابد لفظاعتها ورهبتها أن تجرف بأسرته معاً، فيرجم الكل ويصبح الكرم بلا وارث، ويرثه الملك عندئذاك بحكم تقليد كان موضوعًا هناك، وتم الكل كما رسمت المرأة ونقذت، ولا بأس عندها أن يأتي الظلم سافرا في بعض الأحايين فإذا لم يكن بد من غطاء، فان الدهاء يمكن أن يجهز هذ الغطاء، خفيفًا أو كثيفًا على حد سواء، هذه هي المرآة التي يظهر من لغة الكتاب كم كانت على أوفر الحظوظ من الجمال والدهاء والتعصب والقسوة بل كم كانت على قدرة غير عادية في التخطيط لنشره ورسمه وتدبيره وتنفيذه معًا. المرأة وتأثيرها الرهيب قال أحد الكتاب وهو يصف هذه المرأة: «إن ظلها الأسود وقع لسنوات متعددة على شعب إسرائيل ويهوذا، إذ هي من ذلك الصنف من النساء اللواتي لا يتورعن عن عمل كل شيء وبكل عنف وبكل أسلوب، ومتى أتيحت لهن قدرة التخريب والتدمير فإنهن على أتم الاستعداد لفعل ذلك على أبشع الصور وأرهبها»، ولعله من الملاحظ أن آخاب زوجها كان من أول ضحاياها وأشدهم خضوعًا وخنوعًا وسقوطاً تحت تأثيرها المدمر وسلطانها الرهيب! وقد وضع أحدهم هذا السؤال قائلاً يا ترى أيهما أبعد أثرًا في حياة الأزواج والرجال الزوجة الفاضلة التي تجتهد على الدوام في دفع زوجها في طريق الحياة والحق والخير والجمال، أم الأخرى الشريرة التي تحركه تجاه الموت والباطل والشر والدمار، ومن المؤسف أنه أجاب أنه يخشى أن تكون هذه الأخيرة أقوى فعلاً وأبعد تأثيرًا!!.. ومع أن آخاب ورث الكثير من عمري أبيه، إلا أننا لا ينبغي أن ننسى، أنه كان يحمل في كثير من الأحايين القوة والقدرة والشجاعة والوطنية، ولو أنه وجد زوجة تغذي فيه وتقوى أفضل السجايا والمثل والمباديء، لتغير تاريخه على الاطلاق، ولما دخل السوق الرهيبة التي سمع فيها قول الله «بعت نفسك لعمل الشر في عيني الرب». ومن الموكد أن مكبث في قصة شكسبير المعروفة ذلك الرجل الذي بدأ حياته قائدًا انجليزيًا ممتازاً ومحبًا ومحبوبًا من الجميع، ما كان من الممكن أن يتردي في جريمته البشعة في قتل ملكه الكريم الطيب لولا تحريض زوجته بأطماعها الآثمة القاسية الشريرة!! كما أني وإن كنت لا أملك أن أجزم بصحة ذلك التقليد القديم الذي جاءنا عن يوسيفوس: أن إيزابل عندما جاءت تحمل إلى زوجها بشرى الخلاص من نابوت اليبزرعيلي وبيته، اهتز الرجل وفزع في مطلع الأمر، بل ومزق أيضًا ثيابه في هلع ورعب، لكني لا أستبعد أن تكون هذه بعض رعشات الضمير المترنح، والذي كان ينتظر قليلاً من ضربات أخرى حتى يمكن أن يقضي على ما بقي فيه من يقظة أو حركة.كما أن إيزابل تعد من أقدم النساء في التاريخ ممن كتبن على رأس قائمة المضطهدات اللواتي قتلن وذبحن وأرقن الدماء أنهارًا في كل مكان... وما أقسى ما فعلت من هذا القبيل في طول البلاد وعرضها. وقد وقف إيليا في فاجعة النفس يروي أمام الله ما تركت أو ما جعلت عبيدها يتركونه عندما قال: «لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك ونقضوا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف وهم يطلبون نفسي ليأخذوها» ومع أن الكثير من لغة التشاؤم قد سرت إلى حقيقة ما قال: إذ لم يكن هو وحده، بل كان هناك سبعة آلاف ركبة لم تجث للبعل، وكان من بينهم عوبديا ومن معه من الأنبياء الذين خبأهم وعالهم طوال فترة اضطهاد إيزابل الشنيع، إلا أن هذا العدد بعينه وما بلغت الأمة في خراب ودمار وركام وأنقاض تشهد جميعها بما فعلت هذه المرأة الباغية في حياة الناس!. المرأة والمقاومة الإلهية يتعرض المؤمنون على الدوام في عصور الآلام والاضطهاد إلى السؤال الذي يلح على أذهانهم ومشاعرهم وحياتهم، ويضغط عليهم ضغطًا قاسيًا شديدًا: ولكن أين الله من كل هذه الأحداث والمآسي والاضطهادات، وهل يمكن أن يترك الله الشر دون تحذير أو تنبيه أو مقاومة، وليس هذا من باب العدالة فحسب بل لعله من باب الرحمة أيضًا. وقد أسمع الله إيزابل والشعب أكثر من صوت من هذا القبيل، ولعل أول هذه الأصوات وأصرحها وأهمها كان صوت إيليا النبي الذي ظهر فجأة في طول البلاد وعرضها كالنور البارع في الليلة المظلمة، ومع أننا لا نعرف كم كان عمره عندما ظهر، وفي أي بيئة نشأ، وكيف قضى حياته الأولى، إلا أننا نعلم أنه كان الرجل الذي جبله الله على القوة والعنف والصلابة والخشونة، وأعده للحظة الحاسمة ليقف في وجه الوثنية والشر والطغيان والفساد، وكان حريًا بالمرأة أن تعلم، بأن مملكة الله لا يمكن أن تنقرض، وسيجد الله شهوده وسيبقى الركب التي لا تجثو لبعل، ويخرج في اللحظة الدقيقة قائده الشجاع وبطله المنتصر وفي كل عصور التاريخ هيهات أن يهمل الله أو يترك نفسه بلا شاهد، بل سيقف ولو مع واحد فقط ليصنع فيه ومعه المعجزات والأعاجيب، ألم يفعل هذا مع تليماخوس الراهب القديم الذي قدم نفسه للوحوش في روما، فأبطل هذه اللعب البربرية الوحشية التي درج عليها الرومان... ألم يفعل هذا الأمر نفسه مع لوثر عندما وقف في مجمع ورمس وصاح: هنا أقف ولا أتزحزح وليعني الله!... وألم يشجع في هذا السبيل ابراهام لنكولن الذي آثر أن يفشل عدة مرات، على نجاح باطل مزعوم عندما قال: لا لست ملتزمًا على الإطلاق أن أفوز، بقدر التزامي أن أكون على حق، ولست ملتزمًا أن أنجح، غير أني ملتزم أن أقف إلى جانب النور الذي يصل إلى ويوقفني إلى جانب الإنسان الذي يمسك بالحق، وسأبقى إلى جواره طالما هو على حق. وسأربحه على الفور إذا آثر في وقت ما أن يخضع للباطل» وقد جاءت المقاومة لإيزابل أيضًا من وجه آخر، من منع المطر ثلاث سنوات متواليات حتى تعلم إفلاس آلهتها، إذا كان البعل وعشتاروت عندها وعند أبيها وشعبها سر الغيث والخصب والدسم والحياة، فإذا لم تتحقق هذه، بل جاء على النقيض منها الجوع والحاجة والتعب والضيق، فإن لها أو لغيرها من الشعب أن يتجه إلى الله الحي الحقيقي الذي جهلوه وتركوه، كما أن اللقاء الحاسم على جبل الكرمل، بين نبي الله وأنبيائها، كان يمكن أن يعطيها الدرس الأخير لو آن لها أو للناس أن تنفتح عيونهم أو يتأملوا أو يتنبهوا ولكنهم للأسف هيهات هيهات!!.. المرأة والنهاية المدمرة وبعد هذا كله كان لابد أن تأتي النهاية، التي لم تستطع أن تراها، أو يراها الشعب، في وسط المظاهر المتعددة من غرور أو ضجيج ولكن الله رآها، وحدد أين ومتى وكيف ستكون؟ ومع أن الله أعلنها من البداءة على لسان إيليا، وبدأت بهلاك آخاب الذي لحست الكلاب دمه، وتلاها قتل السبعين من أولاده، بيد أقرب الناس إليهم، وارسال رؤوسهم في سلال متعددة إلى ياهو المتمرد على سيده ومولاه، إلا أنها إلى هذا الحد لم تستطع أن تتعلم أو تتعظ أو ترعوى، بل بالحري تمادت ووصلت في شرها إلى القرار وهي تركض سراعًا إلى الهاوية الأبدية، إذا كحلت بالأثمد عينيها وزينت رأسها، وتطلعت من الكوة، لعلها تستطيع أن تقترب بياهو إلى الغواية والإثم دون أن تعلم أنه أداة الله القاسية الرهيبة والتي ستضع الحد النهائي لما اقترفته من آثام وشرور ومفاسد... ومن العجيب أن الكلاب لم تبق من جسدها الجميل الفاتن «الا الجمجمة والرجلين وكفي اليدين» وذلك لا لكي يثبت صدق الله فحسب، بل لتتحول هذه البقايا معالم خالدة على الطريق لكل العابرين كل من يريد أن يرى ويتعلم كيف ينتهي الشرير وشره «وتكون جثة إيزابل على وجه الحقل في قسم يزرعيل حتى لا يقولوا هذه إيزابل»....
المزيد
19 مايو 2021

القيامة تتبعها الدينونة وساعة الحساب والثواب والعقاب

أهنئكم يا أخوتى وأبنائى جميعاً بعيد اقيامة ، راجيا من الله أن يعيده عليكم بالخير والبربكة ، وأن يعيده على بلادنا المحبوبة وهى فى سلام ورخاء وأتابع معكم فى هذه المناسبة السعيدة أحاديثنا عن القيامة العامة فأقول إن القيامة تتبعها الدينونة العامة 0 فلإنسان لا ينال جزاءه بعد الموت مباشرة ، لن الجسد يكون وقتذاك فى القبر ، ويتحول بالوقت إلى تراب ولكن فى القيامة ، حينما يقوم الجسد وتتحد به الروح ، يمكن حينئذ أن يبدأ الحساب للإنسان بكامل تكوينه جسداً وروحاً وذلك لأن ما فعله الإنسان من خير وشر ، اشترك فيه الجسد والروح معاً فيلزم إذن محاسبة الإثنين معاً : ينالان المكافأة معاً ، أو يتحملان العقوبة معاً وهكذا شاء الله أن يكون الحساب أو الدينونة بعد القيامة العامة ، حينما تتحد الأرواح بالأجساد ويكون الحساب أيضاً لكل البشر معاً كل شئ مسجل امام الله ، وسوف يعلن فى يوم الحساب ، وسف يعرف من الكل كل أفعال الناس ، وكل أفكارهم وأقوالهم ونياتهم وأحاسيسهم ، الخفيات والظاهرات 0 ولذلك صدق ذلك الأديب الروحى الذى قال " فكر كما لو كانت أفكارك مكتوبة على سحاب السماء بحروف من نور ، وإنها لكذلك " الناس حينما يموتون ، يتركون أموالهم وأملاكهم ، وأقاربهم ومعارفهم 0 ويفارقون الكل ولكن الشئ الذى لا يفارقهم هو أعملهم 0 لأن أعمالهم تتبعهم 0تلصق بهم كل أخطائهم ، بكل صورها ، وكل تفاصيلها ، وكل بشاعتها ، فتقلق قلوبهم ، وتتعب أفكارهم وفى يوم الدينونة العامة يجدون كل ذلك أمامهم 0 فيكونون مدانين أمام أنفسهم ، لا ينفعهم عذر ولا تبرير لا يمحو هذه الخطايا والآثام سوى التوبة الصادقة الحقيقية فالخطأ الذى تاب عنه الإنسان توبة قلبية بغير رجعة ، هذا تدركه مراحم الله الواسعة ومغفرته للتائبين والتوبة الحقيقية ليست مجرد ترك الخطية فقط يتركها الإنسان من حيث الفعل والممارسة ، ولكن يستمر يشتهيها فى قلبه ، ويقبلها فى فكره 0 أما التوبة الحقيقية فهى كراهية الخطية قلباً وفعلاً بكراهية الخطية وعدم اقترافها ، يستحق الإنسان المغفرة ، ولا تحسب عليه خطاياه فى يوم الدين ويبقى للتوبة شرط آخر ، وهو معالجة نتائج الخطايا فمثلاً لا يقل الظالم " لقد تبت ، وما عدت أظلم أحداً ، بل صرت أكره الظلم " هذا لا يكفى ، لأنه خاص فقط بالحاضر والمستقبل 0 ولكن ماذا عن الماضى ، وعن حال المظلومين الذين لا يزالون يقاسون من نتائج ظلمه ؟! عليه أن يعالج هذه النتائج بكل ما يستطيع من قدرة وإن كان قد سرق من أحد شيئاً ، عليه أن يرده إلى صاحبه 0 وإن كان قد أساء إلى سمعة إنسان ، عليه أن يصلح ذلك ويرد إليه إعتباره هنا يقف أمامنا سؤال قد يكون محيراً ، وهو : ماذا عن القاتل ، وهو لا يستطيع أن يصلح ما فعله ؟ والجواب هو أنه إذا أخذ عقوبة على الأرض ، وقبلها برضى وبشعور أنه مستحق للعقوبة فإنه يستريح من عقوبة فى يوم الدينونة الرهيب الإنسان فى يوم الدينونة ينال عقوبة على الخطايا التى لم يتب عنها ، والخطايا التى لم ينل عنها عقوبة على الأرض إما لأنها كانت خطايا فى الخفاء لم يعرفها أحد عنه ، أو لم تثبت أدلة عليه ، أو أمسك فيها أحد غيره ظلماً 0 وفى هذه الحالة يعاقبه الله على خطيئتين : الخطيئة التى ارتكبها ، يضاف إليها تركه لغيره يعاقب ظلم على ما اقترفه هو من إثم ، دون أن ينقذه باعترافه ومن الخطايا الخفية أيضاً : النيات والأفكار والمشاعر وهذه كلها ينبغى أن تدركها التوبة لتمحوها ، مع الجهاد الروحى لتنقية القلب والفكر ومن الخطايا التى تتعب الإنسان أيضاً فى يوم الحساب ، وهنا أيضاً على الأرض ، أن يوقع غيره فى خطية ، ويتسبب فى إفساده 0 ثم يتوب هو ، ويبقى هذا الغير فى الخطيئة والفساد ، دون أن يقدر على إرجاعه !! وفى يوم الحساب ،لا يعاقب الإنسان فقط على ما فعله من شر ، وإنما أيضاً على ما كان بإمكانه أن يفعله من الخير ولم يفعله والكتاب المقدس يقول فى ذلك " من عرف أن يعمل حسناً ولا يفعل ، فتلك خطية له " ( يع 4 : 17 ) بل من الخطايا أيضاً : تأخير عمل الخير ، أو تأخير أعطاء الحقوق لأصحابها ومن وصايا الكتاب فى هذا الشأن :" لا تمنع الخير عن أهله ، حين يكون فى طاقة يدك أن تفعله لا تقل لصاحبك اذهب وعد فأعطيك غداً ، وموجود عندك " ( ام 3 : 27 ، 28 ) لذلك كله ولغيره ، على الإنسان أن يحاسب نفسه بكل دقة ، قبل أن يدركه يوم الحاب وهو غافل عن نفسه وصدق ذلك القديس الذى قال لأحد الخطاة : " احكم يا أخى على نفسك ، قبل أن يحكم عليك " ينبغى إن أن يتدرب كل إنسان على محاسبة النفس ، وأن يدين نفسه ، على أخطائها ، ويحاول أن يصلح ذاته 0 فالفرصة لا تزال قائمة ، والتوبة بإمكانه ، قبل أن يغلق باب التوبة بالموت ، ويقف فى ذلك اليوم الرهيب مداناً أمام الله 0 وصدق ذلك الشاعر الذى قال : قبورنا تبنى ونحن ما تبنا وفى محاسبة الإنسان لنفسه ، عليه أن يلتفت إلى الخطايا المركبة والخطايا الأصلية وأعنى بالخطايا المركبة ، تلك التى تحوى مجموعة كبيرة من الخطايا ، بينما نلقى عليها إسماً واحداً كما توجد أيضاً خطايا أمهات ، تلد كل منها عدداً كبيراً من الخطايا فلا نستهن بالمر ، ونظن أننا قد ارتكبنا شيئاً بسيطاً ‍‍!! كذلك لا ننسى الخطايا الأصلية 0 فغالبية خطايا اللسان وخطايا الحواس ، يكون سببها خطية أصلية موجودة فى القلب فالذى ينظر نظرة حسد ، أو نظرة شهوة ، أو نظرة حقد ، وما أشبه ، ليست كل هذه مجرد خطية نظر ، وإنما الحسد والشهوة والحقد وغير ذلك ، موجود كله فى القلب قبل أن يظهر فى العين فخطية القلب هى الخطيئة الأصلية وخطيئة النظر هى الخطية اللاحقة ، أو الثانية فى الترتيب وهكذا عليه أن يطهر قلبه أولاً ، فتتطهر حواسه تلقائياً كذلك الذى يوجه إلى غيره كلمة قاسية ، القسوة موجودة فى قلبه أصلاً ، قبل أن تكون خطية لسان ، عليه أن يتوب عن كلتيهما الإنسان الدقيق فى محاسبة نفسه ، يمكنه التخلص من نقائصه وخطاياه وهكذا يقف أمام الله طاهراً فى يوم القيامة ، لا يبكته ضميره على شئ والإنسان الروحى لا يتساهل مع نفسه ، ولا يغطى خطاياه بالتبريرات والأعذار لأن الذى يبرر نفسه على الأرض ، سيكون مكشوفاً تماماً أمام الله فى يوم الحساب ، حيث يستند كل فم ، ولا تنفع الأعذار تقول عن الله رحيم ، فأقول لك وهو أيضاً عادل رحمة الله سوف تدرك التائبين فيغفر لهم 0 وعدل الله لابد أن يلاحق المستهترين ، الذى يستغلون رحمة الله ومغفرته ، للتمادى فى خطاياهم وشرورهم ، وعصيانهم لله أولئك الذين لم يجعلوا الله أمامهم ! يوم الحساب إذن هو يوم العدل الإلهى ، الذى فيه سيجازى كل واحد بحسب اعماله مكافأتهم على برهم وحرصهم وطاعتهم هؤلاء الأبرار سيكافئهم الله على كل شئ ، ليس فقط عن الأعمال العظيمة التى عملوها ، بل حتى لى خير مهما بدا أمامهم ضئيلاً يكافئهم ليس فقط على أعمال الرحمة الكبيرة ، وأنقاذ غيرهم من المشاكل والورطات ، إنما ينالون ثواباً حتى على كلمة التشجيع ليائس ، وبسمة الحنان الصغار النفوس ، وزيارة لمريض ، ونظرة حب لطفل وسوف يعوضهم الله عن كل خير عملوه ، ولم ينالوا عنه جزاء على الأرض إما بسبب ظلم أو جاهل أو إهمال ، أو بسبب أنهم أخفوا فضائلهم عن الناس ، حتى لا يستوفوا خيراتهم على الأرض ، بل نالوا جزاءهم كاملاً من يد الله يعرف الخفيات بل إنهم ينالون مكافأة عن الخير الذين أرادوا أن يفعلوه ، ولم يستطيعوا لأسباب خارجة عن إرادتهم وكل تعب احتملوه على الأرض ، من أجل محبتهم لله ومحبتهم للناس ، سيكون سبب راحة أبدية لهم ستتبعهم فى يوم الحساب أعمال برهم ، وتكون شاهدة لهم أمام الله فطوبى لمن يتعب الآن فى عمل الخير ، وفى خدمة الغير ، لكى يستريح فى ذلك اليوم ، وينال أجره بحسب تعبه ( 1كو 3 : 8 ) فى النعيم الأبدى ليتنا نضع يوم القيامة والحساب أمام أعيننا باستمرار ، حتى نسلك بحرص أمام الله ، وحتى نقف أمامه فى يوم الدين ، دون أن تبكتنا ضمائرنا وليتنا نبذل كل جهد وتعب من أجل راحة الآخرين ، سواء فى محيط الأسرة أو المجتمع أو الوطن أو البشرية جمعاء ، حباً للكل ، وليس لمجرد الجزاء 0 وهذا الحب سيقف إلى جوارنا فى اليوم الأخير ولن يدخل ملكوت الله فى ذلك اليوم ، إلا القلوب العامرة بالحب ، لن يدخله إلا الذين أحبوا الله ، وأحبوا الخير ، وأحبوا الغير بهذا الحب نصلى جميعاً من أجل بلادنا ، ومن أجل أمنها وسلامتها ، ومن أجل البلاد التى تسودها الحروب أو النزاعات الداخلية ، لكى يمنح الرب سلاماً للعالم ولكى يعطى الرب الغذاء للبلاد التى تسودها المجاعات ، ويمنح النقاوة والتوبة للمجتمعات التى يسودها الفساد 0 ونطلب أن يبارك الرب كل من يعمل خيراً فيعم الخير كل مكان 0 وكل عام وجميعكم بخير قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل