المقالات

26 يوليو 2022

الشباب... والعاطفة

هناك خلط واضح فى مفهوم العاطفة والحب وفى اللغة اليونانية تترجم كلمة "الحب" بثلاث كلمات 1- "ايروس" (Eros)... أى الحب الجسدانى الشهوانى 2- "فيلى" (Phily).أى الحب الإنسانى العادى 3- "أجابى" (Agapi)... أى الحب الروحانى المقدس والعاطفة هى طاقة الحب، التى تتشكل بنوع من هذه الأنواع، حينما يقودها الإنسان إلى الوجهة التى يريدها... فهو يمكن أن يتدنى بها إلى مستوى الحسيات والخطيئة، أو يكتفى بمحبة إنسانية نشاهدها كل يوم فى الحياة العملية، أو يتسامى بها - بنعمة المسيح وعمل روح الله القدوس - لتصير محبة روحانية مقدسة، من خلالها يتعامل مع كل الناس فى الأسرة والكنيسة والمجمع والصداقة والزواج. 1- ما هى العاطفة ؟ العاطفة - حسب علماء النفس - هى انفعال متكرر نحو شخص أو شئ أو قيمة... ومن كثرة تكراره يتثبت ويصير عاطفة. فمثلاً يتعرف الإنسان بشخص ما لأول مرة... فيشعر نحوه بالقبول والارتياح... ويتكرر هذا الانفعال عدة مرات كلما ألتقى مع هذا الشخص... فيصير هذا الانفعال عاطفة حب لهذا الشخص. ويمكن أن يحدث العكس... حينما يشعر الإنسان بانقباض أو عدم ارتياح نحو شخص آخر... ويتكرر هذا الانفعال فيتحول إلى عاطفة سلبية هى الكراهية (نتحدث هنا نفسياً لا روحياً بالطبع). كذلك حينما ينفعل الإنسان بارتياح نحو شئ ما (كالصلاة أو الألحان أو التسبحة أو الخدمة)... فيحبها وتتحول عنده إلى عاطفة مستقرة.. وبالعكس إذا انفعل بعدم ارتياح نحو شئ آخر (كالمال أو الأفلام الرديئة) فلا يحبها، بل بالحرى يرفضها. ونفس الأمر فى مجال القيم... فيحب الإنسان الطهارة والشجاعة والوداعة.. ويكره النجاسة والتهور والعنف... الخ.وهكذا تصير العاطفة (سلباً وإيجاباً) نتيجة لانفعال متكرر، نحو شخص، أو شئ، أو قيمة... يثبت فيتحول إلى عاطفة. 2- موقع العاطفة فى الكيان الإنسانى العاطفة جزء من الجهاز النفسى للإنسان، فإذا ما قلنا أن الإنسان يتكون من: 1- روح... تتصل بالله وبالإيمانيات والسماويات 2- وعقل... يفكر ويدرس ويحلل ويستنتج 3- ونفس... تحس وتشعر وتحب وتكره 4-وجسد... يسعى ويتحرك على تقع العاطفة فى نطاق النفس.. فالجهاز النفسى فى الإنسان فيه خمسة مكونات أساسية هى: 1-الغرائز (أو الدوافع)... كالجوع والعطش والجنس وحب الاستطلاع والأبوة والأمومة وحب الاقتناء وحب الحياة... الخ 2-الحاجات النفسية... كالحاجة إلى الأمن، والحب، التقدير، والانتماء، والتفرد، والمرجعية 3-العواطف... أى المشاعر التى نكتسبها نحو أشخاص أو أشياء أو قيم 4-العادات... التى تتكون لدينا بفعل التكرار، سواء العادات السلبية أو الإيجابية 5-الاتجاهات... أى الخطوط الرئيسية التى يتبناها الإنسان فى حياته، وتكون سائدة على تصرفاته... فواحد يحب الله والكنيسة والخدمة، وآخر - للأسف - يحب المال والمقتنيات... الخ. العاطفة إذن هى جزء من الجهاز النفسى للإنسان، وهى لا تصلح - وحدها - لقيادة الإنسان، بل الإنسان الحكيم، وبخاصة الإنسان الروحى، هو من "روحه تقود جسده، والروح القدس يقود روحه" كما علمنا مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث. إذن... كيف أقود عواطفى؟ 3- كيف أقود عواطفى؟ الإنسان الروحى عنده ضوابط ثلاثة غاية فى الأهمية، من خلالها يقود عواطفه، لتسير فى الخط السليم الروحى البناء، فكثيراً ما قادت العاطفة الإنسان فى طريق هادم ومدمر، حينما سلم قيادته للمشاعر، وربما للأمور الحسية، كما يحدث فى علاقات الشباب مثلاً التى تقودهم أحياناً إلى الخطية، وربما إلى ترك المسيح... أو فى محبة المال والعالم.. حتى أن ديماس ترك المسيح وبولس، لأنه أحب العالم الحاضر.. والضوابط الثلاثة للعاطفة هى: 1-العقل: أعطاه الله للإنسان لكى يدرس الأمور، ويوازن فيما بينها، ليختار الأصلح. وكمثال: هل يوافق العقل أن يرتبط الإنسان بعاطفة مع آخر خارج الحظيرة، أو إنسان غير روحى يمكن أن يدمر روحياته؟! ومثال آخر: هل من السليم حدوث ارتباط عاطفى بين شاب وشابة فى سن مبكر، وهما بعد فى "المرحلة الجنسية الشاملة" قبل أن يدخلا إلى "المرحلة الجنسية الأحادية" والتى فيها يمكن للإنسان أن يكون فى استقرار نفسى جيد، يسمح له باختيار شريك الحياة؟ ومثال ثالث: عند اختيار شريك الحياة، هل هنالك توافق روحى واجتماعى وثقافى وتربوى، أم أن هناك مجرد عاطفة؟ وهكذا 2-الروح: بمعنى أن من يشعر بعاطفة معينة نحو شخص، أو شئ، أو قيمة، عليه – مع الدراسة العقلية – أن يصلى ويسترشد برأى أبيه الروحى، هل هو يسير فى الطريق السليم أم لا؟ إن الزوجة الصالحة هى من عند الرب، لذلك فالشاب المسيحى الروحانى عليه أن يصلى كثيراً، ومن أعماق قلبه، لكى يعطيه الرب الإرشاد المناسب والاستنارة الجيدة، ليعرف مشيئة الله فى كل أمر، مستعيناً فى ذلك بأمرين: الصلاة الحارة وإرشاد أب الاعتراف. 3-الروح القدس: وقد ذكرنا ذلك أخيراً لأنه الضمان النهائى، بل الضمان اللانهائى، فى حياة الإنسان وقراراته. إن عقل الإنسان محدود، ومن الممكن أن يخطئ، وهو لا يستطيع أن يعرف الأعماق، ولا المستقبل... لذلك يمكن أن تكون قراراته خاطئة. وروح الإنسان محدودة، ويمكن أن تتلوث أو تتوه أو تخطئ... لذلك فالضمان الأكيد والفريد هو عمل روح الله، وقيادته المضمونة... والإنسان الذى يريد أن يقود عواطفه حسناً عليه أن يرجع إلى الله، فى الكتاب المقدس، وفى الصلاة، وفى الارشاد الروحى، وفى المثابرة على الاستنارة المسيحية من خلال الاجتماعات والقراءات... وبعد كل ذلك يجب أن يسلم قيادة نفسه وعواطفه وأفكاره للسيد المسيح، طالباً منه أن يكون القائد الوحيد لسفينة حياته. وهكذا يسلِّم الإنسان إرادته بإرادته لله، تتحد إرادة الإنسان بإرادة الله، ويضمن الإنسان سلامة مسيرته.. "سلمنا فصرنا نحمل" (أع 15:27). نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
21 سبتمبر 2022

كان يجول يصنع خيرًا

موضوعنا اليوم عن عبارة قيلت عن الرب إنه "كان يجول يصنع خيرًا"، ونص الآية هو: "الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا" (سفر أعمال الرسل 10: 38).إلهنا المحب الذي يحب البشر كان "يجول يصنع خيرًا" وهذا ليس في العهد الجديد فقط بل في العهد القديم أيضًا. الآن وكل أوان. فطريقة الله في العمل هي أن يجول يصنع خيرًا.أي الله دائمًا يسير ليفتقد الناس المتعبين ليريحهم. ويفتقد المرضى ليشفيهم. مريض بركة حسدا: كان الله يسير في أحد المرات، ووجد إنسان مريض مقعد منذ 38 سنة. 38 سنة مقعد وجالس بجوار البِركة! فتحنن الله عليه وقال له "احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ" (إنجيل مرقس 2: 11؛ إنجيل يوحنا 5: 8). المولود أعمى: رأى رجل مولود أعمى فشفاه. وبعد أن شفاه بوقت قليل وجد أن اليهود أخرجوه من المجمع فمر عليه خارج المجمع وافتقده وأعطاه الإيمان.كان يسوع يتحنن على المرضى ويشفيهم. فهو يجول يصنع خيرًا.طريقة ربنا أنه يجول يصنع خيرًا ويريح الناس."ينادي للمأسورين بالعتق وللمسبيين بالإطلاق"، ونص الآية هو: "لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ" (سفر إشعياء 61: 1). عطف الرب وتحننه على الخطاه: الله افتقد العشارين: كان الرب يسوع سائرًا في مكان الجباية ووجد عشار فقال له تعالى اتبعني، بينما العشارين كانوا مكروهين. مكروهين عند المجتمع ولكنهم غير مكروهين عند الله.مرَّ الرب على زكا رئيس العشارين وقال له: "أنا اليوم أبيت في بيتك". وتعجب زكا من هذا جدًا وكذلك اليهود. كيف يبيت يسوع عند شخص خاطئ.لم يدركوا الفرق بين الإنسان العادي بضعفه البشري عندما يبيت مع إنسان خاطئ فيضار. وبين المسيح الذي عندما يبيت عند إنسان خاطئ ينقذه من خطيئته.لذلك قال له يسوع: "اليوم حدث خلاص لأهل هذا البيت"، ونص الآية هو: "الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهذَا الْبَيْتِ" (إنجيل لوقا 19: 9).إلهنا يجول يصنع خيرًا مع الكل.جلس مع العشارين وكان يأكل معهم. وقد انتقده اليهود في هذا وقالوا له: "كيف تجلس مع الخطاة وكيف تأكل معهم"، ونص الآية هو: "لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟"، "مَا بَالُهُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟"، "لِمَاذَا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ مَعَ عَشَّارِينَ وَخُطَاةٍ"؟! فقال لهم: "لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ، بَلِ الْمَرْضَى" (إنجيل متى 9: 12؛ إنجيل مرقس 2: 17؛ إنجيل لوقا 5: 31) فالمرضى يحتاجون إلى من يجلس معهم.القديسين لا يحتاجون التوبة ولكن الخطاة يحتاجون إليها. هل يتمثل كل رجال الدين بيسوع؟ بعض رجال الدين إذا وجد شخص خاطئ يرفضوه وقد يطردوه. وكأنهم يقولون له: "أنت لا تصلح أن تكون ابن لله".بينما الله لا يفعل هذا مع الخطاة. الله يأخذ المطرودين ويصلحهم.نجد الله يقول حزقيال 34 "أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ" (سفر حزقيال 34: 15، 16). فهذه هي طريقة الله.أحيانًا كبرياء القلب عند بعض رجال الدين تجعلهم يرتفعون عن مستوى الخطاة ويرفضوهم.أما الله فبقلبه الحنون الواسع الطيب لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا. هو الداعي الكل إلى الخلاص. طريقة الله يجول يصنع خيرًا. المرأة السامرية: مر الله على السامرية، وهذه السامرية كانت غارقة في الشر، فقد عاشت مع 5 رجال والذي كان معها ليس زوجها. ولكن السيد المسيح اقترب إليها وكلمها. واستطاع بكلماته الرقيقة الطيبة أن يجذبها للتوبة دون أن يحرجها. لدرجة أنها آمنت وذهبت لتدعو أهل بلدها للإيمان أيضًا.فلأنه يجول يصنع خيرًا. في جولانه قابل إمرأة سامرية فخلصها. المرأة الخاطئة: في جولانه مرَّ بامرأة مضبوطة في ذات الفعل، فأراد أيضًا أن يخلصها. وقال للناس: "من كان منكم بلا خطية فليرجمها أولًا بحجر"، ونص الآية هو: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ" (إنجيل يوحنا 8: 7). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وظل يكشف لكل واحد خطيئته إلى أن انسحبوا واحد وراء الآخر. وقال لها: "أين الذين أدانوك؟ لم يبق منهم أحد، وأنا أيضًا لا أدينك. اذهبي ولا تعودي تخطئي. عطف الرب وتحننه على الحزانى مثل: أرملة نايين: السيد المسيح كان يعطف ليس فقط على الخطاة بل على الكل.في أحد المرات وهو سائر يجول يصنع خيرًا وجد امرأة أرملة من مدينة نايين تبكي لأن ابنها الوحيد مات. فلم يستطع أن يتحمل بكائها. فأقام هذا الشاب ودفعه إلى أمه وقال لها لا تبكي. مريم ومرثا: ثم مر في بيت عنيا ووجد مريم ومرثا يبكون على أخيهم لعازر، الذي مات منذ 4 أيام. فطلب منهم أن يذهبوا به إلى قبره. وذهب معهم حيث دُفن لعازر وقال له: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا" (إنجيل يوحنا 11: 43).السيد المسيح يجول يمسح دموع الحزانى. ويزيل ضيق الناس. محبة الله افتقدت حتى المقاومين مثل: شاول الطرسوسي: شاول الطرسوسي كان من الذين قاوموا الرب ووقفوا ضد المسيحية، ويقول الكتاب عن شاول الطرسوسي أنه كان يجر رجالًا ونساءًا إلى السجن، بخطابات يأخدها من رؤساء الكهنة.شاول هذا المسيح مر عليه وهو في طريقه لدمشق، وقال له يا شاول لماذا تضطهدني. كان يصالحه. وليس فقط يصالحه، بل يجعله رسول. كان الله يرى فيه طاقات قوية يمكن أن يستخدمها في الخير.كان يجول يصنع خيرًا. الله يجول يصنع خيرًا من بدء الخليقة: خلاص آدم وبنيه: الله كان يجول يصنع خيرًا منذ القدم، حتى من أيام آدم.آدم أخطأ وخاف من الله وكان غير قادر على مواجهة الله.ولكن الله لم يتركه هكذا، بل ذهب إليه وبدأ بمصالحته وبدأ يتفاهم معه ومع حواء. ولم يتفاهم معهم فقط بل أعطاهم وعد بالخلاص. وكان بذلك يقول لهما "إن كانت الحية ضحكت عليكما فإن نسل المرأة سيسحق رأس الحية" (عن سفر التكوين 3: 15) الله يخلص ما قد هلك: الله لا ييأس من أحد. يجول يصنع خيرًا حتى مع الميئوس منهم في نظر الآخرين.ولذلك قال: "ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (إنجيل متى 18: 11؛ إنجيل لوقا 19: 10). الله يسعى إليك حتى دون أن تطلب. يسعى إليك دون أن تطلب. تقول له أنا يا رب خاطي وواقع ولا أستطيع أن أقوم. فيقول لك أنا أقيمك. أنا أرسل إليك وسائل نعمة. ووسائل النعمة هذه تقيمك.الله قادر على كل شيء ولا يعثر عليه أمر. خلاص لوط: لوط اشتهى الأرض المعشبة وترك إبراهيم والمذبح، وسكن وسط الأشرار في سدوم. ولكن الله لم يتركه بل جاء ليطلب ما قد هلك. وأنقذه الله مرتين. مرة عندما سُبيَ أهل سدوم، حيث أرسل له إبراهيم ليحارب عنهم وينقذهم. ومرة عندما أُحرقت سدوم، حيث أرسل الله ملاكين أخذوا لوط وأسرته وخرجوا بهم من المدينة.الله يطلب ويخلص ما قد هلك. ليس فقط من قد سقط، بل من قد هلك. الله يدعو الكل إلى الخلاص. حتى الذي لا يقبل الله، نجد الله يصبر عليه لكي يخلصه.هناك شخص لا يرجع عن خطيئته من أول محاولة ولكنه قد يعود بعد عاشر محاولة أو حتى المحاولة العشرين.أخطر ما يقع فيه الآباء الكهنة أن ييأسوا من خلاص الخطاه. فيقولون عن شخص ما: "هذا الإنسان شرير جدًا لا ينفع معه وعظ أو نصح أو إرشاد".أحد هؤلاء الآباء طرد إنسان خاطئ وكانت حجته "ابن الهلاك للهلاك يدعى" عن الآية القائلة: "وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهَلاَكِ" (إنجيل يوحنا 17: 12). من قال هذا؟! فالله داعي الكل إلى الخلاص. ونصليها كل يوم. الله يجول يصنع خيرًا حتى مع المظلومين فالكتاب يقول:"الرب يحكم للمظلومين"، ونص الآية هو: "الْمُجْرِي حُكْمًا لِلْمَظْلُومِينَ" (سفر المزامير 146: 7). الرب يحكم للمظلومين: يوسف الصديق: من أمثلة هؤلاء المظلومين يوسف الصديق.لقد باعه إخوته كعبد وظلمته امرأة فوطيفار، وادعت عليه شرًا. وظلمه فوطيفار نفسه ووضعه في السجن. لكن الله لم يتركه، الله لم يحكم له بالخروج من السجن فقط بل الله حكم أن يكون يوسف الصديق الرجل الثاني في المملكة.وجعل الله كل الذين ظلموا يوسف الصديق يأتون ويسجدون عند قدميه. فالكتاب ذكر كيف أن إخوته الذين ظلموه جاءوا إليه وسجدوا عند قدميه. لم يكتب الكتاب عن فوطيفار أنه جاء وسجد عند قدمي يوسف، ولكن من المؤكد أن هذا حدث؛ ففي الغالب جاء فوطيفار أيضًا وسجد عند قدمي يوسف الصديق. الله يعضد الضعفاء والخائفين والذين في ضيقة: الله عجيب في أنه يجول يصنع خيرًا. يعمل في الناس بروحه القدوس ويعمل في الناس بنعمته ويعمل في الناس بملائكته ويصنع مع كل أحد خيرًا. داود النبي: نجد داود النبي يقول: "دفعت لأسقط والرب عضدني"، ونص المزمور هو: "دَحَرْتَنِي دُحُورًا لأَسْقُطَ، أَمَّا الرَّبُّ فَعَضَدَنِي" (سفر المزامير 118: 13) الله يقف بجوار من هم في ضيقة.أنا سأقول لكم عن واحد كان في ضيقة. هذا الواحد هو عصفور وقع في فخ الصيادين. ماذا يفعل العصفور أمام فخ الصيادين؟! الله يتدخل فينكسر الفخ ونحن نجونا، ونص الآية هو: "انْفَلَتَتْ أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ. الْفَخُّ انْكَسَرَ، وَنَحْنُ انْفَلَتْنَا" (سفر المزامير 124: 7). هذا هو عمل الله. الله عضد يعقوب عندما كان خائفًا: يعقوب أب الآباء كان هارب من أخيه عيسو الذي قال "أقوم وأقتل أخي"، ونص الآية هو: "فَأَقْتُلُ يَعْقُوبَ أَخِي" (سفر التكوين 27: 41).وعندما كان يعقوب هارب وتعبان، ولا يعرف حل لمشكلته، ظهر له الله في السلم السمائي وقال له: لا تخف "وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ" (سفر التكوين 28: 15). فطمأنه. الله عضد يوحنا الحبيب في المنفى: كان القديس يوحنا الحبيب في ضيقة حيث كان في المنفي في جزيرة بطمس وكان متعب. فظهر له الرب برؤى عجيبة وقال له: أنا "الْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 1: 18). ليس هذا فقط بل أظهر له السماء مفتوحة ورأى عرش الله.من كان يفكر أن يوحنا الحبيب وهو في أرض السبي يرى السماء مفتوحة ويرى عرش الله والملائكة الذين حوله ويعطيه الله رسائل. كل هذا في جزيرة بطمس مكان المنفى.لكن الله مستعد أن يعمل مع الكل، يجول ويصنع خيرًا. الله عضد التلاميذ الخائفين في العلية: المسيح وجد التلاميذ الذين هربوا وقت الصلب وكانوا خائفين ومتعبين ومختفيين في العلية.فدخل وافتقدهم وقال لهم"أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا" (إنجيل متى 14: 27؛ إنجيل مرقس 6: 50؛ إنجيل يوحنا 6: 20).وظل يفتقدهم 40 يوم إلى أن أرجعهم إليه. الله يفتقد حتى الأرض الخربة الخاوية: الله لم ينقذ العصفور الضعيف فقط من الفخ. بل الله افتقد الأرض الخربة الخاوية الله ذهب للأرض الخربة الخاوية وقال: "لِيَكُنْ نُورٌ، فَكَانَ نُورٌ، وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ" (سفر التكوين 1: 3، 4). والله يفتقد أيضًا نفوسنا الخربة: والأرض الخربة الخاوية، التي أشرق فيها الله النور من الممكن أن تقال على كل نفس.كل نفس خربة وخاوية من الفضيلة الله يقول لها ليكن نور فيصير نور ويرى الله النور أنه حسن.الله الذي يجول يصنع خيرًا مر على كل المتعبين. الله قد يخلصك بزيارات النعمة وقد يستخدم الإنذارات والتجارب: من الممكن أن يعمل الله مع الخاطئ بزيارات النعمة فتعمل فيه كلمة الله وتقربه من الله.ولكن هناك البعض لا يفيقوا إلا بالتجارب. البعض لا تحركه الكلمة الطيبة. ولكن تحركه صفعة على وجهه. فقد يلجأ الله للتجارب لخلاص البعض ولكن لا يستخدم هذا مع الكل وليس في كل الأوقات وقد يفيق الإنسان بإنذار مثل أهل نينوى، قال لهم إن لم تتوبوا ستهلك المدينة فرجعوا وتابوا. لماذا ؟ نفع معهم الإنذار. الله يجول يصنع خيرًا بأية الطرق. بالطريقة التي تصلح للشخص. الله لم يترك أوغسطينوس: أوغسطينوس كان غارقًا في الفساد. ليس الفساد فقط من جهة أخلاقه. إنما فساد من جهة العقيدة. حيث كان بعيدًا عن الله كل البعد. وأمه ظلت تبكي عليه. ولكن الذي يجول يصنع خيرًا جال وأمسك بأغسطينوس وأنقذه مما هو فيه. أرسل إليه القديس أمبروسيوس أسقف ميلان فأقنعه بكلامه، وأرسل إليه سيرة الأنبا أنطونيوس الراهب فتأثر بها. وأخيرًا تاب واعتمد وعمره 30 سنة. وقال لله "تأخرت كثيرًا في حبك أيها الجمال الذي لا ينطق به. كنت معي ولكنني من فرط شقاوتي لم أكن معك".ظل الله وراء أوغسطينس إلى أن صالحه وأصلحه وأصلح به كثيرين. الله لم يترك ماريا القبطية وبيلاجيا وموسى الأسود: الله لا يترك أحد. لم يترك ماريا القبطية التي كانت في منتهى الفساد. ولم يترك بيلاجيا. ولم يترك موسى الأسود. هل تخاف من موسى الأسود؟ أنا سآخذه وأجعله مثال للوداعة والخدمة.الرب عجيب فهو يجول يصنع خيرًا. فلنتذكر إحسانات الرب لنا: ليت كل واحد فيكم يقرأ المزمور"بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ" (سفر المزامير 103: 2) تذكر حجم الخير الذي عمله الله في حياتك. فمشكلتنا أننا ننسى الأمور الطيبة ولا نذكر إلا الأمور المتعبة.لا يوجد شك أن الله يجول يصنع خيرًا. جال على بيتك وعلى قلبك وعلى حياتك وصنع فيها خيرًا لا يجب أن تنساه. الله لم يترك الخصي الحبشي: كان الخصي الحبشي سائرًا بمركبته فقال الرب لفيلبس سير وراء هذه المركبة. وظل الرب وراءه حتى قاده للخلاص وعمده.الله قد يعمل معك خير مباشر وقد يرسل لك شخص يقودك للخلاص.نشكر الله الذي يفعل معنا خيرًا كل حين. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
18 مارس 2023

إنجيل عشية الأحد الثانى من شهر برمهات

تعليم يسوع في الخزانة تمهيد حضر المخلص إلى الهيكل وجاء إليه جميع الشعب فجلس في الخزانة ،وهى أحد أروقة الهيكل . وقدم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أمسكت في زنا وحاولوا اصطياده بكلمة يستندون عليها في تقديم شكواهم ضده ولكنهم لم يفلحوا . وأخذ يسوع يلقى تعاليمه الواردة بفصل الإنجيل وفيها أثبت أنه المسيح ، وأنه الذي يحرر المؤمنين به ، وأن عمله هذا هو من قبل أبيه السماوي : يسوع هو المسيح فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئا من نفسى بل أتكلم بهذا كما علمني أبي . والذي أرسلنى هو معي ولم يتركنى الآب وحدى لأنى في كل حين أفعل ما يرضيه . شهد السيد المسيح عن نفسه أمام اليهود في الخزانة بأنه نور العالم وأنه من فوق ، وكانت شهادته من الوضوح بحيث لو شاءوا أن يفهموها لما عسر عليهم ذلك ، ولكن جهالتهم وكبرياءهم حالتا دون ذلك ، فلم ير بدا من إعلانهم بأنهم سوف يدركون حقيقة أمره حينما يصلبونه فقال : « متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أنى أنا هو » .. وسمى صلبه ارتفاعا لأن صليبه ارتفع في الجو فارتفع به شأن البشرية ، ونال به المؤمنون شرفا يجل عن الوصف وقد تحقق إدراك اليهود لحقيقته حينها أبصروا الظلمة التي حدثت وقت صلبه ، والزلزلة ، وانشقاق حجاب الهيكل ، وقيامته وصعوده ، وحلول الروح القدس على تلاميذه ، وتكلمهم بألسنة وعملهم المعجزات ثم قرر أمامهم أنه متحد بالآب في كل فعله ، وأن ما بشر به كان يعلمه منذ الأزل . وواصل كلامه قائلا « والذي أرسلنى هو معى » ، فأثبت بهذا التصريح الاتحاد الدائم بينه وبين الآب في الذات والتدبير . وكثيرا ما ردد المخلص هذا التعليم في محادثاته ، فقد قال لفيلبس ولتلاميذه « ألست تؤمن أنى أنا في الآب والآب في .. والكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال . صدقوني أني في الآب والآب في وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها » ( يو ١٤ : ١٠-١١ ) . وعزا المخلص هذا الاتحاد إلى فعله كل ما يرضى الآب ، ومن أدلة ذلك قوله لتلاميذه أثناء حديثه مع المرأة السامرية « طعامى أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله » ( يو ٤ : ٣٤ ) ، وهو بهذا يرمي إلى تحريضنا على عمل مرضاته حتى يكون معنا دائما . كما أن الآب معه كل حين .. تحريره المؤمنين :- وبينما هو يتكلم بهذا آمن به كثيرون .فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به إنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذی وتعرفون الحق والحق يحرركم . أجابوه إننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحد قط . كيف تقول أنت أنكم تصيرون أحرارا .أجابهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية . والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد . أما الأبن فيبقى إلى الأبد . فأن حرركم الأبن فبالحقيقة تكونون أحرارا .وعلى أثر ذلك آمن به كثيرون من اليهود . فأوضح لهم أن الإيمان به لا يجديهم نفعا إن لم يثبتوا على حفظ وصاياه والعمل بها . ومتى فعلوا ذلك وصبروا على الاضطهاد والشدائد ، كما هو مفروض في التلاميذ ، شاركوه في السعادة والمجد .وأضاف إلى هذا قوله إن ثباتهم في الأيمان يهديهم إلى الحق الذي هو يسوع وتعاليمه الألهية ، ويحررهم من نير الشيطان وعبودية الخطية ، وفي ذلك يقول الرسول « فأن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة » ( رو ١٤:٦ ) ، وكذلك يقول يعقوب الرسول « من اطلع على الناموس الكامل ناموس الحرية وثبت وصار ليس سامعا ناسيا بل عاملا بالكلمة فهذا يكون مغبوطا في عمله » ( يع ١ : ٢٥) . علي أن اليهود ظنوا أن السيد يتكلم عن الحرية المدنية والحرية الجسدية فاعترضوا قائلين إنهم لم يستعبدوا لأحد قط ، ونسوا أو تناسوا أنهم استعبدوا للمصريين والبابليين والأشوريين واليونانيين ، بل أنهم كانوا وقتئذ مستعبدين للرومان ، يدفعون الجزية لقيصر . ولعلهم كانوا يقصدون أن لهم بعض الحرية الدينية ، وأنه لا يجوز بيعهم بيع الأرقاء وفقا لما قاله الله عنهم « وإذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا تستعبده استعباد عبد ، كأجير كنزيل يكون عندك . إلى سنة اليوبيل يخدم عندك . ثم يخرج من عندك هو وبنوه معه ويعود إلى عشيرته ، وإلى ملك آبائه يرجع، لأنهم عبيدي الذين أخرجتهم من أرض لا يباعون بيع العبيد » ( لا ٢٥ : ٣٩-٤٢ ) .وقد أوضح لهم السيد نوع العبودية التي يقصدها وهي عبوديتهم الشنيعة للخطية ، وهي شر من عبودية الرق لأنها تؤدي إلى الموت كما قال بولس الرسول « ألستم تعلمون أن الذي تقدمون ذواتكم له عبيدا للطاعة أنتم عبيد للذي تطيعونه إما للخطية للموت أو للطاعة للبر » ( رو ٦ : ١٦ ) . ثم أشار إلى مصير العبد وهو الطرد من البيت طالت مدة عبوديته أم قصرت لأنه لاحقوق شرعية له ، ودليل ذلك ما حدث لإسماعيل فقد قيل لأبراهيم عنه « أطرد الجارية وابنها لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة » ( غل ٤ : ٣٠ ) . ورب المجد بقوله هذا يقصد أن عبد الخطية يمكن طرده من البيعة المقدسة . وأما العتق من يد الشيطان والشهوات الذي قصده حين قال « فأن حرركم الأبن تكونون أحرارا » فليس في استطاعة إبراهيم أو موسى أو جميع الأنبياء أن يمنحوه ، إذ يسوع وحده هو الذي يحرر المؤمنين ويصيرهم إخوة له وورثة . فالذي يأتى إليه معترفا تائبا ينال المغفرة والعتق ، قد أعطى سلطان الحل والمغفرة هذا لتلاميذه وخلفائهم حين قال لهم « إقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له » ( يو ٢٠ : ۲٢-۲۳ ) . البنوة العملية لله:- أنا عالم أنكم ذرية إبراهيم . لكنكم تطلبون أن تقتلونى لأن كلامي لا موضع له فيكم أنا أتكلم بما رأيت عند أبي .. وأنتم تعملون ما رأيتم عند أبيكم .أجابوا وقالوا له أبونا هو إبراهيم . قال لهم يسوع لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم : ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلونى وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله . هذا لم يعمله إبراهيم .أنتم تعملون أعمال أبيكم . فقالوا له إننا لم نولد من زنا . لنا أب واحد وهو الله. فقال لهم يسوع لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني لأني خرجت من قبل الله وأتيت . لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلنى. ولما كان اليهود قد اعترضوا قائلين « إننا ذرية إبراهيم » فقد أخذ السيد يفند اعتراضهم بقوله أنهم حقيقة أولاده بالجسد ، ولكنهم ليسوا أولاده في الأعمال الصالحة ، وقلوبهم المشحونة بالأفكار الدنيوية الشريرة لا موضع لكلامه فيها ، وهذا ما حملهم على طلب قتله . ثم أيد أقواله بالأشارة إلى أن مصدرها هو أبوه القدوس في حين كان مصدر أعمالهم إبليس أباهم . فاعترض اليهود على السيد ثانية لتعريضه بهم ونسبتهم من حيث الأعمال إلى أب غير إبراهيم أى إلى إبليس ثم أعلنوا انتسابهم إلى إبراهيم دون سواه ، والسيد أجابهم معترفا بهذا النسب من ناحية الجسد لامن ناحية السلوك ودلل على أنه لا نصيب لهم من طاعة إبراهيم وتصديقه بطلبهم وهو لم يسئ إليهم بل كلمهم بالحق الذي سمعه من الله ، ثم قرر أن هذا التصرف من جانبهم لا يتفق وأعمال إبراهيم . وقد حقق بهذا أنه لا يحسب ابنا لإبراهيم إلا من عمل أعماله « لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديا ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانا بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي » ( رو ۲ : ۲۸-۲۹ ) ، وفي ذلك يقول الرسول أيضا « إعلموا إذا أن الذين من الأيمان أولئك هم بنو إبراهيم ... . . فأن كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة » ( غل ٣ : ٧ ، ۲۹ ) . كذلك من يعمل أعمال الله بحسب ابنا له هي الرحمة والغفران للمسئ ، فمن يرحم ويغفر فهو ابن الله ، ولذا علمنا السيد أن نقول في الصلاة الربانية واغفر لنا كما نغفر لمن أخطأ إلينا حتى نكون لله أبناء . أما اليهود فبالتماسهم قتل السيد دلوا على أنهم أبناء للشيطان في فعله الشر . ولم يطق اليهود أن ينسبهم المخلص إلى إبليس فاعترضوا . قائلين « إننا لم نولد من زنا » أي لم نولد من آباء وثنيين كفرة ، وتسمية الكفر والشر زنا تتضح من قول الرب لموسى « ها أنت ترقد مع آبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأجنبيين في الأرض التي هو داخل إليها في ما بينهم ويتركني وينكث عهدي الذي قطعت معه » ( تث١٦:٣١ ) . وقول أشعياء "كيف صارت القرية الأمينة زانية . ملآنة حقا كان العدل يبيت فيها وأما الآن فالقاتلون "( أش ١ : ٢١ ) . ثم قالوا بأن لهم أبا واحدا يعبدونه وهو الذي عبده إبراهيم . ورد السيد على هذا الاعتراض مبينا أنهم لو كانوا أبناء الله حقيقة لشابهوه في محبته لابنه ، لأن « كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله . وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضا » ( ١يو٥ : ۱ ) وأشار المخلص إلى مولده الأزلى بقوله « لأنى خرجت من قبل الله » ، وإلى مولده الزمنى بقوله « وأتيت » ، وإلى وحدة الجوهر والأرادة بين الله الآب الله الأبن بقوله « لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلنى » . وبهذا علمنا .. الاتضاع والطاعة والعمل برأى آبائنا ، كما أن الله الآب أرسله وبظهوره متجسدا لم ينفصل عنه بلاهوته. الأرشيذياكون المتنيح بانوب عبده عن كتاب كنوز النعمة لمعونة خدام الكلمة
المزيد
02 يونيو 2022

وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ (أع1: 9)

صعود السيد المسيح، الكلمة المتجسد، بجسده، الذي اتحد به في بطن العذراء مريم، وقَبلِ فيه جميع الانفعالات والآلام والموت والدفن، ليؤكد حقيقة الاتحاد الكامل بين اللاهوت والناسوت، وأنهما صارا طبيعة واحدة، وأقنومًا واحدًا، وأن هذا الاتحاد لا افتراق معه. وكما أكد لنا بقيامته من الأموات حقيقة القيامة العامة، كذلك أرانا بالفعل حالة قيامة الأجساد بطبيعة روحانية في اليوم الأخير، وهكذا صعد به إلى الأعالى، كما يقول القديس كيرلس: [إنه ارتفع إلى السماء، حتى يشترك في عرش الآب بالجسد، الذي هو متحد به، هذا هو الطريق الجديد قد صنعه الكلمة لنا بعد أن ظهر في الطبيعة البشريّة] (تفسير إنجيل لوقا: 154).صعد إلى أعلى السموات: إن صعود السيد المسيح إلى أعالي السموات [سماء السموات] وهي أعلى وأسمى، قال عنها مُعلمنا داود النبيّ: «الرَّبُّ فِي السَّمَاءِ كُرْسِيُّهُ...» (مز11: 4)، وأيضًا «سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ السَّمَاوَاتِ» (مز148: 4)، وهى عرش الله، وعنها قال السيد المسيح في العظة على الجبل «لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ لاَ بِالسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ اللهِ...» (مت5: 34، 35)، وهي التي صعد إليها وحده، وقال عنها معلمنا القديس بولس الرسول: «فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ» (عب4: 14)، اجتاز διελυθότα السموات، لا يعني أنه مر بها أو اخترقها، بل تجاوزها إلى ما هو أعلى منها، فقد «صَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ» (عب7: 26). أي تجاوز الأمور المنظورة. لذلك «أَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ» (أع1: 9). والسحابة لها مدلولات كثيرة، نذكر منها الآتي:† كان الله يُستعلن بمجده في السحاب: فكان علامة ميثاقه مع نوح: «وَضَعْتُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ» (تك9: 13). ويقول الله لموسى: «هَا أَنَا آتٍ إِلَيْكَ فِي ظَلاَمِ السَّحَابِ..» (خر19: 9). وقد صاحب حلول مجد الرب، سحاب ملأ المكان: «َإِذَا مَجْدُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي السَّحَابِ» (خر16: 10). وكذلك كانت السحابة في التجلي متصلة بوضوح مع حضور الله والصوت الإلهيّ (مت17: 5؛ مر9: 7؛ لو9: 34، 35).† كان عمود السحاب علامة على وجود الله وسط شعبه، وقيادته لهم في رحلاتهم إلى أرض الموعد، ويعتبره القديس مقاريوس في مقابل إرشاد الروح القدس للنفس البشرية، عندما يتأمل في حالة النفس البعيدة عن عمل الروح، فيقول: [وكيف أتقبل أقوال الشريعة الإلهية على ألواح قلبي؟ وكيف أرى عمود النور الحقيقي والسحاب الناشئ من الروح القدس؟] (عظة25: 6). وسوف يأتي ابن الإنسان على السحاب، فيقول: «حِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ» (مت24: 30؛ 26: 64؛ مر13: 26؛ لو21: 27). وسيأتي ثانية مع السحاب (رؤ1: 7). فالمسيح لن يأتي في الخفاء أو في غموض، بل كإله ورب بمجد يليق بألوهيته (القديس كيرلس، تفسير إنجيل لوقا139) هكذا تشير سحابة دخان البخور في الكنيسة، إلى أن الله محتجب وغير مرئيّ: «فَوَقَفَ الشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَمَّا مُوسَى فَاقْتَرَبَ إِلَى الضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ اللهُ» (خر20: 21)، وإلى حلول مجد الله. ونتذكر أيضًا، ونحن شاخصين نحو المشرق، وسحابة البخور من حولنا، صعوده إلى السموات وجلوسه عن يمين أبيه، وانتظار مجيئه الثاني المخوف المملوء مجدًا. القمص بنيامين المحرقي
المزيد
20 أغسطس 2022

الإيمان في حياة العذراء: «لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لو1: 38)

إن كلمة إيمان في اللغة العبرية nāma تعني "أن يكون أمينًا"، كما جاء في سفر التثنية: «فَاعْلمْ أَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ هُوَ اللهُ الإِلهُ الأَمِينُ الحَافِظُ العَهْدَ وَالإِحْسَانَ لِلذِينَ يُحِبُّونَهُ وَيَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ إِلى أَلفِ جِيلٍ» (تث7: 9). وكذلك: يؤتمن على. واُختُصَّ بها الله الذي هو الأساس والمصدر الحقيقيّ للأمن.وفي اللغة اليونانيّة ίστιϛπ تعني الثقة التي لدى الشخص في الله، أو في آخرين. وكان الإيمان في العهد الجديد يتضمن إدماج الإيمان بابن الله، والتوبة عن الأعمال التي تؤدي للموت، والمعمودية: «لِذَلِكَ وَنَحْنُ تَارِكُونَ كَلاَمَ بَدَاءَةِ الْمَسِيحِ لِنَتَقَدَّمْ إِلَى الْكَمَالِ، غَيْرَ وَاضِعِينَ أَيْضًا أَسَاسَ التَّوْبَةِ مِنَ الأَعْمَالِ الْمَيِّتَةِ، وَالإِيمَانِ بِاللهِ» (عب6: 1). هكذا كانت العذراء القديسة مريم تحيا حياة الإيمان، الذي ظهر جليًا، إذ كانت تحيا حياة التسليم الكامل. لمشيئة الله، في هدوء، بدون جدال.السيدة العذراء آمنت وصدقت لكنها كانت تستوضح: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟» (لو1: 34)، إنها طاعة واعية واثقة، في كل ما احتملته لم تتذمر اطلاقا. بالرغم من ذلك قالت للملاك: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لو1: 38). يقول القديس أمبروسيوس: [لم ترفض مريم الإيمان بكلام الملاك، ولا اعتذرت عن قبوله، بل أبدت استعدادها له، أما عبارة: "كيف يكون هذا؟ فلا تنم عن الشك في الأمر قط، إنما هو تساؤل عن كيفيّة إتمام الأمر... إنها تحاول أن تجد حلًا للقضيّة... فمن حقِّها أن تعرف كيف تتم الولادة الإعجازيّة العجيبة]. أمام هذا الإعلان أعلنت العذراء خضوعها بالطاعة. إن طاعة العذراء مريم قد حلت محل عصيان حواء أمها. ونلاحظ أن العذراء كانت إجابتها كلها اتضاع، فهي قد علمت أن من في بطنها هو الله، لكنها ها هي تقول هوذا أنا أمة الرب. إنه في اللحظة التي قبلت فيها العذراء كلام الملاك وقدمت الطاعة لله، قبلت سرّ التجسد، فالله يقدس الحرية الإنسانيّة، وكان غير ممكنًا أن يتجسد المسيح منها وهي لا تقبل هذا.ففى قولها «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ» (أى عبدة أو جارية)؛ يعنى استسلام والتزام تام لمشيئة الله وحضوره غير المفحوص. هو في نفس الوقت تجاوب مع النعمة، واستسلام لعطية الله. فهى لم تسعَ لفحص كلام الله، ولم تضعه تحت مجهر العقل، بل كان كلامها وتجاوبها إعلان للإيمان والتسليم الكامل. فلم تطلب أن ترى دليلًا ماديًّا، بل ولم تسعَ لحظة بالشك، كما فعل بعض الأنبياء من العهد القديم، مثل موسى النبي، وجدعون (قض6)، وأيضًا حزقيا الملك (2مل20: 9). وكذلك هنا ظَهر الفرق بينها وبين زكريا الكاهن، العالم بالشريعة، والذي من المفترض أن يكون على علاقة شخصية حياتية مع الله، ولكن نجده يضع كلام الله تحت المجهر العقلي، فأجاب الملاك: «كَيْفَ أَعْلَمُ هَذَا لأَنِّي أَنَا شَيْخٌ وَامْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟». (لو1: 18). ألم تعرف يا زكريا أنه «غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ» (لو18: 27)، ألم تقرأ يا زكريا كيف أعطى الله إبراهيم نسل، وغيره مما كتب في التوراة، وأنت العالم بالناموس والأنبياء؟عاشت العذراء حياة الإيمان والتسليم، رغم رحلة الصليب التي عانتها في الألم والمتاعبِ المتنوعة: شك يوسف.. الولادة في مذود حيوانات .. الهروب من وجه هيرودس إلى أرض مصر.. كما احتملت أن ترى آلام السيد المسيح وصلبه. في كل هذا عاشت «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ». وبذلك استمرت القديسة مريم العذراء في كل حين، تعيش بالإيمان والطاعة والتسليم المطلق، من يوم البشارة ليوم انتقالها. القمص بنيامين المحرقي
المزيد
19 سبتمبر 2022

الاستشهاد انتصار على الذات

و من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه . .. ، مر ٨ : ٣٥ فبدء الطريق هو الكفر بالذات ، هذه الذات التي طالما وقفت أمام الكثيرين في لحظة الاستشهاد فأنكروا المسيح ... + أتعرفين أيتها الذات ما سر فتور الحب بين الإخوة في البيت الواحد ، في الكنيسة الواحدة ... !! ؟ السبب أنك بدل أن تفكرى في خلاص ذاتك ، فكرت في غيرك ، وبدل أن تفكري في خطيتك اهتممت بالحديث عن خطايا الآخرين . .. آه يا ذاتى لو فكرت لحظة في طاعة المسيح وصلبت ذاتك و مع المسيح صلبت ، لعم السلام في حياتك وأسرتك وكنيستك . آه یا ذاتی لو عرفت سر انزعاجك في الخدمة الواحدة ، في الكنيسة الواحدة ، في أحوال الكنيسة العامة ـ لعرفت السر أنك نسيت نفسك فتتمسكين برأيك حتى لو أدى ذلك لتحطيم الكنيسة ، لماذا كثرة الطوائف في القرن العشرين ، لماذا النقدالشديدلوصا يا يسوع والاندفاع نحو الإنجيل الاجتماعي ... السر في كل هذا هو ذاتي . ٤- المسيحية استشهاد في طاعة الوصية كل منا اليوم ينفذ الوصية لمدة معينة حسب ما يرى على قدر قامته الروحية وآرائه الشخصية ، والفرق بيننا وبين آبائنا القديسين أنهم نفذوا الوصية حتى الاستشهاد ... أي حتى النهاية ـ أما نحن اليوم فنخاف من الوصية ونحللها ، ونجد لها أكثر من مبرر للهروب منها ، الكتاب المقدس يعرض الوصية إلى الاستشهاد كما يأتي : - المحبة ... إلى الميل الثاني والخد الأيسر . .. الرحمة:- إلى إعطاء الثوب الواحد بعد الرداء . مثل ذلك القديس الذي باع كتابه المقدس الواحد العالى عليه ليعطى المحتاجين ولما سألوه لماذا هذا ـ قال إن الإنجيل هو الذي أمرنى لابيع كتابي . . انكار الذات ... إلى الهروب من كل مجد في العالم - حتى داخل الكنيسة ، إلى الاختفاء الكامل وحب المسكنة مثل مكسيموس و دوماديوس وأرسانيوس . لقد فرح أبو مقار عندما اتهموه ظلمـا ـ وعندما أرادوا رد الكرامة له هرب منها بسرعة خوفاً من وقوعه في محبة المديح .إن طاعة وصية الإنجيل لهذا الحد تدفعنا إلى : محبة طاعة المسيح إلى الاستشهاد : الإستشهاد قبل كل شيء حب ، واندفاع في الحب حتى الدم . هو حب في تنفيذ وصية المسيح محبة في المسيح , الذي يحبني يحفظ وصایای ، . ربى يسوع . . سأحب كل الناس محبة في وصية إنجيلك لأجل خاطــــرك ربى يسوع سأكره الخطية وأقاومها بنعمتك حسب وصيتك لأجل خاطرك . سأضع كل ما لي في خدمة عروسك , سأصلى كثيراً فيها ومن أجلها حبا فيك . سأتوب وأبدأ من جديد محبة فيك وفي الحياة المقدسة معك . سازهد في العالم وأدوسه بقدمى لأجل حبك ـ وسأصوم معبراً عن زهدي في العالم حبا فيك . إلهي : إنى أتكلم كثيراً وأنت تعلم عجزي ، فأنا عاجز في محبتي لك - عاجز في شكري لك . ماذا أقدم لك من أجل كثرة حسناتك ... أريد أن أقدم ذاتي حبا فيك أريد أن أحمل سمات الرب يسوع في حياتي . هل لي أن أقول مع القديس أغناطيوس إنى سوف لا أشبع من حبك إلا إذا سفك دمى من أجل خاطرك . أيتها الأم العذراء التي يجوز في قلبها سيف صلى عنا ، أيها الشهداء ولباس الصليب و المجاهدين صلوا عنا ربى يسوع أقبل طلباتهم وأعنا آمين . المتنيح القمص بيشوى كامل كاهن كنيسة مارجرجس اسبورتنج عن كتاب المسيحية هى روح الاستشهاد
المزيد
22 سبتمبر 2021

العالم محتاج السلام

علي الرغم من كل ما في العالم من كنوز‏,‏ ومن خيرات لا تحصي‏,‏ ومن نتائج كثيرة لنمو العلم و المخترعات‏,‏ ومن نتائج عجيبة للمدنية والحضارة والعلم‏..‏ ومع ذلك فإنه محتاج ولعلنا نسأل إلي أي شيء هو محتاج؟‏!‏ العالم محتاج إلي السلام وإلي الهدوء‏, فإلي أي مكان نذهب إليه نجد احتياج العالم إلي السلام, في هذا الجو المضطرب, والذي يموج بالاختلافات في كل بلد وفي كل مكان.. حتى إنك لا تتصفح الجرائد في أي يوم, إلا وتجد أخبار الصحف الرئيسية عن مشاكل العالم جملة, وعن المشاكل المحلية في كل بلد. تجد هذا في العناوين الرئيسية.. فإن دخلت إلي التفاصيل تجد ما هو أبشع.. نعم هذا هو العالم الذي خلقه الله في سلام.. وفيه كان يعيش أبونا آدم في سلام حتى مع الوحوش.. كانت في سلام معه, ويعيش هو في سلام معها, وتأتي إليه ويسميها بأسماء.. وبنفس الوضع كان يعيش أبونا نوح مع الوحوش في الفلك ويهتم بها ويغذيها, ويتعهدها بالرعاية.وإن كان السلام هكذا, فإن الله قد أوصانا قائلًا: وأي بيت دخلتموه, فقولوا سلام لأهل هذا البيت، ونص الآية هو: "وَأَيُّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوهُ فَقُولُوا أَوَّلًا: سَلاَمٌ لِهذَا الْبَيْتِ." (إنجيل لوقا 10: 5). وهكذا عندما كنت أزور أي بيت من بيوت أولادنا في المهجر, كانت أول عبارة أقولها عندما تخطو قدماي باب بيتهم, كنت أقول: قال الرب: وأي بيت دخلتموه فقولوا سلام لأهل هذا البيت.والسلام معروف في كل تحياتنا مع بعضنا البعض.. فإن حضر أحد من سفر نقول له: حمدا لله علي السلامة. وإن سافر, نقول له: مع السلامة, وإن وقع علي الأرض, نقول له: سلامتك. وأي اجتماع رسمي, نبدأه بالسلام الجمهوري.والسلام علي أنواع ثلاثة: سلام مع الله, وسلام مع الناس, وسلام داخل النفس, في الفكر وفي القلب, ما بين الإنسان وبين نفسه, ولذلك فالإنسان البار هو في سلام مع الله.أما إذا بدأ بالخطية يبتعد عن الله, حينئذ يفقد سلامه الداخلي, ويحتاج أن يصطلح مع الله بالرجوع إليه. غير المؤمن يصطلح مع الله بالإيمان وحياة البر. أما المؤمن الخاطئ, فيصطلح مع الله بالإيمان وحياة البر. وإلهنا المحب الغفور يكون مستعدًا لقبول ذلك الصلح, إذ يقول: ارجعوا إلي أرجع إليكم.ويأتي هذا السلام أيضا بحفظ الله للإنسان: كما يقول: "وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ" (سفر التكوين 28: 15).. أحفظك من حروب الشياطين, ومن الناس الأشرار.. وأحفظك من حروبك الداخلية, وأحفظ دخولك وخروجك.. وينضم إلي هذا المزمور وعود الله الكثيرة, كقوله: "هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ." (إنجيل متى 28: 20) وقوله عن الكنيسة: إن "أَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا." (إنجيل متى 16: 18). نقطة ثانية وهي سلام مع الناس, فيها يسلم الناس علي بعضهم البعض ليس فقط بالأيدي وإنما بالقلب والشعور أيضًا.. وإن كانت بينهم خصومة من قبل فإنهم يتصالحون. ولأنه قد يبدو من الصعب أن تصطلح النفس مع كثير من الأعداء والمقاومين, فإن الكتاب يقول: إن كان ممكنا, فعلي قدر طاقتكم سالموا جميع الناس, وقيل علي قدر طاقتكم فإن هناك أشخاصا تحاول أن تسالمهم وهم لا يريدون إما بسبب طباعهم, أو بسبب سلوكك الطيب يكشف سلوكهم الرديء, أو لأنهم يحسدونك بسبب نجاحك, أو بسبب تدبير أو بسبب تدابير معينة يدبرونها, أو لأي سبب آخر.. فهؤلاء أيضًا سالمهم حسب طاقتك.. وإن وجد خلاف فلا يكن بسببك أنت.. قد يعاكسك الغير.. ولكن لا تبدأ أنت بالخصومة،ولا تكن حساسًا جدًا من جهة احتمال أخطاء الغير, كن واسع الصدر حليمًا وتذكر أنه قيل عن موسي النبي: "وَأَمَّا الرَّجُلُ مُوسَى فَكَانَ حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ." (سفر العدد 12: 3)إن بدأ الغير بالخصومة فاحتمل, فقد قيل في الكتاب: "لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 19).. "لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 17). لذلك ابعد عن الغضب. ولا تعط فرصة لأحد أن يستثيرك فتخطئ واسمع هذه النصيحة الغالية: "لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ." (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 21).. واعرف أن الذي يحتمل هو الأقوى.. أما الذي لا يستطيع أن يحتمل فهو الضعيف. لأنه لم يقدر علي ضبط نفسه.لا تطالب الناس بمثاليات لكي تستطيع التعامل معهم. نعم, بل تعامل معهم كما هم, وليس كما ينبغي أن يكونوا, وإلا فربما يأتي عليك وقت تختلف مع الجميع, إننا نقبل الطبيعة كما هي: الفصل المُمْطِر, والفصل العاصِف, والفصل الحار.. دون أن نطلب من الطبيعة أن تتغير لترضينا.. فلتكن هذه معاملتنا لمن نقابلهم من الناس, إنهم ليسوا كلهم أبرارًا أو طيبين. كثير منهم لهم ضعفات, ولهم طباع تسيطر عليهم, إنهم عينات مختلفة, وبعضها مثيرة, فلتأخذ منهم بقدر الإمكان موقف المتفرج وليس موقف المنفعل, وعاملهم حسب طبيعتهم بحكمة, ولكن احترس من معاشرة الأشرار الذين قد يجذبونك إلي الخطيئة معهم, "إِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 33). النقطة الأخيرة هي السلام داخل النفس, أي السلام داخل القلب والفكر, والذي عنده مثل هذا السلام, يظهر أيضا هذا السلام في ملامح وجهه. فنجد أن ملامحه مملوءة سلامًا, ويستطيع أن يشيع السلام في نفوس الآخرين, وفي وجوده, يكون الجو مملوءًا سلامًا, ويكون مملوءا أيضا اطمئنانًا وذلك بسبب عمل الله معه, وعمل الله فيه.أما الذي يفقد سلامه الداخلي, فإنه يقع في الاضطراب والخوف والقلق والشك. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
26 مايو 2022

شخصيات الكتاب المقدس شمجر بن عناة

شمجر بن عناة وكان بعده شمجر بن عناة فضرب من الفلسطينيين ست مائة رجل بمنساس البقر "قض 3: 31 مقدمة هل سمعت أو قرأت عن المشاجرة الخيالية الطريفة بين أصابع اليد الواحدة، والتي تخيلها أحد الكتاب وتقول، إنها بدأت بالإبهام، عندما ادعى أنه الأعظم، وأن الله لهذا السبب خلقه منفصلاً عن بقية الأصابع، حتى لا تجسر على الاقتراب منه، إذ هو السيد، وهي العبيد؟؟ وثارت السبابة على هذا المنطق، وقالت: لو أن الرآسة بالحجم لتسلط الثور أو الفيل على ابن آدم، إنما الرآسة بمن له القدرة على الأمر والنهي،.. والناس عندما تأمر أو تنهي، تجدني أنا في مواجهة الغير، أنا الآمر الناهي بين الناس، أنا الرئيس، وضحكت الإصبع الوسطى وهي تقول: إن السيادة متوفرة لي، فأنا أطول الكل، والكل إلى جواري أقزام،.. وصاحت البنصر، ولوحت بالخاتم الذهبي فيها التي تعود الناس أن يضعوها في اليد اليسرى، وقالت: إنه لا يضعون خاتم الزواج إلا فيَّ!!.. وقالت الخنصر مهلاً أيها الصحاب، فقد أكون أصغر الكل، لكنني كما تلاحظون أحمل الجميع فوقي!!.. ربما كانت الخنصر أقرب الجميع إلى الصدق والصواب،.. لكن العبرة الحقيقية ليست في واحدة من الأصابع، بل في صاحب اليد الذي يحملها ويحمل أصابعها معاً!!.. كان شمجر بن عناة واحداً من أكثر المغمورين في الكتاب، لكن هذا الرجل المغمور المجهول، استخدمه الله كالأصبع الصغير في إنقاذ شعبه، والله على استعداد أن يستخدم أضعف الناس أو أقلهم حظاً من ظروف الحياة، حتى ولو لم يملك من الأسلحة في يده إلا منساس البقر، أو ذلك المنخص الذي يخز به الحيوان عندما يتوقف عن السير ويرفض التقدم بعناء!!.. إنها قصة إنسان تبعث الرجاء في أضعف الناس عندما يدفعهم الله إلى الأمام،.. ولو لم يكن يزيد في حياته العادية عن راعٍ من رعاة الأبقار. هلم معاً نر قصة شمجر بن عناة، ولماذا اختارته العناية ليكون من أوائل القضاة في إسرائيل: شمجر راعي البقر ليس هناك ما يخلب لب الصغار أو الشباب، قدر رؤياهم على الشاشة أو في صفحات الكتب رعاة الأبقار الأمريكيين، ولا أنسى صبياً صغيراً طريفاً التقيت به ذات يوم، وهو يلبس زيهم، بالحزام العريض، وإذ سألته ماذا تود أن تكون في الحياة؟، وظننت أنه سيختار مهنة من مهن الناس التي يراها حوله، كأن يكون طبيباً أو مهندساً أو صانعاً أو تاجراً، وجاء في الجواب: أريد أن أكون واحداً من رعاة الأبقار.. إنه يريد أن يمتطي صهوة جواد يسابق الريح، ويصعد به فوق الجبال أو السهوب، ويدفع أمامه الأبقار إلى المراعي، وهو يدخل في عراك مع من يعتدي عليها أو عليه، وهو لا يبالي بالجروح التي تصيبه أو تأتيه من الآخرين، إنه يريد أن يكون ابن الطبيعة الطليق وهو لا يرغب في قيود الحضارة أو المتحضرين!!.. إنه مفتون بما أطلق عليه توماس كارليل "عبادة البطولة" أو تمجيد البطولة كما يقول علماء النفس، أو هو ذلك النوع من الحياة الذي يضيق بالمنطق القائل نأكل ونشرب لأننا غداً نموت، أو نقضي أيامنا بهدوء وسكينة، حتى يطوح بنا من بعدنا في حفرة يسوونها بالتراب، لأننا تراب وإلى تراب نعود،.. كان شمجر بن عناة راعياً من رعاة الأبقار، ظهر منذ آلاف السنين، قبل رعاة الأبقار الأمريكية، وكان لا يملك عندما داهمه في مزرعته وبين أبقاره ستمائة من الغزاة، وتلفت حوله، فلم يجد سلاحاً يواجههم به، ولم يجد بين يديه سوى منساس البقر، فأمسك به، وأبى أن يتراجع وقتل ستمائة بمنساس البقر، ويبدو أنه كان يملك في ذاته وداخله شيئاً أعظم وأكمل بما لا يقاس من هذا المنساس. شمجر والإيمان الخارق في أعماق كل واحد منا كمؤمنين قوة خارقة، لو نملك الإفصاح عنها تصبح آية للعالمين هل قرأت عن ذلك الرجل الذي وجد فرخاً صغيراً من أفراخ النسر فحمله إلى بيته، ووضعه بين أفراخ الدجاج، وأطعمه من طعامها، وكان ينظر إلى الفراخ، والفراخ تنظر إليه، كان وضعه غريباً في وسطها، وكان وضعها معه لا يقل غرابة، وابتدأ ينمو في حجمه، وابتدأ جناحاه يطولان، على أنه لم يلبث أن أصابه الضمور، وقلت حركته، فأخذه صاحبه إلى أعلى البيت وتركه على السطوح، ولكنه لم يلبث أن عاد من هناك إلى وسط الفراخ،.. ماذا يفعل معه الرجل؟، أخذه ذات صباح، إلى جبل عال، وأعطى وجهه للشمس وظهر النور العظيم، وهب النسيم، وإذا بشيء عجيب لا يدري النسر كنهه، فقد رفع عينيه نحو السماء، ومد جناحيه في الفضاء وارتعش بكامله، وصعد إلى أسمى علو، وعندئذ أدرك أنه لم يخلق للأرض، ولكنه خلق للسماء!! هذا هو شمجر بن عناة، وهذا هو أنا وأنت حينما ندرك الحقيقة التي تغيب عن حياتنا سنوات طويلة، نعيش فيها أسرى الهزيمة، والضياع، واليأس كفرخ النسر في عشش الدجاج، كان شمجر بن عناة يعلم أن أمة ولدت إبراهيم واسحق ويعقوب ويوسف وموسى ويشوع أمة أبطال، لم يكن لهم من قوة في ذاتهم ولكنهم استمدوا قوتهم من الله القادر على كل شيء.. وما من شك بأن شمجر بن عناة كان يسأل نفسه على الدوام لماذا نعيش في ظل الطغيان والضيق والهزيمة واليأس والله لم يتغير، وآباؤنا كشفوا عن أعظم الانتصارات التي جاءتهم من الاستناد إلى الله،.. وقد أدرك الرجل بأنه ليس في حاجة إلا إلى الإيمان،.. وليس الإيمان ببعيد عنه أو من أي إنسان يرغب في الاتصال بالله،.. إن الإيمان لا يزيد عن تغيير حالة قلب، وارتقاء بالنفس لتفرد جناحيها بلا حدود أو قيود في سماء الله،.. وليس الإيمان إلا أن ينتظر الله: "ومنتظرو الرب يجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور".. وما الذي يمنعه من الأجنحة المرتفعة!!.. لم يطلب الله من الإنسان شروطاً معينة حتى تكون له هذه الأجنحة. فهي للعالم ولمحدود العلم، وهي للفقير وللغني، وهي للصغير وللكبير، وهي للرجل والمرأة، وهي لمن يقف في أول الصف، أو من يكون في الصف الأخير!!.. وإذا كان شمجر بن عناة قد أدرك هذه الحقيقة في عودته إلى التاريخ القديم، فلعلنا أكثر قدرة منه نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور، وما أكثر ما يحفل التاريخ المقدس بآلاف الأبطال الذين جاءوا من الصف الأخير ليأخذوا الصف الأول، ولم يكن لهم ما يميزهم سوى الإيمان بالله!!.. ألم يكن غلاماً صغيراً ذاك الذي لم يدع إلى المعركة بل ذهب إليها ليرى إخوته الكبار؟؟ أو في لغة أخرى لم يكن حتى في الصف الأخير، بل كان خلف الصفوف جميعاً، ومع ذلك برز لا يضحى في الصف الأول مع الملك، وقائد الجيش، بل ليبرز الجميع، ويصبح هو وحده بطل المعركة، وذلك لأنه كان يملك إيماناً أكثر من الجميع.. ألم تكن "جان دارك" الفتاة الفلاحة الفرنسية في الثامنة عشرة من عمرها، عندما قادت الجيش الفرنسي المهزوم، لتحول الهزيمة إلى نصر، وتتوج الملك، وهي لا تعرف شيئاً عن فنون الحرب، وتعرف كل شيء عن قدرة الإيمان في حياة أبسط الناس على الأرض؟؟ أمن فقط، قد يكون هو النداء الأول والأخير لأبسط إنسان على الأرض ليتحول مثل راعي البقر القديم ليصنع المعجزات!!.. شمجر والغضب المقدس تقول دبور في أغنيتها العظيمة: "في أيام شمجر بن عناة في أيام ياعيل استراحت الطرق، وعابرو السبيل ساروا في مسالك معوجة".. وهي تعطي الصورة التي تلت عصر يشوع، والتي عاث الفساد فيها في البلاد، وضاع الأمن، وانقلبت الأوضاع حتى أضحى المسافرون لا يجرؤون على السير في الطرق التي امتلأت باللصوص، إلى الدرجة أن عابري السبيل كانوا يبحثون عن المسالك الجانبية المعوجة، لعلهم يفلتون من قطاع الطرق، كان النهب هو الشائع، والأمان هو الاستثناء، وكان السر واضحاً في ذلك أن الشعب ترك إلهه، فتركه إلهه للفزع والرعب والضياع، وكان راعي الأبقار ينظر إلى الأوضاع فيلتهب قلبه بالثورة المكبوتة، إنه يعلم أن سر البلوى هو انصراف الناس عن الإله العظيم الذي أخرجهم من مصر وأعطاهم الأرض، ومع ذلك رفضوه واختاروا: "آلهة حديثة حينئذ حرب الأبواب".. وستبقى الحرب دائماً على الأبواب، عندما نقفل الباب في وجه إلهنا، ورأى شمجر الظلم والطغيان والنهب، في الحقول الضائعة، والجموع الجائعة، والشعب المستعبد المسكين،.. وامتلأ الرجل بالغضب المقدس،. هناك نوعان من الغضب يختلفان تمام الاختلاف، ويتباينان تمام التباين،.. هناك الغضب الآثم الذي يصنع بر الله، كغضب نبوخذنصر عندما امتلأ غيظاً وتغير منظر وجهه على شدرخ وميشخ وعبد نغو، وأمر بأن يحمي الأتون سبعة أضعاف أكثر مما كان معتاداً أن يحمي، وذلك لأن هؤلاء تعمدوا ألا يعبدوا آلهته أو يسجدوا لتمثال الذهب الذي نصبه،.. ومثل هذا الغضب أناني حقود قاس مستبد متغطرس يكرهه الله كل الكراهية، ويعاقب -إن آجلاً أو عاجلاً- صاحبه والداعي إليه،.. لكن هناك نوعاً من الغضب الآخر، كغضب فنيحاس الذي طعن الزاني والزانية، ودان القباحة المتسهترة التي تفعل الشر في المكان المقدس، وهناك غضب موسى عندما رأى العجل الذي عبدوه الإسرائيليون، وطحنه وسحقه وذراه على وجه المياه، وهناك غضب المسيح عندما حمل سوطه وطرد من حولوا بيت الله إلى مغارة لصوص،.. رؤى أحد رجال الله، وهو يتميز غيظاً وغضباً في الطريق، لأنه رأى لونا ًمن ألوان الظلم لا يستطيع أن يسكت عليه ويهادنه، ورؤى آخر يمسك فرشاته، ويحمل سلماً، إلى مكان كتبت فيه كلمات قبيحة، لابد له أن يمحوها محواً، لأنها آذت عينيه، ويمكن أن تفسد حياة الكثيرون من الشباب الذين يقرأونها كان شمجر بن عناة يملك هذا النوع من الغضب المقدس!!.. شمجر والدفاع المشروع إن المدقق في قراءة قصة شمجر بن عناة، يرى أن شمجر لم يكن مهاجماً، إذ لا يتصور قط أن رجلاً يحمل معه منساس البقر ليأخذه سلاحاً يهاجم به ستمائة رجل من الأعداء الأشداء المسلحين، بل المتصور أن الرجل كان في حقله أو كان يرعى أبقاره في مكان ما، وتعرض له الغزاة على أسلوب وحشي مثير،.. فهل كان له أن يهرب، ويترك أرضه، أو أبقاره، ويعتبر النجاة نوعاً من الفوز، يغبطه عليه أهله وصحبه عند عودته إلى البيت؟؟ لا أعتقد أن الرجل أصيب بحالة من الجنون، كذلك الجندي الذي دخل في وسط الأعداء وأخذ يمعن تقتيلاً، وعندما نظره معسكره على هذه الحال، ورجع إليهم، قالوا له ماذا فعلت وكيف جرؤت على الدخول في وسط الأعداء على هذه الصورة؟.. أجاب: لست أعلم، لأني وجدت نفسي في حالة من الجنون لا أدريها، هي التي فعلت كل هذا،.. لا أظن أن شمجر بن عناة كان له هذا النوع من الجنون، إنما أعلم أن الرجل أدرك ما قاله كرومويل فيما بعد، عندما سألته أمه: ألا يحسب حساب المعارك التي يدخلها.. أجاب: يا أمي توجد لحظات في الحياة لا يستطيع الإنسان فيها أن يقيم أي وزن لما يمكن أن يحدث،.. أليس هذا ما وصل إليه الثلاثة فتية الذين رحبوا بالنار سواء خرجوا منها أحياء أو لم يخرجوا، وهذا نسمعه من جوابهم الحاسم للملك القديم!: "يا نبوخذنصر لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من آتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك وإلا فليكن معلوماً لك أيها الملك أننا لا نعبد آلتهك، ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته".. لو أن حادث شمجر مع الغزاة كان حادثاً شخصياً لا يتكرر، لربما أمكن التصرف فيها بصورة مخالفة،.. لكن هذا الاعتداء كان أكثر من اعتداء شخصي إذ هو اعتداء على أمة وشعب، وأكثر من ذلك هو تحد وإهانة واستهتار باله هذا العشب، والعقيدة الدينية التي يتمسك بها، هو صراع بين تابوت الله وداجون، وبين الإله الحق والآلهة الباطلة،.. وأدرك شمجر بن عناة أنه أفضل له أن يعود إلى بيته حياً أو ميتاً من أن يسلم للظلم والفساد والشر أن يفعله فعله!!.. إن السؤال عن الدفاع المشروع، ما يزال من أهم الأسئلة التي تطرح على الذهن البشري -ما هي فلسفته ووسائله وحدوده؟!! وباديء ذي بدء نحن لا نعرف جماعة إنسانية ترفض في الأرض كلها فكرة الدفاع المشروع، إلا طائفة الكويرز أو الأصحاب، وهذه الطائفة لا تقبل العنف بأي صورة، وقد حدث أن سيدة من "الأصحاب" دخلت ذات يوم إلى بيتها، فرأت لصاً يعبث بأموالها ومجوهراتها، ولما رآها وجه غدارته نحوها، فقالت له: لا تفزع ولا داعي لأن توجه غدارتك إلى، إن عندي الكثير، وخذ ما تريد، وأنت قبل وبعد الكل إنسان وأخ لي،.. وأسقط في يد الرجل،.. وقال لها: يا سيدتي لقد قاومني الناس كثيراً، وحولوا بهذه المقاومة مني مجرماً عتيداً، ولم أسمع لغة كهذه قط من بين الناس، ولم أسمع أن واحداً دعاني أخاً، بل أنا في نظرهم مجرم حثالة الناس، لن آخذ شيئاً منك يا سيدتي،.. وخرج، ولعله خرج إنساناً آخر.. هذه هي فلسفة الأصحاب، إنهم يرفضون مقاومة الشر استناداً إلى قول المسيح: "سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين"، على أن المسيح -فيما أعتقد- لم يكن يقصد المعنى الحرفي بالدليل أنه لم يطبقه هو، وقال للخادم الذي لطمه أمام رئيس الكهنة: "إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردي وإن حسناً فلماذا تضربني".. كما أن بولس فسر المقاومة المقصودة هنا مقاومة الشر بالشر إذ قال: لا تجازوا أحداً عن شر بشر معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس إن كان ممكناً فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل اعطوا مكاناً للغضب لأنه مكتوب لي النقمة أنا أجازي يقول الرب فإن جاع عدوك فاطعمه وإن عطش فاسقه لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير".. على أن بولس نفسه، وهو خير مفسر للمسيح ولكلامه، لم يفسر الأمر بالتخلي عن الحق المشروع للإنسان الذي يمكنه أن يتمسك به في لحظات الدفاع عن النفس، فعندما اعتدى عليه دون حق في فيلبي، وأرسل الولاة الجلادين إلى حافظ السجن ليطلقه وسيلا أجاب: "ضربونا جهراً غير مقضي علينا ونحن رجلان رومانيان وألقونا في السجن أما الآن يطردوننا سراً كلا بل ليتأتوا هم أنفسهم ويخرجونا".. ولم يكن له لطف المسيح عندما أمر حنانيا رئيس الكهنة أن يضربوه على فمه: "حينئذ قال له بولس سيضربك الله أيها الحائط المبيض أفأنت جالس تحكم على حسب الناموس وأنت تأمر بضربي مخالفاً الناموس".. إن فلسفة الدفاع المشروع تدور وجوداً وعدماً حول كسب المعتدي، والوصول إلى السلام، ورفعه إلى مستوى العدالة والحق الإلهي،.. وفي سبيل ذلك يمكن التخلي عن الحق الشخصي، في سبيل غرض أعلى وأسمى، على أن هذا لا يعني بحال ما طرح جميع الوسائل الأخرى التي قد تكون في إمكانية الإنسان، كالحق الذي كان لبولس بصفته مواطناً رومانياً يحق له التمسك بتطبيق القوانين الرومانية العادلة، إذا ما شط المعتدي، وحاول أن يتجاوز هذه القوانين والحقوق!!.. على أن الالتجاء إلى القضاء ليس مطلقاً، فقد يكون الأفضل مرات متعددة معالجة الأمور بعيداً عن هذا السبيل، ولا سيما إذا كان المتنازعون من الإخوة أو المؤمنين، وقد عاب الرسول على الكورنثيين الالتجاء إلى المحاكم الخارجية، وطلب دعوى التحكيم الكنسي دون هذه المحاكم: "أيتجاسر منكم أحد له دعوى على آخر أن يحاكم عند الظالمين وليس عند القديسين ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم. فإن كل العالم يدان بكم فأنتم غير مستأهلين للمحاكم الصغري" إن الحق في الدفاع المشروع أمر ينبغي أن يقدره الإنسان بكل كلمة وفطنة، ولسنا نعلم مدى فلسفة ذلك المرسل الذي كان يسير في ليلة من الليالي وهو يركب في إحدى البلاد الشرقية، فخرج إليه جماعة من قطاع الطرق، فرفع سلاحه في وجههم، وكانوا يعرفونه، فقالوا له: هل يجوز لمرسل أن يقتل الآخرين، وهو أول من ينادي بالوصية القائلة: لا تقتل؟.. وكان جوابه: إني وأنا أرفع السلاح أنفذ الوصية، لأني إذا سلمت بسهولة في نفسي، فأنا أشارككم في قتلها، وترك القاتل ليقتل دون الوقوف في طريقه دون حماية النفس، إنما هو تشجيع مباشر له على العدوان وحماية غير مباشرة للنفس التي حرم الله قتلها!!.. هل كانت هذه الحكمة هي حكمة شمجر بن عناة؟.. أم أن شمجر كان يرى نفسه قاضياً لإسرائيل، وأن مهمته أن يدفع الظلم والاعتداء، وأن أنوار العهد الجديد لم تصل إليه أو تصل إلى ياعيل التي ضربت رجلاً نائماً لا يملك الدفاع عن نفسه، وقد استأمنها على نفسه في هذا البيت؟؟.. مهما يكن الأمر فإن عصر الرجل، كان يختلف ولا شك عن عصرنا من نوع الحياة والهدف والغاية، وكانت قضية الرجل قضية دينية، لم يدفع فيها عن نفسه شراً فحسب، بل كان أكثر من ذلك رجلاً يدفع الشر على البؤساء والمعذبين والمظلومين من شعب الله في أيامه!!.. فإذا جئنا إلى العصر المسيحي، فليكن موقفناً دائماً من الاعتداء نسيان الصالح الشخصي، أو الرغبة الشخصية في الانتقام، والسعي ما أمكن إلى كسب المعتدى لله، والحق والسلام، والتسليم في كافة الأمور لمن يقضي بعدل!!. غير أن هناك شيئاً واحداً لا يجوز التزحزح عنه قيد أنمله، وهو أن لا يكون السلام على حساب الحق ومجد الله،.. وهنا لننصت بكل خشوع إلى قول السيد: "لم آت لألقي سلاماً على الأرض بل سيفاً".. ولقد بلغ المؤمنون أروع صور الشهادة، عندما أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله!!.. لقد أبى الشهداء في روما أن يقبلوا السلام على حساب يسوع المسيح، ومع أن هناك أمثلة لا تنتهي، لكننا سنذكر قصة غلام صغير ارتبطت قصته باستشهاد مارسيلوس، وكان الغلام اسمه ماركوس بولو سيرفيللي، وكان في الثالثة عشرة من عمره وكان ينتسب إلى عائلة سيرفيللي النبيلة التي أدت أروع ما تستطيعه عائلة لبلادها،.. وعندما وجه القاضي التهمة للغلام بأنه مسيحي، أجاب على الفور: هذا الاتهام يعد شرفاً لي. أنا مسيحي، وأعتبر نفسي سعيداً لأني أستطيع أن أعترف بذلك أمام هذا الجمع الغفير، وعندما قال له القاضي: أيها الولد الشقي: هل تعرف نوع التهمة الموجهة ضدك؟؟ أجاب: أنا متهم بغير جريمة، وإيماني يعلمني أن أخاف الله، وأخدم الامبراطور، وأطيع كل القوانين العادلة، وقد نفذت كل هذا بضمير صالح،.. قال له القاضي: إن جريمتك أنك مسيحي خائن للوطن، فأجاب: أنا مسيحي، ولكني لست خائناً للوطن، وإذ قال له القاضي: إن القانون يحرم الإيمان بالمسيح ومن يكسر هذا القانون عقابه الموت.. أجاب: أنا مسيحي.. قال القاضي: إذاً فعقابك الموت.. وقال الغلام: فليكن. حاولوا أن يثنوه بكافة الطرق، بالتهديد، والإغراء، ولكنه ثبت كالطود الراسخ ووضع الغلام أمام نمر جائع.. وتحول كتلة من العظام والدم!!.. ومات شجاعاً كأفضل ما يكون الإنسان في الشهادة المسيحية ولو غرق في بحر من دم!!.. شمجر والوسيلة الضعيفة هوجم شمجر بن عناة، ولم يكن يملك سلاحاً، فإن الفلسطينيين جردوا الشعب من كل سلاح، كان يرعى أبقاره، وكان يمسك بمنساس البقر، وكان المساس هو السلاح الوحيد الذي يحمله، ويمكن أن يستخدمه، ولم يتوان الرجل عن استخدام الوسيلة الهزيلة الضعيفة، التي قادته إلى النصر وإلى قيادة الأمة بأكملها،.. من الناس من هو على استعداد أن يحارب، ولكن بشرط أن يكون في يده السلاح المناسب، ولو أدرك الحقيقة أن السلاح المناسب، هو الذي بين يديه، مهما كان ضعيفاً أو ضئيلاً أو صغيراً،..عند الأمريكيين قصة صبي صغير اسمه لوقا فارنوم، وكان ولداً فقيراً أعرج، صبي حداد، وحدث ذات يوم أثنآء حرب الاستقلال، والصبي يقف أمام الدكان، وهو حزين لأنه لا يستطيع أن يذهب إلى المعركة لعجزه وضعفه، وإذا بجماعة من الفرسان تمر به، ويسألونه وقد تبينوا أن معلمه غير موجود، عما إذا كان يستطيع أن يضع حدوة للحصان، فأجاب بالإيجاب لأنه ساعد معلمه كثيراً في صنع الحدوات، وتركيبها،.. وقام بالعمل خير قيام، وقال له القائد: اعلم أيها الصغير أنك قمت بعمل في خدمة بلدك يساوي عمل عشرة جنود، وكان المتكلم هو الكولونيل وارنر الذي أرسل لنجدة معركة من أهم المعارك التي قلبت ميزان الحرب، ولم يكن يعلم الولد الصغير الأغنية القائلة: لما سقط المسمار ضاعت الحدوة لما ضاعت الحدوة ضاع الحصان لما ضاع الحصان ضاع الراكب لما ضاع الراكب ضاعت المعركة لما ضاعت المعركة ضاعت الدولة كل هذا حدث لما ضاع المسمار ليس الأمر أمر راعي البقر أو المنساس في يده، إذ أن الأمر أعظم من ذلك بما لا يقاس، إذ هو أمر الله الذي يمسك بالراعي والمنساس معاً، والله لابد أن يكون الأول والأخير في المعركة، وكرامته لا يعطيها لآخر، لو كان هناك شيء آخر مع موسى غير العصا، لربما التفت الناس إلى هذا الشيء، ولم يروا الله السيد المنتصر،.. ولو كان هناك شيء بيد داود غير المقلاع وحجارة الوادي الملس، في مواجهة جليات، لما ظهر الله، ولما استطاع الشاب القديم أن يقول للجبار: "أنت تأتي إليَّ بسيف ورمح وترس وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيرتم اليوم، هذا اليوم يحبسك الرب في يدي فأقتلك وأقطع رأسك..".. لم ير شمشون على مقربة منه -وهو يواجه الفلسطينيين- سوى لحي حمار كان سلاحه في قتل ألف منهم!!.. وهكذا يعمل الله في الآنية الضعيفة في كل العصور والأجيال أو كما قال أحدهم: "لا بالقدرة ولا بالقوة استطلع لوثر أن يواجه ثورة روما وقوتها ومقامها ويحقق الإصلاح،.. ولا بالقدرة ولا بالقوة استطاع وليم بوث أن يقابل الفقر والسخرية والهزء وينشيء جيش الخلاص العظيم.. ولا بالقدرة ولا بالقوة استطاع وليم لويد جارسون أن يهاجم -وهو أعزل- نظام الرق، ويطلق من عقالها القوة التي حررت آخر الأمر أربعة ملايين من العبيد" لقد أدهشت شجاعة وليم أورنج في تسليح الفلاحين في هولندا والفلاندرز ضد طغيان الملك فيليب وألفا الدموية، وإذ تساءل الملك الأسباني عمن يكون وراء هذه الحركة من حلفاء أو ملوك: أجاب وليم الشجاع: "إنك تسألني عما إذا كانت قد دخلت في حلف رسمي مع قوة أجنبية ألا فاعلم أني قبل أن أحمل على عاتقي قضية هذه الولايات المنكوبة قد دخلت في الحلف والعهد مع ملك الملوك ورب الأرباب".. ولقد فعل هذا من قبل شمجر بن عناة وهو يمسك منساس البقر، وتستطيع أنت وأنا أن نفعل، في مواجهة معارك الخطية والإثم والفساد والشر، ذات الشيء ونحن نغني أغنية بولس العظيمة: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني"..!!..
المزيد
23 أبريل 2022

عظة القديس أثناسيوس الرسولى باكر سبت الفرح

قد حان وقت العيد أيها الإخوة الأحباء، وهو وقتنا الحاضر هذا فإفرحوا فيه كل حين أيها الفرحون بالرب كما هو مكتوب وهو الآن يشير إلى كل أحد بواسطة من أرسله ليكرز به قائلاً يا يهوذا أصنع إعيادك وأوف نذورك، وقدم للرب ثمرة اعمالك كل سنة بنية طاهرة حسب ما أوصاك بها الرب. فكما أنه بآلات الفلاح تصعد ثمرات السنة فلنصعد ثمرة أعمالنا في كل سنة للرب كما أوصانا فلنثمر ثمراً مضاعفا إذ نشرب من يبنوع الحياة بثبوتنا في الرب كثبوت الأغصان في الكرمة إذ فلنسع إلى قدام ولا نخاف الذي قال احفظ الشهر الجديد لتصنع فيه فصح الرب إلهك، لأن فصح الرب ليس هو لإنسان بل للرب ومعنى ذلك أننا نترك عنا الأعمال القديمة ونتجدد بأعمال جديدة هذا الأمر الذي لما لم يتأمل فيه اليهود صاروا بلا عيد مع أنه قد قيل تصنع الفصح للرب إلهك فيعبر عنك شر المهلك. هذا وقد تحققنا أن هذه الوصية ليست بوصية بسيطة. بل هي مثال عمل كامل مختص بالله لأن العمل بالقول لا تزن ولا تسرق لا تشهد بالزور مع باقي الوصايا، هو لنا حصن منيع تحتمي فيه النفس فتعتبر بالسيرة المستقيمة وهو إكليل الانتصار للدعوة السماوية.
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل