المقالات

03 يناير 2023

ميلاد المسيح ارتقى بنا من الكبرياء إلى الاتضاع

كل عام وأنتم بخير.. بمناسبة العام الجديد وعيد الميلاد المجيد.. الرب قادر أن يبارك بلدنا المحبوب مصر وسائر الكرازة المرقسية بصلوات صاحب الغبطة والقداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وشركائه في الخدمة الرسولية آبائنا المطارنة والأساقفة آمين.في عيد الميلاد المجيد.. نتعلم دروسًا عديدة كل عام.. ونحن في هذا العام نتعلم درسًا هامًا وهو أن الميلاد كان سببًا في الارتقاء للبشرية كلها في عدة أمور منها:ارتقى بنا من الكبرياء إلى الاتضاع:حقًا ما أعجب ذلك.. آدم الإنسان أراد أن يكون إلهًا.. والمسيح الإله صار إنسانًا.. ما أصعب الكبرياء وما أتعبها.. إنها أسقطت الملاك العظيم وصيّرته شيطانًا.. وأضاعت بهاءه ومجده وعظمته.. فوُلِد الرب متضعًا لكي ما يعلمنا أنه بالاتضاع نصل إلى أعلى المستويات، وكل من اختارهم الرب وعمل معهم وبهم كانوا متضعين.حقًا سبحت العذراء الطاهرة القديسة مريم قائلة: «أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ» (لو1: 52، 53). لقد اختار الرب العذراء لأنها متضعة.. أظهرت هذا بكلامها وأعمالها..إذ قالت للملاك: «هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك»، وهكذا أيضًا خدمت أليصابات ثلاثة أشهر.. وعاشت تحفظ كل ما تراه متفكرة به في قلبها دون أن تحكي أو تروي.. وهكذا كان يوسف النجار الذي تلقبه الكنيسة "حارس الميلاد"، لم نعرف عنه الكثير ولا هو تكلم بما رآه أو سمعه.. وقد تحمل السفر الكثير المضني من أورشليم إلى بيت لحم إلى مصر إلى الناصرة..ونفس الحال مع يوحنا المعمدان الذي قال: لست أنا المسيح بل إني لست أهلًا أن أحل سيور حذائه.. ينبغي أن ذاك يزيد وأما أنا فأنقص.. من له العروس فهو العريس أما صديق العريس فيفرح.. وأنا فرحي قد كمل..وهكذا اختار الله تلاميذه أناسًا متواضعين.. عمل فيهم وبهم عملًا عظيمًا جدًا.. لم يستطع أحد أن يعمله.. إذ خرجت أصواتهم إلى الأرض كلها وبلغ كلامهم إلى أقطار المسكونة..وهكذا بميلاد المسيح علمنا كيف نتضع.. إذ هو العالي اتضع.. (آدم ارتفع فانسحق، المسيح انسحق فارتفع).. وُلِد كحقير في مذود للبقر.. لم يكن له مكان في البيت.. من أم يتيمة بلا أب.. لم تحتفل به الأرض ولكن احتفلت السماء. عاش حياته بلا مأوى.. ولا مكان يسند فيه رأسه.. وهو مالك السماء والأرض.. لم يحمل في جيبه مالًا وهو الغني وحده.. عاش فقيرًا مسكينًا.. ليعلمنا أن العظمة ليست في الغنى أو المسكن أو الملبس وإنما في الاتضاع والبساطة.. ليتنا نتعلم هذا الدرس من المسيح.. فلا نسعى وراء العظمة في شكل صراع على المادة والمقتنيات.. فإننا قد دخلنا العالم بلا شيء وسنخرج منه أيضًا بلا شيء. نيافة الحبر الجليل الأنبا تكلا اسقف دشنا
المزيد
07 يوليو 2022

شخصيات الكتاب المقدس صفنيا

صفنيا " اطلبوا البر. اطلبوا التواضع لعلكم تسترون فى يوم سخط الرب "" صف 2: 3 " مقدمة فى تقليد قديم، أن المسيح وهو خارج من مدينة أورشليم، سقط بصليبه أمام أحد البيوت هناك،... وخرج من البيت صاحبه ليصيح بكل قسوة فى وجه السيد: قم أعبر من هذا المكان!!.. ونظر إليه السيد متألما محزوناً وقال ّ: وأنت أيضاً ستعبر،... هذا هو اليهودى التائه فى كل العصور كما يصوره التقليد القديم، والذى لا يمكن أن يعرف الراحة أو يجدها ما لم يعد إلى السيد الذى رفضه وصلبه!!.. وسواء صحت هذه الرواية أم لم تصح،. فإن المؤكد أن مغزاها صحيح وسيبقى صحيحاً حتى يعود اليهودى مرة أخرى إلى يسوع المسيح!!.. إن النداء المشترك لجميع الأنبياء فى العهد القديم لليهود وغير اليهود، هو أن الخطية قاتلة ورهيبة ومدمرة، وأنه لا يمكن أن يفلت من عقابها مخلوق على ظهر هذه الأرض،.. وأن السبيل الوحيد لخلاص الإنسان منها هو الإيمان برحمة اللّه وحنانه وحبه، والعودة إليه بالتوبة الصادقة الكاملة،... وإذا كان بعض الأنبياء، قد ركزوا نبواتهم على الأمم الخاطئة فإن البعض الآخر كان أكثر تركيزاً على خطية اليهود وإثمهم وشرهم،.. وقد تناول صفنيا الاثنين. ولكن اهتمامه الأكبر كان بخطية يهوذا وأورشليم وأنه لا أمل أو رجاء للخلاص من يوم الغضب، يوم العقاب إلا بالتوبة والعودة إلى اللّه،... وقد مد الرجل بصرنا إلى اليوم الأخير، يوم الدينونة الأبدى الذى سيفرق تفرقة نهائية بين الأشرار والأبرار،... ولعلنا بعد ذلك نستطيع متابعة الرجل فيما يلى: صفنيا ومن هو لا يكاد يعرف الشراح ودارسو الكتاب شيئاً عن صفنيا النبى، خارج ما جاء فى سفره ونبوته، ومع ذلك فالعبارات التى ذكرت عنه، كافية لأن تكشف لنا شخصية عظيمة، لعلها كانت من أبرز وأعظم الشخصيات المعروفة فى عصرها، فنسبه يرجع فى الجيل الرابع إلى حزقيا الذى يرجح أغلب المفسرين أنه ملك يهوذا العظيم، ولذا فمن المعتقد أنه كان واحداً ممن جرى فيهم الدم الملكى، والاسم، صفنيا معناه: « الرب يخبئ » أو « الرب يحرس » ويشير إلى الشخص الذى يخبئه الرب ويحرسه فى يوم الخطر والدمار، وحيث أنه تنبأ فى أيام يوشيا الملك فمن المحتمل أن نبوته كانت بين عامى 639 - 608 ق. م، ومع أن أحداً لا يعلم على وجه التحقيق هل كانت نبوته قبل إصلاح يوشيا أم بعده، غير أنه معظم المفسرين المحدثين أمثال ديلتش وروبنسون وكيركبترك، يعتقدون أنه تنبأ قبل الإصلاح ومن المحتمل أن ذلك كان عام 625 ق. م. وعندما بدأ صفنيا نبوته كانت الأمة الأشورية قد أخذت فى التراجع والتقهقر، بعد أن بلغت قمة مجدها، أمام الكلدانيين الذين قاموا بغزواتهم الواسعة فى غرب آسيا، وابتدأ نجمهم يعلو ويرتفع ويسود بسرعة خاطفة وقوة مذهلة!!.. وأسلوب صفنيا يتميز بالصراحة والعنف والقوة والوضوح، ولئن كانت رسالته قد وجهت أولا إلى يهوذا وأورشليم، فإنها قد امتدت بعد ذلك إلى الأمم المجاورة، وأوغلت مع الزمن حتى بلغت يوم الرب الذى كان خراب أورشليم بمثابة رمز وظل ونبوة له... والبعض يقول إنه ربما لا يوجد فى الكتاب ما يعدل نبوته حزناً وألماً، وعلى أى حال فإن الرجل قد صور شناعة الخطية وعقاب اللّه لها، وكان أكثر الأنبياء والرسل فى الحديث عن يوم الرب، ويوم الرب إذا كان يشير مبدئياً إلى العقاب الذى ألم بأورشليم والممالك التى حولها، فإنه يرمز أساساً إلى اليوم الأبدى المخوف بين يدين اللّه المسكونة بالعدل والشعوب بالإستقامة، وحين يظهر الأرض من كل النجاسات والمفاسد، ويقيم العصر المجيد الذى تنزل فيه أورشليم السماوية من عند اللّه كعروس مزينة لرجلها!!.. وحين يحكم اللّه حكمه الأبدى فى المجد العتيد!!.. صفنيا وخطية يهوذا وأورشليم والممالك التى حولهما كان أساس الخطية - كما يفهمها صفنيا - الارتداد عن اللّه: « والمرتدين من وراء الرب » "صف 1: 6 " ومن الملاحظ أن هذا الارتداد جمع بين عبادة البعل، وعبادة اللّه، بين « الكماريم »، وهم الكهنة الذين يلبسون ثياباً سوداء فى خدمة البعل، وكهنة إسرائيل،... ولا مانع عند العابدين من عبادة النجوم والكواكب من فوق السطوح، وعبادة اللّه: والحلف باسم ملكوم،... والحلف باسم اللّه،... هذه الصورة تتحول فى كل العصور إلى ذلك الخلط الذى لا يبعد اللّه تماماً، محاولا أن يرضى النزعة الدينية التى لا يستطيع الإنسان أن يتخلى عنها إذ الأبدية فى قلبه، ولكن لا مانع من تحويل مجراها إلى الوثنية والخرافة والحماقة التى تتباعد عن اللّه وحقه وقصده ورغبته ومجده، ومن هنا نجد صفنيا يصف يهوذا وأورشليم بالأمة « التى لم تتقرب إلى إلهها » " صف 2: 2 "... ولعل ماكتبه اسبرجن هنا يعد من الروائع، إذ قال: « كثير من الصلوات لا تعتبر صلوات!!. يوجد كلام كثير عن الحق، وكلام كثير لما ينبغى أن نفعله، ولكن ليس هناك سؤال عن اللّه، وليس هناك ذهاب إلى المخدع، وبسط الأمور أمامه، وانتظار رحمته،... ليس هناك فكر عن اللّه لأن العقل ليس قريباً منه، والرغبات تتجه نحو آلاف الطرق المختلفة، لكنها لا تأتى إلى اللّه... ينبغى أن نفكر فيه، ينبغى أن نبحث عنه، ينبغى أن نأتى إليه، كما تأتى الفراخ الصغيرة، عندما يكون صقر فى الجو، وتسمع نداء أمها فتأتى لتحتمى تحت جناحيها، ينبغى أن نجرى إليه بالصلاة حتى يمكن أن نتحقق أنه « بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمى ترس ومجن حقه » " مز 91: 4 " إن مأساة أورشليم أن عقيدتها فى اللّه وصلت إلى الحد الذى كان فيه الناس يقولون بقلوبهم - وإن كانوا لا يذكرون ذلك بألسنتهم -: « إن الرب لا يحسن ولا يسئ » " صف 1: 12 " أو كأنما هو لا يهتم بالتفريق بين الخير والشر، والحق والباطل،... وأنه لا يتدخل ولا يبالى بما يحدث على الأرض، ومن المؤسف أن هذه هى الخطية التى نبصرها اليوم، فى أناس قد يكونون مسيحيين إسماً، وبينهم وبين نفوسهم، أن اللّه لا سلطان له ولا عمل بين البشر!!.. كانت مدينة أورشليم، وهى على هذه الحال، تظن أنها أفضل من غيرها، ولكن صفنيا يصفها بالقول: « ويل للمتمردة النجسة المدينة الجائرة »... " صف 3: 1 " أو فى لغة أخرى، هى المدينة الغارقة فى إثمها وشرها وشهواتها، الجامدة على دروبها أى الشبيهة بالخمر العكرة التى رسب عكارها، فلم تنتقل من إناء إلى إناء لتتنقى!!.. وليس هذا فحسب، بل أكثر من ذلك، أن القادة والرؤساء فى وسطها أشبه بالأسود الزائرة فى قسوتهم،... ولعل أقسى ما تصاب به أمة أن يكون رؤساؤها قسوة القلوب، غلاظ المشاعر،... أما القضاة، فقد كانت شراهتهم لا توصف، إذ كانوا أشبه بذئاب المساء التى تنقض على الفريسة لتأكلها لحماً وعظماً،... ولا تبقى منها شيئاً إلى الصباح،... ولنتصور عالماً يكون قضاته على هذا الوصف، فهل ينصح بعد ذلك، إلا ظلماً وفساداً وشراً وإثماً... أما الأنبياء فهم متفاخرون، أهل غدوات، والكلمة « متفاخرون » تعنى أنهم يتكلمون من أنفسهم، بدون رسالة من الله،... وبذلك يغدرون بالشعب، وما أشر أن ينطق النبى عن الهوى والخداع، إذ يعيش المجموع بذلك فى عالم من الأضاليل والأباطيل، أما الكهنة فهم منجسون إذهم نجسون بأعمالهم وتصرفاتهم، كما أنهم خالفوا الشريعة فى نظمها وفرائضها ووصاياها... وهل يرى اللّه هذا ويسكت وهو الإله العادل الذى لا يفعل ظلماً، ووشيكاً سيظهر حقه وعدله كالنور؟!!.. على أن اللّه، وقد صب سخطه على خطايا يهوذا وأورشليم، لا يمكن أن يترك خطايا الممالك والبلاد التى حولهما، … إن الخطية خطية فى نظر اللّه، سواء يرتكبها اليهودى أو الأممى، فإذا كان اللّه قد ابتدأ ببيته، « فالفاجر والخاطئ أين يظهران؟... " 1 بط 4: 18 ".. وهو هنا يندد بخطايا الفلسطينين فى مدنهم الرئيسية، غزة، وأشقلون، وأشدود، وعقرون، وساحل البحر، ويتحول إلى كبرياء الموآبين وبنى عمون، والكوشيين، وأشور - لأن اللّه لا يمكن أن يسكت على الشر أو يتهاون مع الإثم!!.. صفنيا والتوبة الصحيحة عندما قامت الحرب العالمية الأولى، فتح اللورد غراى " وكان وزير خارجية إنجلترا فى ذلك الوقت " النافذة، وصاح: « على الدنيا السلام »، وأخذ يسأل نفسه: ترى هل نهضت بريطانيا متأخرة أم ضاعت الفرصة؟! وربما سأل تشرشل نفسه هذا السؤال، وهو يتحدث فى الحرب العالمية الثانية عن العرق والدم والدموع!!... ولعل هذا السؤال كان فى ذهن يوشيا الملك وصفنيا النبى، وهما يواجهان خطية الأمة ووثنيتها وشرها وفسادها الذى وصل - كما يقولون - إلى النخاع، وكان السؤال: هل ثمة من رجاء؟!!.. لقد سارع يوشيا بالإصلاح، على النحو الذى استطاعه، وكان بطلا دون شك،... ولكن يبدو أنه جاء متأخراً، وربما كان عابس الوجه والحياة، وهو يقوم بالجهد فى اللحظات الأخيرة،... ولعل صفنيا كان يراقبه فى جهده الكبير، ولكن أغلب الظن أنه كان أكثر تشاؤماً،... فإذا كان الإثنان ينتسبان إلى الملك حزقيا،... فإنها المأساة القاسية، إن واحداً آخر من السبط الملكى، يرى أمته تتجه نحو الخراب بجنون دون أن يتمكن أحد من وقف الكارثة،... إن إصلاح الشعوب، لا ينبغى أن يتناول المظهر، ويهمل الحقيقة، ولا ينبغى أن يتعلل بالشكل، دون الجوهر، أو بالصور المادية دون الروح،... ولعل ما قاله صموئيل شوميكر، وهو يصف أمريكا فى كتابه: « كيف تصبح مسيحياً »، يوضح هذه الحقيقة إذ يقول: « يخيل إلى مرات كثيرة أن الحياة ضاعت من نفس أمريكا، فالحرية التى كانت يوماً غايتنا وشهوتنا، أضحت اليوم ملكنا وفسادنا،... ولابد أن يحدث شئ ثورى فى نفس الأمة، كما حدث فى البلاد التى اكتسحتها الشيوعية،... فإذا كانت هذه البلاد قد فرضت عليها الثورة من الخارج، فإننا ينبغى أن نصنع ثورتنا من الداخل،... ومن واجبنا أن نتبصر الشر الذى يجرى فى العالم، والروح الشريرة فى الشيوعية التى ترغب فى استعباد العالم،... ما هى وماذا تعنى!!؟ غير أننا لا ينبغى أن نقصر النظر على ذلك، بل علينا أن نعرف ماذا أصاب أمريكا من فساد واستباحة ومادية، ولا دينية تنخر فى عظام الأمة،... فالفساد من الداخل، والشيوعية من الخارج يمكن أن يدمرانا، ما لم نردعهما، إنهما يحملان معول التدمير، إنهما يعمياننا عن الحق، ويخدران شبابنا... وخط دفاعنا الأول عن أمريكا لا يمكن أن يكون بعيداً عن أخلاق وإيمان شعبنا »... وهذا يتفق مع ما قاله أمريكى آخر: « إن ما تحتاج إليه الشعوب هو ضمير جديد، ليس ذاك الذى يحاول أن يجد عذراً أو تبريراً لما تفعل، بل الذى يقرر المبادئ التى يلزم أن تنهجها قبل أن تفعل شيئاً،... فأغلب الشعوب - القديمة كيهوذا والحديثة كأمريكا - تعتقد أن ما تفعله دائماً هو الصحيح، وأن ما يفعله أعداؤها دائماً هو الخطأ، وهذا لا يمكن أن يكون الواقع والحق!!... وقد صلى أحد الأمريكيين قائلا: « أبانا السماوى، نحن نصلى أن تنقذنا من نفوسنا. فإن العالم الذى صنعته لنا لنعيش فيه بسلام، قد حولناه إلى معسكر مسلح، إذ نعيش فى خوف دائم من حرب قادمة... ونحن نخاف: « من سهم يطير فى النهار ومن وبأ يسلك فى الدجى ومن هلاك يفسد فى الظهيرة »... ردنا عن طريق أنانيتنا فقد كسرنا وصاياك وأنكرنا حقك، وتركنا مذابحك لنخدم الآلهة الكاذبة من المال والشهوة والقوة،... سامحنا، وساعدنا!!.. فالظلام يتجمع من حولنا ونحن حائرون فى مشورتنا، وإذ فقدنا الإيمان بك، فقدنا الإيمان بأنفسنا،... هبنا الحكمة جميعاً من كل لون أو جنس أو عقيدة، لنستعمل ثروتنا وقوتنا لمساعدة إخوتنا بدلا من تدميرهم، وساعدنا لنتمم مشيئتك كما فى السماء، ولنكون أهلا لوعدك بالسلام على الأرض، واملأنا بإيمان جديد، وقوة جديدة، وشجاعة جديدة لنكسب معركة السلام.. اللهم أسرع إلينا لإنقاذنا قبل أن يحل الظلام!! ».. لم تكن التوبة الصحيحة أيام صفنيا قائمة، ولأجل ذلك لم يتحدث عن عودة من السبى كغيره من الأنبياء، بل تحدث فقط عن بقية انتزع اللّه كبرياءها وتعديها،فأضحت شعباً مسكيناً بائساً يتوكل على الرب: « بقية إسرائيل لا يفعلون إثماً ولا يتكلمون بالكذب ولا يوجد فى أفواههم لسان غش » " صف 3: 13 " ومثل هؤلاء لن يتركهم اللّه، بل بالحرى يفيض عليهم بالبركات والإحسان، فلن يعودوا إلى الاضطراب والقلق والخوف، فاللّه سيكون لهم وفى وسطهم معطياً إياهم بركات التوبة، بركة الترنم والهتاف، بركة القوة فلا ترتخى أيديهم ولا تخور عزائمهم، بركة التعالى والسمو، فلن يكون بينهم متعثر ضعيف مكسور ذليل!!... إن الذين يتوكلون على اللّه لا يمكن أن يصب عليهم حكماً أو قضاء، أو يرسل عليهم من يضايقهم أو يتعبهم، كلا فقد نزع الرب، الأقضية عليك، أزال عدوك ».. " صف 3: 15 " أما الذين ذهبوا إلى السبى، وتاقت نفوسهم إلى بيت اللّه وهيكله، وكانوا محزونين، بل يحسون العار الذى جاء عليهم بسبب الخطية، فهؤلا يقول عنهم: « اجمع المحزونين على الموسم. كانوا منك. حاملين عليها العار » " صف 3: 18 " ويدعوهم إلى الفرح والبهجة والترنم!!.. لأن الرب عاد إليهم ويسكن فى وسطهم!!.. صفنيا ويوم الرب على أن الصورة الأخرى التى رسمها صفنيا عن يوم الرب، كانت صورة رهيبة مرعبة، أخذت شكلها الأول فى غزو الكلدانيين والذى كان مخيفاً إلى أبعد الحدود، وقد وقف هذا الغزو على أبواب أورشليم ويهوذا، على أبشع ما يمكن أن يتصوره الإنسان: « نزعاً أنزع الكل عن وجه الأرض يقول الرب. أنزع الإنسان والحيوان. أنزع طيور السماء وسمك البحر والمعاثر مع الأشرار، وأقطع الإنسان عن وجه الأرض يقول الرب. وأمد يدى على يهوذا وعلى كل سكان أورشليم ».. " صف 1: 2 - 4 "« قريب يوم الرب العظيم قريب وسريع جداً. صوت يوم الرب. يصرخ حينئذ الجبار مراً. ذلك اليوم يوم سخط، يوم ضيق وشدة، يوم خراب ودمار، يوم ظلام وقتام، يوم سحاب وضباب، يوم بوق وهتاف على المدن المحصنة وعلى الشرف الرفيعة، وأضايق الناس فيمشون كالعمى لأنهم أخطأوا إلى الرب فيسفح دمهم كالتراب ولحمهم كالجلة، لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع إنقاذهم فى يوم غضب الرب، بل بنار غيرته تؤكل الأرض كلها. لأنه يصنع فناء باغتاً لكل سكان الأرض!!.. » " صف 1: 14 - 18 " « لذلك فانتظرونى يقول الرب إلى يوم أقدم إلى السلب لأن حكمى هو بجمع لأمم وحشر الممالك لأصب عليهم سخطى كل حمو غضبى، لأنه بنار غيرتى تؤكل كل الأرض »... " صف 3: 8 ". ولعل من اللازم أن نشير هنا إلى أن ما تحدث به صفينا كان هو بعينه الذى تحدث عنه الرب يسوع المسيح فى الأصحاح الرابع والعشرين من إنجيل متى، والذى كانت فيه أورشليم وخرابها الرهيب القريب، رمزاً لذلك الخراب النهائى الشامل الذى سيلحق الأشرار فى اليوم الأخير،... وذكره الرسول بطرس فى قوله: « يعلم الرب أن ينفذ الأتقياء من التجربة ويحفظ الأثمة إلى يوم الدين معاقبين » " 2 بط 2: 9 "... وجاء فى رسالة يوحنا الأولى: « بهذا تكملت المحبة فينا أن يكون لنا ثقة فى يوم الدين لأنه كما هو فى هذا العالم هكذا نحن أيضاً " 1 يو 4: 17 " »... وفى سفر الرؤيا: « لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف » " رؤ 6: 17 ".. ولئن كان هذا اليوم يوم نجاة وسرور للمؤمنين، فما أرهبه وما أقساه على الأشرار! كما سبقت الإشارة فى وصفه، أو كما ذكر الرسول بولس فى رسالته إلى أهل تسالونيكى: « وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته فى نار لهيب معطيا نقمة للذين لا يعرفون اللّه والذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع المسيح الذين سيعاقبون بهلاك أبدى من وجه الرب ومن مجد قوته. متى جاء ليتمجد فى قديسيه ويتعجب منه فى جميع المؤمنين» " 2 تس 1: 7 - 10 ".. إن يوم الرب بالحقيقة إذا كان للأشرار قديماً أو حديثاً أو فى النهاية عقاباً وعذاباً وضياعاً، فهو للمؤمنين أغنية ومجد وسلام، أو كما قال المرنم فى المزمور الثامن والتسعين: « اهتفى للرب يا كل الأرض اهتفوا ورنموا وغنوا، رنموا للرب بعود. بعود وصوت نشيد. بالأبواق وصوت الصور اهتفوا قدام الملك الرب. ليعج البحر وملؤه المسكونة والساكنون فيها. الأنهار لتصفق بالأيادى، الجبال لترنم معاً، أمام الرب، لأنه جاء ليدين الأرض، يدين المسكونة بالعدل والشعوب بالإستقامة.
المزيد
10 يونيو 2022

بمناسبة اقتراب عيد حلول الروح القدس - غِنى الروح ومنفعة الآخرين

تتميّز عظات القديس مكاريوس الكبير، والملقّب باللابس الروح، بالتشبيهات الجميلة النابعة من خبرة شخصيّة حيّة مع الروح القدس..في هذا المقال، انتقيت لكم هذا التشبيه البديع، من العظة الثامنة عشرة.. والكلام يناسب جدًّا الكهنة والخُدّام والعاملين في حقل التعليم الروحي.. إذ يركِّز القديس مكاريوس في هذا التشبيه على أهمّية أن يغتني الإنسان بالروح أوّلًا، قبل أن يحاول أن يُطعِم الآخرين روحيًّا..!+ إذا كان إنسانٌ غنيٌّ يريد أن يصنع وليمةً فاخرة، فإنّه يصرف من ثروته والكنز الذي يملكه.. ولأنّه غنيٌّ جدًّا، فإنّه لا يخاف من عدم كفاية أمواله لتجهيز كلّ لوازم الوليمة. وهكذا فإنّه يُكرم الضيوف الذين دعاهم، ببذخٍ وأُبّهة، واضعًا أمامهم أنواعًا كثيرة من المأكولات وبأحدث أنواع التجهيز.+ وأمّا الفقير الذي ليس عنده مثل هذا الغِنَى، فإنّه إذا رغب في عمل وليمة لأصدقاء قليلين، فإنّه يضطرّ أن يستعير كلّ شيء، من الأواني والأطباق والمفارِش وكلّ شيء آخَر. وبعد ذلك حينما تنتهي الوليمة، ويخرُج المدعوّون، فإنّه يُعِيد كلّ الأشياء التي استعارها إلى أصحابها، سواء أطباق فِضّة أو مفارِش أو أي أشياءٍ أخرى.. وهكذا حينما يُرجِع كلّ شيء، يظلّ هو نفسُهُ فقيرًا وعريانًا إذ ليس له غِنى خاص يُعزِّي به نفسه.+ بنفس الطريقة، فإنّ أولئك الذين يكونون أغنياء بالروح القدس، الذين عندهم الغِنى السماوي حقًّا، وشركة الروح في داخل نفوسهم، فإنّهم حينما يكلّمون أحدًا بكلمة الحقّ أو حينما يتحدّثون بالأحاديث الروحانيّة، ويريدون أن يُعزّوا النفوس، فإنّهم يتكلّمون ويُخرِجون من غِناهم ومن كنزهم الخاص الذي يمتلكونه في داخل نفوسهم. ومن هذا الكنز يُعزّون ويُفرِّحون نفوس الذين يسمعون أحاديثهم. ولا يخافون أن ينضُب مَعينهم، لأنهم يملكون في داخلهم كنز الصلاح السماوي، لذلك يأخذون منه ليعزّوا ويفرِّحوا ضيوفهم الروحيّين.+ أمّا الفقير الذي لم يملك غِنّى المسيح، وليس عنده الغِنى الروحي في داخل نفسه، الذي هو ينبوع كلّ صلاح، سواء في الأقوال أو الأعمال أو الأفكار الإلهيّة والأسرار التي لا يُعبَّر عنها. فحتّى إذا أراد هذا الفقير أن يتكلّم بكلمة الحقّ، ويعزّي بعض سامعيه، بدون أن ينال في نفسه كلمة الله بالقوّة والحقّ، فإنّه يكرِّر من الذاكرة، ويقتبس فقط كلمات من أجزاء مختلفة من الكتاب المقدّس، أو مِمّا سمعه من الرجال الروحيّين، فيخبر ويعلّم بها الآخَرين.. وهكذا يَظهَر كأنّه يُعزّي ويُفَرِّح الآخرين، والآخَرون يبتهجون بما يُخبرهم، ولكن بعد أن ينتهي من الكلام تعود كلّ كلمة إلى مصدرها الأصلي الذي أُخِذَت منه، ويَبقى هذا الإنسان ويعود كما كان عريانًا وفقيرًا لأنّ ليس له كنزُ الروح الخاصّ به، ليأخُذ منه ويُعزِّي ويفرِّح الآخَرين، إذ أنّه هو نفسه لم يتعزّ أوّلًا ولا ابتهجَ بالروح.+ لهذا السبب ينبغي لنا أوّلًا أن نطلب من الله باجتهادِ قلبٍ وبإيمان، حتّى يهبنا أن نجد في قلوبنا هذا الغِنى، أي كنز المسيح الحقيقي بقوّة الروح القدس وفاعليّته. ولهذا فعندما نجد الرب أوّلًا في نفسنا، لمنفعتنا أي للخلاص والحياة الأبديّة، فحينئذِ يمكننا أن ننفع الآخَرين أيضًا إذ يصير هذا مُمكِنًا، لأننا نأخُذ من المسيح الذي هو الكنز الموجود في داخلنا، ونُخرِج منه كلّ الصلاح الذي للكلمات الروحانيّة، ونكشِف أمامهم أسرار السماء. القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
المزيد
13 يوليو 2022

مقياس الطول ومقياس العمق (روحانية العبادة)

أود في هذا المقال أن أحدثكم عن روحانية العبادة لكي يختبر الإنسان مقدار درجته في العبادة، هناك مقياسان: أما مقياس الطول، فهو مقدار الوقت الذي يقضيه الإنسان مع الله في كافة نواحي العبادة: في الصلاة، في التأمل، في الترتيل، في الألحان، في التسبيح، في القراءات الروحية في مقياس الطول لا أريد أن أحداثك عن الدرجات الروحية العالية لئلا تقع في اليأس. لا أريد أن أحدثك عن حياة الصلاة الدائمة فربما لا يكون هذا هو طريقك في الحياة، وقد تكون هذه من درجات النساك العابدين. ولا أريد أن أحدثك عن تدريب صلب العقل الذي سار فيه القديس مقاريوس الإسكندري، ولا عن حالات اختطاف الفكر، ولا عن تدريب خلط كل عمل من أعمال الحياة بالصلاة. ولا أريد أن أحدثك عن أمثال القديس أرسانيوس الذي كان يقف للصلاة وقت الغروب والشمس وراءه، ويظل واقفًا مصليًا حتى تطلع الشمس أمامه مقضيًا الليل كله في الصلاة.ولكني أحب أن أسألك كم تعطى الله من وقتك؟ وكم تعطى لأمور العالم من وقتك؟ وهل هي نسبة عادلة؟ وهل الوقت الذي تقضيه في العبادة كاف لغذاء روحك؟ هناك إنسان يزعم أنه يصلى كل يوم. وقد يكون مجموع صلواته في اليوم بضع دقائق، لا تشبع روحه ولا تشعره بالصلة بالله وقد يقف إنسان ليصلى، وسرعان ما يشعر بالسأم والملل، ويحب أن ينهى صلاته بأية طريقة كما لو كان عبئًا ثقيلًا عليه!! ذلك لأن قلبه جاف من الداخل ليست فيه محبة الله وقد يعتذر إنسان عن الصلاة بضيق الوقت. وقد يكون السبب الحقيقي هو عدم وجود الرغبة وليس عدم وجود الوقت! إن أكبر رد على مثل هذا الإنسان هو داود النبي الذي كان ملكًا، وقائدًا للجيش، ورب أسرة كبيرة جدًا، ومع ذلك نراه يصلى "عشية وباكر ووقت الظهر". ويقول لله: "سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك".. ولا يكتفي بالنهار بل يقول أيضا: "في نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك". ولا يكتفي بالليل بل يقول: "كنت أذكرك على فراشي، وفي أوقات الأسحار كنت أرتل لك". ولا ينهض فقط في وقت السحر بل يقول للرب: "سبقت عيناي وقت السحر، لأتلو في جميع أقوالك ومع كل صلوات الليل هذه، نراه يقول في شوق إلى الله: "يا الله أنت ألهي، إليك أبكر، عطشت نفسي إليك" وفى النهار يقول: "محبوب هو أسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" إنه مثل جميل، لرجل من رجال الصلاة، كان مشغولًا جدًا، وعليه مسئوليات وأعباء لا حصر لها، ومع ذلك نجح في عمل الصلاة، وضرب مثالًا رائعًا لمقياس الطول في العبادة.. فلا يصح إذن أن نعتذر بالمشغوليات. لأننا إن آمنا بأهمية أمر من الأمور، نستطيع أن نوجد له وقتًا. المشكلة إذن في عدم وجود الرغبة.وقد يكون السبب هو عدم الإحساس بالاحتياج إلى الصلاة.. مثال ذلك الشاب الذي زارني في إحدى المرات وقال لي: "إن شاء الله ستبدأ امتحاناتي يوم السبت، فأرجوك أن تذكرني في صلواتك يوم الأربعاء لأنها مادة صعبة". فقلت له: (وماذا عن امتحان يوم السبت؟). فأجاب: "إنها مادة سهله لا تحتاج إلى صلاة"..! نعم، ما أكثر تلك الأمور التي نراها لا تحتاج إلى صلاة.. إنها الثقة بالنفس أو بالظروف المحيطة أو ببعض المعونات البشرية، التي تجعلنا نشعر أننا لسنا في حاجة إلى صلاة.. كأننا ننتظر الوقت الذي يسمح فيه الله بضيقة أو مشكلة، وحينئذ فقط نصلى!! أعود إلى سؤالي: ماذا عن مقياس الطول في حياتك الروحية؟ وهل أنت من جهة وقت العبادة في نمو مستمر؟ أما عن مقياس العمق فهو حالة القلب أثناء العبادة.. فقد يصلى إنسان وقتًا طويلًا ولكن في غير عمق.. بصلوات سطحية أو بصلوات من العقل فقط أو من الشفتين وليست من القلب، أو بصلوات من عقل غير مركز يطيش أثناء الصلاة في العالميات..! إن مقياس العمق في الصلاة يجعلنا نسأل الأسئلة الآتية: هل صلواتك بحرارة؟ وهل هي بإيمان؟ وهل هي بحب وشوق نحو الله؟ وهل صلواتك في انسحاق وتواضع قلب؟ وهل هي في خشوع وهيبة شديدة لله؟ وهل هي في تركيز وجمع للعقل؟ وهل صلواتك تشعر فيها بالصلة الحقيقية أمام الله كما لو كان قائمًا أمامك تخاطبه وجهًا لوجه؟ وهل هي من القلب حقًا أم من الشفتين فقط؟ وهل تتكلم فيها مع الله بدالة وثقة؟ وهل أنت تجد لذة في صلاتك وتتمنى لو استمرت معك كل الوقت أم أنك تؤدى فرضًا لابد أن تؤديه؟ وهل صلواتك من أجل نفسك فقط أم من أجل الآخرين أيضًا؟ وهل صلاتك هي لله وحده أم فيها عناصر الرياء ومحبة الظهور أمام الناس إنها أسئلة كثيرة إن أجبت عليها تعرف مقدار العمق الذي لك في عبادتك.ويدخل في مقياس العمق نوعية الصلاة أيضًا.. فهل صلاتك مجرد طلب، أم فيها أيضًا عنصر الشكر، وعنصر التسبيح والتمجيد، وعنصر التوبة والانسحاق والاعتراف بالخطية ثم أيضًا هل صلاتك بفهم؟ هل تعنى كل كلمة تقولها لله؟ وهل تفهم معاني الألفاظ التي ترددها وبخاصة في الصلوات المحفوظة وفي المزامير؟ ويبقى بعد كل هذا أن نسأل: هل أنت حقًا تصلى؟ هل ينطبق عليك مقياس العمق؟ هل تشعر أن صلواتك قد وصلت فعلًا إلى الله؟ وهل تشعر أنه قبلها، وأنك مطمئنًا واثقًا أن الله سيعمل معك عملًا وهل في صلاتك تشعر أنك حفنة من تراب تحدث خالق الكون العظيم، فتقف أمامه في خشوع تشكره على الشرف الذي منحك إياه إذ سمح لك أن تقف أمامه إن قست نفسك بهذين المقياسين، مقياس الطول ومقياس العمق، ووجدت نفسك لم تبدأ بعد حياة العبادة، فنصيحتي لك أن تبدأ من الآن، وأن تحسن حالتك يومًا بعد يوم.. ولا تنهمك في أمور العالم الانهماك الذي يجفف قلبك ويقسي روحك ويجعلك تنظر إلى أمور العبادة بعدم اكتراث!! أيها القاري العزيز، ضع أمامك على الدوام قول السيد المسيح: "ماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟! أو ماذا يعطى عوضًا عن نفسه "؟!.. اهتم إذن بنفسك واحرص على أبديتك. ولتكن لك علاقة عميقة بالله. وان وجدت صعوبة في بداية الطريق فلا تيأس. وان حاربك الشيطان فقاومه، واثبت في عبادتك. وسيأتي الوقت الذي تذوق فيه جمال الحياة الروحية فتجدها شهية وممتعة، فتأسف على الأيام التي ضاعت عبثًا من حياتك. ابدأ في عمل الصلاة، وفي صلاتك اذكر ضعفي. وليكن الرب معك يقويك على عمل مرضاته.. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث من كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية
المزيد
15 أكتوبر 2022

إنجيل عشية الأحد الأول من شهر بابه

تتضمن وجوب الرجاء بالله دون سواه مرتبة علـى فصل اشباع الخمسة آلاف رجل من الخمسة ارغفـة ( مت 14 : ١٤-٢١ ) والسمكتين إن السيد المسيح له المجد لما سمع بقطـع رأس يوحنـا المعمـدان تـرك أورشليم وأتى إلى برية قريبة من بيت صيدا ليستريح مع تلاميذه انفـراد . فتبعتـه جموع كثيرة . فتحنن عليهم وعلمهم ثم شفى مرضاهم بدون أن يطلب منه ذلك . ولما صار المساء تقدم إليه تلاميذه قائلين : " الموضع خلاء والوقت قد مضـى . اصـرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاما . فقال لهم يسوع لا حاجة لـه ان يمضوا ... أعطوهم أنتم ليأكلوا .. وصنع لهم هذه الآية العظيمة التـى سـمعتم خبرها بفصل اليوم فأكل نحو أكثر من خمسة آلاف رجل مـاعدا النسـاء والاولاد وشبعوا . ورفع ما فضل عنهم اثنتا عشرة قفة مملوءة . وذلك مـن خمسـة أرغفـة وسمكتين مت ١٤ : ١٤-١٢. وهي أعجوبة عظيمة وبرهان مقنع على تحنن فادينا . وبـاعث قـوى لاحياء الثقة التامة داخل قلوب البشر وإلقاء رجائهم على الله دون سـواء . فالرجـاء ينشأ مع نشوء الانسان وهو طبيعي في قلوب البشر . الرجاء هو تعزيـة المريـض أثناء مرضه لانه يأمل الشفاء العاجل . تجد الرجاء في القلب النوتي عنـد مصادفـة أهوال البحار . فإنه يعلل نفسه بالرجاء لنجاته من الغرق . فلولا الرجـاء لمـا زرع زارع ارض ولا صنع صانع شيئا . لان كل الاشياء إنما تعمل على يقين فالرجاء هو الذي جعل هاتيك الجموع الكثيرة تمضى وراء السيد بدون زاد . لانـهم عرفوا أن القادر على شفائهم عن أمرضهم قادر أيضا على اشباعهم خبزا . الرجـاء هو تعزية الانسان في عالم الاتعاب والاحزان . وقد خلقه الله فينا ليكون هـو جلـت قدرته موضوع رجائنا . غير أن فريقا من الناس يلقـــون رجـاءهم علـى النـاس والاموال وما اشبه ذلك . فاسمع توبيخاته تعالى لامثال هؤلاء قال : " ماذا يصنع أيضـل لكرمي وأنا لم أصنعه له " أش ٤:٥ " وقال : " یا اورشلیم یا اورشلیم یا قاتلة الانبياء وراجمـة المرسلين اليها . كم مرة أردت أن اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخـهـا تحـت جناحيها ولم تريدوا " مت٢٧:٢٣ وقال أيضا : " ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا على " أش٢:١ وقال أيضا : " بسطت يدى طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صـالح وراء أفكاره " أش٢:٦٥ . وقال أيضا : " ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان ويجعل البشـر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه " ار٥:١٧ هذا بعض من أقواله تعالى . فلماذا لا نثق بها ونضع رجاءنا عليه ونــــذوق عذوبة خدمته قبل ان نذوق خدمة العالم ؟ لاسيما وهو يقول لنا بلســـان نبيـه داود : " ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب . طوبى للرجل المتوكل عليه "مز٨:٣٤ وإلا فقولوا لي بحقكم أي شئ لم يصنعه لنا إلهنا ليستميل قلوبنا إليـه . وهـا هو يتراءف على البشر بكل هيئة ويخاطبهم بأنواع كثيرة . أحيانـا كمبشـر يبشـر المساكين في كل مدينة . ويلقى الصلح والسلام . وأحيانا كسامرى يعـزى الحزانـى ويشفى المرضى ويسكن الامواج ويهدئ العواصف . وتارة كراع إذا وجـد خروفـا ضالا حمله على أكتافه وقال لاصدقائه افرحوا معي لاني وجدت خروفي الضال لو٥:١٥-٦وتارة كأب شفوق يعانق أولاده ويباركهم قـائلا : " دعـوا الأولاد يـأتون إلـى ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات " مت ١٤:١٦ فما بالنا نترك إلهنا الشفوق علينا ونلقى رجاءنا على بشر مثلنا مائتين . مـع علمنا اننا بفقدهم نفقد حمايتهم أيضا فتضيع علينا مصالحنـا . وربمـا يصيبنـا أذى من أعدائهم بسبب انتسابنا اليهم . وما الذي يمنعنا من استدراك خطايانا والعودة إلـى صوابنا فنلقى رجاءنا على إلهنا . ونتكل عليه دون سواه . عمـلا بقولـه تعـالى : " لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده " مز٣:١٤٦ و " طوبى لمن إلـه يعقوب معينه ورجاؤه على الرب إلهه " مز٥:١٤٦ ولنعد على اسماعكم ذكر بعض الحوادث لتعلموا أن إلـهنا رؤوف ورحيـم بعباده المتكلين عليه . وفي كل حين يعينهم ويجيب طلبتهم . قال الكتــاب المقـدس : " مرض حزقيا ملك أورشليم للموت . فجاء اليه اشعياء النبي وقال لـه . هكـذا قـال الرب أوص بيتك لانك تموت ولا تعيش . فوجه وجهه إلى الحائط وصلى إلى الـرب قائلا : آه يا رب أذكر كيف سرت أمامك بالامانة وبقلب سليم وفعلت الحسـن فـي عينيك . وبكى حزقيا بكاء عظيما . ولم يخرج إشعياء إلى المدينة الوسطى حتى كـان كلام الرب إليه قائلا أرجع وقل لحزقيا رئيس شعبي هكذا قال الرب إله داود أبيـك . قد سمعت صلاتك . قد رأيت دموعك . هأنذا أشفيك . في اليوم الثالث تصعد إلى بيـت الرب . وأزيد على أيامك خمس عشرة سنة وأنقذك من يد ملك أشور مع هذه المدينـة وأحامي عن هذه المدينة من أجل نفسي ومن أجل داود عبدی " ٢مل١:٢٠-٦ فها قد أثبتنا اليكم أيها الاحباء من موسى والانبياء وأخبار الملوك وجـوب القاء الرجاء على الله دون سواه . فسبيلنا أذن أن نتواضع تحت يده القوية لكي يرفعنا في حينه . ملقيـن كـل همنا عليه لأنه هو يعتني بنا لأننا بدونه لا نقدر أن نفعـل شـيئا يو٥:١٥ ولنتمسـك بإقرار الرجاء الموضوع أمامنا كمرساة أمينة للنفس وثابتة تدخل إلـى مـا دخـل الحجاب عب١٩:٦ . غير حائدين عن اعتراف رجائنا فإن الذي وعد هـو أميـن عب٢٣:١٠ . له المجد والاكرام والعزة والسجود إلى الأبد أمين . القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
22 يوليو 2022

بلد الحـب

" أرني ( يا الله ) بلد الحب لأتكلم عنه كما يستطيع ضعفي . أفرخ فـي يـارب نعمتـك برحمتـك لأتكلم عنها . ألهب قلوب محبيك فيخرجون في طلبها " . ( الشيخ الروحاني ) إذا إن كـان أحـد في المسيح فهـو خليقـة جـديـدة : الأشياء العتيقـة قـد مضـت ، هـوذا الكـل قـد صـار جـديـداً . ولـكـن الكـل مـن اللـه الـذي صـالحنا لنفسه بيسوع المسيح ، وأعطانا خـدمـة المصالحة ، أي إن اللـه كـان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه ، غير حاسـب لهـم خطاياهم ، وواضعاً فينـا كلمـة المصالحة . إذا نسعى كسفراء عن المسيح ، كأن الله يعظ بنا . نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله لأنه جعـل الـذي لـم يـعـرف خطيـة ، خطيـة لأجلنـا ، لنصير نحـن بـر اللـه فيه " ( ٢ كوه : ١٧ - ٢١ ) . في بداية رحلتك معي عزيزي القارئ خلال هذا الكتاب ، أود أن نتعـرف سوياً على مجموعـة مـن المبادئ الروحية الهامـة ... ولتعتبرهـا يـا صـديقي إرشادات الطريق في مسيرتك الروحية هيا سوياً لنخطو خطوتنا الأولى . أولا : ما هي الحياة الروحية بلد الحب : الحياة الروحية هي الإطار الـذي يجمع ثلاثـة محـاور هامـة : النعمـة وعملها ، الإنسان بتوازنه ، وأخيراً الكنيسة وأسـرارهـا . 1- النعمة وعملها:- عمل النعمة ، هو عمل دائم ومستمر ولا ينقطع ، ويظهـر عمـل النعمـة كلما كانت حياة الإنسان مملوءة ثمـراً ... وهناك قاعـدة روحيـة هامـة أود أن أوضحها لك ، وهي أن الله لا يريد من الإنسان سوى إرادته لتعمل نعمته فيه . وعمل النعمة بدوره يقود الإنسان لاختبار هام في الحياة الروحية وهـو معية المسيح . معي تأمل يا عزيزي ترتيلـة داود النبي : " إذا سرت في وادي ظل المـوت لا أخاف شرا ، لأنك أنت معي " ( مز ٢٣ : ٤ ) ، فعبارة " أنـت معـي " تعكـس شـعوراً داخلياً وإحساساً حقيقياً بوجود الله وعمل نعمته ... بل أن هذا الشعور هو قمة عمل النعمة . 2- الإنسان بتوازنه :- خلق الله للإنسان عقلاً وروحاً وجعله : عاقلاً ... عاملاً ... عابـداً ... ولكـن تـذكر يا صديقي أن التوازن هو الركيزة الأساسية لنجـاح هـذه المنظومة . أتسألني كيف يكون هذا التوازن ؟ ... أجيبك أن التوازن في حياة الإنسان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشبع الروحي ، فالعقل يتغذى بأعمال القراءة والمعرفة ، والروح تسمو بالعمل الروحي والشبع الشخصي بالمسيح . ولكي يتحقق هذا الشبع الروحي لا بد أن تكون للحياة الروحيـة قـوانين تنظمها ، فالحياة الروحية شيء محدد ، ولها شكل ونمو ومراحل وتدرج . بقي لنا المحور الثالث والأخير ، ألا وهو : 3- الكنيسة بأسرارها :- وهذه الأسرار توضع في ثلاث مجموعات رئيسية : أسرار لا تمارس إلا مرة واحدة : سـر المعمودية والميرون . أسـرار دائمة التكرار : سر الاعتراف والتناول ومسحة المرضى . أسـرار قد تمارس وقد لا تمارس : سر الزيجة والكهنوت . لك أن تعتبر أن الأسـرار الكنسية هي بمثابة حلقـة الربط بين عمـل النعمة والتوازن الإنساني ... والتي بدورها تقود إلى العمق في الحياة الروحية . أتسألني الآن : كيف أنمو في حياتي الروحية ؟ أود أن تعـي جيـداً أن النمـو الروحـي لـه عـدة قـوانين تنظمه وتضـمن تدرجه . إن إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجه الإنسان المسيحي ، هـي عـدم الاستمرار قد تبدأ نظاماً روحيـاً بحماس شديد ، ولكـن بعـد فتـرة قصيـرة يتسلل الفتور إلى قلبك !! لكن القانون الروحي الذي يضمن الاستمرار هو : " قليل دائـم خير من كثير متقطع " . فالقليـل الـدائـم هـو الـذي يجعـل حياتنا مستمرة ، فالمسيح لا يطلب منا الكم Quantity بل يطلب الكيف Quality نعم ... إن المسيح يريد منك الاستمرارية حتى ولو كانت آيـة واحـدة أو مزمور ، فالاستمرار هو الذي يعطي انطباعاً أنـك شخص ذو قلـب مستعد لسكنى المسيح فيه . أتذكر المرأة التي أعطت الفلسين ؟ قال عنها السيد المسيح ، انظروا كيف أعطت ؟ . بمعنى أنه نظر إلى الكيف وليس الكم فعلى الأقل في كـل يـوم ، اهـتم أن يكون هناك فقرة أو آية في الإنجيـل تقوم بقراءتها مع وقفة صلاة ، وليكن هذا أقل شيء ... لكـن كـن دائـم التطلع أيضاً نحو النمو والتدرج في حياتك الروحية . هذا عن الاستمرارية والتدرج ، أما عن الاعتدال يقول الآباء الذين اختبــروا الحياة الروحية : " الطريق الوسطى خلصت كثيرين " ، وإذا أردنا أن نعرف كلمـة " الاعتدال " يمكننا القـول : أنـه عـدم التطرف يميناً أو شـمالاً ، أو عـدم المبالغة ، أو هو التوازن . أيتبادر إلى ذهنك كيف أحقق الاعتدال في حياتي الروحية ؟ أُجيبك : يا عزيزي أن للحياة الروحية ثلاثة أعمدة رئيسية وهي : " أب روحي ... قانون روحي ... وسط روحي . فمن الخطأ أن يظن الإنسان أنه يستطيع أن يقـود نفسه بنفسه ، مهـما كانـت مكانتـه أو قامتـه الروحيـة كبيرة ، فالكنيسـة قائمـة عـلى الخضـوع . الأب البطريرك يخضع لمجمع الأساقفة ، والمجمع بدوره يخضع للأب البطريرك ، وهناك آباء كهنة وشمامسة والجميع تحت خضوع ، فليحـذر كـل مـن يظـن في نفسه ، أنه أصبح مدركاً لكل شيء ، ويدرك كل الأمور . الخضوع يا صديقي هو صمام الأمان في الحياة الروحية .. إنـه الضـمان الوحيد ، أن يحيا الإنسان تلميذاً في مدرسة التواضع . بقي لنا أن نتأمل سوياً في الحياة الروحية والتطبيق العملي . هناك ثلاثة تطبيقات ، تضعنا في دائرة الحياة الروحية عملياً . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد
22 مايو 2022

مفاعيل القيامة الجديدة

تتكلم الكنيسة اليوم عن مفاعيل القيامة الجديدة، التي بها نعيش بين عمل ربنا يسوع المسيح للمصالحة، التي قدمها علي الصليب كي نتصالح مع السماء، وبين المرحلة التي يأتي المسيح وتبدأ الحياة الأبدية. اليوم المسيح يقول إن كان هو النور، فنحن يجب علينا أن نكون أبناء النور، ويقول أمر محدد "سيروا في النور مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلام"، السير في النور هو السير حسب تدبيرربنا للبشرية، لم يخلقنا ظلمة، ولا كائنات ترابية تفني، ولكنه خلقنا نشبهه بتدبير ملامح إبنه ربنا يسوع المسيح.النور ليس مجرد مواقف، أحياناً نظن أننا نصنع الخير في مواقف معينة وهذا كفي، أو نصلي في أوقات معينه، ولكن المسيح الذي فينا كائن في داخلنا نتحد به في الأفخارستيا فنخرج في حالة إتحاد كامل، نراه في كل وقت فنعكس نوره، لذلك الحياة مع المسيح ليست مجرد مواقف، نضع رقعة جديدة علي ثوب قديم، السلوك كله عالم، ولنريح ضمائرنا نضع مزامير وصلاة، لكن النور ليس من الداخل، النور مجرد بعض الملامح ولكن المسيح ليس فينا.حينما تقابل المسيح مع الشاب الغني ـ كان يمتلك حالة من حالات الروحانية العاليةـ ركض وسجد للمسيح ، ثم صرح عما في داخله: ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية؟ فنظر إليه المسيح ووجده لا يريد أن يتغير، لا يريد أن يعيش كاملاً، هو لا يريد النور يريد فقط ذاته، فقال له: أذهب وبع كل أملاكك وتعال أتبعني، فمضي حزيناً ولم يطلب من المسيح القوة كما فعل التلاميذ، وهذا دليل أن الأموال كانت هي ذاته، لا يستطيع أن يتنازل، وكان تعليق المسيح " دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من دخول غني ملكوت السموات" ويقول ذهبي الفم: غني متكل علي أمواله، القضية ليست في المال، ولكن ما هي قيمتك.أتريد أن تعيش بنور المسيح أم بنور الأخرين؟ أتريد أن تكون كاملاً؟ وأحياناً تكون الإجابة بلا، لا أريد أن أكون كامل، أريد خليط بين العالم والمسيح وذاتي، ولكن لا أريد أن أخضع ذاتي كاملاً للمسيح، لأني لا أزال متمسك بالعتيق، لا أريد أن تختفي ملامحي كاملاً فيأتي المسيح لينير الطريق، لذلك أن اردت أن تكون إبن للنور يجب أن تترك الظلمة كاملاً.ما جعل إبراهيم أبو الأباء يحمل هذه القيمة العظيمة في العشرة مع الله، أنه ترك كل شئ، مارمتي ترك كل شئ وتبعه، لذلك أن اردت أن تكون مسيحياً فاقبل المسيح، وقبول المسيح معناه أن يومك وقراراتك ومشاعرك وعقلك وأفكارك كلها للمسيح " أن كنتم تحبونني فأحفظوا وصاياي" فآي وصية له هي نور.وأن كان الطريق صعب ولكنه لا يتركنا "أنا أطلب من الاب ليعطيكم معزياً يمكث معكم، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله ولا يراه ولا يعرفه"، الأمور ليست مجرد جهاد فردي، روح الله سيرشدك ويقودك إلي أماكن فيها عزاء وفرح، لذلك كل الذين لم يستطيعوا أن يحيوا مع المسيح هم الذين لم يحبوه، ولم يستطيعوا أن يحملوا النور في داخلهم، كانت لهم حسابات أخري غير المسيح. يقول باسكال فيلسوف مسيحي: "أني أحافظ علي شمعة حبي متقدة لله، لأنه إذا أنطفأت شمعتي فمن الذي يذيب الثلوج التي في داخلي"النور الذي فينا هو منه، لو لم نأخذه سنكون ظلمة، لذلك المعمودية هي خلع العتيق ولبس الجديد، هي النور الذي نأخذه، "لأن الناس أحبوا الظلمة أكثر من النور" أن أردت أن تكون مسيحياً فليكن المسيح هو الحياة هو الطريق هو الحق.لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
07 ديسمبر 2022

الله معنا

" هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً ويدعون إسمه عمانؤئيل الذي تفسيره الله معنا " ( مت1 : 23 ) " ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو إسمه عمانؤئيل " ( إش7 : 14 ) جميل هذا الإسم الذي دعي به السيد المسيح في مولده ، عمانؤئيل ، الله معنا إسم فيه الكثير من التعزية ، إذ فيه لكثير من حب الله لنا إن بركة عيد الميلاد هي هذه أن نشعر أن المسيح هو الله معنا ، الله في وسطنا ، ساكن معنا ، وساكن فينا الله في الحقيقية يحب البشر جداً ، مسرته في بني البشر . يحب أن يهب الإنسان لذة الوجود معه ، ويحب قلب الإنسان كمكان لسكناه منذ أن خلق الإنسان ، خلقه على صورته ومثاله . وأراد أن يجعله موضعاً لسكناه ، أراد أن يسكن في قلب الإنسان ويحل فيه . ومرت آلاف السنوات ، وإلهنا الصالح يحاول أن يجد له موضعاً في الإنسان ، ولكن الجميع كانوا قد زاغوا وفسدوا ، ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد لم يجد الرب في قلوبهم موضعاً يسند فيه رأسه فماذا عنك أنت أيها المبارك ؟ إن الله ينظر إلى قلبك ويقول " هذا هو موضع راحتي إلى أبد الأبد . ههنا أسكن لأني إشتهيته " ( مز132 : 14 ) . مسكن الله مع الناس : إن سكني الله مع الناس وفي وسطهم ، هي قصة قديمة . إنها قصة خيمة الإجتماع وتابوت العهد ، التي فيها نري الله يسكن وسط شعبه وكما أن سكني الله مع الناس دلالة خيمة الإجتماع ، هي أيضاً دلالة أورشليم السمائية في الأبدية ، التي قيل عنها " هوذا مسكن الله مع الناس . وهو سيسكن معهم . وهم يكونون له شعباً . الله نفسه يكون معهم " ( رؤ21 : 3 ) . وقد وضح هذا المعني بتشبيه أقوي في حبه : قال إنه الرأس ونحن الأعضاء ، وقال الرسول عنا ككنيسة إبناً " جسد المسيح " . ولعل مثل هذا التشبيه هو ما قصده الرب بقوله : " أنا الكرمة وأنتم الأغصان " ( يو15 : 5 ) ، وطلب منا أن نثبت فيه كما تثبت الأغصان في الكرمة ولعل هذا أيضاً هو جزء من الصلاة الطويلة التي صلاها في بستان جثسماني ، حيث قال عن تلاميذه : " أنا فيهم ، وأنت في ، ليكونوا مكملين إلى واحد " ( يو17 : 23 ) الله الذي حل في بطن العذراء لكي يأخذ منها جسداً ، يريد أن يحل في أحشائك لكي يملأك حباً ... إن أفضل مسكن لله هو فيك . الله لا يسر بالسماء مسكناً له ، بل هو واقف على بابك يقرع لكي تفتح له ( رؤ3 : 2 ) . وهو يعتبر جسدك هيكلاً لروحه القدوس ويسكن روح الله فيه ( 1كو3 : 16 ) . الله الذي بصر في الحاح أن يسكن فيك ، يخاطب نفسك الحبيبة إليه بتلك العبارات المؤثرة : " افتحي لي يا أختي يا حمامتي يا كاملتي ن فإن رأسي قد إمتلأ من الطل ، وقصصي من ندي الليل " ( نش5 : 2 ) . وتصور أن الله واقف طول هذه المدة يقرع على باباك محتملاً من أجلك الطل وندي الليل . سماؤه الحقيقية هي قلبك ، لذلك يطلب إليك على الدوام قائلاً " يا إبنى أعطني قلبك ... " ( أم23 : 26 ) وهكذا يقول الرب ها أنا معكم كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر " ( مت28 : 20 ) . ويقول أيضاً " إن إجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمي ، فهناك أكون في وسطهم " ( مت18 : 20 ) . ويظل الرب معنا في الأبدية التي لا تنتهي . وعن هذا الأمر قال للآب " أيها الآب ، أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي ، حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً " ( يو14 : 3 ) . وهكذا قال يوحنا الرائي عن أورشليم السمائية إنها " مسكن الله مع الناس " ( رؤ21 : 3 ) . هل إلى هذا الحد يارب ؟ نعم أنا أريد أن أسكن معكم ، وأحل فيكم . هل إلى هذا الحد يارب ؟ نعم أنا أريد أن أسكن معكم ، وأحل فيكم . أجد لذة في عشرتكم . أحب أن أكون في وسطكم أنا عمانؤئيل ، الله معكم إن بركة عيد الميلاد تتركز في عبارة (عمانؤئيل ) الله معنا فإن كنت يا أخي تحسن أنك مع الله ، والله معك ، تكون قد تمتعت فعلاً ببركة عيد الميلاد لا تظن أن عيد الميلاد هو اليوم الذي إنتهينا فيه من الصوم وبدأنا نفطر !! أو أن عيد الميلاد هو اليوم الذي عملنا فيه قداس العيد بطقوسه وألحانه الفرايحى عيد الميلاد من الناحية الروحية هو عشرة عمانؤئيل ، الذي هو الله معنا إن الله لا يريد منك شيئاً غير قلبك ليسكن فيه كل عبادتك وصلواتك هي مجرد عبادة خارجية ، إن لم يكن لله سكن داخل قلبك . الله يريد أن يقيم صداقة معك يقول الكتاب " وسار أخنوخ مع الله ، ولم يوجد لأن الله أخذه " ( تك5 : 24 ) . منظر جميل أن نتخيل أخنوخ وهو سائر مع الله . وشعور عميق كيف أن الله لم يكنه أن الله لم يمكنه الاستغناء عن أخنوخ ، فأخذه إليه إن بولس الرسول يشرح مجئ الرب الثاني على السحاب ، واختطافنا إليه ، فيختم هذا المشهد الجميل بقوله " وهكذا نكون كل حين مع الرب . لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام " ( 1تس4 : 17 ، 17 ) . وهنا على الأرض نلمح ملاحظة قوية في حياة القديسين وهي أن القديسين كانوا يشعرون دائماً بوجودهم في حضرة الله . كانوا يرونه معهم على الدوام ، أمامهم وعن يمينهم إنها عبارة متكررة على فم إيليا النبي إذ يقول " حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه " ( 1مل18 : 15 ) . من فينا شعر باستمرار أنه واقف أمام عمانؤئيل الذي هو الله معنا ؟ داود أيضاً كان يحس على الدوام بوجود الله معه إذ يقول " رأيت الرب أمامي في كل حين ، لأنه عن يميني فلا أتزعزع " ( مز16 : 8 ) . ما هذا يا داود ؟ هل الرب أمامك أم عن يمينك ؟ هو معي في كل حين وفي كل موضع ، وفي كل إتجاه أشعر بوجود الله إن الشخص الذي يشعر بأن الله أمامه ، لا يمكن أن يخطئ ، سيخجل حتماً من الله . ويقول " هوذا الله يراني وأنا أعمل ، هوذا الله يسمعني وأنا أتكلم ط . الله له عينان كلهيب نار تخترقان الظلام . فلو أننا شعرنا أن الله كائن معنا ، لكان من المستحيل علينا أن نخطئ . إن خطايانا دليل على أننا غير شاعرين بوجوده معنا هناك حادثة حدثت مع القديس مارأفرام السرياني تثبت هذا الأمر في إحدي المرات هددته إمرأة ساقطة أن تشهر به إن لم يطاوعها ويفعل الشر معها . فتظاهر بالموافقة على شرط أن يحدث ذلك في سوق المدينة . فاندهشت المرأة وقالت له[ كيف نفعل هذا في السوق ؟! ألا تستحي من الناس وهم حولنا ؟! ] فأجابها القديس [ إن كنت تستحين من الناس ، أفما تستحين من الله الذي عيناه تخترقان أستار الظلام ؟! ] . وكان لكلام القديس تأثيره العميق في المرأة فتابت على يديه هل تظن يا أخي أن الملحدين فقط هم الذين ينكرون وجود الله ؟! أؤكد لك أنك في كل ترتكبها تكون قد نسيت وجود الله أو أنكرته عملياً . لو كنت مؤمناً فعلاً بوجوده أمامك ، لخجلت وخشي لا شك أن إحساسنا بعمانؤئيل ـ الله معنا ـ يعطينا الطهارة والنقاوة والقداسة ، على الدوام وإحساسنا بوجود عمانؤئيل ، الله معنا ، يعطينا الشجاعة وعدم الخوف . لما بدأ يشوع خدمته ، قال له الرب " لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك . كما كنت مع موسى أكون معك ، لا أهملك ولا أتركك تشدد وتشجع ، لا ترهب ولا ترتعب ، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب " ( يش1 : 5 ، 9 ) الإنسان الذي يشعر بوجود الله ، يشعر بقوة عظيمة معه ، تزيل منه كل خوف وكل اضطراب ، وتهبه الثقة والاطمئنان ... واحد يسألك محرجاً ، فتخاف ، وتكذب ! لماذا تخاف ؟ إن الله معك لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك خطية الخوف هي خطية عدم إيمان ، عدم إيمان بعمانؤئيل ورعايته . كان داود شجاعاً . وكان يقول : " الرب نوري وخلاصي ممن أخاف " " وإن نزل على جيش فلن يخاف قلبي ، وإن قام على قتال ففي هذا أنا مطمئن " ( مز27 : 1 ، 3 ) " الرب عوني فلا أخشى ، ماذا يصنع بي الإنسان ؟ " ( مز11 : 6 ) . وفي هذه العبارات نلمح الفرق بين شجاعة القديسين وشجاعة أهل العالم . شجاعة أهل العالم سببها ثقتهم بقوتهم ، وشجاعة القديسين سببها ثقتهم بوجود عمانوئيل ، الله معهم ظهر الله لبولس الرسول في رؤيا بالليل وقال له " لا تخف ، بل تكلم ولا تسكت ، لأني أنا معك . ولا يقع بك أحد ليؤذيك " ( أع18: 10 ) القديس بولس أخذ هذه العبارة ، وعاش بها ، ممتلئاً من الإيمان قوة . وقف قدام ليساس الأمير ، وفيلكس الوالي ، وأمام العزيز فستوس وأغريبا الملك . ولم يستطع أحد منهم أن يؤذيه . بل على العكس خافوا منه لماذا خفتم أيها الملوك والأمراء من هذا الأسير المقيد بالسلاسل ؟ يجيبون لم نخف منه ، وإنما من الإله الذي معه ، من الرب الساكن فيه ... بولس هذا في شخصه نستطيع أن نقدر عليه . ولكن لا نقدر عليه عندما يقول " أحيا لا أنا ، بل المسيح الذي يحيا في " ( غل2 : 20 ) قبض ليساس الأمير على القديس بولس ، فماذا فعل به ؟ هل آذاه في شئ ؟ كلا . بل أعد قوة مسلحة تتكون من 200 عسكري ، و70 فارساً بقيصرية ( أع23 : 23 : 24 ) صحيح يارب ، أنت معنا . وقف القديس بولس أمام فيلكس " وينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون ، أرتعب فيلكس " ( أع24 : 25 ) إرتعب الوالي من أسيره المقيد ، من القوة العجيبة التي تخرج منه ، من الله الذي معه ، من عمانوئيل وقف القديس بولس الملك أغريباس ، فكانت النتيجة أن قال له الملك " بقليل تقنعني أن أصير مسيحياً " ( أع26 : 28 ) . وشهد عنه قائلاً : " إن هذا الإنسان ليس يفعل شيئاً يستحق الموت أو القيود " . هذه فكرة عن عمل عمانؤئيل إلهنا ، عندما يكون معنا ، ويحطم كل قوة أمام عبيده ، فلا يقع بهم أحد ليؤذيهم هذا هو عمانؤئيل الذي كان مع الثلاثة فتية في أتون النار " فلم تكن للنار قوة على أجسامهم ، وشعره من رؤوسهم ل تحترق ، وسروايلهم لم تتغير ، ورائحة النار لم تأت عليهم " ( دا3 : 27 ) ، حتى إنذهل نبوخذ نصر قائلاً : " ليس إله آخر يستطيع أن ينجي هكذا " ... قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
23 نوفمبر 2022

المحبة هي قمة الفضائل

المحبة هي الفضيلة الأولى بل هي جماع الفضائل كلها. وعندما سئل السيد المسيح عن الوصية العظمى في الناموس، قال إنها المحبة" تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك وتحب قريبك كنفسك" " وبهذا يتعلق الناموس كله والأنبياء"وقد جاء السيد المسيح إلى العالم لكي ينشر المحبة، المحبة الباذلة المعطية، محبة الله للناس، ومحبة الناس لله، ومحبة الناس بعضهم لبعض. وهكذا قال لرسله القديسين "بهذا يعلم الجميع أنكم تلاميذي، إن كان فيكم حب بعضكم نحو بعض" وبهذا علمنا أن نحب الله، ونحب الخير.. ونطيع الله من أجل محبتنا له، ومحبتنا لوصاياه تربطنا بالله علاقة الحب، لا علاقة الخوف. إن الخوف يربى عبيدًا، أما الحب فيربى الأبناء، وقد نبدأ علاقتنا مع الله بالمخافة ولكنها يجب أن تسمو وتتطور حتى تصل إلى درجة الحب، وعندئذ يزول الخوف وفى إحدى المرات قال القديس العظيم الأنبا انطونيوس لتلاميذه (يا أولادي، أنا لا أخاف الله). فلما تعجبوا قائلين (هذا الكلام صعب يا أبانا)، حينئذ أجابهم القديس بقوله (ذلك لأنني أحبه، والحب يطرح الخوف إلى خارج) والإنسان الذي يصل إلى محبة الله، لا تقوى عليه الخطية. يحاربه الشياطين من الخارج، وتتحطم كل سهامهم على صخرة محبته وقد قال الكتاب "المحبة لا تسقط أبدًا" وقال سليمان الحكيم في سفر النشيد "المحبة قوية كالموت مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة" ولذلك قال القديس أوغسطينوس (أحبب، وأفعل بعد ذلك ما تشاء)وقد بلغ من أهمية المحبة أنها سارت اسمًا لله فقد قيل في الكتاب المقدس "الله محبه، من يثبت في الله، والله فيه"إن المحبة هي قمة الفضائل جميعًا. هي أفضل من العلم، وأفضل جميع المواهب الروحية، وأفضل من الإيمان ومن الرجاء ولهذا قال بولس الرسول إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة، ولكن ليس لي محبة، فقد صرت نحاسًا يطن أو صنجًا يرن، وإن كانت لي نبوءة، وأعلم جميع الأسرار وكل علم، وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، وليست لي محبة، فلست شيئًا". "العلم ينفخ، والمحبة تبنى". إن الدين ليس ممارسات ولا شكليات ولا فروضًا، ولكنه حب وعلى قدر ما في قلب الإنسان من حب لله وحب للناس وحب للخير، هكذا يكون جزاؤه في اليوم الأخير إن الله لا تهمه أعمال الخير التي يفعلها الناس، إنما يهمه ما يوجد في تلك الأعمال من حب للخير ومن حب لله فهناك أشخاص يفعلون الخير ظاهرًا وليس من قلوبهم، وهناك أشخاص يفعلون الخير مجبرين من آخرين، أو بحكم القانون، أو خوفًا من الانتقام، أو خوفًا من العار، أو خجلًا من الناس وهناك أشخاص يفعلون الخير من أجل مجد ينالونه من الناس في صورة مديح أو إعجاب كل هؤلاء لا ينالون أجرًا إلا إن كان الحب هو دافعهم إلى الخير لذلك ينبغي أن نخطط بكل فضيلة بالحب، ونعالج كل أمر بالحب، يكون الحب دافعنا، ويكون الحب وسيلتنا، ويكون الحب غايتنا ونضع أمامنا قول الكتاب "لتصر كل أموركم في محبة". تدخل الحب في كل الفضائل: كما ينبغي أن يدخل الاتضاع في كل فضيلة لكي يحفظها من الزهو والخيلاء والمجد الباطل، كذلك ينبغي أن يدخل الحب في كل فضيلة لكي يعطيها عمقًا ومعنى وحرارة روحية ولنضرب لذلك بضعة أمثلة.. الصلاة مثلًا، هل هي مجرد حديث مع الله؟ إنها أكبر من ذلك، إنها اشتياق القلب لله، وهى تعبير عن الحب الداخلي لذلك قال داود النبي في مزاميره "يا الله أنت إلهي، عطشت نفسي إليك التحقت نفسي وراءك كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه، كذلك اشتاقت نفسي إليك يا الله محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي""وجدت كلامك كالشهد فأكلته" والذهاب إلى بيت الله، أهو نوع من العبادة، أم هو أيضًا حب؟ نسأل في هذا داود النبي، فيقول في مزاميره "مساكنك محبوبة، أيها الرب إله القوات. تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلى ديار الرب". "فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب" "واحدة طلبت من الرب، وإياها التمس، أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي..".ليست الصلاة فقط هي علاقة حب، ولا الذهاب إلى بيت الله فحسب، وإنما العبادة كلها.. إن العبادة ليست هي حركة الشفتين بل القلب، إنها حركة القلب نحو الله. إنها استبدال شهوة بشهوة: ترك لشهوة العالم، من أجل التعلق بشهوة الله كذلك خدمة الله، والسعي لخلاص أنفس الناس كلها أعمال حب الخادم هو الإنسان الذي يحب الناس، ويهتم بمصيرهم الأبدي، ويسعى إلى خلاص نفوسهم. إنه كالشمعة التي تذوب لكي تضئ للآخرين، يقول مع بولس الرسول "وددت لو أكون أنا نفسي مرفوضًا، من أجل أخوتي وأنسبائي حسب الجسد" "من يفتر وأنا لا ألتهب؟!" لذلك كل إنسان يخدم الله، عليه أن يتعلم الحب أولًا، قبل أن يخدم الناس فالناس يحتاجون إلى قلب واسع، يحس إحساسهم، ويشعر بهم ويتألم لآلامهم، ويفرح لأفراحهم، ويحتمل ضعفاتهم، ولا يحتقر سقطاتهم، بل أيضًا يحتاجون إلى قلب يحتمل جحودهم وصدودهم وعدم اكتراثهم. وبالحب نستطيع أن نربح الناس والإنسان الذي يعيش بالحب، عليه أن يحب الكل. إن القلب الضيق هو الذي يحب محبته فقط، أما القلب الواسع فيحب الجميع حتى أعداءه ولهذا قال السيد المسيح له المجد "أحبو أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" وأعطانا مثلًا وقدوة من الله نفسه الذي "يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين" لذلك علينا أن نحب الكل، ولا نضيق بأحد ونأخذ درسًا حتى من الطبيعة نتعلم من النهر الذي يعطى ماءه للكل، يشرب منه القديس، كما يشرب منه الخاطئ انظروا إلى الوردة كيف تعطى عبيرها لكل من يعبر بها، يتمتع برائحتها البار والفاسق، حتى الذي يقطفها، ويفركها بين يديه، تظل تمنحه عطرها حتى آخر لحظة من حياتها ليتنا نعيش معًا بالحب، وأقصد به الحب العملي، كما قال الكتاب "لا نحب باللسان ولا بالكلام، بل بالعمل والحق" لأن كثيرين قد يتحدثون عن الحب، وأعمالهم تكذبهم، هؤلاء الذين وبخهم الله بقوله "هذا الشعب يعبدني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عنى بعيدًا" وأهم ما في الحب هو البذل، وأعظم ما في البذل هو بذل الذات لذلك قال السيد المسيح "ليس حب أعظم من هذا، أن يبذل أحد نفسه عن أحبائه" فلنحب الناس جميعًا، لأن القلب الخالي من الحب، هو خال من عمل الله فيه، هو قلب لا يسكنه الله وإن لم نستطع أن نحب إيجابيًا فعلى الأقل لا نكره أحدًا فالقلب الذي توجد فيه الكراهية والحقد هو مسكن للشيطان إن لم نستطع أن نحب الناس، فعلى الأقل لا نكرههم، وإن لم نستطع أن ننفع الناس، فعلى الأقل لا نؤذيهم فليعطنا الله محب البشر، الذي أحب الكل في عمق، أن نحب بعضنا بعضًا، بالمحبة التي يسكبها الله في قلوبنا، له المجد الدائم إلى الأبد آمين. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل