المقالات

04 أكتوبر 2019

التعليم الكنسي

الكنيسة بصورة عامة هي أُمٌّ لنا جميعًا، لها الدور الأكبر كمُعلّمة ومُربّية ومُلهمة في مسيرة حياتنا الأرضية امتدادًا إلى السماء حيث النصيب الصالح. وهذا الدور التعليمي الذي تقوم به الكنيسة مُستمَد من المسيح المعلم الصالح Good Teacher، الذي كان يعلّم في المجامع (متى 4: 23)، وفي الهيكل (متى 21: 23)، وفي الأعياد (يوحنا 8: 20)، بل وكل يوم (متى 26: 55)، كما أجاب عن العديد من الأسئلة التي وُجِّهت إليه في مناسبات متنوعة. ولذلك لقّبه اليهود بلقب "رابي" أي معلم. وقد أخذ تعليمه عدة أوجه، فتارة يتكلم ويعلم ويتصرف كنبي، وتارة كمُفسِّر للشريعة التي جاء ليشرحها ويكملها (متى 5: 17)، كما أنه كان يعلم بسلطان (متى 13: 54)، وكان تعليمه مذهلاً للسامعيين (مرقس 1: 27)، كما أنه كان جديدًا إذ يخاطب القلوب والأعماق هادفًا إلى خلاص النفوس وتحريرها من الناموسيات والحرفيات والجمود الفكري والقساوة القلبية. وكثيرًا ما اصطدم بالعمى الإرادي عند أولئك الذين يدّعون أنهم يُبْصِرُونَ وهم لاَ يُبْصِرُونَ (يو 9: 39-41). والتعليم عملية مستمرة تشمل جوانب عديدة، وتبدأ في الأسرة التي هي الوحدة الأولى لبناء أي مجتمع سواء مدني أو ديني. وعملية التعليم يشترك فيها: الأسرة (المؤسسة التربوية الأولى)، والكنيسة (المؤسسة الروحية الأولى)، والمدرسة (المؤسسة المعرفية الأولى)، والأصدقاء (البيئة الاجتماعية الأولى)، والميديا (المؤسسة العالمية الأولى). ولأن التعليم الكنسي هو عمل الكنيسة الأساسي بين كل ما سبق من عناصر تشارك في بناء الإنسان وتعليمه وتربيته وتنشئته، لذا سوف أقصر حديثي عن الجوانب الرئيسية لمنظومة التعليم الكنسي وهي ثلاثية الأبعاد: المُعلّم – المنهج – المُتعلِّم. وسوف أحاول بنعمة المسيح الحديث في هذا المقال عن "المعلم" على أن استكمل باقي العناصر في مقالات قادمة. أولاً: المعلم وهو الإنسان الذي يقوم بالعملية التعليمية الواجبة، وليس كل إنسان صالحًا أن يكون معلمًا. المعلم يجب أن يكون شخصًا ذا مواصفات خاصة: معرفيًا – روحيًا – أخلاقيًا – كنسيًا – اجتماعيًا. ويجب أن تتوازن هذه العناصر في شخصيته ودراسته وتحصيله المعرفي، فمثلاً لا يكون على قدر عالٍ من المعرفة في أي مجال، وفي نفس الوقت سلوكه الأخلاقي أو الاجتماعي بعيد عن ذلك تمامًا. أو أن يكون كنسيًا وليس روحيًا تائبًا.. وهكذا. ويمكن أن نصف عدة مستويات في المعلم وكيف يكون: 1- القارئ: وهو الإنسان الذي يقرأ لنفسه أو لآخرين، ويثقّف ذاته سواء في القراءات الدينية بأنواعها أو الثقافية بأنواعها، وربما يكون له مكتبة صغيرة أو متوسطة، كما قد تكون قراءاته عابرة مثلًا في الصحف أو المجلات متنوعة الموضوعات أو على شبكة النت والتجوال بين المواقع دون قصد معين في هذه القراءة. 2- المدرس: وهو الذي له صلاحية التدريس ونقل المعرفة إلى الآخرين بوسائل تربوية سليمة، وينطبق هذا على خادم مدارس الأحد وفصول الشباب، وينطبق على الكاهن أو الأسقف بصور متدرّجة. وبالطبع يحتاج أن يكون قارئًا ودارسًا جيدًا، وقد تتلمذ على آخرين بصورة عميقة، سواء في الاجتماعات أو الدروس أو غير ذلك. 3- الواعظ: وهو الذي عنده مهارة مخاطبة الآخرين في كل المستويات التعليمية أو حتى أصحاب التعليم المحدود أو الغير موجود. وهو يملك معرفة اجتماعية وشعبية تناسب من يكلمهم. وكان في بدايات القرن العشرين عدد كبير من الوعاظ وأثروا الكنيسة جدًا، ولكن مع تنامي مراكز التعليم وظهور وسائل التكنولوجيا الحديثة، قلّ عددهم الآن وصار دورهم محدودًا، ربما في مناسبات الوفاة والعزاء فقط. 4- المحاضر: وهو الشخص صاحب خبرات متميزة في مجال ما، يأتي ليلقي محاضرات علمية عميقة في مجال معرفته، ويقدم هذه المعرفة بأسلوب متقدم معتمدًا على دراساته وأبحاثه وقراءاته الواسعة. 5- الباحث: وهو صاحب الأبحاث الدينية أو الكنسية أو العلمية، وقد حصل على أبحاثه شهادات الماجستير والدكتوراه، ويتميز بالدقة والأمانة العلمية، والتعمق في التحصيل الدراسي، ويمكن أن ينشر أبحاثه دون أن يكون لها آثار سلبية على سلام الكنيسة أو المجتمع، ويكون حكيمًا في كل ما يقوله. 6- المتأمّل: وهو الذي تعمّق وراء النصوص الدراسية سواء كتابية أو آبائية أو كنسية، وصار له تأملات متنوعة ومتوازنة تكشف أعماق الغنى الروحي فيها، وتقديم مثل هذه التأملات يشبع الروح والقلب، ويحتاجها الإنسان في فترات الخلوة والهدوء النفسي وفترات التوبة. 7- الكاتب: وهو الذي يستطيع أن يصيغ معرفته وقراءاته ودراساته في صورة مكتوبة بأسلوب رصين واضح، وليس كل إنسان عنده هذه الموهبة، ويجب أن يكون عارفًا بأصول الكتابة والنحو والصرف والأسلوب واللغة المناسبة. وعادة كل كتاب يقرأه مئات وآلاف من البشر، ويظل قائمًا وحاضرًا على الدوام. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
03 أكتوبر 2019

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سفر التكوين

1- بين اصحاح 1 : 2 " و كانت الارض خربة و خالية و على وجه الغمر ظلمة و روح الله يرف على وجه المياه. " وعدد 10" و دعا الله اليابسة ارضا و مجتمع المياه دعاه بحارا و راى الله ذلك انه حسن." ففى الاول يفهم من قوله (وكانت الارض خربه وخاليه) انه كانت ارض وخربت. وفى الثانى ان الارض خلقت حديثا. فنجيب ان كلمه (خربه وخاليه) فى العبرانيه (توهو ويوهو) اى قفرا وتشويشا. والايه الاولى (فى البدء خلق الله السموات والارض) المراد بها ان الله خلق الماده الاولى او عناصر الماده، وقوله (خربه وخاليه) اى ليس فيها شىء الا الماده وهى مشوشه لا نظام لها. 2- و بين اصحاح 1 : 3 "و قال الله ليكن نور فكان نور". وعدد 16" فعمل الله النورين العظيمين النور الاكبر لحكم النهار و النور الاصغر لحكم الليل و النجوم" ففى الاول قال الله (ليكن نور فكان نور) وذلك فى اليوم الاول. وفى اليوم الثانى قيل (فعمل الله النورين العظيمين) وذلك فى اليوم الرابع. فنجيب ان النور المكون فى اليوم الاول عباره عن الحراره التى اودعها الخالق للطبيعه لانتاج النباتات المبدعه فى اليوم الثالث قبل وجود الشمس وهو شىء ونور اليوم الرابع اخر مع عدم مراعاه وحده اسميها. فانها لا تؤخذ دليلا على وحده المسمى. يؤيد قولنا هذا ما جاء فى عدد 1 قوله: (فى البدء خلق الله السموات والارض). وقوله فى عدد 8 (ودعا الله الجلد سماء) فقد اختلف المسمى مع وحده الاسم فى الايتين اذ السماء فى الاول ى كنايه عن المخلوقات العلويه وفى الثانيه كنايه عن الجلد الفاصل بين مياه ومياه. كذلك ما جاء فى عدد 10 قوله: (ودعا الله اليابسه ارضا ومجتمع المياه دعاه بحارا) والارض فى عدد 1 يشار بها الى المياه واليابسه معا كذلك كان النور فى اليوم الاول وهو المجرى الكهربائى (وقد وردت اليها الاشاره فى اى 37: 2 و3) فى حاله ما. اما نور اليوم الرابع فهو النور الشمسى يخالف الاول فى كونه محيزا فى الجلد اما ذلك فمنتشر ببطن اليابسه والمياه. وفى كونه حاكما على النهار فقط اما ذلك ففى حاله ما يحكم النهار وفى اخرى يحكم الليل. وفى كونه مخلوقا كاعمال الايام السته اما ذاك فمبدع بكلمه (كن).اما من يقول ان نور اليوم الاول هو نور اليوم الرابع فقد اخطا. ويقول احد علماء اللغه العبرانيه: (ان اقل التفات الىالنص العبرى يفيد ان اللفظه المترجمه (انوارا)، فى عدد 14 – 19 هى بحروفها (ماوروت) ومفردها (ماور) واما اللفظه المترجمه (نور) فى عدد 3 – 5 فهى (اور) بدون ميم الاصاغه التى فى اول ماور. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
02 أكتوبر 2019

مفهوم القوة

طبعا القوة صفة محبوبة 0 وكل إنسان يحب أن يكون قويا 0 والمفروض فى أولاد الله أنهم أقوياء ولكى نتحدث عن مفهوم القوة ، نذكر النقط الآتية : 1- القوة صفة من صفات الله :- فى الثلاث تقديسات نقول ( قدوس الله القوى 00 ) وفى تسبحة البصخة نقول ( لك القوة والمجد) ونحن نختم الصلاة الربية بقولنا ( لأن لك الملك والقوة والمجد ) ( مت 6 : 12 ) وحينما تحدث الوحى الإلهى عن روح الله ، قال ( روح المشورة والقوة ) ( أش 11 : 2 ) وعملية الخلق ، وإقامة الموتى ، وكل المعجزات دليل على قوة الله ومادام الله قويا ، ونحن قد خلقنا على صورة الله ، وعلى شبهه ومثاله ( تك 1 : 27 ) إذن المفروض فينا أن نكون أقوياء 0 وهذا ينقلنا إلى النقطة الثانية وهى 2- الله قوى ، وهو أيضا مصدر كل قوة حقيقية :- ولذلك نردد فى تسبحة البصخة قول المرتل فى المزمور ( قوتى وتسبحتى هو الرب ، وقد صار لى خلاصا ) ( مز 118 : 14 ) ويقول المزمور أيضا ( أحبك يا الله قوتى ) وفى ترجمات أخرى ( أحبك يا الله يا قوتى ) ( مز 18 : 1 ) ولهذا يقول الوحى الإلهى فى سفر زكريا النبى ( لا بالقدرة ولا بالقوة ، بل بروحى قال رب الجنود ) ( زك 4 : 6 ) لهذا كله قال الكتاب ( اختار الله ضعفاء العالم ليخزى بهم الأقوياء ) 0 ( 1كو 1 : 27 ) فلماذا ؟ قال القديس بولس ( ليكون فضل القوة لله لا منا ) ( 2كو 4 : 7 ) ولكى يكون الله مصدر قوتنا ، ما أجمل أن نقول مع بولس الرسول ( أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى ) ( فى 4 : 13 ) نعم ، نحن نريد أن نكون أقوياء ، ولكن ليكن الله هو مصدر قوتنا 0 هو الذى يقوينا 0 لا نعتمد على قوتنا الخاصة ، بل على قوته هو 0 نقف أمامه كضعفاء ، لنأخذ القوة منه 0 أتذكر أننى كتبت مرة فى مذكرتى : ( قال الشيطان لله : اترك لى الأقوياء فإننى كفيل بهم0 أما الذين يشعرون بضعفهم ، فإنهم يلجأون إليك ، ويحاربوننى بالقوة التى يأخذونها منك ، فلا أقدر عليهم ) . مصادر القوة طبعا المصدر الرئيس هو الله وحده 0 وهكذا قال الرب لتلاميذه ( ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم ) ( أع 1 : 8 ) وقال بولس الرسول ( أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى ) ( فى 4 : 13 ) كل الأسباب التى يذكرها البعض : من جهة قوة الشخصية ، وقوة الفكر ، وقوة النفس ، وقوة الإدارة ، وقوة الروح 000 كلها من غير الله لا تأتى بنتيجة 0 لأن السيد الرب قد قال ( بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا ) ( يو 15 : 5 ) ولكن إذا دخلت قوة الله فى حياتك ، ستظهر إذن فى كل تلك الأمور 00 أطلب إذن القوة من الله ، لكى تغنى بتلك التسبحة الجميلة قوتى وتسبحتى هو الرب 0 وقد صار لى خلاصا ) ( مز 118 ) لهذا قد يستغرب البعض عندما يسمعون الرب يسوع يقول لتلاميذه ( من يؤمن بى فلأعمال التى أنا أعملها ، يعملها هو ، ويعمل أعظم منها ) ( يو 14 : 13 ) !! ولكن هناك فارق هام جوهرى وهو السيد المسيح يعمل المعجزات بقوته الذاتية أما المؤمنون فيعملون المعجزات بقوته هو 0 وقد تكون المعجزة عظيمة جدا ولكنها ليست بقوتهم هم ، إنما بقوة الرب العامل فيهم ، هذا الذى قال لهم ( بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئا ) ( يو 15 : 5 ) المفروض أن يكون أولاد الله الأقوياء ، ولكن على شرط أن يكون مصدر قوتهم هو الله نفسه 0 ولا يكونون أقوياء يعتمدون على قوتهم الخاصة أو يفتخرون بها هذا شرط أساسى فى قوة أولاد الله انظروا إلى داود : كان بلا شك أضعف من جليات الجبار المفتخر بقوته 0 كما كان ينسب كل القوة لله ، إذ قال لذلك الجبار ( أنت تأتى إلى بسيف ورمح وبترس ، وأنا آتى إليك باسم رب الجنود اليوم يحسبك الرب فى يدى لأن الحرب للرب ، وهو يدفعكم ليدنا ) ( 1صم 17 : 45 – 47 ) وهكذا انتصر داود على جليات 0 لأن جليات كان يحارب بقوته البشرية 0 أما داود فكان يحارب بقوة الله كذلك فإن الروحيين ، فى أعمالم ، ينسبون القوة إلى الله إن القديس بطرس ويوحنا ، لما أقاما الأعرج عند باب الجميل ، التف الناس حولهم مذهولين من المعجزة ، قال القديسان للشعب ( ما بالكم تتعجبون من هذا ؟! ولماذا تشخصون إلينا كأننا أو بتقوانا قد جعلنا هذا يمشى ؟! ) ( أع 3 : 12 ) ثم وجها أنظار الناس إلى السيد المسيح الذى صلبوه ( وبالإيمان باسمه ، شدد إسمه هذا الذى تنظرونه وأعطاه الصحة أمام جميعكم ) ( أع 3 : 16 ) الله قوته غير محدودة 0 والبشر أقوياء بالله وهناك فصل من رسالة القديس بولس الرسول نتلوه سيامة الرهبان ، نقول لهم فيه ( أخيرا يا أخوتى ، تقووا فى الرب ، وفى شدة قوته 0 البسوا سلاح الله الكامل ، لكى تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس ) ( أف 6 : 10 ، 11 ) وكأننا نقول لهم أنكم مقدمين على حرب مع الشيطان وجنوده تحتاج إلى قوة 0 وهذه القوة لابد أن تكون القوة الإلهية التى تقويكم ما هى إذن عناصر القوة التى يجب أن تتصفوا بها ؟ وللحديث بقية مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث عن كتاب عشرة مفاهيم
المزيد
01 أكتوبر 2019

المسيح في سفر التكوين

يتحدث العهد القديم بأكمله عن شخص ربنا يسوع المسيح بطريقة نبوية شفرية، فيستطيع الدارس المتأمل أن يكتشف المسيح بين كل سطور العهد القديم فلم تكن النبوات فقط تتحدث عن شخصه الإلهي، بل الأحداث والشخصيات والأسماء والتعبيرات أيضًا، ولا عجب، فنحن نعرف أن العهد القديم كان هدفه تهيئة الناس، وإعدادهم لاستقبال الله المتجسد في العهد الجديد.. لذلك نرى في العهد القديم الوعود والإشارات والشرح والوصف حتى لا يتوه الناس عن معرفة هذا الإله العظيم الذي سيتأنس في ملء الزمان. سفر التكوين: وسفر التكوين هو سفر البدايات: بداية الخليقة، بداية العلاقة مع الله، بداية الزواج، بداية السقوط، بداية الوعد بالخلاص، بداية الأنسال، بداية العائلات، بداية قصة شعب الله.. الخ.ولابد لنا أن نرى المسيح واضحًا في كل تلك البدايات. (1) المسيح الخالق:- المسيح هو كلمة الله.. والله خلق العالم بالكلمة "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب1: 3)، "كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس" (يو1: 3 ،4)، "الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل" (كو1: 17)، "الكل به وله قد خُلق" (كو1: 16)، "لأنك أنت خلقت كل الأشياء، وهي بإرادتك كائنة وخُلقت" (رؤ4: 11).قصة الخلق هذه دُونت بتفاصيلها في سفر التكوين.. وكان واضحًا جدًّا أن الله الآب خلق العالم بالابن الكلمة.. إذ قيل في كل قصة خلق جديدة: "قال الله..". + "وقال الله: ليكن نور، فكان نور" (تك1: 3). + "وقال الله: ليكن جَلَد في وسط المياه" (تك1: 6). + "وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء" (تك1: 9). + "وقال الله: لتُنبت الأرض" (تك1: 11). + "وقال الله: لتكن أنوار في جَلَد السماء" (تك1: 14). + "وقال الله: لتفضِ المياه زحافات" (تك1: 20). + "وقال الله: لتُخرج الأرض ذوات أنفس حية" (تك1: 24). + "وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26) واضح أن كل الخليقة تكوّنت بكلمة الله.. "بالإيمان نفهم أن العالمين أُتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكون ما يُرى مما هو ظاهر" (عب11: 3)، "السماوات كانت منذ القديم، والأرض بكلمة الله قائمة من الماء وبالماء" (2بط3: 5) والمسيح هو كلمة الآب، وتكلّم في سفر الأمثال عن نفسه قائلاً: "منذ الأزل مُسحت.. لما ثبّت السماوات كنت هناك أنا.. كنت عنده صانعًا.." (أم8: 22-31) كان المسيح منذ الأزل كائنًا، وفي بدء الزمان خالقًا، وفي ملء الزمان مخلصًا، وفي المجيء الثاني سيكون دائنًا. (2) صورة الله:- المسيح "الذي هو صورة الله" (2كو4: 4)، "الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة" (كو1: 15). وعندما خلق الله الإنسان أراد أن يخلقه على صورته ومثاله ما هي صورة الله؟.. إن الله الآب لا يُرى.. "الله لم يره أحد قط" (يو1: 18) المسيح الابن هو فقط الذي يُرى "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر" (يو1: 18). لذلك قال المسيح أيام تجسده: "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9). ففي أية صورة خلق الله الإنسان؟ إنه خلقه على صورة المسيح.. + من جهة الروح: خلق الله روح الإنسان روحًا بسيطًا مقدسًا حكيمًا عاقلاً حرًا مريدًا. + ومن جهة الجسد: خلق الله جسد الإنسان على شكل الجسد الذي سوف يتجسد به في ملء الزمان. فالمسيح هو الأصل ونحن الصورة لقد أتى متجسدًا آخذًا شكلنا الذي هو في الأصل على صورته. "لأن الذين سبق فعرَفَهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8: 29) والآن نحن في جهادنا المسيحي نسعى أن نسترد مرة أخرى بهاء صورة المسيح فينا بعد أن تشوهت صورة آدم وورثناها مشوهة وفاسدة.. "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح" (2كو3: 18)، "إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كو3: 9 ،10) وستتحقق بالحقيقة في الأبدية أن نلبس صورة المسيح بدون عيوب"وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1كو15: 49)، "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في3: 21)، "ولكن نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1يو3: 2). إذًا نلخص الفكرة كالتالي: + المسيح هو صورة الله غير المنظور. + الإنسان خُلق على شبه هذه الصورة. + هذه الصورة تشوهت فينا بسبب الخطية وفساد الطبيعة. + جاء المسيح صورة الآب الحقيقي ليعيد صياغة صورتنا لتكون على شكله مرة أخرى. + موضوع جهادنا الروحي الدائم أن ترتسم فينا ملامح صورة المسيح. + في الأبدية بالحقيقة ستنطبع فينا صورة المسيح ونكون مثله لأننا سنراه كما هو. (3) أول وعد:- كان السقوط في الجنة الأولى مأساة.. أفقدت الإنسان كل الامتيازات التي خصّه بها الله.. وصار الإنسان عريانًا مهانًا مخذولاً.. مطرودًا من وجه الله.. ولم يكن هناك بصيص أمل في استرداد المجد الأول والنعمة العظيمة التي تمتع بها آدم وحواء وفي وسط هذا الظلام الحالك.. أشرق نور عظيم بوعد مقدس: أن نسل المرأة يسحق رأس الحية: "وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة، وبين نسلِكِ ونسلها. هو يسحق رأسكِ، وأنتِ تسحقين عَقبه" (تك3: 15). من هو هذا النسل القادر أن يسحق رأس الشيطان؟ ظنت حواء أنه أول وُلد لها، فسمته قايين "وقالت: اقتنيت رجلاً من عند الرب" (تك4: 1). فرحت حواء بأول قنية، حاسبة أنه سيخلصها وزوجها من سم الحية.. ولكن للأسف كان قد لُدغ هو أيضًا وصار أول مجرم على وجه الأرض عندما اكتشفت حواء مبكرًا أن قايين ليس هو المخلص، أسمت ابنها الثاني هابيل أي (بسيط، نجار، زائل) لأنها أدركت أنه ليس هو أيضًا المخلص وكان على البشرية أن تنتظر أجيالاً كثيرة ليأتي "مخلِّص هو المسيح الرب" (لو2: 11)، متجسدًا ليس من حواء الأولى التي أخطأت.. بل من حواء الثانية الحقيقية القديسة الطاهرة مريم العذراء وكان هدف الله خلال هذه الأجيال الطويلة أن يرتقي بالبشرية ويهيئها ويُعدها للإيمان بتجسده.. ومع ذلك لم يؤمن الكثيرون.. وللآن أيضًا كثيرون لا يستطيعون أن يصدقوا أن الله تجسد. (4) أول ذبيحة:- "وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما" (تك3: 21). هذا الجلد الذي استخدمه الله في عمل أقمصة يستر بها عري آدم وحواء.. هو جلد حيوان ذبحه الله ليُعرّف الإنسان أن في ملء الزمان سيأتي الذبيح الأعظم ليموت عوضًا عن الإنسان وعرف آدم حينئذٍ أن طريقة التقدم إلى الله لابد أن يكون فيها ذبيحة دموية. وعرف كذلك أن هذه الذبيحة هي مجرد رمز وإشارة إلى المخلص الحقيقي ربنا يسوع المسيح ونتيجة هذه الذبيحة يصير للإنسان فداء وستر على خطيته كمثلما ستر الله عريهما بالجلد وهذا تحقق لنا بالحقيقة في شخص ربنا يسوع المسيح الذي تجسد ومات لأجل فدائنا "الذي فيه لنا الفداء بدمه، غفران الخطايا" (أف1: 7)، "وليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه، دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 12)هذا الفداء الذي تبررنا به أمام الله "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح" (رو3: 24). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
30 سبتمبر 2019

المسيحية والصليب

المسيحية والصليب هما أمران متلازمان ، وصنوان لا يفترقان .. فأينما وحينما يرى الصليب مرفوعا أو معلقا ، يدرك المرء أنه أمام مؤسسة مسيحية أو مؤمنين مسيحيين .. ولا عجب فالصليب هو شعار المسيحية ، بل هو قلبها وعمقها واعلان لعظمة محبة الله للبشر . فلقد تأسست المسيحية على أساس محبة الله المعلنة لنا بالفداء على الصليب ، وعندما نتكلم عن قوة الصليب لا نقصد قطعتى الخشب أو المعدن المتعامدتين ، بل نقصد الرب يسوع الذى علق ومات على الصليب عن حياة البشر جميعا ، والخلاص الذى أتمه ، وما صحبه من بركات مجانية ، نعم بها البشر قديما ، وما زالوا ينعمون ، وحتى نهاية الدهر ...والفكرة الشائعة عن الصليب أنه رمز للضيق والألم والمشقة والأحتمال .. لكن للصليب وجهين : وجه يعبر عن الفرح ، ووجه يعبر عن الألم . ونقصد بالأول ما يتصل بقوة قيامة المسيح ونصرته .. ونقصد بالثانى مواجهة الإنسان للضيقات والمشقات .. ويلزم المؤمن فى حياته أن يعيش الوجهين ،بالنسبة للمؤمن المسيحى ، فإن الصليب بهذه المفاهيم ، هو حياته وقوته وفضيلته ونصرته .. عليه يبنى إيمانه ، وبقوة من صلب عليه يتشدد وسط الضيقات وما أكثرها .. هذا ماقصده القديس بولس الرسول بقولـه : " ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع ، الذى من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب ، مستهينا بالخزى .. فتفكروا فى الذى احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا فى نفوسكم " ( عب 12 : 2 ، 3 ) . ملايين المؤمنين فى انحاء العالم عبر الأجيال حملوا الصليب بحب وفرح ، وأكملوا مسيرة طريق الجلجثة ، فاستحقوا أفراح القيامة ... هذا بينما عثر البعض فى الصليب ، وآخرون رفضوا حمله ، فألقوه عنهم . ولم يكن مسلك هؤلاء الرافضين سوى موتا إيمانيا وروحيا لهم " نحن نكرز بالمسيح مصلوبا ، لليهود عثرة ولليونانيين جهالة . وأما للمدعوين يهودا ويونانيين ، فبالمسيح قوة الله وحكمة الله " ( 1 كو 1 : 23 ، 24 ) . كيف حملت الكنيسة الصليب .. هناك مفاهيم كثيرة يمكن أن تدخل تحت عنوان " الكنيسة والصليب " الصليب لا يصف حقبة من حياة الكنيسة مضت وانتهت ، انه هو حاضر الكنيسة وحياتها ومستقبلها المعاصر لقد حملت الكنيسة الصليب واحتضنته وبه انتصرت على كل قوى الشر التى واجهتها وهذا هو نداء الرب يسوع المسيح للكنيسة بان تتبعه فتحمل صليبها كل يوم . ان الكنيسة تشهد للمصلوب والصليب وسط عالم وضع فى الشرير . عاشت الكنيسة ومؤمنيها كحملان بين ذئاب ففى إرسالية السبعين رسولا التدريبية ، حينما أرسلهم الرب يسوع أثنين أثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعا أن يأتى ، قال لهم " اذهبوا ، ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب " ( لوقا 10 : 3 ) .والحملان صورة للمؤمنين بالمسيح فى وداعتهم وبساطتهم .. أما الذئاب فرمز لأهل العالم فى غدرهم وشرهم .. طبيعة الكنيسة كما أسسها المسيح وكما يريدها دائما . إن الحمل صورة للرب يسوع الذى قيل عنه إنه لا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته ..صورة للمسيح الوديع الذى دعانا أن نتعلم منه الوداعة وتواضع القلب فنجد راحة لنفوسنا .. المسيح حمل الله الذى بلا عيب يدعو كل من يتبعونه أن يكونوا حملانا . هكذا يقدمهم للعالم . والعجيب ، أنه فى النهاية – كما يقول القديس أغسطينوس – حولت الحملان الذئاب وجعلت منهم حملانا ويعنى أغسطينوس بذلك الشعوب الوثنية التى آمنت بالمسيح وتغيرت طبيعتها بفضل هذه الحملان . متجردة من المقتنيات " لا تقتنوا ذهبا ولا فضةولا نحاسا فى مناطقكم ، ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا عصا " ( متى 10 : 9 ، 10 ) .." لا تحملوا شيئا للطريق " ( لوقا 9 : 3 ) ... هذا ما أوصى به السيد المسيح رسله وتلاميذه حينما أرسلهم فى إرساليات تدريبية .. لقد جردهم من كل شىء : من المال والطعام والثياب وحتى العصا التى يدافع بها عن نفسه فى الطريق الموحشة .. لقد جردهم من كل شىء ليكون هو لهم كل شىء . لا تحملوا شيئا للطريق : لأنه هو نفسه الطريق .. المسيح للنفس المؤمنة هو كل شىء .. هو غناها فمن التصق به وافتقر إلى شىء ؟ .. وهو غذاء النفس ، وكساؤها .. ألم يوصينا بولس الرسول أن نلبس الرب يسوع المسيح ( رو 13 : 14 ) . مشابهة لصورة ابن الله .. يصف القديس بولس الرسول أولئك الذين يحبون الله المدعوين حسب قصده أنهم " مشابهين صورة إبنه ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين " ( رومية 8 : 29 ) . .. وأحد أوجه الشبه مع ابن الله هو الألم ... يتنبأ إشعياء النبى عن السيد المسيح فيقول عنه أنه " رجل أوجاع ومختبر الحزن " ( إش 53 : 3 ) ... هذه صفة أصيلة فى المسيح المخلص . فلقد تجسد ابن الله من أجل فداء البشر ، والفداء استلزم الألم والصليب . وإن كان المسيح قد تألم ، فليس التلميذ أفضل من معلمه ، ولا العبد أفضل من سيده ( متى 10 : 24 ) . الصليب فى حياة المسيح : إن كان إشعياء النبى قد تنبأ عن المسيح أنه رجل أوجاع ومختبر الحزن ( إش 53 : 3 ) ، فإن هذه الآلام والأحزان لم تبدأ فى جثسيمانى ، بل بدأت منذ ولادته بالجسد ...لقد ولد الطفل يسوع وهو يحتضن الصليب ، وظل يحتضنه فى حب ويحمله حتى علق عليه عند الجلجثة .. ونحن وإن كنا نجهل معظم حياة الرب يسوع بالجسد حتى بدأ خدمته الكرازية فى سن الثلاثين ، لكننا نستطيع أن نتبين ملامح الصليب ونراها من خلال بعض المواقف . نرى الصليب فى مولده ، حينما ولد فى مذود للبهائم إذ لم يكن ليوسف ومريم موضع ( لو 2 : 7 ) ... نراه فى مذبحة أطفال بيت لحم ( متى 2 : 16 ، 17 ) ... وفى الهرب إلى مصر طفلا والتغرب بين ربوعها حتى مات هيرودس الملك الطاغية الذى كان يطلب نفس الصبى ليقتله ( متى 2 : 14 ، 20 ) . ويلخص بطرس الرسول مسلك المسيح واحتماله الآلام بقولـه " لأنكم لهذا دعيتم ، فإن المسيح أيضا تألم لأجلنا ، تاركا لنا مثالا لكى تتبعوا خطواته .. الذى لم يفعل خطية ولا وجد فى فمه مكر " (1 بطر 2 : 21 ، 22 ) .. قال رب المجد يسوع " إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى " ( متى 16 : 24 ) . وإن كان المسيح قد دعانا أن ننكر ذواتنا ، فلقد أنكر هو نفسه وأخفى لاهوته فى بعض المواقف ... فلقد أنكر نفسه حاملا الصليب حينما تقدم إلى يوحنا المعمدان كأحد الخطاة ليعتمد منه ( متى 3 : 13 ، لوقا 3 : 21 ) .. وأنكر نفسه فى تجربة إبليس له ( متى 4 : 1 – 10 ) ... وحينما قدم عظته على الجبل أفتتحها بتطويب المساكين بالروح والحزانى فى العالم ( متى 5 : 3، 4 ) ..كان المسيح يحتضن الصليب حينما شتم ولم يكن يشتم عوضا ، ولا يهدد ، بل كان يسلم لمن يقضى بعدل (1 بط 2 : 23 ) وحين أنكر اليهود بنوته لأبيه السماوى . ( يو 6 : 42 ) .وحين وجه اليهود إليه أقذع شتائمهم أنه سامرى وبه شيطان ( يو 8 : 48 ) ، وأنه لا يخرج الشياطين إلا بقوة بعلزبول رئيس الشياطين ( متى 12 : 24 ) ...وحينما أتهمه الفريسيون والكتبة أنه ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت ( يو 9 : 16 ، 5 : 18 ) ...وفى غيرها كثير جدا كان المسيح يحتضن الصليب . أما عن حتمية حمل كل مؤمن للصليب فقال :" من لا يأخذ صليبه ويتبعنى فلا يستحقنى . من وجد حياته يضيعها . ومن أضاع حياته من أجلى يجدها " ( متى 10 : 38 ، 39 ) .." إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى ، فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك نفسه من أجلى يجدها " ( متى 16 : 24 ، 25 ، لوقا 9 : 23 ، 24 ) ..." من لا يحمل صليبه ويأتى ورائى فلا يقدر أن يكون لى تلميذا " ( لو 14 : 27 ) . كمبدأ عام فى حياة المؤمنين قال المسيح " اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق " ( لو 13 : 24 ) ... " لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك ، وكثيرون هم الذين يدخلون منه . ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذى يؤدى إلى الحياة ، وقليلون هم الذين يجدونه " ( متى 7 : 13 : 14 ) ..أما عن تعليمه بخصوص الضيقات فقد قال :" فى العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " ( يو 16 : 33 ) تأتى ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله . وسيفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا الآب ولا عرفونى . لكنى قد كلمتكم بهذا حتى إذا جاءت الساعة تذكرون أنى أنا قلته لكم " ( يو 16 : 2 – 4 ) . " وسوف تسلمون من الوالدين والأخوة والأقرباء والأصدقاء ويقتلون منكم . وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمى . ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك . بصبركم اقتنوا أنفسكم " ( لو 21 : 16 – 19 ) . لكن لمن يحملون الصليب الوعد بالنصرة على الشيطان والعالم والتعزية والسلام الداخلى والدخول الى ملكوت السموات . تحت ظلال الصليب ايها الرب الاله الذى أحبنا وحبه خلاصنا من الموت بقوة التجسد والفداء على الصليب ، نشكرك على محبتك وخلاصك ونؤمن بابوتك وحنانك وفدائك المعلن لنا من خلال سر التجسد العجيب. ونعترف بقوة صليبك المعلنه لخلاصنا فيه وبه . ان كلمة الصليب عثرة للبعض وجهالة للبعض الأخر ، يرفضها الجهلاء غير عالمين عظمة المحبة المعلنه فى الصليب ان يموت البار من أجل خلاص الأثمة معلنا حبه للبشرية مريداً ان يحتضنها ويقدمنا قربانا لله ابيه . نعم بالصليب نؤمن وبالمصلوب ننادى وبه نهزم قوى الشر والشيطان والعالم . وبايماننا بالفداء سنصل للقيام من الخطية والضعف والحزن والفشل لنصل الى قوة القيامة . انت يا سيدى تعلن على الصليب تواضعك ومحبتك وفدائك ، تعلمنا كيف يبذل الحب نفسه من أجل أحبائه ، وكيف ننتصر على الذات والشهوات والشيطان فاعطانا يا سيد القوة لنقول للمسئين الينا { يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون } علمنى يارب ان أجاهد ضد الخطية وان أحمل صليبك بشجاعة وفرح لنصل الى ملكوتك السماوى ويستعلن لنا قوة الصليب والفداء. القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
29 سبتمبر 2019

المسيحية ومفهوم الصليب

مَنْ ينظر إلى الصليب يجد أنه صديق مُلازم للمسيحية فهو والمسيحية صنوان لا يفترقان فكل منَّا عندما يرى أي مبنى يرتفع عليه الصليب يعرف جيدًا أن هذا المبنى يتبع المسيحيين فأصبح الصليب هو: علامة المسيحية هذه العلامة (علامة الخلاص) تحولت عن طريق موت السيد المسيح عليها وسفكه دمه الطاهر من علامة لعنة وازدراء إلى علامة نصرة وافتخار فنحن المسيحيين نفتخر بالصليب، وهو العلامة المميزة لنا في حياتنا، وأكبر شهادة على مسيحيتنا نلبسه على صدورنا. ندقه على أيدينا. يمسكه الكاهن في يده، ويرتديه على صدره. وهذا كله تعبيرًا منَّا على جنديتنا للسيد المسيح، وخضوعنا له، وافتخارنا بالأداة التي مات بها فتحول الصليب من علامة ضعف إلى علامة قوة ونصرة لقد تأسست المسيحية على أساس الصليب، ولا نقصد هنا الصليب الخشبي (قطعتي الخشب المتقاطعتين) بل نقصد ربنا يسوع المسيح مخلصنا الصالح الذي عُلق ومات على الصليب من أجل خلاص العالم كله فالخلاص الذي قدمه السيد المسيح على الصليب قُدِّم للكل لكل مَنْ يستفاد منه عن طريق دخوله من الباب (المعمودية باب الأسرار)، وتمتعه بباقي أسرار الكنيسة، وفى النهاية يكون مرتبط بالجسد والدم (سر الإفخارستيا تاج الأسرار)"لأنَّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ، لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ" (يو3: 16) ومن الأفكار الشائعة المتوارثة بين الناس أن الصليب هو رمز للضيق والألم والمشقة والاحتمال، ويسئ البعض فهم هذا الاحتمال فالبعض يسيء التصرف وينحرف بسلوكه في بعض التصرفات، وعندما توجه له أي إهانة أو ملامة يلقى بالتبعية على الصليب ويقول مفتخرًا لأني مسيحي فأنا مضطهد إنسان يسلك سلوكًا منحرفًا في عمله ويكون النتيجة أنه تعرض للمساءلة القانونية فبدلًا من أن يرجع عن خطأه يقول لأني مسيحي فقد أوقعوني في هذا الخطأ، وأخذت عقوبة شديدة بسبب مسيحيتي لازم أحمل الصليب هذا الصليب الذي يتخيله البعض أنه يحمله أو يقتنع أنه سوف يكون له سبب بركة أو إكليل يكون صليب وهم لا يؤدي إلى المسيح ولا إلى السماء كذلك اختيارات الشباب الخاطئة من ناحية الارتباط عندما يكون الارتباط بسبب الإعجاب بالجمال الجسدي، وسرعان ما ينحل هذا الجمال وتظهر الطباع السيئة فنجد أحد الطرفين يقول هذا صليبي لابد أن أحمله فيحول الإنسان حياته بإرادته أن يحول الصليب في حياته إلى ضيق وألم وحزن ومشقة ولكن على النقيض الوجه الآخر للصليب وهو الوجه المُعبِّر عن الفرح، وهو ما نقصد به التمتع بقوة القيامة ونصرة السيد المسيح على الموت وسحقه للشيطان العدو الشرير وهنا ارتبطت المسيحية بالصليب علامة النصرة والافتخارأما بالنسبة لنا نحن المؤمنين أصبح مفهوم الصليب يحمل الوجهين، وعلى المؤمن أن يختبر الحياتين، ويتمتع بهم (الألم والحزن والفرح والنصرة) فيصبح الصليب هو تعبير عن حياته وقوته ونصرته فنحن ننظر إلى السيد المسيح المصلوب نقول له: "لك القوة والمجد والبركة والعزة يا عمانوئيل إلهنا وملكنا" ونسجد أمام الصليب ونقول: "السلام للصليب علامة الخلاص""السلام للصليب علامة النصرة والغلبة"ونقول: "يا ربى يسوع المسيح يا مَنْ صُلبت على عود الصليب اسحق الشيطان تحت أقدامنا"فعلى الصليب يُبنى إيماننا بقوة مَنْ صُلب عليه فيتشدد الإنسان في وسط ضيقاته، فيصرخ المؤمن مع بولس الرسول قائلًا: "ناظِرينَ إلَى رَئيسِ الإيمانِ ومُكَمّلِهِ يَسوعَ، الذي مِنْ أجلِ السُّرورِ المَوْضوعِ أمامَهُ، احتَمَلَ الصَّليبَ مُستَهينًا بالخِزيِ فتَفَكَّروا في الذي احتَمَلَ مِنَ الخُطاةِ مُقاوَمَةً لنَفسِهِ مِثلَ هذِهِ لِئلا تكِلّوا وتخوروا في نُفوسِكُمْ" (عب12: 2-3). وعلى أثر ذلك نجد ملايين من البشر في جميع أنحاء العالم حملوا الصليب بفرح وحب وافتخار، فتحولت حياتهم إلى محبة للجميع، وفرح بالسيد المسيح الذي فيهم الذي يعطيهم قوة فوق قوة ونعمة فوق نعمة وعاشوا في سلام مع الكل "إذا أرضَتِ الربَّ طُرُقُ إنسانٍ، جَعَلَ أعداءَهُ أيضًا يُسالِمونَهُ" (أم16: 7)، وتمتعوا بأعمق ثلاث ثمرات الروح القدس "وأمّا ثَمَرُ الرّوحِ فهو: مَحَبَّةٌ، فرَحٌ، سلامٌ" (غل5: 22-23). وبذلك أكملوا مسيرة حياتهم إلى طريق الجلجثة، ولذلك استحقوا أن يتمتعوا بأفراح القيامة المقدسة ولكن مع ذلك كله نجد البعض عثروا في الصليب، فتحول الصليب عندهم إلى عثرة، يصطدموا فيها ونظروا إليه أنه معوق لحياتهم (هؤلاء مَنْ يريدون أن يعيشوا في حياة الخطية المستمرة، ولا يريدون أن يرجعوا إلى الله ويتوبوا نظروا للصليب واعثروا فيه) بل البعض رفض الصليب (هؤلاء مَنْ رفضوا الإيمان نهائيًا)، فأصبح الصليب بالنسبة لهم دينونة وليس خلاصًا حزنًا وليس فرحًا معوقًا وليس طريقًا سهلًا.. لأنهم رفضوا الخلاص المقدس لهم "دم السيد المسيح المسفوك على عود الصليب"فرفضوا الإيمان بكل ما فيه من أسرار وجهاد وتوبة وانسحاق ونقاوة قلب وكل شيء فتحول الصليب لهم عثرة وجهالة، كما قال لنا معلمنا بولس: "نَحنُ نَكرِزُ بالمَسيحِ مَصلوبًا: لليَهودِ عَثرَةً، ولليونانيينَ جَهالَةً! وأمّا للمَدعوينَ: يَهودًا ويونانيينَ، فبالمَسيحِ قوَّةِ اللهِ وحِكمَةِ اللهِ" (1كو1: 23-24) نحن اليوم نسجد أمام صليبك أيها المسيح إلهنا ونصرخ ونقول.. يا مَنْ صلبت على عود الصليب اسحق الشيطان تحت أقدامنا.. محتمين في صليبك.. متمتعين بخلاصك المجاني ودمك الإلهي الكريم الذي سفك على عود الصليب، ونتناوله كل يوم في سر الإفخارستيا جسد حقيقي ودم حقيقي لعمانوئيل إلهنا إلهنا الصالح يعطينا أن نفهم ونعي كيف يكون الصليب في حياتي علامة فخر وقوة لكي يتمجد اسمه القدوس في حياتنا كل يوم ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين. الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد
28 سبتمبر 2019

تذكار الإحتفال بالصليب المجيد بكنيسة القيامة سنة 43 ش في عهد الملك قسطنطين البار

نعيد في هذا اليوم بتذكار ظهور الصليب المجيد الذي لمخلصنا يسوع المسيح . هذا الذي أظهرته الملكة المحبة للمسيح القديسة هيلانة أم قسطنطين من تحت كوم الجلجثة الذي أمرت بإزالته ، أما سبب وجود هذا الكوم فهو أنه لما رأى رؤساء اليهود كثرة العجائب التي تظهر من قبر المخلص من إقامة الموتى وإبراء المقعدين ، غضبوا ونادوا في جميع اليهودية وأورشليم " كل من كنس داره أو كان عنده تراب ، فلا يلقيه إلا على مقبرة يسوع الناصري" ، واستمر الحال على ذلك أكثر من مائتي سنة حتى صار كوما عظيما . ولما حضرت القديسة هيلانة وسألت اليهود عن موضع الصليب لم يفيدوها . وأخيرا أرشدها بعضهم عن رجل يهودي مسن يسمى يهوذا يعرف مكانه ، فاستدعته فأنكر أولا ، ولما شددت عليه اعلمها مكان الكوم . فأزالته وأخرجت منه الصليب المقدس وبنت كنيسة وكرست عيد له في السابع عشر من شهر توت . وصارت الشعوب المسيحية تحج إليها مثل عيد القيامة . واتفق ان كان إنسان مسافرا هو وجماعته مع الشعب إلى أورشليم يدعى إسحق السامري ، هذا كان يبكت الناس على تكبدهم المتاعب في الذهاب إلى أورشليم .ليسجدوا لخشبه . وكان مع الشعب قسا يسمى أوخيدس ، وفيما هم سائرون في الطريق عطشوا ، ولم يجدوا ماء فأتوا إلى بئر فوجدوا ماءها نتنا مرا ، فضاق صدر الشعب جدا . وابتدأ إسحق السامري يهزأ بهم ويقول ان أنا شاهدت قوة باسم الصليب! آمنت بالمسيح . فغار القس أوخيدس غيرة إلهية وصلى على الماء النتن ورشمه بعلامة الصليب فصار حلوا . وشرب منه كل الشعب ودوابهم . أما إسحق فانه لما تناول وعاءه ليشرب وجده نتنا مدودا . فندم وبكى وأتى إلى القديس القس أوخيدس وخر عند قدميه أمن بالسيد المسيح . وشرب من الماء فوجده حلوا . وصار في ماء هذه البئر قوة ان يكون حلوا للمؤمنين ، ومرا لغيرهم . كما ظهر فيه صليب من نور . وبنوا هناك كنيسة . ولما وصل إسحق السامري إلى مدينة القدس ذهب إلى أسقفها واعتمد منه هو وأهل بيته . أما ظهور الصليب المجيد على يد الملكة هيلانة فكان في اليوم ا العاشر من برمهات . ولأنه دائمًا يكون في الصوم الكبير فقد استبدله الآباء بيوم 17 توت الذي هو تكريس كنيسته . والمجد والسجود لربنا يسوع المسيح إلى أبد الآبدين . آمين . ملاحظة طقسية : + طقس عيد الصليب شعانيني 3 أيام + تقرأ فصول عيد الصليب في الثلاثة أيام العيد حتى أيام الآحاد + يقال تى شورى والهيتنيات وفاى إيتاف إنف الخاصة بعيد الصليب كما تقال القسمة السريانية + يعامل عيد الصليب معاملة الأعياد السيدية .
المزيد
27 سبتمبر 2019

عيد الصليب الاحتفال بظهور الصليب

تحتفل الكنيسة بظهور الصليب المجيد الذي لربنا ومخلصنا يسوع المسيح احتفالين الأول في اليوم السابع عشر من شهر توت سنة 326 م.، على يد الملكة البارة القديسة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير، لأن هذه القديسة -وقت أن قبل ابنها قسطنطين الإيمان بالمسيح- نذرت أن تمضى إلى أورشليم. فأعد ابنها البار كل شيء لإتمام هذه الزيارة المقدسة ولما وصلت إلى أورشليم ومعها عسكر عظيم وسألت عن مكان الصليب لم يُعلمها به أحد، فأخذت شيخًا من اليهود، وضيقت عليه بالجوع والعطش، حتى اضطر إلى الإرشاد عن المكان الذي يُحتمل وجود الصليب فيه بكيمانالجلجثة. فأشارت بتنظيف الجلجثة، فعثرت على ثلاثة صلبان، وذلك في 326 م. ولما لم يعرفوا الصليب الذي صلب عليه السيد المسيح أحضروا ميتًا ووضعوا عليه أحد الصلبان فلم يقم، وكذا عملوا في الآخر، ولكنهم لما وضعوا على الميت الصليب الثالث قام لوقته فتحققوا بذلك أنه صليب السيد المسيح. فسجدت له الملكةهيلانة وكل الشعب المؤمن، وأرسلت جزءًا منه إلى ابنها قسطنطين مع المسامير، وأسرعت في تشييد الكنائس المذكورة في اليوم السابع عشر والاحتفال الثاني الذي تقيم فيه الكنيسة تذكار الصليب في اليوم العاشر من برمهات. وكان على يد الإمبراطور هرقل فى628 م. وذلك أنه لما ارتد الفرس منهزمين من مصرإلى بلادهم أمام هرقل حدث أنه عند مرورهم على بيت المقدس دخل أحد أمراء الفرس كنيسة الصليب التي شيدتها الملكة هيلانة. فرأى ضوءًا ساطعًا يشع من قطعة خشبية موضوعة على مكان محلى بالذهب فمد يده الأمير إليها، فخرجت منها نار وأحرقت أصابعه. فأعلمه النصارى أن هذه قاعدة الصليب المقدس، كما قصوا عليه أيضًا أمر اكتشافه، وأنه لا يستطيع أن يمسها إلا المسيحي. فاحتال على شماسين كانا قائمين بحراستها، وأجزل لهما العطاء على أن يحملا هذه القطعة ويذهبا بها معه إلى بلاده مع من سباهم من شعب أورشليم.وسمع هرقل ملك الروم بذلك، فذهب بجيشه إلى بلاد الفرس وحاربهم وخذلهم وقتل منهم كثيرين. وجعل يطوف تلك البلاد يبحث عن هذه القطعة فلم يعثر عليها. لأن الأمير كان قد حفر في بستانه حفرة وأمر الشماسين بوضع هذا الصندوق فيها وردمها ثم قتلهما. ورأت ذلك إحدى سباياه وهى ابنة أحد الكهنة، وكانت تتطلع من طاقة بطريق الصدفة، فأسرعت إلى هرقل الملك وأعلمته بما كانت قد رأته فقصد ومعه الأساقفة والكهنة والعسكر إلى ذلك الموضع وحفروا فعثروا على الصندوق بما فيه فأخرجوا القطعة المقدسة سنة 628م. ولفوها في أقمشة فاخرة وأخذها هرقل إلى مدينة القسطنطينية وأودعاها هناك باحتفال عظيم. طقس دورة الصليب في صلاة رفع بخور باكر في عيديّ الصليب، تحتفل الكنيسة بالصليب وتكرمه بطريقة بديعة مؤثرة للغاية فيحمل الشمامسة الصليب المقدس مزينًا بالورود ومضاء بثلاث شمعات ويطوفون البيعة به والكهنة لابسين البرانس حاملين المجامر ويبدأون بدورة الصليب حول المذبح ثم يقفون أمام باب الهيكل الكبير ويقرأون فصلًا من الإنجيل ثم يردون مرد الصليب ثم يقفون أمام أيقونة السيدة العذراء ويقرأون فصلًا من الإنجيل... وهكذا إلى أن يرجعوا مرة أخرى ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا كل هذا الطقس وما هو السر وراء هذه الدورة التي قد تُعمل بطريقة شكلية وقراءات سريعة آلية تفقدها معناها؟! الواقع أن الكنيسة تكرم الصليب حيًا معاشًا فيها بوضوح على مستويين: 1) الصليب الحيَّ والمعلن في الكنيسة كمبنى وممارسة وعبادة توصل النفس إلى حياة أبدية. 2) الصليب الحيَّ المعلن في الكنيسة كنفوس قديسين مكملين في المجد مبنيين كحجارة حية بيتًا روحيًا. ففي دورة الصليب عندما نقف أمام الهيكل وأبواب الكنيسة واللقان والمعمودية... الخ فنحن في الواقع نُعَّيد للصليب من خلال عبادتنا الكنسية ودخولنا إلى بيت الله وفى جميع الممارسات الأخرى. وعندما نقف أمام أيقونات القديسة مريم العذراء والملائكة والشهداء والقديسين فنحن في الواقع لا نتذكر القديسين تذكارًا نفسيًا بل ندخل معهم في شركة حياتهم وجهادهم وفضائلهم وبالاختصار في شركة مع الروح الذي فيهم إن القديس أعطى ذاته كلية لله ليحل فيه وينيره. فذكرنا للقديسين إذن يكون بمثابة تنمية وتعميق لشركتنا مع المسيح وفى ذات الوقت دخول وارتباط بالخليقة الجديدة وفى سر قداستها والصليب في حقيقته هو الصلح بين السمائيين والأرضيين، والرباط الذي يربط هذه الطبيعة الممجدة فيهم والتي لا تزال في طريقها للتمجيد فينا. لحن الاحتفال بالصليب وهو اللحن الذي يقال في أحد الشعانين، لحن الانتصار فأحد الشعانين هو بداية الصليب، بدخول الرب الانتصاري راكبًا على أتان وجحش ابن أتان كالتدبير وهذا اللحن يشيع في النفس الفرح والغبطة. والصليب في واقعه هو ملكوت الله وهو الوسيلة التي استرد بها الرب جنسنا من قبضة العدو.. وعن طريق الصليب نزل إلى الجحيم وسبى سبيًا وأعطى الناس كرامات. والرب ملك بالصليب، نعم ملك على المديونين عندما قال قد أُكمل وسدد ديون الجميع، وملك على المذنبين حين صلب بينهم وأحصى مع أثمة، وملك على الراجعين والتائبين حينما فتح ذراعيه بالصليب ليحتضنهم. فلحن الصليب هو اللحن الملكي الذي عندما تصرخ به الكنيسةتتوافق مع تسبيح الأطفال في هيكل أورشليم يوم دخول الرب الانتصاري وهم يقولون أوصنا مبارك الملك الآتي باسم الرب. {1} أمام الهيكل الكبير: مز103: 4، مز137: 1 - (يو1: 44-50) نعيد للصليب المعلن لنا في هيكل الله ومذبحه المقدس. فالواقف أمام الهيكل كمن يقف أمامالجلجثة تمامًا... المذبح هو الصليب وجسد ودمعمانوئيل موضوعان عليه. الذي يقبل المذبح بفمه يقبل الصليب ويكرمه والساجد أمام باب الهيكل يحسب مع الساجدين على أعتاب السماء التعييد للصليب من هذا المكان يكون بمثابة اكتشاف الأسرار التي تشتهى الملائكة أن تطلع عليها داخل الهيكل. {2} أمام أيقونة السيدة العذراء مز86: 2، 5، 7 (لو1: 39-56).السيدة العذراء تعتبر أول من حمل الصليب وانحنت تحته بالطاعة المطلقة.الصليب في حياة العذراء إيمان بسببه تطوبها جميع الأجيال على الأرض وفى السماء " فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني" (لو1: 48).الصليب في حياة العذراء تسبيح وابتهاج وفرح لا ينطق به. "تعظم نفسي الرب. وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو1: 46، 47) {3} أمام أيقونة الملاك غبريال مز33: 6، 7 (لو1: 26-38).مع أن الملائكة الأطهار لم يشتركوا معنا في حمل الصليب ماديًا، إذ أنهم أرواح مقدسة غير قابلة للآلام إلا أنهم اشتركوا معنا في أفراح الصليب وانتصاراته على سلطان الظلمة والموت. {4} أمام أيقونة الملاك ميخائيل مز102: 17، 18 (مت13: 44-53) القيامة التي بشرنا بها رئيس الملائكة ميخائيل هي جوهر الصليب لأن الرب ارتضى أن يعلق على الصليب لأنه قادر أن يقوم أيضًا ولأنه ليس ممكنًا للموت أن يمسكه لأن فيه كانت الحياة.إذن يستحيل أن نتكلم عن الصليب أو نعيد للصليب منفصلًا عن القيامة ويستحيل أن نبشر بموت الرب إلا مقترنًا بحياة يسوع المسيح الذي مات بل بالحرى قام. {5} أمام أيقونة القديس مارمرقس الإنجيلي مز67: 13 (لو10: 1-12).تشبه بسيده وحمل صليب البشارة وقوة الله للخلاص إلى أرضنا وبشرنا بالسلام ونقلنا من الظلمة إلى استنارة الإيمان بالملك المسيح وعلمنا السجود للثالوث الأقدس وأخيرًا روى بذرة الإيمان التي غرسها في قلوبنا وسقاها بدمه الطاهر في يوم استشهاده. {6} أمام أيقونة سادتنا الرسل مز18: 3، 4، (مت10: 1-8) إذا ما وقفنا أمام أيقونة الرسل الأطهار أيقونة أبينا بطرس ومعلمنا بولس، وأمام أيقونة الاثني عشر رسولًامجتمعين مع العذراء القديسة مريم عند حلول الروح القدس عليهم يوم الخمسين نكون قد وقفنا لنمجد صليب ربنا يسوع المسيح الذي ارتفع في حياتهم، وأضاء فيهم فصاروا نورًا للعالم وملحًا للأرض. {7} أمام أيقونة الشهيد مارجرجس مز96: 11، (لو21: 12، 19) ظل هذا الشهيد ممسكًا بصليبه حتى اختلط دمه بالصليب وصار أرق تعبير وأعظم إخلاص للمسيح المصلوب بل يعتبر تجاوبًا مع صليب المسيح إلى أبعد ما يستطيع الإنسان "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل2: 20)هنا يشير فصل الإنجيل إلى الصليب الذي احتمله الشهداء لكي نأخذ نحن بركة آبائنا الشهداء في عبادتنا ونتمثل بهم. {8} أما أيقونة أنبا أنطونيوس المزمور: "عجيب هو الله في قديسيه إله إسرائيل هو يعطى قوة وعزاءًا لشعبه. والصديقون يفرحون ويتهللون ويتنعمون بالسرور هلليلويا". الإنجيل (متى 16: 24-28). حياة القديس أنطونيوس توضح أصالة الاتجاه المسيحي في تطبيق وصايا الإنجيل وحمل الصليب من اللحظة الأولى التي أضاءت أمامه وصية الإنجيل طريق الخلاص والحياة الأبدية. هنا الصليب. هو صليب الإيمان المعاش. وفصل الإنجيل يشير إلى الصليب كما عاشه القديس انطونيوس باختصارأنبا انطونيوس الذي أنار لنا دروب الرب وحمل الصليب خلف سيده إلى النهاية. {9} أمام الباب البحري مزمور: "مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات..." الإنجيل: (لو13: 23 - 30)الباب البحري هو باب الموعوظين الداخلين ليقبلوا سر العماد المقدس، ووضع المعمودية في الكنيسة يكون بجوار الباب البحري من الجهة الغربية إذن يصح أن نسمى هذا الباب باب الدخول إلى الله، باب التوبة وتجديد الحياة وجحد الشيطان والعالم هنا نقف أمام هذا الباب لنعيد للصليب الواقع أن هذا هو الصليب عينه، الداخل من هذا الباب رفض العالم وكره الطريق الرحب المؤدى إلى الهلاك ورضى أن يموت عن العالم ليحيا لله وأن يصلب الجسد والشهوات والأهواء وقبوله المعمودية هو قبوله أن يدفن مع المسيح ويقوم في جدة الحياة... {10} أمام اللقان [غسل الأرجل]. مزمور: "صوت الرب على المياه.إله المجد أرعد. الرب على المياه الكثيرة صوت الرب بقوة هلليلويا". الإنجيل: (مت3: 13 - 17) ممارسة غسل الأرجل في الكنيسة يكمن فيها سر الاتضاع. اتضاع إلهنا العجيب. ويعتبر بالدرجة الأولى مرحلة من مراحل الصليب المجيد. هيا يا أخوة نعيد لهذا الصليب العجيب -صليب الأردن- صليب الاعتراف والاغتسال المتكرر وصليب غسل الأرجل. {11} أمام باب الكنيسة القبلي. مزمور: "افتحوا لي أبواب العدل لكيما أدخل فيها واعترف للرب" الإنجيل: (مت21: 1-11) هذا الفصل يذكرنا بدخول الرب ممجدًا لأورشليم في وسط تلاميذه ومحاطًا بتسبيحات شاروبيمية من فم الأطفال... هكذا الداخل إلى الكنيسة يكون كمن يدخل في موكب يوم الشعانين الصليب هنا صليب الملك المنتصر الوديع وعلامة القوة والنصرة على العالم والجسد والموت والشيطان والظلمة التي في العالم الداخلون إلى الكنيسة يرشمون ذواتهم بهذا الصليب المحيي وهم: 1) يحملون سعف النخل صليب الانتصار ويجدون المسيح الملك قائم في وسط الكنيسة. 2) خلعوا ثيابهم وفرشوها في الطريق الملوكي. 3) امتلأت أفواههم فرحًا وألسنتهم تسبيحًا. {12} أمام أيقونة يوحنا المعمدان. مزمور: "وأنا مثل شجرة الزيتون المثمرة في بيت الله اتمسك باسمك فإنه صالح قدام أبرارك. هلليلويا". الإنجيل: (لو7: 28 - 35 ). تأمل: ما أجمل الصليب في حياتك أيها السابق لابن الله الشاهد للحق من غير محاباة. ما أجمل الصليب كما عشته في النسك والطهارة والتمسك باسم إلهك حتى الموت... السلام لك أيها الصليب المتربع على عرش قلب يوحنا الكاهن بن الكاهن... الذي وضع يده على رأس الذبيحة الحقيقية ربنا يسوع المسيح. ما أحوجنا أن نعيد للصليب في حياتنا... ونمجده في القديسين الذين نالوا المواعيد العظمى والثمينة ونظروها من بعيد وحيوها في قلبهم وكرموها في ضمائرهم وتصاغروا وأقروا أنهم غرباء ونزلاء. مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل الأنبا ياكوبوس أسقف الزقازيق عن كتاب رؤية كنسيّة آبائية الصليب في المسيحية
المزيد
26 سبتمبر 2019

قوة الصليب على الموت والحياة

أ) بالصليب أعاد القديس الراهب أباهور الحياة إلى طفل ميت القديس أباهور الراهب الناسك، ذهب إلى الإسكندرية، بعد انفراده في البرية، وكان يسقى الماء للمسجونين والمنقطعين وحدث أن خيولًا كانت تركض وسط المدينة، فصدم أحدها طفلًا ومات لوقته. وكان القديس أباهور واقفًا في المكان الذي مات فيه الطفل، فدخل الشيطان في أناس كانوا حاضرين، وجعلهم يصرخون قائلين: "إن القاتل لهذا الطفل هو الشيخ الراهب". فتجمهر عليه عدد عظيم من المارة وكانوا يهزأون به. ولكن القديس أباهور لم يضطرب، وتقدم وأخذ الطفل واحتضنه، وهو يصلى إلى السيد المسيح في قلبه. ثم رشم عليه علامة الصليب المجيد فرجعت إليه الحياة وأعطاه لأبويه فتعجب الحاضرون ومجدوا الله. ب) بالصليب أعاد القديس يوحنا الرسول الحياة لابن وحيد لأمه مضى القديس يوحنا الرسولإلى مدينة افسس، ونادى فيها بكلمة الخلاص. فلم يقبل أهلها تبشيره في أول الأمر، إلى أن حدث ذات يوم أن سقط ابن وحيد لأمه في مستوقد حمام كانت تديره. فأسرعوا لإخراجه، ولكنه قد مات فعلا الصراخ من والدته فتقدم الرسول من الميت، وصلى إلى الله بحرارة ورشمه بعلامة الصليب ونفخ في وجهه، فعادت إليه الحياة للوقت فابتهجت أمه..ومن تلك اللحظة أخذ أهل المدينة يأتون إليه ليسمعوا تعاليمه. ج) بقوة الصليب أعاد القديس الأنبا يعقوب الحياة لطفل. القديس العظيم الأنبا يعقوب بابا الإسكندرية الخمسون وهبه الله قدرة على عمل الآيات من ذلك أن أرخنًا شهيرًا اسمه مقاريوس من نبروه كان قد طعن في السن ولم يرزق نسلًا وبعد زمن أعطاه الله ولدًا، فصنع وليمة، ودعا إليها هذا القديس فحدث أثناء الوليمة أن مات الطفل فلم يضطرب والده، بل حمله بإيمان ووضعه أمام البابا واثقًا أن الله يسمع لصفيه ويعيد نفس الطفل إليه. فأخذ البابا الطفل الميت ورشمه بعلامة الصليب على جبهته وصدره، وقلبه وهو يصلى قائلًا: يا سيدي يسوع المسيح الواهب الحياة. أقم بقدرتك هذا الميت حيًا لأبيه ثم نفخ في وجهه فعادت نفس الطفل إليه، فدفعه إلى أبيه. الصليب هو قوة المسيح للخلاص من الموت، فحينما نرسم علامة الصليب بإيمان نكون قد اعترفنا وآمنا بموت المسيح وقيامته ويكون عملنا بمثابة رؤية حقيقية بالإيمان المقدس لقوة يسوع المصلوب على عود الصليب، وثقة بانتصار المسيح القائم من الأموات على الموت، إذ بموته داس الموت وكسر شوكته وأبطل سلطانه، ووهب الحياة للذين يؤمنون به. بقوة الصليب انتصر القديسون على الأعداء كان البابا سانتويوس الأول الخامس والخمسون من باباوات الكرازة المرقسية، قد صعد إلى برية شيهيت ليصوم الأربعين المقدسة معالآباء الرهبان. وفى أحد الشعانين أقبل كثير من العربان على البرية لنهب الأديرة، وأقاموا هناك على الصخرة الكائنة شرق الكنيسة، وسيوفهم مجردة استعدادًا للقتل والسلب فاجتمع الأساقفة والرهبان وقرروا مبارحة البرية قبل عيد القيامة المجيد ورفعوا الأمر إلى البابا سانتويوس، فقال لهم: أما أنا فإني لا أفارق البرية إلى أن أكمل الفصح وفى يوم خميس العهد تعظم الأمر وازداد القلق فأخذ هذا البابا عكازه الذي عليه علامة الصليب.وخرج إلى العربان وبيده ذلك العكاز فعندما رأوه رجعوا إلى الوراء، وفروا هاربين كأن جنودًا أشداء قد صدوهم عن ذلك المكان، ولم يعودوا إليه من ذلك اليوم بقصد سيء. مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل الأنبا ياكوبوس أسقف الزقازيق عن كتاب رؤية كنسيّة آبائية الصليب في المسيحية
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل