المقالات

08 سبتمبر 2019

الاستشهاد في المسيحية

المسيحية هي المحبة الباذلة، والصليب هو علامة المسيحية، وفي شخص السيد المسيح التقي الحب بالألم، وتغير مفهوم الألم وأصبح شركة حب مع الرب المتألم، وأرتفع إلي مستوي الهبة الروحية، والموت أصبح كأسا لذيذا يرتشفها المؤمن سعيدا راضيا بل يسعى إليها عن حب ويتعجلها، وليس في هذا عجب فقد تحول الموت من شيء مرعب إلي جسر ذهبي ومعبر يعبر بنا من حياة قصيرة وغربة مؤقتة وثوبا باليا إلي سعادة أبدية دائمة وثوبا لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل وأرتبط الاضطهاد بالمسيحية وهو يسير معها جنبا إلي جنب، وأحيانًا يصل إلي النهاية وهو ما نقول عنه الاستشهاد، وأول اضطهاد تعرضت له المسيحية كان من اليهودية إذ ولدت المسيحية في وسط المجتمع اليهودي، ورفض اليهود السيد المسيح وصلبوه، واضطهدوا أتباعه بالقتل والتعذيب أو بالوشاية وإثارة الجماهير أو بالمقاومة الفكرية بعدها دخلت المسيحية الناشئة في صراع طويل مع الوثنية متمثلة في الإمبراطورية الرومانية بما لها من سلطة الدولة وقوة السلاح وقد وصل هذا الصراع إلي حد الإبادة أي الاستشهاد، وكان الصراع غير متكافئًا إذ لم يكن للإيمان الجديد ما يسنده من قوة زمنية أو سلاح اللهم إلا ترس الإيمان ودرع البر وخوذة الخلاص وسيف الروح (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 6)، وأستمر الصراع حتى أوائل القرن الرابع حين قبلت الإمبراطورية الرومانية الإيمان بالمسيح وسقطت الوثنية لقد بدأ اضطهاد المسيحية في روما علي يد نيرون في القرن الأول المسيحي وانتهي علي بعد ميل واحد من روما علي يد قسطنطين في القرن الرابع وكان القصد منه إبادة المسيحية ولكن علي العكس كان سببا في تنقيتها وإظهار فضائلها وبطولات شهدائها الأمر الذي أدي انتشارها ودخول الوثنيين في الإيمان المسيحي، وكما عبر عن ذلك العلامة ترتليانوس "دماء الشهداء بذار الكنيسة". لماذا اضطهدت الدولة الرومانية المسيحية • جاء الإيمان بالمسيح يحمل مفاهيم جديدة غير التي كان يألفها الناس في القديم: في الوثنية كانت العبادة عبارة عن ترديد لصيغة عزيمة سحرية وبعض التعاويذ وتقديم المأكل والمشرب للآلهة والتعاليم غامضة والشعائر والصلوات سرا، عكس ما وجد الناس في المسيحية تعليمًا مفهومًا وموضوع عظيم للإيمان وديانة تستقر في داخل الإنسان وفكره وروحه والعبادة فيها ترجمة عملية للإيمان وحل الحب محل الخوف.ولم يعد هناك غرباء أو أجانب بالنسبة لإله المسيحيين، ولم يعد الأجنبي يدنس الهيكل أو القربان لمجرد حضوره، ولم يعد الكهنوت وراثيا لأن الديانة ليست ملكًا موروثًا بل علي العكس أصبح هناك تعليم ديني مفتوح يعرض علي الجميع وكانت المسيحية تبحث عن أقل الناس اعتبارًا لتضمهم ولم تعلم المسيحية أتباعها بغض الأعداء أو الأجنبي بل علي العكس التعاطف والمودة. • جاءت المسيحية كديانة عالمية: كل العبادات الوثنية كانت محلية، ولكل إقليم معبود خاص به وحتى اليهودية كانت ديانة مغلقة تخص شعب واحد ولكن المسيحية ظهرت للعالم أجمع حسب قول السيد المسيح "اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (إنجيل مرقس 16: 15). • ونادت المسيحية أنها الديانة الوحيدة الحق: وانجذب إلي الإيمان بها من كل جنس وشعب وطبقة وسن من اليونان والرومان أكثر من الذين جذبتهم اليهودية، ورفضت أن تتحالف مع الوثنية. • وعلمت بفصل الدين عن الدولة: في القديم كان الدين والدولة شيئًا واحدًا، وكل الشعب يعبد إلهه وكان كل إله يحكم شعبه، وكانت الدولة تتدخل في نطاق الضمير وتعاقب من يخرج الشعائر والعبادة وأما المسيحية فقد جاءت تفصل الدين عن الدولة حسب قول السيد المسيح " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " (إنجيل متى 22: 21). • الحماس الشديد للروحانية بدلا من النشاط الاجتماعي: رفض المسيحيون الاشتراك في الاحتفالات الوثنية والعبادة العامة وكان هذا يعبر عن عدم تحمسهم للسياسة والعزوف عن الشئون المدنية والزمنية بالمقارنة بالأمور الروحية والأبدية والتصاقهم الشديد ببعض في اجتماعات مغلقة كل هذا أثار حولهم الشبهات وعداوة الحاكم والشعب. وفي الواقع أنه في ظل المسيحية تغيرت إحساسات الناس وأخلاقياتهم ولم يعد الواجب الاسمي أن يعطي الإنسان وقته وحياته وقواه للدولة في السياسة والحرب فلقد شعر الإنسان أن عليه التزامات أخري من نحو خلاص نفسه ومن نحو الله. حلقات الاضطهاد العشر منذ القرن الخامس الميلادي تعود المؤرخون علي تقدير الاضطهادات التي خاضتها الدولة الرومانية ضد الكنيسة المسيحية بعشرة اضطهادات كبيرة تحت حكم عشرة أباطرة هم علي الترتيب: نيرون – دومتيانوس – تراجان – مرقس أوريليوس – سبتيموس ساويرس – مكسيمينوس – ديسيوس – فالريان – أوريليان – دقلديانوس ولكن هذا التقسيم عرفي اصطلح عليه ولا يعني أن الاضطهادات حدثت عشر مرات فقط، لأن أكثر الفترات هدوءا كانت فيها شهداء ولقد حاول البعض أن يربط بين الضربات العشر في مصر وهذه الاضطهادات باعتبارها رمزًا لها، كذلك يربطون بين العشرة قرون التي للوحش الوارد ذكرها في سفر الرؤيا الذي صنع حربًا مع الخروف علي أهنا هذه الحلقات العشر من الاضطهاد. نيرون وحريق روما كان الاضطهاد الذي أثاره نيرون هو أول الاضطهادات التي كرستها الإمبراطورية الرومانية، وأرتبط باستشهاد عمودين عظيمين في الكنيسة هما الرسولان بطرس و بولس، وقد ابتدأ في السنة العاشرة من حكم هذا الطاغية بأمره وتحريضه عام 64م حين أتهم نيرون المسيحيون الأبرياء بحرق روما وكانت كارثة مدمرة لم ينجو من هذا الحريق سوي أربعة أقسام من الأربعة عشر قسما التي كانت تنقسم إليها المدينة العظيمة والتهمت السنة النار أعرق الآثار والمباني ولم ينجو منها الناس والبهائم وتحولت المدينة العظيمة إلي جبانة تضم مليون من النائحين علي خسارات لا تعوض، وحتى يبعد الشبهة عن نفسه الصق نيرون التهمة بالمسيحيين المنبوذين، وسرعان ما بدء في سفك الدماء وأستخدم أبشع الوسائل في سبيل ذلك، صلب البعض إمعانا في السخرية بالعقوبة التي تحملها السيد المسيح، وألقي البعض للحيوانات المفترسة في مسارح الألعاب الرياضية، وبلغت المأساة قمتها عندما أشعل النار في المسيحيين بعد دهنهم بالقار وسمرهم في أعمدة الصنوبر يضيئون كالمشاعل لتسلية الجماهير في الحدائق الإمبراطورية بينما نيرون في عربته الخاصة يلهو. اضطهاد دقلديانوس وأعوانه كل الاضطهادات التي شنتها الدولة الرومانية علي المسيحيين ابتداء من نيرون تتضاءل أمام شد وعنف ووحشية الاضطهادات التي بدأها دقلديانوس وأكملها أعوانه، ولهذا السبب اتخذت الكنيسة القبطية بداية حكمه وهي سنة 284 م. بداية لتقويمها المعروف باسم تاريخ الشهداء في عام 303 م. أصدر منشورا بهدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة وطرد كل أصحاب المناصب العالية وحرمانهم من حقوقهم المدنية وحرمان العبيد إذا أصروا علي الاعتراف بالمسيحية، وإذ علق المنشور علي حائط القصر لم يخل المجال من شاب مسيحي شجاع غيور مزق المنشور مظهرا استياءه وسرعان ما سرت موجة الاضطهاد في ربوع الإمبراطورية وازداد الاضطهاد عنفًا ووحشية بسبب اندلاع الحريق مرتين في قصر الإمبراطور في خلال أسبوع ربما أفتعل الحريق أحد معاونيه لكي يثيره ضد المسيحيين أصدر في مارس عام 303 م. منشورين متلاحقين بسجن رؤساء الكنائس وتعذيبهم بقصد إجبارهم علي ترك الإيمان وفي 30 ابريل من نفس العام أصدر مكسيميانوس هرموليوس منشورا وهو أسوأها ويقضي بإرغام جميع المسيحيين في المدن والقرى في أنحاء الإمبراطورية بالتبخير والتضحية للآلهة وأخيرا وفي محاولة يائسة لمحو المسيحية وبعث الوثنية أصدر مكسيميانوس دازا منشورا في خريف عام 308 يقضي بسرعة إعادة بناء مذابح الأوثان وأن يقدم الجميع الرجال والنساء والأطفال الذبائح مع الالتزام بتذوق التقدمات وأن يقف الحراس أمام الحمامات ليدنسوا بالذبائح كل من يدخل للاغتسال، وقد استمر العمل بهذا لمدة سنتين حتى أنه لم يكن أمام المسيحيين في ذلك الوقت إلا أن يموتوا شهداء أو يموتوا جوعا أو يجحدوا الإيمان وفي سنة 311م أمر مكسيميانوس دازا بإقامة الهياكل في كل مدينة وعين كهنة للأصنام ومنحهم الامتيازات. قسطنطين ومراسم التسامح الديني تعتبر اضطهادات دقلديانوس وأعوانه آخر مقاومة يائسة للوثنية الرومانية ضد المسيحية، وعلي الجانب الآخر تجلت بطولات المسيحيين وثباتهم أمام وحشية الوثنية وشراستها حتى بدت الوثنية في حالة إعياء. أعتزل دقلديانوس الحكم في عام 305 م. بعد أن انتهي إلي نهاية سيئة تربي قسطنطين في بلاط دقلديانوس وهرب إلي بريطانيا وهناك نودي به إمبراطورا علي غاليا وأسبانيا وبريطانيا في عام 306م خلفا لوالده. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). عبر جبال الألب وانتصر علي منافسه مكسنتيوس بن مكسيميانوس شريك دقلديانوس في حكم الغرب عند قنطرة ملفيا علي بعد ميل واحد من روما، وباد هذا الطاغية هو وجيشه في مياه نهر التيبر في أكتوبر عام 312 م وفي مارس 313 م. التقي قسطنطين مع ليكينيوس إمبراطور الشرق في ميلان ومن هناك أصدرا مرسوم للتسامح مع المسيحيين يعرف باسم مرسوم ميلان بموجبه أعطيت الحرية الدينية للمسيحيين ولغيرهم أن يتبعوا الدين الذي يرغبونه وإذ خرج ليكينوس علي قسطنطين وجدد اضطهاد المسيحيين لفترة قصيرة في الشرق هزمه قسطنطين عام 323 م. وأصبح إمبراطور الشرق والغرب وهكذا يعتبر قسطنطين آخر الأباطرة الوثنيين وأول المسيحيين، وبعدها بدأت فترة جديدة في حياة الكنيسة والمسيحيين. نيافة المتنيح الحبر الجليل الأنبا يوأنس أسقف الغربية
المزيد
07 سبتمبر 2019

القيامة الأولى والموت الأول القيامة الثانية والموت الثاني

كتب القديس يوحنا الرسول في سفر الرؤيا "هذه هي القيامة الأولى. مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم" (رؤ20: 5، 6). ما هي القيامة الأولى؟ وما هو الموت الثاني؟ وما هي علاقة ذلك بالمجيء الثاني للسيد المسيح؟ هذه الأمور سنحاول أن نجيب عنها. إلى جوار ذلك فإن القيامة الأولى تفترض قيامة ثانية، والموت الثاني يفترض موتًا أولًافيلزمنا أيضًا أن نضع هذا في اعتبارنا عندما نتأمل في هذه الأقوال الإلهية الصادقة. القيامة الأولى الموت الثاني الموت الأول القيامة الثانية القيامة الأولى أولًا: القيامة الأولى القيامة الأولى هي النصرة الروحية التي يطالبنا الرب بها في حياتنا الحاضرة لكي نتأهل لميراث الملكوت ونستحق أن نشارك في قيامة الأبرار أي القيامة الثانية عن القيامة الأولى قالالسيد المسيح: "كل من كان حيًا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد" (يو11: 26). وقال أيضًا "الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" (مر9: 1) طبعًا لم يكن المقصود في كلام السيد المسيح عن عدم موت المؤمنين به إلى الأبد بمعنى أنهم لن يُنقلوا من هذا العالم، بل كما نقول في صلاةأوشية الراقدين (لأنه لا يكون موت لعبيدك بل هو انتقال( فإننا نفهم الموت في كلام السيد المسيح بمعنى السقوط تحت سلطان ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس. وبهذا يكون السيد المسيح قد وعد أن من كان حيًا بالجسد وآمن به فلن يذوق الموت الروحي إلى الأبد وفي قوله: "إن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" يقصد إلى جوار أن هناك قومًا كانوا عتيدين قبل وفاتهم أن يحضروا حلول الروح القدس في يوم الخمسين، فإنه قصد أيضًا أن من آمنوا به وثبتوا فيه فلن يموتوا موتًا روحيًا إلى أن يعاينوا مجيئه الثاني واستعلان ملكوت السماوات بقوة مع ملاحظة أن عبارة "ملكوت الله"هي عبارة عامة تشمل ملكوته الحالي وملكوته الآتي في السماوات، أما عبارة "ملكوت السماوات" فإنها غالبًا تشير إلى الحياة الأبدية في السماوات القيامة الأولى أيضًا نفهمها عن المعمودية في قول معلمنا بولس الرسول: "حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته.. كذلك أنتم أيضًا احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو6: 4، 5، 11). ثانيًا: الموت الثاني من الطبيعي أن من عاشوا حياتهم ملتصقين بالرب وأكملوا جهادهم وسعيهم أي أنهم قد تمتعوا بقوة القيامة الأولى، فإن الموت الثاني لن يكون له سلطان عليهم كما ورد في سفر الرؤيا والموت الثاني من المفهوم إنه الهلاك الأبدي. ومن ليس للموت الثاني سلطان عليه ينطبق عليه قول الرب: "من يغلب فذلك سيلبس ثيابًا بيضًا، ولن أمحو اسمه من سفر الحياة وسأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته" (رؤ3: 5) الذين للموت الثاني سلطان عليهم ينطبق عليهم قول السيد المسيح لليهود: "وتموتون في خطيتكم" (يو8: 21). هؤلاء يموتون في خطاياهم بمعنى أنهم يموتون الموت الأول بنهاية حياتهم على الأرض، ويتأهلون بموتهم في خطاياهم للموت الثاني أي الهلاك الأبدي وقيل أيضًا عن هلاك الأشرار: "وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني. وكل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طُرِح في بحيرة النار" (رؤ20: 14، 15). ثالثًا: الموت الأول يقول الكتاب: "وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة" (عب9: 27). والمقصود بذلك موت الجسد، وهذا الموت الأول يشترك فيه جميع البشر حتى القديسون مثل السيدة العذراء مريم وحتى أخنوخ وإيليا بعد صعودهما إلى السماء أحياء، فإنهما سوف يرجعان إلى الأرض ويصيران شهداء وتموت أجسادهما كباقي البشر ولكن هذا الموت الأول الذي يشترك فيه الجميع لا يعني وحدة المصير للجميع لأن الكتاب يقول: "طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن. نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم" (رؤ14: 13). رابعًا: القيامة الثانية من البديهي أن القيامة الثانيةهي قيامة الأبرار للحياة الأبدية. وقد تكلّم السيد المسيح عن الأبرار الذين سوف يقيمهم عن يمينه في يوم الدينونة "يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34). وقال عن الأشرار مقارنًا إياهم بالأبرار في يوم الدينونة: "فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت25: 46) معنى ذلك أن قيامة الأشرار للدينونة لا ينطبق عليها لقب القيامة الثانية الخاصة بالأبرار لأن الأشرار أصلًا لم يتمتعوا بالقيامة الأولى الروحية التي للأبرار، وبهذا فإن قيامة الأشرار قد أخذت فقط لقب "قيامة الدينونة"كقول السيد المسيح: "تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو5: 28، 29). أما القيامة الثانية الخاصة بالأبرار فهي "قيامة الحياة" إذا كانت القيامة الأولى هي الانتصار الروحي على الشر فإن القيامة الثانية تكون هي التحرر من سلطان الموت الناتج عن الخطية الأولى التي بها دخل الموت إلى العالم، لذلك قيل في الكتاب "آخر عدو يُبطل هو الموت" (1كو15: 26). خاتمة إن المعاني الخاصة بالموت الأول والموت الثاني والقيامة الأولى والقيامة الثانية، ترتبط بعمل السيد المسيح الخلاصي لتحرير البشر المفديين من عواقب الخطية، وصولًا إلى المصير الأبدي للإنسان بعد مجيء السيد المسيح الثاني الذي ينتظره القديسون بكل اشتياق ومحبة. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
06 سبتمبر 2019

جهنم

كلمة "جهنم"هي كلمة عبرية أصلها "جيهِنوم" أي "وادى هنوم"وهو وادٍ عميق ضيق يقع في جنوب أورشليم حيث قدم اليهود أولادهم للإله مولك على نحو ما فعل الوثنيون، ولذلك أمر الملك يوشيا "لكي لا يعبر أحد ابنه أو ابنته في النار لمولك" (2مل23: 10) كان تمثال الإله مولك النحاسي المجوف يتم إيقاد النار بداخله حتى يحمى معدنه إلى درجة الاحمرار. ثم يقدم الآباء أبناءهم كضحايا للإله مولك، فيضع الكهنة الوثنيون الأطفال الصغار على يدي التمثال المحمية بالنار مع عمل أصوات طبول وأصوات صراخ الكهنة أو أناشيد عبادتهم الوثنية للتغطية على صوت صراخ الأطفال الذين تشويهم نار ذراعي الإله مولك بصورة بشعة. وهكذا نرى كيف استعبد الشيطان البشر وماذا يفعل الإنسان بغواية إبليسحينما يفقد إنسانيته. ولقد أصبح هذا الوادي بعد ذلك هو المكان المرفوض من المدينة وفيه كانت تُلقى أجساد المجرمين، وجثثالحيوانات، وجميع أنواع القاذورات التي يرعى فيها الدود وتشتعل فيها النار. وبسبب عمقه وضيقه والنار والدخان المتصاعد منه، صار رمزًا لمكان عقاب الأشرار في المستقبل. وحيث إن النار كانت تميِّز المكان لذلك دُعي نار جهنم. ولقد وردت كلمة جهنم في العهد الجديد إحدى عشرة مرة وذلك في أناجيل متى ومرقس ولوقا وفي رسالة يعقوب الرسول وفي رسالة بطرس الرسول الثانية. فقد قال السيد المسيح: "من قال (لأخيه) يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (مت5: 22). "إن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم. وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم" (مت5:29، 30) كما قال: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (مت10: 28) وبذلك أوضح السيد المسيحأن عذاب جهنم سوف يشمل الجسد والروح معًا بقوله "كليهما في جهنم"ووبّخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين قائلًا:"ويل لكم أيها الكتبةوالفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلًا واحدًا. ومتى حصل تصنعونه ابنًا لجهنمأكثر منكم مضاعفًا" (مت 23: 15). وكذلك قال لهم:"أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟" (مت23: 33). جهنم النار الأبدية أوضح السيد المسيح أن في جهنم سوف تكون النار الأبدية حيث الدود الذي لا يموت والنار التي لا تطفأ مثلما كان الحال في وادي هنوم (جيهِنوم) فقال: "خير لك أن تدخل الحياة أقطع من أن تكون لك يدان وتمضى إلى جهنم إلى النار التي لا تطفأ. حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ" (مر9: 43،44). وشرح يوحنا الرسول في سفر الرؤيا عذاب الذين يسجدون للوحش ويخضعون لسلطان إبليس فقال "إن كان أحد يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده، فهو أيضًا سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفًا في كأس غضبه ويعذَب بنار وكبريت أمام الملائكة القديسين وأمام الخروف. ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين" (رؤ14: 9-11). وبهذا أوضح أن العذاب هو أبدي وكتب أيضًا عن دينونة الوحش والنبي الكذاب "فقبض على الوحش والنبي الكذاب معه الصانع قدامه الآيات التي بها أضل الذين قَبِلوا سمة الوحش والذين سجدوا لصورته وطُرح الاثنان حيَّين إلى بحيرة النار المتقدة بالكبريت" (رؤ19: 20) وكتب عن دينونة الأموات في اليوم الأخير "ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله وانفتحت أسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة، ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم،وسلّم البحر الأموات الذين فيه وسلّم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما ودينوا كل واحد بحسب أعماله. وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني. وكل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طُرح في بحيرة النار" (رؤ20: 12-15) وكتب عن أنواع الخطاة الذين سوف يذهبون إلى العذاب الأبدي فقال: "وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني" (رؤ21: 8) وأوضح السيد المسيح أن العذاب سوف يكون في النار الأبدية المعدة لإبليس وللملائكة الأشرار "ثم يقول أيضًا للذين عن اليسار اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت25: 41). "فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي" (مت25: 46). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
05 سبتمبر 2019

ملكوت السماوات

ملكوت السماوات أعده الله للقديسين قبل إنشاء العالم كما قال السيد المسيح عن دعوته للأبرار: "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت25: 34) في هذا الملكوت السماوي سوف يلتقي الأبرار من البشر ومن الملائكة حول العرش الإلهي ليشتركوا معًا في تسبيح الله وتمجيده بفرح لا يعبَّر عنه، وبمجد ليس له نظير في العالم المنظور. وهو "ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو2: 9) لقد اختار الله الآب في المسيح جميع القديسين الذين سوف يتأهلون لميراث ملكوت السماوات لأنه سبق فعرف أنهم سوف يستجيبون لدعوة محبته بالفداء الذي أكمله الابن الوحيد لأجلهم. وقد شرح معلمنا بولس الرسول ذلك بكلمات رائعة في فاتحة الرسالة إلى أهل أفسس إذ قال: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته، لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب. الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته التي أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه، لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الأرض في ذاك الذي فيه أيضًا نلنا نصيبًا معينين سابقًا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأى مشيئته" (أف1: 3-11) ملكوت السماوات حتى الآن لم يدخله ذو طبيعة بشرية إلا السيد المسيحفقط الذي ذهب هناك كسابق للقديسين ليعد لهم مكانًا كما قال هو بنفسهلتلاميذه: "لا تضطرب قلوبكم أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي. في بيت أبي منازل كثيرة، وإلا فإني كنت قد قلت لكم أنا أمضى لأعد لكم مكانًا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو14: 1-3) وفي مناجاته مع الآب السماوي قبل الصلب "تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال.. أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم" (يو17: 1، 24) إن أرواح القديسين تنتظر في الفردوس ولكن هؤلاءالقديسين سوف يدخلون إلىملكوت السماوات بعدما يأتي السيد المسيح فيمجيئه الثاني للدينونة ويأخذهم معه بعد أن يدعوهم للقيامة من القبور وقد شرح القديس بولس الرسول أن ملكوت السماوات ليس على الأرض بأقوال متعددة مثل قوله: "وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السماوات خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان. لأن كل رئيس كهنة يُقام لكي يقدم قرابين وذبائح. فمن ثم يلزم أن يكون لهذا أيضًا شيء يقدّمه. فإنه لو كان على الأرض لَما كان كاهنًا إذ يوجد الكهنة الذين يقدّمون قرابين حسب الناموس،الذين يخدمون شبه السماويات وظلها كما أوحى إلى موسى وهو مزمع أن يصنع المسكن" (عب8: 1-5). "فكان يلزم أن أمثلة الأشياء التي في السماوات تطهر بهذه وأما السماويات عينها فبذبائح أفضل من هذه. لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا" (عب9: 23، 24) وأكّد القديس بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين أن السيد المسيح قد دخل إلى السماء عينها كسابق للقديسين فقال: "حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائرًا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد" (عب6: 20) كذلك أكد أن السيد المسيح قد صعد إلى السماوات مرة واحدة بعد قيامته من الأموات فقال: "بدم نفسه دخل مرة واحدةً إلى الأقداس فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 12) وتكلّم أيضًا عن السماء ودعاها مدينة الله الحي وأورشليم السماوية حيث الملائكة الذين يحيطون بعرش الله فقال: "قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السماوات وإلى الله ديان الجميع وإلى أرواح أبرار مكملين" (عب12: 22، 23) وتكلّم السيد المسيح كثيرًا عن ملكوت السماوات ليجتذب أنظار التلاميذ نحو السماويات فقال على سبيل المثال:"يشبه ملكوت السماوات إنسانًا ملكًا صنع عرسًا لابنه وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس" (مت22: 2، 3) وقال عن نهاية العالم "حينئذ يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس والمستعدات دخلن معه إلى العرس فاسهروا إذًا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان" (مت25: 1، 10، 13). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
04 سبتمبر 2019

الجحيم الهاوية

"الجحيم" كلمة معناها الهاوية، وهي ترجمة للكلمة العبرية "شِئول" وللكلمة اليونانية "هاديس ᾍδης"، وهو كمقر للانتظار كان يحوى أرواح القديسين، وأرواح الأشرار، وذلك قبل أن يتمم السيد المسيح الفداء. ولكن صار مقرًا لانتظار أرواح الأشرار فقط بعد إتمام الفداء، وفتح الفردوس ونقل أرواح القديسين إلى هناك.بالنسبة للقديسين كانت أرواحهم تتطلع إلى مجيء المخلص ليخرجها من بيت السجن حسب وعد الرب "أجعلك عهداًللشعب ونورًا للأمم لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة" (إش42:6، 7) كانت هناك رموز كثيرة للجحيم في العهد القديم مثل جب الأسود الذي ألقى فيه دانيال النبي. ففي قصة إلقاء دانيالفي الجب إشارة واضحة إلى عمل الخلاص. فالملك داريوس والحكم الذي أصدره وخَتَمه، ولا يمكن أن يتغير حتى بالرغم من محبة الملك لدانيال، كان إشارة إلى حكم الموت الذي صدر ضد البشرية ولم يكن من الممكن إلغاؤه. كان الملك يتمنى أن ينقذ دانيال من الجب، ولكن الحكم كان ينبغي أن يتم وقال الملك لدانيال: "إن إلهك الذي تَعبُدُه دائمًا هو ينجيك" (دا 6: 16) وحينما أُلقى دانيال في الجب لسبب مؤامرة أعدائه الأشرار الذين يرمزون إلى الشياطين أعداء الرب وأعداء البشرية، أرسل الله ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تمس دانيال بسوء "إلهي أرسل ملاكه وسدَّ أفواه الأسود فلم تضرني" (دا 6: 22)، وخرج دانيال من الجب حيًا إشارة إلى قيامة السيد المسيح بعد نزوله إلى الجحيم، وإلى صعوده إلى الفردوس دون أن يمسكه الجحيم ودون أن يمسكه الموت أيضًا "إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسَك منه" (أع2: 24) وبهذا تم حكم الموت دون إلغاء، ولكن أمكن العبور منه والتحرر من سلطانه. وقد تنبأ عن ذلك داود النبي فقال "لأنك لا تترك نفسي في الجحيم (الهاوية) ولا تدع قدوسك يرى فسادًا" (أع2: 27، انظر مز15: 10). وشرح القديس بطرس في عظة يوم الخمسين أن هذا الكلام قد قيل عن السيد المسيح (انظر أع 2: 25) وبهذا أكّد بطرس الرسولأن السيد المسيح قد نزل إلى الجحيم. وعاد فقال عنالسيد المسيح في رسالته الأولى إنه "ذهب فكرز للأرواح التي في السجن" (1بط3: 19). وبذلك ربط نبوءة إشعياء (42: 6) بنبوءة داود النبي في المزمور (15: 10)موضحًا أن الجحيم كان سجنًا للأرواح كان إبليس هو صاحب سلطان الموت كما أوضحالقديس بولس الرسول في حديثه عن عمل السيد المسيح في تخليصنا منإبليس "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس، ويعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية" (عب2: 14، 15) إن تصوير القديس بولس هنا للموقف في رسالته إلى العبرانيين هو تصوير في غاية القوة، ربط فيه بين رفع سلطان الموت وبين إبادة إبليس أي إبادة سيطرته على أرواح البشر،وكذلك أوضح أن الخوف من النزول إلى الجحيم بعد الموت في حياة حتى الذين رقدوا على رجاء الخلاص، هو حالة من العبودية، لأن الأرواح كانت في طريقها إلى السجن هناك فيالهاوية. ولكن بالطبع كانت أرواح القديسين الراقدين في حالة أفضل من أرواح الأشرار وغير المؤمنين الذين ليس لهم رجاء على الإطلاق كان القديسون في السجن ينتظرون بالإيمان تنفيذ وعد الرب بالفداء.. كانت عبوديتهم مؤقتة سيحولها المسيح إلى بنوة.. وكان خوفهم ممتزجًا بالرجاء بعكس الآخرين الذين لا رجاء لهم وعبوديتهم لا نهاية لها كما قال أبو الآباء يعقوب في بكائه وحزنه حينما اعتقد بموت يوسف ابنه "إنى أنزل إلى ابني نائحًا إلى الهاوية" (تك37: 35). ولكنه قبيل موته حينما كان يتنبأ أمام أبنائه قال: "لخلاصك انتظرت يا رب" (تك49: 18). "ولما فرغ يعقوب من توصية بنيه ضم رجليه إلى السرير وأسلم الروح وانضم إلى قومه" (تك49: 33) وحينما قاوم قورح ومعه داثان وأبيرام وأولادهم موسى وهرون وقدموا بخورًا في مجامرهم، عاقبهم الرب بأن هبطوا أحياء إلى الهاوية إذ "انشقت الأرض التي تحتهم وفتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم وكل من كان لقورحمع كل الأموال. فنزلوا هم وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية وانطبقت عليهم الأرض فبادوا من بين الجماعة" (عد16: 31-33). ومعنى نزولهم أحياء إلى الهاوية أي أنهم نزلوا إلى أقسام الأرض السفلى أحياء وماتوا هناك حيث يوجد الجحيم وقد ذكر السيد المسيح أن الجحيم له أبواب فقال عن الكنيسة: "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت16: 18) وكذلك قيل عن حزقيا الملك "كتابة لحزقيا ملك يهوذا إذ مرض وشفى من مرضه، أنا قلت في عز أيامي أذهب إلىأبواب الهاوية. قد أُعدمت بقية سِنِيَّ" (إش38: 9، 10) وقد حطّم السيد المسيح متاريس الجحيم حينما نزل إليه من قبل الصليب ليحرر المسبيين الذين رقدوا على الرجاء ويصعد بهم من الجحيم إلى الفردوس كما هو مكتوب "سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا. وأما أنه صعد فما هو إلا إنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض السفلى" (أف4: 8، 9) وتنبأ داود النبي عن ذلك فقال في المزمور "أعظمك يا رب لأنك احتضنتني ولم تشمت بي أعدائي أيها الرب إلهي صرخت إليك فشفيتني. يا رب أصعدت من الجحيم نفسي. وخلصتني من الهابطين في الجب.. أية منفعة في دمى إذا هبطت إلى الجحيم.. حوّلت نوحي إلى فرح لي. مزّقت مسحي ومنطقتني سرورًا، لكي ترتل لك نفسي ولا يحزن قلبي. أيها الرب إلهي إلى الأبد أعترف لك" (مز29). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
03 سبتمبر 2019

مقار الآخرة

مقار الآخرة هي أربعة: الفردوس، والجحيم، وملكوت السماوات، وجهنم، منها مؤقت أي الفردوس والجحيم، ومنهاأبدي أي ملكوت السماوات وجهنم. والمقار المؤقتة هي لانتظار الأرواح بعد الوفاة إلى يوم الدينونة الأخير، أما المقار الدائمة فهي للأرواح والأجساد معًا فيما بعد الدينونة أي بعد مجيء المسيح الثاني حيث "يخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيآت إلى قيامة الدينونة" (يو5: 29) فأجساد الموتى سوف تقوم في اليوم الأخير حيث تعود الأرواح إلى الأجساد وتتحد بها مرة أخرى لكي تدان الأرواح مع الأجساد. ولكن الجسد بعد القيامة العامة سوف تكون له خصائص جديدة تختلف عن خصائصه الحالية، وليس بمعنى أن الأجساد سوف تفنى ولكنها ستتغير عند القيامة وهذا ما سوف نشرحه بمشيئة الرب بتفصيل أكثر من واقع تعاليم الكتاب المقدس. الفردوس الجحيم الهاوية ملكوت السماوات جهنم أولًا: الفردوس الفردوس حاليًا ليس على الأرض مثلما كان وقت خلق آدم ثم حواء. إذ أن ذلك الفردوس أي الجنة كان يحوى أشجارًا وثمارًا وحيوانات. وقد وضع الرب الإله آدم في الجنة ليعملها وحينما أخطأ الإنسان بعدم طاعته للوصية الإلهية، نُفى من الفردوس أي أن الرب قد أخرجه من الفردوس لئلا يمد يده ويأكل من شجرة الحياة ويحيا إلى الأبد في خطيته ولا توجد له فرصة لإدراك خطورة الخطية وعواقبها من حيث إن أجرة الخطية هي موت. وصار موت الجسد هو الدليل الواضح على أن الخطية قد أساءت إلى الإنسان وصار محتاجًا إلى الخلاص بصلب المسيح وموته وقيامته من الأموات، وذلك مثلما قال قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن السيد المسيح: "بالصليب حل الرب مشكلة الخطية (إذ أوفى الدين الخاص بها) وبقيامته حل مشكلة الموت الناتج عن الخطية" الفردوس الحالي صار مقرًا للروح فقط بدون الجسد، وليس فيه أشياء مادية مثل الأشجار والثمار والمزروعات والأنهار. وبالطبع ليس فيه حيوانات على الإطلاق مثل الحمير والبغال والغزلان والفيلة..الخ. لأن الحيوانات ليس لها أرواح خالدة مثل البشر، بل إن نفس الحيوان هي دمه "لأن نفس كل جسد دمه هو بنفسه" (لا 17: 14). وبمجرد موت الحيوان يذهب إلى الأرض وليس له روح تذهب إلى مقار الآخرة على الإطلاق أما ما رآه القديس يوحنا الرسول وكتب عنه في سفر الرؤيا من جهة الأربعة أحياء غير المتجسدين، فهذه كائنات حية روحية من طغمة الملائكة الكاروبيم ومنظرها الذي رآه هو منظر رمزي له مدلول روحي. فوجه الإنسان يرمز إلى تجسد الرب، ووجه العجل يرمز إلى ذبيحة الصليب، ووجه الأسد يرمز إلى القيامة، ووجه النسر يرمز إلى الصعود. كما أنها ترمز إلى الأناجيل الأربعة متى ولوقا ومرقس ويوحنا. بنفس هذا الترتيب. وذلك حسب طقس الأيقونات القديمة في الكنائس الأرثوذكسية جميعًا الفردوس الحالي ذكرهالسيد المسيح وهو معلّق على الصليب حينما طلب إليه اللص اليمين قائلًا: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو23: 42) فأجابه السيد المسيح مصححًا له طلبته: "الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي فيالفردوس" (لو23: 43) قال السيد المسيح ذلك لأن أرواح الأبرار تذهب إلى الفردوس أولًا وتنتظر هناك في شركة روحية مع المسيح إلى يوم الدينونة الأخير حيث تقف أمام كرسي المسيح بعد عودتها إلى الجسد المقام من الأموات، ثم يضعها السيد المسيح عن يمينه وبعد ذلك يدعوها إلى ميراث ملكوت السماوات وقد قصد السيد المسيح أن يعلن للص اليمين إنه لن ينتظر طويلًا لكي يلتقي به، وذلك بعد مجيئه الثاني واستعلانملكوت السماوات، بل إنه سوف يلتقي به سريعًا بعد خروج روحه من الجسد حيث يكون السيد المسيح قد فتح بابالفردوس مرة أخرى لتنتقل إليه أرواح الأبرارأما أرواح الأبرار الذين رقدوا على رجاء الخلاص وكانت تنتظر في السجن، فقد ذهب إليها السيد المسيح بروحه الإنساني المتحد باللاهوت وبشّرها بإتمام الفداء وأخرجها من السجن ونقلها إلى الفردوس أي أنه قد (رد آدموبنيه إلى الفردوس( مثلما نقول في قسمة عيد القيامة.وقد وردت أقوال في الكتاب المقدس تؤكد أن السيد المسيح قد فعل ذلك مثل قول معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: "لذلك يقول: إذ صعد إلى العلاء سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا،وأما أنه صعد فما هو إلا إنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض السفلى، الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات لكي يملأ الكل" (أف4: 8-10). وقد صعد السيد المسيح بروحه من الجحيمإلى الفردوس بعد نزوله إلى الجحيم آخذًا معه أرواح الأبرار. كما أنه صعد إلى السماوات العليا حيث عرش الآب بعد 40 يوم من قيامته من الأموات وفي هذا الصعود لم يأخذ معه أحدًا من البشر إلى أن يأتي للدينونة وقد تكلم أيضًا القديس بطرس الرسول عن عمل السيد المسيح في نزوله بالروح إلى الجحيم للكرازة بإتمام الفداء وفي نقل أرواح الأبرار إلى الفردوس فقال: "فإن المسيح أيضًا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى الله مماتًا في الجسد ولكن محيىً في الروح، الذي فيه أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي فيالسجن" (1بط3: 18، 19) وقد سبق إشعياء النبي فقال بفم الله الآب: "أجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم، لتفتح عيون العمى، لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن" (إش42: 6، 7). والكنيسة في صلاتها على الراقدين تقول: [هذه النفس التي اجتمعنا بسببها اليوم، يا رب افتح لها باب الفردوس كما فتحته للص اليمين. افتح لها باب الراحة لتدخل وتتنعم هناك وتشارك جميع القديسين..]. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
02 سبتمبر 2019

أحداث المجيء الثاني

قال السيد المسيح لتلاميذه: "وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطى ضوءه والنجوم تسقط منالسماء وقوات السماوات تتزعزع. وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء. وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرضويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السماوات إلى أقصائها" (مت 24: 29-31). إظلام الشمس كما أظلمت الشمس في يوم صلب السيد المسيح بصورة معجزية، سوف تُظلِم أيضًا ولكن بصورة نهائية في مجيئه الثاني. تنبأ ملاخي النبي عن يوم الصلب وأيضًا عن المجيء الثاني وكتب أن الرب يقول "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها.. هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب، اليوم العظيم والمخوف" (ملا4: 2، 5) حينما تظلم الشمس الطبيعية، تشرق شمس البر أي السيد المسيح في المجيء الأول: أشرقت شمس الخلاص عندما بسط السيد المسيح ذراعيه على خشبة الصليب. وبهذا كان الشفاء في أجنحة السيد المسيح وهو معلّق في الجو مثل الطائر أو مثل النسر الذي يفتح جناحيه أو يبسط ذراعيه يدعو الجميع إلى أحضانه التي فيها الخلاص. في المجيء الثاني: حينما تظلم الشمس، تظهر علامة ابن الإنسان في السماء. فكيف تظهر في الظلمة بدون الشمسوالقمر والنجوم إن لم تكن منيرة؟فالاحتمال الأغلب هو أن تكون العلامة هي علامة الصليب المنيرة. لأن الصليب هو علامة المسيحية في كل مكان. وقال معلمنا بولس الرسول: "كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" (1كو1: 18). وقال أيضًا: "أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا" (غل3: 1). وهذا معناه أن الإنسان المسيحي يرتسم أمام عينيه باستمرار صليب المسيح. علامة ابن الإنسان لذلك فالأغلب أن تكون علامة ابن الإنسان هيعلامة الصليب. وأن تكون مضيئة بقوة حتى يراها الجميع قبل مجيء يوم الرب العظيم والمخوف. وهذا ما تسلّمناه من تقليد الكنيسة أن الصليب هو علامة ورمز المسيحية،تتزين به الكنائس وبه تتم مباركة كل الأشياء.. فهو علامة المسيحية وعلامة البركة والخلاص والتقديس. يعقب ظهور علامة ابن الإنسان أن يظهر السيد المسيح نفسه "آتيًا على سحاب السماءبقوة ومجد كثير" (مت24: 30). مجيء ابن الإنسان قال السيد المسيح عن مجيئه الثاني: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب" (مت25: 31، 32)،وقال أيضًا: "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت16: 27). وقد وصف السيد المسيح عمدًا مجيئه الثاني مرة بقوله "في مجد أبيه"، ومرة أخرى "في مجده"كما أوردنا في الآيتين السابقتين، وذلك ليؤكد لنا أن مجده هو مجد أبيه. فللأقانيم الثلاثة مجد واحد ومُلك واحد وقدرة إلهية واحدة. لأن الجوهر الإلهي واحد غير منقسم بالإضافة إلى ذلك فإنه قد استخدم لقب "ابن الإنسان" في حديثه عن مجد أبيه السماوي ليؤكد أن "ابن الإنسان" هو هو نفسه "ابن الله" أي أن المولود من الآب قبل كل الدهور بحسب لاهوته هو هو نفسه الذي تجسد في ملء الزمان وولد من العذراء القديسة مريم بحسب ناسوته وصار ابنًا للإنسان دون أن يتغير عن ألوهيته جاعلًا ناسوته واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير هذا ما نردده في التسبحة المقدسة عن أن ابن الله هو نفسه صار ابنًا للإنسان بقولنا (لم يزل إلهًا، أتى وصار ابن بشر. لكنه هو الإله الحقيقي أتى وخلّصنا( (ثيئوطوكية يوم الخميس qeotokia) نعود إلى حديث السيد المسيح عن مجيئه في مجده أو في مجد أبيه فنقول إن هذا المجيء المملوء مجدًا سوف يكون مفرحًا للأبرار لأن به نجاتهم من الضيق العظيم ولكنه سوف يكون مخيفًا ومرعبًا للأشرار. لذلك قال: "تنوح جميع قبائل الأرض" (مت24: 30). وتتحقق النبوة "فينظرون إليَّ الذي طعنوه" (زك12: 10) لن يكون خوف الأشرار هو نوع من التوبة. لأن التوبة ينبغي أن تقترن بمشاعر الحب للرب والعرفان بقيمة دمه المسفوك من أجل غفران الخطايا لكل من يؤمن ويتوب ويتبرر. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
01 سبتمبر 2019

ما بين المجيء الأول والمجئ الثاني للسيد المسيح

نأتى الآن إلى تساؤل لماذا يختلف المجيء الأول للسيد المسيح عن مجيئه الثاني؟! جاء السيد المسيح في ظهوره الأول ليخلص العالم باعتباره هو الله الظاهر في الجسد. ولكن كان ينبغي أن يخفى مجده المنظور لكي يكون من الممكن إتمام الفداء لو ظهر السيد المسيح في ملء مجده لما احتمل البشر النظر إليه. فلا تلاميذه كان من الممكن أن يقتربوا منه ويتتلمذوا على يديه، ولا الأشرار من اليهود أو من الرومان كان من الممكن أن تمتد أيديهم إليه ليسمّروه على الصليب لقد أخلى الله الكلمة ذاته "آخذًا صورة عبد.. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موتالصليب" (في 2: 7، 8). هزم السيد المسيح كبرياء الشيطان بتواضعه وطاعته للآب السماوي كذلك حرر البشر من خطية الكبرياء، وعلّم تلاميذه: "تعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت11: 29) لقد أظهر لنا السيد المسيح أن في الكبرياء ضعف، وفي التواضع قوة. لهذا تتغنى الكنيسة في لحن أومونوجينيس "O Monogenhc" الذي يقال في الجمعة العظيمة، وفي تقديس الميرون، وفي سيامة الأب البطريرك وتقول (قدوس الله الذي أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة). ظهوره الثاني المخوف المملوء مجدًا أما المجيء الثاني فهو للدينونة في نهاية العالم. لذلك فسوف يأتي السيد المسيح في مجد أبيه مع ملائكته القديسين ويدين الجميع ويحاسب الأشرار على شرورهم لقد أعطاهم الفرصة للخلاص وانتهي زمان التوبة. وكما دفع ثمن الخطية على الصليب فسوف يأتي ليطالب بثمن الدم الذي سفكه حبًا في خلاصنا قال معلمنا بولس الرسول: "من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقابًا أشر تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدّس به دنسًا وازدرى بروح النعمة" (عب10: 28، 29) في المجيء الأول احتمل العار لأجلنا، وفي مجيئه الثاني سوف يطالبنا بثمرة محبته وإلا فسنحمل نحن عار أنفسنا لذلك قيل في مجيئه الثاني المخوف المملوء مجدًا إن الأشرار سوف "يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش" (رؤ6: 16) وقيل في نبوة زكريا النبي "فينظرون إليَّ الذي طعنوه" (زك12: 10).بمعنى أنهم سيتعجبون من مجده العظيم بالرغم من أنه هو نفسه الذي طعنوه في جنبه بالحربة ليتأكدوا من موته. وقيل أيضًا في مجيئه الثاني "تنوح جميع قبائل الأرض" (مت24: 30). بمعنى أن مجده المرهوب سوف يجعلهم يبكون على موقفهم قبالته، ينوحون لأنهم يرتعبون من مصيرهم بعد الشرور التي ارتكبوها. وليس معنى هذا النوح أنهم شعروا بمشاعر التوبة الحقيقية عند مجيء الرب لأن الكتاب يقول: "ثم سكب الملاك الرابع جامه على الشمس، فأعطيت أن تحرق الناس بنار. فاحترق الناس احتراقًا عظيمًا، وجدّفوا على اسم الله الذي له سلطان على هذه الضربات، ولم يتوبوا ليعطوه مجدًا. ثم سكب الملاك الخامس جامه على عرش الوحش، فصارت مملكته مظلمة. وكانوا يعضون على ألسنتهم من الوجع. وجدّفوا على إله السماء من أوجاعهم ومن قروحهم، ولم يتوبوا عن أعمالهم" (رؤ16: 8-11). بمعنى أن الضربات التأديبية من الله على الأشرار لم تقتادهم إلى التوبة بل على العكس ازدادوا زيغانًا بالرغم من الآلام التي وقعت عليهم. لذلك فإن دينونتهم الأبدية هي نتيجة لعدم توبتهم لا بواسطة الحب والرفق من قبل الله ولا بواسطة التأديبات إذ قد استمروا في عنادهم وعدم توبتهم مثل الشيطان لذلك يقول القديس يوحنا في رؤياه: "وسمعت ملاك المياه يقول: عادل أنت أيها الكائن والذي كان والذي يكون، لأنك حكمت هكذا. لأنهم سفكوا دم قديسين وأنبياء، فأعطيتهم دمًا ليشربوا، لأنهم مستحقون. وسمعت آخر من المذبح قائلًا: نعم أيها الرب الإله القادر على كل شيء حق وعادلة هي أحكامك" (رؤ16: 5-7) وقال أيضًا: "وبعد هذا سمعت صوتًا عظيمًا من جمع كثير في السماء قائلًا: هللويا الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا. لأن أحكامه حق وعادلة، إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدتالأرض بزناها، وانتقم لدم عبيده من يدها. وقالوا ثانية: هللويا ودخانها يصعد إلى أبد الآبدين" (رؤ19: 1-3). يدين المسكونة بالعدل من الواضح أن يوم الدينونة هو يوم لاستعلان دينونة الله العادلة. بعد أن أطال أناته كثيرًا على الخطاة لعله يقتادهم إلى التوبة فمن الواجب أن نحترس من قساوة القلب التي تمنع التوبة. فالكتاب يحذر الإنسان غير التائب قائلًا: "من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" (رو2: 5) ينبغى أن نتذكّر باستمرار أن لطف الله إنما يقتادنا إلى التوبة وأن نكون دائمًا ساهرين على حياتنا الروحية مستعدين لاستقبال العريس كما أوصانا هو بنفسه. النبوة التي وردت في سفر ملاخي سفر ملاخي وهو آخر أسفار العهد القديم. يتكلم في آخر آيات منه عن مجيء الرب فيقول: "هأنذا أرسل إليكم إيلياالنبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن" (ملا4: 5-6) وفي بداية الأصحاح الرابع والأخير يقول: "فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور وكل المستكبرين وكل فاعلى الشر يكونون قشًا ويحرقهم اليوم الآتي قال رب الجنود: فلا يبقى لهم أصلًا ولا فرعًا. ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها.. اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام" (ملا4: 1، 2، 4)إنها كلمات رائعة لأنه يتكلم عن المجيء الأول وعن المجيء الثاني في نفس الوقت. فحينما يقول: "يوم الرب اليوم العظيم والمخوف" هذا يشير إلى المجيء الثاني بالأكثر لكن هذا لا يمنع أنه في المجيء الأول أيضًا كان هناك يوم صلب السيد المسيح يومًا عظيمًا ومخوفًا قال بطرس الرسول في عظة يوم الخمسين: "هذا ما قيل بيوئيل النبي يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أنيأسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلامًا. وعلى عبيدي أيضًا وإمائي أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون. وأعطى عجائب في السماء من فوق وآيات على الأرضمن أسفل دمًا ونارًا وبخار دخان، تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهير، ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص" (أع2: 16-21).من الواضح هنا أنه يتكلم عن يوم الصليب لأنه يقول "تتحول الشمس إلى ظلمة" وهذا حدث بالفعل في يوم الصلب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وحينما يقول: "دمًا ونارًا وبخار دخان" فالدم كان هو دم السيد المسيح، والنار لأن السيد المسيح قدّم نفسه صعيدة ومحرقة على الصليب فتنسم رائحة ذبيحته أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة، فالدم والنار وبخار الدخان تشير إلى الصعيدة التي أُصعدت واشتمها الآب رائحة رضا وسرور.ويقول معلمنا بولس الرسول في (عب9: 14) عن السيد المسيح: "الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب". الروح الأزلي هو الروح القدس. وحينما أصعد السيد المسيح نفسه على الصليب بالروح القدس كان هذا هو معنى النار التي أصعدت الذبيحة. لكن كما أن هذه الآيات تشير إلى المجيء الأول فإنها تشير إلى المجيء الثاني أيضًا. لأنه يقول عن المجيء الثاني:"منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب" (2بط3: 12). وأيضًا "سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزولالسماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط3: 10) فالمجيء الثاني سوف يكون مهوبًا ومرهوبًا ومخوفًا أكثر من الزلزلة التي حدثت في وقت الصلب. إن ما حدث في يوم الصلب كان مقدمة وإنذارًا لما سوف يحدث في المجيء الثاني حينما رأى التلاميذ إيليا وموسى على جبل التجلي سألوا السيد المسيح "فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولًا" (مت17: 10) رد السيد المسيح: "إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا" (مت17: 12) "حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان" (مت17: 13) وفي البشارة بميلاد يوحنا المعمدان قال الملاك إنه "يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو1: 17). وما قاله الملاك عن يوحنا المعمدان هو ما ورد في نبوة ملاخي "فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن" (ملا4: 6) وعلى الرغم من أنه في هذه الآية يؤكد على المجيء الثاني لكنها تشير رمزيًا إلى المجيء الأول، لأن يوحنا المعمدان كان يرمز إلى إيليا، وكانت له شخصية وأسلوب إيليا، أو المواهب التي يمنحها الروح القدس للأنبياء إن إيليا النبي الذي صعد حيًا إلى السماء سوف يأتي قبل مجيء الرب المخوف والمرهوب في مجيئه الثاني. هو صعد حيًا إلى ما قبل أزمنة رد كل شيء لأنه في قصد الله أن يكون لإيليا وأخنوخ رسالة معينة في مسلسل العمل الإلهي بواسطة قديسيه إن هذا التداخل -إذا صح هذا التعبير- بين العهد القديم والعهد الجديد هو أمر رائع. فقد نقل الله اثنين من أنبياء العهد القديم المميزين وحفظهم عنده في السماء أحياءً ليدخلهم في نسيج العمل الروحي والتدبير الخاص بمقاصد الله في حياة الكنيسة في العهد الجديد. وسوف تتضح الصورة في النهاية حينما تكتمل الأحداث الله يأخذ من أنبياء العهد القديم للعمل في العهد الجديد، لأنه هو إله العهدين، ولأنه يريد أن يعرفنا أن شهادة يسوع هي روح النبوة، كما قال بطرس الرسول: "الخلاص الذي فتّش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم، باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها، الذين أعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أخبرتم بها أنتم الآن بواسطة الذين بشروكم في الروح القدس المرسل من السماء، التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها" (1بط1: 10-12) أتى يوحنا المعمدان كشاهد على مسح السيد المسيح وعمّده في نهر الأردن. كان هذا كاهنًا من نسل هارون، لكنه كان شاهدًا لاستعلان المسيا في يوم الظهور الإلهي. وقال: "الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلًا ومستقرًا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (يو1: 33-34). موسى وإيليا على جبل التجلي هذا عن يوحنا المعمدان لكنه شيء جميل أن نرى موسى وإيليا هما أيضًا على جبل التجلي، واحد أتى بالروح والآخر روحًا وجسدًا لأنه لازال حيًا إلى الآن. جاءا ليتكلما مع السيد المسيح أمام ثلاثة من الآباء الرسل عن صلبه وتدبير الفداء والخلاص. كانت زيارة من جوف التاريخ لمعايشة الحدث في روعته في حالة من التجلي مع صوت الآب والسحابة النيرة. قيامة أجساد الراقدين ودخولهم أورشليم هذه الزيارات من العهد القديم هي شيء في منتهي الروعة. ويصل الموقف إلى ذروة الروعة حينما "قام كثير من أجساد القديسين الراقدين" (مت 27: 52) في يوم قيامة السيد المسيح من الأموات بعد أن تمم الفداء "ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين" (مت27: 53) لكي يعلنوا إنهم نقلوا من الجحيم إلى الفردوس وإنهم يأتون الآن بالجسد والروح لكي يشهدوا للمخلص المسيح إنه رب القيامة ورب الحياة، قيامتهم المؤقتة جاءت كعربون ومقدمة للقيامة العامة في اليوم الأخير، لكي نعرف أن الراقدين بيسوع سيحضرهم أيضًا معه، كشهادة حية ملموسة لقيامة الأبرار، لئلا يظن أحد أن المسيح فقط هو الذي قام. جاء هؤلاء ليشهدوا "بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا" (1يو1: 2). وكأن الزمن قد اجتمع في نقطة واحدة. هذا نوع آخر من الاختراق من العهد القديم في العهد الجديد. إن هذا التلاشي للفوارق الزمنية يعطينا فكرة عن خروجنا خارج دائرة الزمن حينما يأتي المسيح في مجيئه الثانيويأخذنا لنحيا معه في الأبدية. الزيتونتان والمنارتان تكلّمنا عن يوحنا المعمدان كحلقة اتصال بين العهدين وعن التجلي وعن قيامة القديسين الذين شهدوا بالقيامة. والآن نتأمل في الإصحاح الحادي عشر من سفر الرؤيا: "وسأعطى لشاهديَّ فيتنبآن ألفًا ومئتين وستين يومًا لابسين مسوحًا. هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض. وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما، تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما، وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما، فهكذا لابد أنه يقتل. هذان لهما السلطان أن يغلقا السماء حتى لا تمطر مطرًا في أيام نبوتهما ولهما سلطان على المياه أن يحوّلاها إلى دم وأن يضربا الأرض بكل ضربة كلما أرادا. ومتى تمما شهادتهما فالوحش الصاعد منالهاوية سيصنع معهما حربًا ويغلبهما ويقتلهما" (رؤ11: 3-7) هناك إشارات تدل على أن أحد المذكورين في هذا الأصحاح هو إيليا النبي، لأن إيليا كان له سلطان أن يجعلالسماء لا تمطر مطرًا في أيام نبوته، ونزلت نار من السماء وأكلت أفواج الجنود الذين أرسلهم الملك إليه في كبرياء. والدليل على أنهما إيليا وأخنوخ أنه قيل "هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض". فإيلياوأخنوخ هما الأحياء والقائمين أمام رب الأرض. وأيضًا ذكر أنهما لابسين مسوحًا وهذا ما نعرفه عن إيليا النبي. أما أخنوخ فلا نعرف عنه الكثير، فقد ذكر عنه الكتاب "وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" (تك5: 24). لكن ذكر في رسالة يهوذا أن له نبوة تدل على قوته فقيل "وتنبأ عن هؤلاء أيضًا أخنوخ السابع من آدم قائلًا: هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار" (يه14، 15). وهو هنا يتكلم عن المجيء الثاني والنبوة أيضًا تشير إلى المجيء الأول لأن المجيء الأول فيه أيضًا ملامح للدينونة مع أنه مجيء للخلاص. فقد قيل عن الروح القدس إنه "يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" (يو16: 8) إن دخول أخنوخ وإيليا إلى صراع الكنيسة ضد الوحش قرب نهاية الأيام هو تدبير إلهي عجيب يتواصل فيه العهد القديم مع العهد الجديد لأن الرب نفسه هو إله العهدين ولابد أن من بقى حيًا من العهد القديم أن ينال بركات العهد الجديد. ويحيا بمقتضى شريعة الكمال ويجاهد مع الكنيسة المفتداة بدم الحمل. هل يتباطأ الرب عن موعد مجيئه؟ عالج القديس بطرس الرسول مشكلة الذين يعتبرون أن الرب قد تباطأ عن موعد مجيئه فقال إنه "سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات أنفسهم، وقائلين: أين هو موعد مجيئه لأنه من حين رقد الآباء كل شيء باقٍ هكذا من بدء الخليقة.. ولكن لا يخفَ عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء: أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماواتبضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط 3: 3، 4، 8-10). الله فوق الزمن بالطبع لا أحد يعرف متى سيحدث المجيء الثاني حتى بطرس الرسول نفسه الذي أوحى إليه الروح القدس بكتابة هذه التعاليم، من الواضح أنه يتكلم عن مبادئ وليس عن أوقات. بدليل قوله كما أوردنا: "أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد" وهذا شيء طبيعي لأن الله فوق الزمن أي غير زمني وحاضر في كل زمان كما أنه حاضر في كل مكان. وقد كتب الشاعر الفرنسي دي لامارتين عبارة جميلة قال فيها: [إن كينونة يهوه لا تقاس بالشهور والأيام، فيومه يوم أزلي وهو الكائن على الدوام]. ويقول القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات في قداسه المشهور مخاطبًا ابن الله الوحيد: (أنت الكائن في كل زمان أتيت إلينا على الأرض أتيت إلى بطن العذراء). وكتب القديس يوحنا الإنجيلي في رؤياه عن الله الكلمة: "أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء" (رؤ 1: 8). بمعنى أن الرب كائن في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل الذي يأتي. لأن الرب لا يعبر زمنًا بل نحن الذين نذهب إليه عبر الزمان لنجده في انتظارنا في الأبدية. أما عن مجيئه الثاني فيقول: "وها أنا آتي سريعًا وأجرتي معي لأجازى كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر" (رؤ22: 12،13). فإن مجيئه بالجسد الممجد الذي صنع به الخلاص لأجلنا هو للدينونة في اليوم الأخير، ولكي يأخذ قديسيه ويدخل بهم إلى المجد. وقد لخّص الله الكلمة مفهوم كينونته الدائمة غير المحدودة بزمان عند ظهوره لموسى في صورة نار مشتعلة في عليقة، والعليقة لا تحترق، إذ قال لموسى حينما سأله عن اسمه "أهيه الذي أهيه" (خر3: 14) أي "أكون الذي أكون" بمعنى الكائن على الدوام أو الكائن الذي هو كائن أي الكائن الضروري فوق حدود الزمان والمكان.. طالبين سرعة مجيء يوم الرب بالرغم من أن القديس بطرس الرسول قد أوضح -كما أوردنا- أن الرب في مجيئه الثاني لا يشاء أن يهلك إنسان، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. بمعنى أنه يطيل أناته على العالم بصورة تؤكد عدم تسرعه في إهلاك الناس الذين يتجاهلون الدينونة العتيدة أن تأتى على العالم. كما أنه يعطى فرصة للمجاهدين ليكملوا جهادهم ولأصحاب الرسالة الروحية أن يكملوا رسالتهم.. إلا أن القديس بطرس من جانب آخر يحث المؤمنين أن ينتظروا وأن يطلبوا سرعة مجيء يوم الرب كعلامة لاشتياقهم للقاء العريس وتقديرهم لروعة الملكوت المعد للقديسين. إن من يسلك في حياة التوبة وفي حياة القداسة لابد أن تتطلع روحه باشتياق لمجيء السيد المسيح. كذلك فإن انتظار مجيء الرب هو من علامات حياة الاستعداد المؤكدة. لهذا قال بطرس الرسول بعدما تكلم عن زوال السماوات واحتراق الأرض والمصنوعات التي فيها "فبما أن هذه كلها تنحل، أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى؟ منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب، الذي به تنحل السماوات ملتهبة، والعناصر محترقة تذوب" (2بط3: 11،12). نبوة بالروح القدس لم يكن ممكنًا في العصر الذي كتب فيه القديس بطرس رسالته الثانية أن يوجد من يفهم معنى الانفجار النووي وتحطيم الذرة. ولكن القديس بطرس أورد أقوالًا لا يمكن تفسيرها عمليًا إلا في ضوء المكتشفات العلمية الحديثة في عالم العناصر والذرات المكونة لها. قال بطرس الرسول: "ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط3: 10). وقال أيضًا: "تنحل السماوات ملتهبة، والعناصر محترقة تذوب". إن انحلال العناصر واحتراقها بضجيج هو أمر غير ممكن إلا عن طريق انشطار نواة الذرة للعنصر وهو الأمر الذي لا يتحقق إلاّ في التفجيرات والتفاعلات النووية وهو ما لم يكن ممكنًا في عصر بطرس الرسول. كذلك فإن احتراق العناصر لم يكن أمرًا ممكنًا في عصر القديس بطرس الرسول. كيف يحترق الحديد أو ينحل؟ كيف يحترق الذهب أو ينحل؟ كيف يحترق الكالسيوم أو ينحل؟ وكيف تحترق الأحجار والصخور وكيف تنحل؟.. كل ذلك من الممكن أن يحدث بواسطة التفجيرات النووية التي تنحل بواسطتها العناصر محترقة وينتج عن ذلك ضجيج هائل مدوي وطاقة حرارية وإشعاعات مروعة حينما قال القديس بطرس عن الأجرام السماوية إنها سوف تنحل بضجيج ملتهبة فإن الروح القدس هو الذي أوحى إليه بهذه الكلمات التي لا تناسب على الإطلاق عصره البسيط. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
31 أغسطس 2019

المجيء الثاني للسيد المسيح وقيامة الأموات

رابعا جسم القيامة أما كيف يقام الأموات وما نوع الجسد الذي سنقوم به يجيب الروح القدس على لسان القديس بولس " لكن يقول قائل كيف يقام الأموات وبأي جسم يأتون ؟ يا غبي الذي تزرعه لا يحيا أن لم يمت والذي تزرعه لست تزرع الجسم الذي سوف يصير بل حبة مجردة ربما من حنطة أو أحد البواقي ، ولكن الله يعطيها جسما كما أراد ولكل واحد من البزور جسمه ، ليس كل جسد جسدا واحدا بل للناس جسد واحد وللبهائم جسد آخر وللسمك آخر وللطير آخر ، وأجسام سماوية وأجسام أرضية لكن مجد السماويات شيء ومجد الأرضيات آخر ، مجد الشمس شيء ومجد القمر آخر ومجد النجوم آخر لان نجما يمتاز عن نجم في المجد ، هكذا أيضا قيامة الأموات يزرع في فساد ويقام فيعدم فساد يزرع في هوان ويقام في مجد يزرع في ضعف ويقام في قوة ، يزرع جسما حيوانيا ويقام جسما روحانيا يوجد جسم حيواني ويوجد جسم روحاني ، هكذا مكتوب أيضا صار آدم الإنسان الأول نفسا حية وآدم الأخير روحا محييا ، لكن ليس الروحاني أولا بل الحيواني وبعد ذلك الروحاني ، الإنسان الأول من الأرض ترابي الإنسان الثاني الرب من السماء ، كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضا وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضا ، وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضا صورة السماوي . فأقول هذا أيها الاخوة أن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله ولا يرث الفساد عدم الفساد ، هوذا سر أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير ، في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير فانه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير ، لان هذا الفاسد لا بد أن يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت ، ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع الموت إلى غلبة ، أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية " (1كو35:15-55) . القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب المجيء الثاني متى يكون وما هي علاماته؟
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل