المقالات

15 سبتمبر 2019

تعرف على رموز وأصل النيروز رأس السنة القبطية وموسم فيضان النيل

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعيد الشهداء "النيروز"، رأس السنة القبطية، حيث يتناول الأقباط البلح الأحمر والجوافة، حيث يرمز البلح إلى دم الشهداء بينما الجوافة إلى الأبيض رمز الطهر والنقاء. الأصل التاريخي لعيد النيروز النيروز وعيد رأس السنة المصرية هو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة، وقد أتت لفظة نيروز من الكلمة القبطية nii`arwou (ني - يارؤو) = الأنهار، وذلك لأن ذاك الوقت من العام هو ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل سبب الحياة في مصر. ولما دخل اليونانيين مصر أضافوا حرف السي للأعراب كعادتهم (مثل أنطوني وأنطونيوس) فأصبحت نيروس فظنها العرب نيروز الفارسية. علاقة عيد النيروز بفيضان النيل رمز الخير والبركة لأرض مصر نظرًا لارتباط النيروز بالنيل أبدلوا الراء بالأم فصارت نيلوس ومنها أشتق العرب لفظة النيل العربية. أما عن النيروز الفارسية فتعني اليوم الجديد (ني = جديد ، روز= يوم) وهو عيد الربيع عند الفُرس ومنه جاء الخلط من العرب، وأصبحت نياروس ومعناه الكامل "عيد مباركة الأنهار". أول شهور السنة القبطية توت هو أول شهور السنة القبطية، مشتق من الإله تحوت إله المعرفة وهو حكيم مصري عاش أيام الفرعون مينا الأول وهو مخترع الكتابة ومقسم الزمن، وقد أختار بداية السنة المصرية مع موسم الفيضان لأنه وجد نجمة الشعري اليمينية تبرق في السماء بوضوح في هذا الوقت من العام مما يعني أن السنة القبطية، سنة نجمية وليس شمسية مما يجعلها أكثر دقة من الشمسية التي احتاجت للتعديل الغريغوري وبالتالي لم تتأثر بهذا التعديل وذلك لأن الشمس تكبر الأرض بمليون وثلث مليون مرة والشعري اليمينية تكبر الشمس بـ200 مرة، مما يعني أنها أكبر من الأرض بـ260 مليون مرة مما يجعل السنة النجمية أدق عند المقارنة بالشمسية. دقلديانوس عصر الشهداء وإعلان التقويم القبطي بدأ الأقباط تقويم الاستشهاد وجعلوا هذا التقويم (المصري) يبدأ بالسنة التي صار فيها دقلديانوس إمبراطورًا (عام 284 ميلادية) لأنه عذب وقتل نحو مليون ونصف مليون من الأقباط، وسمى هذا التقويم بعد ذلك بتقويم الشهداء وهو الآن سنة 1733 للشهداء الأطهار. مع عصر دقلديانوس أحتفظ المصريين بمواقيت وشهور سنينهم التي يعتمد الفلاح عليها في الزراعة مع تغيير عداد السنين وتصفيره لجعله السنة الأولي لحكم دقلديانوس =282 ميلادية = 1 قبطية = 4525 توتية (فرعونية)، ومن هنا أرتبط النيروز بعيد الشهداء، حيث كان في تلك الأيام البعيدة يخرج المسيحيين في هذا التوقيت إلي الأماكن التي دفنوا فيها أجساد الشهداء مخبئة ليذكروهم، وقد أحتفظ الأقباط بهذه العادة حتى أيامنا فيما يسمونه بالطلعة. ماذا قال هيرودت عن التقويم القبطي؟ قال هيرودت المؤرخ الإغريقي (قبل الميلاد بحوالي ثلاثة قرون) عن التقويم القبطي (المصري): [وقد كان قدماء المصريين هم أول من أبتدع حساب السنة وقد قسموها إلى 12 قسمًا بحسب ما كان لهم من المعلومات عن النجوم، ويتضح لي أنهم أحذق من الأغارقة (اليونانيين)، فقد كان المصريون يحسبون الشهر ثلاثين يومًا ويضيفون خمسة أيام إلى السنة لكي يدور الفصل ويرجع إلى نقطة البداية]. ولقد قسم المصريين (منذ أربعة آلف ومائتي سنة قبل الميلاد) السنة إلى 12 برجًا في ثلاثة فصول (الفيضان - الزراعة - الحصاد) طول كل فصل أربعة شهور، وقسموا السنة إلى أسابيع وأيام، وقسموا اليوم إلى 24 ساعة والساعة إلى 60 دقيقة والدقيقة إلى 60 ثانية وقسموا الثانية أيضًا إلى 60 قسمًا والسنة في التقويم القبطي هي سنة نجمية شعرية أي مرتبطة بدورة نجم الشعري اليمانية (Sirius) وهو ألمع نجم في مجموعة نجوم كلب الجبار الذي كانوا يراقبون ظهوره الاحتراقي قبل شروق الشمس قبالة أنف أبو الهول التي كانت تحدد موقع ظهور هذا النجم في يوم عيد الإله العظيم عندهم، وهو يوم وصول ماء الفيضان إلى منف (ممفيس) قرب الجيزة. وحسبوا طول السنة (حسب دورة هذا النجم) 365 يومًا، ولكنهم لاحظوا أن الأعياد الثابتة الهامة عندهم لا تأتى في موقعها الفلكي إلا مرة كل 1460 سنة، فقسموا طول السنة 365 على 1460 فوجدوا أن الحاصل هو 4/1 يوم فأضافوا 4/1 يوم إلى طول السنة ليصبح 365 يومًا وربع. أي أضافوا يومًا كاملا لكل رابع سنة (كبيسة). وهكذا بدأت الأعياد تقع في موقعها الفلكي من حيث طول النهار والليل. شهور السنة القبطية: شهور السنة القبطية هي بالترتيب: توت، بابه، هاتور، كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى ثم الشهر الصغير (النسئ) وهو خمسة أيام فقط. (أو ستة أيام في السنة الكبيسة). ومازالت هذه الشهور مستخدمة في مصر ليس فقط على المستوى الكنسي بل على المستوى الشعبي أيضًا وخاصة في الزراعة
المزيد
14 سبتمبر 2019

ما هو عيد النيروز (رأس السنة القبطية)‏

بمناسبة رأس السنة القبطية معروف إنها سنه الشهداء –تقويم الشهداء – ولذلك نقول بارك إكليل السنة بصلاحك. سنتكلم عن إكليل الشهادة أو روح الاستشهاد. روح موجودة في الكتاب المقدس. موجودة في حياة المسيحيين بصفة عامه سواء استشهد هذا الإنسان أو لم يستشهد تبقى هذه الروح متأصلة فيه ويسلك بها مهما كانت الظروف.. ولو جاء وقت وعرض عليه الاستشهاد يتقدم للاستشهاد عن طيب قلب بفرح وشوق للأبدية يقول معلمنا بولس الرسول: "من سيفصلنا عن محبة المسيح أشده أم ضيق أم اضطهاد؟!".. عاوز يقول أنه لا شئ يفصلنا عن محبة المسيح فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا.. تقدر أن تفصلنا عن محبة الله فهذه هي روح الاستشهاد مهما حدث لا يمكن أن تتزحزح محبته لربنا "لا موت ولا حياة".. يعني حتى لو وصلت إلي درجة الموت الذي هو الاستشهاد لا تفصله عن محبته التي في المسيح يسوع هذه هي روح آباؤنا..يقول "خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا ثقل مجد أبدي "وربنا قال "من وجد نفسه يضيعها ومن أضاع نفسه من أجلي يجدها الجسد يضمحل ويفني فسواء فني بالجهاد.. بالاستشهاد أو بالأمراض.. فالأفضل أن الإنسان يقدمه ذبيحة حيه لله بالجهاد والتفاني في خدمة الله ومحبته حتى الاستشهاد.. مثل معلمنا بولس الرسول يوصف الجهاد الكثير الذي قدمه من أجل الله" في الأتعاب أكثر في السجون أو في.. فموضوع الاستشهاد أو روح الاستشهاد بيكون يعيشها الإنسان المسيحي.. يعيشها الشهيد طوال حياته لكن لحظة الاستشهاد هي قمة الفرح والشهوة التي يتم فيها اشتياقات قلبه وهذا هو الوقت الذي يفرح فيه. إن طلبته إستجيبت مثلما ظهرت العذراء للقديس بستفروس وقالت له "طلبتك إستجيبت.. والملاك ميخائيل سيكون في حراستك حتى تنال إكليل الشهادة".. يبقى الإنسان مشتاق أن يخلع هذا الإنسان العتيق "لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذلك أفضل جداً "فيعيش الإنسان المسيحي في حياة جهاد روحي وضبط للنفس إلى أبعد الحدود وهذه توصله لحياة الاستشهاد وليس لحظة الاستشهاد. يبقى عايش حياة استشهاد تتكلل بيوم الاستشهاد أو لحظة الاستشهاد متكل في جهاده طبعاً على نعمة ربنا وعايش حياة تسليم لمشيئة ربنا. من الحاجات الجميلة التي كان يعيشها آباؤنا أنهم كانوا عايشين حياة شكر..حياة الشكر ممكن تكون حياة استشهاد أيضاً لأن الإنسان لما يشكر وهو في الضيق يحسب له إكليل شهادة. يعنى ترى واحد مثل يوسف الصديق وهو ذاهب يخدم إخوته ويحمل لهم الطعام مبتهج وفرحان إنه سيقابل إخوته ويقدم لهم الأكل فيجد صدمة قوية.. هذا هو صاحب الأحلام يرموه في البئر ثم يبيعوه للإسماعيليين.. قاسيه. قاسيه جداً ويتحملها وجُرح في بيت أحبائه.. جُرح من اخوته ويوسف كان شاكر ربنا ثم دخل فى مرحله أصعب دخل في اتهام صعب جدا.. ورغم هذا لم يحصل على براءة وقتها بل دخل السجن واحد يقول ده جزاؤه واحد يمشى مع ربنا ويبقى أمين.. ولم يعمل خطيه.. ويترمى فى السجن! تلاقى ربنا يحّوش له المجد بتاعه.. تقول دى روح استشهاد ولا حاجه تانى.. يتحمّل وبشكر. تعرف مقدار الشكر الذي عاشه يوسف تراه لما قابل إخوته فى المرة الأولى والثانية وبعد نياحة أبوه هذا أقوى كثيراً.. إخوته خايفين ولكن لأن يوسف كان عايش حياة شكر وحياة استشهاد يقول أنتم قصدتم بى شراً ولكنّ الله قصد بى خيراً.. وبهذه الروح.. بروح الاستشهاد عال اخوته وكل الذين خرجوا من إسرائيل وكل من ولدوا أيضا في مصر واحد مثل أيوب كان عايش حياة شكر.. والشيطان لم يعجبه حياة الشكر التي يعيشها أيوب.. فبدأ يحتال على أيوب لكي يخرجه من حياة التسليم والسلام والهدوء كان دائم الشكر لربنا ويقول "الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً"، "الخير من الرب نقبل والشر لا نقبل" لو دخلنا في تاريخ الكنيسة نجد نماذج كثيرة جداً من حياة الاستشهاد حتى ولو بدون سفك دم يعنى آباء البريه بدون استثناء نجدهم عاشوا حياة استشهاد قويه واحد مثل الأنبا أنطونيوس أو الأنبا بولا فرحوا وتركوا كل شئ هذه كانت روح استشهاد مكسيموس ودوماديوس كان الأنبا مقاريوس يسميهما الشهيدان الصغيران والشهيدان الغريبان الأنبا بيشوي الذي هرب من الاستشهاد لأنه خايف أن الرجل الذي سيقتله يذهب إلى جهنم بسببه ولكن من الداخل يعيش حياة استشهاد؛ يعنى كونه يربط شعره في سقف القلايه وكلّما ينعس يتشد الشعر فيصحى تانى دى تسميها إيه؟ روح استشهاد قوية. ومع بداية سنة جديدة نقول له يارب هذا تقويم الشهداء وهذه سنة الشهداء اجعلنا نسلك بنفس روح آبائنا الشهداء وتكون هذه السنة سنة مقبولة. اتركها هذه السنة أيضاً لكيما نجاهد جهاداً قانونيا مثل جهاد آباؤنا الشهداء فنستحق أكاليل مقدسة مثلهم ربنا يعطينا يا أحبائي أن نجاهد لكي نستحق أن نُكلل مثلهم.1 لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين. الأنبا ديميتريوس أسقف ملوى وأنصنا والاشمونين
المزيد
13 سبتمبر 2019

دوافع الاستشهاد في المسيحية

لا يوجد في كل تاريخ البشرية شهداء مثل شهداء المسيحية، في حماسهم وشجاعتهم وإيمانهم ووداعتهم وصبرهم واحتمالهم فرحهم بالاستشهاد، فقد كانوا يقبلون الموت في فرح وهدوء ووداعة تذهل مضطهديهم.، ولقد قبل المؤمنون بالمسيح مبادئ روحية أساسية غيرت حياتهم الشخصية ومفاهيمهم ونظرتهم للحياة كلها وجعلتهم يقبلون الاستشهاد، فما هي؟ 1. أن هذا العالم وقتي بالقياس إلي الحياة الأبدية " لأن (الأشياء) التي تري وقتية وأما التي لا تري فأبدية ". 2. وأننا غرباء فيه.. "أطلب إليكم كغرباء ونزلاء..". 3. وأن العالم قد وضع في الشرير والحياة في حزن وألم وضيق " ستبكون وتنوحون والعالم يفرح". 4. وأن ضيقات وأحزان هذه الحياة تتحول إلي مجد عظيم في السماء " آلام هذا الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يعلن فينا". من أجل هذا زهدوا في العالم واشتهوا الانطلاق من الجسد لكي يكونوا مع المسيح، وقد فعلوا هذا عن محبة كاملة للرب مفضلين الرب عما سواه، وكانت حياتهم في الجسد حياة في العالم وليست للعالم. ونستطيع أن نميز ثلاث فئات من شهداء المسيحية من حيث دافع الاستشهاد: 1. شهداء من أجل ثباتهم علي الإيمان: وغالبية الشهداء تنتمي إلي هذه الفئة. 2. شهداء من أجل المحافظة علي العفة والطهارة 3. شهداء تمسكوا بالعقيدة حتى الموت. أنواع العذابات: في أيام الاضطهاد كان الوثني يوجه عبارة إلي المسيحي هي "لا حق لك في أن توجد" وهي تعبير عن مشاعر البغض والعداوة التي في نفوس الوثنيين من نحو المسيحيين والتي أفضت إلي أنواع من العذاب والأهوال لا نقدر أن نحصي عددها أو نصف أنواعها، وقد يكون مجرد ذكرها يسبب رعبا للإنسان. نفسية الشهيد وقت التعذيب كان غرض الحكام والولاة من تعذيب المسيحيين هو تحطيم شجاعتهم وإضعاف روحهم المعنوية، ولكن كان دائما يحدث العكس إذ كان التعذيب أداة لتحريكها وتقويتها وهذا أمر خارج حدود المنطق ويفوق الطبيعة ولكنه عمل النعمة داخل قلب الإنسان المؤمن التي تحول الحزن إلي فرح والضيق إلي تعزية، أما السبب في ذلك هو: المعونة الإلهية التي وعد بها الرب كل الذين يتألمون من أجله. تعاطف الكنيسة كلها مع المتقدمين للشهادة وتدعيمهم معنويًا وروحيًا. الإحساس بشرف التألم من أجل الإيمان. التطلع إلي المجد العظيم الذي ينتظر كل من يتألم من أجل الله. تشجيع الله لهم عن طريق الرؤى والظهورات. بطولة الشهداء أثناء محاكماتهم تتعجب إذ تري في المحاكم الرومانية منظر المسيحيين الأبرياء الضعفاء المسالمين وهم يقفون أمام أباطرة وحكام وقضاة وثنيين بما لهم من الجبروت والغطرسة والظلم وحولهم خصومًا من الدهماء يصيحون بعنف وكيف أن هؤلاء المسيحيون أقوياء معاندين أذلوا قضاتهم بعد أن فشلوا في إخضاعهم، كل هذا وهم في صبر مذهل واحتمال عجيب وإيمان لا يلين.. صورة إنجيلية فيها الكلمات وقد تحولت إلي أعمال حية وشهادة ناطقة وكان أول سؤال في المحاكمة هو "هل أنت مسيحي؟" وكان مجرد اسم "مسيحي" -في نظر الدولة الرومانية- في حد ذاته يحمل أبشع جريمة تلصق بصاحبها الشبهة بالعصيان وتدنيس المقدسات، وأما المسيحيون كان لهم ردا واحدا لا يتغير "أنا مسيحي" فيصيح الدهماء "الموت للمسيحي". فئات الشهداء عندما بدأت الاضطهادات تقدم المؤمنون من كل الفئات للشهادة، الأمراء والنبلاء والولاة والضباط والجنود في الجيش الروماني وأساقفة وقسوس وشمامسة ورهبان وراهبات وأطفال وصبيان وفتيات وأمهات وشباب وأراخنة وفلاحين وعبيد وإماء وفلاسفة وعلماء وسحرة وكهنة أوثان أفراد وجماعات. حقيقة الاستشهاد في المسيحية ما هي حقيقة الاستشهاد في المسيحية؟ هل كان نوعًا من الجنون والجهل والحماقة؟ أم كان نوعا من الهروب من الحياة أو الانتحار تحت ظروف قاسية؟ بالطبع لم يكن هذا كله بل كان ثقل مجد لأولئك الشهداء وللمسيحية. فماذا كان الاستشهاد في المسيحية؟ كان شهوة: حتى أن البعض عندما أتيحت لهم فرصة الهروب من الموت رفضوا وثبتوا. كان شجاعة: شجاعة الفضيلة، لم يكن رعونة بل شجاعة لم يألفها العالم القديم بدكتاتورية حكامه وإجاباتهم نغمة جديدة علي سمع العالم وقتذاك. كان كرازة: فقد انتشر الإيمان بالاستشهاد أكثر من التعليم، ودماء الشهداء روت بذار الإيمان . كان دليلا علي صدق الإيمان بالمسيح: فقد أنتصر الإيمان بالمسيح علي أعدائه بالقوة الأدبية الروحية وحدها وليس بقوة مادية كان برهانا علي الفضائل المسيحية: في أشخاص شهداء المسيحية تجلت الفضائل المسيحية ولم تنجح الشدائد أن تجعلهم يتخلون عنها ومنها: الثبات والاحتمال والوداعة ومحبة الأعداء والعفة والطهارة والزهد في العالم والحنين إلي السماويات. مكانة الشهداء في الكنيسة الكنيسة تتشفع بالشهداء وهذه عقيدة إيمانية إنجيلية تمارسها الكنيسة الجامعة من البداية، وفي طقس الكنيسة تذكرهم الكنيسة في التسبحة و السنكسار cuna[arion و الدفنار وفي تحليل الكهنة في صلاة نصف الليل وفي صلاة رفع بخور عشية وباكر وفي القداس، وتحتفظ الكنيسة برفات الشهداء وتضع أيقوناتهم وتحتفل بتذكار استشهادهم سنويًا. نيافة المتنيح الحبر الجليل الأنبا يوأنس أسقف الغربية
المزيد
12 سبتمبر 2019

النيروز ( رأس السنة القبطية للشهداء )

في هذا اليوم تعيد الكنيسة برأس السنة القبطية للشهداء ويسمى النيروز وهي كلمة فارسية معناها اليوم الجديد . وفيه تقام الاحتفالات تكريما لشهداء المسيحية وتخليدا لذكراهم وتبركا بحياتهم . إيمانا من الكنيسة والمؤمنين بفاعلية صلواتهم وطلباتهم . وقد بدأ تقويم الشهداء في بداية حكم الإمبراطور دقلديانوس سنة 284م والكنيسة تقدم لأبنائها تاريخ المسيحية المبكرة في أبهي صورة . حينما قدم المسيحيون ذواتهم في عهد ذلك الإمبراطور . نماذج للحب والبذل والأيمان والاحتمال ومحبة الأعداء بل ان الكنيسة تقدم قصة الكرازة بالإنجيل للعالم أجمع وللخليقة كلها وهي بذلك تعلم ان الإيمان المسيحي في طوره المبكر حفظ وانتشر بسفك دماء الشهداء والقدوة أكثر من انتشاره بالوعظ والتعليم . فلنحفظه يومًا مقدسا بكل طهر ونقاوة ، ولنبتعد عن الأعمال المرذولة ، ولنبدأ سيرة جديدة مرضية . كما يقول الرسول بولس ان كل شئ قد تجدد بالمسيح . الأشياء القديمة قد مضت . هوذا أشياء جديدة قد صارت . وكل شئ هو من قبل الله . هذا الذي رضي عنا بالمسيح . وأعطانا خدمة المصالحة (2كوه : 17 - 18 ) وقال إشعياء النبي "روح السيد الرب على لان الرب مسحني لأبشر المساكين ، أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق و للمأسورين بالإطلاق (اش 61 : 1) ، وقال داود النبي "بارك رأس السنة بصلاحك . تمتلئ بقاعكم دسما (مز65 : 11) . فلنطلب من الرب ان يحفظنا بغير خطية ويساعدنا على العمل بمرضاته . بشفاعة القديسة مريم العذراء وجميع الشهداء والقديسين . آمين .
المزيد
11 سبتمبر 2019

فلنضيء الشموع أمام صور الشهداء

من بركة الله علي البشر أنه منحهم أعيادًا.. فقد ورد في سفر اللاويين قائمة بأعياد كثيرة (لا 23). وجعل هذه الأعياد أيام فرح ومحافل مقدسة.. عملًا من الأعمال لا يعملون فيها. إنها أيام تفرغ للرب واعتكاف (لا 23: 36)، يقدمون فيها وقودًا للرب، وقرابين، وذبائح ومحرقات.. ويقدمون عطاياهم ونذورهم.. إن الله يريد لأولاده أن يفرحوا، ولكن فرحًا مقدسًا. لذلك عندما خلق الله الإنسان، خلقه في جنة، لكي يحيا في فرح.. وكذلك في الأبدية، سيجعله أيضًا في فرح، في النعيم الأبدي.. وعلي الأرض أيضًا، يقول الكتاب "أفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا أفرحوا" (رسالة فيلبي 4:4). وجعله أولى ثمار الروح "محبة وفرح وسلام" (رسالة غلاطية 5: 22).. ووضع للمؤمنين أعيادًا للفرح، تكون محافل مقدسة.. وجعل الرب هذه الأعياد أيام راحة، وأيام تلاقٍ. يتفرغون فيها من تعب العالم ومشاغله ومشاقه، ويلتقون معًا في محافل، في شعور بالمودة والارتباط. وكانت الراحة أول ما وهبه الله للناس بعد الخليقة.. فيقدسون يومًا للرب، أي يخصصونه له، ويصبح يومًا للراحة والعبادة (لاويين 23: 1-3). وجعل الرب الأعياد مصحوبة بذكريات هامة ومقدسة. وفي العهد الجديد منحنا الرب أيضًا أعيادًا لكل منها ذكرياته. ومن الصالح للإنسان أن يتذكر تلك المناسبات. فنذكر ميلاد السيد الذي كان بداية لقصة الخلاص، ونذكر ما فيه من حب، ومن تواضع وإخلاء للذات.. وأعطتنا الكنيسة أن نعيد في عيد الغطاس. فنذكر المعمودية وأهميتها، ونذكر معمودية التوبة. كما نذكر الظهور الإلهي وعقيدة التثليث، ونذكر أيضًا يوحنا المعمدان. وتشبع نفوسنا بالذكريات المقدسة، ونأخذ ما فيها من معانٍ روحية ومن عظات، ومن قدوة صالحة لنفوسنا. ولو نسينا كل هذه الذكريات، لخسرنا الكثير. فهي ليست أيامًا للفرح العالمي، وللهو، ولمجرد الإفطار وتغيير الطعام، والفرح مع أصحابنا بمستوى علماني!! كلا، إنما نتذكر باستمرار أن الأعياد أيام مقدسة. و اليوم هو عيد النيروز (رأس السنة القبطية) ذكري شهداء الأيمان. وفي هذه الذكري العطرة تضاء الشموع بصفه خاصة أمام أيقونات الشهداء والقديسين. حقا تضاء كل يوم. ولكننا اليوم نتأمل في ذكراهم. حين نوقد الشموع أمام صورة العذراء والشهداء والقديسين نأخذ من الشمعة ما يذكرنا بهم؛ إذ أن الشمعة تحترق لكي تنير للآخرين وتذوب وقد تنصهر لكي يظهر ضوءها في غسق الدُجى. والعذراء والشهداء والقديسون احترقوا وأحرقوا ذواتهم لكي ينيروا لنا الطريق، فهذا الطقس هو لتكريم سيرة هؤلاء الشهداء والقديسين. ويذكر تاريخ الباباوات عن البابا سرجيوس الأول انه في يوم 2 فبراير سنة 687 م. رتب عيدا للقديس سمعان الشيخ وكانت تقدم فيه الشموع بكثرة حتى سمي بعد ذلك بعيد الشموع. ومما يلفت نظر العابد في عبادته أن الشموع تضاء ليس في الليل بل في النهار وتستخدم في وسط الأنوار الكثيرة الكهربائية وكان معروفا في الطقس الكنسي قديما أنه أثناء أيقاد الشموع والقناديل كانت تقال صلوات خاصة مثل "اجعل أيها الرب ظلمتي نورًا"، و"الرب نوري وخلاصي ممن أخاف".. و"أنر عيني لئلا أنام نوم الموت" إن الشمعة الموقدة أمام أيقونة السيد المسيح تعلن أنه نور العالم، والشمعة الموقدة أمام أيقونة العذراء تعلن أن هذه هي أم النور، والشمعة الموقدة أمام أيقونة القديس والشهيد تعلن أن هذا هو السراج المنير الموضوع على المنارة في أعلي البيت لكي يضئ لكل من فيه. فنحن نوقد الشموع كعلامة رمزية لإشعالنا بغيرة قداستهم وحبهم وتقديم أية ملموسة من آيات التكريم والوفاء والتسبيح الصامت والشكر على ما يقدمونه نحونا أمام المنبر السماوي حسن أن نوقد الشموع أمام الأيقونات لكن يجب أن يكون ذلك مقترنا بغيرة القلب واشتعاله بالقداسة كالشمعة التي تلتهب لتضئ فتقدم الشموع أمام الأيقونات توسلا أن تكون حياتنا منيرة متشبهين بالعذارى الحكيمات ذوات المصابيح المضيئة ومتممين وصية الرب أن تكون سرجنا موقدة لتحفزنا على الصلاة والسهر. وحينما أثبت الشمعة في موضعها فستظل تشتعل وتضئ. أود من كل نفسي أن أدوم هكذا منيرًا لمن حولي. هذا هو شعوري حينما أقدم شمعة واثقًا حتما أنني سأنال نعمة ومعونة بشفاعة هؤلاء القديسين. وهناك العديد من القيم الروحية في الشمعة فهي تعطينا فكرة عن نور المعرفة والمواهب الإلهية التي تأتينا من فوق "لتكن أحقاءوكم ممنطقة وسرجكم موقدة". وكما أن الشمعة مادة كثيفة ليست من طبيعتها إعطاء نور لكنها عندما تتلامس مع النار تضئ وتستمر مضيئة كذلك القديسون فهم نور العالم، يستمدون نورهم من شمس البر فكلما اقترب الإنسان من فاديه الذي هو شمس البر أضاء كموسى. وكلما كان الوسط ظلاما ظهر فيه نور الشمعة بقوة أكثر مهما كانت الشمعة صغيرة وينتفع بنورها الكثيرون، وهكذا القديسون في وسط ظلام هذا العالم يضيئون كالكواكب في ملكوت أبيهم. وكما أن الحرارة تذيب الشمعة إلا أنها تقسي الطين.. هكذا يكون تلين قلب الإنسان الروحي وتصلب قلب الشرير. كما أن الشمعة مضيئة ومحرقة فكما تضئ قد تحرق.. والقديسون أيضًا يقدمون القدوة الصالحة لنا ولكنهم سيشهدون على دينونتنا. وتعطينا الشمعة مثلا في الجهاد حتى النهاية و في الشمعة معني التضحية بالنفس لأجل الآخرين فالقديسون يضحون بالنفس والنفيس فهم نور العالم وهم ملح الأرض والملح يذوب ليعطى طعما وملوحة للآخرين. والكنيسة إذ تضع الشموع أمام الأيقونات المقدسة وذخائر القديسين لأنهم بمثابة أنوار تضئ الطريق للكنيسة المجاهدة ونجوم تتألق في سماء المجد. المتنيح القمص مرقس عزيزكاهن كنيسة المعلقة، مصر القديمة
المزيد
10 سبتمبر 2019

نظرة القديسين إلى الاستشهاد

إكرام القديسين والشهداء في المسيحية إننا حين نكرم القديسين لا نكرمهم في ذواتهم، ولكننا نكرم الفضيلة فيهم، إننا نكرمهم لا من أجلهم ولكن من أجل اسم المسيح الذي بذلوا حياتهم من أجله، فإن كان مارمينا وإن كان غيره من القديسين المبرزين فليسوا في ذواتهم شيء إلا أنهم خدام لسيد السادات. إنهم لا يصنعون شيء لأجل نفوسهم وإنما عاشوا حياة فيه ضنك كثير وفيه تعب وإرهاق، دخلوا من الباب الضيق واحتملوا آلام كثيرة واضطهادات متنوعة وتركوا الطريق السهل، طريق الكرامة والمجد، أخلوا أنفسهم من بهاء الحياة ومن زخرفه، طرحوا جانب كرامة العالم والألقاب والمناصب وقنعوا بالمسيح وحده، فكان نصيبهم نصيب المسيح علي الأرض. "إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم"، اضطهدوا المسيح وعاش في الأرض مضطهدا، ظلم وحكم عليه ظلم وهكذا كل الذين يختارون طريق المسيح يضعون في قلوبهم أنهم لا يتوقعون مجدا من العالم، حتى المناصب يتركونها ويطرحونها أرضا، وكل الإغراءات وكل المزايا التي تعرض عليهم لكي ينكروا اسم المسيح يحتقرونها ويضعونها جانبا، بل يدوسونها بأقدامهم من أجل اسم سيدهم. اسمعوا بولس الرسول يقول تبكون وتكسرون قلبي إني مستعد ليس فقط أن أربط من أجل المسيح ولكن أن أموت من أجله، إن نفسي ليست ثمينة عندي، حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي قبلتها من الرب يسوع نفسي ليست ثمينة عندي، هؤلاء هم الذين وضعوا رؤوسهم علي كف أيديهم، من أجل الحق الذي خدموه ولول أنهم يؤمنون بالله ويؤمنون بالحياة الأخرى، لما كانت تكون عندهم الشجاعة التي يقومون بها علي احتقار أباطيل العالم. وعلي طرح المزايا والمناصب المعروضة عليهم، وعلي احتمال الآلام والاضطهادات والضيقات التي يتوعدونهم بها. إن عيونهم كانت شاخصة وقلوبهم متطلعة إلي الله الذي يرونه بقلوبهم ويحسبونه في حياتهم وفي حياة العالم، وكما قال الرسول بولس إني عالم بمن آمنت، وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلي ذلك اليوم عالم بمن آمنت، سمح لنفسه بان يعترف بهذا الأمر، بأنه عالم، ليس هذا غرور بالعلم، وإنما نتيجة خبرته ونتيجة علاقته الوطيدة الوثيقة بيسوع المسيح، وإيمانه اليقيني بالله يسوع المسيح وبقدرته و بلاهوته وبجلاله ومجده وأنه سيد الكون وحافظه، ليس إيمانه ضعيف ولا رخيص ولا عن جهل ولا عن غباوة، أن عالم بمن آمنت وموقن، موقن وهذه أعلي درجات المعرفة أن يصل الإنسان إلي الإيقان، إلي الثقة التي ليست بعدها ثقة، أن موقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلي ذلك اليوم. سبب الاستشهاد في المسيحية إذن الذين وضعوا نفوسهم من أجل اسم المسيح، الذين استشهدوا في زمن الضيقة لم يستشهدوا يأسا من الحياة، لم يستشهدوا تحت ضرورة وإنما استشهدوا لأنهم يعلمون علم اليقين من يستشهدون من أجله، وأنه يستحق أن يستشهد الإنسان من أجله، استشهدوا لا عن يأس ولا عن ضيق ولا عن محبة في الموت ويأس من الحياة حاشا، لأن الذي عرف الله يحب الحياة، ولا يكرهه، لأن المسيح كم قال في الإنجيل: أن أتيت لتكون لكم حياة ولكي يكون لكم أفضل، أنا أتيت لكي تكون لكم حياة ولكي تكون لكم هذه الحياة أفضل، الذين عرفوا الله يعيشون في الدنيا في سعادة روحية، وفي سلام مع أنفسهم ومع الآخرين، ولا يتمنون الموت يأس من الحياة ومن ضيقه، إنما إذ تمنوا الموت فإنما طمعا لحياة أفضل، لكن المؤمنون لا يضيقون بالحياة الدنيا، ولا يشعرون أبدا بأن هذه الحياة لا تستحق أن يحيا الإنسان من أجله، إن الذي يحب الله لابد أن يحب الكون ويحب الحياة أيضا، ولكنه من أجل المسيح يستغني عن هذه الحياة في سبيل المسيح وفي سبيل كلمته. فالمسيحي الحقيقي يقول ما قاله الرسول: إن نفسي ليست ثمينة عندي، حتى أتمم بفرح سعيي: أتمم بفرح لا بضيق ولا بألم ولا علي الرغم مني، إنما أتمم بفرح سعيي، فأنا في الحياة أقوم بواجبي بفرح، في الحياة الحاضرة أحيا في الدنيا فرحا بالرب افرحوا في الرب كل حين نقول هذا الكلام لماذا؟ لأن هناك بعض الناس من غير المسيحيين عندما يقرأون عن الشهداء يقولون أنهم كانوا متضايقين من الدنيا ومتعبون وكانوا ينتحرون، هذا تأويل بعض الكتاب، وبعض من غير المسيحيين لحركة الاضطهاد والاستشهاد المسيحي، يرون أن الاستشهاد نوع من أنواع الانتحار!! نقول لا..لا.. إن المسيحيين الذين استشهدوا لم يستشهدوا بصدد ضيقهم من الحياة ولا يأسا من الحياة، لأن المسيحي الحقيقي يعيش في الدنيا سعيدا بعلاقته بالله، لأن الدين يدخل إلي قلبه السعادة ويدخل إلي قلبه الفرح، وإذا كان هناك مسيحي لا يعيش سعيدا نفسيا في الدنيا ففي الواقع أنه لم يستفد من الدين شيئًا يوحنا ذهبي الفم عندما أرادوا أن ينفوه إلي خارج حدود إيبارشيته قال لهم: أين تذهبوا بي؟ إلي أي مكان أذهب؟ قالوا: إلي بلد بعيد وبعيد جد، إلي مكان قاحل، قال: لا يهمني، أنا أسأل سؤالا: هل هناك الله؟ قالوا له: الله موجود في كل مكان، قال إذن كل مكان بالنسبة لي سواء، أنا سعيد بربي في هذا المكان وسعيد به في أي مكان آخر، هذا لا يزعجني هذا لا يقلقني ما دام الله معي، ومادمت أنا مع الله فأنا سعيد ولا يعنيني المكان الذي أكون فيه. هذه هي نظرة القديسين إلي الاستشهاد هذه روح الإنسان المسيحي الذي يعيش في الدنيا غير متبرم ولا متضايق ولا يائس ولا يتمني الموت من أجل الخلاص من الحياة الضيقة، ولكنه يعيش في حياته يحس أن الحياة تستحق أن يعيش الإنسان من أجله، لأنه يحيا في الدنيا ليستعد إلي حياة أخري له هدف في حياته، وله أمل، والأمل واضح والهدف واضح وهو لا يتخلف عن هذا الهدف الواضح. إذن الشهداء حينما استشهدوا لم يكن استشهادهم عن ضيق في الحياة ولا عن تبرم، ولا عن رغبة حقيقية في الموت في ذاته ليتخلصوا من الحياة، كما يحدث للإنسان المنتحر، حاش، إن نفسه ثمينة ومن أجل أن نفسه ثمينة يسع لخلاص نفسه ولكنه إذا رأي أن خلاصه يقتضي أن يقدم حياته من أجل المسيح لا يتأخر نفسي ليست ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي قبلتها من الرب يسوع نفسه ثمينة في ذاته، ومن أجلها يسعي لكي يخلص به، ولكن ليست ثمينة بإزاء رسالته وبإزاء الهدف الذي يحيا المسيحي من أجله في هذه الحياة متطلعا إلي الأبدية متطلعا إلي الآخرة متطلعا إلي جعالة الله العلي، أنا موقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلي ذلك اليوم ولذلك فإن مارمينا وغيره من الشهداء كانوا يعذبون في أجسادهم تحرق أجسادهم، تقطع أعضاؤهم والناس من حولهم يتعجبون لأنهم لا يرون علي وجوه هؤلاء الشهداء علامة ضيق أو ألم، لدرجة أن نيرون مرة قال: تبا لهؤلاء الأوغال، كيف يقابلون الموت بالابتسامة؟!! كان الأمر بالنسبة له عجبا كيف يقابل المسيحيون الشهداء الموت بابتسامة، لم يعرف نيرون، ولا يعرف أهل العالم السعادة التي يعيش فيها السعداء والشهداء في بواطنهم، في اللحظة التي تقع عليهم الضربات والإهانات والشتائم، هناك لذة روحية، لذة عقلية، هناك شخوص إلي السماء ينسيهم الآلام التي من حولهم، ويخفف عنهم لأن عقولهم مركزة في السماء، لأن قلوبهم مرتفعة إلي فوق، لأنهم في عالم الروح لا يشعرون أهم في الجسد أم خارج الجسد أحد الشهداء حينما قيدوه بالسلاسل انحني يقبل السلاسل، وهذا يريكم نظرة الشهداء إلي الاستشهاد نظرة سعيدة، يقبل السلاسل التي يقيد بها كأنها قطع من ذهب توضع في معصميه أو توضع في رجليه، لا ينظر إليها علي أنها قيود وسلاسل، إنما يتطلع إليها علي أنها بركة أنعم بها عليه حتى يكون للمسيح شهيد، وحتى يترتب علي إيمانه وصبره واستشهاده إيمان الكثيرين من الآخرين المحيطين به، وبهذا يكون كارزًا باسم سيده، كارزًا بصمته كارزًا باحتماله وصبره وآلامه. كيف يبرز الرب إيمان الشهداء؟!! يمجدون بفضيلتهم في الأرض والسماء هذه نظرة القديسين إلي الاستشهاد، وهنا واحد يسأل ويقول: ولماذا يتركهم الله؟ كلما نري ضيقا في المجتمع كلما نري ضيقا في الكنيسة نقول لماذا الله يسمح بذلك؟ لماذا الله يترك الاضطهاد يقع علي الكنيسة؟ لماذا؟ هذا سؤال كثيرا ما نسأله، وكثيرا ما نسمع الشعب يردده، الله لم يترك، إنما هذا الترك إلي حين، ليري الله ماذا يصنع الثابتون علي الإيمان، إنه يعطي فرصة ليظهر إيمان المؤمنين، يعطي فرصة ليظهر الصبر والاحتمال والحب الذي يبرز في صبر القديسين وفي استشهادهم، لولا أن الله يتركهم إلي حين ويعطي فرصة للمضطهدين أن يضهطدوا، كيف يبرز إيمان الشهداء!! لو لم يعطي الله فرصة لأيوب حتى تقع عليه الآلام، هل كنا نحن نعلم الآن بصبر أيوب!! ومدي الصبر الذي أظهره أيوب في حياته!! لو كان الله تدخل في بدء الأمر لما كان أعطي أيوب فرصة ليظهر صبره واحتماله إذا كان الله يسمح في بعض الأوقات للكنيسة أن تضطهد، ولشعبه أن يعامل المعاملة المؤلمة كذلك يعطي فرصة لهذا الشعب أن يظهر حبه وأن يظهر إيمانه وأن يظهر مدي تمسكه به الله حينما امتحن إبراهيم وقال له قدم ابنك اسحق ذبيحة علي أحد الجبال الذي أعلمك به، وقام إبراهيم مبكرا وأسرج دابته، ومشي الطريق الطويل وصعد إلي الجبل العالي، وصنع مذبحا ورتب علي المذبح الحطب وربط ابنه اسحق علي المذبح كل هذا الطريق الطويل الذي عاناه إبراهيم، وعاناه معه اسحق، هل كان الله غافلا؟ كان الله يري، ولكن الله تركه ليظهر إبراهيم إيمانه، وليظهر إسحق طاعته وفي اللحظة المناسبة قال له ارفع يدك إني علمت أنك لم تمنع ابنك وحيدك إسحق عني لذلك بالبركة أباركك وبالكثرة أكثر نسلك فلا تظنوا أبدا أن الله إذ يترك الشدائد أن تحل علي كنيسته، أن الله غافل عنها أو أن الله تخلي عنها أبد، إنما هي فرصة من قبله تعالي يتيحها ليظهر فيها إيمان المؤمنين ويظهر صبرهم وتظهر محبتهم ويظهر مدي استمساكهم وبهذا يستحقون المكافأة ويستحقون الجزاء الأخروي وبهذا أيضا يضربون للناس من بعدهم المثل والقدوة والعبرة، ليتعلم الناس من ورائهم ويعرفوا مدي محبة هؤلاء لله، ثم يتمثلون بهم ويقتدون بهم ويحتذون بهم، وهكذا صار لنا تاريخ وصار تاريخ الشهداء مجيدا عظيم، نعتز به ونفخر علي الأيام أن هؤلاء احتملوا من أجل المسيح وصبروا من أجله، وأبرزوا إيمانهم به فيكون لنا نحن الأبناء فخر بهؤلاء الآباء فخر البنين آباؤهم، ونحن فخرنا في جيلنا بالآباء الذين سبقونا والذين أظهروا صبرا واحتمالا إن مارمينا العجايبي وقد كان شابا صغيرا حينما استشهد لم يكن يتعدي الثالثة والعشرين من عمره أو ربما أقل، في هذه السن المبكرة وبعد أن صار مار مينا واليا وحاكما حل محل أبيه، لكنه لما رأي أن اسم المسيحي مضطهد، وأن دقلديانوس قد كفر بالمسيح، وأنه أراد أن يضطهد كل من يؤمن باسم المسيح، لم يقبل مارمينا علي نفسه وهو وإل أن يبقي هكذا مخفيا نفسه، ولا يعلم الإمبراطور بأمره، فأراد أن يعلن إيمانه بالمسيح وينادي نفسه مسيحي، ولا ينكر اسم سيده ولا يختبئ تحت إغراء بأنه حاكم أو وال، ولا حتى بقبول الإغراءات التي عرضها الإمبراطور عليه حتى ينكر اسم المسيح فرفضها جميع، طرحها أرض، احتقرها بأباطيل العالم، لم يكن لهذه المراكز ولا المناصب إغراء ولا جمال ولا لذة بالنسبة له، لأنه في باطنة عابد لربه عابد لسيده ويعلم كرامته، لذلك أبي مارمين، أبي كل الإغراءات وكل المناصب وكل الوعود التي وعد بها في سبيل أن ينكر المسيح، أبي كل هذا وذهب متعبدا وطرح ملابس الجندية ليعلن تمرده علي الإمبراطور، وليعلن تبعيته لملك آخر يسوع المسيح، ولابد له أن يدفع الثمن، ودفع الثمن غاليا من دمه، ولكن نفسه لم تكن ثمينة عنده حتى يتمم بفرح سعيه والخدمة التي قبلها من الرب يسوع هذا الشاب يقف أمامنا مثلا للشباب، يقف صامتا معلما بصمته وبعمله، يقف ليدين أصحاب المراكز والمناصب الذين يبيعون المسيح من أجل منصب أو من أجل كرامة أو ليتفادوا اضطهادات تقع عليهم من أجل المسيح، هذا الشاب الصغير يقف ليدين كل من تحدثه نفسه بأن ينكر سيده أو يتنكر له، أو يجبن لسبب أو لآخر عن أن يعلن تبعيته للمسيح أنه نصراني، نحن في أيامنا هذه وفي الأيام المقبلة نحتاج إلي طراز مارمينا وإلي طراز الشهداء، أيام ستأتي يمتحن فيها إيماننا بالمسيح.نحن مقبلون علي زمن، نحن في الأيام الأخيرة، وهناك وسائط ووسائل متنوعة يتحدون بها المسيح، المسيح الآن في مركز التحدي بصور مختلفة سواء كنتم تشعرون أو لا تشعرون، الشيطان يسخر كل قواته وسوف تتفاقم هذه الشدائد لتحدي المسيح قبل أن يأتي في مجيئه الثاني فأنتم الآن أيها الأقباط أمامكم فرصة لتتنبهوا، ولتعلموا أنه سيمتحن إيمانكم ويمتحن صبركم وستمتحن محبتكم لربكم وتبعيتكم للمسيح الإله.اتخذوا من مارمينا، ولنتخذ من سائر الشهداء الذين قبلوا التحدي، ولو علي حساب سعادتهم المادية، ولو علي حساب المناصب والمراكز والمال والكرامة البشرية لكن من أجل اسم المسيح احتملوا، والمسيح لا ينسي تعبكم، ليس بظالم، كل من أنكره سينكره المسيح في مجيئه الثاني، وكل من يعترف به سيعترف به في مجيئه الثاني حينما يأتي ليدين الأحياء والأموات نعمة ربنا يسوع المسيح تشملنا جميعا وله الإكرام والمجد إلي الأبد آمين. نيافة المتنيح الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس أسقف عام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد
09 سبتمبر 2019

لماذا يكون هناك استشهاد؟

هنا سؤال: لماذا يكون هناك استشهاد؟ ولماذا يكون هناك اضطهاد؟ هل هذا الاضطهاد وهذا الاستشهاد هو الذي قال فيه المسيح: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما علي الأرض, ما جئت لألقي سلاما بل سيفا, فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنة ضد حماتها, وخصوم الإنسان من أهل بيته". هذا التصريح من المسيح غريب ويدعونا إلي التساؤل، المسيح الذي هو رب السلام وإله السلام وسيد السلام، والذي هتفت في مولده الملائكة قائلة المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام، والذي وصف في العهد القديم أنه يولد لنا ولد, نعطي ابنا وتكون الرئاسة علي كتفه ويدعي اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام. كيف يقول عن نفسه: لا تظنوا أنني جئت إلي الأرض لألقي سلاما بل سيف، جئت لأفرق...كيف هذا؟عبارة غريبة أن تصدر من المسيح لكن تفسيرها هو، أن مبادئ المسيح من شأنها أن ينقسم الناس بإزائه، فبعض الناس يقبلونها وبعضهم يرفضونه، ولابد أن تقوم حرب بين الذين يقبلونها وبين الذين يرفضونه، بالنسبة للذين يقبلونها سوف لا يستخدمون السيف، لكن السيف سيستخدم في أيدي الذين يرفضونها ليقهروا الذين يقبلونه، وهذا ما حدث ويحدث في أيام الاضطهاد، أيام الاستشهاد، إن الحكام والولاة وغير المسيحيين هم الذين يشهرون السيف، فالمسيح لا يحمل السيف بهذا المعني المادي، والمؤمنون بالمسيح لا يحملون سيفًا بهذا المعني أيضًا، إنما أعداء الإيمان هم الذين يحملون السيف ضد المسيحيين وهذا ما يحدث في أيام الاضطهادات، فالسيد المسيح يريد أن يقول أنا مسئول عن هذه الحرب التي تقوم ضد المسيحيين، لأنه لولا مبادئي لما كانت تقوم هذه الحرب ضدهم فأنا المتسبب في هذا الاضطهاد، وهذا هو معني قوله لا تظنوا أنني جئت إلي الأرض لألقي سلاما رخيص، سلاما علي حساب المبادئ وسلاما علي حساب الحق، ذلك استسلام للشر واستسلام للرزيلة واستسلام لسلطان الشيطان، ليس هذا سلام، سلامي أنا من نوع آخر، لكن مع ذلك أنا لا أحمل سيف، ولا أسمح للذين يتبعوني أن يحملوا سيف، ولكن سيحمل السيف ضدهم في أيام الاضطهاد وأيام الاستشهاد، ولكني أعتبر نفسي أنا المسئول عن هذه الحرب التي قامت وتقوم ضد المسيحيين وضد المؤمنين، وهذا هو معني أني ما جئت إلي الأرض لألقي سلاما بل سيف، هنا السيف سيف الحق، في سفر الرؤيا يوصف المسيح أنه من فمه سيف ذو حدين، ليس مثل السيف الذي كان مع بطرس، ولذلك قال لبطرس رد سيفك إلي غمده لأن الذين يأخذون السيف بالسيف يؤخذون....لا.... لكنه مع هذا يحمل سيف، السيف هنا يفصل بين الحق والباطل، وبين الخير والشر ولا يسمح بهذا الاندماج الضار الذي يضيع علي الحق قيمته، والذي يجعل الباطل يندمج في الحق. الفرق بين التسامح والتساهل: هناك من المسيحيين يفهمون السلام ويفهمون المحبة بهذا المعني، علي حساب العقيدة وعلي حساب الإيمان، يقولون ما هو لزوم التشدد؟ المسيح علمنا المحبة!! علمنا السلام!! لماذا نتشدد؟ ويعتبر أن التساهل نوع من المحبة، ولكن التساهل علي حساب المبدأ، علي حساب العقيدة، علي حساب ربنا. عندما الإنسان يتساهل في حقوقه الشخصية يحسب هذا له أجر، عندما يكون التساهل في شئون الطعام أو في الشراب أو الإرث أو في الشئون المادية، عندما يحدث خصومة ونزاع بين إنسان وآخر، وهذا الإنسان المسيحي يتسامح في شئون الطعام والشراب والإرث وما إليه، هذا تسامحا في حق شخصي، أما إذا تسامح إنسان في حقوق الله أو حقوق الإيمان أو حقوق الكنيسة، ليس هذا تسامح ولكنه تساهل, وهذا التساهل جريمة ضد الله وعلي حساب الله، لابد أن نفرق بين التسامح والتساهل، التسامح في حقي الشخصي فقط.فالأنبا بولا مثلا قبل أن يترهبن قام نزاع بينه وبين زوج أخته علي ميراث، زوج الأخت طبعا يدافع عن حقوق زوجته، والواقع يدافع عن حقوقه فحدث نزاع مثل ما يحدث في البيوت بين الأخ وأخيه والأخ وأخته في داخل العائلة الواحدة، علي الإرث، فالأنبا بولا في فترة النزاع دخل الكنيسة ثم خرج من الكنيسة بعدما سمع الإنجيل وتعزي ثم ذهب لزوج أخته وقال له اسمع لن يكون هناك خلاف بيني وبينك, الذي تريده خذه، فلن يمكن أن يكون هناك خلاف بيني وبينك علي هذه الأمور، فنحن لن نختلف، كل ما تريده خذه وحل المشكلة وحل النزاع، تنازل عن ما يحسبه الإنسان أنه حق له، وأيضا الجزء الباقي وزعه للفقراء والمساكين ثم ذهب للرهبنة. هذا هو التسامح في الحق الشخصي فمن حقه أن يتنازل عنه في سبيل السلام, وهذا ما قاله المسيح من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك اترك له الرداء أيضًا، أي يكون مستعدا ليس فقط أن يعطيه الثوب فقط ولكن الرداء أيضا، من أراد أن يسخرك ميلا اذهب معه اثنين هذا هو التسامح، لكن حقوق الله، حقوق الكنيسة، حقوق الآخرين لا...لو أنا تسامحت فيها هذا ليس تسامحا هذا تساهل!! لأنه ليس حقي، لا أملك أن أتسامح فيه، مثل أي واحد موظف عمومي، مثلا عندما يكون قاض أمامه قضية، وهذه القضية فيها إنسان معتدي أو إنسان سارق أو إنسان ظالم وهذا القاضي يتسامح معه ويحكم له بالبراءة، هذا القاضي مخطئ، تريد أن تتسامح تسامح في حقوقك الشخصية، إنما وأنت قاض وتحكم علي أحد بالبراءة وهو مذنب، يقول الكتاب المقدس مذنب البرئ ومبرئ المذنب كلاهما لا يتبرءان أمام الله لا ... ما دام أنت قاض ومكلفا بهذا أو موظفا عمومي، أو إنسانا لك مسئولية لا تتسامح فيه، إنما تسامح في حقك الشخصي، ليس في حق الدولة، أو حق أي واحد آخر فتصير ظالما لابد أن نفرق بين التسامح والتساهل. التسامح فضيلة إذا كان في حقي الشخصي، إنما التساهل جريمة لأنه تساهل في حقوق الله أو حقوق الآخرين مثل الوديعة، يقول الكتاب المقدس احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فين، الوديعة ثمينة، عندما تكون عندك وديعة لواحد آخر، مفروض أن تحافظ عليها لا تقدر أن تتصرف فيها لأنها وديعة، والوديعة غالية, وأنت مسئول أمام الله عنها وأمام الآخرين، لا تقدر أن تفرط فيها. فرط في مالك الخاص لكن الوديعة لا..هكذا حقوق الله لا تفرط فيها ولو فرطت فيها لا تكون ...هكذا حقوق الله لا تفرط فيها ولو فرطت فيها لا تكون متسامح، ومن هنا الخلط الذي نقع فيه في حياتنا المسيحية، نخلط ما بين المحبة والتساهل في الدين، لا تسامح في الدين ولا العقيدة الذين يقولون كلنا واحد، وكلنا في المسيح هذا نوع من التساهل، لا...انظر يوحنا الرسول الذي سمي بالرسول الحبيب، والذي دائما كان يتكلم عن المحبة، وكل تاريخ حياته كان أهم شيء عنده المحبة، لدرجة أنه في خدمته كان يصر علي المحبة، انظروا الرسائل الثلاث كلها كلام عن المحبة، وهو الذي أبرز الكلام الذي قاله المسيح عن المحبة، وصية جديدة أتركها لكم أن تحبوا بعضكم هذا الرسول عندما صار شيخا وكبر في السن كان يتكلم عن المحبة، يقول التاريخ إن المؤمنين ضجروا من أنه يتكلم باستمرار عن المحبة، فقال لهم هذه وصية الرب إذا أنتم أتممتموها فقد أتممتم كل شيء, هذا الرسول الذي يتكلم عن المحبة يقول من جهة الإيمان: الذي يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم لا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام، لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة، كيف الذي يتكلم عن المحبة يقول ذلك؟ هنا نميز ما بين المحبة التي أوصي بها المسيح, وبين المحبة التي علي حساب المسيح، وهي أنك تصادق شخصا علي حساب المبادئ، المسيح هو الذي يقول: إن أعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن تدخل الحياة بعين واحدة من أن تكون لك عينان وتذهب إلي جهنم النار، إن أعثرتك يدك فاقطعها وألقها عنك لأنه خير لك أن تدخل الحياة برجل واحدة أو يد واحدة من أن تدخل جهنم ولك يدان ورجلان ما معني هذا الكلام؟ معناه إذا كان لك صديق أو أخ أو إنسان أيًا كان، بمثابة العين، غالي عليك قد يكون مرشدًا لك تستنير به وتقتدي به.إذا كان لك صديق بمثابة اليد تعتمد عليه أو بمثابة الرجل تستند إليه ولكن يعثرك ويعطلك عن خلاص نفسك، لابد أن تكون مستعدا أن تقطع صلتك بهذا الإنسان، حرصا منك علي حياتك الأبدية، حرصا منك علي مستقبلك الأبدي، ولذلك أنا أريد أن أقول إن مبدأ المقاطعة للمعاشرات الشريرة مبدأ مسيحي مائة في المائة, ليس معني المحبة المسيحية أننا ننشئ صداقة مع الذين يختلفون معنا في الإيمان والعقيدة علي حساب المسيح، لا...إذا رأيت أن هناك خطرا يهددني ويهدد مصيري الأبدي، لازم أكون من الشجاعة بحيث أضع حدا لهذه الصداقة ولهذه المعاشرة وأقطع صلتي بهذا الإنسان لأنه خير لي أن أدخل الحياة الأبدية بعيدًا عن هذا الإنسان من أن أدخل إلي جهنم النار ومعي هذا الإنسان. ليس معني ذلك أن الإنسان يقلع عينه، لا.... المسيح يتكلم عن الأشخاص الذين بمثابة العين أو بمثابة اليد أو الرجل في الاعتماد عليهم، وهذا ما قاله الرسول بولس المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة ويقول لا أشياء حاضرة ولا مستقبلة تستطيع أن تفصلني عن محبة الله التي في المسيح يسوع هنا يا أولادنا معني الاستشهاد, لماذا ربنا يسمح بالاستشهاد؟ لأن طبيعة مبادئ المسيح وحرارتها وقوتها وطهارته، هذه الطهارة تقتضي أن يكون هناك أشخاص لا يقبلوها فيقيموا حربا علي الذين يقبلونه، هذه الحرب المقدسة، المسيح يقول أنا المسئول عنه، أنا السبب فيه، لكن لابد منه، وإلا ضاعت الفضيلة وضاع الإيمان ويصبح الإنسان يدوس علي كل المبادئ في سبيل أن لا يغضب أحدًا لا... لا.... هذا النوع من السلام لا نقبله ولا يقبله المسيح، هذا استسلام، إنما السلام لابد أن يكون قائما علي الحق، وفي موقف معين أقطع صلتي من دون أن أخاصم أحد، عندما أجد أن هذا الإنسان خطر علي أقطع صلتي به، أقطع علاقتي به، قطع العلاقة في هذه الحالة لا يعد تعارضا مع مبدأ الحب، إنما إنقاذا للإنسان من أن يقوده إلي هلاكه الأبدي. نيافة المتنيح الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس أسقف عام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد
08 سبتمبر 2019

الاستشهاد في المسيحية

المسيحية هي المحبة الباذلة، والصليب هو علامة المسيحية، وفي شخص السيد المسيح التقي الحب بالألم، وتغير مفهوم الألم وأصبح شركة حب مع الرب المتألم، وأرتفع إلي مستوي الهبة الروحية، والموت أصبح كأسا لذيذا يرتشفها المؤمن سعيدا راضيا بل يسعى إليها عن حب ويتعجلها، وليس في هذا عجب فقد تحول الموت من شيء مرعب إلي جسر ذهبي ومعبر يعبر بنا من حياة قصيرة وغربة مؤقتة وثوبا باليا إلي سعادة أبدية دائمة وثوبا لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل وأرتبط الاضطهاد بالمسيحية وهو يسير معها جنبا إلي جنب، وأحيانًا يصل إلي النهاية وهو ما نقول عنه الاستشهاد، وأول اضطهاد تعرضت له المسيحية كان من اليهودية إذ ولدت المسيحية في وسط المجتمع اليهودي، ورفض اليهود السيد المسيح وصلبوه، واضطهدوا أتباعه بالقتل والتعذيب أو بالوشاية وإثارة الجماهير أو بالمقاومة الفكرية بعدها دخلت المسيحية الناشئة في صراع طويل مع الوثنية متمثلة في الإمبراطورية الرومانية بما لها من سلطة الدولة وقوة السلاح وقد وصل هذا الصراع إلي حد الإبادة أي الاستشهاد، وكان الصراع غير متكافئًا إذ لم يكن للإيمان الجديد ما يسنده من قوة زمنية أو سلاح اللهم إلا ترس الإيمان ودرع البر وخوذة الخلاص وسيف الروح (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 6)، وأستمر الصراع حتى أوائل القرن الرابع حين قبلت الإمبراطورية الرومانية الإيمان بالمسيح وسقطت الوثنية لقد بدأ اضطهاد المسيحية في روما علي يد نيرون في القرن الأول المسيحي وانتهي علي بعد ميل واحد من روما علي يد قسطنطين في القرن الرابع وكان القصد منه إبادة المسيحية ولكن علي العكس كان سببا في تنقيتها وإظهار فضائلها وبطولات شهدائها الأمر الذي أدي انتشارها ودخول الوثنيين في الإيمان المسيحي، وكما عبر عن ذلك العلامة ترتليانوس "دماء الشهداء بذار الكنيسة". لماذا اضطهدت الدولة الرومانية المسيحية • جاء الإيمان بالمسيح يحمل مفاهيم جديدة غير التي كان يألفها الناس في القديم: في الوثنية كانت العبادة عبارة عن ترديد لصيغة عزيمة سحرية وبعض التعاويذ وتقديم المأكل والمشرب للآلهة والتعاليم غامضة والشعائر والصلوات سرا، عكس ما وجد الناس في المسيحية تعليمًا مفهومًا وموضوع عظيم للإيمان وديانة تستقر في داخل الإنسان وفكره وروحه والعبادة فيها ترجمة عملية للإيمان وحل الحب محل الخوف.ولم يعد هناك غرباء أو أجانب بالنسبة لإله المسيحيين، ولم يعد الأجنبي يدنس الهيكل أو القربان لمجرد حضوره، ولم يعد الكهنوت وراثيا لأن الديانة ليست ملكًا موروثًا بل علي العكس أصبح هناك تعليم ديني مفتوح يعرض علي الجميع وكانت المسيحية تبحث عن أقل الناس اعتبارًا لتضمهم ولم تعلم المسيحية أتباعها بغض الأعداء أو الأجنبي بل علي العكس التعاطف والمودة. • جاءت المسيحية كديانة عالمية: كل العبادات الوثنية كانت محلية، ولكل إقليم معبود خاص به وحتى اليهودية كانت ديانة مغلقة تخص شعب واحد ولكن المسيحية ظهرت للعالم أجمع حسب قول السيد المسيح "اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (إنجيل مرقس 16: 15). • ونادت المسيحية أنها الديانة الوحيدة الحق: وانجذب إلي الإيمان بها من كل جنس وشعب وطبقة وسن من اليونان والرومان أكثر من الذين جذبتهم اليهودية، ورفضت أن تتحالف مع الوثنية. • وعلمت بفصل الدين عن الدولة: في القديم كان الدين والدولة شيئًا واحدًا، وكل الشعب يعبد إلهه وكان كل إله يحكم شعبه، وكانت الدولة تتدخل في نطاق الضمير وتعاقب من يخرج الشعائر والعبادة وأما المسيحية فقد جاءت تفصل الدين عن الدولة حسب قول السيد المسيح " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " (إنجيل متى 22: 21). • الحماس الشديد للروحانية بدلا من النشاط الاجتماعي: رفض المسيحيون الاشتراك في الاحتفالات الوثنية والعبادة العامة وكان هذا يعبر عن عدم تحمسهم للسياسة والعزوف عن الشئون المدنية والزمنية بالمقارنة بالأمور الروحية والأبدية والتصاقهم الشديد ببعض في اجتماعات مغلقة كل هذا أثار حولهم الشبهات وعداوة الحاكم والشعب. وفي الواقع أنه في ظل المسيحية تغيرت إحساسات الناس وأخلاقياتهم ولم يعد الواجب الاسمي أن يعطي الإنسان وقته وحياته وقواه للدولة في السياسة والحرب فلقد شعر الإنسان أن عليه التزامات أخري من نحو خلاص نفسه ومن نحو الله. حلقات الاضطهاد العشر منذ القرن الخامس الميلادي تعود المؤرخون علي تقدير الاضطهادات التي خاضتها الدولة الرومانية ضد الكنيسة المسيحية بعشرة اضطهادات كبيرة تحت حكم عشرة أباطرة هم علي الترتيب: نيرون – دومتيانوس – تراجان – مرقس أوريليوس – سبتيموس ساويرس – مكسيمينوس – ديسيوس – فالريان – أوريليان – دقلديانوس ولكن هذا التقسيم عرفي اصطلح عليه ولا يعني أن الاضطهادات حدثت عشر مرات فقط، لأن أكثر الفترات هدوءا كانت فيها شهداء ولقد حاول البعض أن يربط بين الضربات العشر في مصر وهذه الاضطهادات باعتبارها رمزًا لها، كذلك يربطون بين العشرة قرون التي للوحش الوارد ذكرها في سفر الرؤيا الذي صنع حربًا مع الخروف علي أهنا هذه الحلقات العشر من الاضطهاد. نيرون وحريق روما كان الاضطهاد الذي أثاره نيرون هو أول الاضطهادات التي كرستها الإمبراطورية الرومانية، وأرتبط باستشهاد عمودين عظيمين في الكنيسة هما الرسولان بطرس و بولس، وقد ابتدأ في السنة العاشرة من حكم هذا الطاغية بأمره وتحريضه عام 64م حين أتهم نيرون المسيحيون الأبرياء بحرق روما وكانت كارثة مدمرة لم ينجو من هذا الحريق سوي أربعة أقسام من الأربعة عشر قسما التي كانت تنقسم إليها المدينة العظيمة والتهمت السنة النار أعرق الآثار والمباني ولم ينجو منها الناس والبهائم وتحولت المدينة العظيمة إلي جبانة تضم مليون من النائحين علي خسارات لا تعوض، وحتى يبعد الشبهة عن نفسه الصق نيرون التهمة بالمسيحيين المنبوذين، وسرعان ما بدء في سفك الدماء وأستخدم أبشع الوسائل في سبيل ذلك، صلب البعض إمعانا في السخرية بالعقوبة التي تحملها السيد المسيح، وألقي البعض للحيوانات المفترسة في مسارح الألعاب الرياضية، وبلغت المأساة قمتها عندما أشعل النار في المسيحيين بعد دهنهم بالقار وسمرهم في أعمدة الصنوبر يضيئون كالمشاعل لتسلية الجماهير في الحدائق الإمبراطورية بينما نيرون في عربته الخاصة يلهو. اضطهاد دقلديانوس وأعوانه كل الاضطهادات التي شنتها الدولة الرومانية علي المسيحيين ابتداء من نيرون تتضاءل أمام شد وعنف ووحشية الاضطهادات التي بدأها دقلديانوس وأكملها أعوانه، ولهذا السبب اتخذت الكنيسة القبطية بداية حكمه وهي سنة 284 م. بداية لتقويمها المعروف باسم تاريخ الشهداء في عام 303 م. أصدر منشورا بهدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة وطرد كل أصحاب المناصب العالية وحرمانهم من حقوقهم المدنية وحرمان العبيد إذا أصروا علي الاعتراف بالمسيحية، وإذ علق المنشور علي حائط القصر لم يخل المجال من شاب مسيحي شجاع غيور مزق المنشور مظهرا استياءه وسرعان ما سرت موجة الاضطهاد في ربوع الإمبراطورية وازداد الاضطهاد عنفًا ووحشية بسبب اندلاع الحريق مرتين في قصر الإمبراطور في خلال أسبوع ربما أفتعل الحريق أحد معاونيه لكي يثيره ضد المسيحيين أصدر في مارس عام 303 م. منشورين متلاحقين بسجن رؤساء الكنائس وتعذيبهم بقصد إجبارهم علي ترك الإيمان وفي 30 ابريل من نفس العام أصدر مكسيميانوس هرموليوس منشورا وهو أسوأها ويقضي بإرغام جميع المسيحيين في المدن والقرى في أنحاء الإمبراطورية بالتبخير والتضحية للآلهة وأخيرا وفي محاولة يائسة لمحو المسيحية وبعث الوثنية أصدر مكسيميانوس دازا منشورا في خريف عام 308 يقضي بسرعة إعادة بناء مذابح الأوثان وأن يقدم الجميع الرجال والنساء والأطفال الذبائح مع الالتزام بتذوق التقدمات وأن يقف الحراس أمام الحمامات ليدنسوا بالذبائح كل من يدخل للاغتسال، وقد استمر العمل بهذا لمدة سنتين حتى أنه لم يكن أمام المسيحيين في ذلك الوقت إلا أن يموتوا شهداء أو يموتوا جوعا أو يجحدوا الإيمان وفي سنة 311م أمر مكسيميانوس دازا بإقامة الهياكل في كل مدينة وعين كهنة للأصنام ومنحهم الامتيازات. قسطنطين ومراسم التسامح الديني تعتبر اضطهادات دقلديانوس وأعوانه آخر مقاومة يائسة للوثنية الرومانية ضد المسيحية، وعلي الجانب الآخر تجلت بطولات المسيحيين وثباتهم أمام وحشية الوثنية وشراستها حتى بدت الوثنية في حالة إعياء. أعتزل دقلديانوس الحكم في عام 305 م. بعد أن انتهي إلي نهاية سيئة تربي قسطنطين في بلاط دقلديانوس وهرب إلي بريطانيا وهناك نودي به إمبراطورا علي غاليا وأسبانيا وبريطانيا في عام 306م خلفا لوالده. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). عبر جبال الألب وانتصر علي منافسه مكسنتيوس بن مكسيميانوس شريك دقلديانوس في حكم الغرب عند قنطرة ملفيا علي بعد ميل واحد من روما، وباد هذا الطاغية هو وجيشه في مياه نهر التيبر في أكتوبر عام 312 م وفي مارس 313 م. التقي قسطنطين مع ليكينيوس إمبراطور الشرق في ميلان ومن هناك أصدرا مرسوم للتسامح مع المسيحيين يعرف باسم مرسوم ميلان بموجبه أعطيت الحرية الدينية للمسيحيين ولغيرهم أن يتبعوا الدين الذي يرغبونه وإذ خرج ليكينوس علي قسطنطين وجدد اضطهاد المسيحيين لفترة قصيرة في الشرق هزمه قسطنطين عام 323 م. وأصبح إمبراطور الشرق والغرب وهكذا يعتبر قسطنطين آخر الأباطرة الوثنيين وأول المسيحيين، وبعدها بدأت فترة جديدة في حياة الكنيسة والمسيحيين. نيافة المتنيح الحبر الجليل الأنبا يوأنس أسقف الغربية
المزيد
07 سبتمبر 2019

القيامة الأولى والموت الأول القيامة الثانية والموت الثاني

كتب القديس يوحنا الرسول في سفر الرؤيا "هذه هي القيامة الأولى. مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم" (رؤ20: 5، 6). ما هي القيامة الأولى؟ وما هو الموت الثاني؟ وما هي علاقة ذلك بالمجيء الثاني للسيد المسيح؟ هذه الأمور سنحاول أن نجيب عنها. إلى جوار ذلك فإن القيامة الأولى تفترض قيامة ثانية، والموت الثاني يفترض موتًا أولًافيلزمنا أيضًا أن نضع هذا في اعتبارنا عندما نتأمل في هذه الأقوال الإلهية الصادقة. القيامة الأولى الموت الثاني الموت الأول القيامة الثانية القيامة الأولى أولًا: القيامة الأولى القيامة الأولى هي النصرة الروحية التي يطالبنا الرب بها في حياتنا الحاضرة لكي نتأهل لميراث الملكوت ونستحق أن نشارك في قيامة الأبرار أي القيامة الثانية عن القيامة الأولى قالالسيد المسيح: "كل من كان حيًا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد" (يو11: 26). وقال أيضًا "الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" (مر9: 1) طبعًا لم يكن المقصود في كلام السيد المسيح عن عدم موت المؤمنين به إلى الأبد بمعنى أنهم لن يُنقلوا من هذا العالم، بل كما نقول في صلاةأوشية الراقدين (لأنه لا يكون موت لعبيدك بل هو انتقال( فإننا نفهم الموت في كلام السيد المسيح بمعنى السقوط تحت سلطان ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس. وبهذا يكون السيد المسيح قد وعد أن من كان حيًا بالجسد وآمن به فلن يذوق الموت الروحي إلى الأبد وفي قوله: "إن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" يقصد إلى جوار أن هناك قومًا كانوا عتيدين قبل وفاتهم أن يحضروا حلول الروح القدس في يوم الخمسين، فإنه قصد أيضًا أن من آمنوا به وثبتوا فيه فلن يموتوا موتًا روحيًا إلى أن يعاينوا مجيئه الثاني واستعلان ملكوت السماوات بقوة مع ملاحظة أن عبارة "ملكوت الله"هي عبارة عامة تشمل ملكوته الحالي وملكوته الآتي في السماوات، أما عبارة "ملكوت السماوات" فإنها غالبًا تشير إلى الحياة الأبدية في السماوات القيامة الأولى أيضًا نفهمها عن المعمودية في قول معلمنا بولس الرسول: "حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته.. كذلك أنتم أيضًا احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا" (رو6: 4، 5، 11). ثانيًا: الموت الثاني من الطبيعي أن من عاشوا حياتهم ملتصقين بالرب وأكملوا جهادهم وسعيهم أي أنهم قد تمتعوا بقوة القيامة الأولى، فإن الموت الثاني لن يكون له سلطان عليهم كما ورد في سفر الرؤيا والموت الثاني من المفهوم إنه الهلاك الأبدي. ومن ليس للموت الثاني سلطان عليه ينطبق عليه قول الرب: "من يغلب فذلك سيلبس ثيابًا بيضًا، ولن أمحو اسمه من سفر الحياة وسأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته" (رؤ3: 5) الذين للموت الثاني سلطان عليهم ينطبق عليهم قول السيد المسيح لليهود: "وتموتون في خطيتكم" (يو8: 21). هؤلاء يموتون في خطاياهم بمعنى أنهم يموتون الموت الأول بنهاية حياتهم على الأرض، ويتأهلون بموتهم في خطاياهم للموت الثاني أي الهلاك الأبدي وقيل أيضًا عن هلاك الأشرار: "وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني. وكل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طُرِح في بحيرة النار" (رؤ20: 14، 15). ثالثًا: الموت الأول يقول الكتاب: "وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة" (عب9: 27). والمقصود بذلك موت الجسد، وهذا الموت الأول يشترك فيه جميع البشر حتى القديسون مثل السيدة العذراء مريم وحتى أخنوخ وإيليا بعد صعودهما إلى السماء أحياء، فإنهما سوف يرجعان إلى الأرض ويصيران شهداء وتموت أجسادهما كباقي البشر ولكن هذا الموت الأول الذي يشترك فيه الجميع لا يعني وحدة المصير للجميع لأن الكتاب يقول: "طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن. نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم" (رؤ14: 13). رابعًا: القيامة الثانية من البديهي أن القيامة الثانيةهي قيامة الأبرار للحياة الأبدية. وقد تكلّم السيد المسيح عن الأبرار الذين سوف يقيمهم عن يمينه في يوم الدينونة "يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت 25: 34). وقال عن الأشرار مقارنًا إياهم بالأبرار في يوم الدينونة: "فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت25: 46) معنى ذلك أن قيامة الأشرار للدينونة لا ينطبق عليها لقب القيامة الثانية الخاصة بالأبرار لأن الأشرار أصلًا لم يتمتعوا بالقيامة الأولى الروحية التي للأبرار، وبهذا فإن قيامة الأشرار قد أخذت فقط لقب "قيامة الدينونة"كقول السيد المسيح: "تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يو5: 28، 29). أما القيامة الثانية الخاصة بالأبرار فهي "قيامة الحياة" إذا كانت القيامة الأولى هي الانتصار الروحي على الشر فإن القيامة الثانية تكون هي التحرر من سلطان الموت الناتج عن الخطية الأولى التي بها دخل الموت إلى العالم، لذلك قيل في الكتاب "آخر عدو يُبطل هو الموت" (1كو15: 26). خاتمة إن المعاني الخاصة بالموت الأول والموت الثاني والقيامة الأولى والقيامة الثانية، ترتبط بعمل السيد المسيح الخلاصي لتحرير البشر المفديين من عواقب الخطية، وصولًا إلى المصير الأبدي للإنسان بعد مجيء السيد المسيح الثاني الذي ينتظره القديسون بكل اشتياق ومحبة. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل