المقالات
06 يوليو 2020
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (5)التواضع
الحاجة الى التواضع ..
+ التواضع هو الأساس الذى نبنى عليه برج الفضيلة العالى لحياتنا الروحية وهو الذى يحفظ البناء ثابتا لا يتزعزع . وكلما تعمق الأساس كلما اذداد البناء صلابة ورسوخ وكلما يضع الإنسان نفسه كلما ارتفع برج فضائله إلى فوق. ان الشجرة المحملة بالثمار تنحنى الى أسفل والانسان المثمر يحيا متواضعا وديعا أمام الله والناس .كما ان الله الوديع المتواضع يسكن قلوب المتواضعين { لانه هكذا قال العلي المرتفع ساكن الابد القدوس اسمه في الموضع المرتفع المقدس اسكن ومع المنسحق والمتواضع الروح لاحيي روح المتواضعين ولاحيي قلب المنسحقين (اش 57 : 15). وهو يريدنا ان نسلك امامه بتواضع وتقوى ومعرفة منا بضعفنا وجهلنا { قد اخبرك ايها الانسان ما هو صالح وماذا يطلبه منك الرب الا ان تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعا مع الهك }(مي 6 : 8). لهذا نري السيد المسيح يمتدح تواضع العشار ويعلن قبوله له دون الفريسى المتكبر { وقال لقوم واثقين بانفسهم انهم ابرار ويحتقرون الاخرين هذاالمثل. انسانان صعدا الى الهيكل ليصليا واحد فريسي والاخرعشار.اما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا اللهم انا اشكرك اني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. اصوم مرتين في الاسبوع واعشر كل ما اقتنيه. واما العشار فوقف من بعيد لا يشاء ان يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني انا الخاطئ.اقول لكم ان هذا نزل الى بيته مبررا دون ذاك لان كل من يرفع نفسه يتضع و من يضع نفسه يرتفع} لو9:18-14.فان اردت ان تنال التبرير والمغفرة لا تستكبر بل تواضع امام الرب الهك وامام الناس فتنال نعمة ورحمة وتجد عونا فى حينه فان الله ينظر ويستجيب لصلاة المتواضعين.
+ ان كبرياء الشيطان هي سبب سقوطه من رتبته الملائكية . حينما أراد الشيطان أن يصير مثل الله كما هو مكتوب عنه { وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السماوات أرفع كرسيّ فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العليّ} (أش14: 13-14). حينما ارتفع قلب الشيطان بالكبرياء سقط من رتبته. وهكذا أيضاً آدم وحواء حينما أرادا أن يصيرا مثل الله طُردا من الفردوس..قال الشيطان لحواء {لن تموتا}(تك3: 4) إذا أكلتما من الشجرة إنما {تكونان كالله عارفين الخير والشر} (تك3: 5). فلما ارتفع قلباهما وأرادا أن يصيرا مثل الله سقطا. هكذا {يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة}(يع4: 6). لقد نظر الله لتواضع القديسة مريم العذراء واختارها ليولد منها القدوس{ فاجاب الملاك و قال لها الروح القدس يحل عليك و قوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} لو35:1. لذلك نراها تسبح الرب فى تواضع قلب { فقالت مريم تعظم نفسي الرب. و تبتهج روحي بالله مخلصي. لانه نظر الى اتضاع امته فهوذا منذ الان جميع الاجيال تطوبني.لان القدير صنع بي عظائم و اسمه قدوس.ورحمته الى جيل الاجيال للذين يتقونه. صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم.انزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين. اشبع الجياع خيرات وصرف الاغنياء فارغين} لو46:1-53.{ الكبرياء ممقوتة عند الرب والناس شانها ارتكاب الاثم امام الفريقين (سيراخ 10 : 7). من اجل هذا قال القوى الانبا موسى ان الكبرياء اصل كل الشرور ومن يعتقد فى نفسه انه بلا عيب فقد حوى فى ذاته سائر العيوب.
+ التواضع هو الاعتراف بالخطأ والضعف والجهل وطلب الحكمة والقوة والمعرفة من الله لا من اجل ان نفتخر بها ولكن لكى ننتصر فى حروبنا ضد الشيطان والخطية ولكى نسلك بامانه امام الرب الهنا ، التواضع مناقض للكبرياء والعجب وحب الظهور والخيلاء . إن الإنسان المعتدل البعيد عن الادّعاءات الكاذبة، لا يتكل على حكمه الذاتي{ فاني اقول بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم ان لا يرتئي فوق ما ينبغي ان يرتئي بل يرتئي الى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الايمان} رو 3:12 التواضع هو الاحساس بالخطايا أمام الله القدير القدوس وطلب المغفرة فى احساس بعد الاستحقاق ، والاعتراف بأن ما لدينا من نعم ومواهب ووزنات قد حصلنا عليه من الله ، ومهما فعلنا من بر نشعر بصدق اننا عبيد { كذلك انتم ايضا متى فعلتم كل ما امرتم به فقولوا اننا عبيد بطالون لاننا انما عملنا ما كان يجب علينا} (لو 17 : 10) . ان اشعيا النبى عندما راي الله القدوس وملائكته تسبح قداسته لم يتمالك الا ويعترف بانه انسان خاطئ نجس فاستحق باعترافه ان ينال المغفرة { في سنة وفاة عزيا الملك رايت السيد جالسا على كرسي عال و مرتفع و اذياله تملا الهيكل.السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة اجنحة باثنين يغطي وجهه و باثنين يغطي رجليه و باثنين يطير.و هذا نادى ذاك و قال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الارض.فاهتزت اساسات العتب من صوت الصارخ و امتلا البيت دخانا.فقلت ويل لي اني هلكت لاني انسان نجس الشفتين و انا ساكن بين شعب نجس الشفتين لان عيني قد راتا الملك رب الجنود.فطار الي واحد من السرافيم و بيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمي وقال ان هذه قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفرعن خطيتك} اش 1:6-7.اما شعب سدوم وعمورة ففى خطية وكبرياء قلوبهم فقد نالوا غضب الله المعلن من السماء بالنار والكبريت { هذا كان اثم اختك سدوم الكبرياء والشبع من الخبز وسلام الاطمئنان كان لها ولبناتها ولم تشدد يد الفقير و المسكين} (حز 16 : 49). لقد سئل سقراط مره لماذا ينادونك بالحكيم فقال لربما لانى اعرف انى لا اعرف. ونحن مهما بلغنا من معرفة وعلم وحكمة ، فنحن جهال وفى اشياء كثيرة نعثر جميعنا وحياتنا كبخار ماء يظهر قليلاً ثم يضمحل فلماذا الكبرياء والخيلاء! .
السيد المسيح قدوة ومثال ... + ان السيد المسيح وهو الله الظاهر فى الجسد عندما جاء الى ارضنا متجسدا اخلى ذاته من المجد وتواضع وولد فى مذود للبقر وعاش وديعا متواضعا ودعانا ان نتعلم منه لنجد راحة ونعمة { احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم} (مت 11 : 29). وقال مرة { فقال له يسوع للثعالب اوجرة ولطيور السماء اوكار واما ابن الانسان فليس له اين يسند راسه }(لو 9 : 58). نعم تواضع ليرفعنا وجاع ليشبعنا وعطش ليروينا وصعد على الصليب عريانا ليكسونا بثوب بره ولكى يقدم لتلاميذه ولنا مثالا عملياً فى التواضع رايناه يقوم بعمل العبد فى غسل ارجل تلاميذه {فلما كان قد غسل ارجلهم و اخذ ثيابه واتكا ايضا قال لهم اتفهمون ما قد صنعت بكم.انتم تدعونني معلما وسيدا وحسنا تقولون لاني انا كذلك.فان كنت وانا السيد والمعلم قد غسلت ارجلكم فانتم يجب عليكم ان يغسل بعضكم ارجل بعض.لاني اعطيتكم مثالا حتى كما صنعت انا بكم تصنعون انتم ايضا.الحق الحق اقول لكم انه ليس عبد اعظم من سيده ولا رسول اعظم من مرسله.ان علمتم هذا فطوباكم ان عملتموه} يو 12:13-17.
+ لقد تكبر نبوخذ نصر قديما ولم يتضع حتى عندما حذره دانيال النبى { لذلك ايها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك و فارق خطاياك بالبر واثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك} دا27:4 . لذلك جاء عليه العقاب الإلهي{ كل هذا جاء على نبوخذنصر الملك. عند نهاية اثني عشر شهرا كان يتمشى على قصر مملكة بابل.واجاب الملك فقال اليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي.والكلمة بعد في فم الملك وقع صوت من السماء قائلا لك يقولون يا نبوخذنصر الملك ان الملك قد زال عنك.ويطردونك من بين الناس و تكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب كالثيران فتمضي عليك سبعة ازمنة حتى تعلم ان العلي متسلط في مملكة الناس و انه يعطيها من يشاء} دا28:4-32. وهكذا نرى كيف تقود الكبرياء الى سقوط الرؤساء والقادة من حولنا ونتذكر كلام مسيحنا القدوس المتواضع لنتعلم منه التواضع والوداعة { فدعاهم يسوع وقال انتم تعلمون ان رؤساء الامم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم بل من اراد ان يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما .ومن اراد ان يكون فيكم اولا فليكن لكم عبدا. كما ان ابن الانسان لم يات ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين} مت 25:20-28.
+ راينا كيف بارك يسوع الأطفال، ويقدمهم لنا كقدوة { في تلك الساعة تقدم التلاميذ الى يسوع قائلين فمن هو اعظم في ملكوت السماوات.فدعا يسوع اليه ولدا و اقامه في وسطهم. وقال الحق اقول لكم ان لم ترجعوا وتصيروا مثل الاولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات. فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الاعظم في ملكوت السماوات. (مت1:18-4). فهل نحيا فى تواضع الاطفال وبساطتهم وبرائتهم ام نتكبر وتبتعد عنا نعمة الله ونسقط .
+ لقد طوب السيد الرب المساكين بالروح واعدا اياهم بملكوت السموات { طوبى للمساكين بالروح لان لهم ملكوت السماوات}مت3:5.ما هي المسكنة بالروح إلا حياة التواضع، خلالها يدرك الإنسان أنه بدون الله يكون كلا شيء، فينفتح قلبه بانسحاق لينعم ببركاته. فإن كانت خطيّة آدم الأولى هي استغناءه عن إرادة الله بتحقيق إرادته الذاتيّة، لذلك جاء كلمة الله الغني بحق مفتقرًا من أجلنا، ليس بالإخلاء عن أمجاده فحسب، وإنما بإخلائه أيضًا عن إرادته التي هي واحدة مع إرادة أبيه. كنائبٍ عنّا افتقر ليتقبّل غنى إرادة أبيه الصالح، قائلاً: {لتكن لا إرادتي بل إرادتك}. لذلك يدعونا القديس بولس الرسول الى التعلم من معلم التواضع والفضيلة { فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع ايضا.الذي اذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة ان يكون معادلا لله. لكنه اخلى نفسه اخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس. واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله ايضا واعطاه اسما فوق كل اسم. لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الارض ومن تحت الارض. ويعترف كل لسان ان يسوع المسيح هو رب لمجد الله الاب} في 5:2-11
+ استطاع السيد المسيح بأسلوب بسيط أن يعبِّر عن حقائق في منتهى العمق. فكان يكلم الناس بامثال بسطية يفهمها كل إنسان، وعميقه يتعجب منها الفهماء والحكماء . فيقول فى إنجيل معلمنا لوقا البشير {متى دُعيت من أحد إلى عرس فلا تتكئ فى المتكأ الأول لعل أكرم منك يكون قد دعي منه. فيأتي الذي دعاك وإياه ويقول لك أعط مكاناً لهذا. فحينئذ تبتدئ بخجل تأخذ الموضع الأخير. بل متى دعيت فاذهب واتكئ في الموضع الأخير حتى إذا جاء الذي دعاك يقول لك يا صديق ارتفع إلى فوق. حينئذ يكون لك مجد أمام المتكئين معك. لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع} (لو14: 8-11).المثل بسيط يمكن لاي إنسان أن يفهمه، وهو أسلوب عملي في تعليم الاتضاع. لابد أنك مررت او شاهدت مواقف شبيه به فى حياتك اليومية . لابد أنك رأيت أناساً يحاولون تصدُّر المتكآت الأولى، ويكونون مصدراً للمشاكل والمضايقات للآخرين، وراء هذا المثل البسيط تكمن معان كبيرة جداً. فبعدما ذُكر المثل، أعطى السيد المسيح التعليم الأعمق وجوهر الفكرة فقال {لأن من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع}.
التواضع طريقنا الى الانتصار والسماء
+ ان كان الله يدعونا الى التواضع لان الكبرياء علة السقوط { قبل الكسر يتكبر قلب الانسان وقبل الكرامة التواضع }(ام 18 : 12).فيجب علينا ان نتعلم من الرب يسوع المسيح ومن رسله القديسين الذين دعونا للتواضع{ فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين احشاء رافات و لطفا و تواضعا ووداعة و طول اناة }(كو 3 : 12).{كذلك ايها الاحداث اخضعوا للشيوخ وكونوا جميعا خاضعين بعضكم لبعض و تسربلوا بالتواضع لان الله يقاوم المستكبرين واما المتواضعون فيعطيهم نعمة. فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه. ملقين كل همكم عليه لانه هو يعتني بكم} 1بط 5:5-7. اننا عندما نشعر اننا خلقنا من تراب وسنرجع اليه ونتضع يرفعنا الله الى مرتبة الابناء والورثة لملكوت السماوات فالله ينظر إلى المتواضعين ويحنو عليهم . المتواضع ينال مغفرة خطاياه و حكمة القدير تسرّ بالكشف عن ذاتها للمتواضعين . ان يوحنا المعمدان الذى قال انه غير مستحق ان يحل سيور حذاء السيد المسيح رفعه السيد المسيح لمرتبه نبى وأعظم . التواضع يعطي رفعة للانسان امام الله والناس لهذا قال المخلص { ان كان احد يخدنى يكرمه الاب} يو 26:12.ان طريقنا للأتضاع هو طريق الصليب {مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ} (غل2: 20). ان الانسان الذى سعى الى التأله بعيدا عن الله ، بالتواضع وجحد الذات والوالده من فوق من الماء والروح يصير ابنا لله وارثا لملكوته وهو يشعر دائما ان ذلك من نعمة الله عليه ومحبته له فلا يغتر او يتكبر { انظروا اية محبة اعطانا الاب حتى ندعى اولاد الله من اجل هذا لا يعرفنا العالم لانه لا يعرفه }(1يو 3 : 1).وان كنا ابناء فنحن ورثة ايضاً { فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله و وارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} (رو 8 : 17).
+ الإنسان المتواضع هو الذى يغلب الشيطان بتواضعه. فالاتضاع والانتصار على الخطية هما جناحان لطائر يصل الى السماء ، لأن الإنسان لن يستطيع أن يغلب الشيطان إلا بالتواضع لذلك فإن القديس مكاريوس الكبير حينما ظهر له الشيطان وقال له: ويلاه منك يا مقارة؛ أنت تصوم أما نحن فلا نأكل وأنت تسهر وأما نحن فلا ننام، انت تحى فى الصحراء ونحن كذلك ، لكن بشئ واحد تغلبنا. فلما سأله القديس عن هذا الشئ قال له: باتضاعك تغلبنا. هذا هو السلاح الذي نغلب به الشيطان.وهذا الشيطان لا يأخذ هدنة فهو خدَّاع ومكَّار، فهولم يترك القديس مكاريوس بعد أن قال له أنك غلبتني. وكان القديس يعلم أن الشيطان بذلك يدبِّر له مؤامرة جديدة، لكنه علم أن الانتصار على الشيطان هو دائماً بمزيد من الاتضاع. وحتى حينما تمّم القديس مكاريوس جهاده بسلام وكانت روحه في طريق دخولها إلى الفردوس. ففي طريق إنطلاقها إلى السماء قال له الشيطان (طوباك يا مقاره فقد غلبت) قال له: (إلى أن أصل إلى داخل الفردوس). كان يعلم أنه لن يحتمي إلا في أحضان السيد المسيح، في حضن ذاك الذي غلب الشيطان وسحق سلطانه.
+علينا ان ندرب انفسنا على الاتضاع حتى بالأشياء البسيطة التي يستطيع أي إنسان أن يعملها.لنصل لما هو أعمق ، أنت تستطيع مثلاً أن تقدم غيرك على نفسك في أشياء بسيطة في الحياة اليومية: فمثلاً تجعل غيرك يسبقك في الدخول إلى المكان، أو تقف أنت من اجل ان تفس المكان لشيخ احتراماً لسنه ، أو لا تقاطع غيرك أثناء كلامه او تنسب الفضل لفاعليه والمشاركين فيه .السيد المسيح لا يعتبر المسيحية مجرد وصايا كبرى وفلسفات لاهوتية لكنه أعطانا المسيحية كحياة عملية معاشة. ومن خلال التصرفات البسيطة التي يستطيع الإنسان أن يتعلمها سوف يتعلم الفضائل الكبيرة التي تجعله يصل إلى قمة الحياة الروحية.لابد ان نعترف بنعمة الله التى تعيننا فى جهادنا ونخفى فضائلنا كما نوارى سقطاتنا ونريد ان يغفرها الله . ان جهادنا لاقتناء فضيلة التواضع ومسكنة الروح يجب ان يبدأ الان ولا ينتهى الا بالوصول الى الفردوس فالذات دائما تريد ان تكبر وتنتفخ بعيداً عن الله وحتى فى الطريق الروحى ومحاربتنا الروحية ليس مع لحم ودم بل مع اجناد الشر الروحية فى السماويات { الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات} (غل5: 24).ولكن ثق فى معونة الرب لك فى الطريق الطريق الروحى الحلو الذى سبقك اليه السيد المسيح ورسله وقديسيه { صلاة المتواضع تنفذ الغيوم و لا تستقر حتى تصل ولا تنصرف حتى يفتقد العلي ويحكم بعدل ويجري القضاء} (سيراخ 35 : 21).
نريد ان نتعلم منك ..
+ ايها الوديع متواضع القلب يا من دعوتنا لنتعلم منك الوداعة وتواضع القلب لنجد راحة لنفوسنا وشبعا لارواحنا ونعمة فى عينيك وأعين الناس . يا عظيما جاء من أعلى السماء سبحته الملائكة فى العلاء ونادت بالسلام على الارض عندما رايته يتنازل ويحل عليها ويولد كطفل صغير فى مذود فقير ولم يحد ذلك من لاهوته بل ذاده التواضع مجداً وبهاء فحلت بتجسدك المسرة على البشرية جمعاء واصبحت موضوع سرور الآب فيك وبك ومعك لانك رفعتنا معك وقدمتنا شعباً مبرراً لله للآب ، نشكرك يا معلم الوداعة والتواضع وندعوك ان تحل بالإيمان فى قلوبنا فنثمر وننمو ونمجد عظيم تواضعك .
+ يارافع المتواضعين ورجاء البائسين ومعين لمن ليس له معين ، أعيننا نحوك لانك قائد نصرتنا على قوى الشر وشبعنا وارتوائنا فى برية العالم القاحلة فكما قبلت العشار وخرج من أمامك مبررا ، اقبل طلبه شعبك والتفت الى تنهد عبيدك وخلصهم من كل شدة ، وهبنا حكمة ونعمة من عندك لنسير كما تحب ونصير كما تريد ، علمنا ان نقدم بعضنا بعضا فى الكرامة ونشعر اننا تراب ورماد ونستند على قوتك فننجو من فخاخ ابليس الملتهبة ناراً ومن حروب المجد الباطل والتذكية الكاذبة للنفس ، فنحن يارب دونك لاشئ ابداً .
+ الهنا الوديع لك نطيع وتحت صليب محبتك نتأمل المحبة الباذلة والرحمة الغافرة والسلام العجيب والحكمة الهادئة والتواضع الذى يحتمل تجديف الاعداء وخيانة الاصدقاء وجفاء الابناء وجحود من جلت تصنع معهم خيراً ، ان صبرك وحلمك ومغفرتك للصالبين يعلن لنا كيف يكون الحب ومعنى ان يضع المحب نفسه من أجل أحبائه . فلك القوة والمجد والبركة والعزة عمانوئيل الهنا وملكنا.
القمص أفرايم الأورشليمي
المزيد
05 يوليو 2020
الخادم وخدمة المفقودين (1)
في كل خدمة توجد فئات متنوعة من المخدومين، ولو افترضنا تقسيمهم بحسب الحضور نجد منهم: المواظبين، والمترددين، والبعيدين.. ولكن توجد فئة أخرى وهي المفقودون، وهم الذين اختفوا تمامًا، وللأسف ربما نسيناهم.وذلك يرجع لأسباب كثيرة.. ربما ابتعدوا عن الله وجذبتهم ضعفات متنوعة، أو تركوا البلد أو المنطقة، أو وجدوا صداقات في أماكن أخرى، أو ارتبطوا بعمل في أماكن بعيدة... وربما أُعثِروا في شخص أو وضع.. والأخطر: ربما طُرِدوا لسبب أو لآخر... كل هذا مطروح طالما هم في دائرة اهتمامنا، ويجب افتقادهم ومتابعتهم. أمّا في حالة نسيانهم وتركهم، هنا يُعَدّون من المفقودين... ومهما كان سبب ابتعادهم، لا نخلي مسؤليتنا من خدمتهم، فقد تعلمنا من مخلصنا الصالح وراعي الخراف الحقيقي إذ قال: «لم أُرسَل إلّا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة» (مت15: 24)، وقد تنازل وأتى إلينا لكي يطلب ويخلص ما قد هلك (لو19: 10). لذلك علّمنا بأمثال ثمينة ليقرّب لنا معنى المفقودين والبحث عنهم، في مثل الدرهم المفقود والخروف الضال، وكذلك في طلب وترقُّب واستقبال الابن الذى كاد يُعَد مع المفقودين.وهنا يعلمنا ألّا نسكت على فقدان أحد، بل نتذكره دائمًا ونترقب عودته كل يوم، ونوقد سراجنا، ونحضر أصحابنا، ونترك التسعة وتسعين لنبحث عن الواحد... فقد قيل عنه ليس عنده خسارة إلّا هلاكنا... علينا أن نوقد سراجنا ونكنس البيت ونبحث ونطلب الذين فُقِدوا داخل البيت (الكنيسة).. وهنا نتعجب! أيوجد داخل الكنيسة مفقودون؟نعم! فهناك من هو بعيد عن الكنيسة مكانيًا ولكنه قريب قلبيًا، وهناك من هو قريب مكانيًا وبعيد قلبيًا.. فلا نطمئن لمجرد وجود البعض أمام أعيننا بالكنيسة، فهناك من هم داخل أسوار الكنيسة وللأسف هم أبعد ما يكونوا عن جوهر عمل الكنيسة. هؤلاء يحتاجون أيضًا إلى من يفتش عنهم ويجتذبهم، وقد يكون جذبهم أصعب ممن هم خارج الكنيسة.وأيضًا نخرج خارج البيت لنبحث ونفتش باجتهاد عن كل نفس تائهة، ونخرج من الحظيرة ونفتش عن الخروف الضال الذى قيل عن الراعى إنه أضاع واحدًا منها( لو15: 4)، أي نسب الضياع للراعي وليس للخروف، فمعروف عن الخروف عدم الفهم وضعف البصر.أمّا من زاغوا وعاندوا وباعوا نصيبهم، فلنذكرهم باكين، ونصلي لهم، ونترقب رجوعهم، ونفتح الأبواب ونعد الوليمة والحلة والحذاء والخاتم لاستقبالهم، فهم أبناء ولهم حق الميراث وإن لم يكونوا في البيت. ولنصلِّ إلى راعي النفوس الأعظم: نطلب اليك عن كل درهم فُقِد، فهو درهمك وإن لم يكن موجودًا في كيسك.. وكل خروف ضائع، فهو خروفك وإن لم يكن موجودًا في حظيرتك.. ومن أجل كل ابن ترك البيت، فهو ابنك وإن لم يكن موجودًا في بيتك.. هم لك، هم ملكك، معدودون عليك وإن لم يكونوا معك.. فاطلبهم أنت، واستردهم بصلاحك يا راعي الخراف الأمين، لأنك لازلت تسأل ليس من يجمع التائهين (إر49: 5).. سامحنا على تقصيرنا، لأننا قد أهملنا ونافقنا.
القس أنطونيوس فهمى - كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
04 يوليو 2020
المقالة الرابعة فى الحض على التوبة
تعالوا يا أحبائى هلموا يا آبائى وإخوتى يا رعية الآب المنتخبة يا جند المسيح الموسومين تعالوا فاسمعوا قولاً يخص نفوسكم، هلموا فلنتجر ما دام الموسم واقفاً، تعالوا فلنجد حياة أبدية هلموا فلنتبع خلاص نفوسنا املئوا أعينكم دموعاً ففى الحين تنفتح أعين ذهنكم ؛ تعالوا كلنا أجمع الأغنياء والفقراء ؛ الرؤساء والمرؤوسين ؛ الشيوخ مع الشبان ؛ الأبناء والبنات ؛ وكل البنين المريدين أن ينجوا من العذاب الخالد ويصيروا لملكوت السموات وارثين فلنتضرع مع داود النبى إلى الرب الرحوم المتعطف على الناس قائلين ” اكشف حجاب عينى فأتأمل من ناموسك عجائب ؛ أنر عينى لئلا أتضجع للوفاة “.ولنهتف كما هتف الأعمى: ” يا ابن الإله ارحمنى “ فإن منعنا قوم وانتهرونا لنصمت ؛ فلنصرخ نحوه أكثر ولا نضجر من الصراخ إلى أن يفتح يسوع المعطى النور أعين قلوبنا، تقدموا إلى المسيح اقتربوا منه واستضيئوا فلا تخزى وجوهكم واتخذوا فكراً سديداً وشوقاً إلى الملك والفردوس تَهاونوا بأمور هذا الدهر ؛ اجتهدوا فى هذه الساعة الحادية عشر ؛ حاضروا لئلا يغلق الباب دونكم ؛ فقد قرب المساء الذى يأتى فيه المعطى الأجر بمجد جزيل ليعطى كل أحد نظير أعماله ولنتبن يا إخوتى ما دام لنا وقت ؛ فقد سمعتم ماذا يقول المسيح: ” إن فرحاً يصير فى السماء بخاطئ واحد يتوب “ أيها الخاطئ لم تتوانى لم تيئس ؟ إن كان يصير فى السماء فرح إذا تبت فممن تخاف ؟ إن الملائكة يفرحون وأنت تتوانى، رئيس الملائكة هو الكارز بالتوبة وأنت تَهرب، الثالوث الطاهر والذى لا يوسع والمسجود له يستدعيك وأنت تتنهد لا يحل لنا اهتمام العالم لئلا تمررنا النار الخالدة والدود الذى لا يرقد، فلنبكى ههنا قليلاً لئلا نبكى هناك إذا عُذِبنا بكاءً أبدياً، احذروا آلا يتوانى أحدكم فإن ورود المسيح يصير بغتة كبرق خلب ؛ أما ترهبون ؟إن فى تلك الساعة ينال كل أحد نظير أعماله، كل أحد يحمل وسقه، كل أحد يحصد ما زرع، كلنا نقف عراة أمام عرش المسيح ، وكل واحد منا يعطى القاضى جواباً فى تلك الساعة لا يقدر أحداً أن يغيث أحداً، لا الأخ أخاه، ولا الوالدين أبنائهم، ولا الأولاد آبائهم، ولا الأصدقاء خلانِهم، ولا رجل قرينته، لكن كل واحد يقف بخوف ورعب منتظراً أن يسمع القضية من اللـه.فلِمَ نضجع فيما بعد ولا نستعد ؟ لماذا لا نَهتم بحجج الاعتذار ما دام لنا وقت ؟ ولِمَ نتهاون بالكتب المقدسة وبكلمات المسيح ؟ هل تظنون أن أقواله وأقوال القديسين لا تديننا فى ذلك اليوم بحضرة المقام المرهب إن لم نعمل ونحفظ كل ما أوصتنا قد سمعتم ماذا يقول الرب للتلاميذ: ” من يسمع منكم يسمع منى ومن يخالفكم إياى يخالف ولأبى “ وفى فصل آخر يقول أيضاً: ” من يخالفنى ولا يسمع أقوالى أنا لا أدينه لكن له من يدينه القول الذى قلته ذاك يدينه فى اليوم الأخير “.ترى أى قول مزمع أن يديننا فى ذلك اليوم الأخير ! هو إنجيله المقدس وباقى كتب الأنبياء والرسل المقدسة فلهذا اطلب إليكم يا إخوتى ألا تتهاونوا بالمكتوبات، إن السماء والأرض تزولان وأما أقوال المسيح فلا تتغير.
هلموا يا إخوتى قبل مجىء ذلك اليوم الرهيب، فلنلقى أنفسنا فى لجة رأفات اللـه فهو الإله ؛ فيتقدم ويأمر ويستدعينا كلنا قائلاً: ” تعالوا إلىَّ يا كافة المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم “.فالمحب للناس، والمحتمل البشر يستدعى فى كل وقت الجميع. المتحنن والمتمهل الذى يريد أن جميع الناس يخلصون لم يأمر باستدعاء المختصين به فقط بل يستدعى ٍالكل. ” تعالوا إلىَّ كلكم “.وإن كنت موسراً أو مقفراً فإن المقبل إلىَّ لا أخرجه خارجاً. من هو المقبل إلىَّ ؟ الذى عنده وصاياى ويقبلها ويحفظها، الذى يسمع قولى ويؤمن بمن أرسلنى.مغبوط من يسمع قوله ويحفظه، وشقى من يخالفه، فإن ذلك القول يدينه فى اليوم الأخير، كما كتب مرهوب هو الوقوع فى يد اللـه الحى.تب أيها الأخ ولا تجبن، تب أيها الخاطئ واثقاً وناظراً إلى تعطف المسيح الذى لا يحصى القائل: “ما جئت لأدعو صديقين فقط بل خطاة إلى التوبة “.
تب لئلا تخجل أمام المقام المرهب حيث تقف بخوف حيث ألوف وربوات ملائكة ورؤساء ملائكة حين تصير الأشياء المكتومة ظاهرة.حين تفتح الكتب، حين يفرز البعض من بعض كما يفرز الغنم عن الجداء، بالحقيقة أنَها ساعة مرهبة ومجزعة، لأن الحاكم عادل مرهوب مذهل.من ذا لا يخلف ! من لا يجزع من تلك الساعة ! لأن القاضى قوى الاقتدار، ومجلس القضاء غير مستشفع، وأعمالنا تكون منتصبة أمام أعيننا، ونَهر النار قبالة الموقف، وتسبيح الملائكة مع الصديقين بلا صمت، ونحيب الخطاة غير محتمل، والدموع غير نافعة، حينئذ تنفتح الكنوز والصديقون يتمتعون.مغبوطون الذين عطشوا وجاعوا فإنَهم هناك سيشبعون، وويل للشباعى فإنَهم هناك يجوعون ويعطشون، والطوبى للذين افتقروا وبكوا فإنَهم هناك يضحكون ويُعَزون وويل للذين يضحكون الآن فإنَهم هناك ينوحون ويبكون بلا فتور، والطوبى للذين رحموا فإنَهم هناك سيرحمون، والويل للذين لا رحمه لهم لقد سمعتم كيف يطوب المجاهدين ؛ وكيف يعطى الويل للمتوانيين ؛ فإذ لنا مثل هذه كلها فلنحرص أن نخلص، ولا نبصر إلى المتوانيين والمتنعمين فإنَهم كالحشيش يجفون سريعاً.لا نحب هذا الدهر فأنه يعرقل الذين يحبونه، يطرب مقدار ساعة ويرسل الإنسان إلى ذات العذاب عارياً.اسمع وأصغ إلى الكتب الإلهية، فلا تتعرقل ولا تنخدع من هذا العالم الخبيث، اسمع هذا يقول يوحنا المتكلم فى اللاهوت ” لا تحبوا العالم ولا شيئاً مما فيه فإن سائر الأشياء التى فى العالم هى شهوة الجسد وشهوة العيون والعالم يعبر ومن يعمل مشيئة اللـه يبقى إلى الأبد “.اسمع الرب يقول: “ماذا ينفع الإنسان إن ربح العالم كله وخسر نفسه”.أصغَ باهتمام إلى كلامه فإن القول الذى قال وعلم به ذاك يديننا فى اليوم الأخير، أترى الرب كاذباً حاشا لأنه هو الحق فإن كنت تعرف بمبالغه أنه هو الحق وأن أقواله غير كاذبة فلِمَ تتوانى يا شقى ؟ ماذا تتوقع ؟ ماذا تفتكر ؟ من يعتذر عنك ؟أما عرفت أن كل أحد يعطى عن نفسه للـه جواباً ؟ أما عرفت أن كل أحد يحصد ما زرع ؟ وكل أحد يحمل أثقاله ؟.فإذ لك وقت فبدد ثقل خطاياك فإن الإله العطوف على الناس يستدعيك قائلاً: ” تعالوا يا معشر الموقرين “. فإذ يأمر الكل بِهذا فلا ييئس أحد، ولا يجترئ أحد أن يقول: ” أننى ما أخطأت “.فإن من يقول أننى ما أخطأت فذلك أعمى ومكفوف وأشقى كافة الناس لأن يوحنا الإنجيلى يقول: “إن قلنا أن لا خطيئة لنا نكذب ولا نعمل الحق ونخادع أنفسنا ونجعل اللـه كاذباً “. لأن ليس أحد نقياً من خطية.فماذا إذاً، إن الحاجة ماسة إلى الدموع لنغسل خطايانا قائلين مرتلين مع داود النبى ” اغسلني فأبيض أكثر من الثلج “. وأيضاً ” أحم فى كل ليلة سريرى وأبل فراشى بعبراتى “.وذلك إنما أخطأ ليلة واحدة فبكى كل ليلة، فلذلك أستوضح مغبوطاً لأن النبى سبق فأبصر بمبالغة القائل: الطوبى للذين ينوحون.لا تشتهى شيئاً من أشياء هذا العالم الزائل، أبغض الثياب الناعمة والزينات والوشاءَ أمقت تلوينات الأصباغ، التصفف، التزين، التبختر، الأغانى الشيطانية، والمعازف، والصفارات، وتصفيقات الأيدى، والأصوات الغير مرتبة الوحشية.أولاً تعلم يا شقى أن هذه كلها بذور الشيطان هذه كلها يعملها أمم العالم الذين لا رجاء خلاص لهم، فلا نماثلن الأمم لئلا ندان معهم.قد سمعتم الرسول يقول: هذا أقوله واستشهد بالرب ألا تسلكوا أيضاً كما تسلك الأمم باغترار عقلهم المظلم ذهنهم.فإذ قد تركنا أعمال الأمم فلا نعود إلى الأشياء التى وراء أى التى قد سلفت ونعملها أيضاً ؛ قد جحدت دفعة الشيطان وملائكته ووافقت المسيح بحضرة شهود كثيرين.فانظر لمن قد وافقت وعاهدت ولا تستهون به ؛ واعرف هذا أن فى تلك الساعة كتب ملائكة أقوالك ومعاهداتك وخضوعك وخباؤها فى السموات إلى يوم الدينونة الرهيب.فمن أجل هذا لا تخشىَ ولا تفرق إذ فى يوم الدينونة يُحضِر الملائكة كتاب الوثيقة التى عليك وكلمات فمك أمام المقام المرهب حيث يقف الملائكة مرتعدين، وحينئذ تسمع الصوت المويِّل: ” أيها العبد الخبيث من فمك أدينك بالحقيقة “.أنك تتنهد حينئذ تنهداً مراً، وتبكى فى تلك الساعة ولن ينفعك شىءٌ ارحم نفسك ولا تبغض مهجتك.افتح عينيك وابصر كيف أن قوماً كثيرين يجاهدون ؛ كيف يحرصون أن يخلصوا ؛ كيف يكلفون ذواتِهم فى كل عمل صالح.كيف يحفظون ذاتَهم من الحسد، من القرف، من البغض، من الضحك، من الزنا، من التنعم، من الخصومة ؛ كيف قد احبوا الطريق الضيق صائمين ساهرين ملازمين الشقاء وباكين، كيف قد أعدوا مصابيحهم بَهية.كيف يسبح فمهم كل حين ويمجد الختن الذى لا يموت وعيونَهم متأملة جماله ونفوسهم مبتهجة.تأمل وانظر أنه قد قرب ولا يبطئ ؛ لأنه يجىء ليفرح الذين يُحبونه، يأتى ليعزى الذين ناحوا وبكوا لا على المائت ولا على خسران المال الوقتى بل من أجل الخطية السهل افتعالها ؛ ومن أجل الملكوت الذى لا نَهاية له.ومن أجل نعيم الفردوس المطرب الذى أُخرجنا منه لما خالفنا وصية اللـه حيث يعود إليه أيضاً النائحون والباكون.يجىء ليكلل الذين جاهدوا بمفترض الجهاد الذين احبوا الطريقة الضيقة الضاغطة، يأتى ليرحم الرحومين.يجىء ليطوب الذين تمسكنوا من أجله، يأتى ليشبع الذين جاعوا من أجله وعطشوا من الخيرات، يجىء لينير مكتومات الظلمة ويظهر آراء القلوب.ولِمَ لا أقول قولاً وجيزاً يجىء ليعطى كل أحد نظير أعماله، يجىء لا من الأرض كما جاء فى المرة الأولى لكن من السموات بقوة ومجد كثير.حينئذ تُضرب الأبواق فتتزعزع قوات السماء، وترتعد الأرض كلها كالبحر من قِبَل مجده، ويجرى أمامه نَهر نار ينظف الأرض من المآثم.حينئذ يصير بغتة صوت ها الختن يجئ ؛ ها السرور المنتظر يوافى، وها فخر الصديقين، شمس العدل مقبل هل ملك المتملكين وارد الذى لا انقضاء لملكه، ها القاضى العادل آتى الآن اخرجوا لاستقباله سريعاً.وحينئذٍ يوافى الذين لهم مصابيح مضيئة وحلتهم منيرة فيسمعون صوت الختن قائلاً: ” تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم “.فلما يصير هذا الصراخ مسموعاً من الكل يخرج إلى استقباله الذين لهم مصابيح مضيئة بَهية بدالة جزيلة مبتهجين واثقين أن مصابيحهم لا تنطفئ.حينئذ إذا رأيت ذاتك فى غم عظيم، فى خيبة رديئة وشدة غير محتملة، وإذا عاينت مصباحك انطفأ تقول بخزى وخجل: ” يا إخوتى أقرضونى زيتاً قليلاً فقد انطفأ مصباحى “.فيجيبونك قائلين: ” لعله لا يكفينا وإياك لكن أذهب إلى الذين يبيعون وأشترى لك “.فتمضى بخزى وتوجع وتنهد مر باكياً فلا تجد ألبته زيتاً تشتريه لأنه قد أنحل موسم الحياة وكل حياتَهم ترتعد كالبحر.قد انصرف الفقراء الجالسون حول أبواب الكنائس الذين يبيعون الزيت هناك، فتضيق بك الأمور من كل جهة وتتحير باكياً منتحباً قائلاً: أمضى أقرع باب المسيح لكن من يعرف إن كان يفتح لى.فإذا جئت تقرع يجاوبك الختن من داخل: ” حقاً أقول لك لستُ أعرفك أنصرف عنى يا عامل الإثم ما رَحمت فلا تُرحم، ما سمعت صوت الفقراء ولا أنا اسمع صوتك.كنت تسمع كتبى المقدسة وتضحك ؛ فلهذا لا اسمح لك أن تدخل، نبذت أوامر أنبيائى ورسلى ؛ فلهذا القول الذى قلته ذاك يدينك فى هذا اليوم الأخير انصرف عنى.لم تقبل الباب الضيق ؛ خضبت بشرتك وقتلت نفسك ؛ وكيف تريد أن تدخل ههنا وتدنس مملكتى ؛ دنست بشرتك وأوعبت فمك قرفاً وسلباً وعملت مشيئات الشيطان وطرحت مشيئتى ؛ وأبغضت قريبك والآن تتضرع أن تدخل إلى حيث لم تُرسِل شيئاً حيث ليس لك شيئاً موضوع.لا دموع، ولا بكاء، ولا صوم، ولا سهر، ولا تسبيح، ولا بتولية، ولا صبر، ولا صدقة، ولا شيئاً من هذه تقدمت وأرسلتها إلى هنا، فماذا تطلب ؟هذا مسكن إنما يسكنه الذين تمسكنوا من أجلى، هذه المملكة للرحومين، هذا الفرح للنائحين، هذا السرور للنادمين والتائبين، هذه النياحة للصائمين والساهرين، هذه الحياة لليتامى والأرامل.ههنا يفرح الذين جاعوا وعطشوا فرحاً مؤبداً، فأنت قد أخذت خيراتك فى حياتك أنصرف عنى إلى النار الأبدية “.هذه تسمعها واقفاً خازياً ؛ ومطرقاً إلى أسفل ؛ وفى حين وقوفك يأتى إلى أذنك صوت الفرح والابتهاج وتعرف صوت كل واحد من رفقائك، فحينئذٍ تتنهد تنهداً مراً قائلاً:” ويلى أنا الشقى كيف عدمت هذا المجد وتميزت عن رفقتى ؛ كنتُ معهم طول أيام حياتى والآن انفصلت عنهم، بالحقيقة أصابنى هذا عن استحقاق.كان أولئك يمسكون عن الأغذية وغيرها وأنا كنت أبادر إلى الأغذية والأعشية، كان أولئك يرتلون وأنا صامت، كان أولئك يصلون وأنا أتنزه، كان أولئك يضعون ذاتَهم وأنا أتكبر، كان أولئك يستهونون بذاتِهم وأنا أتزين، كانوا يبكون وأنا أضحك.فلهذا الآن أولئك يبتهجون وأنا أنتحب أولئك يسرون وأنا أبكى، يتملك أولئك مع المسيح إلى الدهور التى لا تنتهى وأنا أُرْسَّل مع معاند المسيح إلى النار الخالدة، الويل لى أنا الشقى. ما هو الذى أنا أدخل به ؟ كم خيرات قد عدمتها لكى ما أعمل مشيئة الشيطان زمناً يسيراً.الآن علمت أن كل أحد يأخذ نظير أعماله، الآن علمت أن العالم غرر بى واعتقلنى، وها كم من خيرات عدمتها نفسى وكم شرور جلبتها على ذاتى “.هذه ونظائرها تقولها منتحباً لكنك لا تنتفع بِها لأن هناك لا منفعة من التوبة والندامة.فمن أجل هذا تُناشدنا وتُوصينا الكتب المقدسة كتب الرسل والأنبياء والقديسين أن الحظوظ الصالحة التى أعدها اللـه للذين أحبوه ما رأتْها عين ولا سمعتها أذن ولا خطرت على بال إنسان.فقد سمعت أيضاً الرب يقول: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد. وفى فصل آخر يقول أيضاً: الطوبى للمطرودين من أجلى.ولهذا يقول الرسول: لا تنخدعوا فإن اللـه لا ينخدع، الشىء الذى يزرعه الإنسان إياه يحصد فمن يزرع فى الجسد يحصد بلاءً ومن يزرع فى الروح يحصد من الروح حياة خالدة، لأن الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج.أصغوا يا إخوتى وتذكروا المكتوب فقد قال:خرج الزارع ليزرع زرعه.فمن هو الذى خرج وزرع ؟ هو ربنا يسوع المسيح سيد المنزل الخطير. ماذا زرع ؟ قول البشارة، وصاياه المقدسة. أين زرعها ؟ وفى أية أرض ؟ فى قلوب الناس، فى كافة أقاصى الأرض. لكن الكل لم يسمعوا الإنجيل، ولا كلهم يعملون فلاحات لكي ما وقع زرع الرب يعمل ثمراً ؛ لكنهم فى أرض بور، وذات شوك وخديعة.يقبلون قول الإنجيل، وإذ هم متصرفون فى أمور العالم وثروته ولذاته يختنقون ولا يعطون ثمراً.فأنتم يا أحبائى قوموا قلوبكم ومهدوها لقبول بشارة الإنجيل، ولا يخنق قلوبكم اهتمام العالم الكثير، فلنسعى من أجل الحاجة لا من أجل التنعم، ولنرضى بالقوت الكافى.إن لازمتم التنعم والاستكثار فسيكون تعبكم كثيراً وجريكم لا يقف أصلاً وغمكم لا ينتهى وعيشكم كثير الاهتمام يا إخوتى إن الحاجة إلى شيء واحد كما قال الرب، وهذه الأشياء يجب أن نصنعها فى جزء من همنا من أجل اضطرار الجسد، وتلك الفضائل يجب أن نصنعها بلا فتور من أجل خلاص النفس لأن ليس شيء أعلى قدراً من النفس.
فمن أجلها يا إخوتى فلنحاضر ونَهتم ونستعد كل يوم ولا نفنِ كل زماننا فى الاهتمام بالجسد، لكن إذا جاع الجسم وطلب طعاماً فتذكر أنت أن النفس أيضاً لها حاجتها.وكما أن الجسد إن لم يستعمل خبزاً لا يستطيع أن يعيش كذلك النفس إن لم تتغذى بالحكمة الروحانية فهى مائتة ؛ لأن الإنسان مركب من نفس وجسد فلذلك قال المخلص: أنه ليس بالخبز يعيش الإنسان فقط.فأنت إذاً كقهرمان نجيب أعطِ النفس أغذية النفس وأمنح الجسد أغذية الجسد ؛ ولا تطعم جسدك وحده وتترك نفسك مقفرة مائتة بالجوع، ولا تدع نفسك تموت لكن غذيها بالأقوال، بالمزامير، بالتسابيح، بالترانيم الروحانية، بقراءَة الكتب الإلهية، بالأصوام، بالأسهار، بالعبرات، بالرجاء، والدراسة فى الخيرات المستأنفة. هذه ونظائرها هى طعام النفس وحياتَها أحذروا يا إخوتى أن يوجد أحدكم غير مثمر، من يزرع للجسد تمتع العالم، تنعماً ؛ الأعشية والأغذية ؛ من جسده يحصد بكاءً.ومن يزرع للروح صلاة، وسهراً، وصوماً من الروح يحصد حياةً أبديةً.تأملوا وأبصروا إن المتنعمين لا يمدحهم أحداً أصلاً، ولا المتنزهين، ولا الضاحكين لأن هذه تصنعها الأمم.أما الشريعة التى لنا فهى هذه: ” مغبوطون المساكين بالروح، الطوبى للنائحين، الطوبى للرحومين، الطوبى للمطرودين، الطوبى للمعيرين، الطوبى للأنقياء القلب، الطوبى للمتمسكين بالحِمية.الطوبى للذين حفظوا المعمودية طاهرة، الطوبى للذين يزهدون فى هذا العالم من أجل المسيح، مغبوطة أجسام البتوليين، الطوبى للذين لهم نساء وكأن ليس لهم، الطوبى للمتيقظين والمصلين.الطوبى للذين يقدمون نظرهم للوارد ليدين الأحياء والأموات، الطوبى للذين يبكون فى صلواتَهم “.هذه الفرائض المستقيمة هى أمانتهم الإلهية، أى كتاب يطوب الذين يصفرون، ويعزفون، أو الذين يضحكون، أو الذين يتنعمون، أو السكيرين، والمعربدين، أو الذين يرقصون، والمحبين للعالم.هذه الأشياء التى فى العالم لم تأمرنا بِها شريعتنا، ولم تُشِر إليها ؛ هذه لم يُعَلم بِها ربنا.لكن يويل من يستعملها قائلاً:الويل للضاحكين الآن لأنَهم سيبكون وينوحون، الويل للشباعى لأنَهم سيجوعون، الويل لكم أيها الأغنياء.ويقول أيضاً النبى: الويل للذين يقولون إن الردىء جيد والجيد ردىء، والجاعلين النور ظلمة والظلمة نوراً، الجاعلين الحلو مراً والمر حلواً، الويل للذين يذكون المنافق من أجل الهدايا وينتزعون حق الصديق. الويل للذين يقومون بالغداة ويطلبون المسكر ويلبسون فيه إلى المساء فإن الخمر تحرقهم، لأنَهم بالمعازف والدفوف والصفارات يشربون النبيذ، ولا يشاهدون أعمال اللـه، ولا يتأملون صنائع يديه وهذه ونظائرها للمحبين العالم ؛ والناس الوادين للجسد لا المحبين للمسيح.أتشاء أن تسمع أوصاف يسيرة من التى المحبين للمسيح، والسالكين فى الطريق الضيق، اسمع الرسول قائلاً: ” فى كل شيء نُظهر ذواتنا كما يليق بخدام المسيح بصبر كثير، بغموم، بشدائد، بضيقات، بجراحات، بحبوس، باضطرابات، بأتعاب، بأسهار ؛ بأصوام، وتوابعها “.والرب يقول أيضاً: قوموا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة.ماذا يجب أن نعمل يا إخوتى ؟ ها قد سمعتم كيف يطوب السالكين فى الطريق الضيق، وكيف يوَّيل للسائرين فى الطريق العريض الواسع المؤدي إلى الهلاك.فلنتعب زماناً يسيراً لنملك إلى الأبد وليكن بإزاء أعيننا كل حين الوارد ليدين الأحياء والأموات ونتذكر دائماً الحياة الخالدة، والملكوت الذى لا موت فيه، والتصرف مع الملائكة، والعيشة مع المسيح.فلنتذكر أن ليس فى العالم شىء سوى دموع، وتعييراً، ومثالب، وتوانِ، وأتعاب، وأمراض، وشيخوخة، وخطايا، وموت.فلا تحب العالم، أحذر لئلا يطربك العالم، ويعرقلك، ويرسلك عارياً إلى ذلك الدهر، تذكر القائل: صلوا بلا فتور.لا تسر بزهزهة العالم، ليكن المزمور كل وقت فى فمك فإن الرب نفسه يعظ به، ويعزى نفوسنا، ومهما أجترمناه وهفونا به ما دام لنا أوان التوبة فلنداوه بالعبرات.وقت التوبة قليل وملكوت السموات لا نَهاية له، ونحن نطوب القديسين ونتوق إلى إكليلهم، ولا نشاء أن نشابه جهادهم.هل تظنون أنَهم كُللوا بغير أتعاب وأحزان كما نشاء نحن ! أتشاء أن تسمع أى نياحة كانت للقديسين فى هذا العالم، بعضهم ضُربت أعناقهم، آخرون ذاقوا تجربة استهزاء، وسياط، وقيود، وحبوس.رجموا، ونشروا، وماتوا بقتل السيف، طافوا بجلود غنم، وبجلود المعزى، معوزين، مغمومين، مذلين، قوم لم يستحقهم العالم، تائهين فى البرارى، والجبال، والمغائر، ومثاقب الأرض.ها قد سمعتم جزءاً من كثير من نعم القديسين ونياحهم فى هذا العالم وكأنَهم فى سرور احتملوا جميع هذه ونظائرها إذ كانوا يقدمون نظرهم إلى الخيرات المحفوظة فى السموات التى لم تراها عين ولم تسمع بِها أذن ولم تختر على قلب إنسان التى أعدها اللـه للذين يحبونه.إن أخذت اسم اللـه تطرد الشياطين، تحرك يدك للعمل ليرتل لسانك، ويصلى عقلك إن شئت أن تنجو من العذاب، لا تقرف أحداً قط، الويل لمن لا شريعة له لأنه إذا استضاء الكل يُظلم هو، الويل للمفترى فإن لسانه سيعقد، فكيف يعتذر لدى الحاكم لا يستطيع ذلك.الويل للمتكبر فإن ثروته تَهرب والنار تقبله، الويل للوانى فإنه سيطلب الزمان الذى أضاعه بؤساً وإذا طلبه لا يجده، الويل لمحب الزنا فإنه قد وسخ الحلة العروسية، وسيخرج بخزى من العرس الملكى.الويل للثلاب ومعه المستكبر فإنَهما سيرتبان مع القتلة ويعذبان مع الزناة، الويل لمن يتنعم زماناً قليلاً فإنه سَيُطلب كالخروف للذبح، الويل للمرائى فإن الراعى يجحده والذئب يخطفه.الطوبى لمن سلك الطريقة الضيقة ؛ فإنه سيدخل إلى السماء لابس الإكليل، الطوبى لمن سيرته عالية وعقله متضع فإنه تشبه بالمسيح فسيجلس معه، مغبوط من قد صنع بالفقراء إحساناً كبيراً فإنه إذا حُوكِمَ سيجد كثيرين ينتصرون له، الطوبى لمن يكلف ذاته فى كل شىء فإن المقتسرين يخطفون ملكوت السموات.فلنكلف ذاتنا يا أحبائى فى كل عمل صالح ؛ ولنعز ذاتنا ولنعظها ؛ لينير الواحد نفس الآخر كما أنكم تعملون ذلك فى كل وقت.ولكن حديثنا عن الدينونة وعن اعتذارنا إن كنتم تعملون عملاً، أو كنتم تسلكون، أو على الغذاء، أو على مضاجعكم، أو فى عمل آخر اهتموا فى كل وقت من أجل الدينونة وبإتيان الحاكم العادل.وتذكروا فى قلوبكم هذا، وليقل بعضكم لبعض. ترى كيف تلك الظلمة البرانية ؟ ترى كيف هى النار التى لا تطفأ، والدود الذى لا يرقد ؟ ترى كيف هو صرير الأسنان ؟.
” هذه فليخاطب بِها بعضكم بعضاً كل حين ليلاً ونَهاراً “.وأين يجرى النهر النارى، وينظف الأرض من آثامها ؟ كيف تدرج السماء كالدرج ؟ وكيف تنشر النجوم كورق التينة ؟ كيف تفنى الشمس والقمر ؟ كيف تنشق السموات بأمر السيد ؟ كيف يبرز القاضى من السماء وينحدر ؟ كيف تضطرب قوات السموات وتحاضر ؟ كيف يستعد العرس الرهيب ؟ كيف يتزلزل القرار منتظراً وطئ القاضى عليه ؟
كيف تتكاثر أصوات الأبواق ؟ كيف تنفتح القبور ؟ كيف تنقض الأجداث ؟ كيف ينهض الراقدون منذ الدهر كمن يقوم من نوم ؟
كيف تتحاضر النفوس إلى الأبدان ؟ كيف يتبادر القديسون إلى الاستقبال؟ كيف يؤهل المستعدون إلى الدخول؟كيف تغلق دون المتوانيين.هذه إذا دُرِست تفيد عادة حسنة، هذه إذا أهتم بِها ليلاً ونَهاراً تقنى أمراً نفيساً لأن من يتذكر الموت دائماً لا يخطئ كثيراً.لا نحاضر طول حياتنا من أجل البطن، ومن أجل الملابس فهذه إنما يصنعها الأمم الذين ليس لهم أمل فى الحياة الأبدية. فلا نماثلهم بل نسمع الرب يقول: اطلبوا أولاً ملكوت السموات وبره وهذه كلها تزاد لكم.فلنطلب يا إخوتى ذلك الملكوت الذى لا نَهاية له، ولا انقضاء ؛ فلنطلب ذلك الفرح المؤدى إلى الدهور التى لا تنتهى، لنبتهل يا أحبائى بوجع قلب، وبدموع، وتنهد، ألا نخيب من سماع ذلك الصوت المغبوط ولنمتنع من التنعم هنا لنستفيد هناك فرح الفردوس ونعيمه،ولنبكِ هنا قليلاً لنضحك هناك، ولنجع لنشبع هناك، ولندخل من الباب الضيق والطريق الصعب لنتخطر هناك فى الطريق العريض الواسع.وأقول أيضاً: احذروا أن يعرقلكم العالم ويلعب بكم ويرسلكم إلى ذلك الدهر عراه أشقياء فإنه قد عرقل كثيرين ولعب بكثيرين، وكثيرون أعمتهم خديعة هذا العالم فنحن يا إخوتى فلنصغ إلى ذاتنا ولنسمع الرب قائلاً: ” تعالوا ورائى “. فلنترك كل شيء ونتبعه وحده ولننبذ كل فرح هذا العالم فإنه سيخزى كل من يحبه فلنسرع نحن أن نتخذ الحياة الأبدية ومجاورة الملائكة والتصرف مع المسيح. فإن له المجد والاقتدار مع الآب والابن والروح القدس إلى أبد الدهور. آمين.
مار إفرآم السريانى
المزيد
03 يوليو 2020
معنى الحياة
بلا شك الحياة نعمة من عند الله. الخالق العظيم أوجد هذه الخليقة من العدم ثم توّجها بخلقة الإنسان –رجلًا وامرأة– كائنًا عاقلًا وناطقًا ومفكرًا، وأودعه قيادة الخليقة، بل واستأمنه على هذه الحياة ليحفظها وينمّيها ويصونها، ويسلّمها من جيل إلى جيل، وطمأنه أنه سيكون معه كل الأيام بلا انقطاع وحتى انقضاء الدهر (متى28: 20).الحياة من الناحية الطبية هي استمرار التنفُّس مع نبضات القلب، وحيوية المخ الذي يدير منظومة حياة كل إنسان، بالتعاون مع جميع أعضاء الجسد ووظائفه العديدة، والتي يقوم بالتنسيق معها جميعًا.ويأتي السؤال: ما هي الحياة؟ ما معنى الحياة؟ الإنسان يُولد ويعيش وينمو ويتعلم ويعمل ويلد آخرين، ويمتد به العمر حتى الشيخوخة ويموت، وكما يقول الكتاب: «فيَرجِعُ التُّرابُ إلَى الأرضِ كما كانَ، وتَرجِعُ الرّوحُ إلَى اللهِ الّذي أعطاها» (جامعة12: 7).وملايين الملايين من البشر عاشوا في هذه السلسلة من الأفعال إلى أن ماتوا، وقد تركوا شيئًا قليلًا أو كثيرًا، أو لم يتركوا شيئًا، لأن كل إنسان دخل إلى العالم بلا شيء وخرج منه بلا شيء على الإطلاق (1تيمو6: 7).هل معنى الحياة هو مجرد هذه الأفعال المتكرّرة، والتي يصاحبها الفقر أو الغنى، السعادة أو التعاسة، الصحة أو المرض، المعرفة أو الجهل، الحرب أو السلم، السلام أو الخوف، الصراع أو الاتفاق، الحكمة أوالحماقة... الخ؟ وتتكرر حياة الإنسان "يُولد-يعيش-يموت"، أو كما قال أحدهم إن للإنسان ثلاثة أيام فقط: يوم الميلاد، ويوم الوفاة، وبينهما يوم طويل هو يوم الحياة.ذات يوم قرأت قصة قال بطلها في نهايتها: "لقد وجدت الحياة بلا معنى، لذا قرّرت الانتحار"! وقد تعجبت أن هذا الانسان لا يجد معنى لحياته... كيف؟!لقد لخّص سليمان الملك خبرته أن الحياة مليئة بالمصاعب والأمور المحيّرة، وهناك الكثير مما لايستطيع أحد فهمه أو حتى السيطرة عليه، وأطلق عبارته الشهيرة في فاتحة سفر الجامعة الذي كتبه في أواخر حياته على الأرض قائلًا: «باطل الأباطيل الكل باطل» (الجامعة1: 2)، «الكل باطل وقبض الريح» (الجامعة1: 14).حقيقةً تبدو الحياة باطلة وبلا منفعة، حتى ان أحد الشعراء في الغرب قال: "إن الحياة تشبه بصلة تقشّرها ورقة ورقة، وفي بعض الأحيان تبكي"!! وشرح أحدهم كلمة "باطل" بأنها تعني ما يتبقّي بعد أن تنفجر فقاعة صابون!!لقد ذكر سليمان الملك كلمة «باطل» في سفره 38 مرة بمعنى فراغ أو بخار، ولكنه ألحقها بعبارة «تحت الشمس» 29 مره في ذات السفر، بمعنى فحص الحياة الأرضية تحت الشمس.كما لخّص الحياة في ثلاثة أوصاف تميل كلها إلى التشاؤم وربما الكآبة والملل: لا شيء يتغير (جامعة1: 4-7)، لا شيء جديد (جامعة1: 8-11)، لا شيء يُفهَم (جامعة1: 12-18)، وهذا كله تعبير عن رتابة الحياة وأنها غير مُشبعة، وأنها مملة.وبالطبع هذه نظرة ناقصة، لأنه ليس من المنطق أن الله العظيم خلق الإنسان ليعيش في رتابة وملل، وكأنه كان بلا قصد في خلقة الإنسان.. وحاشا لذلك!!!إنني أعتقد أن منظومة الحياة ثلاثية الشكل، تتكوّن من الإنسان والزمان والحب.الله يخلق الإنسان حبًا، ويدخل الإنسان دائرة الزمان من بوابة حب الله، والتي فيها طريق واحد مستقيم ذو ثلاث حارات أو مسارات متوازية تؤدي إلى الحياة الأبدية، كما قال السيد المسيح: «أنا هو الطريق والحق والحياة» (يوحنا14: 6)، بمعنى أنا هو الطريق الحقيقي للحياة الأبدية السماوية. ولكن دائرة الزمان فيها أيضا عدة طرق جانبية متعرّجة، ليس فيها أيّة استقامة، وغالبًا ما يتوه الإنسان فيها بعيدًا، وغالبًا ما ينشغل بها ولا يفطن إلى الطريق المستقيم، وتضيع حياته بلا معنى، وتنتظره نهاية غير سعيدة على الإطلاق.مسارات الطريق المستقيم الثلاثة والمتوازية: 1- مسار الإيمان بالله، واليقين بوجوده، والثقة في عمله ويده الممدودة نحو الإنسان. وهذا المسار يجعل صليب المسيح ماثلًا أمام الإنسان كل يوم، متمتعًا بالفداء والخلاص والمعونة الإلهية التي ترفع خطية الانسان –مرض الروح الصعب، وكل مرة يرى الصليب ينال منه قوة وسلامًا وفرحًا.2- مسار العمل والاجتهاد والتعب من أجل الآخر كيفما يكون موقعه، وفيه البذل والتضحية والخدمة، والخروج من الذات من أجل رفيق الحياة أو الأسرة أو المجتمع أو الوطن أو الإنسانية. ومن خلال هذا المسار تتقدم الشعوب والأمم، وتُبنى الحضارات، وتُصان الطبيعة، ويرتفع شأن الإنسانية، ويشعر الإنسان بالسعادة الداخلية التي تملأ حياته فرحًا.3- مسار الرضا والشكر والقبول والقناعة (1تيمو6:6)، وفي محطات الحياة المتنوعة الصعبة والسهلة، وكأن لسان حال الإنسان ينادي دائمًا: «كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله» (رومية8: 28). وبهذا المسار يزداد فيض النعم الإلهية، كما قال القديس باسيليوس الكبير: "ليست نعمة بلا زيادة إلّا التي بلا شكر"، وبهذا المسار المتوازي مع مسار الإيمان ومسار العمل، لا يكون الإنسان إلّا فرحًا.أمّا المسارات الجانبية المتعرّجة والتي بلا استقامة، وفيها يتوه الإنسان، فهي عديدة ومتشابكة، وكثيرًا ما تتقابل في بعض نقاطها، وأحيانًا تضيق واحيانًا تتسع، وهي في الغالب ثلاثة ليست متوازية ولكنها متقاطعة: 1- مسار المال أو على الأدق محبة المال التي هي أصل لكل الشرور (1تيمو6: 10). ومن أجل المال تقوم الصراعات والحروب، وتزداد أعداد الأغنياء، وتتفاقم أعداد الفقراء، ويتحول المال من كونه مجرد وسيلة مُعِينة ومُنظّمة للحياة، إلى هدف وغاية، رغم أن الإنسان عندما يموت يترك ماله تمامًا! وللمال وسلطانه صور عديدة مثل الميديا والأسواق (الماركت) والتجارة والممتلكات والتكنولوجيا والرياضة، وغير ذلك من صور الصراع الدائم من أجل المال.2- مسار السلطة، والبحث عن المناصب، وتأليه الذات، والتنافس غير النقي بين البشر، والتحكم في الآخرين واستعبادهم أحيانًا، وقيام حركات العنف والجريمة والإرهاب والانتقام، وظهور شخصيات الديكتاتور والطاغية والمتسلّط، كما نقرأ في صفحات تاريخ البشر الحافلة بأمثال هذه النوعيات.3- مسار الجنس والإباحيات والتجاره في البشر، والانحرافات الأخلاقية، والاستهانة بالجسد، وظهور الخيانات في حياة الناس وعلى كل مستوى، وكذلك الشذوذ والزواج من نفس الجنس. ويصير هذا المسار مجلبة لخطايا وسقطات عديدة، وينغمس الإنسان في وحل الفساد والشر.والخلاصة: الحياة اختيار، وعطية من الله، وسامية في معانيها، وهي باب مفتوح دائمًا وليست دائرة مغلقة، وهناك بركات جديدة من الله كل صباح نختبرها يوميًا، ولا يمكننا تفسير كل شيء، ولكن الحياة لا تُبنى على التفاسير بل على المواعيد، ولدينا الكثير من المواعيد في كلمة الله، لذلك استمتع بإنجيلك كل يوم، إنه يقول لك: «سلِّم للرب طريقك واتكل عليه وهو يُجري» (مز37: 5).. رغباتك لن تُشبَع إلّا في المسيح يسوع واهب المتع الحقيقية للحياة، وواهب الفرح في كل يوم، إنه «يمنحنا كل شيء بغنىً للتمتُّع» (1تيمو6: 17). وعش اختبار سليمان الحكيم الذي وصل إليه في ختام سفر الجامعة: «اتقِّ الله واحفظ وصاياه، لأن هذا هو الإنسان كله» (جامعة12: 13).
قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
02 يوليو 2020
التناقض المزعوم بين الأسفار وبين إِنْجِيلِ مَتَّى
1- بين سلسله نسب المسيح الوارد فى انجيل متى اصحاح 9 : 1 – 17 والسلسله الوارده فى انجيل لوقا اصحاح 3 : 23 – 38 فنجيب ان الاسماء التى ذكرها متى ولوقا فى سلسله نسب المسيح اغلبها وارد فى الكتاب المقدس وما لم يذكر فى الكتاب فقد اخذه البشيران من جداول النسب الموجوده وقتئذ. والتى كان اليهود محافظين عليها كل المحافظه حتى ان من لم يجد اسانيد لنسبه عزل من الكهنوت (عز 2 : 61 – 63 ونح 7 : 61 – 65).
ولننظر اولا فى الجدولين منفصلين عن بعضهما :
(1) جدول انجيل متى – اولا قسمه الى ثلاثه اقسام كل منهما 14 جيلا ولكن القسم الثانى ينقصه واحد فقال بعضهم (بما ان القسم الاول انتهى بداود فاراد ان يجعل اول القسم الثانى داود ايضا لاهميته فى موضوع انجيله وهو اثبات ان المسيح تناسل بالجسد من داود) وقال اخر (يجب قراءه عدد 11 هكذا – يوشيا ولد يهوياقيم واخوته ويهوياقيم ولد يكنيا. الخ). لان متى حذف اسم يهوياقيم لرداءه سيرته وبذلك يصير كل قسم14 جيلا). (ثانيا) ترك متى بين يورام وعزيا ثلاثه ملوك عد 8 وهم اخزيا ويؤاش وامصيا (2 مل 8 : 25، 11 : 2، 12 : 21) وكذلك يهوياقيم الذى كان بين يوشيا ويكنيا (2 مل 23 : 43) تركه ايضا عد 11 فالراى الغالب ان هذه الاسماء الاربعه حسب قول علماء اليهود تركت من جميع الجداول النسبيه الدارجه التى اخذ عنها متى جدوله وذلك لاشتهارهم بشرور كثيره. اما كون الابن ينسب لجده فهذا قد عرفنا مما سبق انه مصطلح عليه فى اللغه العبريه. (ثالثا) اعترض بعضهم على عد 11 (ويوشيا ولد يكنيا واخوته عند سبى بابل) فقال:
(1) لم يكن ليكنيا اخوه.
(2) قد مات يوشيا قبل سبى بابل بعشرين سنه فكيف يذكر انه ولد يكنيا واخوته عند سبى بابل. والجواب على ذلك ان نسخا كثيره بخط اليد قرىء فيها هكذا (ويوشيا ولد يهوياقيم واخوته ويهوياقيم ولد يكنيا) (انظر قراءات كريسباغ) (فان يوشيا كان ابا يهوياقيم واخوته يوحانان وصدقيا وشلوم (1 اى 3 : 15) ويهوياقيم كان ابا يكنيا عند سبى بابل الاول لانه قد سبى بنى اسرائيل ثلاث مرات، وكان الاول فى السنه الرابعه من حكم يهوياقيم بن يوشيا سنه 3389 ق.م ولهذا قال (كالمت) يجب قراءه الايه 11 هكذا : (يوشيا ولد يهوياقيم واخوته ويهوياقيم ولد يكنيا عند سبى بابل الاول ويكنيا ولد شالتئيل عند سبى بابلى).
(2) جدول انجيل لوقا. (اولا) دعى ابن ريسا يوحنا ع 27 وفى (1 اى 3 : 19) دعى حننيا والتشابه بين الاسمين موجود (ثانيا) قيل عد 35 و36 (عابر بن شالح بن قينان بن ارفكشاد) وفى (تك 11 : 12 و1 اى 18 : 1) ان شالح بن ارفكشاد لا ابن ابنه. ذهب البعض ان موسى لم يذكر قينان لتكون الاجيال من ادم الى نوح عشره ومن نوح الى ابراهيم عشره، وقال غيرهم ان قينان وشالح اسمان يدلان على شخص واحد، وذهب كثيرون الى ان قينان لم يكن موجودا فى انجيل لوقا غير ان النساخ اخذوه من الترجمه السبعينيه محاكاه لها.
2- بين مت اصحاح 2 : 3، لوص 2 : 25 و32 و38 ففى الاول انه لم يعلم احد بمولد المسيح وفى الثانى انه علم به كثيرون. فنجيب : ان الاول قصد ان العموم لم يعلموا والثانى ان بعض الاخصاء هم الذين علموا.
3- بين متى اصحاح 3 : 14، يو 1 : 31 ففى الاول ان يوحنا المعمدان كان يعرف المسيح وفى الثانى انه لم يكن يعرفه. فنجيب : ان قوله فى الثانى (لم اكن اعرفه) لم يقصد انه كان يجهله كل الجهل انما قصد انه لم يعرفه المعرفه التامه المعلنه من الله التى تقدره على تاديه الشهاده الصريحه العامه. نعم انه كان قد سمع خبر ولاده المسيح غير المعتاده وانباء حكمته وجوده فحمله ذلك على ان يقول له كما فى الاول يوم اتاه ليعتمد (انا محتاج ان اعتمد منك وانت تاتى الى) الا انه لم يكن له سلطان على تاديه الشهاده قبل نزول العلامه الموعود هو بها من السماء اى نزول الروح القدس عليه مثل حمامه.
4- بين مت اصحاح 4 : 5، لو 4 : 5 ففى الاول يختلف عن الثانى فى ايراد حادثه تجربه السيد المسيح. فنجيب : ان الاول راعى الزمان، والثانى راعى المكان، فلوقا ذكر التجربتين اللتين كانتا فى البريه اولا، اما متى فقد ذكر التجارب حسب ترتيب الزمان.
5- بين متى اصحاح 4 : 18 – 27، مز 1 : 16 – 20 وبين لو 5 : 10 ويو 1 : 35 – 46 ففى الاولين ان المسيح دعا بطرس واندراوس ويغقوب ويوحنا وهم على ساحل بحر الجليل وانه دعا بطرس واندراوس اولا ويعقوب ويوحنا ثانيا وفى الثالث انه دعا الاربعه مره واحده وفى الرابع ان يوحنا واندراوس قابلا المسيح اولا بقرب عبر الاردن ثم عرف اندراوس اخاه بطرس بالمسيح وفى اليوم التالى اهتدى فيلبس ونثنائيل ولم يذكر يعقوب اخو يوحنا. فنجيب : للتوفيق بين متى ومرقس وبين لوقا. نقول ان لوقا ضم دعوتى الرسل الاربعه فى دعوه واحده وقال انهم تركوا كل شىء وتبعوه، واما متى ومرقس ففضلا وذكرا دعوه بطرس واندراوس اولا ثم دعوه يعقوب ويوحنا ثانيا. واما عن التوفيق بين متى ومرقس وبين يوحنا فينبغى ان نعلم ان الاولين يذكران حادثه غير حادثه الثالث لانهما يرويان ما جرى عند بحر الجليل وهو يروى ما حدث فى عبر الاردن ثم ان ما رواه يوحنا كان عباره عن تعرف التلاميذ بالمسيح معرفه بسيطه لم تدم اكثر من يوم واحد، اما حادثه متى ومرقس التى كانت بعد تلك بمده فكانت دعوه التلاميذ ليتبعوا المسيح دائما ولم يكن يعقوب مع التلاميذ حينما قابلوه لاول مره، وبعدما قابلوه عادوا الى اشغالهم الى ان قابلهم ومعهم يعقوب فدعاهمه الدعوه النهائيه فتركوا كل شىء وتبعوه دائما.
6- بين متى اصحاح 7 : 14 ى، اصحاح 11 : 29 و30 ففى الاول قال ان باب الحياه الابديه ضيق وفى الثانى ان
نيره هين وحمله خفيف. فنجيب : ان طريق المسيح عسر وصعب فى اول الامر على الذين الفوا الخطيئه وعاشوا فى الشر، ولكنه سهل وهين للذين ذاقوا طيبه الرب وعرفوا لذه العشره معه.
7- بين مت اصحاح 8 اصحاح 13 : 3 وبين مر 4 : 35 ففى الاول ان المسيح علم بالامثال بعد هيجان البحر وفى الثانى انه علم قبله. فنجيب : لا يخفى ان البشيرين الاربعه كان لكل منهم غرض خاص فى كتابته، لهذا لا خلاف بينهم اذا لم يرتبوا الحوادث على نظام واحد لنضرب المثل بالخلاف المذكور هنا فان متى البشير كان غرضه ذكر معجزات المسيح فجمعها مع بعضها مره واحده ثم شرع فى ذكر تعاليمه اما مرقس فراعى زمان حصول اعمال المسيح. ونظير هذا كثير فى الاناجيل الاربعه فقط يتفق ان احدهم يتكلم فى موضوع فيقدم ويؤخر له بعض الحوادث كما يقتضيه المقام ويذكر اخر معجزه هامه قادت بعض الناس للمسيح قبل معجزه لم يكن لهما تاثير كبير بينما يهتم غيره بتدوين الحوادث حسب ترتيب وقوعها الزمنى، ويعنى اخر بمراعاه المكان. ومثل هذا اذا وجد لا يعتبر تناقضا فى كتاب الله، وقد اعرضنا عن ذكر المشاكل التى من هذا القبيل مكتفين بهذا الايضاح.
8- بين مت 8 : 5 – 13، لو 7 : 2 – 10 ففى الاول ان القائد اتى للمسيح طالبا منه ان يشفى غلامه ولما قال له يسوع انا اتى واشفيه اجاب قائد المائه وقال يا سيد لست مستحقا ان تدخل تحت سقفى. وفى الثانى انه ارسل له شيوخ اليهود وانه حين دنا من البيت ارسل يقول له (لا تتعب لاننى لست مستحقا ان تدخل تحت سقفى). فنجيب : ان ما ذكره متى من القائد هو الذى التمس من المخلص ان ياتى ويشفى غلامه هو من باب نسبه الشىء لمن كان السبب فيه فقيل عن سليمان انه بنى الهيكل وهو لم يبنه بنفسه بل امر ببنائه. وقيل عن المسيح انه كان يعمد وكان ذلك بواسطه تلاميذه (يو 4 : 1) وقيل ان بيلاطس جلد يسوع (يو 19 : 1) ولم يفعل ذلك غير جنوده. فهكذا ما طلبه الشيوخ اليهود من المسيح نسب لذلك القائد. اما قوله (لست مستحقا ان تدخل تحت سقفى) فقد قاله القائد للمسيح اول ان تدخل تحت سقفى) بواسطه اصدقائه اذا دنا المسيح من بيته كما ذكر لوقا. ثم قاله له بنفسه عند استقباله له بالقرب من البيت. ويحتمل مع ذلك ان يكون قائد المئه قد خرج فى اثر الشيوخ اليهود واصدقائه للقاء المسيح ثم رجع الى منزله وهم قد سبقوه اليه.
9- بين متى اصحاح 28 : 5 وبين مر 4 : 38 ولو 8 : 24 ففى الاول قال التلاميذ (يا سيد نجنا فاننا نهلك) وفى الثانى (اما يهمك اننا نهلك) وفى الثالث (يا معلم اننا نهلك). فنجيب : بما قاله القديس اوغسطينوس جوابا عن ذلك وهو (ان التلاميذ قصدوا قصدا فى ايقاظهم المسيح وطلب الخلاص ولا يهمنا ان نتاكد اى هذه الروايات تضمن كلامهم بلفظه فى تلك الاستغاثه او انهم نادوا بفير ما ذكر. فالقصد والفكر واحد فى الجميع فاذن قد ذكر كل البشيرين المعنى الواحد بكلمات مختلفه.
10- بين مت 8 : 28 وبين مر 5 : 2 ولو 8 : 27 ففى الاول ان المسيح لما جاء الى العبر الى كوره الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان خارجان من القبور فشفاهما وفى الثانى والثالث انه مجنون واحد. فنجيب : ان مرقس ولوقا لم يذكرا غير المجنون الذى كان اشد هياجا والذى تجلت قدره المسيح فى شفائه اياه كما يظهر من عبارتيهما حيث يذكران هياجه بالتفصيل ليشهرا عظمه الاعجوبه التى صنعها سيدهما بشفائه، اما المجنون الثانى فلم يكن مهما وشفائه لم يكن مدهشا كذلك فاهملا ذكره.
11- وبين مت 9 : 9 وبين مر 2 : 14 وبين لو 5 : 27 ففى الاول دعى احد الرسل متى وفى الثانى لاوى. فنجيب : ان هذا من قبيل تسميه الواحد باسماء مختلفه. فسمعان دعى بطرس وصفا، ثم ان بعض البشيرين اقتصروا على ذكر اسمه ولم يذكر اباه، وغيره ذكر صناعته وظروفه الخصوصيه.
12- بين 9 : 18 وعدد 24 ففى الاول ان رئيسا جاء للمسيح قائلا ان ابنتى الان ماتت. ولكن تعال وضع يدك عليها فتحيا. وفى الثانى ان المسيح لما جاء قال (ان الصبيه لم تمت لكنها نائمه). فنجيب : انه اراد بقوله (لكنها نائمه) انها ستقوم بعد قليل كما ينتبه النائم من رقاده، لا ان ذلك كان نوما حقيقيا.
13- بين مت 9 : 18، مر 5 : 23 ففى الاول قال ان الرئيس قال للمسيح (ابنتى ماتت) والثانى قال (ابنتى على اخر نسمه). فنجيب : ان متى ذكر ما قاله الرجل، ومرقس ذكر واقعه الحال. فقوله ماتت بمعنى (انها مدفنه) قريبه من الموت، فمن عاده المصابين ان يعظموا مصابهم طلبا لمزيد الاشفاق عليهم، فهو تركها على اخر نسمه وظن بعد تركه اياها انها ماتت. وفعلا فقد وجدها بعد رجوعه انها قد ماتت حقا.
14- بين مت 10 : 3 وبين مر 3 : 18 وبين لو 6 : 16 ففى الاول دعى احد الرسل لباوس الملقب تداوس، وفى الثانى تداوس، وفى الثالث يهوذا اخا يعقوب. فنجيب : ان الاسماء الثلاثه لمسمى واحد وقد عرفنا ان اليهود يسمون الشخص الواحد باسماء عده.
15- بين مت 10 : 5 و6، مر 16 : 15 ففى الاول قال المسيحه انه لم يرسل الا الى خراف بنى اسرائيل الضاله، وفى الثانى طلب من تلاميذه تبشير بنى اسرائيل اولا حتى لا يكون لهم عذر فى رفضهم البشاره ومن قبيل الاعتناء باهل الايمان وبعدئذ يكرزون فى العالم اجمع.
16- بين مت 10 : 10 ولو 9 : 3 وبين مر 6 : 8 ففى الاولين ان المخلص منع عن تلاميذه اخذ العصا وفى الثالث اباح لهم ذلك. فنجيب : ان قول الاولين معناه لا تاخذوا شيئا فوق ما يلزمكم اى لا تاخذوا من العصا غير ما يلزم ووجدت قراءه عوضا عن عصا (عصى) وهذا ما تحتمله القرينه لانه يقول (لا... ثوبين ولا احذيه ولا عصا) فهنا التحذير من التكسير والاكتفاء بما تدعوا اليه الحاجه.
17- بين مت 10 : 20، اع 23، 5 ففى الاول وعد السيد المسيح تلاميذه بان روح الله يتكلم فيهم وفى الثانى ان الرسول اخطا واعترف بخطاه بقوله عن رئيس الكهنه انه لم يكن يعرفه حين قال له (سيضربك الله ايها الحائط المبيض). فنجيب : ان معنى قول الرسول بولس (لم اكن اعرف ايها الاخوه انه رئيس كهنه) اى لم يعرفه رئيس كهنه لانه ليس كذلك، لانه يجب ان يكون (رئيس كهنه الله) من ابناء هارون ويبقى كاهنا الى ان يموت ثم يقوم مكانه اخر من ابناء هارون ايضا. وهذا الانسان لا دليل على انه من ابناء هارون او على انه رئيس بامر الهى انما اقامه الناس للرشوه او ما شاكله. وكان فى ذلك المجلس كثيرون مما تولوا تلك الرياسه وعزلوا. وكان من الواجب ان يكون رئيس كهنه الله مشابها لله بعض المشابهه فى صفاته الادبيه، لكن حنانيا كان على غايه المخالفه. فلذلك لم يسلم بولس بانه رئيس كهنه ولم يحسب انه خالف الناموس بما قاله.
18- بين اصحاح 10 : 23 وص 16 : 28 وص 24 : 34 وبين 2 بط 3 : 4 ففى الاول قال المسيح للرسل (فانى الحق اقول لكم لا تكلمون مدن اسرائيل حتى ياتى ابن الانسان) وفى الثانى (ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الانسان اتيا فى ملكوته) وفى الثالث قال عندما تنبا عن خراب الهيكل ومجيئه ثانيه (الحق اقول لكم لا يمضى هذا الجيل حتى يكون هذا كله) وفى الرابع ان جميع الذين سمعوا هذا الكلام ماتوا ولم ياتى المسيح ثانيهً. فنجيب : ان معنى اتيان المسيح يقصد به حرفيا مجيئه الثانى للدينونه، ومعناه المجازى يطلق على الكرازه وبشرى الانجيل (يو 14 : 33 واف 2 : 17) وعلى تاييد كنيسته وملكوته بقوه فى العالم (مت 16 : 28) وعلى منح الروح القدس للمؤمنين وامارات محبته (يو 14 : 18 و23 و28) وعلى عقابه الاشرار الذين يرفضون انجيله (2 تس 2 : 8) وعلى دعوه المؤمن عليه بالموت (يو 14 : 3).
19- بين مت 10 : 34، يو 14 : 27 ففى الاول يقول المسيح (ما جئت لالقى سلاما بل سيفا)، وفى الثانى يقول (سلامى اترك لكم. سلامى اعطيكم). فنجيب : ان مراد المسيح بقوله الاول انه حاء ليجعل القداسه تسود فى العالم فى وقت كان فيه للشر سلطان عام، فلابد ان يقوم الحرب بين كليهما ويدوم الصراع حتى تتغلب مبادىء المخلص الساميه على المبادىء الرديئه. والمسيح هو اصل السلام وينبوعه لكنه يبغض الشر ودائما يقاومه ويطلب من تابعيه ان يحاربوا حتى الدم مجاهدين ضد الخطيه.
20- بين مت 12 : 39 و40 وبين اصحاح 27 : 36 – 50 ويو 20 : 1 ففى الاول ان المسيح يكون فى قلب الارض ثلاثه ايام وثلاثه ليالى. وفى الثانى والثالث انه مات يوم الجمعه الساعه التاسعه وقام فى فجر الاحد. فنجيب : بما كتبه احد الاباء الافاضل فى ذلك حيث قال : (انه ينبغى للسائل عن حقيقه مده اقامه مخلصنا بالجسد فى الضريح وقيامته المجيده ان يعتبر بلا شك مواعيده الالهيه التى سبق مصرحا بها عن الامه وموته وقيامته حتى يكون له ذلك اساسا يبنى عليه التكلم فى هذه المساله، ومتى تحقق تلك المواعيد الصريحه الصادره عن هذا السر يتيسر له فهم المساله بكل سهوله وذلك ان السيد له المجد قد كشف النقاب عن هذا الامر واعلنه مرات متعدده قبل وقوعه وابانه. راجع (مت 16 : 21 و17 : 23 ويو 2 : 18 ويو 2 : 18 – 22).
21- بين مت 15 : 22، مر 7 : 26 ففى الاول يقول ان المراه التى استغاثت بالمخلص لشفاء ابنتها كانت كنعانيه وفى الثانى انها كانت امميه وفى جنسها فينيقيه سوريه. فنجيب : ان الاول نظر الى اصلها ونسبتها القديمه، والثانى نظر الى البلاد التى ولدت فيها.
22- بين مت 17 : 1 وبين مر 9 : 1 وبين لو 9 : 28 ففى الاول والثانى (بعد سته ايام اخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم الى جبل عال منفردين) وفى الثالث بعد ثمانيه ايام. فنجيب : ان المخلص قبل هذا اى فى (مت اصحاح 16 : 28) وعد بعض تلاميذه بانهم لا يذوقون الموت حتى يروه اتيا فى ملكوته وقصد به ان يروه متجليا على الجبل بمجده مع موسى وايليا فقول الاول والثانى (بعد سته ايام) اعنى بعد مرور سته ايام من الوعد السابق وهذه الايام كانت كامله. اما الثالث فقال بعد ثمانيه ايام لادخاله يوم الوعد ويوم التجلى فى حسابه الايام وحسب جزء اليوم كالاصطلاح العام، وقد ذكر متى ومرقس الايام المتوسطه بينهما فقط. راجع حل مشكله 162.
23- بين مت 19 : 9، لو 16 : 18 ففى الاول اجاز المسيح الطلاق لعله الزنا وفى الثانى قال (ومن يطلق امراته ويتزوج باخرى يزنى. وكل من يتزوج بمطلقه من رجل يزنى). فنجيب : ان الطلاق لعله الزنا امر واضح فى الايه الاولى والزواج بعد الطلاق لهذه العله غيرممنوع، واما الذى نهى عنه المخلص فى الايه الثانيه فهو الطلاق لعله اخرى خلاف هذه، والزواج بمطلقه لغير هذا السبب.
24- بين مت 19 : 17، يو 10 : 30 ففى الاول يقول المسيح بمن لقبه بالمعلم الصالح (لماذا تدعونى صالحا. ليس احد صالحا الا واحد وهو الله) وفى الثانى انه يساوى نفسه بالله بقوله (انا والاب واحد). فنجيب : يظهر ان ذلك الرجل الذى خاطبه المخلص لم يكن يؤمن بان المسيح هو الله ولذا يقول له المسيح ان المديح الذى ينسب اليه يجب لله وحدهفكانه يقول له : اما ان تعترف بانى الله واما ان لا تدعونى صالحا لان ليس صالح الا الله.
25- بين مت 19 و21، يو 11 و12 ففى الاول ان المسيح ارتحل من اريحا وجاء الى اورشليم وفى الثانى انه ارتحل من افرايم وجاء الى قريه بيت عنيا وبات فيها ثم جاء الى اورشليم. فنجيب : ان السيد المسيح لما سافر من الجليل توجه الى اورشليم وحضر عيد المظال ثم سافر الى بريه بعد الاردن ومنها سافر الى بيت عنيا فاقام لعازر ثم توجه الى اورشليم ومنها توجه الى افرايم فلبث قليلا يعلم هناك ثم توجه الى اورشليم عن طريق اريحا فشفى الاعميين ثم زار زكا وتوجه الى بيت عنيا قبل عيد الفصح بسته ايام، ففى الاول ذكر بعض سفريات المسيح والثانى اشار الى البعض الاخر. وقس على ذلك ما تجده من الخلاف بين الانجيلين من هذا القبيل.
26- بين مت 20 : 20، مر 10 : 35 ففى الاول ان ام ابنى زبدى طلبت من المسيح ان يجلس ابناها واحدا عن يمينه والاخر عن يساره، وفى الثانى انهما هما اللذان طلبا ذلك. فنجيب : ان امهما طلبت نيابه عنهما فذكر متى من طلب بالنيابه ومرقس من طلب بالنيابه عنه اذا خجل ابنا زبدى ان يطلبا ذلك لنفسيهما.
27- بين مت 20 : 30 وبين مر 10 : 46 ولو 18 : 35 ففى الاول قيل ان اعميين كانا جالسين فى الطريق ففتح يسوع اعينهما وفى الثانى والثالث انه اعمى واحد. فنجيب : ان متى روى ان المسيح شفى هذين الاعميين اذ كان خارجا من اريحا. وذكر مرقس انه شفى اعمى واحدا عند خروجه منها. وذكر لوقا انه شفاه عند دخوله اريحا : وصحه ذلك ان المسيح شفى اعميين فى اريحا احدهما عند دخوله المدينه والثانى عند خروجه منها. فذكر متى الايتين مره واحده من غير تفصيل، واقتصر كل من مرقس ولوقا على ذكر احداهما لكون الايتين من قبيل واحد.
28- بين مت 21 : 2 وبين مر 11 : 2 ولو 19 : 30 ويو 12 : 14 ففى الاول يذكر ان المسيح طلب من تلميذيه ان يحضرا اتانا وجحشا والثلاثه الاخرون يذكرون جحشا فقط. فنجيب : ان متى ذكر ما حدث بالتفصيل اما البشيرون الاخرون فذكروا فقط الجحش الذى ركبه المخلص. اما قول متى (ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليها) فهو من باب استعمال المثنى فى مكان مفرد كما كانت العاده عند العبرانيين ولمناسبه تكرار ذكرهما بصيغه المثنى.
29- بين مت 21 : 19 و20، يو 16 : 30 ففى الاول ان المسيح لم يعلم ان كان فى التينه ثمر ام لا وفى الثانى انه عالم بكل شىء. فنجيب : ان المسيح تصرف فى امر التينه بهذه الكيفيه لانه كان يروم ان يستخدم حادثتها لفائدتهم، ومذكور فى سفر التكوين ان الله قال لادم يوم سقط (اين انت) (تك 3 : 9) مع انه يعلم مكانه وذلك ليسوقه الى الاعتراف والارار بذنبه. وهكذا سئل المخلص اباه على الصليب قائلا (لماذا تركتنى) ليشهر عظم الامه، وسئل عمن لمسه ليذيع ايمان نازفه الدم، وسال عن لعازر اين وضعتموه، وسال عن كميه الخبز كمن يجهل الشىء لغايه صالحه عنده مع انه يعلم كل الاشياء قبل حدوثها.
30- بين مت 21 : 41، لو 20 : 15 ففى الاول لما ضرب المخلص مثل الكرم قال وماذا يفعل باولئك الكرامين. قالوا له اولئك الاردياء يهلكهم هلاكا رديا ويسلم الكرم الى اخرين يعطونه الاثمار فى اوقاتها). وفى الثانى قال : (فماذا يفعل بهم صاحب الكرم. ياتى ويهلك هؤلاء الكرامين ويعطى الكرم لاخرين. فلما سمعوا قالوا حاشا). فنجيب : ان الكتبه قالوا هذا اولا ثم قاله المخلص ليفهموا ان مال القول موجه اليهم. ولما عرفوا انهم هم المقصودون بهذا المثل قالوا حاشا، اى لا ينطبق علينا.
31- بين مت 26 : 7 – 13، مر 14 : 3 – 9، يو 12 : 3 – 7 فبين الثلاثه خلاف فى حادثه المراه التى دهنت المسيح بالطيب. فنجيب : انه ذكر متى ومرقس انها سكبت الطيب على الراس وذكر يوحنا انها سكبته على القدمين، وذلك لان العاده المالوفه ان يسكب الطيب على الراس والشعر فلم يذكره يوحنا لاشتهاره وذكر الامر الغريب فقط وهو السكب على القدمين.
32- بين مت 26 : 29، رو 14 : 17 ففى الاول وعد المسيح تلاميذه بان يشرب معهم من نتاج الكرمه فى ملكوت ابيه، وفى الثانى (ان ملكوت الله ليس اكلا وشربا). فنجيب : لا يلزم من قول المخلص لتلاميذه (اشربه معكم جديدا فى ملكوت ابى) ان فى السماء خمرا وما شاكلها من المشتهيات الجسديه ولا ولائم حقيقيه هناك. ولكن لان الولائم محل الافراح، والراحه بعد التعب والجهاد، ومجتمع الاصحاب، ولان الخمر كانت تشرب فى عيد الفصح فرحا بالنجاه من عبوديه مصر واعتيد شربها فى كل الولائم فى ذلك الوقت، لذلك كنى المسيح بشربها عن المسرات السماويه والفرح بالنجاه من رق الخطيه. واشار بقوله (اشربه جديدا) الى معناه الروحى.
33- بين مت 26 : 39، يو 10 : 17 ففى الاول يطلب المسيح اعفائه من شرب كاس الموت، وفى الثانى يصرح بان له سلطانا ان يموت او لا يموت. فنجيب : ان كل ما اجراه المخلص ليله الامه فى البستان قصد به تعليمنا فقط. فقد اعطانا نموذجا حسنا نتصرف به فى ضيقاتنا فهو لم يطلب الاستعفاء من الموت بل اراد ان يعلمنا ان لا نسارع بارادتنا الى الالام لعله ضعف طبيعتنا. ولو كان يرغب الانعتاق من الموت لهرب منه وكان ذلك متيسرا له كما سبق ذلك مرارا قبل ان تاتى ساعته (لو 4 : 30 ويو 8 : 59) فهو سلم نفسه مختار كما فى قوله الثانى بدليل ما ذكر فى (يو 18 : 6) من ان صالبيه لما جاءوا يطلبونه وقال لهم (انا هو) رجعوا الى الوراء وسقطوا على الارض فهو كان قادرا ان ينجى نفسه ولكنه لم يفعل ذلك.
34- بين مت 26 : 52، لو 22 : 35 و36 ففى الاول نهى عن حمل السيوف وفى الثانى قال (ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا). فنجيب : ان المخلص فى قوله الثانى كانفى مقام نصح وارشاد لتلاميذه فافهمهم ما سيصيبهم ليستعدوا، ولهذا قرت بين ارساله لهم اولا وبين ارساله لهم ثانيا. فخدمتهم التى قاموا بها اولا (لو 9 : 3) كانت مقصوره على سفر الرسل زمنا قصيرا ومسافه قريبه فى وطنهم وبين المستعدين للترحيب بهم وهو بالقرب منهم فى الجسد كى يرشدهم ويعتنى بهم فلم يصادفوا تعبا رغما عن كونهم كانوا بلا كيس ولا مزود ولا احذيه. واما خدمتهم الثانيه فكان عليهم ليقوموا بها ان يسافروا اسفار طويله لنشر بشرى الخلاص بين الغرباء وبين الاعداء احيانا ويكونوا عرضه لضيقات كثيره واخطار عظيمه ولذا سيحتاجون الى اكياسهم لياخذوها معهم للحصول على القوت فى الاسفار. اما قوله (فمن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا) فهو يدل على شده الخطر المحيط بالمؤمنينواحاجه الى الوسائط لدفع الخطر حتى يضطر الانسان لبيع اثوابه التى لابد منها. فكلام المسيح موجه للمؤمنين عامه فى الازمنه المستقبله وهو انباء باتيان ازمنه الضيق والخطر والاضطهاد والموت فيلزم ان يكون لهم من الادوات اللازمه العاديه من اسلحه وغيرها لدفع الخطر من الوحوش الضاريه او من اللصوص او من الذين يضطهدونهم لاجل ايمانهم. ولهذا لجا بولس الى سيف الدوله الرومانيه ليقى نفسه من مكائد اليهود (اع 22 : 26 – 28، 25 : 11).
35- بين مت 26 : 69 – 75 وبين مر 14 : 66 – 72 ولو 22 : 54 – 62 ويو 18 : 16 – 27 فالاربعه يختلفون فى ذكر حادثه انكار بطرس لسيده. فنجيب : انه قد ذكر متى ومرقس ان جاريتين والرجال قالوا له انه مع المسيح وذكر لوقا جاريه ورجلين، وقال يوحنا الجاريه البوابه. وذلك لان لوقا اقتصر على ذكر المره التى انكر فيها بطرس سيده بشده وقوه فذكره لجاريه واحده سالت بطرس لا ينفى ان جاريه اخرى سالته قبل ذلك واحدى الجاريتين كانت بوابه كما قال يوحنا. وقول متى ومرقس ان رجالا سالوه لا ينفى قول لقا ان رجلين سالاه لانه لا يعقل ان الجميع سالوه مره واحده.
36- بين مت 27 : 2 وبين عدد 3 – 5 ففى الاول ان روساء الكهنه كانوا امام بيلاطس وفى الثانى ان يهوذا فى نفس هذا الوقت رد لهم الفضه فى الهيكل. فنجيب : لم يقل الثانى انه سلمهم الفضه بل ردها لهم اى تركها على ذمتهم فى الهيكل كما يؤخذ من قوله (طرح الفضه فى الهيكل وانصرف) اى تركها لهم حتى ياتوا وياخذوها.
37- بين مت 27 : 5، اع 1 : 18 ففى الاول ان يهوذا انتحر بان خنق نفسه وفى الثانى انه (اذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت احشاؤه كلها). فنجيب : ان الاول ذكر ان يهوذا خنق نفسه ولم يذكر شيئا عن احوال ذلك واما الثانى فذكر ما يستنتج منه ان يهوذا علق نفسه فوق جبل شاهق فانقطع الحبل وهو على الصخور فى الحضيض فكان ما حصل.
38- بين مت 27 : 6، اع 1 : 18 ففى الاول ان رؤساء الكهنه اشتروا حقلا بالثلاثين من الفضه وفى الثانى ان يهوذا اقتنى ذلك الحقل. فنجيب : ان الثانى قصد التشنيع على يهوذا فنسب اليه الاقتناء لانه كان السبب فيه.
39- بين مت 27 : 44 ومر 15 : 32 وبين لو 23 : 39 ففى الاول والثانى ان اللصين كانا يعيرانه وفى الثالث انه واحد فقط. فنجيب ان قول الاولين محمول على وضع المثنى فى العبريه او الجمع موضع المفرد كما فى (لو 23 : 36) حيث قيل عن الجند انهم كانوا يقدمون له خلا مع ان المقدم واحد ولا يبعد ان اللصين اشتركا اولا فى التعيير الا ان احدهما مست قلبه نعمه الله فامن.
40- بين مت 27 : 48، مر 15 : 32 ففى الاول ان واحدا ركض واخذ اسفنجه ملاها خلا وجعلها على قصبه وسقى المسيح وفى الثانى انه اعطوه خمرا ممزوجا بمر وذكر ان الخمر قدم له قبل ان يصلب وهو ما اعتاده ان يعطوه للمصلوبين لكى يخدرهم ويخفف الامهم فرفض المخلص شربه ليستوفى الامه، كما انه ذكر انه اعطى له وهو على الصليب.
41- بين مت 27 : 65، مر 16 : 3 ففى الاول ان بيلاطس وضع حراسا على القبر وفى الثانى ان النساء اذ كن ذاهبات لتحنيط جسد السيد لم يحترن الا فى دحرجه الحجر ولم يحسبن للحراس حساب. فنجيب : ان وضع الحراس كان فى الغد الذى فيه بعد الاستعداد (مت 27 : 62) فلم يعلم به النساء لذا لم يفكرن فيه.
42- بين مت 28 : 1 و2 ومر 16 : 1 – 5 ولو 24 : 1 – 4 ففى الاول ان مريم المجليه ومريم الاخرى لما وصلتا الى القبر نزل ملاك الرب ودحرج الحجر عن باب القبر وجلس عليه، وفى الثانى انهما وسالومه لما وصلن القبر (راين ان الحجر قد دحرج... ولما دخلن القبر راين شابا جالسا عن اليمين)، وفى الثالث انهن لمل وصلن (وجدن الحجر مدحرجا فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع وفيما هن محتارات اذ رجلان وقفا بهم بثياب براقه). فنجيب : ان نزول ملاك الرب ودحرجته للحجر كما فى متى كان قبل وصول المراتين لان الايه لا تفيد اكثر من ذلك حيث قيل (واذ زلزله عظيمه حدثت لان ملاك الرب نزل من السماء... الخ) فاذن حدث هذا قبل وصول المراتين فلم تشاهداه كما فى (مر 16 : 1 – 5 ولو 24 : 2 ويو 20 : 1) تماما.
43- بين مت 28 : 9 ولو 24 : 9 – 11 ويو 20 : 1 – 18 ففى الاول ان الملاك اخبر المراتين انه قام ن الاموات ورجعا فلاقاهما يسوع فى الطريق وقال سلام لكما ثم قال لهما اذهبا اذهبا وقولا لاخوتى ان يذهبوا الى الجليل وهناك يروننى. ويعلم من لوقا انهن لما سمعن من الرجلين رجعن واخبرن الاحد عشر وجميع الباقين بهذا كله فلم يصدقوهن. وقال يوحنا ان المسيح لقى مريم عند القبر. فنجيب : يظهر من (يو 20 : 2 – 19) ان المجدليه مع رفيقاتها لما مضين الى القبر وراته مفتوحا اسرعت من عند القبر راجعه الى اور شليم فاخبرت الرسل فاسرع حالا بطرس ويوحنا الى القبر وتبعتهما المجدليه فدخل بطرس ويوحنا القبر ورايا البستانى فقط فرجعا الى البيت متعجبين، وهى لبثت عند القبر تبكى. واذا تفرست فى القبر رات ملاكين يقدمان الاحترام للمسيح الذى كان خلف المجدليه فالتفتت المجدليه فرات يسوع بهيئه البستانى، ولما سمعت صوته المعتاد (يا مريم) عرفته فاذن المجدليه رات يسوع اولا وحدها كما روى مرقس ويوحنا ثم اسرعت بامر المسيح تخبر الرسل فلحقت باقى النسوه وهناك رات المسيح ثانيا معهن.
المتنيح القس منسى يوحنا
عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
01 يوليو 2020
ما هي الخدمة روحيًا 4
12-الخدمة هي امتلاء وفيض
إنها حياة وليست كلامًا. ليست مجرد معرفة ننقلها إلى الناس. بل الكلام الذي فيها، ينبغي أن يتحول إلى حياة. كما قال السيد المسيح له المجد "الكلام الذي أقوله لكم هو روح وحياة" (يو 6: 63). فهل كلامكم في خدمتك فيه حياة تتسبب في حياة الآخرين؟ أنظر ماذا يقول الرب: "جئت لتكون لكم حياة، ويكون لهم أفضل" (يو 10:10).
فهل ثمرة خدمتك هي تغيير حياة سامعيك إلى أفضل؟
هل أنت في خدمتك تعطي الآخرين حياة؟ أو تفيض عليهم من حياتك؟
أم ينطبق عليك المثل القائل "فاقد الشيء لا يعطيه"؟!
إذن لابد أن تكون لك أولًا حياة وشركة مع المسيح وخبرة سابقة بالحياة الروحيةلكي تستطيع أن تقدم الله إلى الناس وهناك مثل معروف في مجال الخدمة وهو "لا يفيض إلا الذي امتلأ..".
13- إذن الخدمة هي امتلاء وفيض
إن الناقص لا يمكنه أن يفيض. بل يمتلئ أولًا ثم يفيض على غيره. أنظروا إلى الاثني عشر رسولًاكمثال وكيف أعدهم السيد المسيح للخدمة لقد قضوا مع السيد الربأكثر من ثلاث سنوات يمتصون الحياة منه من المعلم الصالح، أكبر وأعمق معلم عرفته الأرض، يأخذون دروسًا من قدوته، من تعاليمه النقية الخالصة، ومن تطبيقاته العملية، مع وسائل إيضاح عجيبة، تتمثل في الآيات والعجائب، وفي طريقة المسيح فيالخدمة. وكانت الدروس كل يوم وكل ساعة، إذ كانوا يعيشون معالمسيح باستمرار ومع كل هذا قال لهم "لا تبرحوا أورشليم حتى تلبسوا قوة من الأعالي" (لو 24: 49) "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا" (أع 1: 8).. ولما حل الروح القدس عليهم في يوم الخمسين، بدأوا خدمتهم بهذا الامتلاء، ففاضوا من روحهم على المسكونة كلها..
بل كان الامتلاء من الروح القدس شرطًا لاختيار الشمامسة السبعة (أع 6: 3) وأنتم أيها الأحباء: هل امتلأتم من الروح القدس، حتى يقيمكم الرب على خدمة أولاده؟ ولعلكم تسألون: ما مقياس هذا الامتلاء؟ على الأقل هو ظهور ثمار الروح في حياتكم (غل 5: 22، 23) ولا أجسر أن أقول مواهب الروح، فهي مستوى عالٍ ربما ليس لكل أحد أنتم تدرسون أطفالًا والطفل في سن يتميز بأنه يلتقط الحياة ويقلد وربما ينسى الأولاد كلامكم. ولكنهم لا ينسون حياتكم فهل أنتم ينبوع حياة لهم؟ أم بلا تأثير؟ أم ينبوع عثرة؟ حاشا..
14- الخدمة حياة تنتقل من إنسان إلى آخر
ليس فقط في مجال القدوة والتسليم بل أمامي مثال عجيب ورد في الكتاب المقدس عن خدمة السبعين شيخًا الذين ساعدوا موسى النبي في الخدمة قال الرب لموسى "اجمع إليَّ سبعين رجلًا من شيوخ إسرائيل وأقبل بهم إلى خيمة الاجتماع فأنزل أنا وأتكلم معك هناك وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم، فيحملون معك ثقل الشعب" (عد 11: 16، 17) صدقوني، كم وقفت متعجبًا، وأتأمل هذه الآية آخذ من الروح الذي عليك، وأضع عليهم..!!
15- الخدمة هي قوة فعالة
هي قوة الروح العامل في الخادم وفي المخدومين هي قوة كلمة الله التي لا ترجع فارغة (أش 55: 11)، كقوة الحياة التي في البذرة: تلقيها في الأرض، فلا تكف عن العمل والنمو، حتى تعطيك ثمرًا ثلاثين وستين ومائة (مت 13: 8).
16- الخدمة روح وليس رسميات
يظن البعض أن الخدمة هي مجرد الشكل الخارجي دفتر تحضير منظم، تتميم على الأولاد، افتقاد، تحفيظ وينتهي الأمر عند هذا الحد بينما هي روح قبل كل شيءهي روح الخادم التي يمتصها الأولاد منه هي الروح التي يلقى بها الدرس، والروح التي يتعامل بها مع الأولاد هي قلب الخادم قبل لسانه هي حرارته القلبية، قبل وسائله التربوية.
17- الخدمة واسطة روحية للنمو
ليس للأولاد فقط، إنما للمدرس أيضًا الدرس الذي لا يتأثر به الخادم شخصيًا، وتكون له فاعلية في حياته، لا يمكن لهذا الدرس أن يؤثر في المخدومين إذن فالدرس هو واسطة روحية له هو، ينمو بها روحيًا، ومعه ينمو أولاده والمدرس الذي يظن أن الدرس هو لتلاميذه فقط، ليس هو خادمًا بالحقيقة إنما الكلام الذي يقوله لهم، ينبغي أن يلتزم به هو أيضًا وهم يرون هذا الكلام منفذًا في حياته.
قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
30 يونيو 2020
الدخول إلى شعب الله
إن توبتك يا أخى الشاب، سوف تدخل بك إلى زمرة شعب الله، لتصير من «أَهْلِ بَيْتِ اللهِ» (أفسس2: 19)، أيّ امتياز أعظم من هذا ؟! أن يصير المسيح أبًا لك! وأن تصير الكنيسة أمًا لك! وأن يصير القديسون والمؤمنون إخوة لك!
أن تصير نفسك «عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ» (كورنثوس الثانية11: 12).
أن ينتزعك الرب من الزيتونة البرّية، لتصير غصنًا حيًا في الكرمة الحقيقية!!
بالمعمودية... اُنتُزِعت !! وبالميرون... ثُبِّت!! وبالتناول... اتّحدت!!
وفي سفر حزقيال النبي، نجد أنشودة جميلة، توضّح كيف نصير نحن البعيدين قريبين، ونحن الموتى أحياء، وورثة للملكوت!
يحكي حزقيال النبي عن "طفلة مولودة حديثًا، أَبُوها أَمُورِيٌّ وَأُمُّها حِثِّيَّةٌ. لَمْ تُقْطَعْ سُرَّتُها يوم الولادة، وَلَمْ يغْسَلِها أحد بِالْمَاءِ، ولم يغسلها أحد بالماء، ولا قام أحد بتنظيفها، ولم يقمطها أحد ولو بخرق بالية، لم تشفق عليها عين، ولم يهتم بها أحد، بل طُرِحت هكذا في الحقل مكروهة، تنتظر الموت" (راجع حزقيال16: 3-5)إنها أنا وأنت!! فنحن كُنّا متغرِّبين عن شعب الله!! ووُلِدنا محكوم علينا بالموت!! وطُرِحنا في العالم المتدنّس ننتظر نهايتنا المحتومة !! دمنا ينزف... مع كل خطيئة!! وحياتنا تتسرّب مِنّا مع طلعة كل يوم جديد!! ولم يكن لنا من يهتم بنا أو ينقذنا!!
ولكن.. «مررتُ بكِ وإذا زمنكِ زمن الحب» ... مرًّ بنا يسوع، ورآنا مدوسين بدمائنا فقال لكل منا: "بدمكِ عيشي، بدمك عيشي" ... «جَعَلْتُكِ رَبْوَةً كَنَبَاتِ الْحَقْلِ, فَرَبَوْتِ وَكَبِرْتِ وَبَلَغْتِ زِينَةَ الأَزْيَانِ... كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ... وَحَلَفْتُ لَكِ وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ... فَصِرْتِ لِي» (حزقيال16: 6-8).
إنه عهد التوبة والحياة يا أخى الشاب!!
فهل دخلت مع الرب في هذا العهد؟!
هل دخلت أخي الشاب في هذا العهد؟ عهد التوبة! عهد الحب!
وهل تحس الآن أنه يمر بك، وأن زمنك زمن الحب؟! إن يسوع مستعد أن يستر كل عيوبك، وخطاياك، فهذا معنى "الكفارة" (Copher بالعبرية = Cover= يغطّي).
يسوع مستعد أن يسامحك عن كل ما فعلت! وأن يغطي نفسك بدمه الطاهر، فلا تقع تحت طائلة القانون الإلهي: «أجرة الخطية هي موت، والنفس التي تخطئ تموت».
حسنًا يارب!! كنا أمواتًا فمررتَ بنا وافتقدتنا بحبك!! ودخلتَ معنا في عهد!! فماذا بعد؟
نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
29 يونيو 2020
القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (4)السلام
الحاجة الى السلام ...
+ السلام كما انه صفة لله القدوس فهو قيمة روحية واخلاقية هامة فى حياة كل فرد ومجتمع، وما احوجنا الى السلام فى عالم اليوم الذي تسوده الكراهية والخصومات والحروب والنزاعات وتراق فيه الدماء البرئية والتى تصرخ الى الله مطالبة باقامة العدل ونزع البغضة وبدلا من السعى الى المصالحة مع الله والناس والنفس والتمتع بالسلام نرى الناس يسرعون الى حل المشكلات بالقوة والعنف مما يجعل دائرة العنف والبغضاء والحروب تذداد وتتسع ، ان الأنانية التى نراها اليوم والسعى الى تحقيق المصالح الخاصة وفرض السيطرة والتملك والتمسك بالسلطة والاستمرار فيها بكل وسائل البطش دون وازع اخلاقى او ضمير انسانى او مخافة لله جعلت مستقبل العالم كله فى مهب الرياح . كما ان تطوير اسلحة الدمار الشامل والاستمرار فيه بدون ضابط او حكمة سيودى الى نتائج كارثية فى ظل غياب الضمير الاخلاقى وهذا ما نراه على المستوى الفردى او المحلى او الاقليمي اوالدولي من حولنا وهذا يوجه افكارنا بالبحث عن السلام والسعى اليه كحاجة ملحة حتى نتفادى الطوفان والحروب التى لن تبقى على أحد .
+ يقدم لنا الله سلامه الكامل ويريدنا ان نحيا فى سلام وأطمئنان وهدوء . وفى ظل هذا السلام الروحى والاخلاقى ينمو الفرد والاسرة والمجتمع ويتقدم ولكن علينا ان نعمل ونصلى ان يحل السلام الدائم والعادل والشامل حياتنا ومجتمعاتنا وعالمنا ، علينا ان نسعى الى السلام ونجد فى أثره ، ونريد لغيرنا ان يحيا فى سلام وأمن وعدالة بدون ظلم مع مرعاة حقوق ومصالح الغير، ان سيادة قانون المحبة تجعل الحاجة الى الالتجاء الي القوانين الوضعية تقل وتنتفى . كما ان وجود مبادئ العدالة والمساوة وسيادة القانون والثواب والعقاب من الامور التى تبنى مجتمع أمناً مطمئناً . وكلما اقتربنا من الله بالتوبة وحياة الفضيلة والبر والتقوى ساد السلام والمحبة والرحمة والحكمة فى مواجهة المشكلات وحلها بالطرق السلمية . أن تحقيق هذا السلام في واقع الحياة ليس بالأمر الهين. فهو يتطلب توفر الإرادة الطيبة وبذل كل الجهود وكل المساعي الكبيرة والكثيرة والدائمة ،ان أمر تحقيق السلام منوط بنا جميعاً وذلك بإزالة المعوقات والموانع والتحديات كالحروب والنزاعات والصراعات التي ما زالت قائمة بين بني البشر وكذلك المطامع والمصالح الآنية والشخصية التى تحول دون تحقيقه علينا ان نكفء كافراد ودول وحكومات، عن أطماعنا وجشعنا ومحاولات استغلال الغير الامر الذى يعمل على نشر السلام والتعاون والمحبة بين الافراد والشعوب .
+ ان قبولنا للآخر والاعتراف بحقوقه واحترامه ونشر ثقافة السلام والتعاون والمحبة بدلا من العنف والكراهية ودق طبول الحرب من الامور التى نحتاج اليها للحصول على السلام . اننا نحتاج كافراد ودول الى أعلاء قيمة أحترام الحياة وحق الاخر فى الاختلاف فى الراى او المذهب او الدين دون استخفاف او تهميش او تكفير . نحتاج كافراد ومؤسسات ودول الى العمل الدؤوب من اجل المصالحة واقامة العدل ومكأفاة الساعين الى السلام والمحاسبة القانونية العادلة للمجرمين ودعاة الكراهية والعنصرية والحروب حتى ما نحيا فى سلام وكرامة انسانية وامن وامان.
السيد المسيح رئيس السلام
+ عندما ولد ولد السيد المسيح فى بيت لحم قبل ما يذيد من الفى عام تهللت الملائكة بالتسبيح { ظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين.المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة} لو 13:2-14. وكما تنبأ اشعيا جاء الينا رئيس السلام الذى لرئاسته وسلامه لا نهاية { لانه يولد لنا ولد و نعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا ابا ابديا رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية } اش 6:9-7. لقد كان التجسد الإلهي رحمة من الله لكى يهدي اقدامنا فى طريق السلام { باحشاء رحمة الهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء. ليضيء على الجالسين في الظلمة و ظلال الموت لكي يهدي اقدامنا في طريق السلام} لو 78:1-79. وهكذا جال السيد المسيح يصنع خيرا ويشفى كل المتسلط عليهم ابليس وقال للمؤمنين به {سلاما اترك لكم سلامي اعطيكم ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب (يو 14 : 27). إنه لا يقدم السلام كما يقدمه العالم، تحية كلامية شكلية، بل بركة حقيقية تتمثل في تقديم ذاته لمؤمنيه. هذا السلام لا يمكن للعالم بكل إمكانياته أن يقدمه ولا بكل أحزانه أن يسحبه من المؤمن. لأن ما يعطيه العالم يمس الجسد ويُحد بالزمن والمكان، أما سلام المسيح فيحتضن كيان الإنسان كله، ولا يقدر زمن ما أو مكان ما أن يحده. إنه يسحب أعماق الإنسان لتختبر الأبدية.لأن سلام المسيح أبدي، ليس من قوة تقدر أن تنزعه عن الإنسان المتمسك به. سلام العالم قد يدفع الإنسان إلى الخطية، سواء من جهة الملذات أو الكبرياء، أما سلام المسيح فهو عمل النعمة الغنية التي تحفظ الإنسان في القداسة والبر. وتسحب قلوبنا إلى الفرح الأبدي والسلام السماوي.
+ فى المسيح يسوع ظهرت رحمة الله وحقه وبره وعداله {الرحمة و الحق التقيا البر و السلام تلاثما} (مز 85 : 10) وبه ومن خلال صليبه تمت مصالحة البشرية الساقطة مع الله {ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح واعطانا خدمة المصالحة.اي ان الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعا فينا كلمة المصالحة.اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله.لانه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لاجلنا لنصير نحن بر الله فيه}2كو18:5-21.وكما صنع لنا سلاما مع الآب السماوى فقد دعانا لصنع السلام مع الغير والسعى اليه لنكون ابناء لله {طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون }(مت 5 : 9). وان نتبع السلام مع الجميع { اتبعوا سلام مع الجميع و القداسة التي بدونها لن يرى احد الرب} (عب 12 : 14). لقد وعدنا ان يكون لنا فيه سلام { قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام في العالم سيكون لكم ضيق و لكن ثقوا انا قد غلبت العالم} (يو 16 : 33).من أجل هذا رغم الضيقات نثق انه سيغلب بنا ومن اجلنا {فنظرت واذا فرس ابيض والجالس عليه معه قوس وقد اعطي اكليلا وخرج غالبا و لكي يغلب (رؤ 6 : 2).
+الى الله نصلى ونطلب كل حين قائلين : يا ملك السلام ، اعطنا سلامك ، قرر لنا سلامك واغفر لنا
ان كل إنسان منا غال وعزيز على قلب الله ويريد سلامنا وخيرنا وهذا ما فعله ويفعله باقواله وافعاله . لقد صالحنا السيد المسيح مع الآب السماوى وسعى لمصالحة اليهود مع السامريين والأمم ومدح السامرى الصالح وقائد المئة الاممى وجاء الى مصر الى كانت عاصمة للفكر الهلينى والوثنى لينشر الإيمان ويؤسس كنيسة العهد الجديد ويبارك ارضها وشعبها . انه كأب صالح يريد ان يجمع ابنائة كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها فهل نريد نحن ان نحتمى فى سلامى ونعمل للوصول اليه ؟
طوبى لصانعي السلام
+ السلام مع اللـه.. ان الانسان الذى يحيا فى حياة الخطية والإثم وعدم الايمان ، يبتعد عن الله ويحيا فى خصومة مع الغير ولا يجد السلام الداخلى {لا سلام قال الرب للاشرار} (اش 48 : 22) . اما الانسان التائب المؤمن بالله فيحيا في سلام {فاذ قد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح }(رو 5 : 1). الانسان المؤمن يثق فى حفظ الله ورعايته { حبيب الرب يسكن لديه امنا يستره طول النهار و بين منكبيه يسكن }(تث 33 : 12).المؤمن لو احاطت به الضيقات والتجارب فانه يؤمن بقدرة الله على حفظه ورعايته .لقد القوا بالفتية الثلاثة فى اتون النار ولكن كان الرب معهم وحافظاً لهم واذ به يحلهم من القيود ويسيروا وسط النيران مسبحين الله على عظيم قوته من اجل هذا ترنم النبى قديما واثقاً بحفظ الله ورعايته {الرب نوري و خلاصي ممن اخاف الرب حصن حياتي ممن ارتعب.عندما اقترب الي الاشرار لياكلوا لحمي مضايقي و اعدائي عثروا و سقطوا.ان نزل علي جيش لا يخاف قلبي ان قامت علي حرب ففي ذلك انا مطمئن}مز -31:27.
لنصلى ونعمل ليقوى الله ايماننا به ويذيد من رجائنا فيه وتشتد محبتنا له فنحيا معه فى سلام واثقين بوجوده معنا واننا لسنا وحيدين . بل نثق أن الله معنا ويعتنى بنا وان كان الله معنا فمن علينا ان الله هو القوة القادرة على كل شئ، التي تساندنا فى الضعف وتنزع عنا كل خوف ، والتي كلها حب وعدل. وهي تعمل الخير الجميع، وتتراءف على كل من هو في ضيقة،وإذ نطمئن إلى هذه القوة الإلهية الحافظة، تمتلئ قلبنا سلاماً، ولا نقلق او نخاف. أما غير المؤمن، فإذ لا يثق بقوة خفية تسنده، نراه يتعب، ويقف وحيداً في ضيقاته فاقداً للسلام.
+ السلام مع الناس.. لقد دعانا السيد المسيح لنكون صناع سلام حتى نكون ابناء الله ملك السلام ، فهل نحن ندرك أهمية هذه الدعوة فى عالم ملئ بالصراعات { كما هو مكتوب ما اجمل اقدام المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات} (رو 10 : 15). يجب ان نكف عن الشر ونقابله بالخير والمحبة الاخوية للجميع لكى نتمتع بالسلام { والنهاية كونوا جميعا متحدي الراي بحس واحد ذوي محبة اخوية مشفقين لطفاء.غير مجازين عن شر بشر او عن شتيمة بشتيمة بل بالعكس مباركين عالمين انكم لهذا دعيتم لكي ترثوا بركة.لان من اراد ان يحب الحياة ويرى اياما صالحة فليكفف لسانه عن الشر وشفتيه ان تتكلما بالمكر.ليعرض عن الشر ويصنع الخير ليطلب السلام ويجد في اثره.لان عيني الرب على الابرار واذنيه الى طلبتهم و لكن وجه الرب ضد فاعلي الشر. فمن يؤذيكم ان كنتم متمثلين بالخير} 1بط 8:3-13.
لهذا يوصينا الانجيل ان نتبع البر والايمان والسلام والمحبة فى تعاون واحترام للغير ولا نشترك حتى فى المجادلات الغبية مع الاخرين { اما الشهوات الشبابية فاهرب منها و اتبع البر والايمان و المحبة و السلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي.والمباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها عالما انها تولد خصومات. وعبد الرب لا يجب ان يخاصم بل يكون مترفقا بالجميع صالحا للتعليم صبورا على المشقات. مؤدبا بالوداعة المقاومين عسى ان يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق. فيستفيقوا من فخ ابليس اذ قد اقتنصهم لارادته} 2تيمو 22:2-26.علينا ان نحيا فى محبة وتفاهم واحترام مع الغير سواء فى الاسرة او الكنيسة او المجتمع بالتعاون معهم، ونقدم الخير للكُل، ونحِرص على مشاعر كل مَن نتعامل معه ونعالج كل أمورنا بالحكمة والدعوة الي السلام وعلى قدر طاقتنا نسالم جميع الناس.
دعانا السيد المسيح الى محبة الجميع وبهذا نحيا فى سلام ونصل بالمحبة حتى الى الاعداء { سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم.لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين.لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا.فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذي في السماوات هو كامل } مت 43:5-48. كما دعانا الى المغفرة غير المحدودة للمسيئين { حينئذ تقدم اليه بطرس و قال يا رب كم مرة يخطئ الي اخي و انا اغفر له هل الى سبع مرات. قال له يسوع لا اقول لك الى سبع مرات بل الى سبعين مرة سبع مرات} مت 21:18-22. اذا لنحب المحبة ونغفر وهذا يحول الاعداء الى اصدقاء ومن لا نستطيع ان نسالمة من مرضى النفوس والقلوب نتجنبه ونبتعد عنه وان لم يكن هناك مفر من التعامل مع هؤلاء فليكن بالاحترام والقانون وتدخل اهل الغير.
ويرى القدّيس يوحنا الذهبي الفم أن السيّد المسيح قد جاء ليرفعنا إلى كمال الحب، الذي في نظره يبلغ الدرجة التاسعة، مقدّمًا لنا هذه الدرجات هكذا- الدرجة الأولى: ألا يبدأ الإنسان بظلم أخيه. الدرجة الثانية: إذا أصيب الإنسان بظلم فلا يثأر لنفسه بظلم أشد، وإنما يكتفي بمقابلة العين بالعين والسن بالسن .
الدرجة الثالثة: ألا يقابل الإنسان من يسيء إليه بشر يماثله، إنّما يقابله بروح هادئ.
الدرجة الرابعة: يتخلّى الإنسان عن ذاته، فيكون مستعدًا لاحتمال الألم الذي أصابه ظلمًا وعدوانًا.
الدرجة الخامسة: في هذه المرحلة ليس فقط يحتمل الألم، وإنما يكون مستعدًا في الداخل أن يقبل الآلام أكثر مما يودّ الظالم أن يفعل به، فإن اغتصب ثوبه يترك له الرداء، وإن سخّره ميلاً يسير معه ميلين. الدرجة السادسة: أنه يحتمل الظلم الأكثر ممّا يودّه الظالم دون أن يحمل في داخله كراهيّة نحو العالم. الدرجة السابعة: لا يقف الأمر عند عدم الكراهيّة وإنما يمتد إلى الحب... "أحبّوا أعداءكم".
الدرجة الثامنة: يتحوّل الحب للأعداء إلى عمل، وذلك بصنع الخير "أحسنوا إلى مبغضيكم"، فنقابل الشرّ بعمل خير. الدرجة التاسعة والأخيرة: يصلّي المؤمن من أجل المسيئين إليه وطارديه.
هكذا إذ يبلغ الإنسان إلى هذه الدرجة، ليس فقط يكون مستعدًا لقبول آلام أكثر وتعييرات وإنما يقدّم عوضها حبًا عمليًا ويقف كأب مترفّق بكل البشريّة، يصلّي عن الجميع طالبًا الصفح عن أعدائه والمسيئين إليه وطارديه، يكون متشبِّهًا بالله نفسه أب البشريّة كلها. غاية مجيء السيّد إلينا إنّما هو الارتفاع بنا إلى هذا السموّ و يجعلنا نافعين لأعدائنا كما لأصدقائنا واحبائنا .
+ السلام الداخلى ..
الانسان الروحى يحيا فى انسجام داخلى وتوافق بين الانقياد لروح الله الساكن فيه وقيادة الروح لعقلة ونفسه وجسده فيضبط ميوله النفسيّة ويخضعها للعقل والروح، ويضبط ذاته ويوجها نحو الله وصنع السلام والخير فيحل ملكوت الله داخله فان كنت تريد السلام.. اعمل برًا يكن لك السلام، {السلام والبرّ تعانقا}(مز 85: 10).ليكن السلام حبيبًا لك وصديقًا، واجعل قلبك مضجعًا نقيًا لله . ولتكن لك معه راحة مطمئنة وصداقة لا تنفصم عراها{سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم} (يو 14: 27). لقد أعطانا هذا ميراثًا، فقد وعدنا بكل العطايا والمكافآت التي تحدّث عنها خلال حفظ السلام.
نثق فى الله ونؤمن بعمله معنا ونطمئن من جهة حياتنا الخاصة ومستقبلنا، والاطمئنان أيضاً على احبائنا ومعارفنا. المسيح جاء لهبنا السلام الداخلى ويجعلنا نواجه المشاكل في صمود وثقة. لا نضطرب، بل بفكر هادي مُتزن نبحث عن حلول وإن لم نجدها يمكنها أن نصبر ونحتمل دون أن تفقد رجائنا ودون أن نفقد سلامنا. إنَّ العاصفة تستطيع أن تهز شجرة الضعيفة ولكنها لا تهز السنديانة أو البلوطة أو أيَّة شجرة لها جذور قوية وعميقة في الأرض. كذلك الأمواج لا تستطيع أن تؤذي باخرة أو سفينة قوية تشق طريقها في البحر وتسير مطمئنة. ولكن هذه الأمواج يمكنها أن تتعب قارباً صغيراً أو سفينة فيها ثُقب يسمح للماء أن يترسَّب إلى داخلها .
يجب ان نكون اقوياء القلب ولا نفقد سلامنا أمام المشاكل والضيقات. ليكن لنا اذا سلام الإيمان الواثق ولا نخاف شئ . ان الضيقة عندما تحل بالمؤمن يلاقيها بكل اطمئنان وبسلام قلبي عجيب واثق فى تدخل الله فيها وحلها وانتهائها لصالح وخير المؤمن وهكذا يقوده الإيمان إلى الاطمئنان. وهكذا أولاد الله يعيشون دائماً في سلام. بل وفي فرح، شاعرين أن الله معهم، هو الذي يتولى كل أمورهم، ويعمل من أجلهم ما لا يستطيعون عمله لأجل أنفسهم.
إن الطريق المؤدي إلى السلام هو الطريق الذي يجعل القلب يتغير ويتبدل ويمتلئ حباً بدلاً من البغض،وعطفاً بدلاً من الانتقام، وحكمةً بدلاً من الجهل، وتواضعاً بدلاً من الشموخ والكبرياء، ولكن كيف يتغير القلب؟ بل هل يقدر أحدنا ان يبدل حياته وعاداته واستعداده الفطري والمكتسب؟ الجواب: نعم إذ ان هناكَ من يغير ويبدل كل شي إلى الأفضل حتى لو كان القلب قاسيا . هو ذلكَ الأول والأخير، الألف والياء،كلي القدرة والكامل والسرمدي، انه الهك الممسك بيمينك القائل لا تخف أنا اعينك . فلننزع عنا كل ثقل الخطية ونرجع اليه بقلب صادق وضمير بلا رياء ومحبة كامله طالبين ان يهبنا سلامه الكامل {وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وافكاركم في المسيح يسوع (في 4 : 7).
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
28 يونيو 2020
ملاحظات حول خدمة الفقراء
نال الفقراء اهتماماً كبيراً فى الكتاب المقدس بعهديه، وُحسبوا ضمن أربع شرائع يجب الاهتمام بها سواء من جهة الأفراد أوالمؤسسات الخيرية أو الدينية (الهيكل ثم الكنيسة) هذه الشرائح هى "اليتيم والأرملة والغريب والضيف" فاليتيم فقد عائله النفسي وربما المادي، والأرملة فقدت سندها ربما فى الاتجاهين المذكورين أيضاً، أما الغريب فلأنه يحتاج إلى مساعدة فى مكان لا عون له فيه، أما الضيف فلأن صورة زيارة الله مع ملاكيه شاخصة أمام أعين الكل لعله يأتى فى أى زائر.. لذا اعتبر كل هؤلاء كأن المسيح مختفياً خلفهم. لا سيما وقد صرح السيد المسيح بذلك بفمه الطاهر " كل ما فعلتموه بأحد اخوتى هؤلاء الأصاغر فبى قد فعلتم ". وإلى هذه الشرائح أشار القديس بولس الرسول (فى رومية 12: 13 ) حين قال "مشتركين فى احتياجات القديسين" معتبراً إياهم قديسين لأنهم يحتملون الفقر بشكر ودون تذمر، وربما كانوا يعانون الفقر بسبب جشع البعض أو بعض الأنظمة الظالمة أو قسوة قلوب البعض الآخر. ونتذكر هنا أن لعازر المسكين كانت فضيلته الكبرى أنه لم يتذمر ولم يدن الغنى الجالس عند باب قصره.
والحقيقة أن مسألة الغنى والفقر هذه شغلت جميع الرعاة والمفكرين والفلاسفة منذ زمن بعيد، إذ يرون أن الغني قد يخطىء بسبب غناه والفقير قد يخطىء بسبب فقره، ويتساءلون كيف سيدين الله هؤلاء وأولئك.. ولكن ليس كل غنى سيهلك وليس كل فقير سيخلص، فالغنى المتضع الخيّر سيخلص، والفقير المتذمر الكسول سيعاقب .. وعندما قال السيد المسيح أن "دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى ملكوت الله" (لوقا 18: 25) تحيّر السامعون إذ كانت ماثلة فى أذهانهم صوراً لأغنياء أبرار .. لم يجمعوا أموالهم بطرق غير مشروعة، كما أنهم خيرين رحماء، لذلك أضاف السيد المسيح قائلاً "ما أعسر دخول المتكلين على أموالهم إلى ملكوت الله" (مرقس 10: 23). إذاً المشكلة ليست فى المال ولكن فى استخدام المال، والذى يمكن أن يعين صاحبه من جهة مستقبله الأبدى من خلال عمل الرحمة والذى ُيعد تحويل من القيمة الفانية هنا إلى الباقية هناك، وهو ما يمكن أن ُيفهم من تعبير السيد المسيح: "اصنعوا لكم أصدقاء من مال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم فى المظال الأبدية " (لو16: 9) حيث ُينظر إلى مال الظلم على أنه كافة الامكانيات المتاحة، والتى يمكن استثمارها فى اكتساب الفضائل مثل عمل الرحمة وغيرها .. وهكذا يمكن أن يكون المال معيناً ونعمة لا سيداً ونقمة. لذلك يقول القديس اكليمندس السكندرى "ليكن المال عبداً خاضعاً لا سيداً حاكماً" عندما نعطى الفقراء فنحن نشعر بسعادة ثلاثية، فالعطاء هنا تعبير عن الشكر لله الذى أهلنا لأن نعطي آخرين بدلاً من أن نتلقى الصدقة .. كما أنه تعامل مع السيد المسيح نفسه والذى نصنع الصدقة باسمه وهو الذى يتلقاها مباشرة، وثالثاً لأن فى سعادة الفقير سعادة لنا إذ استطعنا أن ندخل البهجة لقلب انسان .. وقد يتحيّر البعض ويتساءل: هل ُيعطون الكلّ .. حتى أولئك الذين يشعرون أنهم مبتزّين ومتطفّلين! ويرون الكثيرين منهم على أبواب دور العبادة وفى الأسواق وفى إشارات المرور وعند المستشفيات ؟ ويقع الشخص فى حيرة فإذا أعطى فقد لا ُتحسب صدقة بالمعنى الكامل وقد يساعد بذلك شخصاً على الكسل والاستجداء، وإذا لم يعطِ فقد يكون بذلك قد قصّر فى وصية العطاء: " كل من سألك فأعطه " (لو 6: 30). هنا ونقول أن هناك فرق بين صدقة بسيطة عابرة ورمزية، والتقدمات الكبيرة التى نأتمن الكنيسة على توزيعها على الفقراء بمعرفتها، أو التى نقدمها نحن لهم بشكل مباشر ولكن بعد بحث ودراسة، وجدير بالذكر هنا أن الله يعطينا ليس على أساس استحقاقنا ولكن على أساس خيريته هو، فإن الله "يمطر على الأبرار والأشرار ويشرق شمسه على الصالحين والطالحين" كما أن ما نأخذه من الله لا ننفقه بالضرورة فى الإتجاه السليم في كل مرة. أقول ذلك لأن فكرك قد يراودك بأن الفقير لا ينفق ما يناله منك فى الإتجاه الصحيح، ولنسأل أنفسنا: هل نوافق أن يعطينا الله بنفس التقييم الذى نعطى الفقراء على أساسه ؟ لا شك أن الله يعطينا على أساس تحننه لا على أساس استحقاقنا .. لقد ورد عن المعلم ابراهيم الجوهرى وهو الرجل الذى اشتهر بمحبته للفقراء، أن شخصاً مرّ من أمامه ثمانية عشر مرة يأخذ صدقة، وفى كل مرة كان يعطيه، كان الرجل فى كل مرة يأخذ ثم يدور ليعود من جديد مستغلاً فى ذلك الزحام الشديد، العجيب أن المعلم ابراهيم كان منتبهاً إلى ذلك ولكنه لم يبكته ولا امتنع على العطاء له ..
وُيعدّ القديس يوحنا ذهبى الفم أكثر من كتب عن الإهتمام بالفقراء، وينقل عنه قوله إن الله يورد ذاته الشريفة بين الغنى والفقير ليصير ضامناً للفقير الذى اقترض، أفما تريد أن تكون دائناً للرب! لذلك يقول سليمان الحكيم " من يرحم الفقير يقرض الرب" (أمثال 19: 17) ولكن الله لا يقبل أن يكون مديوناً .. بل يرد أضعافاً مضاعفة، ونقرأ فى قصة الشاب الغنى أنه بعد أن مضى حزيناً رافضاً أن يبيع كل ممتلكاته ويهبها للفقراء ليتبع المسيح، تقدم القديس بطرس سائلاً السيد المسيح عن المكافأة التى سيهبها لهم بعد أن تركوا كل شىء وتبعوه هو وبقية التلاميذ، وهنا يصرح السيد بإلتزام إلهى وأبدى " من ترك أباً أو أماً أو اخوة أو أخوات أو حقول لأجلي ولأجل الإنجيل يأخذ مائة ضعف فى هذا الدهر والحياة الأبدية فى الدهر الآتى.." لذلك فإن من يعطى الفقراء يستثمر نقوده هنا .. وهناك .. هكذا يصلى الكاهن فى أوشية القرابين عن الذين أتوا بتقدماتهم أن يهبهم الله الباقيات عوض الفانيات والسمائيات عوض الأرضيات والأبديات عوض الزمانيات .. ثم يردف قائلاً بيوتهم ومخازنهم املائها من كل الخيرات (أى هبهم المكافأة هنا وهناك).
هذا على مستوى الأفراد، أما على مستوى المؤسسات أو لجان البر فى الكنائس فالأمر يحتاج إلى إيجاد آلية " روحية.. إدارية.. تربوية " لتفعيل هذه الخدمة الجبارة، لا شك أن هناك الكثير من الأغنياء الخيرين المستعدين لبذل الكثير من أموالهم شريطة أن تصل هذه الأموال إلى مستحقيها، كما أنه يوجد فى المقابل آباء وخدام أمناء كثيرين يبحثون عن ممولين لخدمتهم هذه .. والعجيب أن الفقير الحقيقى من النادر أن يأتى ليعرض مشكلته، فإمّا أنه خجول لا يود الظهور بمظهر المستعطي، وإمّا أنه قنوع أكثر من اللازم ويرى فى نفسه أن هناك من هو أكثر استحقاقاً منه .. وإما أن له تجربة سابقة مع الكنيسة أو الجمعيات الخيرية باءت بالفشل فارتد على أعقابه مغلقاً على جرحه، مثل هذا نلام عليه لأننا قصرنا فى حقه، الأخطر من ذلك أن يتجه شخص آخر إلى الطرق غير المشروعة للحصول على ما يسد أعوازه فيؤدى به الفقر إلى الجريمة، ناهيك عن الأمراض والجهل الناتجين عن الفقر، فالفقر هو المتسبب فى كل من (الجريمة - الجهل - المرض) لذلك يقول أحد الفلاسفة ساخراً " لو كان الفقر رجلاً لقتلته " !!.
+ وفى الإطار الكنسى يمكن أن تقوم لجنة مخصصة بعمل أبحاث ميدانية لتقييم احتياج الأسرة من الواقع والشهود، لقد حدد خط الفقر من جهة المنظمات العالمية مثل اليونيسكو وحقوق الإنسان بـ 276 دولاراً فى الشهر (أى ما يعادل 1500 جنيه مصرى) فى حين تقدر بعض الجمعيات الخيرية خط الفقر بـ 50 جنيه للفرد الواحد فى الشهر.. ولكن ثمة ملاحظة وهى أن هناك فرق بين الفقير والمحتاج، ونحن نصلى من أجل الفقراء والمحتاجين، فالفقير هو المحتاج على طول الخط، وأما المحتاج فهو الشخص العادى والذى قد يتعرض لأى طاريء يحوجه إلى مساعدة حتى يجتاز الظروف الطارئة .. والكنيسة تساعد كل من هذا وذالك قدر استطاعتها، ناهيك عن أن الفقر والغنى مسألة نسبية فالراتب الشهرى الذى يضمن الكفاف لأسرة ما هو نفسه لا يفي بالكفاف لأسرة أخرى وهكذا. ولذلك يقال "ليس هناك ما ُيسمى بالفقر ولكن هناك ما ُيسمّى بالشعور بالاحتياج".
ومن المقترحات المطروحة فى هذا الشأن أن تختص كل كنيسة بالفقراء الموجودين فى دائرتها بحيث يمكن التركيز عليهم مع احالة الفقراء الوافدين من مناطق أخرى إلى كنائسهم، وأما الكنائس التى لا تسمح لها امكانياتها بأن تعول أولئك الفقراء فيمكنها الحصول على دعم من الكنيسة الأم (البطريركية أو المطرانية) ولكن يؤخذ جداً فى الإعتبار ألا تكون الكنيسة نشطة فى الإتجاه المعمارى على حساب الفقراء والأرامل والأيتام .. فإن ذلك يعثر البسطاء ويحجب عطايا المقتدرين فى آن.
كذلك يجب الإنتباه إلى ضرورة ألا يتم التوزيع تبعاً لتقييم شخص واحد .. وألا تدخل مسألة " الاستلطاف " أو " المواقف الشخصية " فى التقدير، بل ليكن هناك قواعداً تحكم ذلك. فليس من اللائق أن ينعم الخادم أو يحرم حسبما يرى، طبقاً لأسلوب السائل، أو توصية من صديق أو كبير على محتاج آخر وهكذا .. فهناك من يكسب صداقات شخصية من خلال العطايا وهناك من يمارس أنواعاً من العقاب على آخرين لأسباب شخصية، وأحياناً تكون هناك فروق فى العطايا التى ينالها شخص عن شخص آخر طبقاً لسبب فى نفس المسئول .. إن الأمر يحتاج إلى حرص وإلى شفافية فإن موضوع جمع العطايا للمحتاجين لا يمكن ضبطه عملياً إلا من خلال ضمير المسئول نفسه، والذى يجب أن يدرك أنه سيدان عن كل جنيه واحد وجّهه فى غير محله، فالعطايا التى نهبها لغير المستحقين (وأقصد المبالغ الضخمة لا الصدقة العابرة) تعتبر تقصيراً فى حق المحتاج الحقيقى !!
ولكى نضمن أن الرب سيكافئنا جهراً فى ملكوته، علينا أن نعمل فى الخفاء، يجب ألا نسعى إلى الدعاية فنعلن أننا أنفقنا كذا ووزعنا كذا .. والأسوأ من ذلك أن يتم التوزيع فى وجود الآخرين من غير الفقراء، أو أن يتم تصويرهم وهم يتسلمون العطايا، ففى ذلك إهانة شديدة لإخوة المسيح وأخواته، فالسيد المسيح الذى أوصانا بألا نبوق متى صنعنا صدقة، كان أمامه ثلاثة عشر صندوقاً للعطايا كل منهم على شكل بوق أو قمع، فكان الأغنياء يضعون عطاياهم فى " البوق " بطريقة ظاهرة، ومثلها الآن من ينادون فى مكبر الصوت على الفقراء بأسمائهم لتسلم الصدقة، وكأننا نسجل عليهم عجزهم وضعفهم أمام الناس.. ومن هنا السؤال يطرح نفسه عن امكانية توصيل الهبات إلى مستحقيها فى أماكنهم لنكفيهم مشقة المجىء وعناء الخجل ؟
ولكن لماذا نخدم الفقراء والمحتاجين ؟
أولاً: عملاً بوصية الرب " كنت مريضا فزرتموني عريانا فكسوتموني غريبا فآويتموني الخ .."
ثانياً: لأن من حق كل انسان أن يحيا حياة كريمة، وإن لم يكن ذلك ممكناً فليحصل على احتياجاته الأساسية.
ثالثاً: لأن أموال هذا العالم كلها هى عطية من الله، وليس لأحد الحق فى الإستحواذ عليها جميعاً تاركاً الآخرين يتضورون جوعاً..
رابعا: لأن هناك أشخاصاً أقعدهم المرض عن العمل والحصول على المال اللازم وهناك أشخاصاً فقدوا عائلهم وما زالوا فى سن لا يسمح لهم بالعمل لتعويض ذلك.
خامساً: لأن هناك من يمرون بمتاعب طارئة لم يتحسبوا لها .. وتقصر امكانياتهم عن التعامل معها .. مثل الحوادث والأمراض وتعرض عائل الأسرة للسجن .. إلخ
سادساً: تفادياً لتردّي أوضاع الأسرة مما يتسبب فى الانحرافات الخلقية (للبنات) أو الجريمة (الأولاد) أو الإبتزاز من الآخرين (الارتداد) بسبب الاحتياج.
سابعاً: تشجيع من نساعدهم على أن يساعدوا آخرين فيما بعد، وبذلك نخلق جيلاً سوياً قادراً على القيام بنفس الدور.
ثامناً: تمجيد اسم الله من خلال من نساعدهم إذ يشعرون بعناية الله بهم واهتمامه باحتياجاتهم.
تاسعاً: التعبير عن محبتنا لله من خلال محبتنا لأولاده الفقراء والمتألمين ..
عاشراً: انطلاقاً من الشعور بأننا جسد واحد بأعضاء كثيرة يشعر بعضها بالبعض الآخر.
هكذا سعداء هم الذين يخدمون مثل هذه الشرائح من المتألمين، عالمين أن لهم مكافأة أبدية من الله والذي أطلق على نفسه تشبيه: "إله المساكين" وللخيرين نقول أنه حسنا تعتقدون بأنكم لستم تعطون عشر ما تحصلون عليه، بل أن الله هو الذي يهبكم العشرة كلها، فتحتفظون بالتسعة وتقدمون :الُعشر" لكي يبارك لكم الله في البقية.
نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد