المقالات

14 مايو 2024

فترة الخماسين وفرح الأفراح

كثيرًا ما نربط الفترة ما بين الصوم الكبير وعيد الصعود، فنشعر أنها فترة انتعاش روحي أشبه بدينمو يولد فينا شوقا إلى رؤية الرب الذي يرافقنا رحلة حياتنا بآلامها وأفراحها ليرفع قلبنا وفكرنا إلى السماء . للأسف ويشعر البعض أن فترة الخماسين تتسم بالخمول. كم سررت حين قال لي أحد الأحباء: «أشعر بفرح شديد في فترة الخماسين، ولست أبالغ إن قلت إن حياتي فيها أكثر التهاباً بحب السماوي من فترة الصوم المقدس».المؤمن الذي في صحبة رب المجد يجد في كل مرحلة من مراحل هذه الفترة المتناغمة أنها فترة فريدة ، لها عذوبتها الروحية، ودورها في اتحادنا مع الرب، وتذوقنا لخبرة الحياة السماوية. وإني أود أن أبرز الارتباط بين فترة الصوم وفترة الخماسين المقدسة. . في فترة الصوم الأربعيني نشتهي أن نتشبه بموسى وإيليا النبيين اللذين مارسا الصوم الأربعيني فتأهلا للتمتع بالتجلي على جبل تابور (متى ١:١٧-١٣) . في فترة أسبوع البصخة، تهلل قلوبنا بمرافقتها للمسيح المتألم المصلوب الراقد بين الأموات والقائم ليقيم المؤمنين من موت الخطية مع سحق رأس التنين، الآن في فترة الخماسين تتهلل نفس المؤمن بصعود أعماقه كما إلى السماء. مع كل صباح نتذوق مراحمه الجديدة مراثي (۳ :۲۲) ونتغنى مع إرميا النبي «نصيبي هو الرب قالت نفسي (مراثي ٣:٢٤). نحسب كل يوم بداية جديدة لرؤية السماوي في أعماقنا ! خلال تداريب الصوم والمطانيات نقدم ذبيحة حب ومحرقة روحية للرب، فنشتهي أن نكون كإبراهيم الذي قدم ابنه الحبيب المطيع بسرور محرقة للرب. وفي فترة الخماسين نتذوق خبرة عمل روح الله القدوس الذي يصعد أعماقنا يوميًا فتنعم بالشركة مع الثالوث القدوس، ويصير العالم كله نفاية لنربح مسيحنا (فيلبي (۳ :۸) مع أبيه الصالح والروح القدس . فترة الخماسين ترمومتر روحي يكشف أن حبنا للرب يرفعنا فوق كل الشهوات الزمنية. الصوم يسندنا في البذل بسرور، وفترة الخماسين تهبنا خبرة فرح الرب، ننعم به، بل ونشتهي أن ينعم العالم كله بفرح الروح . تدعونا فترة الخماسين للتمتع بخبرة الرجاء المفرح. فإن كان الصوم يدعونا أن ترتبط بالإيمان لنسلك في الطريق، ففترة الخماسين تدعونا للارتباط بالرجاء، فنسر بالمتاعب من أجل الأبدية التي تعلن عمليا في داخلنا، حتى تبلغ إلى أورشليم العليا، مدينة الله الكلي الحب! تدريب عملي قبل كل صلاة يرفع المؤمن قلبه، قائلاً: «هب لي أن ينطلق قلبي وفكري وعواطفي إلى سماواتك». القمص تادرس يعقوب ملطى كاهن كنيسة مار جرجس سبورتنج
المزيد
10 مايو 2024

قيامة المسيح

عيد القيامة هو العيد الأول في مسيحيتنا فلولا القيامة ما كانت المسيحية ولا كانت كنيسة ولا كان كتاب مقدس ولا كانت صلوات ولا كان أي شيء في الغرب يسمون عيد القيامة Easter والكلمة مشتقة من East وتعني الشرق فهو عيد مشرقي، يشرق على البشرية جميعًا ونحتفل به كما حدث في التاريخ يوم الأحد، ويوم الأحد كما نعرفSunday هو يوم النور وهذا العيد لا نحتفل به يوما واحدا، ولكن حسب الطقس الكنسي تحتفل به لمدة خمسين يوما ونعتبر أن هذه الخمسين يوما يوم أحد طويل الكنيسة تصلي فيها بنغمة الفرح، حتى صلوات الجنازات نصلي بها بنغمات الفرح القيامة في معناها المختصر هي عبور ، عبور من حالة الموت إلى حالة الحياة وهي عبور أيضًا من حالة الخطية إلى حالة البر يا إخوتي الأحباء إن كنا نحتفل بعيد القيامة من الموت فيوجد أموات في الفكر، وأموات في الروح، وأموات في الرجاء بعض الناس هم أموات في الفكر، والفكر الميت هو الفكر الحرفي أو الفكر الناموسي، وهو الفكر الذي لا يفكر، هو إنسان لكن لا يفكر ! ربما أقرب مثال إلينا في الكتاب المقدس هو شاول الطرسوسي كان إنسانا يهوديًا فريسيا متعصبا ، وكان متعلما تعليمًا راقيًا، وكان يفتخر أنه تعلم عند قدمي غمالائيل أشهر معملي اليهود في زمانه، لكن للأسف كان فكره مينا ، فكان يضطهد كنيسة الله بإفراط ولكن الله لم يشأ أن يتركه، ففي الوقت المناسب ظهر له السيد المسيح وهو مسافر على طريق دمشق وتبدل الحال تماما ، وقام من هذا الفكر الميت، وصار شاول الطرسوسي هو القديس العظيم بولس الرسول وصارت له قامة روحية عالية لأنه قام من موت الفكر الإنسان الميت في الروح هو الذي يعيش في الترابيات والأرض ولا يرفع نظره للسماء أبدا هذا الإنسان الميت في الروح ينطبق عليه قول الكتاب: «أنا عارف أعمالك ، أن لك اسمًا أنَّكَ حَيَّ وأَنتَ مَيت» (رؤيا 3: ۱)، بين الناس لك اسم أنك حتي ولكن الله يقول لك إنك في نظري ميت أحد الأمثلة في الكتاب المقدس لذلك هو زكا العشار كان إنسانا يهوديا يعمل عشارًا أي جابيًا للضرائب وكان كل عالمه في المال، وبسبب هذا المال ظلم الكثيرين، وكان جشعًا وعدوانيًا لأنه كان يسلم الذين يرفضون دفع الضرائب للسلطات الرومانية وعندما يتقابل زكا مع السيد المسيح يتبدل الحال، ويتحوّل زكا الذي كان ممسكًا بماله أو بمعنى أدق المال هو الذي كان يمسكه ويقيده، ويعلن أمام السيد المسيح أن نصف أمواله للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد له أربعه أضعاف ويتخلى عن المال ويتحوّل إلى إنسان قديس وبار، أو على الأقل إنسان قائم من موت الروح نوع آخر من الأموات هم الأموات في الرجاء وهؤلاء البشر الذين ليس لهم رجاء لا أدري كيف يحيون ؟! وهؤلاء تمثلهم في قصة القيامة رجاء، عالمها هو عالم الخطية؛ ولكن عندما تقابلت مع السيد المسيح وأخرج منها شياطين الخطية ثابت وقامت وصار لها رجاء، وأعطاها المسيح أن تكون أول مبشرة بقيامته، فهي التي نقلت خبر القيامة إلى سائر التلاميذ. كان الإنسان قبل القيامة عندما يموت، يموت في الأرض وتنتهي سيرته ليس أمامه فردوس، فالفردوس مغلق أمامه منذ سقطة آدم الأولى أما بالقيامة فقد انفتح الباب ، وصار الإنسان لا يعرف المستحيل، وغير المتسطاع عند الناس مستطاع عند الله الذي لا يعسر عليه شيء فالقيامة تعطي للإنسان أن مستقبله فيه باب مفتوح أحيانا يعيش الإنسان ويشعر أن المستقبل مغلق، ولكن الإحساس والشعور بالقيامة يعطي أملاً ويعطي الباب المفتوح أمام الإنسان القيامة أيضًا تمنح الإنسان فرحا بعد الحزن كان التلاميذ يعيشون في حزن فقد طلب السيد المسيح معلمهم أمامهم، ولكن عندما قام السيد المسيح في يوم الأحد لم يترك تلاميذه حزاني بل أعطاهم فرحا لذلك فكل يوم جمعة الذي هو تذكار الصليب له يوم أحد(تذكار القيامة)لا تعلمنا القيامة فقط أنه لا مستحيل، وتعطينا بعد الفرح في حياتنا بل هي تعطينا أيضا نوعا من الرجاء ضد اليأس.يُصاب الإنسان أحيانًا في حياته اليومية بالإحباط أو اليأس، ولكن في القيامة ينفتح باب الرجاء والنصرة أمام الإنسان، فالله ضابط الكل هو الذي يقود هذا العالم، وكل الخليقة ممسوكة في يد الله، ولذلك على الدوام يوجد الرجاء ويوجد الأمل الله لا يترك خليقته أبدا، فهو يعتني بالإنسان أينما كان ، الأمر الوحيد الذي لا يريده الله في الإنسان هو الخطية، لذلك إن قام الإنسان من خطيته سيجد يد الله الحانية تنظر إليه وتعينه القيامة فرح نعبر عليه في حياتنا في صلواتنا الصباحية ونعبر عليه في كل أسبوع في يوم الأحد ونعبر عليه أيضًا في الشهور القبطية في يوم ۲۹ من الشهر القبطي حيث نحتفل بالقيامة ونعبر عنه سنويا في فترة الخماسين التي تمتد الي خمسين يوما بعد عيد القيامة هذه القيامة التي نحتفل بها في هذه الليلة المباركة نفرح وتمتلئ قلوبنا بالفرح ويزداد فرحنا بحضور كل الأحباء ومشاركتهم معنا المشاركات التي تجمعنا سويًا في مناسباتنا الدينية والاجتماعية والقومية وهذه المشاركة التي يمكن أن نسميها المشاركة المصرية الدافئة هي التي تجمعنا جميعا في كل هذه المناسبات .لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
09 مايو 2024

بدعة الغنوسية

أثر الغنوسية ظاهراً في التعاليم التي سبقت كلها. واللفظ اليوناني غنوسيس Gnosis معناه المعرفة والحكمة. والغنوسية محاولة فلسفية دينية لتفسير الشر والخلاص منه. والغنوسيون يقولون بإله أعلى لا يدرك صدرت عنه أرواح سموها أيونات وأراكنة. وهه صدرت زوجاً فزوجاً ذكراً وأنثى فتضاءلت في الألوهية كلما ابتعدت عن مصدرها الإله الأعلى. وقالوا أن أحد هذه الأركنة أراد أن يرتفع إلى مقام الإله الأعلى فطرد من العالم المعقول. ثم أضافوا أنه صدر عن هذا الأركون الخاطئ أرواح شريرة مثله وصدر العالم المحسوس الذي لم يكن ليوجد لولا الخطيئة. فهوا والخالة هذه عالم شرّ ونقص بصانعه وبالمادة المصنوع منها. وقالوا أيضاً أن هذا الأركون الخاطئ حبس النفوس البشرية في أجسامها فكوَّن الإنسان وأن هذه النفوس تتوق إلى الخلاص وأن الناجين قليل لأن الناس طوائف ثلاث متمايزة: طائفة أولى تشمل الروحيين الذين هم من أصل إلهي وهم الغنوسيون صفوة البشر طائفة ثانية تتألف من الماديين الذين لا يمكنهم الصعود فوق العالم السفلي. طائفة ثالثة تجمع الحيوانيين الذين قدّر لهم الارتفاع والسقوط. النجاة والهلاك. واختلفوا في وسيلة النجاة فمنهم من قهر الجسم وطرح كل ما يثقل النفس ويمنعها من الوصول إلى المقر الذي هبطت منه ومنهم من قال بدناءة الجسم فأطلق العنان للشهوة وعظموا الفراغ بين الإله الأعلى والعالم وخشوا استحالة رجوع النفوس إلى هذا الإله فقالوا بايونات تصدر عن الإله الأعلى ووجدوا فيها سلسلة من الوسطاء بين الأنفس والإله الأعلى. فإذا ما حاولت الأنفس الاجتياز من عالمها السفلي إلى العلوي قالت "كلمة السرّ" لكل ايون تصادفه وتحولت إلى صورته. وكان القول بالوسطاء شائعاً فسماهم البعض مثلاً أخذاً عن الأفلاطونية ودعاهم البعض الآخر "كلمات" أي القوى الطبيعية الكبرى بموجب الفلسفة الرواقية. وسماهم فيلون اليهودي "الملائكة" وغيره عبّر عنهم ب "الجن" وأتباع الفكر الغنوس هم أكثر الناس الذي أخذوا يؤلفون أناجيل منحولة ما بين منتصف القرن الثاني حتى القرن الثالث. البدعة الغنوصية (الغنوسية أو الغنوسطية) تبلور الفكر الدوسيتي إلى فكر الغنوسية وأصبح هو محور الفلسفة الغنوسية الرئيسى البدعة (الهرطقة) الغنوصية / العارفين بالرب مخطوط رقم - 2 في المجموعة الغنوسية (مذهب المعرفة الروحية) والتي تضم 13 مخطوطا أو جزءا، وتجمع بين المسيحية والفلسفة الغنوسية. وهي تحمل الدليل الوحيد في الدنيا على وجود هذا المذهب. ويضم المخطوط أيضا كتابين مشكوك في صحة نسبتهما، وهما: إنجيل مريم وإنجيل توما. وتحتوي هذه البردية أيضا على نقوش تمثل عددا من التويجات التي تشبه زخارف مضفرة (مجدولة) تعد هذه النقوش أقدم نموذج لمثل هذه الزخارف في المخطوطات القبطية. والمخطوط مكتوب بالقبطية، كل صفحة تحتوى على 34 سطرا مدونا. الأبعاد العرض 14.5 سم الطول 28 سم أسم الغنوسية يعنى المعرفة أو البصيرة كلمة "غنوص" gn?sis، التى أطلقت على هذه الطائفة هى كلمة اليونانية تعنى "معرفة" أو "بصيرة"، وأُطلِقَ هذا الإسم على طائفة دينية لها فكر فلسفى ليس لها تنظيم معين ازدهرتْ في القرنين الأول والثاني للميلاد وخاصة فى مصر حتى عصر أثناسيوس الرسولى، وكانت الإسكندرية بمصر أهم مراكز الغنوصية أو الغنوسية فقد عثر على كتاباتهم من ضمن مخطوطات نجع حمادى الشهية (الصورة الجانبية أحدى أوراق مجموعة نجع حمادى) (1) والغنوصية كلمة يونانية تعني المعرفة أو الحكمة وقد اطلقت الجرائد التى تصدر فى مصر عن هذه الفئة الغنوسية أسم " العارفين بالله" المذهب أو البدعة الغنوسية المصرية يقول القس منسى يوحنا تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا طبع مكتبة المحبة سنة 1982 م الطبعة الثالثة ص 23 الغنوسطية أى مذهب التوليد وقد نشأت فى فلسطين أو سوريا عند ظهور الدين المسيحى، ولم يكن مذهب الغنوسطيين إلا خلط ما بين المسيحية والأديان الوثنية القديمة، وأنشأوا له مدرسة فى الأسكندرية فى أوائل القرن الثانى الميلادى وأعتنقة بعض المصريين، ولكن الغنوسطية المصرية كانت تختلف عن الغنوسطية الأسيوية فقد أعتقد المصريون أن المادة أبدية وحيوية أيضاً، وكانوا يعتقدون أن المسيح هو شخصان .. الأنسان يسوع وابن الله أو المسيح - فالمسيح الشخص الإلهى زعموا أنه دخل فى يسوع الإنسان حين أعتمد من يوحنا وتركه حين قبض عليه اليهود وكانوا يعتقدون أن للمسيح جسداً حقيقياً لا وهمياً مع أنهم لم يتفقوا على ذلك، ووضعوا شرائع أخرى تبيح بفساد أميال البشر، وقد أنقرضت هذه البدعة أو الهرطقة فى أواخر القرن السادس . لماذا درس عالم ألمانى الغنوسية؟ أشتهرت الهرطقة أو البدعة الغنوصية بعد قام البروفيسور كورت رودولف وهو من من أبرز العلماء الألمان الذين اهتموا بتاريخ الأديان وفلسفتها بعد كتب عدة كتب منها كتابه الشهير "الغنوصية: طبيعة وتاريخ الغنوصية" (الترجمة الانكليزية 1987), و الكتب الأخرى هى كتاب "المندائيون" (بالألمانية 1960-1961 في مجلدين), وكتاب آخر بالانكليزية عن المندائيين (لايدن 1978) ومن المعروف ان البروفيسور كورت رودولف قام بالتدريس فى جامعات أميركية عديدة كما شغل منصب بروفيسور في جامعة فيليبس في مدينة ماربورغ الألمانية قبل تقاعده .، وقام ايضاً بترجمة أحد كتبهم الدينية "ديوان نهرواثا" (أي ديوان الأنهر, برلين 1982). وأصبح البروفيسور كورت رودولف عضوا فخرياً مدى الحياة في الاتحاد الدولي لتاريخ الأديان ويرجع إهتمام البروفيسور كورت رودولف بالغنوصية لأنه كان لها علاقة بالمعرفة الخاصة بأصل النفس البشرية وبكيفية عودة النفس الى عالم النور . ويعتقد أن الأقباط وهراطقة مسيحيين آخرين قاموا بنسخ مخطوطات الغنوصيين فى القرون اللاحقة لهذا السبب بعينه، وقد تأثرت فئات أو مجموعات من البشر بالأفكار الغنوصية تعود الى القرن الأول الميلادي, ويرجح بعض المؤرخين إلى أنها كانت موجودة في فترات أقدم, لكن بالتأكيد عاشت هذه الجماعات عصرها الذهبي في القرنين الثاني والثالث الميلاديين. الفلسفة الغنوسية وفكر الغنوصية هو فى الأصل خليط من أفكار مسيحية ويهودية وإغريقية وثنية، . فالثقافة اليونانية الغربية القديمة التى كانت قبل المسيحية تمازجت بالمصرية الشرقية . هذه الجماعات أنتشرت وعاشت في مناطق متفرقة من مصر، وكان يقودها أسقف بتنظيم صارم كالبابا، وعندما كان هؤلاء الغنوصيين يعيشون فى مجموعات قليلة متفرقة كان يراسهم كاهن وكان كثير من الغنوصيين من النساك ويؤكد بعض المؤرخون أن الغنوصية هى خليط من فكر فارس? وحكمة مصر والفلسفة الأفلاطونية يقوم الفكر الفلسفى على التأمل وتجيب الغنوسية على: " الأسئلة الأساسية عن الوجود أو عن "الوجود–في–العالم" Dasein، بمعنى: مَن نحن (كبشر)؟ .. من أين أتينا؟ .. إلى أين نتَّجه؟ – تاريخيًّا وروحيًّا " الغنوسية تجيب من أين أتينا؟ العالم – الكون المادي – وفقًا للغنوصيين، هو نتيجة لخطأ أصلي من جانب الكائن فوق الكوني، السامي الألوهية، الذي عادة ما يُطلَق عليه اسمُ صوفيا (الحكمة) التى هى "الكلمة" Logos. هذا الكائن يوصف باعتباره الفيض الأخير لتراتبية إلهية، تُدعى "الملأ الأعلى" Pl?r?ma أو "الكمال"، على رأسها يقيم الإلهُ الأسمى، الواحد المتعالي على الوجود. خطأ صوفيا – الذي يوصف كرغبة طائشة في معرفة الإله المتعالي – أدَّى إلى "أقْنَمَة" [= تحويل إلى أقنوم] رغبتها على هيئة مخلوق نصف إلهي، جاهل أساسًا، عُرِفَ بالديميورغوس (من الإغريقية: D?miourgos، "الباري")، أو يلضباؤوث Ialdabaoth، هو المسؤول عن تكوين الكون المادي. هذه الصنعة الماهرة هي في الواقع محاكاة لعالم الملأ الأعلى؛ لكن الديميورغوس يجهل ذلك ويُعلِن نفسه بكلِّ اعتداد بوصفه الإله الأوحد الموجود. عند هذه النقطة، يبدأ النقد التنقيحي الغنوصي للكتب المقدسة اليهودية، كما يبدأ الرفض العام لهذا العالم بوصفه نتاجًا للخطأ والجهل، ويبدأ افتراض وجود عالم أعلى تعود إليه النفسُ الإنسانية في المآل. مَن نحن؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتضمن تعليلاً (الكلمة) لطبيعة النفس psukh? ؛ ومحاولةُ تقديم إجابة عن هذا السؤال أطلق عليها "علم النفس" أو ممارسته فى العصر الحديث – وهو يقدم تعليلاً للنفس أو الذهن psukh? في اللغة اليونانية القديمة، كلمة تطلق على معنيين فى آن واحد الأول على النفس، كمبدأ الحياة، ويطلق أيضاص على الذهن، كمبدأ العقل لقد ميَّز كارل يونغ – اعتمادًا على النظريات الغنوصية الأسطورية – الوعي الموجَّه موضوعيًّا بالجزء المادي أو "الجسدي" من الجنس البشري – أي، بحسب الغنوصيين، ذلك الجزء من الإنسان المشدودَ إلى الدورة الكونية للكون والفساد والخاضع لقيود الجَبْر والزمن إن الإنسان الذي يتماهى مع العالم الموجود موضوعيًّا يؤوْل إلى بناء شخصية أو حسٍّ ب"ذات"، فيكون، من حيث الأساس، متكلاً كليًّا على البُنى المتغيِّرة أبدًا للوجود الزمني. وما ينجم عن ذلك من انعدام أيِّ حسٍّ بالديمومة وبالاستقلالية يؤدي بمثل هذا الفرد إلى اختبار القلق بأنواعه كافة، وفي المآل، إلى الانصراف عن النماذج السرَّانية ذات المغزى الجمعي للوجود الإنساني لصالح الانكفاء على سياق ذاتي شخصي وخانق، تستهلك الحياةُ نفسَها في إطاره دون الرجوع إلى أيِّ مخطط أو نظام أوسع. والقنوط والإلحاد واليأس هي نواتج حياة كهذه. ما هى الذات ليست الذات المبنية زمنيًّا هي الذات الحقيقية: الذات الحقيقية das Selbst هي الوعي الأسمى الموجود والمتواصل فيما يتعدى كلَّ زمان ومكان الذي أطلق عليه يونغ اسم الوعي المحض أو الذات، في تمييز قاطع له عن "وعي الأنيَّة"، الذي هو الصورة المبنية والمحافَظ عليها زمنيًّا للوجود المنفصل أما أهم تعاليم الغنوصية فهي أنها كانت تُعلِّم بوجود نوعين من الألوهية: وهذا الشكل الأخير للوعي "الدنيوي" طابَق الغنوصيون بينه وبين النفس psukh?، بينما طابَقوا بين الذات أو الوعي المحض وبين الروح pneuma – بمعنى العقل المنعتق من سياقه وقيوده الزمنية. ولقد كان لهذا التمييز دورٌ هام في الفكر الغنوصي؛ وقد أخذ به القديس بولس، بصفةٍ أخص في مذهبه في القيامة الروحية (الرسالة الأولى إلى الكورنثيين 15: 44). والأساس النفساني أو التجريبي لهذا الرأي، هو الإقرار بعجز العقل البشري عن تحقيق مساعيه العظمى مادام خاضعًا للقانون وللنظام الصارم لكوسموس لامبالٍ ومتعالٍ. إن التمييز بين الروح والنفس (الذي يُترجَم إلى التمييز الأكثر أساسية بين العقل والجسم، وربما يحتِّم هذا التمييز أصلاً) يعيِّن بداية موقف مُسْتَعْلٍ ومخلِّصي تجاه الكوسموس والوجود الزمني بصفة عامة. وجود الإنسان تتضمن الخبرة الأساسية للوجود التي وصفتْها الفلسفةُ التي تُعْرَف الآن ب"الوجودية" شعورًا عامًّا بالعزلة والهَجْر Geworfenheit، أي "الانقذاف" في/إلى عالم لا ينصاع لرغبات الإنسان الأصلية (راجع: جوناس، ص 336). إن الاعتراف بأن رغبة الإنسان الأولى أو الأولية هي في تحقيق أو ترسيخ ذات أو "أنا" عيانية (فرد مستقلٍّ ومنفصل موجود ومستمر وسط فيض "الواقع" الزمني والخارجي وجريانه) يؤدي إلى إدراكٍ مزعج بأن العالم ليس متجانسًا مع الكائن البشري؛ إذ إن هذا العالم (على ما يبدو) يتبع مسلكه الخاص – المسلك المخطَّط له والمحرَّك مسبقًا قبل مجيء الوعي البشري بوقت طويل. لا بل إن النشاط الأساسي للإنسان – أي تحقيق ذات مستقلة ضمن العالم – يُنفَّذ على تضادٍّ مع سلطان أو "إرادة" (قوة الطبيعة) يبدو وكأنها تُحبِطُ هذا المسعى الإنساني بامتياز أو تُفسِده على الدوام، بما يقود إلى الإقرار بوجود قدرة مضادة للإنسان، وبالتالي مضادة للعقل؛ وهذه القدرة، بما أنها فاعلة على ما يبدو، موجودة حتمًا. غير أن حقيقة أن فعل تلك القدرة لا يتجلَّى كاتصال بين الإنسانية والطبيعة (أو الموضوعية المحضة)، بل بالحري كسيرورة ميكانيكية للضرورة العمياء، في معزل عن المسعى البشري، تضع الكائن الإنساني في مقام أعلى. إذ على الرغم من أن قوة الطبيعة قد تمحق موجودًا فرديًّا بشريًّا ما محقًا اعتباطيًّا بالسهولة ذاتها التي توجِده بها، فإن هذه القوة الطبيعية ليست واعية بنشاطها. أما العقل البشري، فهو على العكس، واعٍ بما يفعل. وبهذا تحدث فجوةٌ أو صَدْع – كنتاج للانعكاس – قد يتمكَّن الإنسانُ من خلاله أن يوجِّه نفسه، لبرهة وجيزة، مع ونحو العالم الذي يوجد فيه ويستمر. وقد وصف مارتن هيدغِّر تلك البرهة الوجيزة من التوجُّه مع العالم وفيه (نحوه) بوصفها "رعاية" Sorge، هي دومًا رعاية واهتمام ب "اللحظة" Augenblick التي يحدث فيها كلُّ وجود. وهذه "الرعاية" ["الإنسان هو راعي الوجود"] تُفهَم بوصفها نتاجًا لإقرار الإنسانية بحتمية كينونتها نحو الموت لكن هذا التوجُّه لا يكتمل أبدًا، من حيث إن النفس البشرية تكتشف أنها لا تستطيع تحقيق غايتها أو تحقُّقها التام ضمن الحدود التي وضعتْها الطبيعة. وفي حين أن الضرورة المقيِّدة للطبيعة هي حقيقة بسيطة غير قابلة للشكِّ في نَظَر الوجودي، فإنها، عند الغنوصيين، نتاجٌ لمخطَّطات خبيثة من وَضْع إله أدنى، هو الديميورغوس، تمَّ تنفيذُها عبر قانون هذا الإله الجاهل وبه. بعبارة أخرى، فإن الطبيعة، في نَظَر الوجودية الحديثة، لامبالية فقط، في حين أنها كانت عند الغنوصيين معادية بالفعل للمسعى الإنساني: "إن القانون الكوني، الذي كان معبودًا ذات مرة كتعبير عن عقل يمكن لعقل الإنسان أن يتواصل معه في فعل التعرُّف، لا يُرى في حالتنا هذه إلا في مظهره القسري الذي يُجهِض حرية الإنسان." (جوناس، ص 328). وبذلك يؤول الزمن والتاريخ إلى فهمهما كمنشأ للعقل البشري على الضدِّ من مفاهيم مثالية عبثية من نحو القانون nomos والنظام cosmos. المعرفة، من هذا المنطلق، تصير مسعى عيانيًّا – مهمة مخلِّصة للنفس يكلَّف بها الجنسُ البشري. والذات، إذ تعي نفسها، تكتشف كذلك أنها ليست ملكًا لنفسها حقًّا، بل هي بالحري أشبه ما تكون بالمنفِّذ اللاإرادي لمخطَّطات كونية. والمعرفة (الغنوص) قد تحرِّر الإنسان من هذه العبودية. ولكن، بما أن الكوسموس معاكِس للحياة وللروح، فإن المعرفة المُنجِيَة لا يمكن لها أن تهدف إلى الاندماج في الكلِّ الكوني وإلى الانصياع لقوانينه: "فعند الغنوصيين [...] لا بدَّ لغربة الإنسان عن العالم من أن تُعمَّق وتتسنَّم ذروتَها من أجل استخلاص الذات الباطنة التي لا يمكن لها أن تفوز بنفسها إلا على هذا النحو." (جوناس، ص 329) إذ ذاك يصير السؤال البيِّن "من أين جئنا؟" أكثر معقولية في محاذاة وضمن السؤال الأكثر دينامية "إلى أين نمضي؟" التأويل في سياق التفكير الإغريقي القديم، غالبًا ما تلازمتْ كلمةُ herm?neia (تأويل) مع كلمة tekhn? (فن)، فيما عُرَف بtekhn? herm?neutik?، أو "فن التأويل"، الذي ناقشه أرسطو في رسالته في التأويل Peri Herm?neias (باللاتينية: De Interpretatione). والتأويل، بحسب أرسطو، لا يقودنا إلى معرفة مباشرة لمعنى الأشياء، بل إلى مجرد فهمٍ للكيفية التي تؤوْل بها الأشياءُ إلى الظهور أمامنا، وبذلك يزوِّدنا بمنهاج إلى المعرفة التجريبية، إذا جاز التعبير: "علاوة على ذلك، يُعَدُّ الخطابُ تأويلاً لأن العبارة الخطابية إنما هي قبضٌ على التعبير المعنوي الحقيقي، وليست طائفة من الانطباعات المزعومة القادمة من الأشياء ذاتها." (بول ريكور، تعارُض التأويلات، 1974، ص 4) بهذا المعنى، يجوز أن نقول إن "فنَّ التأويل" طريقةٌ تاريخية بامتياز لفهم الواقع أو للتفاهم معه. بعبارة أخرى، بما أن "تعبيرنا" هو دومًا طرح، أي خروج من الأشكال أو النماذج الجاهزة للواقع باتجاه استعمال حيٍّ لتلك النماذج مع الحياة وفيها، إذ ذاك فإننا، بوصفنا كائنات إنسانية مستمرة في عالم الصيرورة، مسؤولون، في التحليل الأخير، ليس عن الحقائق الأبدية أو "الأشياء في ذاتها"، بل فقط عن الصور التي تتخذها تلك الأشياء ضمن سياق وجودٍ حيٍّ ومفكِّر. إذن، فالمعرفة أو الفهم لا يتناولان الأشياء السرمدية والأبدية في ذاتها، بل بالحري السيرورة التي تنكشف من خلالها الأشياءُ – أي الأفكار والموضوعات والأحداث والأشخاص إلخ – ضمن السيرورة الوجودية أو الأونطولوجية للصيرورة المعرفية. فالانتباه إلى السيرورة وإلى انبثاق المعنى يحدث على المستوى الاختباري الأكثر مباشرة للوجود البشري؛ وبالتالي فهو لا يتصف بأية صفة ميتافيزيقية. غير أن ولادة الميتافيزيقا قد تتعيَّن ضمن البِنية الأصلية أو الظاهرية للخبرة الأساسية "الخام"؛ إذ إن العقل البشري مفطور على تنظيم معطياته وترتيبها بحسب مبادئ عقلانية بيد أن السؤال الذي سينطرح حتمًا هو عن أصل اشتقاق تلك المبادئ العقلانية: أهي نتاج مشتق من العالم الظاهري للتجربة؟ أم أنها، على نحو ما، مستوطِنة للعقل البشري بما هو كذلك، وبالتالي أزلية؟ إذا اتخذنا السؤال الأول إجابةً نصل إلى الفينومينولوجيا، التي "تكتشف، بدلاً من ذات مثالية محبوسة ضمن منظومة من المعاني، كائنًا حيًّا اتخذ منذ الأزل عالَمًا – العالمَ – أفقًا لكلِّ مقاصده" (ريكور، ص 9). وبحسب الصياغة العامة المعاصرة أو "ما بعد الحداثية"، فإن مثل هذا "الكائن الحي" مقود دائمًا وفقط، بشكل مقصود، نحو عالَم أو فلك تعددي، حيث النشاط البشري نفسه يصير الهدف الأوحد للمعرفة، في معزل عن أية مُثُل أو ترسيمات ميتافيزيقية "متعالية". من جانب آخر، فإن الغنوصيين، الذين اشتغلوا ضمن السؤال الثاني وعليه وأعطوا عنه جوابًا إيجابيًّا – وإن يكن مشوبًا بشيء من الشاعرية الميثولوجية – يذهبون إلى أن المبادئ العقلانية، التي تبدو وكأنها مستمَدة من مجرد التَّماس مع الواقع المحسوس، تُعَدُّ تذكيرات بوجودٍ موحَّد هو إمكانية أبدية، مُتاحة لأيِّ فرد قادر على التسامي فوق عالم التجربة والسيرورة هذا – أي عالم التاريخ – لا بل على خَرْقه. وهذا "الاختراق" عبارة عن فعل موازنة النفس ضمن التاريخ وفيه، وعن توجيه النفس نحوه، بوصفه نَوَسانًا بين الماضي والحاضر، فيه يتمالك الفردُ نفسَه للأخذ بأحد خيارين: إما الخضوع لفيض وجريان وجود كوني خارج عن مركزه بالدرجة الأولى، أو الكفاح في سبيل إعادة الاندماج في الألوهة، التي يكاد ألا يستذكرها والتي هي أشد إبهامًا من الإدراكات المباشرة للواقع. "إلى أين نمضي؟" هذا التساؤل يقع في اللبِّ من التفسير الغنوصي؛ وهو بالفعل يلوِّن ويوجِّه سائر محاولات التوافق، ليس فقط مع العهد القديم اليهودي الذي مثَّل النصَّ الرئيسي الذي أعمل فيه الغنوصيون تأويلهم، بل مع الوجود بعامة أيضًا. إن المقترَب التأويلي المعياري، في كلا عصرنا الحالي وفي الأزمنة الهلينية المتأخرة، هو نهج التلقِّي – أي التعاطي مع نصوص من الماضي تعاطيًا يحكمُه، من جهة المؤوِّل، اعتقادٌ بأن هذه النصوص تنطوي على ما يمكن لنا أن نتعلَّمه. وسواء كنَّا نكافح من أجل تخطِّي "أحكامنا" وافتراضاتنا المسبقة، التي هي النتيجة الحتمية لانتمائنا إلى موروث معيَّن عن طريق الفعل التأويلي (غدامر)، أو كنَّا نسمح لأحكامنا المسبقة بتشكيل قراءتنا للنص، فإننا، من جراء فعل "استهتار إبداعي" (بلوم)، ما نزال نعترف، على نحو ما، بما ندين به للنصِّ الذي نتعاطى معه أو باتِّكالنا عليه. أما الغنوصيون، في قراءتهم للكتاب المقدس، فلم يعترفوا بمثل هذا الدَّيْن؛ إذ إنهم اعتقدوا بأن الكتاب العبري صُنِّف، بوحي من إله خالق أدنى d?miourgos، مليئًا بأكاذيبٍ القصد منها تشويش عقول وأحكام البشر الروحانيين pneumatikoi الذين عزم هذا الديميورغوس على استعبادهم في هذا الكوسموس المادي. وبالفعل، بينما ينطوي منهج التلقِّي التأويلي على وجود شيء ما نتعلَّمه من النص، فإن الطريقة التي استعملها الغنوصيون (التي يمكن تسميتها منهج "الوحي") تأسَّست على فكرة أنهم – أي الغنوصيين – تلقَّوْا وحيًا "فوق كوني"، إما على هيئة "نداء" أو رؤيا أو حتى، ربما، من خلال إعمال الجدل الفلسفي. وهذا "الوحي" كان هو معرفة (غنوص) أن الجنس البشري غريب عن هذه الدنيا وأن له "مسكنًا سماويًّا"، في "الملأ الأعلى" pl?r?ma، حيث تصير الرغباتُ العقلانية للعقل البشري إلى إيناعها التام الكامل. انطلاقًا من هذا الاعتقاد، فإن المعرفة كلَّها مُلْك للغنوصيين أولاء، وكلُّ تأويل للنصِّ الكتابي إنما غايته تفسير الطبيعة الحقيقية للأشياء بالكشف عن أخطاء الديميورغوس وتحريفاته. وهذا المقترَب تَعامَل مع الماضي كشيء تمَّ تجاوزُه أصلاً، لكنه ما ينفك "حاضرًا" مادام بعض أفراد الجنس البشري يكابدون تحت الناموس القديم – أي ماداموا يقرأون الكتاب المقدس قراءة المتلقِّي. أما الغنوصي، مادام يحيا في الدنيا بوصفه كائنًا موجودًا، فهو، من ناحية أخرى، حاضر ومستقبل في آنٍ معًا – أي أنه يجسِّد في ذاته الديناميةَ الخلاصية لتاريخٍ على قطيعة مع قيد الماضي الاستبدادي، وَجَدَ حرية ابتكار نفسه من جديد. لقد فهم الغنوصي نفسَه بوصفه، في آنٍ معًا، في القلب من التاريخ، وفي نهايته، وفي نقطة الأوج منه؛ وهذه الفكرة أو المثال انعكس انعكاسًا قويًّا للغاية على التأويل الغنوصي القديم. فلننتقلْ الآن إلى مناقشةٍ للنتائج العيانية لهذا المنهج التأويلي. 1.2: الميثولوغوس الغنوصي الفكرة أو المفهوم الغنوصي ليس ابن منهاج أو نظرة فلسفية إلى العالم؛ إذ إن الرؤية الغنوصية للعالم تأسَّست بالحري على حَدْس بوجود هوَّة جذرية، تبدو غير قابلة للردم، بين عالم المكابدة pathos، من جانب، وبين عالم الكينونة الحق، أي الوجود في مظهره الإيجابي والخلاق والأصيل. والمشكلة التي واجهها الغنوصيون هي كيفية تعليل مثل هذا الحدس الجذري ما قبل الفلسفي. وهذا الحدس هو "ما قبل فلسفي" لأن الخبرة الخام للوجود، في عالم مُعادٍ لأشواق الجنس البشري، يمكن لها أن تُسلِسَ ذاتها للعديد من التأويلات؛ ومحاولة التأويل قد تتخذ شكل إما "القصة" muthos أو "العقل" logos: إما مجرد ترجمة وصفية للخبرة، وإما رواية مرتَّبة عقلانيًّا لمثل هذه الخبرة، تتضمَّن شرحًا لأصولها. وقد قُيِّض للتعليل الإغريقي القديم لهذه الخبرة أن يدعوها "رهبة" أو "دهشة" أولية، يشعر بها الإنسان وهو يواجه العالم الذي ينتصب بكلِّ هذا الاستقلال عنه، ثم يضع هذه الخبرة كبداية للفلسفة (راجع: أرسطوطاليس، الميتافيزيقا، 982 ب 10-25 وأفلاطون، ثيئيطيطس، 155 د). لكن الغنوصيين رأوا هذه "الرهبة" بوصفها نتاجًا لاختلال جذري في تناغمِ عالمٍ دائم فيما يتعدى الصيرورة – أي فيما يتعدى "الصيرورة" بمعنى "المعاناة" pathos أو "ما يُكابَد" تتوافق "القصة" دائمًا مع الترجمة "الفورية" التي قام بها امرؤٌ كابَدَ مكابدةً مباشرة تأثيرَ حَدَثٍ ما؛ وهي دومًا تعليلٌ لشيء معروف أصلاً، وبالتالي تحمل ادِّعاءها الحقيقةَ بين طياتها، مثلما أن فورية حَدَثٍ ما تحول دون أيِّ شكٍّ أو تشكيك فيه من جانب مكابِده. أما "العقل"، من ناحية أخرى، فهو نتاج تفكُّر dianoia متأنٍّ، يحيل، من حيث حقانيَّته، ليس إلى اللحظة الفورية ل"التقاط" الظاهرة prol?psis، بل إلى لحظة التفكُّر التي يبلغ المرءُ في أثنائها معرفةً مفهومية للظاهرة ويكون أول مَن يعرفها بما هي كذلك – وذلكم هو "الغنوص": البصيرة. والنتيجة المباشرة لهذا الغنوص هي الانبعاث من حسِّ الوجود ك"مكابدة" إلى فعلية الكينونة ك"شعور" aesthesis – أي تلقِّي الخبرة والحكم عليها عن طريق معايير عقلانية أو محض إلهية. ومثل هذه المعايير ينبع مباشرة من "العقل" logos، أو "المبدأ المنظِّم" الإلهي، الذي اعتقد الغنوصيون أنهم متصلون به عن طريق النَّسَب الإلهي وعلى الرغم من أن الأونطوثيولوجيا (علم اللاهوت الوجودي) الغنوصي تنبسط عن طريق أسطورة متقنة السَّبك، فإنها أسطورة يُخبِر عنها "العقل" دومًا؛ فهي، إذن، بهذه المثابة، "ميثولوجيا" حقيقية – أي أنها رواية، عِبْرَ آنيَّة اللغة، لما هو حاضر أبدًا (عند الغنوصي) كنتاج لتفكُّر ممتاز. نحن الإنسانية بحسب الميثولوجيا الغنوصية (عمومًا)، موجودون في هذه الدنيا لأن إحدى أفراد الألوهة المتعالية، صوفيا (الحكمة)، رغبت في تحقيق كمونها الفطري للإبداع من دون إذْنٍ من شريكها أو زوجها الإلهي. وكبرياؤها، في هذا الصدد، كان بمثابة مادة خام، ورغبتُها (التي توجَّهتْ إلى الآب السرِّي المبهم) تجلَّتْ بوصفها يلضباؤوث، الديميورغوس – مبدأ الكون والفساد المرتد ذاك، الذي عِبْرَ ضرورته الجبرية، يَهَبُ الكائناتِ جميعًا الحياة، للحظة وجيزة، ثم يقضي عليها بالموت إلى الأبد. غير أنه بما أن "الملأ الأعلى" ذاته، بحسب الغنوصيين، ليس مستثنى من الرغبة أو الهوى، لا مندوحة من تدخُّل حَدَثٍ خلاصي أو مخلِّص – أي المسيح، الكلمة، "الرسول"، إلخ – ينزل إلى العالم المادي من أجل إبطال الأهواء كافة والارتقاء ب"الشرارات" الإنسانية البريئة (التي سقطت من صوفيا) إلى مرتبة الملأ الأعلى (راجع: كتاب يوحنا المنحول [سفر المخطوطات 2] 9: 25-25: 14 وما بعدها). وإن سيرورة الاندماج من جديد هذه مع الألوهة وفيها هي واحدة من المعالم الأساسية للأسطورة الغنوصية. والهدف من هذا الاندماج (ضمنًا) هو تأسيس سلسلة من الموجودات متأخِّرة أونطولوجيًّا عن صوفيا، وهي التجسيد العياني لرغبتها "المُصدِّعة" – ضمن الحلبة الموحَّدة للملأ الأعلى. فبالفعل، إذا كان الملأ الأعلى حقًّا هو الامتلاء، الحاوي على الأشياء كلِّها، فلا بدَّ أن يحتوي المبادئ العديدة لتوق الحكمة. بهذا المعنى يجب ألا ننظر إلى الخلاص الغنوصي كقضية وحيدة الجانب وحسب: ف"الشرارات" الإلهية التي سقطت من صوفيا، في أثناء "آلامها"، هي مظاهر غير مندمجة بعدُ للألوهة. في وسعنا القول، إذن، أن الإله الغنوصي الأسمى يسعى أبدًا، بالمعنى الهيغلي، إلى تحقُّقه الخاص عن طريق الوعي الذاتي الكامل (راجع: غ.ف.ف. هيغل، تاريخ الفلسفة، الجزء 2، ص 396-399). لكن الأمر ليس بهذه البساطة فعلاً: فإله الغنوصيين الأسمى يلد الملأ الأعلى من غير جهد؛ ومع ذلك (أو ربما لهذا السبب!) يتفق لهذا الملأ الأعلى أن يسلك في استقلالية عن الآب – وهذا لأن جميع أفراد الملأ الأعلى (المعروفين بالأيونات Aeons) هم أنفسهم "جذور وينابيع وآباء" (الرسالة المثلثة، 68: 10)، يحملون الزمن في أنفسهم كشرط من شروط كينونتهم. حين أزعج الاختلال الذي نجم عن رغبة صوفيا الملأ الأعلى، لم يُفهَم هذا الأمر كاختلال لوحدة مسبَّقة الرسوخ، ولكن بالحري كاختلالٍ لركود لا يطاق، قُيِّض له أن يُحتَفى به بوصفه إلهيًّا. وبالفعل، عندما نظر الإغريق إلى السماء للمرة الأولى وأُعجِبوا بانتظام دوران النجوم والكواكب، فإن ما أُعجِبوا به – بحسب الغنوصيين – ليس صورة الألوهة، بل صورةٌ أو تمثيلٌ لركود "إلهي"، لقانون ونظام خَنَقا الحرية، التي هي أصل الرغبة (راجع: جوناس، ص 260-261). إن آلام صوفيا – إنتاجها للديميورغوس، استعباده ل"الشرارات" الإنسانية في الكوسموس المادي، الفداء والتجديد اللاحقين – ليست إلا فصلاً عرضيًّا في الدراما المتفتِّح اللانهائي للوجود الأرضي. ونحن، بوصفنا بشرًا، اتَّفق لنا أن نكون الضحايا غير المقصودين لهذا الدراما. وإذا كان خلاصنا، كما يذهب الغنوصيون، عبارة عن صيرورتنا آلهة (بويماندرس، 26) أو "سادة على الخلق وعلى كلِّ فساد" (فالنتينوس، المقطع و، ليتون)، كيف نكون واثقين من أنه، في أزمنة قادمة، لن يضع أحدُنا كونًا ملعونًا آخر، مثلما فعلتْ صوفيا؟ الغنوصية المسيحية كان للفكرة المسيحية القائلة بأن الربَّ قد أرسل "ابنه" الوحيد (الكلمة) ليتألَّم ويموت من أجل خطايا البشرية جمعاء، وبهذا يجعل الخلاص متاحًا للجميع، وَقْعٌ عميق على الفكر الغنوصي. ففي المجموعة الواسعة والهامة من الكتابات الغنوصية المكتشَفة في نجع حمادي (مصر) في العام 1945، ليس ثمة غير حفنة منها من الممكن أن تكون نشأت في وسط ما قبل مسيحي، هلِّيني يهودي على الأغلب؛ ذلك أن غالبية هذه النصوص هي كتابات مسيحية غنوصية تعود إلى الفترة من أوائل القرن الثاني وحتى أواخر القرن الثالث الميلادي، وربما بعد ذلك بقليل. وعندما ننظر في مفهوم الخلاص ومعناه عند الغنوصيين الأوائل، الذين ركزوا على المظهر الخلاق لوجودنا ما بعد الخلاصي، يذهلنا التأكيدُ الجريء الذي مفاده أن حاجتنا إلى الخلاص نشأت، في المقام الأول، من خطأ اقترفه كائنٌ إلهي، هو صوفيا (الحكمة)، إبان قيامها بفعلها الخلاق (راجع: كتاب يوحنا المنحول [سفر المخطوطات 2] 9: 25-10: 6). وبما أن الحال هي كذلك، كيف – نتساءل قطعًا – سيكون وجودُنا فيما بعد الخلاص أقل تعرضًا للغلط أو للجهل، وحتى للشر؟ لقد قدَّمتْ الرسالةُ الجذرية للمسيحية الأولى الجوابَ على هذا السؤال الإشكالي؛ وبهذا التقط الغنوصيون الفكرة المسيحية وحوَّلوها، بقوة فنِّهم القصصي العقلي، إلى ترسيمة تأملية فلسفية ولاهوتية التركيب. * النوع الأول: وهو الإله السامي? أو العظيم? وهذا الإله يرأس سلسلة كثيرة الحلقات من الآلهة المتميزين الواحد عن الآخر في الدرجة والسلطان قد انبثعوا سواء من هذا الإله الأعظم أو خرجوا الواحد من الآخر، وهذه الكائنات سواء كانت منفردة منعزلة أو كانت أزواجاً فإنها كوّنت معاً ما يسمى المجموعة الإلهية، وقد حدث خلل في هذه المجموعة نتيجة لسقوط أحدها? ولكن هذا الكائن الإلهي الذي سقط سيرد إلى رتبته وطهارته عندما تتم عملية الفداء, * النوع الثاني: وهو يشبه النوع الأول من حيث النظام والتكوين? ولكنه يختلف من حيث النوع لأن الذي يرأس هذه المجموعة إله شرير? الإله الذي خلق المادة? نصف الإله وقد ساعد الإله? وتعاون معه الآلهة الأشرار والمخربون, والصراع بين إله الشر وأعوانه? وإله الخير وأعوانه مستمر غير أن المرء ما يلبث أن يجد، بعد أن يقال كلُّ شيء ويُفعَل، أن خطأ صوفيا واستيلاد كونٍ أدنى هما حدثان يتبعان قانونًا محددًا للضرورة، وأن ما يُسمَّى ثنوية الإلهي والأرضي هو حقًّا انعكاسٌ وتعبيرٌ عن التوتر المعيِّن الذي يشكِّل كينونة الإنسانية – الكائن البشري. أثناسيوس الرسولى وأكليمنضس السكندرى والغنوسية ويرجع أصول العنوسية إلى القرنين الأول والثاني ق م، مثل المقالات المبكرة لل Corpus Hermeticum ["المجموعة الهرمسية"]، والكتابات العبرية الرؤيوية – وخاصة الفلسفة الأفلاطونية والكتب اليهودية المقدسة وكان من أبرز كبار قادة الغنوصيين فى القرن الرابع بالإسكندرية هم باسيليدس وكربو كراتس وفالنتينوس. وقد حذر القديس أثناسيوس الرسولى من خطرهم على العقيدة المسيحية بينما قام القديس اكليمنضس الإسكندري بوضع دراسات تحليلية لعقيدة فئات غنوصية متعددة وحاول أن يؤسس "غنوصية مسيحية حقيقية". التعاليم الغنوصية 1- تؤمن الغنوصية بالثنائية وتفصل بين العالمين الروحي والمادي. 2- اعتقدت الغنوصية بأن الكون شئ مادي خلق نتيجة لنزول الحكمة. وقال بعضهم إن العالم هو أصلا من صنع إله مزج بين الإنسان الأبدي وعناصر الشر. وأن الإله له القدرة على إصلاح العالم . . وقالت الغنوصية بأن خلق الكون المادي قد خرج من الكون الإلهي بواسطة سلسلة انبثاقات طويلة أو قصيرة. 3- قسّم الغنوصيون المؤمنين بها إلى طبقتين: الروحيون الذين هم نفوس مستنيرة والجسديون أو الماديون وهم عبيد المادة. وأضاف بعض فئات الغنوصيين فئة النفسانيين وهم طبقة متوسطة. 4- أرجع الغنوصيون اكتسابهم للمعرفة السرية بواسطة الصبر و المثابرة على استقامة الأخلاق والاستنارة الفجائية التي تمكنهم من إدراك الطريق الإلهى والكون وذواتهم. وقالوا إن هذه المعرفة تحرر البشر وتكشف لهم أسرار الحق. 5- أعتقد الغنوصيون أنهم تبحروا فى فهم المعرفة والحكمة فقالت جماعة منهم هي جماعة ناسن (200م): "إننا وحدنا نعرف أسرار الروح غير المنطوق بها". 6- وأعتقد للغنوصيين أن السيد المسيح هو مبعوث الله العلي الجالب "المعرفة". وبما أنه الكائن الإلهي فقد اتخذ الجسد البشري ولكنه لم يتعرض للموت. فهو قد سكن مؤقتا في جسد بشري. 7- آمن الغنوصيون بالقضاء والقدر. دخل الغنوصيون في جدال عنيف مع معارضيهم من المسيحيين الأقباط الأرثوذوكس من قادة مدرسة أفسكندرية حول العلاقة بين العهدين القديم والجديد. فبينما أكد اباء الكنيسة على الحفاظ على العلاقة بين العهدين على أساس العلاقة الواحدة لروح الكتاب أبرز الغنوصيون المتناقضات بين ناموس العهد القديم والأناجيل. كما عاب الأرثوذوكس على الغنوصية إيمانها بالقضاء والقدر وبالعقيدة الثنائية فقد تركت الغنوصيّة أدب دعاية غزيرًا انتشر في الشرق الأوسط: في سورية مع الكسائيّة (شيعة تحافظ على عادات يهوديّة) والمعمدانيّين الذين سيلدون التيّار المندعي (أو العارفين). وفي الإسكندريّة التي ظلّت مكان تخمير فكريّ. ومن هناك انتقلت إلى المراكز المثقّفة في عالم البحر المتوسّط (رومة، أثينة) رفي العالم الفارسيّ حيث ستنفصل عنها المانويّة في القرن الثالث كان لهذا الأدب سوابقُ وثنيّةٌ ولاسيّما في مجموعة هرمس. ولكن حين أدخل النهج الغنوصيّ عناصر مسيحيّة. دخل في عالم المعمّدين والموعوظين. من جهة، اقتدى الكتَّاب بالفنون الأدبيّة في الكتابات الرسوليّة فدوّنوا أناجيلَ ورؤىً (لا رسائل لأنّهم لا يقدرون أن يزيّفوها). ومن جهة ثانية، تخفّت المؤلَّفات تحت اسم رسل المسيح: توما، يعقوب، فيلبّس، برثلماوس، متّيّا... وهكذا عُرض تعليمُ المعلّمين الغنوصيّين في مؤلّفاتهم. مثلاً: تفسير يوحنّا لهيراكليون، الذي سيرد عليه أوريجانس. "رسالة من بطليموس إلى فلورا". كتبها تلميذ إيطاليّ لولنطينس واحتفظ بها إبّيفانيوس. وانتقل التقليد الدينيّ لباسيلديس (بين 120 و150) وولنطينس (بين 135 و160) من خلال الأدب المنحول، فانتشر في أوساط واسعة: إنّ مسيح الإيمان قد أعطى تعاليم سريّة لبعض تلاميذَ مختارين، قبل انطلاقه من هذا العالم أو بعد قيامته. واتّخذ مضمونُ هذا التعليم شكلَ "أقوال" انحرفت فجها بعض الموادّ الإنجيليّة الأولى عن معناها، فأعيد تفسيرها وتأليفها، وصيغت صياغةً جديدةً وموسّعة. إنّ إنجيل توما (يعود إلى القرن الثاني وإلى محيط سوريّ) يعطينا أمثلة عن هذه العمليّات المختلفة.
المزيد
11 مايو 2024

إنجيل عشية الأحد الأول من الخمسين(لو٥ : ١ - ١١)

" وإذ كانَ الجَمعُ يَزْدَحِمُ عَلَيْهِ لَيَسْمَعَ كِلِمَةَ اللَّهِ، كَانَ واقفًا عِندَ بُحَيْرَةِ جَنَّيسارَت. فرأى سفينتين واقِفَتَين عِندَ البُحَيْرَةِ، والصَّيادون قد خرجوا منهما وغَسَلوا الشباك. فَدَخَلَ إحدى السفينتين التي كانت لسمعان، وسأله أنْ يُبعِدَ قَليلاً عن البَرِّ. ثمَّ جَلَسَ وَصَارَ يُعَلِّمُ الجُموع مِنَ السَّفِينَةِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الكلام قال لسمعان : ابعد إلى العُمق وألقوا شباكَكُم للصَّيدِ. فَأَجَابَ سمعان وقالَ لَهُ: يا مُعَلِّمُ، قد تعبنا اللَّيْلَ كُلَّهُ ولم نأخذ شيئا. ولكن على كلِمَتِكَ أُلقي الشَّبَكَةَ. وَلَمَّا فعلوا ذلك أمسكوا سمعا كثيرًا جدًا ، فصارَتْ شَبكَتُهُمْ تتخرَّقُ. فأشاروا إلى شركائهم الذين في السفينة الأخرى أن يأتوا ويُساعدوهم. فأتوا وملأوا السَّفِينَتَينِ حتَّى أَخَذَتا في الغَرَقِ. فَلَمَّا رأى سمعان بطرُسُ ذلكَ خَرَّ عِندَ ركبتي يسوع قائلاً: اخرج من سفينتي يَارَبُّ، لأني رَجُلٌ خاطئ.. إذ اعترته وجميع الذين معهُ دَهشَةٌ عَلَى صَيدِ السَّمَكِ الذي أخذوه.وكذلك أيضًا يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريکي سمعان. فقال يسوعُ لسمعان: لا تَخَفْ مِنَ الآنَ تكون تصطاد الناس. ولما جاءوا بالسفينتَينِ إِلَى البَر تركوا كُلَّ شَيْءٍ وتبعوه ". أحد توما : يصف إنجيل العشية اللقاء الأول للرب مع رسله الأطهار يرة جنيسارت، والمعجزة الأولى التي اختبرها التلاميذ وهي معجزة صيد السمك الكثير وكيف أثرت فيهم كلمة الله حين سمعوها فألقوا شباكهم للصيد على حسب كلمته، ثم ألقوا بالتالي حياتهم كلها وعلقوها على كلمته حين دعاهم ليكونوا صيادين للناس ووقتها تركوا كل شيء وتبعوه. هذا الإنجيل تقرأه الكنيسة اليوم في نور قيامة المسيح حيث أشرق عليهم من بعد قيامته وبدد خوفهم وأعطاهم سلامه. وهكذا يتكرر اللقاء بالرب ويعيد إلى ذهن التلاميذ ذكرى اللقاء الأول حين دعاهم وحين غير مسارهم من صيد السمك إلى صيد الناس. قد قصد الرب هذا تماما عندما قال لمريم المجدلية يوم قيامته: "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم أن يذهبوا إلى الجليل هناك يرونني". الخبرة الأولى لها طعم خاص، وأحاسيس خاصة، عندما تعرفوا على الرب لأول مرة وحين سمعوا كلمات النعمة الخارجة من فمه، وحين أحس القديس بطرس أنه رجل خاطئ وخر عند قدمي يسوع في السفينة بعد صيد السمك إذا اعتراه خوف هو وجميع الذين معه. أما بعد القيامة فقد استنار التلاميذ، بل قاموا مع المسيح. بنورك يارب نعاين النور فحين رآهم وجاء في وسطهم أعطاهم السلام. السلام الذي من أجله جاء، وملأهم بالفرح ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب. وشدد إيمانهم وأرسلهم إلى العالم يكرزوا بالقيامة والحياة. وفي نور القيامة رجعوا إلى الأيام الأولى كقول داود في المزمور : "تذكرت الأيام الأولى وفي صنائع يديك كنـت أتأمل". تذكروا عندما دخل السفينة وكان يعلم، وعندما تشرق القيامة في القلب تنير كلمات يسوع العينين وتحرك القلب بلذة جديدة بل وتلهب القلب حبًا وشوقا كما اختبر تلميذا عمواس ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا حين كان يكلمنا"وتذكروا سلطان المسيح وكلمته: "ألقوا شباككم للصيد"، وكم هي فعالة وعجيبة. وها المسيح بعد قيامته يقولها ثانية ولكن ليس من أجل صيد يزول بل من أجل نفوس يجتذبونها من بحر العالم الزائل ويجمعونها بشبكة الإنجيل والكرازة. وتذكروا العهد الأول - عهد الترك - ترك كل شيء وتبعيتة المُخلّص . الآن تركوا كل شيء إذ أحسوا بالقيامة تسري في كيانهم وهى قوة جاذبة إلى السماء. وتذكروا كيف تركوا كل شيء وتبعوه، واللقاء الأول مع المسيح يحمل دائمًا معنى تجديد العهود تعهدات فمي باركها". فالترك فعل دائم في حياة من تبعوا المسيح يبتدئ ولا ينتهي إنه سلوك عام ومنهج لطول الطريق. وكما كان في اللقاء الأول حين تحولت أنظارهم من كثرة السمك إلى المسيح فلم يعبئوا بما أدركوه من ربح مادي ولا من ثروة لم يعرفوها مدى حياتهم... ولكن قد وجدوا المسيح وفيه الغنى الكامل ففي اللقاء بعد القيامة فهموا لماذا أرسلهم بلا كيس ولا مزود ولا نحاس في المناطق "في يمينه شبع سرور" لم تعد الأموال ولا الأملاك تساوي شيئًا ولا تعني شيئًا حتى فيما بعد لما باع المؤمنون أملاكهم وحقولهم دون أن يطلب منهم أحد ذلك جاءوا بأثمان الممتلكات ووضعوها في مكانها الصحيح عند أرجل الرسل فلم تشغل بالهم ولا إلى لحظة بل كانوا مكرسين ومتفرغين لخدمة الكلمة وكسر الخبز (القداس)والصلوات. التعرف على شخص المسيح في اللقاء الأول كان التعرف على شخص المسيح كمبتدئين من خلال الكلمة إذ كانت غريبة على مسامعهم "لم نسمع أحدًا يتكلم هكذا قط"، كان يتكلم كمن له سلطان وليس كالكتبة"ثم من خلال الآيات والعجائب والمعجزات إذ بهتوا وأصابهم خوف فخضعت نفوسهم له. أما في اللقاء الثاني بعد القيامة فإنهم يتعرفون عليه كما من جديد قائمًا من الأموات من خلال لمس يديه ورجليه بل وجنبه أيضًا، فهو بعد قيامته لم يظهر إلا للأخصاء المؤمنين، فالقيامة ميراث للمؤمنين. وشركة الحياة الأبدية ليست إلا للأحباء فالتعرف عليه قائما من الموت يدخل في صميم الشركة مع الله الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم معنا شركة، أما شركتنا نحن فهى مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح"، "إن كانت شركة ما في الروح"، "لأعرفه وقوة قيامته". هنا امتدت المعرفة وتجاوزت سماع الأذن أو رؤية معجزة ودخلت في شركة "الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي"، "الذي مات لأجل خطايانا وقام لأجل تبريرنا"،"لأنكم قد مُتُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله". المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد
04 مايو 2024

في انتظار القيامة

في ليلة سبت الفرح تصعد الكنيسة بنا الى السماء بكل ما فيها من جمال وكأننا في حلم جميل، فهذه الليلة هي العبور من الموت إلى الحياة الألحان تنتقل من النغمة الحزايني إلى الفرايحي، فيقال اللحن نصفه بالنغمة الحزايني والنصف الآخر بالفرايحي كذلك نجد القراءات عبر هذه الليلة تنتقل من الموت إلى الحياة : تسبحة موسي - صلاة حبقوق النبي - صلاة يونان في بطن الحوت صلاة حزقيا الملك - تسبحة الثلاثة فتية في أتون النار - قصة سوسنة العفيفة. وتنتقل بنا الكنيسة إلى فرح القيامة حينما تختم الليلة في فجر السبت مع «أبو غالمسيس» وهي كلمة يونانية أصلها أبو كاليسيس أي رؤيا، وفيها نقرأ سفر الرؤيا بأكلمه وبذلك نقضي فجر السبت مع هذا السفر العميق لتنفتح أعيننا، ليس على أسرار القيامة فحسب، بل على أسرار ما بعد القيامة أيضا والكلام عن هذه الليلة يطول جدا ، ولكن أجملها هو الحديث عن القيامة: ما هي القيامة؟ القيامة كلمة جديدة ظهرت في العهد الجديد عندما قال السيد المسيح لمريم ومرثا أمام قبر لعازر : «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يوحنا ٢٥:١١) إذا القيامة قوة، ومعجزة المعجزات، فالسيد المسيح ذهب للصليب بإرادته وقام بسلطان لاهوته. أنواع القيامة: القيامة نوعان: قيامة أولى، أي ترك الخطية وحمل الصليب والجهاد ضد الشيطان، حتى توضع الأكاليل في القيامة الثانية تأتي ساعة فيها يسمع الذين في القبور (قبور الخطية) صوته والسامعون يحيون، وتأتي ساعة (في المجيء الثاني) يسمع الذين في القبور صوته فيخرج الذين صنعوا الصالحات إلي قيامة الحياة قيامة السيد المسيح فتحت أمام البشرية باب الحياة بالإيمان بدمه لغفران الخطايا، وبالجهاد حتى النفس الأخير لكي نحيا معه كل حين . فالقيامة أعطت البشرية بابا مفتوحا لحياة السماء بلا موت بالموت داس الموت والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية (تسبحه القيامة) فالموت لا يكون فيما بعد بل من أمن بالرب يسوع ولو مات فسيحيا سعيد ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى، إن هؤلاء لا يكون للموت الثاني سلطان عليهم، بل سيكونون كهنة لله والمسيح (رؤيا٢٠: ٦). القيامة مع المسيح إن الإنسان لا يستفيد من القيامة إلا إذا استيقظ من نومه وقام من رقاده، أي يقوم من بين الأموات، وكل أنظارنا متجهه نحو ملكوت السموات: « فإن كنتم قَدْ قَمْتُمْ مَعَ المسيح فَاطَّلَبُوا مَا فَوْقَ ، حَيْثُ المَسِيحُ جَالس»(كولوسي ۳ : ۱) فما أجمل أن تكون سمائيين بالفكر والمشاعر والاتجاهات لا تكن مثل هيرودس وحنانيا وقيافا الذين لم يستفيدوا من قيامة المسيح بل أنكروها، ولا تكن مثل الحراس الذين شاهدوا القيامة وأنكروها نظير رشوة مال، بل كن مثل التلاميذ الذين بشروا مجاهدين بقيامة المسيح واحتملوا في سبيل ذلك الآلام والعذاب ، كل ذلك من أجل محبتهم في المسيح وإيمانهم القوي بالقيامة، لأنهم أيقنوا أنه لا قيامة بدون صليب ولا صليب بدون قيامة عش هذه الأيام بالرجاء والفرح فكل صليب بعده قيامة وكل مشكلة بعدها حل،وكما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث «ربنا موجود، كله للخير، مسيرها تنتهي.وكل عام وأنتم بخير . قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
13 مايو 2024

القيامة والشباب

القيامة هي تحرير للبشرية من الخطية، فقد واجه الرب يسوع الشيطان وحطمه وخلص البشرية، وأقامنا معه أفسس (٦:٢). وزرع في الإنسان طاقة القيامة، وقوة الحياة التي لا يهزمها موت الخطية كما نصلي في القداس ولا يقوى علينا موت الخطية ولا على كل شعبك» (القداس الإلهي). 1 - القيامة تحرّرنا نحن الشباب من عقدة الخوف من الخطية، لأن المسيح أبطل الخطية بذبيحة نفسه، وبقيامته أبطل عز الموت، وأعطانا بالإيمان شركة حياته في جسده ودمه، أن نستمتع بقوة قيامته مانحا إيانا طاقة متجددة . ٢- القيامة تعطينا رجاءً دائما لأننا مولودين ثانية بالمعمودية، الرجاء حي بقيامة يسوع من الأموات. وصار لنا ثقة في أن كل ظلمة صليب حتما يتبعها نور القيامة، وأن يسوع في كل آلامه، تألم مجربا، لكي يعين المجربين (عبرانيين ۱۸:۲) ٣- القيامة تضمن لنا حياة النصرة، وليس هذا معناه عدم وجود ضعف، ولكن لا يحدث عودة إلى الخطية، ما دام المسيح القائم يحل في القلب ويملك الحياة. وأن ضعفت أقول: «لا تشمتي بي يا عدوتي، إن سقطت أقوم» ( ميخا (٧: النصرة ليست العصمة، بل عدم البقاء في الضعف، والثقة في قوة المسيح الذي هزم الموت، وأعطانا القيامة، وأقامنا معه . ٤- اختبار قيامة المسيح في حياتنا يعطينا نحن الشباب حياة السلام والفرح ، بدلاً من القلق والاضطراب . فالتلاميذ «فرحوا إذ رأوا الرب»(يوحنا ۲۰:۲۰)، ونزع الهم من قلوبهم، لأننا نلقي بهمومنا بثقة على الرب يسوع ، الذى بذل ذاته لأجلنا، وهو يعولنا ويهتم بنا . ٥- القيامة تحرزنا من الاهتمام بالغد فنحن الشباب يشغلنا الماضي بذنوبه وآلامه، ويقلقنا المستقبل. ولكن القيامة تعطينا بالمعمودية، أن نصير خليفة جديدة، فالأشياء العتيقة قد مضت» (كورنثوس الثانية ٥: (۱۷)، وأثق بأنني حينما اعترف بتوبة صادقة بخطاياي ، فسوف يغفرها لي المسيح الذي أحبني. وهكذا أحيا في ملء التسليم، فلا أهتم بالغد، بل ألقي حياتي في حضن الرب يسوع بثقة البنين . ٦- القيامة تحررنا من الشك والريبة، فالرسول توما إذ أراه المسيح جنبه، آمن، ونحن يمكن أن تكون لنا شركة قوية مع المسيح من خلال: أ- نوال نعمة الغفران في الاعتراف والتحليل . ب سكنى المسيح بجسده ودمه في القلب، في سر الإفخارستيا . ج - شركة كلمة الإنجيل التي تحرّر النفس والذهن . د أخذ قوة في الصلاة بإيمان . هـ - السلوك بتدقيق ومحاسبة النفس في ضوء وصية الإنجيل. بهذه الخطوات جميعها سوف تصير حياتنا بكاملها للرب، لكي يستخدمها المحد اسمه، ويرتب كل شئ بحكمته . نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف عام الشباب
المزيد
12 مايو 2024

طوبى لمن أمن ولم يرى - أحد توما

اليوم ياأحبائىِ الأحِد الأول مِن آحاد الخماسين المُقدّسة ومشهور " بأحِد توما " لأنّهُ هو اليوم الّذى ظهر فيهِ ربنا يسوع لِتلاميذه مُجتمعين ومعهُم توما فالكِتاب فِى يوحنا 20 : 19 يقول ] وفِى عشيّة ذلك اليوم [ ، وهُنا يقول" اليوم " مُعرّف ، والمقصود بهِ هو يوم القيامة فهو يوم مجيد يوم مُميّز وقد ظهر فيهِ ربّ المجد يسوع للتلاميذ وهُم مُجتمِعين ولمْ يكُن معهُم توما وكانوا خائفين مِنْ اليّهود ، وهذا هو ضعف البشر ، فوقف ربّ المجد يسوع فِى وسطهُم ] وَقَالَ لهُمْ سَلاَم لكُمْ ! وَلَمّا قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ ، فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرّبّ [ ، فعِندما جاء توما قال لهُ التلاميذ قِد رأيّنا الرّبّ ،عشر أشخاص يقولون لهُ رأيّنا الرّبّ ، فوجدنا يقول لهُم ] إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِى يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ ، وَأَضَعْ إِصْبِعِى فِى أَثَرِ الْمَسَامِيرِ ، وَأَضَعْ يَدِى فِى جَنْبِهِ ، لاَ أُومِنْ [ يقول لنا الكِتاب : [ وَبَعْدَ ثَمَانيَةِ أيّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُةُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ ] ،" ثمانية أيام " ، أى مِنْ أحِد القيامة للأحِد التالىِ لهُ ، ] فَجَاءَ يَسُوعُ وَ الأْبْوَابُ مُغَلّقَة ، وَوَقَفَ فِى الْوَسْطِ وَقَالَ " سَلاَم لَكُمْ ! " ثُمّ قَالَ لِتُومَا " هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَىَّ ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِى جَنْبِى ، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً [ فهو أتى خصّيصاً لِتوما ، فأجاب توما وقال ] رَبِّى وَإِلهِى [ ، ياأحبائىِ توما خجل أن يضع يديهِ فِى جنب السيّد المسيح ولكِن ربّنا هو الّذى جذب يديهِ لِيضعها فِى جنبهِ فهو بِمُجرّد أن قال لهُ ربّ المجد يسوع هات يدك فإِنّهُ تعجّب مِنْ المنظر بِنعمِة ربنا أحِب أن أتكلّم معكُمْ فِى ثلاث نُقط وهى :- 1- خِطورة الشك الشك ياأحبائىِ أمر صعب جِداً ، فقد يبدو للإِنسان أنّهُ ليس خطيّة وأنّهُ ليس خطأ ، ولكِن فِى الحقيقة ما دام الإِنسان يعيش فِى شك فإِنّهُ لن يتمتّع بالله ، كون إِن الإِنسان مُتردّد فِى يقينه بِقُدرة الله فهذا فِى الحقيقة خطيّة صعبة جِداً فالشك يجعِل الإِنسان يعيش بِلا هدف ، وبِلا رؤيّة ، ويجعل القلق يملُك على الإِنسان ، ولا يرى أنّ الله هو ضابِط الكُلّ ويشُك فِى ذلك ، فنحنُ نُريد أن نتعلّم اليقين الّذى خرج مِنْ شك توما ، مُستحيل أن نتمتّع بِعمل الله فِى حياتنا ونحنُ فِى شك ، أبداً ربنا أعطى لأبونا إِبراهيم وعد أنّهُ سيُعطيه إِسحق إِبن الموعِد ، وربنا حقّق هذا الوعد بعد 20 سنة ، وكان مِن المُمكِن أنّهُ يشُك فِى خلال ألـ 20 سنة ويقول أنّ وعد الله مُمكِن أن يكون غير صادِق ولكِن الكِتاب يقول لنا ] فآمنْ إِبراهيم بالله فحُسِب لهُ بِرّاً [ ، ولِذلك أُمِنّا سارة لمْ يكُن لها نِفَس بِر إِبراهيم فهى لمْ تستطِع أن تُصدّق وعد الله ، ولِذلك سُمى الطِفل " إِسحق " أى ضحِك فربنا هو ضابِط الكُلّ ، كثيراً ما نقع فِى خطيّة الشك وحياتنا مملوءة إِضطرابات وهموم ، وكثيراً ما أشعُر إِن ربنا غير ضامِن لىّ المُستقبل بالرغم مِنْ إِنّىِ عارِف إِن ربنا هو ضابِط الكُلّ ، وخالِق الأنهار والينابيع والبُحيّرات وما فيها ، إِيّاك أن تتعامل مع ربنا فِى شك وإِلاّ فستتعطِلّ حياتك لقد سمِعت فِى الأسبوع الماضىِ أنّهُ توجِد إِمرأة عِندها إِبن تعبان ومحتاج لِعمليّة تتكلّف 2000 جنية ، فالأُم بإِيمان وضعت 1000 جنية فِى دير مارِمينا و 1000 جنية فِى ديرأبو سيفين وطلبت منهُم أن يتدخّلوا ، فبعد ذلك أخذت الإِبن للدكتور ، فالدكتور قال لها أنّ إِبنها شُفى ، هى عِندها إِيمان بِقُدرة ربنا فالإنسان الّذى يُذكّر ربنا بِمواعيده فإِنّهُ ينقِل الجِبال ، ويسمح الله ياأحبائى أن يجعل كُلّ ركائِز العقيدة المسيحيّة مبنيّة على الإِيمان والإِيمان فقط ، فالتجسُدّ بِدون إِيمان لا يُمكِن إِستيعابه ، القيامة بِدون إِيمان لا يُمكِن إِستيعابها ، حقيقة الجسد خُبز ويقول هذا هو جسدىِ ، نقول هذا جسد حقيقىِ لِكى يكون المُستحِق لهُ هو المؤمِن فقط لقد قصدت الكنيسة أنّ الّذى يأخُذ ربنا يسوع لابُد أن يشترِط فيهِ الإِيمان ، فالله بِيعمِل أفعال بسيطة يعرِف بِها هل الشخص سيؤمِن بِقُدرتهِ أم لا ؟ ولِذلك الإِنسان الّذى يشُك فإِنّ معاييره الروحيّة بِتهبُط فلا يستطيع أن يُصلّىِ لأنّهُ شاكِك إِن ربنا سامع للصلاة ، لا يستطيع أن يُسامِح ويقول أنا ما الّذى يضمِن لىِ أنّ الله سيُحقّق وعدهُ الّذى يقول] إِغفِروا يُغفر لكُمْ [ ، ولكِن الشخص الواثِق يكون واثِق أنّ الله يُسامِح ، ويسعى أن يُعطىِ فِى الخفاء لأنّهُ واثِق فِى كلام ربنا الّذى يقول ] أبوك الّذى يرى فِى الخفاء يُجازيك علانيّةً [ 0 فهل تعلموا لِماذا الست العدرا لمْ تذهِب لِترى القبر ولمْ يذكُر الكِتاب موقفها وذلك لأنّ إِيمانها أكبر مِنْ أنّها تذهِب للقبر ، لأنّ ثِقتها فِى القيامة ثِقة أكيدة ، فمريم المجدليّة بلّغِت يوحنا الحبيب ويوحنا الحبيب الست العدرا معه فبالتالىِ تكون قد بلّغِت الست العدرا ، ويوحنا الحبيب ذهب ورأى وبالتالىِ يكون قد أخبر الست العدرا فالإِنسان ياأحبائى الّذى إِيمانه أكيد يكون إِيمانه لا يحتاج إِلى مَنْ يُثبِت له ، أمّا الإِنسان الشاكِك فإِنّهُ فِى كُلّ حين يحتاج أن يسمع عن شىء يثُبِت له ، فيسمع عن صورة بتنّزِل زيت فيذهِب ليراها لِكى يؤمِن بالله ، ويسمع عن سيّده يدها بِتنّزِل زيت فيذهِب إِليّها فِى بيتِها حتى يكون عِنده إِيمان بالله ولِكى يزيد ثِقته بالله ، ولكِن الله يقول ] طوبى للّذين آمنوا ولمْ يروا [ فلنفرِض أنّ هذهِ الصورة خطأ فهل إِيمانىِ خطأ ؟ ، فأنا عِندى أكبر مُعجِزة وهى أنّ المسيح على المذبح كُلّ يوم ، فهل يصِح أن أبحث عن أمور أُخرى ؟! فربّ المجد يسوع عِندما كان على الأرض لمْ يقصِد أن يصنع مُعجِزة فهو لا يُريد أنّ الناس تؤمِنْ بهِ على مُستوى المرئيّات أو تتبعهُ لأنّهُ بطل أو لِكى يظهر أنّهُ صاحِب أمور خارِقة لا أبداً ، فالإِنسان الّذى يشُك فِى رِعاية ربنا لهُ وفِى قُدرتهِ فهذا أمر صعب جِداً 0 2- رِعاية ربنا يسوع بالأفراد:- فربنا يسوع ظهر للتلاميذ مُجتمِعين ولمْ يكُن معهُم توما ، ولأنّهُ تغيّب فإِنّ ذلك هو ذنب توما ، ولكِن ربنا يسوع بِيرعى كُلّ واحِد ويظهر لهُ خصّيصاً ، وعِندما ظهر لمريم المجدليّة قال لها ] إِعلِمىِ التلاميذ وبُطرُس [ فلِماذا يؤكّد على بُطرُس ؟ لأنّ بُطرُس مِنْ وقت قريب جِداً نكرهُ ، فهو بيظهر لهُ كراعىِ حقيقىِ ، الإِيمان ياأحبائِى هام جِداً فِى حياتنا الروحيّة ، الجسد وَ الدم بِدون إِيمان لاَ يُمكِن إِستيعابهُم ، الحياة الأبديّة ووجود الدينونة ومُجازاة الأشرار ومُكافأة الأبرار كُلّ هذا لا يُمكِن إِستيعابه بِدون إِيمان ولِذلك ربنا سمح أنّ [ هذهِ الغلبة التّى نغلِب بِها العالمْ إِيماننا ] ، وإِلاّ حياتنا ستفقِد أعمِدتها ، وبِذلك سيكون بيتنا ضعيف ، فالحياة المسيحيّة هى مُعجِزة ، هى أمر يفوق الإِدراك والتصّور العقلىِ ، ولِذلك ياأحبائىِ الإِنسان الّذى عِندهُ شك فإِنّهُ يكون مُدمِر فِى حياته ويُريد أن يلتمِس الإِيمان بِمستوى المحسوسات ولِذلك نجِد ربنا فِى العهد القديم كان يقول لِموسى النبىِ هل الماء الّذى عِندكُم مُر ؟! نعم يارب ، إِضرب يا مُوسى فِى الماء جِزع شجرة يتحّول إلى ماء حلو إِيمان وفِى مرّة أُخرى يقول لمُوسى : مُحتاجون لِماء ؟! نعم يارب ، إِضرب يا موسى الصخرة فتُخرِج لك ماء ، فقد كان مِنْ المُمكِن أنّ موسى النبى يكون مُترّدِد فِى بعض الأوقات ويقول أمِنْ هذهِ الصخرة يخرُج ماء ! ولكِن كان عِندهُ إِيمان بِقُدرة الله تخيّل إِن ربنا قال لموسى أن يصنع حيّة نُحاسيّة وعِندما يُلدغ أحِد مِنْ الشعب مِن الحيّة وينظُر إِلى الحيّة النُحاسيّة المرفوعة فإِنّهُ يُشفى ، فربنا يقول أنا قاصِد أن أعمل عمل بِيعتمِد على الإِيمان فقط ، فقد كان مِنْ المُمكِن يضع عِلاج لِمنْ يُلدغ بالحيّة ، ولكِن الحيّة هى التّى تكون سبب لِشفاءةِ ، هذا أمر يفوق المنطِق ، ولِكى يختبِر الإِيمان بِفعل غير منطقىِ والإِنسان الّذى يحِس أنّهُ يوجِد عِندهُ شك فِى حياته فهذا الشك سيجعلهُ لا يُثمِر ، ولِذلك [ فالإِيمان هو الثقة بِما يُرجى والإِيقان بأمورٍ لا تُرى ] الشك يجعل الإِنسان يقول : ما الّذى يضمِن لىِ وجود الدينونة فنحنُ[ نأكُل ونشرب وغداً نموت ] ، فالإِنسان الّذى يشُك فِى أبديتةِ فإِنّهُ لا يُحِب أن يُجاهِد على الأرض ولكِن هذا الأمر يحتاج لإِيمان ، فعِندما يقول لنا ربّ المجد يسوع[ بيعوا أمْتعَتكُمْ وأعطوا صدقة وأصنعوا لكُمْ أكياساً لا تُبلى وكنزاً فِى السماوات لا يفنى ] ، فإِنّ هذا الأمر يحتاج لإِيمان فربنا جعل الإِيمان هو الإِختبار الحقيقىِ للحياة المسيحيّة ، فلو عِشنا فِى شك فسنجِد حياتنا مملوءة تعب ، وأنت الآن فِى القُدّاس إنتبه فكمْ مرّة الكنيسة تقول " أؤمِن " ، ولا يبدأ القُدّاس إِلاّ " بالحقيقة أؤمِن " ، والشعب يقول " حقاً نؤمِنْ " ، " نؤمِن ونعترِف ونُصدّق " ، وأبونا يقول " آمين آمين آمين أؤمِن أؤمِن أؤمِن " ، لأنّ الكنيسة مبنيّة على الإِيمان [ لأنّ بِدون إِيمان لا يُمكِن إِرضاؤة ] ، فإِن لمْ تؤمِنْ بِقُدرتهِ فلنْ تستطيع أن تتلامس معهُ فلِماذا ربنا سمح أن يحضر وتوما يارب لا يستحِق ؟ فهل هو بِيتحدّاك ويقول لابُد أن أضع إِصبعىِ فِى أثر المساميروَ إِلاّ لاَ أؤمِنْ ، ولكِن يأتىِ إِليهِ ربنا يسوع ويقول لهُ [ هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا] ، كما يقول الكِتاب [ قصبة مرضوضة لا يقصِف وفتيلة مُدّخِنّة لا يُطفأ ] فلن يترُكك لن يُهمِلك رغم ضعفك ، فهو بيتعامل مع كُلّ أحد بِحسب مُستواه ، ويتعامل مع كُلّ إِنسان فينا بِمستوى قبوله لهُ ، وبِحسب طاقتهُ الروحيّة التّى بِداخلهِ ولِذلك يجِب أن تكون مِثل قامِة الست العدرا التّى لمْ تذهِب ، أو قامِة يوحنا الحبيب الّذى رأى وآمنْ ، أو بُطرُس الرسول الّذى رجع مُتعجِباً ممّا كان ، أُنظُر موقِف تلميذىّ عمواس ، فهُم فكّروا يرجعوا إِلى بلدِهِم ويترُكوا الدعوة والإِختيار فوجدوا واحِد إِقترب منهُم ، فهو الّذى يذهب إِليّهُم ويشرح لهُم ويُعلِن لهُم عن ذاته ، فحّتى الإِنسان المُتأخِر والبطىء القلب يذهب إِليهِ مُبارك ربنا يسوع المسيح الّذى يتعامل مع الإِنسان بِحسب طاقتهِ ، لأنّهُ هو العارِف بِضعف الإِنسان ، بيتعامل مع كُلّ نِفَس بالمستوى الّذى يُناسِبها ، فيتعامل مع المجدليّة بالمستوى الّذى يُناسِبها ، ويتعامل مع يوحنا بالمُستوى الّذى يُناسِبهُ فيوحنا عِنده حُب كِفاية ، فعِندما يذهِب للقبر ويجِد (1) القبر مفتوح ، (2) والأكفان موجودة ، فإِنّ هذا يكفىِ ليوحنا ، ويقول لنا الكِتاب [ فرأى وآمَنْ ] ، نرى المريمات فلا توجِد ولاَ واحدة ذهبت للقبر إِلاّ وقد حدث لها ظهور لأنّهُم فِى مُستوى غير مُستوى يوحنا الحبيب ، وربنا يقول أنا أيضاً أُساعِد أولادىِ ، فلنفرِض أنّ إِبنىِ ضعيف فهل أترُكهُ ؟! كلاّ وبقيّة التلاميذ الّذين لمْ يأتوا للقبر يقول الرّبّ أنا أذهب لهُم ، كما يقول القُدّاس " كراعٍ صالح سعيت فِى طلب الضال ، كآبٍ حقيقياً تعِبت معىِ أنا الّذى سقطت أنت الّذى أرسلت لىّ الأنبياء مِنَ أجلِى أنا المريض " ، فهو يذهب ويتعامل مع كُلّ واحِد بالمُستوى الّذى يُناسِبهُ فربنا عارِف أنّ المريمات ضُعاف وعِندهُم عاطِفة ويكفىِ أنّهُم ذهبوا فِى الفجر للقبر ، فمريم المجدليّة حضرت زلزلة الحجر ورأت هذا المنظر " متى 28 : 1 – 5 " ، وكلّمها الملاك ولكِن ربنا يعرِف أنّ هذا المنظر لا يكفىِ ، فظهر لها ربّ المجد يسوع وأمسكت بقدميهِ وسجدت لهُ ، وقد ذهبت مرّة أُخرى ولمْ تجِدهُ فشكّت وجلست تبكىِ فنظرت ملاكين فِى القبر بِثيابٍ بيضٍ جالِسين ، فقالت لهُما [ أنّهُم أخذوا سيّدىِ ولستُ أعلم أين وضعوه ] فهى مُعتقِدة أنّها كُلّما ذهبت للقبر ستراه ، ربنا يسوع عارِف الضعف ويتعامل مع كُلّ أحد بِحسب مستواه الخاص فلا يُعطينىِ فوق طاقتىِ ، فمريم المجدليّة نظرت يسوع واقِفاً ولمْ تعلم أنّهُ يسوع ، فناداها وقال لها [ يا مريم ] ، فإِلتفتت إِليهِ وقالت لهُ[ رَبّوُنِى الّذى تَفْسِرُهُ يَا مُعَلّمُ ] 0 3- كِرازة توما الرسول فالتلاميذ قسّموا بعضهُم على أن يذهب كُلّ واحِد منهُم لِمكان مُعيّن فِى العالم للكرازة ، ففِى بعض التلاميذ كان نصيبهُم أن يذهبوا مثلاً لإِيطاليا ، والبعض لِتُركيا ، ومنهُم لِقُبرُص ، فكُلّ واحِد كان نصيبه بلد مُعيّنة ، أمّا توما الرسول فكان نصيبه بلاد فارس وهى ناحية إِيران ، والهند هى مِن أكثر الشعوب بُعد عن الله ، فمُمكِن الشعوب الأُخرى تعرِف ربنا وتسمع عنهُ ولكِن الهِند وبلاد فارس إِلى الآن لهُمْ آلهة أُخرى مِثل النار وكأنّ ربنا يقول لهُ يا توما أنا لمْ أتعب معك بِدون بذل منك ، فرُبّما غيرك لا يوُفّق ، وتوما يتعجّب مِنْ ربنا وكأنّهُ يقول يارب أنا أضعف الرُسل أتختارنىِ أنا ! وكأنّ الإِختيار بالقُرعة ، فعِندما أحبّوا أن يختاروا تلميذ بدلاً مِنْ يهوذا ألقوا قُرعة ، ولِذلك توما لمْ يستطِع أن يُغيّر إِختيار البلد ، وعِندما ذهب توما هُناك ظهر لهُ ربّ المجد يسوع وقال لهُ : إِكرز بالبِشارة ونعمتىِ سوف تُرافِقك فإِبتدأ يكرِز لِناس غريبة الطِباع ، ولِكى ربنا يثبِت لهُ أنّهُ معهُ فإِنّهُ عمل معهُ شىء عجيب جداً ، توما كان شُغله الأول نجّار ، فالملِك أرسل رُسُله لِكى يشترىِ عبيد نجّارين ، فربّ المجد يسوع بِنِفَسه قال لرسول ملِك الهِند أنا عِندىِ إِنسان نجّار وكان ( توما ) وربنا كتب عقد بيعه ، فتوما دخل القصر بِقوّة جبّارة وكرز بالمسيح فِى قصر الملِك وإِبتدأ يجذِب الناس للإِيمان و يُعمّدِهُم ، ويُقيم قُدّاسات فِى داخل قصر ملِك الهِند ، وأكبر حدث هو أنّهُ عمّد إِبن الملِك ، فالملِك إِغتاظ جِداً ، وأحضر توما وقام بِسلخ جلده ، وكان يظهر لهُ ربّ المجد يسوع ليشفيه وتوما بقدر الشك الّذى كان فيه صار يعمل مُعجِزات ، وإِبتدأ ربنا يتمجِدّ ويرتفِع إِسمه القُدّوس بِتوما الضعيف فربنا يقول لك أنا قادِر أن أُعلِن قُدرتىِ فيه ، أنا قادِر أن أستخدِمهُ بِقليل أو بكثير ، توما إِبتدأ يكرِز فِى داخِل السجن ويُقيم قُدّاسات فِى داخلهُ ، ولازال إِلى الآن توجِد كنائس أرثوذوكسيّة فِى الهِند ، فالكنيسة الهِندوسيّة كنيسة قويّة جِداً ، وتوجِد كاتدرائيّات عظيمة هُناك مملوءة بالمؤمنين ، وكُلّ هذا بِفضل توما الرسول وأحضروا إِليهِ خمسة جنود ربطوه فِى عمود وأحضروا حِراب وكُلّ واحِد مِنْ الجِنود كان يرميه بِحربة إِلى أن جسدهُ كُلّهُ تمزّق ، كُلّ هذهِ تضحية يا توما مِنْ أجل إِلهك ؟! نعم فهذا هو توما الرسول أُنظُروا يا أحبائى كيف أنّ الشك خرج منهُ اليقين أُنظُروا إِفتِقاد ربنا يسوع ، فمِنْ وقت أن تلامس مع ربنا يسوع أصبح عِندهُ إِستعداد بأن يُقدّم نفسه ذبيحة حُب عِند الّذى أحبّهُ يا ليتنا فِى كُلّ مُناسبة ننتفِع بِها فِى حياتنا ربنا يسنِد كُلّ ضعف فينا بنعمتهُ ولإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين0 القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
15 مايو 2024

كان لابد أن يقوم المسيح

١- كان لا بد أن يقوم المسيح، لأن فيه كانت الحياة هكذا قال القديس يوحنا الإنجيلي: « فيه كانت الحياة» (يو١ : ٤ ) والذي فيه الحياة، لا يمكن أن يبقى ميتا ، بل إنه قال لمرثا « أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا « (يو ۱۱ :۲۵)، مادام هو الحياة، فكيف إذا لا يقوم ؟ هذا الذي قال عن نفسه ليوحنا الرائي: «أنا هو الأول والآخر، والحي وكنت ميتا ، وها أنا حي إلى أبد الآبدين! أمين» (رؤ ۱: ۱۷ ، ۱۸) لهذا كله وبخ ملاك القيامة النسوة قائلا: «لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟» (لو ٢٤: ٥) ٢- نعم، كان لا بد أن يقوم من الموت، لأنه هو نفسه قد أقام غيره من الموت بمجرد أمره لقد أقام إيليا ميتا، ولكن بسبع صلوات وأقام أليشع ميتا بصلوات أيضًا أما السيد المسيح، فقد أقام ابنة يايرس، وابن أرملة نايين ولعازر، بمجرد كلمة الأمر، إنه معطي الحياة في إقامته إبنة يايرس ، أمسك بيدها وقال لها: «طليثا قومي الذي تفسيره: يا صبية لك أقول قومي وللوقت قامت الصبية ومشت» (مر ٥: ٤١ ،٤٢). ٣- وفي إقامته ابن أرملة نايين، تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون فقال: «أيها الشاب، لك أقول : قم ! فجلس الميت وابتدأ يتكلم ، فَدَفَعَهُ إِلَى أمه» (لو٧ : ١٤ ، ۱۵) وفي إقامته لعازر «صرخ بصوت عظيم لعازر ، هلم خارجا فخرج الميت » (يو ٤٣:١١، ٤٤) هذا الذي أمر الموتي فقاموا ، أكان صعبا عليه أن يقوم ؟! كلا ، بل كان لا بد أن يقوم ، لأنه مقيم الموتى بأمره ٤- كان لا بد أن يقوم المسيح، لأن قيامته كانت في سلطانه هو لقد مات بإراد ته هو قدم نفسه للموت، ولم يكن مضغوطا عليه في ذلك وقد قال موضحًا هذا الأمر في عبارته الخالدة «أني أضع نفسي لأخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضًا» (يو ۱۷:۱۰ ، ۱۸) حقا ما أعجب هذه العبارة «ولي سلطان أن أخذها أيضًا» أي أن استرجع هذه الحياة التي وضعتها من ذاتي، ولم يكن لأحد سلطان أن يأخذها مني إذا كان لا بد أن يقوم، ويقوم بإرادته . ٥- كان لا بد أن يقوم، لأن موته كان مجرد وضع مؤقت، لأداء رسالة مزدوجة كان ممكنا أنه لا يموت بحسب طبيعته، ولأن الموت هو أجرة الخطية (رو ٦: ٢٣). وهو لم تكن له خطيئة تستحق الموت ولكنه قبل أن يموت عوضا عنا، لكي يفدينا بموته، كما قال الرسول مُتَبَرِّرين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله ، » (رو ٢٤:٣ ، ٢٥)كانت هذه هي الرسالة الأساسية للموت، أي الفداء وماذا أيضا ؟ وكان لا بد بعد الفداء ، أن يذهب ويبشر الراقدين على الرجاء، ويفتح باب الفردوس، وينقل هؤلاء الراقدين من الجحيم إلى الفردوس وفى هذا يقول القديس بطرس الرسول: «فإن المسيح أيضًا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الأئمة، لكي يُقربنا إلى الله، مماتًا في الجسد ولكن محيى في الروح ، الذي فيه أيضًا ذَهَب فكرز للأرواح التي في السجن (۱ بط ۳: ۱۸ ، ۱۹) نعم كرز لتلك الأرواح بالخلاص، ونقلها إلى الفردوس، كما نقل اللص اليمين ٦- وكان لا بد أن يقوم المسيح، لأن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين حتى عندما مات تقول القسمة السريانية: «انفصلت روحه عن جسده ولكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن روحه ولا عن جسده روحه المتحدة باللاهوت نزلت إلى أقسام الأرض السفلى، وكرزت للأرواح التي في السجن، وأصعدتها إلى الفردوس أما جسده فبقي في القبر متحدا بلاهوته أيضًا فهو قد مات بشريًا من جهة انفصال الروح عن الجسد، ولكنه كان محيى في الروح كانت له الحياة الثابتة في اللاهوت، والتي من أجلها صرخ نيقوديموس وهو يكفنه: «قدوس الله قدوس القوى قدوس الذي لا يموت» نعم كان لا بد أن يقوم هذا الجسد المتحد باللاهوت وما كان ممكنا أن يستمر في الموت إن الموت لم ينتصر عليه مطلقا، وما كان ممكنا أن ينتصر عليه بل أنه بموته داس الموت، أي داس على هذا الموت الذي انتصر على كافة البشر، فنجاهم السيد من هذا الموت بموته عنهم، ودفع ثمن خطاياهم وهكذا قضى على سلطان الموت. ٧- وهذا الذي قضى على سلطان الموت بموته، كان لا بد أن يقوم كان لا بد أن يقوم، ليعلن انتصاره على الموت بقيامته، وليعلن للناس جميعا أنه لا شوكة للموت، حسب تسبحة بولس الرسول «أين شَوْكَتُك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟» (١ كو ٥٥:١٥). ٨- وكان لا بد للمسيح أن يقوم، لكي يعزي التلاميذ ويقويهم . ٩- كان لا بد أن يقوم، لكي يزيل النتائج المرعبة التي نتجت عن صلبه ، حيث خاف التلاميذ واختفوا في العلية، وتشتت باقي المؤمنين به خائفين من اليهود وبطشهم وأنكر من أنكر ، وشك من شك وكان لا بد أن يقوم المسيح لكي يقوم بعملية ترميم لإيمان الناس، ويشجعهم لكي يستمروا في إيمانهم، ويصمدوا أمام اضطهادات اليهود وهكذا كانت قيامته أكبر دافع لهم على الكرازة. ١٠- وكان لا بد أن يقوم المسيح، ليكون الباكورة التي على شبهها يقوم الكل وهكذا قال القديس بولس "ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضًا قيامة الأموات لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع» (۱کو ۱۵ : ۲۰-۲۲) قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
18 مايو 2024

إنجيل عشية الأحد الثاني من الخمسين( يو ٦ : ١٦ - ٢٣ )

" ولَمَّا كانَ المساءُ نَزَلَ تلاميذه إلى البحر، فدخلوا السفينة وكانوا يَذهَبُونَ إِلَى عَبر البحر إلى كفرناحوم وكانَ الظَّلام قد أقبل، ولم يَكُنْ يَسوعُ قد أتى إليهم وهاج البحر من ريح عظيمةٍ تهب " فَلَمَّا كانوا قد جَدَّمُوا نَحو خمس وعشرين أو ثلاثينَ غَلَوَةً، نَظَرُوا يسوع ماشيًا على البحرِ مُقتَرِبًا مِنَ السَّفينة، فخافوا. فقال لهم: أنا هو، لا تخافوا !. فرضوا أن يقبلوه في السفينة وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التي كانوا ذاهبين إليها وفي الغد لما رأى الجمع الذين كانوا واقفين في عبر البحر أنَّهُ لم تكن هناك سفينة أخرَى سِوَى وَاحِدَةٍ، وهي تلك التي دخلها تلاميذه، وأن يسوع لم يدخل السفينة مع تلاميذه بل مَضَى تلاميذه وحدَهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ جاءَتْ سُفُنٌ مِنْ طَبَرِيَّةَ إِلَى قُربِ المَوْضِعِ الذي أكلوا فِيهِ الخُبْزَ، إِذ شَكَرَ الرَّبُّ ". المسيح القائم هو خبز الحياة قبل القيامة وبعد القيامة: قدم المسيح في يوم الخميس الكبير ذاته، في الليلة التي فيها أسلم ذاته، بذل الجسد مأكلاً حقيقيا وسفك دمه مشرباً حقيقياً ولكنه وهو يغسل الأرجل قال لبطرس : لست تفهم ما أنا صانع بك الآن ولكن ستفهم فيما بعد" وبعد أن قام المسيح من الموت وفي مساء اليوم نفسه ظهر لتلميذي عمواس ورافقهم شارحًا ومفسرا لهم الكتب، ثم إذ تظاهر أنه منطلق إلى مكان آخر، ألزماه بحبهما لإضافة الغرباء أن يمكث عندهما، وعند كسر الخبز انفتحت أعينهما فعرفاه ولما طلباه بحواس الجسد لم يجداه مع أنه كائن معهما فالعين بعد القيامة، أعني البصيرة الروحية تنفتح عند كسر الخبز، ففي القداس تصل الرؤيا إلى انكشاف واكتشاف كل شيء لأن كسر الخبز عند المسيح هو قمة الاستعلان، لأن هذا هو منتهى الحب ليس لأحد حب أعظم من هذا". فهذا هو البذل وهو الصليب وهو قمة قصد الله من نحونا لقد قاد المسيح التلميذين وهو في الطريق معهم لدخولهم إلى شركة كسر الخبز ، مهد بالكلمة مكتوبة ومفسرة من فمه الإلهي بروحه، كمثل ما تفعل الكنيسة مستلمة من المسيح ورسله الأطهار في سر الافخارستيا فقداس الكلمة ثم قداس شركة كسر الخبز. القراءات ثم التقديس : بل كما سلم المسيح الكنيسة في حياته إذ ظل يكرز بكلمة الملكوت مدى ثلاث سنوات ثم ختم على ذلك يوم الخميس الكبير بتقديم جسده خبزًا مكسورًا الكلمة تلهب القلب ثم تقدس المشاعر وتنقي داخل الإنسان أنتم أنقياء من أجل الكلام الذي كلمتكم به". ولكن انفتاح القلب واستنارة العين تحدث بكسر الخبز كما اختبر تلميذا عمواس في البداية. الكلمة تهيئ، تعمل عملها في القلب "ألم يكن قلبنا ملتهبا فينا حين كان يفسر لنا الكتب" لذا يجب أن تُقرأ فصول الكتب المقدسة - البولس والكاثوليكون، والإبركسيس وفصل الإنجيل - تقرأ بالروح ككلمة الله الحية الفعالة يجب على القارئ أن يقرأ بفهم وروح وإدراك ليعزي الكنيسة، والمستمع يسمعها ليس من فم شماس أو كاهن بل من فم المسيح، كما سمعها القديس أنبا أنطونيوس فوعاها في قلبه فألهبت مشاعره وصارت الدافع لتكريس الحياة مدى الحياة وعندما يتكلم المسيح يلتهب القلب وكل المشاعر والأحاسيس المقدسة، فكلام المسيح ليس معلومات يضيفها الإنسان إلى ذاكرته، بل قوة فعالة وحية للتغيير والتوبة وقبول عمل النعمة. فإن عشنا ما يُقرأ في الجزء الأول من القداس، حينئذ نكون مستحقين لانفتاح البصيرة وقت كسر الخبز. الخبز الذي أنا أعطي هو جسدي: هذا الإدراك الروحي هو بمثابة استنارة داخلية حتى نعبد ونسجد للجسد المقدس باستحقاق، وحتى نتناول منه باستحقاق. "لأن من يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب". "اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية" كل عرق مبذول لأجل الطعام الباقي هو محفوظ للإنسان كذخيرة حية. كل الناس تعمل وتعرق لأجل لقمة العيش وقوت الجسد وهذا ينتهي بانتهاء الجسد، وهذه حتمية مؤكدة، لذلك أسماه المسيح بالطعام البائد لأنه يزول وينتهي ترى متى وكيف نعمل من أجل الطعام الباقي بذات الحماس الذي نمارس به سعينا نحو الطعام البائد؟. كم مرة تعبت من أجل الطعام الباقي؟ كم مرة سهرت وعرقت من أجل الطعام الباقي؟. قوت الجسد بدونه يموت الجسد !! وقوت الروح - الطعام الباقي - بدونه تذبل الروح وتموت !! الجسد المكسور والمبذول هو الجسد القائم... هو هو. فالبذل والقيامة في المسيح صار واحدًا. نحن نتناول الجسد ليكون فينا هذا الفعل العجيب عينه، قوة البذل والموت وقوة القيامة والحياة التناول من جسد المسيح يُنشئ فينا هذه القوة المزدوجة كوجهين للصليب قوة الإماتة "للقديم" وقوة الحياة "للجديد" مع المسيح صلبت، لأعرفه وشركة آلامه وقوة قيامته متشبها بموته لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات" "من أجلك نمات كل النهار""الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء" "أميتوا أعضاءكم التي على الأرض". حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد طلب العالم لي""احسبوا أنفسكم أمواتًا عن العالم".كل هذه النعم نحصل عليها بالأكل من الخبز السماوي الذي هو الجسد الذي يبذل عن حياة العالم. هكذا يُنشئ فينا هذه القوة أن نُحسب كغنم للذبح متشبهين بموت مخلصنا ثم قوة الحياة الأبدية غير الزائلة ونعمة الحياة السماوية، الحياة في القداسة والقيام في الفضيلة وإنكار الذات والاتضاع وأعمال المحبة وقوة الرحمة، والزهد فيما للعالم والثبات في الصلاة والنظر الدائم إلى رجاء الحياة الأبدية والتمسك بالحياة الأبدية وكل الأعمال الصالحة التي أعدها الله لنا لنسلك فيها كل هذا نحصل عليه بالأكل المتواتر من جسد القيامة، الذي غلب الموت وأنار لنا الحياة والخلود فنحن حين نتناول نثبت في المسيح والمسيح يثبت فينا وهذا الثبوت المتبادل هو حياة المسيحيين وهو ثمرة الخلاص. المتنيح القمص لوقا سيدراوس عن كتاب تأملات فى أناجيل عشيات الأحاد
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل