المقالات

30 مارس 2019

“أين هي ثمـــــاركم “

«اِسْمَعُوا مَثَلاً آخَرَ: كَانَ إِنْسَانٌ رَبُّ بَيْتٍ غَرَسَ كَرْمًا، وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً، وَبَنَى بُرْجًا، وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَوَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ الأَثْمَارِ أَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى الْكَرَّامِينَ لِيَأْخُذَ أَثْمَارَهُ.فَأَخَذَ الْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضًا وَقَتَلُوا بَعْضًا وَرَجَمُوا بَعْضًا.ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضًا عَبِيدًا آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ الأَوَّلِينَ، فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذلِكَ.فَأَخِيرًا أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ قَائِلاً: يَهَابُونَ ابْنِي!وَأَمَّا الْكَرَّامُونَ فَلَمَّا رَأَوْا الابْنَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هذَا هُوَ الْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ!فَأَخَذُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ.فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ، مَاذَا يَفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْكَرَّامِينَ؟»قَالُوا لَهُ: «أُولئِكَ الأَرْدِيَاءُ يُهْلِكُهُمْ هَلاَكًا رَدِيًّا، وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا».قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ.وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ!».وَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ أَمْثَالَهُ، عَرَفُوا أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ.وَإِذْ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يُمْسِكُوهُ، خَافُوا مِنَ الْجُمُوعِ، لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ. والمجد لله دائمًا. هذا الجزء اللي سمعناه هو سؤال لكل واحد فينا بقول ” أين هي اثمارك” فين الثمر بتاعك، الفقرة الانجيلية بتقدم لنا صورة مهمة من خلال مثال هذا المثل نسميه مثل الكرامين والمثل عبارة عن قصة وهذه القصة يأتي من وراها فائدة روحية وتعليم يصل للجميع بيشرح للجميع في واحد عنده كرم غرس للجميع والكرم اللي هو حديقة العنب ويحتاج مجهود في العمل وعمل حواليه كل شيء غرس الكرم والكنيسة هي غرس الرب وعمل الكرم وأحاطه بسياج ليحميه من الثعالب ،والكنيسة أيضا تحت الحماية الخاصة لله ومش كدة وبس يقولنا حفر فيه معصرة يعنى يطلع العنب هنا ويتعصر هنا وبنى برجاً اللي هو التعبير أن الكنيسة فيها نظام ووصايا وفيها طقوس وعبادة والعبادة تقدم بشكل جميل ولو شفتوا حديقة العنب كدة لما تبقى معموله في أي مكان بيكون شكلها جميل وترى عناقيد العنب وهى تتدلى تعبير عن الحيوية والخصوبة والكرم اللى عمله هذا الرجل في المثل عمل له كل شيء الله صنع لنا كل شئ وقدم لنا كل شئ وينتظر من الانسان ان يكون له ثمر بعت ناس يحصدوا الثمر الناس اللى راحوا دول يقول لنا الكتاب انهم ” فَأَخَذَ الْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضًا وَقَتَلُوا بَعْضًا وَرَجَمُوا بَعْضًا”، فارسل عبيد أخرين فعمل فيهم نفس العمل ولم يقيموا الثمر بعد كده أرسل ابنه وقال كدة في نص الكتاب ” َأَخِيرًا أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ قَائِلاً: يَهَابُونَ ابْنِي!” وبردة مفيش ثمر المثل في رمزه الكتابي يرمز الى حقيقة الامة اليهودية وكيف انها كانت امه تعيش في العناد والتذمر لكن احنا يهمنا ان ننظر في الفقرة الإنجيلية ونطبقها على أنفسنا لنستفيد بها روحياَ داود النبي في المزمور يقول ” جَعَلْتَ سُرُورًا فِي قَلْبِي أَعْظَمَ مِنْ سُرُورِهِمْ إِذْ كَثُرَتْ حِنْطَتُهُمْ وَخَمْرُهُمْ. “ يعنى من نعم الله الكثيرة يقول أدتنى فرح أكثر من الناس اللى زرعت عندهم القمح والزيت ودى مفردات الحياة في المجتمع اليهودى القديم وده كان يعبر عن الثراء انت يارب ادتنى في حياتى فرح وسرور اكثر من الناس اللى عندهم هذه العطايا المجانية اللى قدمتها ويجى السؤال قدامك ياترى حياتك فيها ثمر؟ ياترى شجرة حياتك بتثمر من سنه لسنه ونبدى ناخذ المثل بطريقة تفصيلية علشان كل واحد يأخذ الفائدة الروحية علشان يقدر يطبقه فى حياته . الركن الأول محبة السيد لكرمه بصورة تفوق العقل الله يحبك بصورة تفوق العقل ليس على مستوى الفرد فقط ولكن على مستوى الجموع يمكن لو كل واحد نظر الى نفسه يقدر يطلع نعم الله يقدمها له كل صباح على المستوى الفردي في نعم كثيرة جدا يمكن احنا في صلاة الشكر بنعبر عنها بتعبير لطيف ” نشكرك لأنك سترتنا وأعنتنا وحفظتنا وادتنا الصحة والقوة ” وكمان من النعم الكبيرة نعمة المكان اللي انت بتعيش فيه فمثلا احنا في بلادنا بنعيش في جو معتدل مقارنة بدول أخرى وبنسمع عن دول درجات الحرارة فيها بتنزل تحت الصفر وصحيح بلادنا فيها شتاء وصيف لكن الى حد ما معتدل ،ونشعر ان بلادنا محفوظة من كوارث الطبيعة مثلا فيضانات من الزلازل من البراكين في بعض بلاد لقوا فيها البراكين من وقت للتانى يثور فيطلع من الوقت للتانى الحمم بتاعته فتحرق القرى المجاورة وتنتهى حياتهم نشكر الله عندنا طبيعة هادئة مثل الشمس ومثلا اهل كندا معندهمش شمس اللى بتطلع لنا طاقة ، انا مش بعدد النعم لكن بقف عند محبة الله الفائقة للإنسان. الله بيحبك حتى لو خاطي وبتزعله ومحبة الله لشخصك وينتظر منك توبتك حاجه مهمة جدا ومحبته الفائقة هي التى جعلته يعمل في هذا الكرم ويعمل له كل احتياجاته ويعطيه الصدقات الطيبة او يعطيك الأسرة الهادئة كل هذه نعم بس الانسان فيه ضعف غريب انه لا يشعر بالنعمة الا لو حرم منها تصور كدة يمنعوا عنك الهواء لمدة ثواني تقول ياه مفيش نفس نعيش في نعم كثيرة ولذلك يجب على الانسان ان يتعلم الشكر ويقدر قيمة النعمة . الركن الثاني : هؤلاء الكرامين لم يقدموا ثمراً وده يرمز في العهد القديم لأنبياء كثيرين كان يقدموا النصيحة عبر الأجيال لكن للأسف هؤلاء العبيد الأردياء لم يقدموا ثمراً بل ارتكبوا أخطاء علشان كده هؤلاء الكرامين سببوا الألم والطرد لعبيد جم يأخذوا الثمر وفى الأخر قتلوا ابن صاحب الكرم وطبعا المثل بيشرح لنا هذا الصورة ….، وهؤلاء الكرامين عاشوا بلا ثمر أوعى حياتك ميبقاش فيها ثمر وكمان فيها شر حياتك تبقى جدباء والسؤال يتكرر تانى هل في ثمر تقدر تقدمه وتفرح به ربنا ؟؟. الركن الثالث : ان “يسلم الكرم لكرامين غيرهم ليأخذ الثمار يسلم الكرم لكرامين غيرهم ليأخذ الثمار في حينه ياخد النعم ويعطيها لأخرين الخلاصة أحترس من الحياة التي بلا ثمر طيب ايه الثمر اللي ممكن نقدمه وفى رسالة غلاطية الاصحاح الخامس بنقدم بعض الثمر “محبة وفرح وسلام وطول أناه صلاح ايمان تعفف ولطف “ وثمر وعمل الروح القدس فيك علشان كده لازم تراجع نفسك يعنى مثلا لو انسان غاوى نكد او تعب او تذمر او غضوب او انسان معندوش التعفف وغائب عنه روح الوداعة ومعندوش اللطف وكل ده مطلوب منك كانسان يعمل فيه الروح القدس ” رسالة أفسس (4: 1-5) أسألكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم إليها، بكل تواضع القلب والوداعة وطول الأناة، محتملين بعضكم بعضا بالمحبة، مسرعين إلى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل” وكل يوم بنصليها لنتذكرها هل عندك فضيلة الاحتمال وفى شخص في نطاق اسرته وخدمته لا يحتمل وهل الكلمة اللى هقولها والخبر والموضع اللى هتكلم فيه هل يوحدهم ولا يفرقهم وده اللي خلى الكتاب يعلمنا ان كثرة الكلام تجيب معصية وقول الحق بروح الحق وبالطريقة الصالحة مسرعين الى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل وكل هذا ينطبق على الاسرة والمجتمع . ومثال لذلك ثمرة الرحمة ثمرة القلب الرحيم هل عينيك وقلبك رحيم ونصلى طوبى للرحماء على المساكين. وتوجد فضيلة أخرى وهى الشكر نشكر على كل حال ومن أجل كل حال وفية كل حال ويوم الاحد الماضي كان أحد الابن الضال رجع وكان فرح سبب فرح لأبيه ولكن كان في انسان متذمر ورفض ان يدخل لما فالوله كان ميتا وعاش ذلك الأخ الذى لم يفرح برجوع اخوه هل ياترى الشكر دايماً حاضر وياك ولا بتذمر ورافض حياتك او متذمر في مواقف الحياة المختلفة ، وكلمة الثمر تتكرر في هذا المثل 4 مرات وتذكرنا بإشارة الصليب ولو جالك المسيح وسألك هل عندك أثمار تفرح المسيح وفى الحقول وفى بعض الحقول اللى بتزرع الفواكه تلاقى الفلاحين وهما يجمعوا الثمر تلاقيهم فرحانين …لقد وضع المسيح بذور كثيرة وهو الان ينتظر منك الثمر . هل في حياتك من ضمن الثمار علاقاتك الجيدة في شخص صدامى وفى شخص غضوب وفى شخص قلبة متسع ،هل عندك علاقات طيبة وبولس الرسول بيقول “يا أولادي الذين أتمخض بكم الى أن يتصور المسيح فيكم ” هل عندك ثمر ؟ ، انت أيها الانسان نعمة الروح القدس والمعمودية وممارسة الاسرار كلها ثم وسائط النعمة اللى نعيش بها واليوم يقولك فين الثمر وكل ما تكبر المفترض تكون حياتك أكثر قرباً للسماء وستقف قدام لمسيح ويقول اعطنى ثمر هتقوله معنديش غير تراب ، وفى نهاية المثل بيقول ” إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ”، ونعمة العهد الجديد هي ثمر لنا والمسيح ينتظر أثمارنا هل ستقدم ام ستكون يدك فارغة ؟ الثمر على مستوى الفرد في الفضائل وعلى مستوى الكنائس تقدم ثمر ايضاً اشغل نفسك الاحد الجاى هو أحد النص يعنى نص الصيام قد مضى ولو مكنتش واخد بالك من فضلك أنتبه لقد صار اليهود بلا كنيسة وينتظر الله من كل كنيسة ثمار لذا يا اخواتى الأحباء اجتهدوا ان يكون عندكم ثمر المسيح يسألكم اين هو ثمارك التي تفرحني اقعد بينك وبين نفسك واقرا الانجيل تانى وراجع نفسك وأعرف هل حياتك فيها ثمر وأعرف اللى بيعيقك وايه اللي بيخلى مفيش ثمر وايه اللي بيخلى في ضعفات وأقف قدام ربنا وقوله اوعدك من النهاردة حياتي يكون فيها ثمار تفرح قلبك وتفرح الكنيسة ,لألهنا كل المجد والكرامة من الأن والى الابد أمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
12 فبراير 2019

عصر ما بعد داود وسليمان - الجزء الثاني

+ نهضة في عهد يهوياداع الكاهن.. وقد حدثت نكسات أخرى في حياة الشعب، وسادت الشرور والآثام، وتراجعت الروحانية والحب والتسبيح حتى قام كاهن عظيم هو "يهوياداع". ردَّ يهوياداع الشعب إلى الله، وخلع "عثليا" الملكة الشريرة، وملَّك يوآش بن أخزيا. وكان تجليس الملك في حفل ديني مهيب أعاد إلى الأذهان مجد الهيكل القديم أيام داود وسليمان: "وإذا المَلِكُ واقِفٌ علَى مِنبَرِهِ في المَدخَلِ، والرّؤَساءُ والأبواقُ عِندَ المَلِكِ، وكُلُّ شَعبِ الأرضِ يَفرَحونَ ويَنفُخونَ بالأبواقِ، والمُغَنّونَ بآلاتِ الغِناءِ، والمُعَلمونَ التَّسبيحَ" (2أخ13:23). وبعد حفل التجليس هذا الذي أحيا مجد التسبيح في الهيكل.. "قَطَعَ يَهوياداعُ عَهدًا بَينَهُ وبَينَ كُل الشَّعبِ وبَينَ المَلِكِ أنْ يكونوا شَعبًا للرَّب" (2أخ16:23). لقد كان من علامات هذه النهضة الروحية أن "جَعَلَ يَهوياداعُ مُناظِرينَ علَى بَيتِ الرَّب عن يَدِ الكهنةِ اللاويينَ الذينَ قَسَمَهُمْ داوُدُ علَى بَيتِ الرَّب، لأجلِ إصعادِ مُحرَقاتِ الرَّب، كما هو مَكتوبٌ في شَريعَةِ موسَى، بالفَرَحِ والغِناءِ حَسَبَ أمرِ داوُد" (2أخ18:23). لقد كان التسبيح هو المقياس الذي يقيس درجة الحرارة الروحية لشعب الله. والنظام الذي أرساه داود النبي كان هو المعيار والمرجع عند إعادة أي ترتيب لخدمة الهيكل. + نهضة في عهد حَزَقيَّا الملك البار.. قام في يهوذا ملك عظيم تقي هو "حَزَقيَّا" الذي قيل عنه إنه "عَمِلَ المُستَقيمَ في عَينَيِ الرَّب حَسَبَ كُل ما عَمِلَ داوُدُ أبوهُ" (2أخ2:29). هذا الملك القديس اجتهد أن ينهض بالشعب روحيًا "فتحَ أبوابَ بَيتِ الرَّب ورَمَّمَها" (2أخ3:29)، ونبَّه الكهنة واللاويين إلى التوبة (راجع 2أخ4:29-11). ثم "أوقَفَ اللاويينَ في بَيتِ الرَّب بصُنوجٍ ورَبابٍ وعيدانٍ حَسَبَ أمرِ داوُدَ وجادَ رائي المَلِكِ وناثانَ النَّبي، لأنَّ مِنْ قِبَلِ الرَّب الوَصيَّةَ عن يَدِ أنبيائهِ. فوَقَفَ اللاويّونَ بآلاتِ داوُدَ، والكهنةُ بالأبواقِ. وأمَرَ حَزَقيّا بإصعادِ المُحرَقَةِ علَى المَذبَحِ. وعِندَ ابتِداءِ المُحرَقَةِ ابتَدأَ نَشيدُ الرَّب والأبواقُ بواسِطَةِ آلاتِ داوُدَ مَلِكِ إسرائيلَ. وكانَ كُلُّ الجَماعَةِ يَسجُدونَ والمُغَنّونَ يُغَنّونَ والمُبَوقونَ يُبَوقونَ. الجميعُ، إلَى أنِ انتَهَتِ المُحرَقَةُ" (2أخ25:29-28). كانت عودة رائعة إلى الله، فيها اقترنت – مثلما فعل داود – الذبيحة الدموية مع ذبيحة التسبيح. وبعد ذلك: "قالَ حَزَقيّا المَلِكُ والرّؤَساءُ للاويينَ أنْ يُسَبحوا الرَّبَّ بكلامِ داوُدَ وآسافَ الرّائي، فسَبَّحوا بابتِهاجٍ وخَرّوا وسجَدوا... فاستَقامَتْ خِدمَةُ بَيتِ الرَّب. وفَرِحَ حَزَقيّا وكُلُّ الشَّعبِ مِنْ أجلِ أنَّ اللهَ أعَدَّ الشَّعبَ" (2أخ30:29،35-36). كانت أيام حزقيا أيامًا روحية عاد فيها الشعب للرب، وعملوا "عيدَ الفَطيرِ سبعَةَ أيّامٍ بفَرَحٍ عظيمٍ، وكانَ اللاويّونَ والكهنةُ يُسَبحونَ الرَّبَّ يومًا فيومًا بآلاتِ حَمدٍ للرَّب... وأكلوا المَوْسِمَ سبعَةَ أيّامٍ، يَذبَحونَ ذَبائحَ سلامَةٍ ويَحمَدونَ الرَّبَّ إلهَ آبائهِمْ... وفَرِحَ كُلُّ جَماعَةِ يَهوذا، والكهنةُ واللاويّونَ... وكانَ فرَحٌ عظيمٌ في أورُشَليمَ، لأنَّهُ مِنْ أيّامِ سُلَيمانَ بنِ داوُدَ مَلِكِ إسرائيلَ لم يَكُنْ كهذا في أورُشَليمَ. وقامَ الكهنةُ اللاويّونَ وبارَكوا الشَّعبَ، فسُمِعَ صوتُهُمْ ودَخَلَتْ صَلاتُهُمْ إلَى مَسكَنِ قُدسِهِ إلَى السماءِ" (2أخ21:30-27). كَمُلَت الفرحة الحقيقية إذ "أقامَ حَزَقيّا فِرَقَ الكهنةِ واللاويينَ حَسَبَ أقسامِهِمْ، كُلُّ واحِدٍ حَسَبَ خِدمَتِهِ، الكهنةَ واللاويينَ للمُحرَقاتِ وذَبائحِ السَّلامَةِ، للخِدمَةِ والحَمدِ والتَّسبيحِ في أبوابِ مَحَلاَّتِ الرَّب" (2أخ2:31). كذلك اهتم الملك حزقيا بأن يعطي مرتبات مجزية للكهنة واللاويين والمُسبِّحين، ولاحتياجات الهيكل "وأعطَى المَلِكُ حِصَّةً مِنْ مالِهِ للمُحرَقاتِ، مُحرَقاتِ الصّباحِ والمساءِ... وقالَ للشَّعبِ سُكّانِ أورُشَليمَ أنْ يُعطوا حِصَّةَ الكهنةِ واللاويينََ، لكَيْ يتمَسَّكوا بشَريعَةِ الرَّب" (2أخ3:31-4). + نهضة في عهد يوشيا الملك.. في عهد "يوشيا" الملك البار حدثت نهضة روحية جديدة، وكان أيضًا من علامات هذه النهضة أنه اهتم بترتيب خدمة التسبيح: "وكانَ الرجالُ يَعمَلونَ العَمَلَ بأمانَةٍ، وعلَيهِمْ وُكلاءُ... ومِنَ اللاويينَ كُلُّ ماهِرٍ بآلاتِ الغِناءِ" (2أخ12:34)، "عَمِلَ يوشيّا في أورُشَليمَ فِصحًا للرَّب" (2أخ1:35)، وذبح الذبائح واهتم بالتسبيح مع الذبيحة وباقي الترتيبات: "والمُغَنّونَ بَنو آسافَ كانوا في مَقامِهِمْ حَسَبَ أمرِ داوُدَ وآسافَ وهَيمانَ ويَدوثونَ رائي المَلِكِ" (2أخ15:35). لذلك فعند موته "كانَ جميعُ المُغَنينَ والمُغَنياتِ يَندُبونَ يوشيّا في مَراثيهِمْ" (2أخ25:35). إن الأحوال السياسية والعسكرية للمملكة كانت تتأرجح صعودًا وهبوطاً، وكانت حياتهم الروحية تتذبذب أيضًا بين الروحانية العالية، والانتكاس إلى الأوثان.. أما التسابيح الكنسية فكانت هي المؤشر المُعبِّر بصدق عن عمق روحانية الشعب، ومحبته لله وانتمائه للهيكل.. فكانت تعلو مع ارتفاع الروحانية وتهبط مع النكسات الروحية حتى وصلت قمة مأساة شعب الله عند سبي بابل. فما هي إذًا قصة هذا السبي؟ نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
16 نوفمبر 2019

إبنة يفتاح

«فقالت له يا أبي هل فتحت فاك إلى الرب فافعل بي كما خرج من فيك» مقدمة يقول وليم جيمس الفيلسوف الأمريكي وعالم النفس الكبير إن العهود شيء هام ولازم للنفس البشرية لأن الإنسان بطبعه ملول كسول في حاجة إلى ما يحفزه وينهضه ويمنعه من التقهقر والتراجع والنكوص ونحن لا نعرف عظيمًا من عظماء التاريخ أو بطلا من أبطال الإنسانية إلا وارتبط بعهد ما أيا كان هذا العهد ونوعه... والعهود تهدف إلى غايات ثلاث: فأولها وأبسطها العهد الذي يقيمه الإنسان بينه وبين نفسه ليعلو بهذه النفس وينشط بها في أية صورة يتصور هذا العلو والنشاط كالعهد الذي فاه به بتهوفن في صباه أن يكون آية الموسيقى في الدنيا، والعهد الذي نظمه شللي ولما يزل صبيًا يافعاً ألا يخضع للظلم والقيود وأن يعيش حرًا في أوسع ما تشمل كلمة الحرية من معنى. على أن هناك ضربًا من العهود أعلى وأنبل يتقيد به الإنسان لا من أجل نفسه بل من أجل الآخرين كذلك العهد الذي قطعه هانيبال قديمًا من أجل قرطاجنة بأن يعيش لها ويكافح روما ويمقتها إلى الأبد وذلك العهد الذي أخذه أبراهام لنكولن على نفسه من أجل تحرير العبيد حين رأى مرة في سوق النخاسة فتاة صغيرة تعرض للبيع وتركل كما تركل الكلاب فرأى فيها الإنسانية كلها تباع وتشتري فتألم وثار وآلى على نفسه أنه إن واتته الفرصة لابد يحرر بلاده من هذه الوصمة البشعة المهينة وذلك العهد الذي تقيد به كليمنصو بطل فرنسا في الحرب العالمية الأولى حين قال لأبيه الذي عانى ظلمًا واضطهاداً شديدين «سأثار لك يا أبت» فأجابه الأب: «اذا أردت أن تثأر لي فاعمل لأجل فرنسا».. في نطاق هذه العهود تدخل كل العهود الأدبية والاجتماعية والخلقية وما أشبه. على أن أعلى العهود وأسماها وأقواها وأرهبها هو ذلك العهد الذي يتوجه به الإنسان إلى ربه فيربط نفسه بالرب بهذا العهد ولئن جاز للإنسان أن يتحرر من عهود إزاء نفسه أو إزاء الآخرين رغم ما في هذا من الضعة والنقص والفشل، فالعهد الذي لا يفصم والذي لا يستطيع أن يتحايل عليه أو يتخلص منه أو يكسره دون أن يتحايل على نفسه أو يتخلص منها أو يكسرها.. هو العهد الذي يقطعه الإنسان لمجد الله. في الكتاب عهود كثيرة من هذا القبيل حدثت بين الإنسان وربه في ظروف متفاوتة ولأسباب متعددة كمثل عهد يعقوب الذي قطعه في بيت إيل وهو يضرب في الأرض وحيداً طريدًا غريبًا أفاقاً في طريقه إلى حاران وعهد موسى في حوريب بعد أن تسلم بنو إسرائيل الناموس وقدم فتيانهم ذبائحهم للرب ورش كتاب العهد بالدم وعهد يشوع حين جاءه الجبعونيون يطلبون استئمانهم وتحالفهم مع شعب الله وعهد عزرا في أورشليم يوم قضى بفرز النساء الغريبات اللواتي اختلطن بالزرع المقدس.. هذه وأمثالها عهود قوية بينها جميعًا سيبقى مدى التاريخ صورة حية مرهبة مروعة لقوة العهد وسطوته وسلطانه كذلك العهد الذي قطعه يفتاح الجلعادي والذي كان ثمنه المفزع المخيف ابنته الوحيدة... ولقد آثرت أن أتحدث اليكم الآن عن هذه الابنة وأن أضعها أمامكم في وضعين يشملانهما في الحياة والموت لأريكم كيف كانت هذه الفتاة عظيمة في حياتها وعظيمة في موتها أو أن شئتم فقولوا معى في تعبير أدق أنها كانت عظيمة في موتها لأنها كانت عظيمة في حياتها.. في ساعة النهاية والموت قال أوغسطس قيصر للمحيطين به: «ايتوني بمرآة». فلما أتوه بها نظر إلى وجهه بنشوة وجذل وابتهاج وصفف شعره ثم صاح «أيها السادة لقد عملت حسنًا فصفقوا لي».. وصفق السادة للرجل العظيم والإمبراطور الأول للإمبراطورية الرومانية القديمة ولكن حياة أوغسطس قيصر امتلأت بالمخازي التي روعته هو وأثارت ضميره وجعلته مراراً كثيرة يجلس على قارعة الطريق في ثياب ممزقة يستعطي لعله يخفف شيئًا من عذابات نفسه وذكرياته الأليمة الصارخة، مثل هذه المخازي تجعلنا نتردد كثيرًا في مشاركة السادة تصفيقهم وتهليلهم للإمبراطور الوثني القديم ولكن من منا يتردد أن يحني رأسه ويصفق مع التاريخ أعجابًا بابنه يفتاح التي كانت في الحياة والموت على السواء آية في النبل والعظمة والجلال؟ إذن نتأمل هذه الفتاة في كلمتين: الفتاة وحياتها العظيمة: الفتاة وموتها العظيم. الفتاة وحياتها العظيمة ما اسم هذه الفتاة؟ لا نعلم وكل ما نعرفه أنها كانت تكني بابنه الرجل العظيم يفتاح، ما اسم أمها؟ لا ندري! وكم كنا نود أن نعرف شيئًا عن هذه الأم التي يؤكد الكسندر هوايت أنها ولابد أم عظيمة فمثل هذه الفتاة الرائعة لا يمكن إلا أن تكون وليدة أم ممتازة واذا كان مندل في قانونه عن الوراثة يؤكد لنا بتجاربه العديدة الخاصة أن الصفة التي يشترك فيها الأب والأم تترك أثرها العميق في النسل، أفيكون غريبًا أذن أن نرى هذه الفتاة تتشابه أباها في كثير من الصفات بل ربما تسمو عليه وترقى وخاصة في استمساكها بوعده الرهيب الذي فاه به أمام الرب. كانت هذه الفتاة وحيدة أبويها ويخيل إلى أن العناية أثرتها بأفضل ما في الأبوين وركزته فيها تركيزًا رتيبًا بديعًا قويًا... دقق النظر فيها خلال السطور القليلة التي وضعها الوحي عنها ألست ترى نفسك أزاء فتاة دفاقة الحيوية ملتهبة الاحساس؟ تخرج بالدفوف والرقص لتلقى بأبيها يوم النصرة وتبكي مع أترابها من الفتيات والعذاري يوم النهاية والموت ومثل هذا لا ينبعث إلا عن ربات العواطف المتوقدة والأحاسيس المشتعلة.. وهي تعد طرازًا ساميًا للشعور الوطني العميق، ألم تكن أولى الساعيات وقائدتهن في استقبال أبيها يوم رجوعه من كسرة الأعداء والانتقام للوطن؟ على أن هذا لا ينبغي أن يجعلنا نغفل إلى أي حد كانت تجل هذه الفتاة أباها وتعتز به.. في الحقيقة أنها تصلح نموذجًا بديعًا يجدر بكل فتاة أن تحتذيه في الخضوع للأباء والولاء لهم. لقد رافقت أباها في كل ظروفه، وتمشت معه في كل ظروفه، وتمشت معه في كل عواطفه، وكان كلاهما مثلين حيين للوفاء الأبوي البنوي.. لقد ساءلت نفسي مرارًا: لم لم يتزوج يفتاح كأغلب القضاة بنساء عديدات فينجب بنين وبنات كثيرين، ويحيي لنفسه ذكرًا ممتدًا طويلاً، في وقت كان يعتقد فيه الرجل أن أقسى ما يصاب به ألا ينجب نسلاً من الأولاد يحفظون اسمه من التلاشي والانقراض؟ أغلب الظن أن يفتاح قصر حبه على زوجة واحدة، وابنه واحدة، وأن هذه الفتاة، كأمها بادلته حبًا بحب وإعجابًا بإعجاب، أيها الآباء، والأمهات!! إلى أي حد تمتد الصلة بينكم وبين أبنائكم وبناتكم فيرون فيكم ما يسترعي الإعجاب والولاء والتقدير!؟.. بعد أن نفى نابليون في جزيرة سانت هيلانة ذهب ولده الصغير إلى النمسا مع أمه، وكان اهتمام النمساويين الأكبر أن ينسوا الولد كل صلة بأبيه.. وحدث مرة أن اجتمع أكابر القواد النسماويين مع الولد حول مائدة، وابتدأوا يتسامرون ويتجادلون حول أفضل قائد في أوروبا، فذكر هذا ذاك وآخر غيره، وانتظر الولد أن يفوه أحدهم باسم أبيه فلم يسمع!! وأخيرًا ضرب بقبضته الصغيرة المائدة وقال: أيها السادة! أظن فاتكم جميعًا سيدهم!؟ فسألوه: من هو؟ فأجاب أنه أبي!!.. وقف الشاب العربي بين ضيوف أبيه حائرًا، وهو يوزع أنصبه الطعام، بأيهم يبدأ وكلهم شيخ جليل وقور مهيب؟ ولاحظت الجماعة حيرته فقالت له: وهبناك الحرية فاختر من تظنه الأفضل وابدأ به، فما كان منه إلا أن توجه بين تهليل القوم وإعجابهم نحو أبيه وبدأ به. عندما نذكر الوصية المقترنة بوعد «أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك» وعندما تتأمل اسحق في استسلامه الوديع لأبيه فوق جبل المريا، وابنه يفتاح في ولائها الرائع لأبيها، والركابيين في حفظهم العجيب لوصية يوناداب بن ركاب أبيهم. بل عندما نتأمل أول الكل وقبل الكل ذلك الذي وهو السيد والحر والملك قيل عنه أنه عاش في الناصرة خاضعًا لأبويه، سنجد أسبابًا عديدة صالحة للولاء للأبوين والخضوع لهما، حتى ولو أدى الأمر بنا نحن البنين إلى الاحتراق. كانت ابنه يفتاح أيضًا فتاة شجاعة، فذة في شجاعتها، قابلت مصيرها بحزم وصبر وبسالة، كان يمكن للضعف النسوي أن يتسرب إليها فيسوقها إلى التردد والتهرب والنكوص، خاصة وهي في قوة الشباب ووفرة الحيوية وميعة الصبا، ولكنها لم تفعل، بل ما أسرع ماردت على أبيها الباكي بإجابتها المنتصرة القوية.. هل كانت الوراثة فقط سر الجمال في حياة ابنة يفتاح وعظمتها!؟ كلا بل هناك أمر آخر لعله كان أقوى أثرا وأبلغ نتيجة وأعنف توجيهًا. أتدري ما هو!؟ الحزن! الألم! الحياة المعذبة التي عاشتها هذه الفتاة طوال حياتها!! إن ابنة يفتاح تعد من أتعس من عرفت هذه الأرض، لقد كانت حياتها بؤسا وشقاء وعذاباً متصلاً، ولما جاءها اليوم الذي خيل إليها أنه يومها السعيد جاءها يحمل في طياته كلمة الفزع والموت والنهاية الرهيبة. كانت هذه الفتاة تحمل بين جنبيها ذلة الماضي البعيد، لم يكن أبوها ابنًا شرعيًا لأبيه، أخطأ جدها فجاء أبوها نسيجًا ذليلاً مهينًا للخطيئة القاسية الكبيرة، ونظر المجتمع نظراته المفزعة الرهيبة إلى الوليد، ولم يقل إنه لا ذنب له فيما جناه أبوه، بل عاقبه كمتهم ولم يبصره كضحية، وحين أرادت ابنته أن ترفع رأسها وتسير، رأت هذا الماضي التعس يترقبها، فسارت على الأرض خفيضة الرأس كسيرة الطرف معذبة الذكرى، وطرد يفتاح من بيته ووطنه وسار يضرب في المنفى على غير هدى، وولدت ابنته في أرض طوب بعيدة عن بلادها، وعن الحياة الهادئة المستقرة المريحة.. ويوم جاءها الهدوء والأمن والاستقرار، ويوم قدر لها أن تعود إلى أرض بلادها، وقدر لأبيها أن يرد إليه مجده واعتباره ويوم أمسكت بكأس فجأة، واستبدلت بأخرى قاسية شديدة مريرة، ما أشقاها من فتاة، وأتعسها من حياة! هكذا نقول وهكذا نردد! ولكن كلا! بل ما أجمله من حزن! وأبدعها من مأساة! تلك التي تسلمتها يد الله، فصاغت منها الفتاة العظيمة الخالدة.. عرف أبوها الحياة المعذبة فعرف البطولة والكفاح والجهاد والثقة بالله والانتصار به، وسارت هي وراء أبيها في أرض الدموع والآلام لتشتعل وتتوهج وتضيء ببريق سني عظيم، ترى لو عاشت ابنه يفتاح في بيت وادع هادي آمن مستريح!؟ ترى لو عاشت ومعلقة الذهب في فمها، ولم تعرف من الحياة سوى السعة والتدليل والترويح والترضية! ترى لو عاشت وفي متناول يدها كل ما تشتهي وترغب وتطلب!؟ أكان يمكن أن تكون على ما رأينا من السمووالنبل والعظمة والتكريس ومعرفة الله!؟ أغلب الظن أن هذا كان يكون بعيدًا بل محالاً وألف محال.... وكم من القديسين - كما يقول وليم لاو - لولا الحياة المعذبة لما عرفوا طريقهم إلى السماء، فما أكثر من هوت بهم الرفاهية إلى العذاب الأبدي، وما أكثر من صعد بهم الشقاء إلى معرفة الله والشركة معه، قد نحسد فتاة على جمالها، ولكن هذا الجمال قد يكون مفتاح بؤسها وشقائها، ونأسف لدمامة أخرى، ولكن هذه الدمامة قد تكون طريقها إلى المسيح» أيها الإنسان الذي لا يعرف في حياته سوى العذاب المتواصل اذكر كلمة فرانسس بيكون: إنه إذا كانت الرفاهية بركة العهد القديم فالألم بركة العهد الجديد، وقل مع بولس: «لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوماً فيومًا»... «أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضهطادات والضيقات لأجل المسيح لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي». الفتاة وعظمة موتها كان نذر يفتاح «إن دفعت بني عمون ليدي فالخارج الذي يخرج من بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون يكون للرب وأصعده محرقة» ورجع القائد وقد انتصر انتصارًا عظيمًا، وكانت ابنته أول من استقبله من بيته، فمزق ثيابه وصرخ: «آه يا بنتي قد أحزنتني وصرت بين مكدري لأنني قد فتحت فمي إلى الرب ولا يمكنني الرجوع» فهل تفهم من هذا أنه تمم نذره حرفيًا فيها بأن قدمها محرقة!؟ يعتقد كثير من المفسرين أنه تمم نذره، ولكن بصورة غير حرفية، بأنه عزل ابنته، وقدسها للرب، فظلت عذراء طوال حياتها لم تتزوج، ولما كانت الحياة العذراوية عارًا وقتئذ، فان الفتاة سعت إلى الجبال لتبكي عذراويتها، وحجة الآخذين بهذا الفكر، أن الذبيحة البشرية أمر وثني حرمه الله على إسرائيل تحريمًا باتا، وأن يفتاح رجل حل عليه روح الرب، وعده الوحي من أبطال الإيمان الذين ذكروا في الرسالة إلى العبرانيين، فمن المحال أن يصنع هذا، كما أنهم قالوا أن العبارة: «فالخارج الذي يخرج» يحتمل في الأصل أن تكون ذبيحة غير بشرية، ولكن هذا رغم صحته ومعقوليته وجوازه مردود ومنقوض، وأنا من أشد الناس اعتقادًا بأن يفتاح أتم نذره حرفيًا، قد يكون هذا خطأ منه، وقد يكون في هذا شيء من الوثنية التي تسربت إليه لطول بعده عن شعب الله والتصاقه بالوثنيين وقد يكون فاته أيضًا أن الذبيحة البشرية يمكن أن تفتدي كما فعل إسرائيل فيما بعد حين أنقذ يوناثان من يد أبيه، ولكنه مع ذلك أقدم على عمله بكل إخلاص وحمية وروية وتدبر، لأنه من غير المعقول أن الرجل كان يقصد في نذره إلى مجرد ذبيحة حيوانية كشاة أو ثور أو ما أشبه، لأن هذه الذبيحة من الضآلة بكيفية لا تتفق مع من يريد أن يعبر عن شكره العميق لله، واعترافه بإحسان الله الذي رد سبيه ليقوده في طريق النصرة والمجد، كان يفتاح في المصفاة إنسانًا مأخوذ الشعور متوقد العاطفة سليب الإحساس، سكب نفسه أمام الرب سكيبًا، ولأجل هذا كان يمضي علي ورقة بيضاء ليملأها صاحبها كما يود أو يرغب أو يشتهي، إنه بدون تحفظ أو توقف أو تمهل يريد أن يقول للرب: لست أملك يارب شيئًا يمكن أن يكون ثمينًا عليك، فاختر من عندي أعز ما أملك «الذي يخرج من بيتي للقائي.. وهذه الروح هي التي تستولى عادة على أصحاب النذور والعهود، إنهم عادة يتعهدون بشعورهم، أكثر مما يتعهدون بأفكارهم، ويتقيدون بعواطفهم أكثر مما يتقيدون بتأملاتهم، وذلك لأنهم على الأغلب يكونون في تلك اللحظة في أوقات حرجة دقيقة بائسة تقتضيهم الارتماء عند قدمي الله واستدرار حبه وعطفه وحنانه ورحمته.. وليس المهم في نظر الله أأخطأ الإنسان أم أصاب، بقدر الروح التي أملت هذا الصواب أو الخطأ، فمن صواب الإنسان ما قد يكون خطأ، ومن خطأ- إذا جاز هذا التعبير - ما قد يكون صواباً.. ألم يقل الرسول بولس مثلاً في سياق حديثه عن الطعام: «إني عالم ومتيقن في الرب يسوع أن ليس شيء نجسًا بذاته إلا من يحسب شيئًا نجسًا فله هو نجس... كل الأشياء طاهرة لكنه شر للذي يأكل بعثرة». قد تفعل شيئًا وتحس - بحسب ما لديك من النور والمعرفة والضمير - أنه سليم مستقيم أمام الله وهو في الواقع - أمام نور أكمل ومعرفة أوفر وضمير أكثر قوة وتدربًا - غير ذلك، ولكن الله سيحاسبك على قدر ما لك وما أخذت، وسيطالبك قبل كل شيء بالنية العميقة المستترة وراء عملك، ولذا فالعهود المتعجلة ينظر الله فيها إلى النية أكثر مما ينظر إلى العهد في حد ذاته، وليس أدل على ذلك من أن الوحي أظهر ارتياحًا على عمل يفتاح أكثر منه إلى الاستياء بذكره العذاري اللاتي كنا يذهبن كل سنة في شيء من الوفاء والتقدير والذكرى للبكاء على الفتاة العظيمة، هناك عهد شبيه في الكتاب المقدس حدث في شيء من العجلة والخطأ، ولكن الرب اعتبره وأقامه وعاقب على كسره... جاء الجبعونيون وهم سلالة من بقايا الأموريين إلى يشوع وبني إسرائيل، وهم داخلون إلى أرض كنعان، وخدعوهم بتظاهرهم أنهم جاءوا من مكان بعيد، حالة كونهم من إحدى المدن التي أمر الرب بالقضاء عليها، وطلبوا منهم عهدًا بمسألمتهم واستحيائهم وأخطأ الشعب فلم يسألوا الرب عن هؤلاء وقطعوا معهم عهدًا، ولما اكتشفوا بعدها أنهم قريبون إليهم وفي وسطهم ثار الشعب وأراد أن يقضي عليهم، ولكن العهد وقف حائلاً ضدهم، وبعد أكثر من أربعمائه وخمسين عاماً كسر شاول هذا العهد في غيرة عمياء، فعاقب الله إسرائيل حتى كفر داود عن خطية الكسر بصلب سبعة من أبناء شاول، وفي شريعة النذور والعهود نرى الله لا يعفي صاحب النذر والعهد من وفاء نذره وعهده، وهب أن فتاة في بيت أبيها أو زوجة في بيت زوجها تعجلت وذكرت عهدا أمام الرب دون تقدير أو مسئولية، ففي اليوم الذي يسمع الآب أو الزوج هذا العهد يمكن أن يبطله أو يثبته، فان انتهرها ونهاها في الحال يبطل العهد، وإلا فقد ثبت والتزم به، وصار وصيًا على اقامته وتنفيذه. نفذ يفتاح نذره حرفياً، وإلا فما الداعي لأن تذهب ابنته على الجبال لتبكي عذراويتها شهرين؟ وإذا كان الأمر قد اقتصر على تكريس حياتها للرب فلم البكاء، وكان أولى بها أن تغني وتفرح؟ وإذا كان بكاؤها يرجع لأنها ستحرم من الحياة الزوجية التي كانت تعد نعمة كبيرة للفتاة وقتئذ، فلماذا تبكي شهرين ولا تبكي أكثر؟ وما معنى القول إنها عند نهاية الشهرين رجعت إلى أبيها ففعل بها نذره الذي نذر؟ وكيف يمكن تفسير العادة الرتيبة المنظمة التي ألفتها بنات إسرائيل أن يذهبن من سنة إلى سنة لينحن عليها أربعة أيام في السنة؟ ولو سلمنا جدلاً مع ذلك أن أباها أبقاها عذراء طوال حياتها مقدسة للرب! فهل يكون نذره بأكمله قد تم... كلا إنه يكون فقط قد تمم الشطر الأول فيه «فالخارج الذي يخرج من بيتي... يكون للرب..» أما الشطر الثاني «وأقدمه محرقة» فلا يستقيم مع بقائها على قيد الحياة... إن كل المفسرين اليهود والمسيحيين حتى القرن العاشر الميلادي بما فيهم أوريجانوس والذهبي الفم وثيودور وجيروم وأغسطينوس أجمعوا على أن يفتاح نفذ نذره في ابنته تنفيذًا حرفيًا، والقرون الطويلة لم تعرف شيئًا عن التفسير الثاني حتى جاء الربي كيمتشي في القرن الحادي عشر وابتدعه، وسار في أعقابه من المفسرين من هالتهم هذه التقدمة البشرية المرهبة، ولكننا فيما أعتقد نتفق مع لوثر حين قال: «يؤكد بعضهم أن هذه التقدمة لم تتم، ولكني أظن أن بالنص الكتابي من الوضوح مالا نحتاج معه إلى تساؤل أو جدال أو تفسير». أجل ماتت ابنه يفتاح!! ورأى الله لها مالم يره لاسحق يوم المريا، أو للثلاثة فتية في أتون النار، لكنه على أي حال، رأى لها شيئًا عظيمًا مجيدًا هائلاً، لقد أضحت الشهيدة الأولى التي احترقت من أجله وفي سبيل مجده، فإن ابنة يفتاح ستبقى مدى الأجيال جذوة هائلة مشتعلة هيهات أن تضعف أو تخمد أو تطفيء.. أن السؤال الذي ما تزال تلقيه علينا هذه الفتاة العظيمة من وراء القرون هو: لمن أنا! ولمن حياتي ونفسي وذاتي؟ وهل أنا لشخصي أم لأبي وأهلي وبلدي ووطني وعشيرتي أو ما أشبه؟ كلا.. أنا لم أعد لواحد من هؤلاء جميعًا! لقد أضحيت له وحده، ذاك الذي مات من أجلي وقام، وقد اشتراني بدمه، وعلمني أن أغني وأرنم: فأنا لست لذاتي ليس لي شيء هنا كل ما عندي لفادي ال خلق وهاب المنى إذ فداني ذاك بالدم الكريم إنني أقضي زماني خادم الفادي الأمين باذلا جسمي وروحي وقوي عقلي الثمين إذ فداني ذاك بالدم الكريم ماتت ابنه يفتاح!! ونظرت إلى جمالها الرائع الحزين يدلف نحو الغروب، وقد انعكست عليه شعاعات سرمدية خالدة من النور، فرفعت يدي محييا، وصحت في لغة الحب والحزن والوفاء والإعجاب: وداعا أيتها الفتاة العظيمة!! وداعا أيتها النفس الحرة المنطوية على ذاتها في مطلع الحياة وبكور الأيام!! وداعا إلى حيث نلتقي! لاهنا في هذا الوادي التعس الخفيض، حيث ألفنا افتراش الثرى وتوسد الرغام، بل هناك فوق قمم الجبال العاليا حيث ارتقيت تأهبا للموت من أجل الله. ليتنا مثلك لا يتحدث سفرنا الحديث العظيم الخالد الا عن عظمة في الحياة، وعظمة في الموت.. «لأن ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته، لأننا أن عشنا فللرب نعيش، وأن متنا فللرب نموت، فان عشنا وأن متنا فللرب نحن، لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات»
المزيد
26 يونيو 2021

الأولويات فى حياة الخادم

الحاجة إلى واحد (لوقا 10: 41) ذهب يسوع إلى بيت مريم و مرثا فاختارت مريم أن تجلس عند قدمي المعلم لتسمع منه واختارت مرثا أن تعمل لتجهز طعام للمعلم ولم يعجبها اختيار مريم فذهبت تشتكي للمعلم فقدم لها السيد المسيح تعليما هاما مَرْثَا مَرْثَا أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ( لو 10 :41 ) وَلَكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا».(لوقا 10: 41) كانت مرثا مضطربة لأن أمور كثيرة تريد أن تفعلها وإمكانياتها لا تساعدها ووقتها لا يسعها على إنجازها فتوقفت وابتدأت تشتكي فكانت النصيحة لها أن تختار الأهم والأولي والأصح لحياتها وتعمله كما فعلت مريم فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا ( لوقا 10: 42). عندما نشرع في العمل نجد أمامنا مهاما كثيرة علينا فنبدأ في تنفيذ أمر ثم نقلق على بقية الأمور فنترك الأول بدون اكتمال لنبدأ في الثاني والثالث وهكذا وفي النهاية نجد أمامنا أمورا كثيرة غير مكتملة وعملا واحدا لم ينجز قد يكون السبب في ذك إننا لا نملك القدرة مثل مريم على اختيار وترتيب الأولويات في حياتنا وفي أعمالنا. اطلبوا أولاً. من مبادئ الحياة المسيحية الهامة هي تحديد ما هو الأول والأهم ففي الصلاة يعلمنا السيد المسيح أن نطلب أولا ملكوت الله قبل أي طلبات أي نرتب طلباتنا في الصلاة حسب أهميتها وحتى الوصايا هناك وصايا أولي ولها أهمية فقد سأل واحد من الكتبة السيد المسيح «أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟» 29فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. 30وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى.( مر 12: 28 – 30). ويستخدم الكتاب المقدس تعبيرات تدل على تحديد الأولويات منها رأس الحكمة باكورة رتبه ترتيب فيقول أن رأس الحكمة مخافة الله أي أهم غرض للحكمة والأولوية الأولي لعمل الحكمة أن نصل إلى مخافة الله. كما أن بولس الرسول أوصي كثيراً بالترتيب وأهميته فيقول وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ.(1كو 14 :40 ) كما انه يهتم أن يرتب وينظم الأولويات بنفسه فيقول. وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا. (1كو 11: 34) وأعطي توجيها لكنيسة تسالونيكي أَنْ تَتَجَنَّبُوا كُلَّ أَخٍ يَسْلُكُ بِلاَ تَرْتِيبٍ (2تس 3: 6). ولنا في قصة الخلق نموذج رائع على تحديد الأولويات فالله لم يخلق النبات إلا بعد أن خلق النور ولم يخلق الإنسان إلا بعد أن خلق له الأرض والمياه والنبات فالخلق تم بترتيب معين حسب أولوية احتياج المخلوقات الأخرى لها. لماذا الأولويات؟ من حقائق الحياة أن الإنسان محدود أي إمكانياته محدودة وقدراته محدودة وكذلك وقته محدود لذلك لا يوجد إنسان يستطيع أن يعرف كل المعارف والعلوم ولا أن يعمل كل الأعمال ولا يستطيع أن يستمتع بكل الأشياء فإذا دعيت إلى وليمة وقدم لك أشهي الأطعمة وأجود الأصناف هل تستطيع أن تأكل كل الطعام هل تستطيع أن تستمتع وتتذوق كل الأصناف ولكن ماذا تفعل لابد أن تأخذ ما يكفيك فقط فماذا تختار ما الذي تعطيه الأولوية؟ وعلى أي أساس تختار؟ هذا مثال يتكرر معنا في أمور كثيرة في حياتنا داخل وخارج الخدمة فلأنك لا تستطيع أن تعرف كل المعرفة فاختار المعلومات الهامة لك ولحياتك أولاً ولا تبدد وقتك وعقلك في معارف غريبة نظرية لن تفيدك الآن ولأنك لا تستطيع أن تستمتع بكل الأشياء فاختار أن تستمتع بالأفضل لك أولاً الخمر الجد أولاً ثم بعد ذلك الدون كما قيل في معجزة عرس قانا الجليل عن كنت لا تستطيع أن تعرف كل المعرفة فاختار المعرفة المفيدة لحياتك ولعملك أولاً وإن كنت لا تستطيع أن تعمل كل الأعمال فاعمل ما تحتاجه أولاً وإن كنت لا تستطيع أن تستمتع بكل الأشياء فاستمتع بالأفضل لك أولا. كيف يجيد الخادم ترتيب أولوياته؟ الخادم شخص نجح في ترتيب الأولويات في حياته فاختار الله وخدمته أولاً ثم واجباته نحو خلاص الآخرين وسعادتهم ثم نجاحه وتحقيقه لذاته ثم بعد ذلك تأتي الأمور الأخرى الخادم يعرف جيداً كيف يفاضل وكيف يختار ويعرف ما هو الأهم وما هو الواجب هناك خمسة قواعد تساعدنا على ترتيب اولوياتنا. القاعدة الأولي: الله ثم الآخرين وأخيرا نفسي. ما لله أولاً: ما يخص الله لابد أن يكون أول كل أمر وقبل أي شيء فالكتاب المقدس علمنا اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ (متى 6: 33) كذلك يعلمنا أن نعطي البكور أول الأشياء والوقت لله لماذا؟! الله أولاً لأن الله الآب هو مصدر حياتنا ولا تستمر بدونه فأي شيء أو أمر بدون الله الآب هو مصدر حياتنا ولا تستمر بدونه فأي شيء أو أمر بدون الله يكون مصيره الفناء فلا أولوية على أولوية التمسك بمصدر الحياة وسر استمرارها لذا يجعل الخادم الله هو الأول في يومه وفي أعماله وفي خدمته العبادة أولاً ثم واجباتنا يتمم الخادم صلواته وقراءاته الروحية قبل أن يخدم ويعلم ويفتقد الخادم بالله أولاً قبل لقاءه بالناس في حياته اليومية فلا يذهب لافتقاد دون أن يصلي ولا يعظ ويعلم دون أن يصلي ولا يعطي مشورة دون أن يطلب مشورة الله ولا يتكلم عن أمر دون ان يذكر الله وبمجد اسمه. واجبات الخادم تجاه الآخرين لها أولوية على ما يخصه الخادم لا يفعل ذلك بدافع الحب الباذل فقط ولكنه يعرف جيدا مفهوم الكنيسة الجسد الواحد ويشعر بمسئولية عن سلامة هذا الجسد وتماسكه ويعرف أن في سلامة الجسد سلامته ومن صحته خيره فكل عطاء للآخرين يعود خيرا عليك فسلامة أسرتك يحقق استقرارك نمو كنيستك ينشط روحانياتك استقرار مجتمعك يمنحك الأمان كذلك بقدر عطائك للآخرين تتحقق إنسانيتك ثم إن السيد المسيح كان له توجيها خاصا إيجابيا للخدام من أراد أن يكون أول الكل فليكن أخر الكل وخادم للكل. القاعدة الثانية: العمل ثم الراحة. وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ (التكوين 2: 2) هذا ما يعلنه الله في بداية خلقه العالم العمل أولاً ثم الراحة أجعل الأولوية لما يبني حياتك روحيا أو جسديا أو اجتماعيا ثم بعد ذلك الراحة واللهو والمرح فعندما نأكل نعطي الأولوية للطعام الذي يبني الجسد ثم بعد ذلك الأطعمة ذات المذاق أو الشكل الحسن أو حسب المزاج فبهذه القاعدة نعطي الأولوية للمذاكرة والعمل ثم بعد ذلك الهواية والرحلة ونعطي الأولوية في الحياة الروحية للتعلم والتوبة ثم إلى الخدمة والتعليم. القاعدة الثالثة: الواجب لا يؤجل. في مثل العشرة عذارى العذارى الجاهلات ناموا قبل أن يجمعوا زيتا في آنيتهم وحينما أرادوا إصلاح ذلك جاء العريس ودخلت معه المستعدات وأغلق الباب ولم يفتح لهم بعد ذلك. في حياتنا لآبد أن نتذكر دائما أن هناك بابا يغلق وأن الأمور محكمة بوقت معين وزمن محدد فهناك أمور مستعجلة لا تحتمل التأجيل وهناك ما يمكن أن يؤجل إلى وقت أخر لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ. (الجامعة3 :1)* كذلك هناك أوقات مناسبة لأمور معينة بعدها لا يصلح عمل الأمر ويكون بلا معني وبلا قيمة وكما يقول الكتاب الكلام في غير وقته كالغناء في النوح( سيراخ 22: 6). فقترة الشباب المبكر والمراهقة فترة التعليم وليست فترة الحب والزواج هناك وقت لتعليم وآخر للزواج والعمل فلا نضيع فرصة التعليم فلنتعلم أولاً لأنه لن نجد وقتا للتعليم والدراسة فيما بعد لأبد أن تكون الأولوية لما لا يمكن تأجيله وهكذا فأمور كثيرة لا تؤجل التوبة لا تؤجل عمل الخير لا يؤجل الواجب لا يؤجل لنه لن ينفع في وقت آخر فما لا يؤجل لابد أن يأخذ أولوية تنفيذها على كل الأمور الأخرى. القاعدة الرابعة الأكثر احتياجا في ذلك الوقت له أولوية. عندما هرب إيليا من وجه إيزابيل الشريرة وسقط على وجهه في الصحراء أرسل له الله الملاك وأعطاه فطيرة ليأكل وماء ليشرب أولا ثم بعد أن ارتاح حدثه الله وعابته وعلمه وعرفه ماذا يفعل فعند التعب تكون الأولوية للراحة وللماء عند العطش فعند التعب نرتاح أولاً ثم نواصل العمل لأن العمل مع التعب يسبب المزيد من الإرهاق ويجعل العمل غير متقن. القاعدة الخامسة: أصنع ما تستطيع أولاً وأجل ما لا تستطيع إلى مراحله أخري. هناك أمور ليست في إمكانياتي أو قدراني الحالية فهذه أمور تؤجل أما الأمور التي تحسن مهاراتي وقدراتي هي التي أصنعها أولاً مثلاً تعلم ثم علم كن تلميذاً أولاً معلماً كذلك أبدا بالسهل من الأعمال ثم بعد ذلك العمال الصعبة.
المزيد
28 سبتمبر 2018

ثمار الروح القدس

وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ ٢٣وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. (غل 5 : 22). أبدأ اولاً بالتوجه بالشكر إلى محافظ مطروح سيادة اللواء علاء أبو زيد على ترحيبه و كل أجهزة المحافظة. و أعجبنى في سيادة المحافظ أن له رؤية والقائد الذي له رؤية دائماً يكون قائدا ناجحا. كما أشكر السيد اللواء مختار الصنبارى مساعد وزير الداخلية و مدير أمن مطروح و السيد اللواء عادل الطحلاوى مساعد مدير الأمن و السيد اللواء أشرف عبيد مساعد مدير الأمن كما أشكر أيضا الأستاذ سيد إمام سكرتير عام المحافظة و الأستاذ علاء عبد الشكور سكرتير عام مساعد المحافظة و المهندس محمد شريف مصطفى مدير الاستثمار بالمحافظة وكل الأحباء وكل الحضور. ونشكر نيافة الأنبا باخوميوس و كل الآباء الأساقفة المتواجدين معنا وكل الآباء الكهنة وكل الشمامسة وكل الأراخنة وكل الشعب والكورال أيضاً اللي قدم. واحنا في بداية سنة قبطية مصرية جديدة و التى بدأت فى 11 سبتمبر واحتفلنا فيها بعيد النيروز ” عيد رأس السنة القبطية ” كما احتفلنا بعيد الصليب بالأمس ، يجب أننا دائماً فى البداية نضع مبادىء لحياتنا. فالبداية الصحيحة تؤدي إلى نتائج صح و عشان كده أحب أن أكلمكم اليوم عن مبدأ ممكن تضعه لحياتك و المبدأ ده ممكن نسميه ” محبة – فرح – سلام ” .. 1- محبة: كلمة المحبة وهي الركن الأول بيمثل الإنسان الذي يشعر بيد الله التي خلقته ويشعر بمحبة الله في حياته. الإنسان في أيام عمره أحيانا ينسى الحكاية دي ، ينسى أن محبة الله هي التي انسكبت وهي التي خلقته ، فإن سألتك لماذا خلقني الله أجبتك إنه خلقني لأنه أحبني. كما هو مكتوب: “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” (يو 3 : 16). أحب العالم كله لذلك فمحبة الله هي نقطة البداية، إذا عشت أيها الإنسان وقلبك مملوء بمحبة الله أعلم أنك بدأت بشكل صحيح. ولكن انتبه فالمحبة لله ليست بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق. 2 – فرح: إن الفرح الشخصي الذي يعطيه لنا الله لا يستطيع العالم أن يعطيه لك .. سوف يعطيك فرحاً داخلياً حقيقي وهو احساس الرضا و احساس الشبع فأحيانا الإنسان يمتلك كل شيء ولكن نجده غير راضي ودائم الشكوى والتذمر أما الإنسان الذي عاش واختبر محبة فانه يمتلك فرحاً إنسانياً داخلياً. وهو ما يختلف عن فرح الإنسان حينما يقضي وقتا طيبا وسط اصحابه يزور مكان جديد فكل هذه الأشياء سطحية و وقتية أما الفرح الذي من الله فهو دائم . 3 – سلام: إذا اختبرت الحب الإلهي وعشت الفرح الشخصي ستصل إلى الركن الثالث و هو السلام الإجتماعي و تستطيع أن تصنع سلاما فى الأسرة وفى العمل وفى المجتمع. … لماذا يصعب على الناس صنع هذا السلام ؟ لان قلبه ليس فيه فرح شخصي ولم يختبر محبة الله ولكن طوبي لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون .. هناك نوعان في الصناعة صناعات خفيفة و ثقيلة و لكن النوع الأصعب هي صناعة السلام ، فالإنسان الواعى هو هو الذي يستطيع أن يصنع سلاما فى كل عمل صالح. فبكلمة حلوة تكسب ناس كتيرة ، بكلمة تشجيع تكسب ناس كتيرة وبروحك الحلوة تستطيع أن تكسب شعوبا ولعل أوضح قصة على صناعة السلام هى قصة أبراهيم و لوط . هذا المبدأ يا أخواتي يصلح لنا جميعاً و لكن لابد أن يكون الثلاث اركان معاً ، ومحبة الله تكون فينا . قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
23 فبراير 2019

خِدْمَةُ الْمُحْتَاجِينَ

خدمة محبوبة ومتصلة اتصالاً وثيقًا بالإنجيل؛ ذلك أن المسيح اعتبر نفسه ضمن إخوته : الجوعى والعطاش والمحتاجين إلى الغذاء والشراب، إخوته العرايا المحتاجين إلى الكساء والدفء، إخوته الغرباء والمحتاجين إلى المأويَ والمساعدة، إخوته المرضى المحتاجين إلي العلاج والزيارة والمواساة والتغذية والتدعيم؛ خاصة ذوﻱ العلل المستعصية، إخوته السجناء المحتاجين إلى الحرية والتغذية والتقويم ... أكد المسيح أن خدمة المحتاجين هي خدمة مباشرة له هو، وان هذة الخدمة تقدم خفية وعلانية وستعلن لأصحابها في اليوم الاخير. ( مت ٢٥ : ٣١ ) ويمكن أن يضاف إلى قائمة (المحتاجين) الأيتام المحرومين من الأمومة والأبوة، والمحاصرين بالهموم والحزانى والمسنين الذين يعيشون في بيوت خاصة بعيدًا عن ذويهم، وذوﻱ الاحتياجات الخاصة، والمحرومين من بعض الحواس؛ كالمكفوفين والصُم والبُكم، والمرضى النفسيين، وبعض هذة الفئات تعمل الكنيسة على خدمتهم والعناية بهم بسخاء وسرور؛ كقديسين وككنوز فيها، أحباء للرب وإخوته وخاصته الخصوصيين ولا بُد أن نضم إلى هؤلاء فئة المضطهدين والمهمشين والمهجَّرين، الذين شُردوا وحُرقوا واستُبيحوا من أجل الإيمان بالمسيح، خلال العشرة سنوات الماضية تحديدًا، فما أعظم مكافأة المؤسسات والخدام الذين سيغمرهم العطاء الإلهي من أجل أتعابهم؛ ولو أدرك أﻱ خادم فيض البركات التي ينعم بها الله عليه إزاء خدمته مهما تضاءلت؛ لَمَا تردد أو تخلف عن خدمة أﻱ محتاج، وها هو الرب يؤكد أنه حتى أصغر الخدمات لن تُنسىَ قدامه، بل هي محفوظة عنده، ( ومن سقىَ أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط بإسمي، فالحق أقول لكم إنه لا يضيع أجره) ( مت ١٠ : ٤٢ ) ( مر ٩ : ٤١ )؛ لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه؛ إذ قد خدمتم القديسيين وتخدمونهم ( عب ٦ : ١٠ ) كل من يرحم يُرحم، وكل من يعطي بسرور يحبه الله؛ ويعطيه بسخاء كيلاً جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا؛ لأن خدمة الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين والمرذول هي شهادة على صدق الإيمان بالمسيح ومحبته ( مت ٢٥ : ٣٤ )، كما جعل الرب إهمال هذه الخدمة بسبب الانحصار في الذات، إنكارًا للإيمان؛ والنتيجة هي السقوط من رحمه الله (فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدﻱ) ( مت ٢٥ : ٤٦ ) ولأن خدمه الآخر تنطلق من إنكار الذات؛ فهي تسهم بالتالي في تراجعها؛ والانشغال بتخفيف آلام الآخرين وسد احتياجاتهم ومشاركه همومهم. وبقدر ما نتجرد ونتسع؛ يحضر فينا المسيح بغناه ورضاه، (مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ) ( أع ٢٠ : ٣٥ ) الملكوت الآن في طور التحقق عمليًا؛ حتي يوم وصول العريس السماوﻱ... ملكوت حاضر، ملكوت قريب، ملكوت على الأبواب، ملكوت حالي وواقع ومستقبلي؛ دشنه مسيحنا ليبشر المساكين ويشفي منكسرﻱ القلوب؛ ويطلق المأسورين وينعم بالبصر للعميان ويمنح المنسحقين حرية؛ ويكرز بسنته المقبولة، وها اليوم يتم المكتوب في مسامعنا عبر خدمة المحتاجين؛ حينما لا نقف بطّالين متفرجين؛ بل ساعين لخدمة بشارة الملكوت المكتشف بتطبيق عملي واستغناء عن قيم العالم الكاذبة المزيفة، فالذﻱ يعمل أعمال الملكوت : يدخله ويدركه ويُشفىَ ويتبع الملك؛ لا بالحصرية أو الدفاعية بل بإنفتاحه نحو الآخرين؛ الذﻱ يعكس إنفتاح الله نحو أولاده المشردين والمنبوذين والمبغضين التطبيق والممارسة في خدمة المحتاجين هما طريقتنا في المساهمة في بناء ملكوت الله، وهي إعلان يسوع لملكوت الله في ضوء التوقعات المعبر عنها في شخصية العبد المتألم (أش ٥٣)؛ الذﻱ يحرر المظلومين والمسحوقين؛ والذين يعانون من العمى والصمم الروحيين، فيعلن ملكوت رب الجنود... ملكوت إلهنا وتحقيق المأمورية والبوصلة العظمى بصناعة الرحمة وأحشاء الرأفة في خدمة كل محتاج. القمص أثناسيوس چورچ كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
14 أكتوبر 2019

الحياة الأبدية عند الرسولين يوحنا وبولس

الحياة الأبدية هي نعمة وعطية من الله، وشركة روحية مع الثالوث القدوس، ومجهَّزة للبشر القديسين بقصد أي بإرادة إلهية من قَبل خلق العالم. وضعها الله في شجرة الحياة في الفردوس، ثم منحها كوعد للقديسين بعد إتمام الفداء بواسطة تجسد ابنه الوحيد وصلبه وقيامته. وأودعها في كنيسته في سر التناول من جسده ودمه الأقدسين؛ حتى قال الآباء عن التناول إنه "هو شجرة الحياة التي لا يموت آكلوها". ويقول الكاهن في القداس الإلهي في الاعتراف الأخير عن هذا السر العظيم "يُعطى عن خلاصًا، وغفرانًا للخطايا، وحياة أبدية لمن يتناول منه".أي أن الاتحاد بالمسيح في سر الإفخارستيا، هو اتحاد بحسب الطاقة أي بالنعمة بعطية الحياة الأبدية. لذلك قال السيد المسيح: «أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ» (يو6: 51).والكلام عن الحياة الأبدية كثير في أسفار الكتاب المقدس في العهد الجديد. ولكن رأينا تناغمًا كثيرًا بين ما كتبه بولس الرسول، وما كتبه يوحنا الرسول في رسائلهما. ونورد بعض الأمثلة عن ذلك:يقول معلمنا بولس الرسول:«الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى اعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي اعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي ابْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ» (2تي1: 9، 10).ويقول أيضًا: «عَلَى رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، الَّتِي وَعَدَ بِهَا اللهُ، الْمُنَّزَهُ عَنِ الْكَذِبِ، قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ» (تي1: 2).وأيضًا «مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبَلِ، لِكَيْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ» (1تي6: 19).وأيضًا: «جَاهِدْ جِهَادَ الإِيمَانِ الْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي الَيْهَا دُعِيتَ أَيْضًا» (1تي6: 12).وأيضًا: «مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ انْتُمْ ايْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ» (كو3: 4).ويقول معلمنا يوحنا الرسول:«الَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلًا» (1يو1: 1-4).وقال أيضًا: «وَهَذَا هُوَ الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (1يو2: 25).وأيضًا: «وَهَذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهَذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ» (1يو5: 11).وأيضًا: «مَنْ لَهُ الاِبْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ» (1يو5: 12). نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد
18 مايو 2019

ظنت أنه البستاني

بعد الصلب أخذ يوسف الرامي جسد يسوع، وجاء نيقوديموس، ووضعا الجسد المقدس في القبر الذي كان قريبًا جدًا من الجلجثة. وذلك حسبما ذكر معلمنا يوحنا في إنجيله "وكان في الموضع الذي صُلب فيه بستان، وفي البستان قبر جديد لم يوضع فيه أحد قط، فهناك وضعا يسوع لسبب استعداد اليهود لأن القبر كان قريبًا" (يو19: 41، 42) وفي اتضاع عجيب ظهر السيد المسيح بعد قيامته في هيئة بستاني لمريم المجدلية التي كانت عند القبر ثم "التفتت إلى الوراء، فنظرت يسوع واقفًا. ولم تعلم أنه يسوع. قال لها يسوع يا امرأة لماذا تبكين من تطلبين؟ فظنت تلك أنهالبستاني فقالت له يا سيد إن كنت أنت قد حملته، فقل لي أين وضعته وأنا آخذه" (يو20: 14، 15) وهكذا لم يظهر السيد المسيح على الأرض بعد قيامته في صورة ملك متوج بالذهب والماس والثياب الملوكية، بل في صورة بستاني بسيط!بدأت القصة الأولى للبشرية في بستان، حيث وضع الرب الإله آدم في الجنة ليعملها (انظر تك2: 15). فكان آدم هو البستاني في الفردوس الأول ولكن آدم الأول لم يتمكن من البقاء في الفردوس أي في الجنة ليعملها، بل طُرد خارجًا. وصارت الأرض تنبت له شوكًا وحسكًا وجاء آدم الأخير، أو آدم الثاني، وحمل الأشواك على جبينه، ثم فتح الفردوس السماوي، وأدخل آدم وبنيه إلى هناك. ثم قام من الأموات، وجاء إلى الفردوس المجاور للقبر، وظهر في هيئة بستاني لمريم المجدلية. لكي يعيد إلى الأذهان قصة الخروج من الفردوس. ويؤكد أن الإنسان قد عاد مرة أخرى في شخصه المبارك ليعمل الجنة الجديدة، وهي كنيسته المقدسة، التي قال عنها: "أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم. أغراسك فردوس رمان مع أثمار نفيسة فاغية وناردين" (نش4: 12، 13) وقال سفر نشيد الأناشيد بروح النبوة عن قيامة السيد المسيح ودخوله إلى البستان بعد أن تألم، وقُبر، ووضعوا المر والعود حول جسده في القبر، ثم أكل شهد عسل مع تلاميذه بعد القيامة "قد دخلت جنتي يا أختي العروس. قطفت مري مع طيبي، أكلت شهدي مع عسلي" (نش5: 1) وكتب في نفس السفر أيضًا عن السيد المسيح "حبيبي نزل إلى جنته إلى خمائل الطيب ليرعى في الجنات ويجمع السوسن. أنا لحبيبي وحبيبي لي. الراعي بين السوسن" (نش6: 2، 3) وقالت عروس النشيد "استيقظي يا ريح الشمال وتعالى يا ريح الجنوب. هبي على جنتي فتقطر أطيابها. ليأت حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش4: 16) ما أجمل هذا المشهد العجيب: آدم الجديد في البستان مع إشراقة فجر جديد في حياة البشرية، إنه مشهد القيامة والحياة الجديدة تراه الكنيسة، فتنادى طالبة هبوب ريح الروح القدس من الشمال حاملة مياه النعمة الغزيرة، ومن الجنوب حاملة حرارة الحب الذي تنضج معه ثمار الروح في حياتها. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
08 مايو 2019

القيامة العامة يتبعها التمتع بما لا يُرى

أود أن أحدثكم في هذا العام المبارك عن جوهر المتعة في العالم الآخر بالقيامة, وهي قول الكتاب المقدس "ما لم تره عين, ولم تسمع به إذن, ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبونه" (اكو 9:2). ولهذا نصحنا الكتاب بقوله "غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى, بل إلى التي لا تُرى, لأن التي تُرى وقتية, وأما التي لا تُرى فأبدية" (2 كو 4: 18).فما هي إذن تلك الأشياء التي لا تُرى؟ وما الذي لم تره عين وقد وُعدنا أن نتمتع به في الأبدية؟ من الأشياء التي لا تُرى: الأبدية: نحن نسمع عن الأبدية, ونقرأ عنها في وعود الله, ولكننا لم نرَ الأبدية, فكل شيء أمامنا إلي زوال, وحياتنا علي الأرض لها نهاية. فالذي ينظر باستمرار إلى الأبدية, وإلي امتداد حياته بعد الموت, يعمل لهذه الأبدية, ويستعد لها باستمرار, بالتوبة والعمل الصالح ونشر الخير في كل مكان ومع كل أحد, والذي يفكر في الأبدية باستمرار, لا ينظر إلي هذا العالم الحاضر, ولا يهتم به, موقنا بأن العالم يبيد وشهوته معه. كذلك لا يركز رغباته في المادة ولا يشتهيها... هو يعيش في العالم, ولكن العالم لا يعيش فيه, كما يمكنه أن يملك المادة, ولكن لا يسمح للمادة أن تملكه, بل يستخدمها للخيرإن العالم والمادة من الأشياء التي تُرى , فهي لذلك وقتية -فلا يجعلهما سببا لضياعه روحيًا- فقد قال السيد المسيح "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" (مت 16: 26) ولهذا كل ما نفقده من العالم والمادة لا نحزن عليه, لأنه سوف لا يصحبنا في اليوم الأخير, ولا يكون معنا في الأبدية. أيضا من الأمور التي لا تُرى: الملائكة وأرواح الأبرار: إن الملائكة أرواح, وهم حولنا يروننا, وينقذوننا من أخطار كثيرة, وعلى الرغم من وجودهم حولنا, فنحن لا نراهم بهذه العيون المادية, ولكننا سنراهم بلا شك بعد القيامة في الأبدية السعيدة, وكذلك سنرى أرواح الأبرار الذين سبقونا إلي السماء أما الآن, فنحن بالروح نؤمن بوجود الملائكة, ونراهم بالإيمان ونستحي أن نفعل خطية في حضرتهم, على الرغم من أنها غير مرئية حاليًا. من الأشياء التي لا تُرى أيضا: الروح:- الروح لا تُرى, أما الجسد فهو من المرئيات, لذلك فالشخص الروحي, يحيا مهتمًا بروحه, وغذائها الروحي, وإن كان الجسد له غذاؤه المادي, فإن الروح تتغذى بحياة الفضيلة والبر, وتتغذي بمحبة الله وبعمل الخير, وبالصلاة والتسبيح, وبكلام الله في عمقه وروحانيته, والإنسان الذي يهتم بأبديته, يحرص على نموه الروحي وعلى التدريبات الروحية النافعة له. ذلك لأن اهتمامه بروحه ومصيرها الأبدي يجعله يبذل كل جهده في عمل ما يربطها بالله ووصياه فتكون مقدسة له.في نفس الوقت يجعل روحه هي التي تقود جسده, ولا تخضع أبدًا لغرائزه, بل بكل حرص وتدقيق, تتخلص من شهوات الجسد, ومن طياشة الحواس, ومن شهوة العين وتعظم المعيشة. فلا يكون لهذه المرئيات سلطان عليه كل متع الحياة الأرضية من الأشياء التي تُرى, أما متع الأبدية فهي ما لم تره عين, ولم يخطر علي قلب إنسان وهكذا فإن الآباء النسّاك, قد نظروا إلى كل متع هذه الحياة, فإذا هي زائلة وفانية لا تستحق اهتمامهم, فارتفعوا فوق مستواها وفوق كل رغبة فيها, وماتوا عن العالم, وزهدوا كل متعه الأرضية, ناظرين إلى ما سوف يتمتعون به بعد القيامة وفي هذا المعنى يقول القديس أغسطينوس "جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أني لا أشتهي شيئًا ولا أخاف شيئًا"وأكبر مثال في الارتفاع عن كل المرئيات، وعن الحياة الأرضية ذاتها، مثال الشهداء الذين تقدموا إلى الموت بفرح، غير ناظرين إلى العالم وكل ما فيه، ورافضين الإغراءات التي عرضت عليهم. ذلك لأنهم كانوا مركّزين كل أبصارهم وقلوبهم في ما لا يرى في الحياة بعد الموت. من الأشياء التي لا تُرى أيضا, المعنويات:- وأعني بها المُثل, القيم, والمبادئ, والحق, والخير, والبر... وأيضًا الإيمان لأنه هو "الثقة بما يرجى, والإيقان بأمور لا تُرى" فالذي يعيش بالإيمان, إنما يعيش ناظرًا إلى ما لا يُرى. وهو حينما يتطلع إلى السماء, لا ينظر فقط إلى هذا الغلاف الجوي المحيط بنا, الذي تسبح فيه الطائرات ولا إلي الفَلَك الذي توجد فيه الشمس والأجرام السماوية البعيدة, وإنما إلي ما هو فوق ذلك بكثير... إلى السماء التي فيها الملائكة وعرش الله, والتي فيها كل شيء يسير حسب مشيئة الله, فلا خطية ولا عصيان. وأيضا السماء التي فيها أرواح الأبرار منتظرين يوم القيامة, وبدء الحياة الأبدية والذين ينظرون إلى ما لا يُري, يتوجهون بقلوبهم وأفكارهم إلى الله -جلّت قدرته- الله الذي لم يره أحد قط في لاهوته.إننا لم نرَ الله, لأن عيوننا هذه قاصرة عن رؤياه. ولكننا رأينا قوته وعجائبه, وعمل نعمته فينا وفي غيرنا. رأينا يده التي لا تُرى, وهي تتدخل في مشاكلنا وتحلها. ورأينا كرمه الذي يفتح كوى السماء ويفيض علينا, ويشبع كل حي من رضاه... ورأينا الله كيف يقيم الحق, ويسحق الباطل, وكيف يحكم للمظلومين.أما المتعة الحقيقية بعشرة الله في الأبدية فهذا ما لم نره بعد, ولكننا ننتظره بالإيمان.. الإيمان بما لم تره عين ولم يخطر على بال إنسان أما كيف سنتمتع بعشرة الله في الأبدية, وما كنه تلك العشرة؟ فمن جهة هذا الأمر من الخير لي أن أصمت. إن الأبدية هي التي ستعلن لنا هذا الأمر الذي غالبا ما تعجز اللغة عن شرحه ووصفه..!ومادامت الأبدية بهذا الجمال الذي لا يوصف, إذن يجب علينا أن نستعد لها.نستعد لها بمحبتها قبل أن نصل إليها. ونستعد لها بعدم التعلق بالمرئيات والانشغال بها. حقا إن القلب الذي يرتفع فوق المرئيات, هو حصن منيع لا ينهدم. إنه مستوي فوق العالم وفوق المادة والجسد فالذي يتعلق قلبه تماما بحب المرئيات وشهوة الأمور التي في العالم, هذا المسكين حينما يترك الجسد ويصعد إلى السماء, أيجدها غريبة عليه؟! أو يصاب بالإحباط الذي لا يجد فيها ما يشتهيه من متع الدنيا؟ أم تراه يسأم السماء -إن كان قد وصل إليها- ويرى هذه الدنيا هي الأفضل!!لذلك يا أخوتي وأبنائي علينا أن نتدرب من الآن علي محبة السمائيات ومحبة الأمور التي لا تُري. ونكنز لنا كنوزا في السماء, إن ذهبنا إلى هناك نجدها نعمل ما نستطيعه, ونطلب من نعمة الله أن تكمل لنا ما لا نقدر عليه. ولنتمسك بذلك الهدف السامي. قداسة المتنيح البابا شنودة الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل