المقالات

14 ديسمبر 2019

تسبحة 7 و 4 والأربعة هوسات

إن تسبحة كيهك التي تُصلى ليالي الآحاد الكيهكية هي تسبحة كل أحد على مدار السنة لأنه هو يوم القيامة، الذي تحتفل فيه الكنيسة بهذه الذكرى أسبوعيًا، بسهرها حتى طلوع الفجر الذي قام فيه السيد المسيح وعند طلوع الفجر كانت البُشرى الملائكية بدحرجة الحجر، وإعلان القيامة المجيدة فبعد أن تُصلى صلوات مزامير نصف الليل بخدماتها الثلاثة يُقرأ في أول خدمة إنجيل لقاء العريس مع العذارى اللواتي استعددن بإيقادهن مصابيحهن(مت25: 1-13)"حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا، وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. فَقَالَتِ الْجَاهِلاَتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ قَائِلاتٍ: لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ، وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. أَخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضًا قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا! فَأَجَابَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ" (مت25: 1-13). وفي الخدمة الثانية نصلي إنجيل التوبة "المرأة الخاطئة"، ولقاء المحبة مع السيد المسيح في بيت الفريسي، فنشتم رائحة طيب عطرة (هي أصلًا رائحة دموع المرأة الخاطئة وليست رائحة الطيب المسكوب).. فدموعها التي بللت بها قدمي المُخلّص هي أقصر قيمة وأريجًا من رائحة الطيب المسكوب.. (لو7: 36-50)"وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ الْفَرِّيسِيِّ وَاتَّكَأَ. وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ. فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذلِكَ، تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قِائِلًا: "لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ". فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: "يَا سِمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ". فَقَالَ: "قُلْ، يَا مُعَلِّمُ". "كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعًا. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟" فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ:"أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ". فَقَالَ لَهُ: "بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ". ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: "أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلًا". ثُمَّ قَالَ لَهَا: "مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ". فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: "مَنْ هذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضًا؟". فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ" (لو7: 36-50). ونختم صلوات الخدمة الثالثة بوعد الراعي لقطيعه بعدم الخوف من أي شيء.. هذا القطيع ولو أنه صغير ومفروز من العالم، لكنه بإطاعته لراعيه أصبح الرب من نصيبه ومن حقه أن يرث الملكوت.. (لو 12: 32-40)"لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ. بِيعُوا مَا لَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً. اِعْمَلُوا لَكُمْ أَكْيَاسًا لاَ تَفْنَى وَكَنْزًا لاَ يَنْفَدُ فِي السَّمَاوَاتِ، حَيْثُ لاَ يَقْرَبُ سَارِقٌ وَلاَ يُبْلِي سُوسٌ، لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضًا. "لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً، وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجعُ مِنَ الْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ. طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدُمُهُمْ. وَإِنْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّانِي أَوْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّالِثِ وَوَجَدَهُمْ هكَذَا، فَطُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ. وَإِنَّمَا اعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي السَّارِقُ لَسَهِرَ، وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ" (لو 12: 32-40). وتبدأ التسبحة بلحن نُصليه يوميًا.. وهو لحن (تين ثينو Ten;ynou)، ومعناه: "قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات".. وهنا نجد الكنيسة تحثنا على السهر، الذي هو تعبير عن الوقوف في نور السيد المسيح، لنسبح رب القوات، لأن بنوره نعاين النور.. وهنا ينطبق قول بولس الرسول: "جَمِيعُكُمْ أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. لَسْنَا مِنْ لَيْل وَلاَ ظُلْمَةٍ. فَلاَ نَنَمْ إِذًا كَالْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ... فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ الْخَلاَصِ" (1تس5: 4-8) وكلمة "اسهروا" نجدها من أكثر الكلمات التي تكررت في الأناجيل، لأنها هي متعة روحية تنعش الروح، وتجدد النفس، وتقوي العلاقة بين الإنسان والله فالسهر في تسبيح رب القوات خالق الكل هو: - اشتراك في تمجيد مع القديسين والملائكة في تمجيد الرب. - وتدريب على الوجود مع الله باستمرار. - وأيضًا استعداد للقاء العريس السماوي.. فهو تصريح واضح لأصحاب المصابيح الموقدة للدخول مع العريس السماوي عندما يأتي الصوت الصارخ: "هوذا العَريسُ مُقبِلٌ، فاخرُجنَ للِقائهِ!" (مت25: 6). ولاشك أن السهر في بدايته يكون عبئًا على الإنسان وشيئًا ثقيلًا عليه، ولكن مع جهاد الإنسان وتخطيه هذه المرحلة بالتغصب (يبدأ بالتغصب.. أي تغصب الذات على السهر، وينتهي بالحب).. تنتهي هذه المرحلة بالمحبة الغير محدودة، والانطلاقة الروحية التي لا يساويها شيء، وهي أن يقضي الإنسان ليلة في التسبيح والشكر وتقديم صلوات يشتمها ضابط الكل رائحة بخور عطرة، فيتحول السهر داخل الإنسان من شيء ثقيل إلى عادة شهية لذيذة، يتمتع بها، ولا يستطع فيما بعد أن يتخلى عنها أو يفضل النوم عنها. أقسام تسبحة 7 و 4 تسمى التسبحة الكيهكية (7 و4) لأنها تتكون من أربع هوسات، ويعقبها سبع إبصاليات، ثم سبع ثيؤطوكيات، مرتبة على سبعة أيام الأسبوع،وكل يوم من أيام الأسبوع له "إبصالية" و"ثيؤطوكية" الخاصة به، وهذا بخلاف المدائح العربية والابصاليات القبطية المرتبة على الأربع هوسات.. والهدف من ذلك هو إطالة وقت التسبيح الذي نتمتع به في تسبيح رب القوات وخالق الكل.. وأيضًا الطروحات المترتبة على الهوسات والمَجمَع والثيؤطوكيات، التي تفسر لنا مع تذكرة ما نركز عليه في هذا اليوم. وإليك فكرة بسيطة عن ترتيب التسبحة: (1) الهوس الأول هو عبارة عن تسبحة موسى النبي والشعب كله عندما عبروا البحر الأحمر، وهى المسجلة بالتفصيل فيسف الخروج (خر 15) "حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هذِهِ التَّسْبِيحَةَ لِلرَّبِّ وَقَالُوا: "أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ. الرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي، وَقَدْ صَارَ خَلاَصِي. هذَا إِلهِي فَأُمَجِّدُهُ، إِلهُ أَبِي فَأُرَفِّعُهُ. الرَّبُّ رَجُلُ الْحَرْبِ. الرَّبُّ اسْمُهُ. مَرْكَبَاتُ فِرْعَوْنَ وَجَيْشُهُ أَلْقَاهُمَا فِي الْبَحْرِ، فَغَرِقَ أَفْضَلُ جُنُودِهِ الْمَرْكَبِيَّةِ فِي بَحْرِ سُوفَ، تُغَطِّيهِمُ اللُّجَجُ. قَدْ هَبَطُوا فِي الأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ. يَمِينُكَ يَا رَبُّ مُعْتَزَّةٌ بِالْقُدْرَةِ. يَمِينُكَ يَا رَبُّ تُحَطِّمُ الْعَدُوَّ. وَبِكَثْرَةِ عَظَمَتِكَ تَهْدِمُ مُقَاوِمِيكَ. تُرْسِلُ سَخَطَكَ فَيَأْكُلُهُمْ كَالْقَشِّ، وَبِرِيحِ أَنْفِكَ تَرَاكَمَتِ الْمِيَاهُ. انْتَصَبَتِ الْمَجَارِيَ كَرَابِيَةٍ. تَجَمَّدَتِ اللُّجَجُ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ. قَالَ الْعَدُوُّ: أَتْبَعُ، أُدْرِكُ، أُقَسِّمُ غَنِيمَةً. تَمْتَلِئُ مِنْهُمْ نَفْسِي. أُجَرِّدُ سَيْفِي. تُفْنِيهِمْ يَدِي. نَفَخْتَ بِرِيحِكَ فَغَطَّاهُمُ الْبَحْرُ. غَاصُوا كَالرَّصَاصِ فِي مِيَاهٍ غَامِرَةٍ. مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزًّا فِي الْقَدَاسَةِ، مَخُوفًا بِالتَّسَابِيحِ، صَانِعًا عَجَائِبَ؟ تَمُدُّ يَمِينَكَ فَتَبْتَلِعُهُمُ الأَرْضُ. تُرْشِدُ بِرَأْفَتِكَ الشَّعْبَ الَّذِي فَدَيْتَهُ. تَهْدِيهِ بِقُوَّتِكَ إِلَى مَسْكَنِ قُدْسِكَ. يَسْمَعُ الشُّعُوبُ فَيَرْتَعِدُونَ. تَأْخُذُ الرَّعْدَةُ سُكَّانَ فِلِسْطِينَ. حِينَئِذٍ يَنْدَهِشُ أُمَرَاءُ أَدُومَ. أَقْوِيَاءُ مُوآبَ تَأْخُذُهُمُ الرَّجْفَةُ. يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ. تَقَعُ عَلَيْهِمِ الْهَيْبَةُ وَالرُّعْبُ. بِعَظَمَةِ ذِرَاعِكَ يَصْمُتُونَ كَالْحَجَرِ حَتَّى يَعْبُرَ شَعْبُكَ يَا رَبُّ. حَتَّى يَعْبُرَ الشَّعْبُ الَّذِي اقْتَنَيْتَهُ. تَجِيءُ بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِ مِيرَاثِكَ، الْمَكَانِ الَّذِي صَنَعْتَهُ يَا رَبُّ لِسَكَنِكَ الْمَقْدِسِ الَّذِي هَيَّأَتْهُ يَدَاكَ يَا رَبُّ. الرَّبُّ يَمْلِكُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ". فَإِنَّ خَيْلَ فِرْعَوْنَ دَخَلَتْ بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ إِلَى الْبَحْرِ، وَرَدَّ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ مَاءَ الْبَحْرِ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى الْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ. فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ النَّبِيَّةُ أُخْتُ هَارُونَ الدُّفَّ بِيَدِهَا، وَخَرَجَتْ جَمِيعُ النِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ. وَأَجَابَتْهُمْ مَرْيَمُ: "رَنِّمُوا لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ..." (خر 15: 1-21) والبحر الأحمر هنا يذكرنا أنه كان رمزًا للمعمودية، التي تُعتبر حدًا فاصلًا بين فرعون وجنوده، وبين الشعب الماشي في البرية مع إلهه فالكنيسة بعبور أولادها في مياه المعمودية.. هي الآن في برية العالم، وترنم تسبحة الغلبة والخلاص (ترنيمة موسى).. فهي تُرتلها كل يوم إلى أن تُرتلها في تمام الغلبة والنُصرة في الأبدية.. كما ذكر ذلك مُعلمنا يوحنا الرائي.. "ثُمَّ رَأَيْتُ آيَةً أُخْرَى فِي السَّمَاءِ، عَظِيمَةً وَعَجِيبَةً: سَبْعَةَ مَلاَئِكَةٍ مَعَهُمُ السَّبْعُ الضَّرَبَاتُ الأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ اللهِ. وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَالْغَالِبِينَ عَلَى الْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِهِ وَعَدَدِ اسْمِهِ، وَاقِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ الزُّجَاجِيِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ اللهِ، وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، وَتَرْنِيمَةَ الْخَرُوفِ قَائِلِينَ: "عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! عَادِلَةٌ وَحَق هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ! مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَارَبُّ وَيُمَجِّدُ اسْمَكَ؟ لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ" (رؤ15 : 1–4) ومن هنا نجد ارتباطًا قويًا بين كنيسة العهد القديم في رموزها، وبين كنيسة العهد الجديد.. كنيسة تحقيق الرموز. إن الكنيسة اليوم ترتل ترنيمة الغلبة وهي عابرة بحر هذا العالم، لتؤكد لنا نصرتنا على العالم وشهواته، ولترفع من أرواحنا المعنوية في جهادنا وحربنا الغير منظورة مع قوات الشر الروحية، وأيضا تأكيدًا لقوة الله وروحه القدوس الذي يعمل فيها.. فهي سر نصرتنا.. فهي تؤكد لنا أن الشيطان قد ذُل وهو يغوص مثل الرصاص في بحر ليس له قرار.. أي جرن المعمودية). (2) الهوس الثاني هو عبارة عن المزمور (135)"هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا اسْمَ الرَّبِّ. سَبِّحُوا يَا عَبِيدَ الرَّبِّ، الْوَاقِفِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فِي دِيَارِ بَيْتِ إِلهِنَا. سَبِّحُوا الرَّبَّ لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ. رَنِّمُوا لاسْمِهِ لأَنَّ ذَاكَ حُلْوٌ. لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ يَعْقُوبَ لِذَاتِهِ، وَإِسْرَائِيلَ لِخَاصَّتِهِ. لأَنِّي أَنَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ، وَرَبَّنَا فَوْقَ جَمِيعِ الآلِهَةِ. كُلَّ مَا شَاءَ الرَّبُّ صَنَعَ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ، فِي الْبِحَارِ وَفِي كُلِّ اللُّجَجِ. الْمُصْعِدُ السَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ. الصَّانِعُ بُرُوقًا لِلْمَطَرِ. الْمُخْرِجُ الرِّيحِ مِنْ خَزَائِنِهِ. الَّذِي ضَرَبَ أَبْكَارَ مِصْرَ مِنَ النَّاسِ إِلَى الْبَهَائِمِ. أَرْسَلَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي وَسَطِكِ يَا مِصْرُ، عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى كُلِّ عَبِيدِهِ. الَّذِي ضَرَبَ أُمَمًا كَثِيرَةً، وَقَتَلَ مُلُوكًا أَعِزَّاءَ: سِيحُونَ مَلِكَ الأَمُورِيِّينَ، وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ، وَكُلَّ مَمَالِكِ كَنْعَانَ. وَأَعْطَى أَرْضَهُمْ مِيرَاثًا، مِيرَاثًا لإِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ. يَا رَبُّ، اسْمُكَ إِلَى الدَّهْرِ. يَا رَبُّ، ذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. لأَنَّ الرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ. أَصْنَامُ الأُمَمِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ. لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. كَذلِكَ لَيْسَ فِي أَفْوَاهِهَا نَفَسٌ! مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، وَكُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا. يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَارِكُوا الرَّبَّ. يَا بَيْتَ هَارُونَ، بَارِكُوا الرَّبَّ. يَا بَيْتَ لاَوِي، بَارِكُوا الرَّبَّ. يَا خَائِفِي الرَّبِّ، بَارِكُوا الرَّبَّ. مُبَارَكٌ الرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ، السَّاكِنُ فِي أُورُشَلِيمَ. هَلِّلُويَا" فهذا المزمور هو تسبحة شكر خالص لله.. وهذا الشكر هو الذي تُقدمهُ الكنيسة لله خالقها ومدبرها وراعيها من أجل محبته لها ولنا.. (فالكنيسة هي نحن).. فهو الذي أنقذها عندما عبر بنا بحر الموت، وقد أعالنا في البرية، ويعولنا حتى اليوم في برية العالم، ويقوتنا بجسده ودمه الأقدسين، كما أعال الشعب في البرية أربعين سنة.. وثيابه لم تُبلى، ونِعال رجليه لم تتهرأ، وأعطاهم المَن من السماء.. فهو أعطانا اليوم المَن السماوي الذي يأكل منه لا يموت إلى الأبد إن الشكر هو طبيعة الكنيسة المجاهدة كل يوم.. فكما قال مار إسحق:"ليست موهبة (عطية) بلا زيادة إلاَّ التي بلا شكر".. فنحن نشكره لأنه يحتمل ضعفاتنا البشرية، ويستر ضعف طبيعتنا الساقطة، ويغسل أرجلنا التي اتسخت بخطايا وأقذار العالم بالتوبة والاعتراف، ويجدد طبيعتنا، ويعطينا الحياة بدل الموت بالإفخارستيا أي جسده ودمه الحاضرين كل يوم على المذبح.. فهو يقودنا في موكب نصرته من مجد إلى مجد. (3) الهوس الثالث هو عبارة عن تسبحة الثلاثة فتية القديسين (وهذه التسبحة مدونة في الكتاب المقدس وقد حذفها البروتستانت في طبعة بيروت).. وملخص هذه التسبحة هو أن الملك أمر بإلقاء الثلاثة فتية القديسين في أتون النار المتقدة.. فرغم أن النار لم تنطفئ لكنها لم تمسهم بأي أذى، ثم بعد ذلك اكتشف الملك وجود شخص رابع (شبيه بابن الآلهة) يتمشى معهم وسط الآتون.. وهذا الهوس ترتله الكنيسة بنغمة الابتهاج والفرح، لتعلن لنا هذه المعاني الروحية السامية وهي أن السلام الداخلي لا يُعني زوال التجارب والآلام عنا.. لكنه يعني وجود الله معنا في وسط نيران العالم.. فمفهوم التجربة في المسيحية هي أنها لا تحل بزوالها، ولكن باجتياز الرب معنا في هذه التجربة، وبحمله الصليب معنا.. أي الوجود الدائم معنا فالشهيد اسطفانوس كان يُرجم بالحجارة وعظامه تتفتت، ولحم جسمه يتهرأ من الحجارة.. ولكنه كان يرى ابن الإنسان قائمًا عن يمين العظمة.. فكان شاخصًا للسماء، ولا يبالي بالحجارة ولا الراجمين أن نار العالم لازمة لتجربة الكنيسة.. (الكنيسة كجماعة ونحن كأشخاص في هذه الجماعة)، ولكن الله الرؤوف الحنون واقف في وسط هذا الأتون (التجارب القاسية)، فيحول النار إلى ندى بارد. * هذه التسبحة تجمع في مشهد واحد وجودها في الحاضر الزمني المؤلم (الأتون)، ووجودها في الأبدية السعيدة (ابن الآلهة الموجود في الآتون).. "الخَروفَ الذي في وسطِ العَرشِ يَرعاهُمْ" (رؤ7: 17).. فهي في نار العالم وهى في حضرة الله والسعادة الأبدية أن هذه التسبحة تحمل معنى الغلبة بقوة الصليب، بسر الرابع، الشبيه بابن الآلهة فنهتف كلنا بصوت الفرح والتهليل: "سبحوه مجدوه زيده علوًا"، وهو المَرَد المتكرر في كل أرباع الهوس الثالث وهو اللحن الرائع الذي نتغنى به على مدار ما يقرب من الخمسة عشر دقيقة في تناغم ليس له مثيل في لحن (هوس ايروف \wc `erof)، وهو يقال في آخر ربع من أرباع هذا الهوس.. لنعبر عن فرحتنا بإلهنا الذي لا يتركنا حتى ونحن في آتون النارولعل هذا ما يجعلنا نجد أن الهوس الثالث هو أكبر جزء في التسبحة اليومية بألحانها العديدة والجميلة والرائعة.. فنحن في ختام الهوس الثالث نقول الألحان الآتية: (1) ازمو ابشويس `Cmou `e`P[oic (2) هوس ايروف \wc `erof (3) آري هواؤ تشاسف `arihou`o [acf (4) أربسالين `Ari'alin (5) تنين ولحنه الممتع الرائع (6) تين أويه انسوك Tenoueh `ncwk كل هذا كختام للهوس الثالث.. ولنلاحظ أن إبصالية أربسالين نجدها تبدأ بـ "رتلوا للذي صلب عنا وقبر وقام وأبطل الموت وأهانه سبحوه وزيده علوا".. ونعقبها بعد ذلك بلحن تينين، وهى القطعة اليونانية التي تقال للثلاثة فتية القديسين، ونقول فيها: "فمن ثم تقدم الذبيحة والعبادة العقلية. ونرسل لك في هذا اليوم التسابيح لدى مجدك يا مخلصنا.. حنانيا وعزاريا وميصائيل.... يسبحون ويباركون الله كل حين" ثم نتبعها بلحن للثلاثة فتية القديسين أيضًا هو (تين اويه انسوك) بلحنه الكيهكي الرائع الذي نقول فيه: "نتبعك بكل قلوبنا ونخافك ونطلب وجهك يا الله لا تحزنا...". *وأخيرًا نقول بعد هذه الألحان الجميلة (مجمع الآباء القديسين)، الذي هو امتداد للثلاثة فتية.. فكما شهدوا هؤلاء الثلاثة أمام الملك نبوخذ نصر، كذلك هؤلاء الشهداء والقديسين شهدوا أمام الولاة وأمام الكل بحياتهم حسب المسيح فكمثل إحساس الكنيسة بوجود الله مع الثلاثة فتية القديسين في أتون نار هذا العالم.. هكذا يتدرج بإحساس المجاهدين والعابدين بعمق الشركة والعلاقة القوية التي تربط بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة.. يجمعها هدف واحد وروح واحدة فالعضوية هي جسد واحد يقرب بينهما اشتياق لا مثيل له، لملاقاة الرب على السحاب حيث نكون مع الرب كل حين.. "ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ" (1تس4: 17) فنجد المجمع يبدأ بشفاعة السيدة العذراء كلية الطهر والقداسة مريم والدة الإله، ثم رؤساء الملائكة وبقية رتب السمائيين، والأربعة وعشرون قسيسًا ويوحنا المعمدان، ثم طلب صلوات القديسين ابتداء من البطاركة الأولين (إبراهيم وإسحق ويعقوب)، ثم الآباء الرسل والأنبياء والشهداء والنساك والرهبان.. إلى أن نصل إلى طلب صلوات البابا البطريرك اعترافًا منا أننا كنيسة آباء وكنيسة رسولية.. هؤلاء أجدادنا والأحياء الآن آباءنا ونخضع لهم بكل ترتيب ونظام فنحن نطلب صلوات الآباء الرسل والأنبياء والشهداء والقديسين.. فهم بمثابة سحابة الشهود التي لنا في السماء تطلب من أجلنا ليلًا نهارًا.. وكل منهم يتطلع لنظيره متمثلًا بسيرته طالبًا معونته.. هؤلاء هم الموجودون تحت المذبح في السماء يصلون من أجل المضطهدين والمتضايقين من اجل المسيح. وأيضا المئة والأربعة والأربعون ألفًا البتوليون يطلبون من أجل الذين اشتهوا بحياة البتولية والقداسة في السيد المسيح، وأيضًا الغالبون عند البحر البلوري يطلبون من أجل شبابنا المسيحي العفيف المجاهد حتى الدم ضد الخطية فالمجتمع يعتبر لحظة من لحظات التجلي على قمة جبل الرب العالي (وهو الكنيسة)، حيث يشمخ الرب يسوع المسيح بين موسى وإيليا (أبطال العهد القديم)، والتجلي ما هو إلا حالة الصلاة التي يجتمع فيها الرب يسوع مع قديسيه.. فلا فارق بينهما في عنصري الزمان والمكان.. إنها الأبدية الجميلة. (4) الهوس الرابع الهوس الرابع يتكون من ثلاثة مزامير هم: (مز148، 149، 150)"هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا الرَّبَّ مِنَ السَّمَاوَاتِ. سَبِّحُوهُ فِي الأَعَالِي. سَبِّحُوهُ يَا جَمِيعَ مَلاَئِكَتِهِ. سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ جُنُودِهِ. سَبِّحِيهِ يَا أَيَّتُهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. سَبِّحِيهِ يَا جَمِيعَ كَوَاكِبِ النُّورِ. سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ السَّمَاوَاتِ، وَيَا أَيَّتُهَا الْمِيَاهُ الَّتِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ. لِتُسَبِّحِ اسْمَ الرَّبِّ لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ، وَثَبَّتَهَا إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ، وَضَعَ لَهَا حَدًّا فَلَنْ تَتَعَدَّاهُ. سَبِّحِي الرَّبَّ مِنَ الأَرْضِ، يَا أَيَّتُهَا التَّنَانِينُ وَكُلَّ اللُّجَجِ. النَّارُ وَالْبَرَدُ، الثَّلْجُ وَالضَّبَابُ، الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ الصَّانِعَةُ كَلِمَتَهُ، الْجِبَالُ وَكُلُّ الآكَامِ، الشَّجَرُ الْمُثْمِرُ وَكُلُّ الأَرْزِ، الْوُحُوشُ وَكُلُّ الْبَهَائِمِ، الدَّبَّابَاتُ وَالطُّيُورُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ، مُلُوكُ الأَرْضِ وَكُلُّ الشُّعُوبِ، الرُّؤَسَاءُ وَكُلُّ قُضَاةِ الأَرْضِ، الأَحْدَاثُ وَالْعَذَارَى أَيْضًا، الشُّيُوخُ مَعَ الْفِتْيَانِ، لِيُسَبِّحُوا اسْمَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ قَدْ تَعَالَى اسْمُهُ وَحْدَهُ. مَجْدُهُ فَوْقَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ. وَيَنْصِبُ قَرْنًا لِشَعْبِهِ، فَخْرًا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ، لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الشَّعْبِ الْقَرِيبِ إِلَيْهِ. هَلِّلُويَا" (مز 148). "هَلِّلُويَا. غَنُّوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَتَهُ فِي جَمَاعَةِ الأَتْقِيَاءِ. لِيَفْرَحْ إِسْرَائِيلُ بِخَالِقِهِ. لِيَبْتَهِجْ بَنُو صِهْيَوْنَ بِمَلِكِهِمْ. لِيُسَبِّحُوا اسْمَهُ بِرَقْصٍ. بِدُفّ وَعُودٍ لِيُرَنِّمُوا لَهُ. لأَنَّ الرَّبَّ رَاضٍ عَنْ شَعْبِهِ. يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ. لِيَبْتَهِجِ الأَتْقِيَاءُ بِمَجْدٍ. لِيُرَنِّمُوا عَلَى مَضَاجِعِهِمْ. تَنْوِيهَاتُ اللهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَسَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ فِي يَدِهِمْ. لِيَصْنَعُوا نَقْمَةً فِي الأُمَمِ، وَتَأْدِيبَاتٍ فِي الشُّعُوبِ. لأَسْرِ مُلُوكِهِمْ بِقُيُودٍ، وَشُرَفَائِهِمْ بِكُبُول مِنْ حَدِيدٍ. لِيُجْرُوا بِهِمُِ الْحُكْمَ الْمَكْتُوبَ. كَرَامَةٌ هذَا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ. هَلِّلُويَا" (مز 149). "هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا اللهَ فِي قُدْسِهِ. سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ. سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ. سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ الصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. سَبِّحُوهُ بِدُفّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ التَّصْوِيتِ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ الْهُتَافِ. كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ الرَّبَّ. هَلِّلُويَا" (مز 150) هذه المزامير كلها عبارة عن تسبيح، وهذا التسبيح هو عمل الملائكة، وهو عمل الكنيسة الدائم في السماء، وعمل القديسين وكل الخليقة أيًا كانت.. إنسان أم حيوان أم نبات أم جماد.. الكل يمجد الله في صورة منقطعة النظير فأتركك أيها الفادي العزيز لنتمعن في كلمات الهوس الرابع الرائعة، وأذكرك أنك الآن تعرفت على معنى أربعة.. وبقي أن نتعرف عن جمال سبعة في التسبحة الكيهكية (سبعة وأربعة) وهذا ما سوف نلتقي به في المقال القادم إن شاء الله لإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين. الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد
10 مارس 2019

الاحد الاول أحد الكنوز [ الأحد الأول من الصوم الكبير ]

عشية باكر قراءات القداس مز 17 : 1 ، 2 مز 18 : 1 ، 2 رو 13 : 1 - 14 يع 1 13 - 21 أع 21 : 40 – 22 : 16 مز 25 : 1 ، 2 ، 4 مت 6 : 34 – 7 : 12 مت 7 : 22 - 29 مت 6 : 19 – 33 لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس و الصدا و حيث ينقب السارقون و يسرقون بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس و لا صدا و حيث لا ينقب سارقون و لا يسرقون لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا سراج الجسد هو العين فان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا و ان كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما فان كان النور الذي فيك ظلاما فالظلام كم يكون لا يقدر احد ان يخدم سيدين لانه اما ان يبغض الواحد و يحب الاخر او يلازم الواحد و يحتقر الاخر لا تقدرون ان تخدموا الله و المال لذلك اقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تاكلون و بما تشربون و لا لاجسادكم بما تلبسون اليست الحياة افضل من الطعام و الجسد افضل من اللباس انظروا الى طيور السماء انها لا تزرع و لا تحصد و لا تجمع الى مخازن و ابوكم السماوي يقوتها الستم انتم بالحري افضل منه و من منكم اذا اهتم يقدر ان يزيد على قامته ذراعا واحدة و لماذا تهتمون باللباس تاملوا زنابق الحقل كيف تنمو لا تتعب و لا تغزل و لكن اقول لكم انه و لا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم و يطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا افليس بالحري جدا يلبسكم انتم يا قليلي الايمان فلا تهتموا قائلين ماذا ناكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس فان هذه كلها تطلبها الامم لان اباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون الى هذه كلها لكن اطلبوا اولا ملكوت الله و بره و هذه كلها تزاد لكم. العبادة السماويّة بعد أن قدّم لنا السيّد المسيح الجوانب الثلاثة للعبادة المسيحيّة أراد توضيح غايتها، ألا وهي رفع القلب النقي إلى السماء، ليرى الله ويحيا في أحضانه، محذّرًا إيّانا ليس فقط من تحطيمها خلال "الأنا" وحب الظهور، وإنما أيضًا خلال "محبّة المال" التي تفقد القلب المتعبّد حيويّته وحريّته، إذ يقول السيد: "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون، بلا اكنزوا لكم كنوزًا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون" [19-20]. من يتعبّد لله بقصد المجد الزمني الباطل يكون كمن جمع كنوزه على الأرض، سواء في شكل ثياب فاخرة يفسدها السوس، أو معادن تتعرّض للصدأ، أو أمور أخرى تكون مطمعًا للصوص. هكذا يرفع قلوبنا إلى السماء لننطلق بعبادتنا إلى حضن الآب السماوي، يتقبّلها في ابنه كسرّ فرح له وتقدِمة سرور، لا يقدر أن يقترب إليها سوس أو لصوص ولا أن يلحقها صدأ! يقول القدّيس أغسطينوس: [إن كان القلب على الأرض، أي إن كان الإنسان في سلوكه يرغب في نفع أرضي، فكيف يمكنه أن يتنقّى، مادام يتمرّغ في الأرض؟ أمّا إذا كان القلب في السماء فسيكون نقيًا، لأن كل ما في السماء فهو نقي. فالأشياء تتلوّث بامتزاجها بالفضّة النقيّة، وفكرنا يتلوّث باشتهائه الأمور الأرضيّة رغم نقاوة الأرض وجمال تنسيقها في ذاته.] يُعلّق أيضًا القدّيس أغسطينوس على حديث السيّد: "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض"، قائلاً: لو أخبركم مهندس معماري أن منزلكم يسقط حالاً، أفلا تتحرّكون سريعًا قبل أن تنشغلوا بالنحيب عليه؟! هوذا مؤسّس العالم يخبركم باقتراب دمار العالم، أفلا تصدّقوه؟!... اسمعوا إلى صوت نبوّته: "السماء والأرض تزولان" (مت 24: 35)... استمعوا إلى مشورته!... الله الذي أعطاكم المشورة لن يخدعكم، فإنكم لن تخسروا ما تتركونه، بل تجدوا ما قدّمتموه أمامكم... اعطوا الفقراء فيكون لكم كنز في السماء! لا تبقوا بلا كنز، بل امتلكوا في السماء بلا هّم ما تقتنونه على الأرض بقلق. أرسلوا أمتعتكم إلى السماء. إن مشورتي هي لحفظ كنوزكم وليس لفقدانها... ينبغي علينا أن نضع في السماء ما نخسره الآن على الأرض. فالعدو يستطيع أن ينقب منازلنا، لكنّه هل يقدر أن يكسر باب السماء؟إنه يقتل الحارس هنا، لكن هل يستطيع أن يقتل الله حافظها؟... الفقراء ليسوا إلا حمّالين ينقلون أمتعتنا من الأرض إلى السماء. إذن فلتعطوهم ما لديكم فإنهم يحملونها إلى السماء هل نسيتم القول: "تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت... لأني جعت فأطعمتموني وكل ما فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم" (مت 25: 34-40) القدّيس أغسطينوس بهذه الوصيّة يرفع الرب عبادتنا للسماء، محذّرًا إيّانا من "المجد الباطل" ومقيمًا حراسًا عليها، ألا وهي أعمال الرحمة المملوءة حبًا. فالصدقة الحقيقية بمعناها الواسع والتي تضم العطاء المادي والمعنوي، ترفع القلب بعيدًا عن الزمنيّات المعنويّة والماديّة، وتحوّل أرصدته في السماء. ويرى القدّيس يوحنا الذهبي الفم أن السيّد المسيح يحدّثنا عن الحب والرحمة في دستوره الإلهي بطريقة تدريجيّة هكذا: أولاً: قدّم لنا الرحمة كمبدأ عام نلتزم به. ثانيًا: طالبنا بمصالحتنا لخصمنا، فلا حاجة للدخول مع أحد في منازعات، وإنما الرحمة تغلب (5: 23ـ 26). ثالثًا: ارتفع بنا إلى ما فوق القانون، فبالحب ليس فقط نترك ثوبنا لمن ليس له الحق فيه، وإنما نقدّم معه رداءنا حتى نربح الخصم بحبّنا. رابعًا: سألنا ألا نكنز على الأرض، فلا نقدّم أعمال الرحمة للخصم والمضايقين لنا فحسب، حتى لا ندخل معهم في نزاعات بل نكسبهم بالمحبّة، فتكون طبيعتنا هي العطاء بسخاء، كطبيعة داخليّة تنبع عن حنين مستمر لنقل ممتلكاتنا إلى السماء. إذ يقدّم لنا السيّد هذا التوجيه يُعلن جانبه الإيجابي ألا وهو أنه بالعطاء نحوّل كنزنا إلى فوق في السماء، كما يوضّح جانبه السلبي مهدّدًا أن ما نتركه هنا يفسد بطريق أو آخر فنفقده إلى الأبد. يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [أنه يجتذبهم، إذ لم يقل فقط إن قدّمت الصدقة تُحفظ لك بل هدّد بأنك إن لم تعطِ غناك الخ. إنّما تجمعه للسوس والصدأ واللصوص. وإن هربت من هذه الشرور لن تهرب من عبوديّة قلبك له فيتسمّر بالكامل أسفل، لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا. إذن فلنُقِم المخازن في السماء.] البصيرة الداخليّة تحدّث عن القلب الذي يلتصق بالكنز ويجري وراءه، مطالبًا إيّانا أن يكون مسيحنا هو كنزنا عِوض الكنز يحطّمه السوس والصدأ واللصوص، فيكون قلبنا على الدوام مرفوعًا إلى فوق حيث المسيح جالس، لهذا يحدّثنا عن "العين البسيطة" التي تجعل الجسد كلّه نيّرًا. ما هي هذه العين الداخليّة إلا القلب الذي وحده يقدر أن يرى أسرار الكنز السماوي، فيجذب نحو السماويات، ولا يتذبّذب بين النور الأبدي ومحبّة الفانيات. "سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كلّه يكون نيّرًا، وإن كانت عينك شرّيرة فجسدك كلّه يكون مظلمًا، فإن كان النور الذي فيك ظلامًا، فالظلام كم يكون؟!" [22-23] العين هي مرشد الجسد كلّه لينطلق إلى هنا أو هناك، فإن ارتفعت نحو السماء انطلق الإنسان كلّه بعبادته وسلوكه كما بأحاسيسه ومشاعره نحو السماويات، أمّا إن اِنحنت نحو الأرض لتصير أسيرة حب المجد الباطل أو رياء الفرّيسيّين أو حب الغنى الزمني، لا يمكن للإنسان مهما قدّم من عبادات أن يرتفع إلى فوق. يشبّه القدّيس يوحنا الذهبي الفم العين بالقائد الذي إن سقط أسيرًا ماذا ينتفع الجند بالذهب؟ وربّان السفينة الذي إن بدأ يغرق ماذا تنتفع السفينة بالخيرات الكثيرة التي تملأها؟! حقًا كثيرون قد جمعوا ذهب الصداقة والصلاة والصوم وظنّوا أن سفينتهم مشحونة بالأعمال الصالحة، ولكن بسبب فساد قلبهم وظلمة بصيرتهم الداخليّة يبقون بعيدًا عن الميناء الآمن وتغرق بكل ما تحمله! لهذا يفسر القدّيس أغسطينوس العين البسيطة بنيّة القلب الداخلي التي تقود كل تصرفاتنا، إذ يقول: [نفهم من هذه العبارة أن جميع أفعالنا تكون نقيّة ومرضية في نظر الله إن صنعناها بقلب بسيط، أي إن جميع أفعالنا تكون نقيّة ومرضيّة في نظر الله إن صنعناها بقلب بسيط، أي إن كان هدفنا فيها سماويًا، متطلّعين إلى تلك الغاية التي هي المحبّة، لأن "المحبّة هي تكميل الناموس" (رو 13: 10). من ثم فلنفهم "العين" هنا على أنها "النيّة التي نصنع بها أفعالنا"، فإن كانت نيّتنا نقيّة وسليمة، أي ناظرين إلى السماويات، فستكون جميع أعمالنا صالحة، هذه التي لقّبها الرب "جسدك كلّه"، لأنه عندما حدّثنا الرسول عن بعض أعمالنا القبيحة، دعاها أيضًا (أعضاء لنا)، إذ علّمنا أن نصلبها قائلاً: "فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض، الزنا النجاسة... الطمع" (كو 3: 5)، وما على شاكلة ذلك.] ويرى الأب موسى أن العين البسيطة تُشير إلى روح التمييز أو الحكمة، [لأنها هي التي تميّز كل الأفكار والأعمال، وترى كل شيء وتراقب ما سيحدّث. فإن كانت عين الإنسان شرّيرة، أي غير محصّنة بصوت الحكمة والمعرفة، مخدوعة ببعض الأخطاء والعجرفة (في العبادة) فإنها تجعل جسدنا كلّه مظلمًا، أي يظلم كل نظرنا العقلي، وتصير أعمالنا في ظلام الرذيلة ودجى الإضرابات، إذ يقول: "فإن كان النور الذي فيك ظلامًا فالظلام كم يكون؟" [23]. فلا يستطيع أحد أن يشك في أنه متى كان "الحكم في الأمور" في القلب خاطئًا، أي متى كان القلب مملوء جهالة، تكون أفكارنا وأعمالنا - التي هي ثمرة التمييز والتأمّل - في ظلام الخطيّة العُظمى.] إن كان "البسيط" هو عكس "المُركّب أو المُعقّد"، فإن العين البسيطة إنّما هي التي لا تنظر في اتّجاهيّن، ولا يكون لها أهداف متضاربة بل لها اتّجاه واحد وهدف واحد... وكما يقول مار فيلوكسينوس: [لقد أعطانا ربّنا مبدأ سهلاً في بشارته ألا وهو الإيمان الحق البسيط، فالبساطة ليست هي المعروفة في العالم بالبلادة والخرافة بل هي فكر واحد بسيط فريد.] العبادة ومحبّة المال إن كان غاية العبادة هي الالتقاء مع الله أبينا السماوي لنحيا معه في ابنه إلى الأبد، فإنه يسألنا أن نحيا بالعين البسيطة التي لا تعرج بين السماء والأرض، فيرتفع الجسد كلّه مع القلب إلى السماء. أمّا العدوّ الأول للبساطة فهو "حب المال" الذي تنحني له قلوب الكثيرين متعبّدة له عِوض الله نفسه، ويجري الكثيرون نحوه كعروسٍ تلتصق بعريسها عِوض العريس السماوي. إنه يقف منافسًا لله نفسه يملك على القلب ويأسره، وهنا يجب التأكيد أننا لا نتحدّث عن المال في ذاته وإنما "حب المال". "لا يقدر أحد أن يخدم سيّدين، لأنه إمّا أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر، لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" [24]. كلمة المال هنا "Mammon" كلمة عبريّة تُشير إلى المقتنيات الماديّة بشكل عام، وكانت في الأصل تُشير إلى ما يعتزّ به الإنسان من مال ومقتنيات، لكنها تطوّرت لتعني المال كإله يُستعبد له الإنسان. + يُسمى حب المال سيدًا ليس بطبيعته الخاصة به، وإنما بسبب بؤس المنحنين له. هكذا أيضًا تُدعى البطن إلهًا (في 3: 19) ليس عن كرامة هذه السيدة، وإنما بسبب بؤس المستعبدين لها. القدّيس يوحنا الذهبي الفم + من يخدم المال يخضع للشيطان القاسي المهلك، فإذ يرتبك بشهوته للمال يخضع للشيطان ويلازمه رغم عدم محبّته له، لأنه من منّا يحب الشيطان؟ ويكون بذلك يشبه إنسانًا أحب خادمة لدى شخص عظيم، فرغم عدم محبته لسيدها إلا أنه يخضع لعبوديته القاسية بسبب محبته للخادمة . القدّيس أغسطينوس المال ليس في ذاته إلهًا، ولا هو شرّ نتجنّبه، إنّما يصير هكذا حينما يسحب القلب إلى الاهتمام به والاتكال عليه، فيفقده سلامه ويدخل به إلى ظلمة القلق؛ يفقده النظرة العميقة للحياة ليرتبك بشكليّاتها. عِوض الاهتمام بالحياة ذاتها ينشغل بالأكل والشرب، وعِوض الاهتمام بالجسد كعطيّة مقدّسة وأعضاء تعمل لخدمة القدّوس يهتم بالملبس. هكذا بالمحبّة المال تحصر الإنسان خارج حياته الحقيقية: نفسه وجسده، ليرتبك بأمور تافهة باطلة وزائلة. يقول السيد: "لذلك أقول لكم لا تهتمّوا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام؟! والجسد أفضل من اللباس؟!" [25]. ويُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم هكذا: [لا يقف الضرر عند الغنى ذاته، وإنما يبلغ الجرح إلى الأجزاء الحيويّة الذي فيه تفقدون خلاصكم، إذ يطردكم خارج الله الذي خلقكم ويهتم بكم ويحبّكم.] ويقول القدّيس أغسطينوس: [فبالرغم من أننا لا نطلب الكماليّات (بل الأكل والشرب والملبس)، لكن نخشى من أن يصير قلبنا مزدوجًا حتى في طلب الضروريّات. فنحن نخشى أن ينحرف هدفنا إلى طلب ما هو لصالحنا الخاص، حتى عندما نصنع رحمة بالآخرين مبرّرين ذلك بأنّنا نطلب الضروريّات لا الكماليّات. لقد نصحنا الرب أن نتذكّر أنه عندما خلقنا وهبنا جسدًا وروحًا، وهما أفضل من الطعام واللباس، وبذلك لم يشأ أن تكون قلوبنا مزدوجة.] + وُضع علينا أن نعمل (من أجل الضروريّات) لكن لا نقلق. القدّيس جيروم + لا يُطلب الخبز خلال قلق الروح بل تعب الجسد. والذين يجاهدون حسنًا ينالونه بوفرة كمكافأة لعملهم، ويُنزع عن الكسلان كعقوبة من الله. القدّيس يوحنا الذهبي الفم في الوقت الذي فيه يُعلن السيّد ما تفعله محبّة المال في الإنسان، حيث تسحبه من خلاصه وتربكه في الأمور الزمنيّة الباطلة، يوضّح مدى رعايته هو بالإنسان ليس فقط بروحه وجسده، أو حتى أكله وشربه وملبسه، وإنما يهتم حتى بطيور السماء وزنابق الحقل التي خلقها لأجل الإنسان، حقًا ربّما تبدو الطيور ليست بضروريّة لنا وأيضًا زنابق الحقل، لكن الله الذي خلق العالم كلّه لخدمتنا يهتم بأموره كلها. وإذ أراد السيّد أن يسحبنا تمامًا من حياة القلق التي تخلقها محبّة المال، تساءل إن كان أحد منّا يقدر أن يزيد على قامته ذارعًا واحدًا؟ "انظروا إلى طيور السماء. أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالأحرى أفضل منها؟! ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدًا؟ ولماذا تهتمّون باللباس؟ تأمّلوا زنابق الحقل كيف تنمو، لا تتعب ولا تحصد، ولكن أقول لكم أنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويُطرح غدًا في التنّور يلبسه الله هكذا، أفليس بالأحرى يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان؟ فلا تهتمّوا قائلين: ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الأمم، لأن أباكم السماوي يُعلّم أنكم تحتاجون إلى هذه كله" [26-33]. إن كان الله يهتم بهذه الأمور التي خُلقت اهتمامًا عظيمًا، فكم بالأكثر يهتم بنا؟! إن كان يهتم هكذا بالعبيد فكم بالأكثر بالسيد؟! القدّيس يوحنا الذهبي الفم إن كنّا لا نقدر أن نعمل بسبب مرض ما أو بسبب الانشغال فإنه يقوتنا كما يقوت الطيور التي لا تعمل. لكن إن كان يمكننا العمل يلزمنا ألا نُجرِّب الله، لأن ما نستطيع أن نعمله إنّما نعمله خلال عطيّته. حياتنا على الأرض هي عطيّته، إذ يهبنا الإمكانيّة للحياة القدّيس أغسطينوس إن كان الله يُطعم الطيور ويقدّم القوت اليومي للعصافير ولا يترك الخليقة التي لا تدرك الإلهيّات في عوز إلى مشرب أو مأكل، فهل يمكنه أن يترك إنسانًا مسيحيًا أو خادمًا للرب معتازًا إلى شيء؟ إيليّا عالته الغربان في البرّيّة، ودانيال أُعد له لحم من السماء وهو في الجب، فهل تخشى الاحتياج إلى طعام؟إنك تخشى َفقدان ممتلكاتك عندما تبدأ أن تعطي بسخاء، ولا تعلم أيها البائس أنك فيما تخاف على ممتلكات عائلتك تفقد الحياة نفسها والخلاص. بينما تقلق لئلا تنقص ثروتك لا تُدرك أنك أنت نفسك تنقص!... بينما تخشى أن تفقد ميراثك لأجل نفسك إذا بك تفقد نفسك لأجل ميراثك! القدّيس كبريانوس إن كانت الطيور بلا تفكير أو اهتمام والتي توجد اليوم ولا تكون غدًا يعولها الله بعنايته كم بالأحرى يهتم بالبشر الذين وعدهم بالأبديّة؟!القدّيس جيروم الله هو الذي ينمّي أجسادكم كل يوم وأنتم لا تُدركون. فإن كانت عناية الله تعمل فيكم يوميًا، فكيف تتوقّف عن إشباع احتياجكم؟ إن كنتم لا تستطيعون بالتفكير أن تضيفوا جزءًا صغيرًا إلى جسدكم فهل تقدرون بالتفكير أن تهتمّوا بالجسد كله؟ القدّيس يوحنا الذهبي الفم الزنابق تمثّل جمال الملائكة السمائيّين البهي، الذين ألبسهم الله بهاء مجده، إنهم لم يتعبوا ولا غزلوا، إذ تقبّلوا من البدء ما هم عليه دائمًا. وإذ في القيامة يصير الناس كالملائكة أراد أن نترجّى جمال الثوب السماوي، فنكون كالملائكة في البهاء. القدّيس هيلاري الرهبان على وجه الخصوص هم طيور من هذا النوع، ليس لهم مخازن ولا خزائن لكن لهم رب المؤن والمخازن، المسيح نفسه!... ليس لهم غنى الشيطان (محبّة الغنى) بل فقر المسيح. ماذا يقول الشيطان؟ "أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي" (مت 4: 9). أمّا المسيح فماذا يقول لتابعيه؟ من لا يبيع كل ما له ويعطي الفقراء لا يقدر أن يكون تلميذًا. الشيطان يعد بمملكة وغنى ليحطّم الحياة، والرب يعد بالفقر لكي يحفظ الحياة! القدّيس جيروم يختم السيّد حديثه عن العبادة الحرّة التي لا يأسرها محبّة المال، فيعيش الإنسان في كمال الحرّية متّكئًا على الله لا المال، موضّحًا ضرورة الحياة بلا قلق، إذ يقول: "لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه، وهذه كلها تُزاد لكم؛ فلا تهتمّوا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه؛ يكفي اليوم شرّه" [33-34]. + ملكوت الله وبرّه هو الخبز الذي نسعى إليه، والذي نقصده من كل أعمالنا. ولكننا إذ نخدم في هذه الحياة كجنود راغبين في ملكوت السماوات نحتاج إلى الضروريّات اللازمة للحياة، لذلك قال الرب: "هذه كلها تزاد لكم"، "ولكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره". فبقوله كلمة "أولاً" أشار إلى طلبنا هذه الأشياء، ولكننا لا نطلبها أولاً، لا من جهة الزمن بل حسب الأهمّية، فملكوت الله نطلبه كخير نسعى نحوه، أمّا الضروريّات فنطلبها كضرورة نحتاج إليها لتحقيق الخير الذي نسعى نحوه.القدّيس أغسطينوس يرى القدّيس جيروم في القول: "لا تهتمّوا بالغد" دون قوله "تهتمّوا باليوم" تشجيع للعمل والجهاد الآن بغير تواكل، إذ يقول: [قد يسمح لنا أن نهتم بالحاضر ذاك الذي يمنعنا من التفكير في المستقبل، حيث يقول الرسول: "عاملون ليلاً ونهارًا كي لا نثقل على أحدٍ منكم" (1 تس 2: 9).] وفي قوله "يكفي اليوم شرّه" لا يعني بالشرّ الخطيّة، وإنما بمعنى "التعب"، فلا نهتم بما سنتعبه غدًا، إنّما يكفي أن نتعب اليوم ونجاهد، وكأن الله وهو يمنعنا من القلق يحثّنا على الجهاد.
المزيد
17 سبتمبر 2019

الصليب معنى ومفهوم - بمناسبة عيد الصليب

صليب ترد كلمة صليب 28 مرة في العهد الجديد بينما ترد الفعل منها 46 مرة. ولم يكن الصليب وسيلة للإعدام في العهد القديم (وكلمة "يصلب" ومشتقاتها في سفر أستير 5: 14، 7: 9و 10 معناها "يشنق" أو "يعلق") إذكانت وسيلة الإعدام هي الرجم. ولكن كان يمكن أن تعلق الجثث (بعد الإعدام رجماً) على خشبة لتكون عبرة (تث 21: 22و 23، يش 10: 26). وكانت من تُعلق جثته يعتبر ملعوناً من الله، ومن هنا يقول الرسول بولس أن المسيح" صار لعنة لأجلنا" لأنه علق على خشبة الصليب (غل 3: 13) كما كان يجب إلي تبيت جثة المعلق على الخشبة بل كان يجب أن تُدفن في نفس إليوم (تث 21: 23، انظر يو 19: 31). ومن هنا جاء التعبير عن صليب المسيح بأنه "خشبة" (أع 5: 30، 10: 39، 13: 29، 1 بط 2: 24) رمزا للإذلال والعار.وكان الصليب في البداية عبارة عن "خازوق" يعدم عليه المجرم، أو مجرد عمود يعلق عليه المجرم حتى يموت من الجوع والإجهاد ثم تطور على مراحل حتى أصبح في عهد الرومان عموداً تثبت في طرفه الاعلى خشبة مستعرضة فيصبح على شكل حرف “T” أو قبل النهاية العليا بقليل، وهو الشكل المألوف للصليب والذي يعرف باسم الصليب اللاتينى. وقد تكون الخشبتان المتقاطعتأن متساويتين، وهو الصليب إليونأني، أو أن يكون الصليب على شكل حرف “X” ويعرف باسم صليب القديس أندراوس، وقد استخدم هذا الشكل للصليب في العصور الرومانية المتأخرة.وقد بدأ استخدام الصليب وسيلة للإعدام في الشرق، فقد استخدمه الإسكندر الأكبر نقلا عن الفرس، الذين يغلب أنهم أخذوه عن الخازوق الذي كان يستخدمه الإشوريون. واستعار الرومان الفكرة من قرطاجنة التي أخذته عن الفينيقيين وقد قصر الرومان الإعدام بالصلب على العبيد عقاباً لإشنع الجرائم، وعلى الثوار من أهل الولايات. وقلما كان يستخدم الصليب لإعدام مواطن روماني (كما يذكر شيشرون). وفي هذا تفسير لما يرويه التاريخ من أن بولس الرسول (كمواطن روماني) أُعدم بقطع رأسه. أما بطرس (غير روماني) فأُعدم مصلوباً.وبعد صدور الحكم على المجرم بالصلب، كأنت العادة أن يُجلد عارياً بسوط من الجلد من جملة فروع يُثبت فيها قطع من المعدن أو العظام لتزيد من فعاليتها في التغذيب، ثم يُجبر المحكوم عليه على حمل صليبه إلى الموقع الذي سينفذ فيه الإعدام. وكان يجري ذلك عادة خارج المدينة. وكان يسير أمامه شخص يحمل لوحة عليها التهمة التي حُكم عليه من أجلها أو قد تُعلَّق هذه اللوحة في رقبة المجرم بينما هو يحمل صليبه على كتفيه وكان المحكوم عليه يطرح أرضاً فوق الصليب، وتربط يداه أو ذراعاه، أو تسمران إلى الصليب. كما كانت تربط قدماه أو تُسمران. ثم كان الصليب يرفع بمن عليه لكي يثبت رأسياً في حفرة في الأرض بحيث لا تلامس القدمان الأرض، ولكن ليس بالارتفاع الكبير الذي يبدو عادة في الصور . وكان ثقل الجسم يرتكز -بالقدمين أو بالعجز- على قطعة بارزة مثبَّة بالقائم الرأسى للصليب حتى لا يتعلق الجسم بثقله كله على الذراعين المسمرين، مما يجعل عضلات الصدر مشدودة، فيمتنع التنفس ويموت المحكوم عليه مختنقاً بعد لحظات قليلة من تعليقه وعندما كان الحراس يرون أن المجرم قد تحمل من العذاب ما يكفي كانوا يكسرون ساقيه حتى لا يرتكز بقدميه على الخشبة البارزة ويصبح الجسم كله معلقاً على الذراعين فيتعذر التنفس فيختنق المحكوم عليه ويموت كما حدث مع اللصين اللذين صلبا مع الرب يسوع. أما عندما جاء العسكر إلى يسوع لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات ولكن واحداً من العسكر طعن جنبيه بحربة وللوقت خرج دم وماء (يو 19: 33 و34) للتأكد من موته حتى يمكن أنزال الجسد، كما طلب اليهود من بيلاطس (يو 19: 31( ويبدو أن طريقة الصلب كانت تختلف من منطقة إلى أخرى في الامبراطورية الرومانية الواسعة. ويبدو أن العملية كانت من القسوة والفظاعة حتى استنكف كُتَّاب ذلك العصر من إعطاء وصف تفصيلى لها، فكانت تعتبر من أقصى وأبشع وسائل العقاب. ولكن الرب وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب ( في 2: 8).وقد كشف فريق من الأثريين – في صيف 1968 عن أربعة قبور يهودية في "رأس المصارف" بالقرب من أورشليم، وكان أحدها يحتوي على صندوق به هيكل عظمى لشاب مات مصلوبا ويرجع تاريخه إلى ما بين 7 ، 66م. كما تدل عليه الأوانى الفخارية – من عصر الهيرودسيين- التي وجدت في القبر ومنقوش على الصندوق اسم "يوحانان". وقد أُجريت أبحاث دقيقة عن اسباب وطبيعة موته، مما قد يلقي بعض الضوء على كيفية صلب ربنا يسوع المسيح. كان ذراع الرجل (وليس يداه) مسمرتين الى خشبة الصليب ولعل كلمة "يديه" في لو 24: 39 ، يو 20: 20 و25 و27، ويقصد بها ذراعاه. والأرجح أن ثقل الجسم كان يرتكز عند العجز على قطعة من الخشب بارزة مثبتة إلى قائم الصليب. وكان الساقان منحنيين عند الركبتين الى الخلف، والكاحلان مثبتين بمسمار واحد الى قائم الصليب. وقد ثبت من شظية وجدت من بقايا الصليب، أنه كأن مصنوعاً من خشب الزيتون. وكان الساقان مكسورين كما يبدو أن بضربة عنيفة مثلما حدث مع اللصين اللذين صلبا مع يسوع (يو 19: 32.(ويذكر المؤرخون المعاصرون أن الصلب كان أقسى اشكال الإعدام. ولا يصف البشيرون آلام المسيح الجسدية بالتفصيل، بل يكتفون بالقول "صلبوه". وقد رفض المسيح أن يأخذ أي مسكن لآلامه (مت 27: 34) ولم يكن اهتمام كتبة العهد الجديد، بصليب المسيح ينصب – أساساً- على الناحية التاريخية، بل على الناحية المعنوية الكفارية الأبدية لموت الرب يسوع المسيح ابن الله. وتستخدم كلمة "الصليب" تعبيراً موجزاً عن أنجيل الخلاص عن أن يسوع المسيح قد "مات لأجل خطايانا"، فكانت الكرازة بالأنجيل تتركز في كلمة "الصليب" أو "بالمسيح يسوع وإياه مصلوباً" (1 كو 1: 17 و18، 2 : 2)، ولذلك يفتخر الرسول بولس "بصليب ربنا يسوع المسيح" (غل 6: 14)، فكلمة الصليب هنا تعني كل عمل الفداء الذي أكمله الرب يسوع المسيح بموته الكفارى كما أن كلمة "الصليب" هي كلمة "المصالحة" (2 كو 5: 19)، فقد صالح الله إليهود والامم في جسد واحد بالصليب قاتلاً العداوة به " (أف 2: 14 –16)، بل صالح "الكل لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه" (كو 1: 20 ) ، "إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه بالصليب إذ جرد الرياسات والسلاطين إشهرهم جهاراً ظافراً بهم فيه" (كو 2: 14 و15).والصليب في العهد الجديد – يرمز إلى العار والاتضاع، ولكن فيه تتجلى "قوة الله وحكمة الله " (1 كو 1: 24). لقد استخدمته روما ليس كآلة للتعذيب والإعدام فحسب، ولكن كرمز للخزى والعار إذكان يُعدم عليه أحط المجرمين، فكان الصليب لليهود عثرة لأنه رمز اللعنة (تث 21: 23، غل 3: 13) وهذا هو الموت الذي ماته المسيح، فقد "احتمل الصليب مستهيناً بالخزى" (عب 12 : 2) وكانت آخر درجة في سلم اتضاع المسيح أنه "أطاع حتى الموت ، موت الصليب" ( في 2: 8) لهذا كان الصليب "حجر عثرة " لليهود (1 كو 1 : 23 انظر أيضاً غل 5 :11.( وكان مشهد حمل المحكوم عليه للصليب أمراً مالوفاً عند من خاطبهم المسيح ثلاث مرات بأن طريق التلمذة له هي "حمل الصليب" (مت 10: 38، مرقس 8 : 34، لو 14 : 27) أي حمل الخزي والإهانة من أجل اسمه ثم أن الصليب هو رمز اتحادنا مع المسيح، ليس فقط في اقتدائنا به، بل فيما لأجلنا وما يفعله فينا. ففي موته النيابي عنا على الصليب متنا نحن "فيه" (2 كو 5: 14) و"أنساننا العتيق قد صُلب معه" (رو 6: 4 و5)، لكى نستطيع بروحه الساكن فينا أن "نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة" (رو 6: 4 و 5 ، غل 2 : 20، 5: 24، 6: 14) ونحن ثابتون "فيه" (يو 15: 4، 11، روحية 14: 4، 2 كو 1: 21 في 4: 1، 1 تس 3: 3 و8الخ). دائرة المعارف الكتابية
المزيد
21 يوليو 2018

نماذج من تسابيح القديسين في الكتاب المقدس

(1) القديسة العذراء مريم والتسبيح إن حياة العذراء مريم هي تسبيح في حد ذاتها صمتها واتضاعها، طهارتها ونقاوتها، احتمالها وخضوعها إن العذراء نفسها تسبحة كانت تمشي على الأرض، والآن في السماء وعندما فتحت هذه العروس الطهور فاها المبارك المقدَّس المملوء نعمة، كانت الكلمات الخارجة من فمها هي تسابيح غنية وعميقة تدل على روحها النسكية الأصيلة، وتدل أيضًا على شبعها بكلام الله فتسبحتها الواردة في إنجيل مُعلمنا لوقا البشير تتشابه كثيرًا مع تسبحة القديسة حَنَّة أم صموئيل، والتي وردت في (1صم1:2-10) عندما أدركت العذراء أنها صارت أم الله "أُمُّ رَبي" (لو43:1)، لم تتكبر ولم تنتفخ بل بالعكس حوّلت المجد والتعظيم لله "تُعَظمُ نَفسي الرَّبَّ" (لو46:1)، فالرب وحده هو الجدير بالتعظيم والرفعة ونحن في كل مرة نرفع تمجيدًا أو مديحًا لأمنا العذراء الطاهرة نراها أيضًا تحوِّل هذا المجد إلى الله ابنها ومخلصها وإلهها قائلة: "تُعَظمُ نَفسي الرَّبَّ، وتبتَهِجُ روحي باللهِ مُخَلصي" (لو46:1-47) لم تفتخر روحها بذاتها، ووضعها الجديد كملكة وأم للملك وأم لله، ولكنها ابتهجت بالله مخلصها لقد كانت العذراء مشغولة بالله وليس بنفسها، مثلما قالت حنة: "فرِحَ قَلبي بالرَّب ارتَفَعَ قَرني بالرَّب" (1صم1:2) هذه هي النفوس القديسة البارة المنشغلة بالله، وليس بذواتها البشرية ليتنا نتعلم هذا الدرس. كذلك لم تنسَ العذراء مريم أنها أمَة الرب "هوذا أنا أَمَةُ الرَّب ليَكُنْ لي كقَوْلِكَ" (لو38:1)، "لأنَّهُ نَظَرَ إلَى اتضاعِ (مذلة) أَمَتِهِ" (لو48:1)ونحن يجب أن نتعلّم أيضًا من هذه الأم القديسة الطاهرة ألا ترتفع قلوبنا، بل ندرك دائمًا أننا "عَبيدٌ بَطّالونَ" (لو10:17) مهما عملنا من البر، ومهما وصلنا إلى مراتب روحية، أو كنسية، أو في العالم فالمسيح دائمًا مُمجد في عبيده المتضعين فقط بروح النبوة تنبأت القديسة العذراء مريم عما سيحدث في الكنائس في كل العالم، وفي كل الأجيال من جهة تطويبها وتمجيدها ومديحها: "فهوذا منذُ الآنَ جميعُ الأجيالِ تُطَوبُني" (لو48:1) نحن بالحق نُطوبك يا أم النور الحقيقي، لأنكِ صرتِ أهلاً لأن تحملي بين يديكِ الجالس على مركبة الشاروبيم، ومَنْ تسجد له الملائكة وكل الخليقة فأنتِ بالحقيقة تستحقي كل إكرام وتمجيد وتعظيم يا أم الله بالحقيقة وفي ملء الاتضاع العطر تفهم العذراء القديسة أن ما نالته من نعمة هو من إحسانات القدير ورحمته نحن نقول عنها إنها تستحق كل كرامة، وهي تقول عن نفسها إن ما نالته من كرامة كان إحسانًا ورحمة من القدير "لأنَّ القديرَ صَنَعَ بي عَظائمَ، واسمُهُ قُدّوسٌ، ورَحمَتُهُ إلَى جيلِ الأجيالِ للذينَ يتَّقونَهُ" (لو49:1-50)هذه هي الروح المُتضعة الحقيقية التي يقبلها الله، ويفرح بها "ليَمدَحكَ الغَريبُ لا فمُكَ" (أم2:27) وانطلقت العذراء القديسة مريم تسبِّح الله على صنيعه المجيد مع شعبه: "صَنَعَ قوَّةً بذِراعِهِ شَتَّتَ المُستَكبِرينَ بفِكرِ قُلوبِهِمْ أنزَلَ الأعِزّاءَ عن الكَراسي ورَفَعَ المُتَّضِعينَ أشبَعَ الجياعَ خَيراتٍ وصَرَفَ الأغنياءَ فارِغينَ عَضَدَ إسرائيلَ فتاهُ ليَذكُرَ رَحمَةً، كما كلَّمَ آباءَنا لإبراهيمَ ونَسلِهِ إلَى الأبدِ" (لو51:1-55) إنه هو الذي صنع القوة بتجسده، وغلبته للشيطان والخطية والموت، وهو الذي "يُميتُ ويُحيي يُهبِطُ إلَى الهاويَةِ ويُصعِدُ الرَّبُّ يُفقِرُ ويُغني يَضَعُ ويَرفَعُ يُقيمُ المِسكينَ مِنَ التُّرابِ يَرفَعُ الفَقيرَ مِنَ المَزبَلَةِ للجُلوسِ مع الشُّرَفاءِ ويُمَلكُهُمْ كُرسيَّ المَجدِ" (1صم6:2-8) حقًا بالرب قد "اتَّسَعَ فمي علَى أعدائي، لأني قد ابتَهَجتُ بخَلاصِكَ ليس قُدّوسٌ مِثلَ الرَّب، لأنَّهُ ليس غَيرَكَ، وليس صَخرَةٌ مِثلَ إلهِنا" (1صم1:2-2) "قِسيُّ الجَبابِرَةِ انحَطَمَتْ، والضُّعَفاءُ تمَنطَقوا بالبأسِ الشَّباعَى آجَروا أنفُسَهُمْ بالخُبزِ، والجياعُ كفّوا حتَّى أنَّ العاقِرَ ولَدَتْ سبعَةً، وكثيرَةَ البَنينَ ذَبُلَتْ" (1صم4:2-5) إن إلهنا هو إله المستحيلات "لأنَّهُ ليس بالقوَّةِ يَغلِبُ إنسانٌ" (1صم9:2) وإله تحقيق الوعد "كما كلَّمَ آباءَنا. لإبراهيمَ ونَسلِهِ إلَى الأبدِ" (لو55:1)، فهو لا يخلف وعده لأنه "أمينٌ وعادِلٌ" (1يو9:1) ليتنا نتعلم روح التسبيح من أمنا العذراء، ونتكلم في حضرة الرب مثلها بكلام مُتضع روحاني مليء بالفكر والعقيدة والإيمان الراسخ. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
02 يوليو 2019

بناء الخادم الروحي

ان اعداد الخادم الروحي عمل روحى فى غاية الأهمية ويكفى ان مخلصنا الصالح المزخر لنا فيه كل كنوز الحكمة والعلم لم يبدأ خدمته الا فى سن الثلاثين مع انه فى عمر الثانية عشر اذهل المعلمين بحكمته وعلمه { بعد ثلاثة ايام وجداه في الهيكل جالسا في وسط المعلمين يسمعهم و يسالهم. وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه واجوبته} لو46:2-47. ان الخدمة ليست معلومات تلقن او دروس تحضر لكنها حياة وعشرة مع الله ومعرفة بقيمة النفس البشرية أمام الله، السيد المسيح أستمر ما يذيد عن الثلاث سنوات يتلمذ ويعلم وهو يحيا مع تلاميذه وبعد هذا منحهم مواهب الروح القدس ليستطيعوا ان يقوموا بالخدمة . ورغم حاجة الخدمة الى الكثير من الفعلة { قال لهم ان الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون فاطلبوا من رب الحصاد ان يرسل فعلة الى حصاده }(لو 10 : 2) . لكن مع حاجة الخدمة للخدام فليس هذا مدعاة للتسرع لاسيما فى رسامة الكهنة اوالرهبان والراهبات او الشمامسة حتى لا يكون الخدام عثرة فى الكنيسة وثقل على الخدمة . ففضلا عن انه لابد ان تتوفر فى من يتقدم للخدمة العلاقة الروحية الشخصية الناجحة مع الله وتميزة بالتواضع والمحبة والصبر ومخافة الله فانه لابد ان تكون علاقاته مع الآخرين علاقات تمتاز بالروحانية والوداعة والحكمة سواء مع اسرته او اقربائه او كنيسته او مجتمعه بما فيه من شرائح مختلفة من المجتمع . هذا بالاضافة الى معرفتة ودراسته للاهوت والعقيدة والكتاب المقدس وكتابات الاباء وتاريخ الكنيسة وطقوسها وادابها فى عصر نجابه فيه ثورة فى المعرفة واسئلة من المؤمنين وغيرهم مما يحتاج الى دراسة لعلم النفس والمنطق والفلسفة والتاريخ والادب واللغات . ومع هذا يجب ان يتم تدريب الخدام وتلمذتهم لخدام مختبرين وان يحتفظ الخادم بروح الخدمة والتلمذة والتعلم المستمر مدى الحياة فى مدرسة المعلم الأعظم والراعى الصالح . صفات الخادم الروحى .. الخدام بمختلف درجاتهم سواء الخدام المكرسين لله فى خدمة الكهنوت او المؤمنين من شمامسة وخدام فى حقل الخدمة يجب ان تتوفر فيهم صفات تؤهلهم للخدمة والرعاية . ليستطيعوا ان يقوموا بدورهم فى الكنيسة والمجتمع ، هذه الصفات تتعلق بعلاقتهم الروحية بالله وكتابه المقدس وممارساتهم للاسرار المقدسة فى تقوى ومخافة الله . او سواء فى حياتهم الشخصية المنزة عن العيوب على قدر الطاقة وعمل النعمة والمهتمة بخلاص النفس وثقلها بكل الدراسات والخبرة الشخصية اللازمة للخدمة أو علي مستوى العلاقات الاسرية والكنسية والأجتماعية الناجحة والمتميزة لكى يستطيع ان يربح النفوس ويقودها ويغذيها ويشبعها روحيا . وهذه بعض الصفات التى ذكرها الكتاب المقدس فى الخدام .. + ذوى قدرة للقيام بمهامهم وخائفين الله فى تصرفاتهم وسلوكهم وامناء مبغضين للرشوة باشكالها المختلفة { وانت تنظر من جميع الشعب ذوي قدرة خائفين الله امناء مبغضين الرشوة وتقيمهم عليهم رؤساء الوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات} (خر 18 : 21). + يذكر القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس بعض من الصفات التى يجب توفرها فى الاساقفة والكهنة والشمامسة . فيجب ان يكونوا بلا لوم اى بلا عيوب تمسك عليه وتكون عثرة للشعب وتضر بالكنيسة . وان يتميزوا بالعفاف فى وقت كانت الوثنية واليهودية تسمح بتعدد الزوجات لايكون له الا زوجة واحدة وليس معنى هذا ان لا يكون متبتلاً فبولس نفسه كان بتولاً لم يتزوج { و لكن اقول لغير المتزوجين وللارامل انه حسن لهم اذا لبثوا كما انا} (1كو7 : 8).يجب على الخادم ان يكون ذو عقل متزن حكيم لا ينخدع { فيجب ان يكون الاسقف بلا لوم بعل امراة واحدة صاحيا عاقلا محتشما مضيفا للغرباء صالحا للتعليم.غير مدمن الخمر ولا ضراب ولا طامع بالربح القبيح بل حليما غير مخاصم ولا محب للمال. يدبر بيته حسنا له اولاد في الخضوع بكل وقار.وانما ان كان احد لا يعرف ان يدبر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله .غير حديث الايمان لئلا يتصلف فيسقط في دينونة ابليس. ويجب ايضا ان تكون له شهادة حسنة من الذين هم من خارج لئلا يسقط في تعيير وفخ ابليس. كذلك يجب ان يكون الشمامسة ذوي وقار لا ذوي لسانين غير مولعين بالخمر الكثير ولا طامعين بالربح القبيح. ولهم سر الايمان بضمير طاهر.وانما هؤلاء ايضا ليختبروا اولا ثم يتشمسوا ان كانوا بلا لوم. كذلك يجب ان تكون النساء ذوات وقار غير ثالبات صاحيات امينات في كل شيء. ليكن الشمامسة كل بعل امراة واحدة مدبرين اولادهم و بيوتهم حسنا.لان الذين تشمسوا حسنا يقتنون لانفسهم درجة حسنة وثقة كثيرة في الايمان الذي بالمسيح يسوع} 1تيم 2:3-13. + على الخادم ان يكون محتشما فى مظهره وكلامه وسلوكه يتميز بالوقار والتصرف الحسن فى المواقف المختلفة . وان يكون مضيفاً للغرباء كريما له قلب متسعاً محبا للأخوة وان يكون صالحاً للتعليم { لان شفتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة لانه رسول رب الجنود }(ملا 2 : 7). قد لا يكون معلماً موهوباً، لكن يجب أن يكون ذا دراية كافية بكلمة الله حتي يقدر أن يساعد المخدومين فى مشاكلهم اليومية. لديه المرونة والقابلية أن يتعلَّم بتواضع قلب، وأن يكون صالحاً أن يعلِّم آخرين ويبنيهم في الإيمان. الخادم يجب ان يتحلى بالوداعة والتواضع وان يكون لطيفاً فى تعامله غير غضوباً ولا طامعاً أو راغباً بالربح القبيح فلا يستخدم الأمور الروحية ليتربح منها فيتحول إلي مُحب للمال . الخادم صانع سلام وليس رجل خصام لا يتنازع مع الآخرين من أجل أمور العالم او من اجل ذاته ولا يكون له خاصة دون البعض فهو اخاً أواباً للجميع ، يربحهم لملكوت الله . + غير حديث الإيمان ومشهود له . أي ناضج روحياً، لائق للخدمة غير مفتقر للخبرة الروحية. والخطر هو أن حديث الإيمان وغير المختبر قد يتصلف أي تأخذه الكبرياء فينتفخ ويقع في دينونة إبليس. فلابد ان يكون له مدَّة كافية وعميقة في حياة الإيمان الصحيح، حتى يفهم أهمية الخدمة في الكنيسة، فيخدم الرب بكل تواضع ويكون مثمراً فيها . ان الخدمة والكنيسة فى حاجة لخدام امناء لديهم العمق الروحى ويبتعدوا عن سطحية العبادة وشكلية الخدمة ومظهريتها من أجل خلاص نفوس الخدام والمخدومين ان التلاميذ سهروا الليل كله ولم يصطادوا شئ حتى أمرهم المخلص بالدخول الى العمق فامتلأت شباكهم بالسمك ليتركوا كل شئ ويتبعوا المعلم الصالح ويصيروا صيادى الناس. الخادم الأمين يكون له شهادة حسنة من الذين هم من خارج من غير المسيحيين أيضاً، فلابد ان يكتسب احترام زملاء العمل والأقرباء والجيران، وذلك من خلال حياته اليومية العادية. فشهادة أولئك برهان على صحة قوة وتاثير إيمانه الصحيح . + التواضع والصلاح والنشاط .. ان يكون الخادم غير معجب بنفسه، فلا يكون متكبرا معجباً بنفسه { حينئذ قال يسوع لتلاميذه ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني} (مت 16 : 24) الخادم المتكبر ينفر الآخرين ويعثرهم لهذا علينا كخدام ان نحيا فى تواضع وانكاراً للذات مقدمين بعضنا بعضاً فى الكرامة ونقبل الرأى الأخر ونستمع للآخرين فى صبر وطول بال { وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله ايضا في المسيح }(اف 4 : 32) الخادم يكون محباً للخير والصلاح والخير لجميع الناس وبارا يخاف الله، نقي وتقي في سلوكه وتصرفاته في السر والعلن . + على الخادم ان يكون ضابط لنفسه متحكما فى كلامه وانفعالاته وسلوكه مداوماً على التلمذة ويعلم التعليم الصحيح ويدافع عن الايمان ضد المقاومين . يخدم لا عن اضطرار بل بالاختيار{ ارعوا رعية الله التي بينكم نظارا لا عن اضطرار بل بالاختيار ولا لربح قبيح بل بنشاط. ولا كمن يسود على الانصبة بل صائرين امثلة للرعية. ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون اكليل المجد الذي لا يبلى} 1بط 2:5-4. + يجب ان يهتم الخدام بخدمة وتشجيع الضعفاء والمحتاجين والارامل والايتام والمضطهدين وكانه يخدم سيده ومعلمه الصالح فيهم {بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم} (مت 25: 40). {في كل شئ أريتكم أنه هكذا ينبغي أنكم تتعبون وتعضدون الضعفاء} اع 20: 35 . {الديانة الطاهرة النقية عند الله الاب هي هذه افتقاد اليتامى والارامل في ضيقتهم وحفظ الانسان نفسه بلا دنس من العالم }(يع 1 : 27). { بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا، فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة؛ وأما مَن كانت له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً وأغلق أحشاءه عنه، فكيف تثبت محبة الله فيه} (1يو 3: 16-17). {وكل ما فعلتم، فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس. عالمين أنكم من الرب ستأخذون جزاء الميراث، لأنكم تخدمون الرب المسيح}(كو 3: 23-24). القمص أفرايم الأنبا بيشوي
المزيد
24 أبريل 2019

يوم الأربعاء من أحداث أسبوع الآلام

مت3:26-5، 14-16 + مر1:14-2، 10، 11+ لو1:22-6 بنهاية أمثال الرب فى (مت25) تنتهى تعاليم الرب وأعماله. وإنتهت بنهاية يوم الثلاثاء أيام عمل مكثف للرب وكان يوم الأربعاء يوم راحة للرب قضاه مع تلاميذه بالقرب من بيت عنيا فى هدوء يشرح لهم حقيقة صلبه (مت26 : 1). وقطعا كان تلاميذه فى حاجة لهذه الجلسة الهادئة ليتهيأوا للأحداث الجسام والتى ستبدأ فى الغد، يوم الخميس. وكان الرب يسوع قد أخبر تلاميذه بحقيقة الصلب عقب إعتراف بطرس بأن المسيح هو إبن الله. والمرة الثانية كانت بعد التجلى، والمرة الثالثة كانت قبل دخوله الملوكى إلى أورشليم (مت20 : 17 - 19). وبينما كان الرب يخبرهم فى المرات السابقة بخبر الصلب على أنه شئ فى المستقبل، لكنه الآن يخبرهم بميعاد الصلب. ولنا أن نتصور كيف جلس تلاميذه حوله فى حزن وإضطراب إذ أخبرهم بأنه سيسلم ويصلب فى الفصح بعد يومين، فهم أحبوه حقيقة ما عدا واحدا منهم كان قلبه قد إمتلأ بالظلمة. فحين خرجت محبة يسوع من قلب يهوذا دخله الشيطان. بالنسبة للسيد المسيح فقد اعتزل في هذا اليوم. غالبًا في بيت عنيا. وفي هذا اليوم إجتمعت السلطات الدينية معًا ليدبروا قتل المسيح، وتآمر معهم يهوذا. وتهتم الكنيسة بهذا الأمر وتكرس يوم الأربعاء على مدار السنة فيما عدا أيام الخمسين، لكي يصوم المؤمنون تذكارًا لهذا التشاور الرديء. وفي يوم أربعاء البصخة تقرأ القراءات عاليه مع قصة المرأة التي سكبت الطيب على قدمي المسيح وهي مريم أخت لعازر، ليظهر الفرق بين ما عملته مريم وما عمله يهوذا. بنهاية أمثال الرب فى (مت25) تنتهى تعاليم الرب وأعماله. وإنتهت بنهاية يوم الثلاثاء أيام عمل مكثف للرب وكان يوم الأربعاء يوم راحة للرب قضاه مع تلاميذه بالقرب من بيت عنيا فى هدوء يشرح لهم حقيقة صلبه (مت26 : 1). وقطعا كان تلاميذه فى حاجة لهذه الجلسة الهادئة ليتهيأوا للأحداث الجسام والتى ستبدأ فى الغد، يوم الخميس. وكان الرب يسوع قد أخبر تلاميذه بحقيقة الصلب عقب إعتراف بطرس بأن المسيح هو إبن الله. والمرة الثانية كانت بعد التجلى، والمرة الثالثة كانت قبل دخوله الملوكى إلى أورشليم (مت20 : 17 - 19). وبينما كان الرب يخبرهم فى المرات السابقة بخبر الصلب على أنه شئ فى المستقبل، لكنه الآن يخبرهم بميعاد الصلب. ولنا أن نتصور كيف جلس تلاميذه حوله فى حزن وإضطراب إذ أخبرهم بأنه سيسلم ويصلب فى الفصح بعد يومين، فهم أحبوه حقيقة ما عدا واحدا منهم كان قلبه قد إمتلأ بالظلمة. فحين خرجت محبة يسوع من قلب يهوذا دخله الشيطان. يهوذا كان يهوذا التلميذ الوحيد الذى من اليهودية، أما الباقون فكانوا من الجليل. وكان لكفاءته المالية والإدارية قد أعطاه السيد أمانة الصندوق (كانت كفاءته هذه هى وزنته) ولكنه تحول إلى لص وخائن. وهناك سؤال لماذا ترك السيد الصندوق معه بعد أن إكتشف أنه يسرق؟ هو لم يكن هكذا أولا لكنه مع الوقت ومع اليأس من إشهار المسيح نفسه كملك فيحصل هو على منصب كبير، بدأ فى إستغلال القليل الذى فى الصندوق. وربما بدأ اليأس يزداد فى قلبه من حصوله على نصيب كبير بعد ملك المسيا بعد سماع طلب أم إبنى زبدى بمراكز كبيرة لإبنيها، وطلب بطرس نصيبه الذى سيحصل عليه إذ ترك كل شئ. لقد إختاره الرب لكفاءته، وتركه بعد أن علم بالسرقة أولا لرحمته وطول أناته، وثانيا حتى لا يدفعه لليأس والعزلة وقد يدفعه هذا للإرتداد عن المسيح فيخسر المسيح هذه النفس. إذاً بداية مشكلة يهوذا كانت فساد داخلى والرب أعطى له فرصة للتوبة ولكن الفساد ظل ينمو داخليا حتى وصل للسقوط المروع. وزنته أو موهبته كان من الممكن أن يمجد بها الله لكنه إنحرف داخليا بسبب المال فكانت موهبته سبب هلاكه. إلتحق يهوذا بالمسيح فى بداية تجمع التلاميذ حول المسيح وكله أمل فى منصب مغرى له ماديا. وأعجب بتعاليم الرب ومعجزاته وسلطانه على الأرواح النجسة، بل صار له هو أيضا سلطان على الأرواح النجسة مع بقية التلاميذ. ورأى خضوع المعمدان للمسيح وسمع شهادة المعمدان عنه. ولكن مع الوقت بدأ اليأس والإحباط يدب فى قلبه، فقد إستشهد يوحنا ولم ينتقم له المسيح، بل أن المسيح إنسحب من المكان. ثم رفض المسيح الملك إذ طلب الشعب أن يملكوه. ثم يطلب الفريسيين منه آية من السماء لإثبات أنه المسيا فيرفض. ويطلب إخوته منه النزول إلى أورشليم ليظهر نفسه فيرفض. ثم إصراره على أنه سيصلب ويموت. وكان كل هذا ضد طموحاته التى جعلته يسير وراء المسيح. وربما بدأ الشك يملأ قلبه وخميرة الفريسيين تنمو داخله ويصدق أن المسيح يعمل معجزاته بواسطة بعلزبول. ومع أنه قد إتضح للكثيرين أن مملكة المسيح هى مملكة روحية تصادم هذا مع أحلام يهوذا فى مملكة مادية وسلطان ومكاسب مادية. وربما دخله الإحباط عندما لم يصعد إلى جبل التجلى وفشله مع بقية التلاميذ فى شفاء الولد المجنون. وهنا نجد أن الإحباط داخله إزداد وتحول لكراهية للمسيح. وهكذا كل منا معرض لتلك التجربة حينما لا يسمح الله بتحقيق أحلامنا المادية فيقودنا الإحباط إلى ظلمة القلب. وربما مع تأكيد المسيح المتكرر بأنه سيصلب قال يهوذا فلأخرج بأى مكسب وتوجه لرؤساء الكهنة، وكانوا مجتمعين يدبرون المؤامرة لقتل المسيح. وتكون الإجتماع من قيافا ورؤساء الكهنة والسنهدريم والرؤساء. وكان هؤلاء هم حلقة الوصل بين الشعب وبين السلطات الرومانية. وهذا المجمع كان يجتمع فى حالة الجرائم السياسية مثل هذه التى يريدون إلصاقها بالمسيح، وليس فى القضايا الصغيرة. وباع يهوذا نفسه وقال لهم "ماذا تريدون أن تعطونى". وباع سيده فى مقابل 30 من الفضة وهى ثمن العبد، فالمسيح صار عبدا لفدائنا. وأخذوا الثلاثين فضة من نقود الهيكل المخصصة لشراء الذبائح العامة فى المواسم والتقدمات اليومية النهارية والليلية. وهكذا صار المسيح ذبيحة لأجلنا. ويا لبؤس يهوذا الذى فى ضيقته لم يجد أحدا بجانبه فهو ترك المسيح ولم يقف بجانبه رؤساء الكهنة ولا أحد، ولم تنفعه الفضة بل رماها وذهب لمصيره المشئوم. لماذا طلب الرب عن بطرس ولم يطلب عن يهوذا المسيح قال لبطرس ليلة الخميس أنه سأل عنه لكى لا يهلك. والرب سأل عنه لأنه فتيلة مدخنة لا يطفئ، بينما لم يسأل عن يهوذا فلم يكن هناك داخله فتيلة مدخنة بل وصل للكراهية الكاملة للرب يسوع. الرب يسوع لم يجد فيه فتيلة مدخنة. ولقد إستنفذ معه الرب كل الوسائل بلا فائدة، ولكنه كان قد ترك أبواب قلبه مفتوحة للشيطان فملأ الشيطان قلبه وساده الظلام تماما (يو13 : 27) ولكن نلاحظ أن الرب نادى بطرس بإسمه القديم قائلا "سمعان سمعان" (لو22 : 31 ، 32) إذ كان يخاطب الإنسان العتيق الذى بداخله. فإنكار بطرس للمسيح شئ ينتمى للإنسان العتيق الذى فيه. حنان وقيافا (من كتاب إدرشيم العالم اليهودى المتنصر) وهو حنان السيئ السمعة فى العهد الجديد. وظل هو وإبنه فى رياسة الكهنوت حتى تولى بيلاطس البنطى ولاية اليهودية. وتبعه قيافا زوج إبنته فى رياسة الكهنوت. وفى الهيكل تجد الصيارفة الذين يتواجدون وبكثرة فى المواسم وبالذات الفصح. فكانت أعداد الحجاج بمئات الألوف من كل أنحاء الدنيا. وبحسب الشريعة كان على كل واحد ما عدا الكهنة تسديد ضريبة للهيكل نصف شيكل. ومن يرفض دفع النصف شيكل يتعرض للحجز على بضائعه. لكن حجاج اليهود الآتين من بلاد مختلفة كان الموجود معهم عملات بلادهم. فكان عليهم أن يذهبوا للصيارفة لتغيير نقودهم إلى العملة اليهودية أى الشيكل ليدفعوا الضريبة السنوية للهيكل. وشرع الصيارفة لأنفسهم نسبة أرباح لهم من تغيير العملات، وكان ما يحصلون عليه مبالغ ضخمة. بل كان هؤلاء الصيارفة يدخلون فى صفقات وحوارات مع كل من يأتى إليهم للحصول على أكبر كم من الربح. وكان هناك غش كثير فى الموازين. كل هذا سبب أرباحا ضخمة لهؤلاء الصيارفة. ويقال أن "كراسوس" إستولى من هؤلاء الصيارفة فى الهيكل ذات مرة على مليونين ونصف إسترلينى (هذا الرقم مقدر من أيام تأليف هذا الكتاب فى منتصف القرن التاسع عشر). يضاف لهذا تجارة المواشى والطيور التى تقدم كذبائح فى الهيكل. وحتى فى هذه التجارة إنتشر الغش بسبب الشرط أن يكون الحيوان الذى يقدم بلا عيب. وكان التلاعب فى هذا الموضوع سببا فى أرباح عالية بالإضافة للمغالاة فى أسعار الذبائح. وتصور الحال فى هيكل العبادة لله، مع كل هذا الكم من الطمع والغش والخداع والتجارة والمشاحنات بين الصيارفة وبائعى الحيوانات والطيور (والفصال فى الأثمان) والمشاحنات بين الناس ومن يقوموا على الكشف على الحيوان ليتأكدوا من خلوه من العيوب. وكان هناك أيضا تجارة السكائب وكل ما يقدم كتقدمات فى الهيكل. وفى أيام المسيح كان من يقومون بهذه التجارة هم أولاد حنان رئيس الكهنة. وكانت المحال التى يتم فيها هذه التجارة تسمى "بازار أولاد حنان". وحقا كان التجار والصيارفة يكسبون مكاسب ضخمة من هذه التجارة. ولكن كان المكسب الأكبر للكهنة الذين يحصلون على جزء من الأرباح. والمعروف وقتها أن عائلة رئيس الكهنة تربح من كل هذه التجارة أرباح خيالية. بل صارت عائلة رئيس الكهنة مشهورة بالشراهة والجشع والفساد. وبعد كل هذا ... هل يصح أن يكون هذا بيت صلاة؟! بل صار مغارة للصوص كما قال الرب. ولقد صوَّر فساد هذه العائلة يوسيفوس المؤرخ وكثير من الربيين الذين أعطوا صورة مرعبة عما كان يحدث. وقال يوسيفوس عن حنان الإبن وهو إبن حنان رئيس الكهنة أنه كان خزينة للنقود، وإغتنى غناء فاحشا. بل كان يغتصب بالعنف حقوق الكهنة الشرعية. وسجل التلمود اللعنة التى نطق بها (آبا شاول) أحد الربيين المشهورين فى أورشليم على عائلة حنان رئيس الكهنة وعائلات رؤساء الكهنة الموجودين، والذين صار أولادهم وأصهارهم مساعدين لهم فى جباية الأموال، وصار خدامهم يضربون الشعب بالعصى. وهم يعيشون فى رفاهية ونهم وشراهة وفساد وسفه فى صرف أموالهم. وقال التلمود عنهم "لقد كان الهيكل يصرخ فى وجوههم .. أخرجوا من هنا يا أولاد عالى الكاهن لقد دنستم هيكل الله". وهذا كله يساعد على فهم ما عمله يسوع فى تطهير الهيكل، وسبب عداء رؤساء الكهنة له. وهذا أيضا يعطى تفسير لماذا لم يعترض الجمهور الموجود على ما عمله يسوع. وخاف المسئولون عن مواجهته أو القبض عليه من هياج الجماهير والحامية الرومانية على بعد خطوات فى قلعة أنطونيا. [أضف لذلك هيبة المسيح التى أخافت الجميع كما حدث ليلة القبض عليه، فالمسيح حين يريد تظهر هيبته وإذا إستسلم لهم يكون هذا بإرادته]. ولكنهم خزنوا حقدهم ضد المسيح ليوم الصليب. وعند محاكمة المسيح إقتاده الجند الرومان وخدام الهيكل مقيدا إلى قصر حنان حما قيافا رئيس الكهنة الرسمى. وهم ذهبوا إلى حنان فهم يعلموا أنه الرجل القوى على الرغم من وجود قيافا فى المركز الرسمى. وكان حنان غنيا جدا هو وأولاده وإستخدم نقوده فى عمل علاقات قوية مع السلطات الرومانية. وكان صدوقيا متفتحا بلا تزمت قادر على إرضاء السلطات الرومانية. ولم يسجل التاريخ اليهودى رجلا فى قوة وغنى ونفوذ حنان. وعمل ثروته مستغلا الهيكل. وكان حنان قد تولى رئاسة الكهنوت لمدة 6 أو 7 سنوات وجاء بعده قيافا زوج إبنته ثم ليس أقل من 5 من أبنائه وأحد أحفاده. وكان فى مكانه أفضل من رئاسة الكهنوت الرسمية، فهو يدبر ويخطط بلا مسئوليات ولا قيود رسمية. وطبعا كان إلتفاف الشعب حول المسيح سوف يسبب خسائر جسيمة مادية لكل هؤلاء الرؤساء. وطبعا كان حنان من ضمن الذين قرروا موت يسوع. ولكن المذكور فى الكتاب أن قيافا هو الذى أشار بذلك. وذهب الجند الرومان بالرب يسوع إلى حنان مباشرة كإختيار واقعى عملى فهو صاحب القرار عمليا وهم يعرفون هذا. وذهب الرب يسوع لرؤساء الكهنة هؤلاء ليقدموه ذبيحة فصح حقيقية وكآخر ذبيحة مقبولة يقدمونها ككهنة. (مت3:26-5): "حينئذ اجتمع <="" font="" face="Times New Roman" color="#000000" style="box-sizing: border-box; font-size: 14pt;"> رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب إلى دار رئيس الكهنة الذي يدعى قيافا. وتشاوروا لكي يمسكوا يسوع بمكر ويقتلوه. ولكنهم قالوا ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب." <="" font="" face="Times New Roman" color="#000000" style="box-sizing: border-box; font-size: 14pt;"> رؤساء الكهنة أي مَنْ يمثلون الكهنة. حنان وقيافا+ رؤساء الفرق (فرق الكهنة الأربعة والعشرين). وشيوخ الشعب هم رؤساء العائلات ومنهم نجد مجمع السنهدريم أي المجمع الأعظم الذي له السلطة العظمى في كلا الأمور الروحية والمدنية. قيافا= هو رئيس الكهنة الفعلي. وكان حنان الذي عزله بيلاطس هو حما قيافا. ولكن غالبًا كان حنان له تأثير ونفوذ كبير. ولذلك في محاكمة المسيح فحصه حنان أولًا أي سأله عن تلاميذه وخدمته، ثم أرسله إلى قيافا. وقيافا هذا كان صدوقيًا. قالوا ليس في العيد= ولكن الله دبَّر أن يكون صلبه أمام يهود العالم كله لينتقل الخبر للعالم كله. ولماذا لم يكتشف <="" font="" face="Times New Roman" color="#000000" style="box-sizing: border-box; font-size: 14pt;"> رؤساء الكهنة شخص المسيح ويفرحوا به كرئيس الكهنة الأعظم؟! كان هذا بسبب اهتمامهم بالكرامات الزمنية وخوفهم على مصالحهم الشخصية ومكاسبهم المادية وشكلية عبادتهم. وهذا قد فهمه بيلاطس أنهم "أسلموه حسدًا" (مر10:15). فالحسد أعمى عيونهم. (مت14:26-16): "حينئذ ذهب واحد من الاثني عشر الذي يدعى يهوذا الاسخريوطي إلى <="" font="" face="Times New Roman" color="#000000" style="box-sizing: border-box; font-size: 14pt;"> رؤساء الكهنة. وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم فجعلوا له ثلاثين من الفضة. ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه." ثلاثين من الفضة= ثمن شراء العبد حسب الناموس (خر32:21) المسيح بيع كعبد لكي يحررنا من العبودية. وتحققت بهذا نبوة زكريا (13:11). وكان الهدف من خيانة يهوذا أن يسلمه منفردًا بعيدًا عن الجموع (لو6:22)، إذ هو يعرف الأماكن التي ينفرد فيها مع تلاميذه سرًا. لقد أعمىالطمع أعين التلميذ، أمّا مريم فقد فتح الحب قلبها. وغالبًا فقد كان<="" font="" face="Times New Roman" color="#000000" style="box-sizing: border-box; font-size: 14pt;"> رؤساء الكهنة قد دبروا أنهم يلقون القبض على المسيح بعد الفصح ولكن عرض يهوذا سهل عليهم الأمر وعدلوا خطتهم لتصير قبل الفصح. وربما هم اهتموا بأن يتعجلوا القضاء عليه، حتى لا تثور الجماهير ويملكوه فيثير هذا الرومان ويسلبوا الرؤساء اليهود ما تبقى لهم من سلطة. (مر1:14-2): "وكان الفصح وأيام الفطير بعد يومين وكان <="" font="" face="Times New Roman" color="#000000" style="box-sizing: border-box; font-size: 14pt;"> رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه. ولكنهم قالوا ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب." الفصح وأيام الفطير= ارتبط العيدان في أذهان اليهود وكأنهما صارا عيدًا واحدًا. وكان يستخدم تعبير عيد الفطير ليشمل الفصح أيضًا، كما يطلق اسم الفصح على عيد الفطير. (مر10:14-11): "ثم أن يهوذا الاسخريوطي واحدًا من الاثني عشر مضى إلى <="" font="" face="Times New Roman" color="#000000" style="box-sizing: border-box; font-size: 14pt;"> رؤساء الكهنة ليسلمه إليهم. ولما سمعوا فرحوا ووعدوه أن يعطوه فضة وكان يطلب كيف يسلمه في فرصة موافقة." كان يهوذا محبًا للمال وطامعًا في مركز كبير حين يصير المسيح ملكًا. ولكن حديث المسيح عن صليبه خَيَّبَ أماله، وربما فهم أن ملكوت المسيح سيكون روحيًا وهذا لن يفيد أطماعه بشيء، بل هو سمع أن تلاميذه عليهم أن يحتملوا الإهانات وهذا لا يتفق مع أماله في العظمة والغنى. فباع المسيح. (لو1:22-6): "وقرب عيد الفطير الذي يقال له الفصح. وكان <="" font="" face="Times New Roman" color="#000000" style="box-sizing: border-box; font-size: 14pt;"> رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يقتلونه لأنهم خافوا الشعب. فدخل الشيطان في يهوذا الذي يدعى الاسخريوطي وهو من جملة الاثني عشر. فمضى وتكلم مع <="" font="" face="Times New Roman" color="#000000" style="box-sizing: border-box; font-size: 14pt;"> رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه إليهم. ففرحوا وعاهدوه أن يعطوه فضة. فواعدهم وكان يطلب فرصة ليسلمه إليهم خلوا من جمع." دخل الشيطان في يهوذا ليس إكراهًا بل لأنه وجد الباب مفتوحًا لديه، وجد فيه الطمع ومحبة المال بابًا للخيانة. ثم بعد اللقمة دخله الشيطان (يو27:13). كان يهوذا قد سلّم نفسه للشيطان، صار إناءً له، ومع كل فرصة ينفتح الباب بالأكثر للتجاوب مع إبليس كسيد له يملك قلبه ويوجه فكره ويدير كل تصرفاته. أي أن يهوذا كان كل يوم ينمو في تجاوبه مع الشيطان فيملك عليه بالأكثر. لذلك علينا أن لا نفتح للشيطان أي باب يدخل منه، حتى لا يسود علينا. لذلك قال السيد المسيح "رئيس هذا العالم آتٍ وليس لهُ فيَّ شيء" إذ لم يقبل منه شيء خاطئ (راجع التجربة على الجبل) والعكس فمن يتجاوب مع الروح القدس يملأه (رؤ10:1+ 2:4). فروح الله يشتاق أن يحل في قلوب أولاده بلا توقف ليملأهم من عمله الإلهي. وأيضًا إبليس يحاول أن يملأ ويسود على من يتجاوب معهُ ويُصَيِّرَهُ أداة خاضعة له. وكل إنسان حر أن يختار ممن يمتلئ. يهوذا بدأ سارقًا وانتهى خائنًا للمسيح.
المزيد
07 فبراير 2021

طقس رفع بخور باكر

يصلي الكاهن أوشيتيّ المرضي والمسافرين في جميع أيام الأسبوع ما عدا الأحد (يوم الرب ليس فيه سفر) لا يصلي أوشية المسافرين أما في الآحاد والأعياد السيدية (ملك لله) يصلي الكاهن أوشيتيّ المرضي والقرابين لأن الكنيسة تفترض أن ليس أحد يسافر في هذه الأيام للتفرغ للصلاة. ملحوظة هامة: الحمل لا يدخل إلا بعد رفع بخور باكر مع لحن (تين أو أوشت) وهو شبيه باللحن العسكري فمن الخطأ جدًا تقديم الحمل في رفع بخور باكر إذا تقديم الحمل بعد أوشية المسافرين بعد انتهاء رفع بخور باكر أما في الأعياد يقدم الحمل مع لحن (إبؤورو) `pouro ولا يدخل طبق الحمل إلى الهيكل فالذي يدخل إلى الهيكل (القربانة الحمل) فقط (عب 9: 12) وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءاَ أبديًا. في رفع بخور باكر نصلي أوشية المرضي لأننا نعتبر الكنيسة مستشفى تفتح أبوابها كل صباح لتتلقي المرضي والمصابين للعلاج والشفاء. إذًا الكنيسة دار استشفاء والسيد المسيح قال لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضي (يع 5: 14، 15) أمريض أحد بينكم فليدع شيوخ الكنيسة.. إلخ. سر مسحة المرضي يجب عمله في الصباح والكل في حالة صوم. ثم أوشية المسافرين: في الصباح طبقًا ما عدا يوم الأحد.. يوم الرب لحفظ المسافر واشتراك الله معه في العمل والسفر. الشرح: يبدأ الكاهن دورة البخور في الكنيسة كلها كالآتي: 1- بعد انتهاء الـ3 أواشي الصغار دورة واحدة حول المذبح. 2- ثم ينزل أمام باب الهيكل ويعطي البخور كالمعتاد شرقًا ثم شمالًا ثم غربًا ثم جنوبًا ثم شرقًا. 3- بخور للإنجيل (المنجلية) ثم يعطي الكاهن البخور للإنجيل القبطي ثم العربي وهو يقول (نسجد لإنجيل ربنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى الأبد أمين) ثم يقبل الإنجيل. 4- نحو الأجساد: (القديسين والشهداء) أينما وجدت وهو يقول السلام للقديسين.. السلام لجسدك الطاهر الذي ينبع لنا منه الشفاء.. اطلب من الرب عنا ليغفر لنا خطايانا. 5- بخور الكهنوت: تقديم البخور للكهنة يعني اشتراكهم جميعًا في تقديم البخور لله ويسمى (يمين الشركة) ويدل علي احتياج الكاهن المصلي لمساعدة إخوته بالصلاة ليقبل الله ذبيحته وبخوره. - الأب الأسقف له 3 أياد بخور (مع مطانية metanoia وتقبيل اليد والصليب) الأولى: الرب يحفظ لنا وعلينا حياة وقيام أبينا المكرم الأنبا.. الثانية: حفظًا احفظه لنا سنين كثيرة وأزمنة سالمة. الثالثة: اخضع أعداءه تحت قدميه سريعًا. ثم يقبل الصليب ويد الأب الأسقف قائلًا: اطلب من المسيح عنا ليغفر لنا خطايانا. يرد الأسقف عليه قائلًا: الرب يحفظ كهنوتك مثل ملكيصادق وهارون وزكريا وسمعان كهنة الله العلي أمين. هنا نلاحظ أننا نعطي بخور للأب الأسقف باعتبار أكبر الموجودين كهنوتًا وتقدم له البخور ليرفعه بدورة إلى الله مع صلواته. - القمص له يدان فقط (وضع راحة اليد مرتين) - القس له يد واحدة (وضع راحة اليد مرة واحدة) ويقول للأب القمص: • أسألك يا أبي القمص أن تذكرني في صلاتك لكي المسيح إلهنا يغفر لي خطاياي الكثيرة. يرد الكاهن الذي يعطي له البخور قائلًا: الرب يحفظ كهنوتك مثل ملكيصادق وهارون وزكريا وسمعان كهنة لله العلي أمين. ويقول للأب القس: • أسألك يا أبي القس.. ويرد نفس الرد.. أما الكاهن الخديم: يرد عليه قائلًا: الرب يقبل ذبيحتك. فهي تبادل محبة.. صلاة لأجل بعض 6- إلى بحري (الحجاب البحري) بخور حامل الايقونات: يبخر الكاهن لايقونات الشهداء والقديسين الموضوعة. شرط هام جدًا لابد أن تكون الايقونة مدشنة بالميرون ولا يبخر الكاهن لأي أيقونة غير مدشنة بزيت الميرون. ويقول السلام للشهيد.. وأمام الهيكل البحري يقول "السلام لهيكل الله الآب" هنا نجد الهيكل يقام فيه القداس لله الآب والذبيحة هي الله الابن (السيد المسيح) والذي يقدس القرابين هو الله الروح القدس إذا الثالوث القدوس اشترك في تهيئة الأسرار المقدسة. والبخور للأيقونات تعبير عن شركة الصلاة بين الشعب والقديسين (امتزاج صلواتنا مع صلواتهم) تكريم للروح القدس علي جميع القديسين (مجد القداسة). 7- في الطرقة (الممر) البحري للكنيسة: ويقول بركة بخور عشية بركته المقدسة فلتكن معنا أو في باكر بالمثل. ويظل هكذا حتى أقصي الغرب ويعطي الكاهن أثناء المرور – البركة باليد.. اليد ماسكة الصليب ومعرفة الحاضرين وحالتهم الروحية. - يسمع الإعترافات السريعة (الخطايا التي بعد الاعتراف الأخير) - يعطي الكاهن البخور وسط الشعب.. لماذا؟ نجد أن في سفر العدد (16: 44 – 48) لما ابتدأ الوباء في الشعب قال الرب لموسى.. وقال موسى لهارون خذ المجمرة وأجعل فيها نارًا من علي المذبح وضع بخورًا واذهب بها مسرعًا إلى الجماعة وكفر عنهم لأن السخط قد خرج من قبل الرب. قد ابتدأ الوباء فأخذ هرون كما قال موسى وركض إلى وسط الشعب وإذا الوباء قد ابتدأ في الشعب فوضع البخور وكفر عن الشعب ووقف بين الموتى والأحياء فامتنع الوباء. إذا البخور له قوة ذبيحة غير دموية. ويجب علي الشعب أثناء مرور الكاهن بالبخور أن يرد الشعب قائلين: أسألك يا ربي يسوع المسيح أن تغفر لي خطاياي التي أعرفها والتي لا أعرفها أي طلبًا للرحمة وغفران الخطية. 8- في الجناح الغربي للكنيسة: يظل ماشيًا بالبخور حتى الممر الأوسط بالكنيسة حتى يصل: 9- إلى اتجاه الشرق بالطرقة الوسطى: مكان البصخة (ذبيحة المسيح) 10- الأرباع الخشوعية: يتقدم في الثلث الأخير (اللقان) ويصلي الأرباع الخشوعية نحو الشرق قائلًا: يسوع المسيح هو أمسا واليوم وإلى الأبد هو بأقنوم واحد نسجد له ونمجده (عب 13: 8). شرقًا وهو واقف يقول: هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة علي الصليب عن خلاص جنسنا ثم بحري فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء علي الجلجثة، ثم غربًا فتح باب الفردوس ورد آدم إلى رئاسته مرة أخري وقبلي يقول: من قبل صليبه وقيامته المقدسة رد الإنسان إلى الفردوس مرة أخري ثم: 11- في اتجاه الشرق بالطرقة الوسطى. 12- بجوار حامل الأيقونات إلى قبلي. 13- في الطرقة القبلي للكنيسة في اتجاه الغرب. 14- يسير حتى يصل "الجناح الغربي للكنيسة". 15- الطرقة الوسطى مباشرة إلى داخل المذبح. يعود إلى الهيكل من الممر (الطرقة) الوسطي وهو يقف أمام المذبح إلى الشرق ويضع يد بخور ويقول مجدًا وإكرامًا ثم يبخر الكاهن علي المذبح نحو الشرق وهو يقول: سر الرجعة (سر اعتراف الشعب). يا الله الذي قبل إليه اعتراف اللص اليمين علي الصليب المكرم أقبل إليك اعترافات شعبك واغفر لهم كافة خطاياهم من أجل اسمك القدوس الذي دعى علينا كرحمتك وليس كخطايانا. ثم يقم الكاهن بعمل دورة واحدة حول المذبح ثم أمام الهيكل ثم للإنجيل المقدس ثم لرئيس الكهنة والكهنة. ويعلق الشورية في مكانها وسط واجهة الهيكل الأوسط ويقف الكاهن عند باب الهيكل حتى ينتهي الشعب من ترديد الذكصولوجيات وقانون الإيمان وأثناء لحن وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر (يمسك الكاهن 3 شمعات وصليب) ويرسم الصليب دون نطق ناحية الشرق والجنوب وغربي وبحري مع عقارب الساعة لإعطاء البركة للشعب ثم الشرق. ثم يقول الكاهن: يا الله ارحمنا.. تراءف علينا مع عكس عقارب الساعة شرق وشمال وغرب وجنوب لأن الرحمة علي الصليب هو حدث ممتد فوق الزمن والصليب به 3 شمعات إشارة للثالوث دليل اشتراك الثالوث في الفداء ويدور الكاهن مع عقارب الساعة ليعطي البركة للشعب ثم يردد تسبحة الرحمة مع عكس عقارب الساعة لأننا نحن نتبع عمل المسيح الفادي علي الصليب فوق الزمن بعد انتهاء اللحن. ويصلي الكاهن أوشية الإنجيل، يمسك البشارة والصليب ويلف حول المذبح عكس عقارب الساعة وطوال الدورة الكاهن والشماس معًا، إذًا الكنيسة ككل رتبها مسئولة عن البشارة بالفداء ثم بعد ذلك يقول الشماس ماسكًا الصليب "انصتوا لسماع الإنجيل.." ثم الكاهن يقول "مبارك الآتي باسم الرب.." ثم يقرأ الإنجيل يبخر وحوله شمعتان والكل وفوق التنفيذ أوامر الله. ثم في النهاية التحاليل الثلاثة. التحاليل مثل إطلاق عصفور في قفص. نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
16 سبتمبر 2018

نيرى هين وحملى خفيف

﴿ نِيري هيِّن وحِملي خفيف ﴾ ( مت 11 : 30 ) كثيرون يعيشون مع الله ويشعرون أن الطريق شاق وصعب والحِمْل ثقيل والوصية صعبة لكن ربنا يسوع يقول ﴿ نِيري هيِّن وحِملي خفيف ﴾ النِير هو ما يُوضع على ظهر الحيوان ليحمل الأثقال ومادام الحيوان بدون النِير يشعر أنه في وقت راحة فيعيش وكأنه طفل لكن مجرد أن يُوضع عليه النِير يصير جاد في سلوكه تعالوا نقول لله ضع نِيرك علينا هو يقول نِيري هيِّن أي خفيف الأنبا أنطونيوس كان يقول لأولاده ﴿ يا أولادي اعلموا أن وصاياه ليست ثقيلة ﴾الذي يجعل النِير هيِّن والحِمْل خفيف هو المحبة والذي يجعله ثقيل وصعب عدم المحبة ما الذي يجعل النِير هيِّن ؟ الحب الذي يحب الله يشعر أن طريقه لذيذ يستعذبون الألم أبونا إبراهيم ترك أرضه وعشيرته وهو مُبتهج رغم أنه ذاهب إلى مجهول نقول له أنت لا تعلم إلى أين تسيريقول مادام الله معي ومُعطيني نعمة لن أستثقِل الأمر نجد أن الإنسان الروحاني يفرح بالصوم ويلتهب وينتظر قدومه لأن النِير بالنسبة له هيِّن والحِمْل خفيف لأنه لا يشعر أن الصوم عذاب للجسد بل ترويض للجسد وارتقاء وسمو قديماً كان الآباء يعرفون الصوم دائماً ولا يشعرون بصوم وإفطار ولم يكن هناك توقيت ونتائج لأيام السنة وكان الزمن بالنسبة لهم مسئول عنه شخص مُعيَّن وكان ذلك الشخص يُرسِل راهب يُنادي بالصوم قبل بدايته بيومين وكان أحد الرهبان يُنادي الصوم بعد يومين فقال له شيخ أنا لي ثلاثة وخمسون سنة في البرية لم أعرف ميعاد صوم وإفطار لم يشعر بحرمان أو عذاب أو فُقدان لذة لأن نِيره هيِّن اِحمِل نِيره بحُب تجده خفيف ولتسأل شهيد عن حاله في العذابات وتقول له ماذا تفعل مع التعذيب هذا أمر لا يُحتمل كيف تتحمَّل كل هذه الإهانات والعذابات والألم ؟ يقول أنه يحب الألم لأجل المسيح أن تستضئ عينيك بنور المسيح تستثقِل الثوب الذي على جسدك والطعام الذي تأكله وكأنك تقول له ليتني أُقدم لك أكثرالشهداء أرادوا أن يقدموا له أكثر من حياتهم حتى أن الله ظهر للأنبا بولا الطموهي وقال له " كفاك تعباً يا حبيبي بولا " لأن جسده قد اضمحل من شدة النُسك حتى صار كورقة الشجر لكنه يُجيب الله ويقول ماذا يكون تعبي أمام قطرة من دمك سال لأجلي أمام صليبك أمام حبك للبشرية أنا ما فعلت شئ يليق بحبك نِيره هيِّن والألم لذيذ والحِرمان مقبول يرى الشهيد أثناء عذاباته جانب لن يراه الآخرون الناس ترى شهيد وسيف ودم مسفوك وقسوة وعذاب وهو يرى سماء مفتوحة وأكاليل ومجد وملائكة ويقول أنا في تنعم ومجد لأن عينه مفتوحة على أسرار الله ﴿ نِيري هيِّن وحِملي خفيف ﴾آية لا تُفهم إلاَّ بالحب ولا يفهمها إلاَّ عُشَّاق يسوع وتدفعهم أكثر في طريق الله ﴿ يجرون في طريق الأحزان بلا شبع ساعة ما أدركوا شهوة حُب الرفيق ما صبروا أن يبقوا في أفراح العالم لحظة واحدة ﴾يحملون تعاذيبهم لأن نِيره هيِّن الذي يقدم حياته لأجل الله هل يشعر أنه قدم شئ فائق لم يفعله غيره ؟معلمنا بطرس الرسول قال ليسوع ﴿ ها نحن قد تركنا كل شيءٍ وتبعناك ﴾ فقال له يسوع﴿ كل من ترك بيوتاً أو إخوةً أو أخواتٍ أو أباً أو أماً أو امرأةً أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي يأخذ مئة ضِعفٍ ويرث الحياة الأبدية ﴾ ( مت 19 : 27 ، 29 ) يشعر أن هذه الأرض كلها هي له والبشرية كلها أولاده وهو مسئول عنهم كان المتنيح أبونا بيشوي كامل يقول للناس اعتبروني أفقر شخص فيكم وأغنى شخص فيكم لا أملُك شئ لكن كل ما لكم لي كان يشعر بالمكسب وإذا أتاه فقير ولم يكن معه شئ كان يضع يديهِ في جيب أقرب شخص له ويأخذ منه دون حساب ويعطي الفقير اُدخل إلى عمق الحياة مع الله تجد نفسك تسأل الله ماذا أُقدم لك يستحق حبك ؟ صومي مُخجِل لأني آكل كثيراً هو مجرد تغيير طعام هل يليق أن أمنع نفسي عن كذا وكذا كل ذلك أيضاً قليل أمام حبك هل أمنع نفسي عن أنواع أطعمة عن الماء عن وتظل هكذا حتى تشعر أنك تقدم جسدك كله بل وحياتك ذبيحة مُحرقة لله ذبيحة مُحرقة أي تُحرق بالكامل تقول له أريد أن أُقدم لك كل حياتي ذبيحة حية مقبولة أمامك جسدي وعقلي وقلبي وتُقدم بلا ندامة وتشعر أنك كسبت الكثير والكثير هل اختبرت نِيره ؟ إنه هيِّن هل تستثقِل وصاياه أم تشعر بلذتها ؟ إختبِر وادخل للعمق وتذوق وكلما تعمقت النعمة ترفعك درجة ودرجة وتشعر بلذة أكثر وأكثر إختبروا وتلذذوا ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائماً أبدياً آمين القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس – محرم بك الأسكندرية
المزيد
09 نوفمبر 2019

ابشالوم ابن داود الملك

"يا ليتني مت عوضاً عنك يا أبشالوم ابني يا ابني" 2صم 18: 33 مقدمة لست أعلم ما هو هذا النصب الذي أقامه أبشالوم في وادي الملك تذكاراً لحياته وقصته بين الناس؟!! أهو مسلة من المسلات كما يتصور البعض... أو هو هرم صغير من الأهرام كما يفكر آخرون؟!! أ هو بناء بني على صورة ما يحمل اسمه؟!! لقد أنجب أبشالوم ثلاثة أولاد وبنتاً حلوة جميلة كأخته ثامار، ومن ثم أطلق عليها اسم أخته!! ومات الأولاد الثلاثة صغاراً على الأرجح، ولم يكن له ولد يحمل اسمه، فصنع النصب المذكور وهو حي وأطلق عليه "يد أبشالوم" لكن أبشالوم في عقيدتي لم يكن في حاجة إلى هذا النصب على الإطلاق،... لأنه استطاع أن يصنع نصباً أعظم وأرهب وأكبر، في كل أجيال التاريخ، نصبه لا في وادي الملك القريبة من أورشليم، بل في وادي التاريخ كله،.. ولا يستطيع أبرع المصورين أو المثالين أن يصنع مثله على الإطلاق،... ولقد كتب الروائيون الكثير من القصص الرهيبة، لكنني لا أعتقد أن واحدا منهم، وهو يتحدث عن الجريمة والثورة والعقاب، أبدع قصة أعظم من قصة أبشالوم. في واحدة من الصور العظيمة لإشعياء، جاءت عبارة قائلة: "فقسوا بيض أفعى"... ومن المؤسف أن بيت الرجل العظيم داود امتلأ بفقس الأفعى!!.. مسكين أيها الملك القديم! لأن الحية القديمة أفرخت في بيتك بهذا الفقس القاتل، وكان الموت والعار والخطية والشر ما عنيت وعانى بيتك التعس، "ويد أبشالوم" ستبقى مرفوعة دائماً في كل التاريخ لكي تؤكد أن أجرة الخطية هي موت،.. والخطية حقاً خاطئة جداً!!.. وها نحن نواجه هذه المأساة ونحن نقرأ قصة أبشالوم المحزنة!!.. أبشالوم والجريمة عندما نقرأ قصة أبشالوم، يبدو على التو أمامنا أمران هامان: أولهما صدق الرواية الكتابية، والتي تشهد بالوحي الإلهي، فنحن لو ترك إلينا أن نكتب عن داود، الرجل الذي يأخذ لبناً بمزاميره الخالدة، وبطولته العظيمة، وغيرته على مجد الله، وخدمته الأمينة للسيد، لترددنا كثيراً أن نكتب عن مخازي بيته الفاضحة، حتى لا نصدم أفكار الناس أو مشاعرهم أو خيالهم، وهم يقرأون سيرته العظيمة الخالدة،... أو على الأقل كان من الممكن أن نترفق فيما نكتب أو ندثر أو نغطي، ما لا ينبغي حسب تصورنا، أن يعري على الصورة القاسية، التي نقرؤها علىها في الوحي الإلهي!!... لكن كلمة الله على العكس تعطي الصورة الواضحة المجلوة دون أدنى تردد أو إبهام أو غموض، مهما يصدم الناس في عواطفهم، لأن الأمر الآخر أن الكلمة تهتم بإبراز الخطية في بشاعتها وشناعتها وقسوتها وخبثها وامتدادها، وشرها المستطير،.. بل إنها تتغور إلى الأعماق لنرى سر الجريمة العميق البعيد الخفي المختفي... ولعلنا لو حللنا الجريمة التي كان أبشالوم واحداً من أبطالها وممثليها العظام لرأيناها ترجع إلى: البيت المزواج قد لا يستطيع الإنسان أن يصف مدى المرارة التي امتلأت بها حياة داود من أنه حول بيته إلى "وكر" للأشرار بتلك الحياة الغريبة التي ساعدت عصره، والعصور الأخرى، بتعدد الزواج، وهي اللعنة التي اكتسحت العصور القديمة، حتى جاء المسيح ورد البشرية إلى الأصل في الزواج امرأة واحدة لرجل واحد مدى الحياة،.. ولم يجز موسى الطلاق ألا وهو يربطه بقساوة القلب البشري،... إن امرأة شريرة واحدة في بيت رجل صالح كفيلة أن تحوله إلى الجحيم، فكيف بك الأمر لو أن هناك مجموعة متنافرة من مختلف الأنماط والألوان، ويكفي أن ترى بيت داود على هذه الحال، ونساؤه إلى جانب ميكال التي لم تنجب له أولاداً، كان هناك كما جاء في سفر أخبار الأيام: "وهؤلاء بنو داود الذين ولدوا له في حبرون أمنون من أخينوعم اليزرعيلية الثاني دانيئيل من أبيجايل الكرملية الثالث أبشالوم ابن معكة بنت تلماي ملك جشور الرابع أدونيا ابن حجيث الخامس شنطيا من أبيطال. السادس يثرعام من عجلة امرأته.. وهؤلاء ولدوا له في أورشليم شمعي وشوباب وناثان وسليمان من أربعة من بثشوع بنت عميئيل ويبحاز وأليشامع وأليفاظ ونوجة، ونافج ويافيع وأليشمع والياداع واليغلط، تسعة الكل بنو داود، ما عدا بني السراري وثامار هي أختهم".. وإذا كانت الأختان -ليئة وراحيل- لم تستطيعا العيش معاً في بيت واحد بسلام: "ورأى الرب أن ليئة مكروهة ففتح رحمها".. "كلما رأت راحيل أنها لم تلد ليعقوب غارت راحيل من أختها".. "فقالت راحيل مصارعات الله قد صارعت أختي".. وإذا كانت حنة قد رأت الويل من ضرتها فننة: "وكانت ضرتها تغيظها أيضاً غيظاً لأجل المراغمة"... فهل يمكن أن نتصور بيت داود وقد جمع ميكال العاقر المتعجرفة بنت شاول، ومعكة الوثنية أم أبشالوم بنت تلماي ملك جشور، وبثشبع أم سليمان، وأبيجايل المؤمنة الطيبة، وسائر النساء المختلفات، وغيرهن من السراري- هل يمكن لمثل هذا البيت إلا أن يكون بيتاً ممتلئاً بالانقسام والغيرة والتحزب، والحسد والعداوة، والمعارك الظاهرة والخفية؟؟.. وهل يمكن أن نرى الأولاد إلا في الصورة المنعكسة التعسة المحزنة لكل هذه؟!!.. لقد فقست الأُفعى بيضها في بيت مزواج!!... التربية الدينية ولا حاجة إلى القول أن التربية الدينية، في مثل هذا البيت كانت ضعيفة أو معدومة الأثر، وأغلب الظن أن داود لم يكن عنده من الوقت ما يعطيه لأولاده، ولعل بعض هؤلاء، وهم ينظرون أباهم، وهو شديد الاهتمام ببيت الله، وبالعبادة كانوا يحتقرونه كما احتقرته ميكال وهو يرقص أمام التابوت، ولعل سليمان كان أكثر الأبناء حظاً، لأنه كان في يد ناثان النبي الذي علمه منذ نعومة أظفاره،... كانت مزامير داود ترن في قلوب الكثيرين، ولكن موسيقاها البعيدة العميقة لم تصل إلى قلوب أولاده،.. فإذا أضيف إلى ذلك أن أغلب زوجات داود، كن بدورهن مفتقرات إلى الحياة الدينية المتعمقة، ولم يكن بينهم من تحرص على تربية أولادها كما فعلت يواكبد أم موسى وهرون ومريم، وكما فعلت حنة أم صموئيل،.. ومن ثم افتقر البيت العظيم إلى العمق الديني المنشور، ... وإذا كان في التقاليد اليهودية، أن يبدأ الولد في قراءة التوراة وهو في الخامسة من عمره، وأن يتقيد بالناموس في الثانية عشرة، وأن يدرس التلمود في الخامسة عشرة، وكان على الآباء اليهود -كما يذكر فيدخلون اليهودي السكندري- أن يعلموا أولادهم ويربوهم ليروا الله الآب وخالق العالم، قبل أن يتعلموا الناموس والشرائع المقدس، والتقاليد أو التعاليم غير المكتوبة، منذ الخطوات الأولى في حياتهم على هذه الأرض!!.. عندما كان داود فقيراً وبسيطاً وراعياً للأغنام، وعندما كان يغني فوق بطاح بيت لحم بأحلى الترانيم، شرب من كأس الشركة العميقة المروية مع الله،.. لكن أولاده وقد تربوا في القصور، وعاشوا حياة التنعم والترفه والغنى، لم تكن لهم هذه الفرصة الجليلة العميقة المباركة، ولسنا نظن أن واحداً منهم صاحب أباه ليغني له في أعماق الليل أو في وضح النهار، المزمور الثامن، أو التاسع عشر، أو الثالث والعشرين من روائع مزامير داود الخالدة!!.. من أجمل ما كتب لايل توماس الذي صاحب اللورد اللنبي ولورانس في الحرب العالمية الأولى، وهو يصف حياته وتربيته المنزلية: "كان أبي يصحبني مرات كثيرة في منتصف الليل ليريني الجبال الحمراء الغارقة في ضوء القمر، وكان يعود بهذا المنظر الجميل الفاتن إلى يد الله التي صنعت كل هذا ولقد زرع في أعماق نفسي الشعور الروحي الذي صاحبني وأنا أتجول في الأرض في كل ما يتصل بالكون، وكم كان يقضي أوقاتاً طويلة في فترات متعددة، ليقرأ لي ما كان يؤمن به أنه أعظم كتاب في العالم، الكتاب المقدس، وكان يقرأ الكتاب لا كما يقرأ أثناء الصلاة العائلية، بل كما يقرأه العالم المتفقه، ولقد جعل القصص الكتابية تسري في دمي وشراييني، وتضحى خلف جميع الاختبارات التي عرفتها في حياتي.. أما الكنيسة فكانت جزءاً حيوياً في حياتي، مثلها تماماً مثل المدرسة في حياتي، ومثل الطعام اليومي، ومثل أسلوب المعيشة، وكما أنك لا تفكر أو تناقش هذه كلها أو تحللها تماماً، كما لا تفكر في تحليل زوجتك إذ هي جزء من كل شيء فكذلك الكنيسة عندي جزء من كل شيء وأنا لم أفكر أبداً في الكنيسة من ناحية تحليلها أو المناقشة في ضرورتها، إذ هي جزء طبيعي عادي من اختباري اليومي، وأنا شديد الحماس في تشجيع الناس للذهاب إلى الكنيسة".. التأديب لعل من أعجب الأمور في داود ضعفه البالغ تجاه أولاده، إذ يبدو أن التأديب كان غريباً عن حياتهم، فإذا وصل بأمنون الشر إلى الدرجة الرهيبة التي فيها أذل أخته: "ولما سمع الملك داود بجميع هذه الأمور اغتاظ جداً" ولم يفعل أكثر من هذا الغيظ الذي أكل فيه نفسه، دون أن يلتهب أو يأكل ابنه وبقى أمنون حراً طليقاً إلى الدرجة التي شجعت أبشالوم على أن يقتص لنفسه ولأخته على النحو المرهف الذي حدث فيما بعد بعد أن بيت له: "ولم يكلم أبشالوم أمنون بشر ولا بخير لأن أبشالوم أبغض أمنون من أجل أنه أذل ثامار أخته"... والأمر عينه واضح في معاملته لابنه أدونيا الذي قيل فيه: "ولم يغضبه أبوه قط قائلاً لماذا فعلت هكذا".. ترى هل كان هذا كله واضحاً في ذهن سليمان وهو يتحدث عن التأديب قائلاً: "من يمنع عصاه يمقت ابنه ومن أحبه يطلب له التأديب" "رب الولد في طريقه فمتى شاخ لا يحيد عنها" "الجهالة مرتبطة بقلب الولد عصا التأديب تبعدها عنه" "لا تمنع التأديب عن الولد لأنك إن ضربته بعصا لا يموت تضربه أنت بعصا فتنقذ نفسه من الهاوية" "العصا والتوبيخ يعطيان حكمة والصبي المطلق إلى هواه يخجل أمه"... ومن المؤسف أن داود أطلق أولاده جميعاً إلى هواهم، ولو أنه بكر بتأديبهم لما احتاج إلى البكاء والدموع التي جاءت متأخرة دون أن تتمكن من إصلاحهم أو إنقاذهم،... أو دون ترك العار يلطخ حياتهم وسيرتهم بين الناس، وأي سيرة هذه التي بلغوا فيها المستنقع حتى يتآمر أكبر أولاده مع صديقه على تلويث شرف أخته، دون أن يعف عن الوصول إلى ما تفعله أحط الحيوانات، وعندما يجتمعون إلى حفل أخيهم أبشالوم تدور الخمر بينهم إلى درجة السكر البين، وإذ جميعهم يجرعون الكؤوس ويسكرون، وإذ العلاقة بينهم جميعاً أبعد عن أن تكون علاقة المحبة والرقة والحنان والجود!!.. لو أن داود ربي أولاده أو أدبهم لما فقست الأفعى بيضها بينهم!!.. المثال على أن أسوأ ما في الأمر كله، كان المثال، وكيف يتكلم داود إليهم، وقد أعطاهم أسوأ مثال في فعلته الشنيعة التي جلبت الغضب الإلهي عليه، وسخرية الساخرين من الرجل الذي يقف على رأس أمته ليسبح ويغني لله، فإذا كان أمنون يفعل بأخته ما فعل هو ببثشبع. وإذا كان أبشالوم يفعل ذات الشيء بسراري أبيه، فهل يملك الرجل أن يرفع صوته مشتكياً أو محتجاً أو مؤدباً؟!.. دخل الرجل بيته، وإذا بالبيت كله يضج بالضحك لأن الولد الصغير لبس بدلة أبيه، يجرجر فيها، وكان منظره مثيراً مضحكاً، إلا الأب الذي فزع لأنه رأى المعنى البعيد الحقيقي، إن الولد يقلده، وويل له إذا أعطى الولد مثالاً تعساً من أي تصرف أو عمل، .. لقد فقست الأفعى بيضها في بيت داود لأنه البيت المزواج الذي ضاعت فيه التربية الدينية والتأديب والمثال الحسن. أبشالوم والثورة ولعله من اللازم، ونحن نتناول هذه الثورة بالتحليل، والتمحيص، والتعقب أن نلاحظ ما يأتي: ثورة الابن ضد أبيه وهل لك أن تغوص معي إلى الجرح العميق البعيد، الذي ينزف من الدم نزيفاً لا ينقطع في قلب داود، وهو يرى الثورة آتية ضده من ابنه، وابنه الحلو الجميل الممدوح في جماله من هامة الرأس إلى أخمص القدم،.. الابن الذي مع فعلته الشنعاء حن إليه قلب أبيه وهو في المنفى، ولم يعد يذكر يديه المخضبتين بدم أخيه الأكبر أمنون،.. ربما السهل أن يدخل داود في معركة مع عدو سافر كجليات، رغم فزع الجميع من المغامرة في مثل هذه المعركة، وربما من السهل أن يتحمل طعنة رجل مثل شمعي بني جيرا رغم ما فيه من افتراء وغدر وكذب، إذ هو بنياميني من سبط آخر، سب مركزه الملكي ليأخذه سبط يهوذا، ويستقر في بيت داود،... وربما من السهل أن يفقد صديقاً مثل أخيتوفل الذي كانت تحلو العشرة معه، لأن أخيتوفل جد بثشبع، وقد تركت فعلة داود جرحاً عميقاً في قلبه ليس من السهل أن يندمل،.. لكن أصعب من الجميع بما لا يقاس أن تأتي الثورة من الابن الحلو الجميل المحبوب من، أبشالوم أو كما قال هو لأبيشاي ولجميع عبيده: "هوذا ابني الذي خرج من أحشائي يطلب نفسي فكم بالحري بنياميني، دعوه يسب لأن الرب قال له..." وقد ازداد الجرح عمقاً وبعداً، لأن السيف الذي خرج علي داود لم يكن سيف جليات، أو شمعي أو أخيتوفل أو أبشالوم، لقد كان سيف الله نفسه: "والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد لأنك احتقرتني وأخذت امرأة أوريا الحثي لتكون لك امرأة هكذا قال الرب ها أنذا أقيم عليك الشر من بيتك وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهم لقريبك فيضطجع مع نساءك في عين هذه الشمس لأنك أنت فعلت بالسر وأنا أفعل هذا الأمر قدام جميع إسرائيل وقدام الشمس".. ومهما تكن الأسباب الظاهرة أو البشرية، فما هي إلا أسباب ثانوية أدرك داود اليد الحقيقية خلفها جميعاً يد الله!!.. عجز الموازنة بين العدل والرحمة كان داود أباً وملكاً في الوقت نفسه، وجاءت ثورة أبشالوم بسبب إفلاسه التام في الموازنة بين مركزه كأب ومركزه كملك فإذا نظر إلى الأمر من وجهة نظر كونه أباً، فقد ضاع منه مركز الملك الذي ينبغي أن يحكم بناموس العدالة، الذي لا يتوقف عند مجرد الناموس الموسوي، بل يرجع إلى ما هو أسبق، إلى أمر الله مع نوح عندما قال: "وأطلب أنا دمكم لأنفسكم فقط من يد كل حيوان أطلبه ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان من يد الإنسان أخيه سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه لأن الله على صورته عمل الإنسان"... وإذا عالج الأمر كملك، فإن صرخات قلبه الأبوي لا تطاوعه،.. ومن الملاحظ أن الإنسان قد أدرك هذه الحقيقة، واستقرت في أعماقه ووجدانه، وهو بصدد قضية أعظم وأكبر وأرهب، قضية الجنس البشري كله، وموقف الإنسان المدان أمام الله الذي هو الملك الحاكم العادل والديان، وفي الوقت نفسه هو الأب المحب المشفق العطوف،.. ومحاولات الإنسان المتعددة في شتى الديانات للتوفيق بين الأمرين أضحت عاجزة بالغة العجز، مهما بذل الإنسان من جهد أو معاناة أو تضحية، حتى ولو تقدم بمحرقات بعجول أبناء سنة أو بألوف الكباش أو ربوات أنهار زيت حتى ولو أعطى بكره عن معصيته ثمرة جسده عن خطية نفسه، وإذا كان قلب الأب في الله يصرخ لإنقاذ الجنس البشري، فإن الله القاضي العادل، لا يمكن أن يتمم هذا الإنقاذ بمجرد التغاضي أو إغفاء البصر، أو الغفران الناقص، كما فعل داود الذي يترك ابنه في المنفى أو يسمح بالمجيء بشرط ألا يرى وجهه أو يمثل في حضرته،... إن الأمر أبعد من ذلك وأعمق إذ أن المصالحة الكاملة لا يمكن أن تتم من غير صليب تلتقي فيه الخطية بالعدالة والمحبة معاً، أو كما يقول الرسول بولس: "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصلاحة أي أن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه بيسوع المسيح غير حاسب لهم خطاياهم وواضعاً فينا كلمة المصالحة"... كان داود يعلم هذه الحقيقة بدون أدنى شك، وهو يعجز كملك، ويحار أبلغ الحيرة، ويخشى إذا تغاضى كلية عن خطية ابنه، أن يغضب الله، قبل أن يتهم بالتحيز من ناحية الناس، وإن كنا لا نعلم متى كتب المزمور المائة والواحد، إلا أنه يبدو أنه كتبه تحت إحساس المعركة بين العدالة والرحمة في حياته، أو ربما كتبه وهو يواجه الصراع النفسي القاسي تجاه ابنه أبشالوم "رحمة وحكماً أغنى. لك يا رب أرنم. أتعقل في طريق كامل. متى تأتي إليَّ. أسلك في كمال قلبي في وسط بيتي. لا أضع قدام عيني أمراً رديئاً عمل الزيغان أبغضت لا يلصق بي. قلب معوج يبعد عني الشرير لا أعرفه الذي يغتاب صاحبه سراً هذا أقطعه مستكبر العين ومنتفخ القلب لا أحتمله عيناي على أمناء الأرض لكي أجلسهم معي السالك طريقاً كاملاً هو يخدمني لا يسكن وسط بيتي عامل غش المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عيني باكراً أبيد جميع أشرار الأرض لأقطع من مدينة الرب كل فاعلي الإثم"... وقد قتل داود العماليقي الذي ادعى أنه قتل شاول بناء على طلبه لمجرد أن يده امتدت إلى مسيح الرب، وقتل ركاب وبعثة الأخوين إيشبوشث وهو نائم نومة الظهيرة،.. وكان السؤال القائم أمام ضميره: أليس من واجبه أن يطبق هذا على أبشالوم دون أدنى استثناء وهذا ظاهر من محاولة المرأة التقوعية التي جاءت بقصة، كقصة ناثان، مع الفارق أن ناثان كان يريد إيقاظ ضميره، أما هي فقد أرادت على العكس أن تعطيه راحة للضمير مبينة أن الموت كالماء المهراق، الذي إذا سكب لا يمكن أن يجمع مرة أخرى من الأرض، والله لا يرضى أن منفيه يطرد عن الحياة بعيداً عنه، وأنه يستحيل تصور موت أخوين معاً> قتل أحدهما الآخر، وذهب الآخر عقاباً على موت القتيل أخيه،.. ومهما يكن من هذا الدفاع الحكيم، فهو أن أثار الرحمة العميقة، فإنه أعجز عن مواجهة العدالة التي ذكرها داود في المزمور المائة والواحد!!... وقد بذر داود بذور الثورة اللاحقة لإفلاسه في التوفيق بين العدل والرحمة!!... الغفران الناقص والسلبية ليسا علاجاً ظن داود أنه يستطيع أن يعالج ابنه بالغفران الناقص، الذي يسمح له بالعودة من المنفى بشرط أن ينصرف إلى بيته ولا يرى وجهه، وعالج داود المشكلة السلبية المطلقة، أو في لغة أخرى، لقد أعاده من منفى المكان في جشور حيث كان هناك مع أقارب أمه، ليبقيه في منفى أسوأ أو أشد، منفى النفس، مع أن المشكلة الحقيقية أنه الآن أحوج ما يكون إلى حب أبيه أو نصحه، أو إرشاده، أو تهذيبه، أو تعليمه، أو توجيه نظره إلى الله،.. وإذا لم يستطع داود أن يملأه بكل هذه، فلابد أن يملأ الفراغ بصورة أخرى، إذ تصور الفتى قسوة أبيه وعنفه وشدته، وفقست الأفعى في أعماقه فقس الحقد والتمرد والغدر والخيانة،... لقد ارتكب أبشالوم جريمته، والمجرم متعد، لكنه أكثر من ذلك إنسان مريض وقد نظر المسيح إلى الخاطيء بهذا المعنى وهو يقول: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى".. والعالم اليوم ينظر إلى المجرم هذه النظرة، ويحاول لا مجرد استئصال المجرمين، بل التغور وراء نزعتهم الإجرامة، لمعرفة الدوافع الكامنة الخفية وراء ما ارتكبوا من آثام وجرائم،.. ولو أن الآباء نظروا إلى أولادهم بهذا المنظار، وهو يرتكبون الشرور والمفاسد والآثام، ولو أدركوا أن هذا الوقت بالذات، هو وقت المعالجة الجادة الصبورة الحكيمة، لتركوا كل شيء، ليهتموا بتقويم الإعوجاج وإصلاح المفاسد، والعودة بأبنائهم، لا من مجرد الكورة البعيدة التي ذهبوا إليها، بل إلى الحنان والحب والإحسان والجود في بيت الآب،. أو -لغة أخرى-ليس من مجرد منفى المكان بل قبل وبعد كل شيء من منفى النفس الموحشة المعذبة القلقة التعسة، وبغير هذا سيتحول من إجرام إلى إجرام أقسى، كما تحول أبشالوم من القضاء على أمنون، للمحاولة الأكبر للقضاء على أبيه وتقويض ملكه ومجده وعرشه وخدمته!!... الثورة والخداع البالغ لسنا نظن أن هناك قبلة تتفوق على قبلة أبشالوم، غير قبلة يهوذا الاسخريوطي، كان أبشالوم من حيث الشكل قطعة من الجمال، ومنظره يصلح منظر ملك عظيم، وقد خدع الشعب فيه، كما خدعوا في قامة شاول الذي كان فارع الطول جميل المنظر، مهيب الطلعة، والمظهر دائماً خداع لمن يقف عند حدوده، أو لا يتعدى شواطئه، وكم من فتى أو فتاة خدع بجمال المنظر وفتن به، وتعلق بصاحبه، ليذهب في طريق الموت،... على أن الأمر عند أبشالوم تجاوز ذلك، إذ صاحبه خداع الذهن، إذ أن أبشالوم، على ما صور للناس، ليس لهم من يقضي لظلمهم وينصفهم إذ ليس للملك أو في بيته متسع من الوقت أو الذهن أو الصبر لشكواهم وآلامهم وتعاستهم وقضاياهم،.. وأضاف أبشالوم إلى هذا كله: الديمقراطية المصطنعة، والقبلة المخادعة: "فاسترق أبشالوم قلوب رجال إسرائيل".. وأشعل الثورة بقبلته التاريخية المخادعة الغاشة،.. وحقاً لقد تحول أبشالوم إلى سارق وقاطع طريق، وليس السارق من ينهب أموالك، أو يعتدي على ممتلكاتك فحسب، بل هو ذاك الذي يسرق معنوياتك، ليتركك أمام أكبر شرك أو خداع تكتشفه نفسك، وربما يحدث هذا بعد فوات الأوان، حين تعجز أمام الثورة عن رأب الصدع، أو إصلاح الحال، أو العودة إلى النقطة السابقة للمأساة التي تمت وكملت!!.. أبشالوم والعقاب إن الجريمة لا يمكن أن تفيد بأي حال من الأحوال، وأجرة الخطية هي موت بدون أدنى ريب أو شك، والتاريخ في كل زمان ومكان يشهد على هذه الحقيقة، فإذا ذهبنا إلى محنايم، فلن نرى أبشالوم هناك كجده الكبير يعقوب، محاط بجيش الله في مواجهة عيسو أخيه، بل سنرى الشاب في خاتمة المطاف، وقد تهاوت ثورته، وانتهى تمرده، بعد أن استقرت في قلبه السهام الثلاثة التي أنشبها يوآب، وهو معلق بين السماء والأرض، ومن الغريب أن الشاب لم يمت في صحبة واحد من جنوده أو مريديه أو معاونيه. وانتهى حلم السيادة والمملكة والعظمة والسلطان، على هذا النحو البشع المريع، حيث سقط جثمانه الجميل تحت رجمة كبيرة من الأحجار التي انهالت عليه من كل جانب، وهكذا يأتي العقاب مؤكداً أن الأشرار كالعصافة التي تذرها الريح لأن الرب يعلم طريق الأبرار أما طريق الأشرار فتهلك. كان من الممكن أن لا يصل أبشالوم إلى هذا العقاب الرهيب القاسي البشع، لو أن أباه بكر بالتأديب، وبالعقاب الأبسط والأخف، وهو بعد صبي أو غض صغير،.. ولكن العقاب في العادة يتصاعد كلما أجله الآباء أو الأمهات، حتى تأتي اللحظة التي يقال معها أن العقاب قد خرج من أيديهم لتتولاه الأيام والليالي، أو بتعبير أدق أو أصح ليتولاه الله في عدالته الأكيدة في العالم الحاضر أو العتيد أيضاً!!.. والسؤال الذي يفرض نفسه ههنا: لماذا صرخ داود عندما سمع بمصرع ابنه إلى الحد الذي قال فيه: "يا ابني أبشالوم يا ابني يا ابني أبشالوم يا ليتني مت عوضاً عنك يا أبشالوم ابني يا ابني"..؟!! هل يرجع هذا إلى الفارق بين إحساس الجريمة عند الأب وعند الابن وأنه مهما كانت الجريمة التي يرتكبها الابن ضد أبيه فإن حنان الأب أعلى وأسمى؟!! لست أعلم، وإن كنت أعلم عن يقين بأن الأمر أمام خطيتنا الكبرى في هذه الأرض، قد تجاوز الحنان والرغبة والتمني، ليصبح أعلى حقيقة عرفها البشر عند هضبة الجلجثة: "لأن الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا!!".. أم يرجع الأمر عند داود إلى شعور بالندم، لأنه قصر أبلغ التقصير في تربية أولاده، وها هو يرى أمنون يموت، وأبشالوم يلحق به، وثامار تعيش بعارها ووحشتها بين الناس؟!! قد يكون.. ولعله دموعه هذه كانت إحساساً عميقاً بالتقصير، الأمر الذي يحسه كثيرون من الآباء، ولكن للأسف بعد فوات الوقت، إذ أهملوا أبناءهم أحياء ليتسلموهم أمواتاً، وليس لهم ما يتبقى سوى النحيب أو البكاء على جثمانهم المسجي أمامهم، أو المغيب تحت رجمة قاسية أشبه برجمة أبشالوم في أرض محنايم!!.. أم هل الأمر أعمق من هذا كله إذ هو شعور الذنب القاسي، ولذعة الضمير، إذ لم تكن القصة من أولها إلى آخرها إلا امتداد للأصبع القائلة: "أنت هو الرجل"... وها هو يرى النبوة وقد اكتملت وتأكد صدق الله، فإذا كان هناك من سبب بعيد عميق لكل ما جرى فإنه هو وليس غيره هذا السبب؟!! ولعله لهذا كره نفسه في تلك اللحظة ومقتها، إلى الدرجة التي تمنى أن يكون هو، وليس ابنه أو أحد غيره من الناس، هو الضحية المعاقبة!!.. ألم يستول عليه ذات الإحساس عندما أمر بعد الشعب فجعل الرب وباء في إسرائيل، ومات في يوم واحد سبعون ألف رجل وبسط الملاك يده ليهلك أورشليم حتى قال له الرب عند بيدر أرونه اليبوسي رد يدك؟... "فكلم داود الرب عندما رأى الملاك الضارب الشعب وقال ها أنا أخطأت وأنا أذنبت وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا فلتكن يدك علي وعلى بيت أبي"... قد تكون دموع داود بسبب واحد من هذه الأسباب أو بسببها جميعاً، أو بغيرها، لكنها تعطينا على أي حال أن نقف لنرى ماذا تفعل الخطية عندما تسيطر على حياة الناس؟!!.. عندما أطلق داود على ابنه الحلو الجميل الاسم أبشالوم "أب السلام"، كان يتمنى أن يكون أبو السلام هذا متمتعاً بكل سلام، ومعطياً السلام لكل من يتصل به أو يرتبط بحياته، ولم يدر قط أنه سيتحول مجرماً ثائراً، يدفن جثمانه تحت رجمة كبيرة تحولت نصباً خالداً في التاريخ لرجل فقد السلام، وذهب في الحرب، وامتدت يده "يد أبشالوم" لتقول للجميع في كل عصور التاريخ: ويل للخاطيء: "لأن أجرة الخطية هي موت وأما هبة الله فهي حياة أبدية في المسيح يسوع ربنا!!
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل