المقالات

17 يناير 2019

” القديس يوحنا المعمدان صوت الحق “

أولاً: الأدوار التي قام بها يوحنا المعمدان في حياته: 1ـ إعداد الشعب لاستقبال السيد المسيح: ” ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكى الذى يهيئ طريقك قدامك “، وهذه نبوة جاءت في سفر ملاخي … فأول دور قام به يوحنا هو تهيئة شعب لاستقبال السيد المسيح، وهذا يوضِّح أن أي شيء يحتاج لإعداد ، حتى مجيء المسيح يحتاج لإعداد يحتاج لمقدمة وتهيئة للعقول والنفوس. 2ـ الشاهد الأساسي على مجيء السيد المسيح: ” هوذا حمل اللَّه الذى يرفع خطية العالم “، فضلاً عن شهادته فى وقت عماد السيد المسيح: ” أنِّي قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقرَّ عليه، وأنا لم أكن أعرفه ولكن الذي أرسلني لأُعمِّد بالماء ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومُستقرَّاً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن اللَّه “. 3ـ قدَّم مِثالاً قوياً فى التلميذ الأمين الزاهد للسُّلطة: يقول عن نفسه: ” أنا مُجرَّد صوت … أمَّا السيد المسيح هو اللَّه “، ويتضح لحضراتكم الفرق بين الصوت وبين الكلمة حتى في مفهومنا البشري. فظهر أمامنا أنه التلميذ الأمين الزاهد للسلطة رغم أنه كان إنساناً مهوباً فى المجتمع اليهودي ( شكله، لبسه، كلامه، أفعاله، … ) كانت تجعله شخصية مهوبة جداً في هذا المجتمع، لها كل الوقار، لها كل الاحترام لكن زاهد في السُّلطة، ولمَّا أشار على السيد المسيح قال العبارة الشهيرة: ” ينبغي أن هذا يزيد وأنِّي أنا أنقص “، لا تنسوا يا أخوتي الأحباء أنه في كل إنسان توجد ذات وهذه الذات قد تمنعه من أنه يعمل ( ممكن ذات الإنسان تمنعه أنه يعتذر وحتى إن كان الخطأ واضح … ). أحياناً نُسمِّي الذات بالكرامة، وأحياناً نُسمِّيها الكبرياء وأحياناً الحساسية ولها تسميات كثيرة. لكن هذا الرجل العظيم يوحنا المعمدان انتصرعلى ذاته فزهد في السُّلطة وكأن لسان حاله كان يقول: ” ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ “. كان ينظر لذاته بهذه الصورة. لذلك قال عبارته الجميلة: ” هوذا حمل اللَّه الذي يرفع خطية العالم، هذا الذي قلت فيه يأتي بعدي رجل قد تقدَّمني لأنه كان من قبلي “. ما هى هذه الروح الجميلة؟ فالناس كانت تعرفه قبل أن تعرف المسيح، لكن فى تكوينه الشخصي نجد أن البرية أعطته هذا المعنى معنى الزهد … ورُبَّما نسمع ونقرأ في التاريخ ماذا تصنع السُّلطة في الإنسان، ولكن يوحنا المعمدان كان يعرف دوره تماماً أو ما نسميه بالحدود، أحياناً يسمونها فضيلة الإلتزام، لكن هو إنسان في داخله ذاته لا تُحاربه وذاته ليست عدواً له، نحن في المفهوم المسيحي والآبائى لنا في الأعداء ( الشيطان وإغراءات العالم وذات الإنسان ) هذه هى أعداء الإنسان الثلاثة. الذات يمكن أن تتحكَّم فى الإنسان صغيراً أو كبيراً في منصب أو في غير منصب، حتى في الحياة الرهبانية عندما يترك الإنسان كل ماله بحسب الوصية الرهبانية ويعيش فى الفقر يترك كل ماله ولكنه قد لا يستطيع أن يترك ميوله، فتتحكَّم فيه ذاته وتضيع منه أكاليل ونِعَمْ كثيرة، أمَّا يوحنا فكان منتبهاً كثيراً. 4ـ يوحنا شهد له السيد المسيح أنه أعظم مواليد النساء: جاء بالصلاة وجاء بعد وقت طويل وكان إستجابة الصلاة، وعندما مارس حياته كان يعرف وظيفته بالتحديد ويقول: ” مَن له العروس فهو العريس، وأمَّا صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس إذاً فرحى قد كَمل “، وهذه فيها تخلية عن الذات تماماً. كان يعرف دوره ويقبله، وعلى الأقل ليس مُرغماً أو أن الظروف وضعته في هذا الدور ولكن يقول: فرحي قد كمل في شخصيته عندما رأى المسيح وعندما رأه في العماد، العريس هو المسيح والعروس الكنيسة ويوحنا المعمدان يفرح بالعروس وبالعريس وفرحه أعطاه أكاليل مجد كثيرة. 5ـ التوبة: كان يرى أن التوبة هى الأساس، أساس دخول الملكوت وكان يُنادي: ” توبوا فإنه اقترب ملكوت السموات “، فكان موضوع التوبة هو الذى يشغله … فتصوَّر عظمة هذا الرجل أنه يتخلَّى عن ذاته يزهد في أي سُلطة … يشغله شيء واحد فقط: التوبة، ولذلك تضع الكنيسة القديس يوحنا المعمدان كأول نموذج في السنة القبطية. ثانياً : مصادر القوة فى حياة يوحنا المعمدان: 1ـ أسرته: تربَّى على يد زكريا الكاهن وأليصابات زوجته، كان زكريا وأليصابات زوجته بارَيْن زكريا الكاهن إنسان يخاف اللَّه، وأليصابات إنسانة بارَة أمام اللَّه، وإذا كان الأب والأم هكذا يكون الابن مثلهما. بلا شك وجود هذا الأب المُصلِّي والذي يحمل طاقة إيمان في داخله والخائف الرب وكان مع زوجته يسلكان الاثنين بلا لوم ( ضميرهم مستيقظ يستطيع أن يزن نفسه في كل موقف ) فنشأ يوحنا المعمدان فى هذا الجو الجميل: بيت ترتفع فيه الصلوات وترتفع فيه قامة الإيمان وليس له إلاَّ أن يعيش لربنا ومع ربنا. ونتخيَّل أليصابات وهى تُربِّي يوحنا وتحكي له الدموع والصلوات والسهر والعار الذي تراه في عيون الناس وفي ألسنتهم لأنها كانت عاقرة، وتحكي عن ليالى الألم، وكم من ليالي قضتها وهى في بكاء شديد وكأن السماء صامته والصلوات التى ترتفع لا تجد من مجيب، وعندما أتت فرحة ميلاده وأسمته يوحنا ( اللَّه يتحنَّن ) تهيأ لي أن القديسة أليصابات والقديس زكريا الكاهن كانا لا يمَلّوا من أنهم يُقدِّموا لهذا الصبي وصايا اللَّه من صغره. أحيانا في التربية المُعاصرة نجد أن الأب والأم يتركا أبناءهم للتليفزيون وللإنترنت وللأصحاب يُربُّون أولادهم ويغيب دورالأب والأم المسئول عن هذه العطية. بقدر ما تهتموا بتعليم الأبناء فى صغرهم بقدر ما يكون لكم أكاليل في السماء. ويقول أحد الآباء: ” إن إكليل التربية يساوي إكليل نُسك راهب “، ما أجمل أن نُربِّي أبناءنا بالنعمة من الإنجيل والصلوات والكنيسة وسير القديسين. إن هذا القديس الذي عاش في البرية كان مصدر قوته الأول هو الأسرة لذلك يمكن أن نقول أن الأسرة أيقونة الكنيسة والأسرة صانعة قديسين. 2ـ نذيراً: كما قال الملاك: ” يكون عظيماً أمام الرب وخمراً ومُسكراً لا يشرب “، ” نذير: يعني: ” مخصص للَّه مُكرس للَّه “، وهل كُلنا سنُكرَّس؟ أريد أن ألفت نظرك لشيء مهم: في سر الميرون يُرشَم الطفل المُعمَّد في جسده 36 رشماً بتشمل الطفل كله، وهذه الرشومات هى بمثابة تكريس عام … وأن هذا الطفل صار مُكرَّساً ومُخصَّصاً أو إن شئتم الدقة مفروزاً للَّه، و هذا الطفل ينمو وقلبه مُكرَّساً ومُخصصاً للَّه، في يوم المعمودية يتخصَّص الإنسان ويتكرَّس للمسيح ويُدعى الطفل مسيحياً، أخذ سر المعمودية وأخذ سر الميرون ونال سر الإفخارستيا ويبدأ طريقه نحو الأبدية. يوحنا المعمدان كان نذيراً للرب … كان مخصصاً بحياته كلها وكل ما يُفكِّر فيه هو علاقته باللَّه، وهذا الفكر هام جداً، لذلك نسمع نداء السيد المسيح: ” يا ابني أعطني قلبك “، يُريد أن يكون قلبك مُخصَّص ومُكرَّس له لا يشغله شيء آخر وهذا مهم لنا … يجب أن نهرب من أمور تشغل قلوبنا وعقولنا وحياتنا ولا تفيدنا فى الأبدية. خليك واعي ونذير للرَّبّ ومُخصصاً لعمل المسيح وهذا ليس معناه أن تترك دراستك وعملك لكن قلبك هو للَّه يسكنه المسيح. 3ـ البرية: يقول لنا الكتاب: ” أمَّا الصَّبي فكان ينمو ويتقوَّى بالروح، وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل “، ولذلك نجد أديرتنا في الصحراء، وعندما نزور البَرِّيَّة ونزور آبائنا الرهبان ونتمتع بهم وبالحياة الديرية الجميلة تكون البَرِّيَّة أحد مصادر القوة في حياتك لأنَّ فيها انحلال من كل الرباطات الموجودة في العالم، وتدخل الكنيسة وتقضي وقت سواء في قداس أو تمجيد أو صلوات خاصة وتستشعر قوة صلوات الآباء الذين عاشوا عبر أجيال وأجيال في الدير والخشوع وتنال قوة وإن كانت زياراتك للبرية قليلة يمكنك أن تستعيض عن ذلك بأقوال الآباء وسيرهم وجهادهم الروحي الذي عاشوا به والفكر الروحي. 4ـ الإمتلاء من الروح القدس: من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس، نعمة خاصة، ونوال الروح القدس أعطاه هذه القوة، وامتلائه من الروح القدس وهو فى بطن أمه من بداية تكوينه وهو عمره شهوراً قليلة صار ممتلئ بعمل اللَّه وبالروح القدس. هذه هى مصادر القوة في حياة يوحنا والتى جعلت يوحنا في آواخر أيامه وقبل السجن يشهد الشهادة الحية ويقول: ” لا يحل لك “، ويقولها بصوت حق وبقوة وكان يعلم أن هذه تُكلِّفه حياته، ولكن الحق كان أسمَى من الحياة، وكانت النتيجة أنه ينال إكليل الاستشهاد وتُقطع رأسه ولكن يظل صوته وتظل شخصيته ويظل النموذج الذي يُقدّمه القديس يوحنا نموذج رائع لنا كلنا في حياتنا وفي جهادنا. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
22 يوليو 2019

إلى من نذهب؟ - الجزء الثاني

كيف نعيش بدون الكتاب المقدس؟!!! 5- نموت من أجلها: لقد استهان آباؤنا بالموت في سبيل حفظ كلمة الله.. لأنهم أدركوا بحسهم العالي، أن الحياة الحقيقية هي في هذه الكلمة ولذلك أعطاهم الله مكاناً لائقاً بهم في السماء "رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله، ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم" (رؤ9:6). "ورأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله" (رؤ4:20). لذلك قيل عن كلمة الله أنها تعطينا ميراثاً مع القديسين "والآن أستودعكم يا أخوتي لله ولكلمة نعمته، القادرة أن تبنيكم وتعطيكم ميراثاُ مع جميع المقدسين" (أع32:20)، حقاً "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول" (1تي9:4). 6- كلمة الله هي موضوع تسبيحنا: فنحن نفرح بكلمة الله "أبتهج أنا بكلامك كمن وجد غنيمة وافرة" (مز162:119)، وهي لا تمثل لنا عبئاً فـ "وصاياه ليست ثقيلة" (1يو3:5)، بل هي موضوع لذتنا "بفرائضك أتلذذ، لا أنسى كلامك" (مز16:119) وهي كلام نتغنى به "فآمنوا بكلامه. غنوا بتسبيحه" (مز12:106)، وكلام نتلذذ بأكله "وجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي، لأني دعيت باسمك يارب إله الجنود" (إر16:15)، "فقال لي: يا ابن آدم، كُل ما تجده. كُل هذا الدرج، واذهب كلم بيت إسرائيل. ففتحت فمي فأطعمني ذلك الدرج. وقال لي: يا ابن آدم، أطعم بطنك وأملأ جوفك من هذا الدرج الذي أنا معطيكه. فأكلته فصار في فمي كالعسل حلاوة" (حز3: 1-3)إنها حقاً لذة الصديقين "شريعة فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة" (مز72:119)، "لأن شريعتك هي لذتي" (مز77:119) "ورثت شهاداتك إلى الدهر، لأنها هي بهجة قلبي" (مز111:119). أيضاً طوبى لمن يتغنى بكلمة الله في قلبه "لتسكن فيكم كلمة المسيح بعضاً، بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، بنعمة، مترنمين في قلوبكم للرب" (كو16:3)، يصير فيه تعزية تفيض على الآخرين "لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام" (اتس18:4)إن كلمة الله هي قبول الحوار مع الله برهان الحب والعشرة "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً، الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي، والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني" (يو14: 23-24). 7- كلمة الله تخلص الإنسان: ولذلك كان أمر الرب لتلاميذه أن يبشروا بالكلمة من أجل خلاص الناس "اذهبوا قفوا وكلموا الشعب في الهيكل بجميع كلام هذه الحياة" (أع20:5)، وهذا ما قاله الملاك لكرنيليوس عن بطرس "وهو يكلمك كلاماً به تخلص أنت وكل بيتك" (أع14:11)، وما قيل أيضاً لليهود "أيها الرجال الإخوة بني جنس إبراهيم، والذين بينكم يتقون الله، إليكم أرسلت كلمة هذا الخلاص" (أع26:13) إنها كلمة الحق التي تخلص "الذي فيه أيضاً أنتم، إذ سمعتم كلمة الحق، إنجيل خلاصكم، الذي فيه أيضاً إذ أمنتم ختمتم بروح الموعد المقدس" (أف13:1)، "لذلك اطرحوا كل نجاسة وكثرة شر، فاقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تخلص نفوسكم. ولكن كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فقط خادعين نفوسكم" (يع1: 21-22)وبكل تأكيد كلمة الله تقود الإنسان إلى الإيمان، وبالإيمان ينال المعمودية ويسير في الطريق المقدس الذي يقود في النهاية بنعمة المسيح إلى الخلاص "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" (في12:2).دعونا الآن نقول: كيف يعيش العالم بمعزل عن كلمة الله؟ إنها مأساة أن يغيّب الشيطان كلمة الله عن الناس فليكن فينا هذا الاهتمام أن نبدأ ونستمر في قراءة وحفظ ودرس كلمة الله والتأمل فيها بشبع حتى نغتني فوق كل غنى. نيافة الحبر الجليل الأنبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
07 ديسمبر 2019

ما معنى التجسد؟

"عظيمٌ هو سِرُّ التَّقوَى: اللهُ ظَهَرَ في الجَسَدِ" (1تي3: 16). التجسد الإلهي: يعني أن الله وهو ملك السموات والأرض قد تنازل وأخذ جسدًا إنسانيًا، فاتحد بطبيعتنا، وظهر بيننا على الأرض وأن الله الغير منظور قد صار منظورًا في جسد الإنسان وأن الله قد تواضع حبًا فينا، وأخلى ذاته وأخذ جسدنا "أخلَى نَفسَهُ، آخِذًا صورَةَ عَبدٍ، صائرًا في شِبهِ الناسِ" (في2: 7) "والكلِمَةُ صارَ جَسَدًا وحَلَّ بَينَنا" (يو1: 14). الله الكلمة الله الكلمة "أقنوم الابن" صار إنسانًا وحلّ بيننا وكلمة (صار) لا تعني هنا الصيرورة أو التحول بل هي تعني حرفيًا (أخذ جسدًا) فأقنوم الابن "الله الكلمة" أزلي لا يتغير ولا يتحول بل هو ثابت وكل ما حدث هو أنه أخذ جسدًا ليحل بيننا بصورة حسية، فنسمعه ونراه ولذا يقول مُعلِّمنا يوحنا الرسول "الذي سمِعناهُ، الذي رأيناهُ بعُيونِنا، الذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا" (1يو1: 1)أقنوم الابن لم يتجسد فقط ولكنه تجسد وتأنس، وهذا يعني أنه تجسد في جسد إنساني وأخذ الطبيعة الإنسانية كلها التجسد الإلهي لا يعني أن الله قد أخلى السماء من وجوده حين نزل على الأرض، فوجوده يملأ السموات والأرض وإنما أخلى ذاته من المجد هذا الأمر دخل في دائرة قدرة الله وليس فيه صعوبة أو غرابة، لأن الذي يملك الكل يملك الجزء، والذي يملك الأكثر يملك الأقل أليس في قدرة الملك أن يلبس رداء العمال ويجلس بينهم ويتحدث إليهم!!أليس في قدرة المدرس أن ينزل إلى مستوى التلاميذ ويتحدث إليهم!! أليس في إمكان الرجل الرفيع الشأن أن يتنازل ويسير بين عامة الناس!! ولذلك نطرح سؤالًا هامًا ونقول هل من قدرة الله أن يتجسد أم ليس في قدرته؟ فإذا قلنا إن الله ليس في قدرته أن يتجسد فإننا ننسب إليه الضعف إذ هو لا يستطيع أن يتجسد فممكن أن يقول البعض إن التجسد هو ضعف لا يليق بالله، ولكنه هذا ليس من الحق في شيء فإن التجسد هو عمل من أعمال القوة وليس عملًا من أعمال الضعف، وهو داخل في قدرة الله اللانهائية وغير المحدودة التجسد معناه: شيء كان موجود غير محسوس (لا مرئي)، وليس له كيان جسدي، وبعد ذلك أخذ جسدًا مثل "فكرة" في الذهن "غير محسوسة وغير مرئية"، ثم أفكر فيها كثيرًا، فتتحول إلى فكرة محسوسة في صورة (ماكيت، شعر، مقالة) وبذلك تأخذ كيان محسوس. الله كائن منذ الأزل الله كائن منذ الأزل ويملأ الوجود ولكن ليس له جسد في ملء الزمان أخذ جسدًا لكي نراه بعيوننا فإذا كان لم يأخذ جسدًا كنا لا نراه ولا نتكلم معه ولا نحسه الوحيد الذي تجسد هو السيد المسيح لأنه هو الوحيد الذي كان موجودًا قبل ميلاده وليس عنده جسد وهذا ما يفسر لماذا وُلد من غير أب لماذا وُلد من غير أب؟ لأنه كان موجودًا قبل كل الدهور ولكن ليس له جسدًا الأب يعطي الوجود والأم تعطي الجسد، أي كائن حي موجود على الأرض أيًا كان حيوان أو إنسان أو نبات يحتاج إلى أب وأم النبات "البذرة" (الأب)، "الأرض" (الآم). ليس له جسد الوحيد الذي كان موجودًا وليس له جسد هو الله.. لذلك احتاج أُمًا تعطي له جسدًا، ولكنه كان لا يحتاج إلى أب لأنه كان موجود (الأب يعطي الكيان "البذرة" بالنانو جرام، والأم تعطي الجسد) كان ممكن أن السيد المسيح يحضر له جسدًا من السماء ولا يحتاج لهذا الجسد كان ممكن ولكنه لو حدث ذلك لأصبح من طبيعة أخرى غير طبيعتنا البشرية، وكان لا يستطيع أن يخلصنا على الصليب لأنه ليس ابن الإنسان فالفداء يحدث عن طريق الإنسان ليفدي الإنسان الذي أخطأ فيلزم نفس الطبيعة ربنا يبارك حياتكم ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين. الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد
15 نوفمبر 2018

الكتب المسماة بأسفار الأعمال المنسوبة للرسل

وتتصف هذه الأعمال الأبوكريفية، والمسماة بأعمال الرسل، بالرغم من أنها تأخذ أفكارها الأولى وتنطلق من سفر أعمال الرسل الموحى به وتحتوي على بعض التقاليد التي كانت سائدة في القرون الأولى عن الرسل، والتي تتوه في كم من الروايات الأسطورية وكأنها أبرة في كوم قش، بالمبالغات اللامعقولة وتمتليء بروايات غريبة تسرح في خيال بعيد تمامًا عن الحقيقة، فتروي هذه الكتب معجزات، تزعم أن الرسل عملوها، غريبة وغير معقولة مثل جعل سمكة مشوية تعوم! أو تمثال مكسور يصير سليمًا برشه بمياه مقدسة! أو طفل عمره سبعة شهور يتكلم بصوت رجل بالغ! وحيوانات تتكلم بلغة بشرية! وسماع أصوات من السماء، وهبوط السحب لحماية الأمناء في وقت الخطر! ونزول صواعق تفتك بأعدائهم! وقيام قوات الطبيعة المخيفة من زلازل ورياح ونيران ببعث الرعب في قلوب الفجار. وظهور المسيح بأشكال خيالية متعددة، فمرة يظهر في هيئة رجل عجوز، ومرة أخرى في هيئة فتى، أو في هيئة طفل، وأن كان في أغلب الأحيان يظهر في صورة أحد الرسل، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وتنادي هذه الأعمال بالامتناع عن العلاقات الزوجية الجنسية، وتدعو لعدم الزواج. بل وكانت هذه الدعوة هي الموضوع الرئيسي في كل هذه الأعمال، وتزعم أن كل جهاد الرسل وغايتهم في الكرازة بل واستشهادهم كان بسبب مناداتهم للأزواج بالامتناع عن العلاقات الزوجية ونجاحهم في إقناع الزوجات بالامتناع عن مخالطة أزواجهن. بل وتنادي جميع هذه الكتب بأن الامتناع عن الزواج، بل والامتناع عن العلاقات الزوجية بين الأزواج، هو أسمى شرط للحياة المسيحية والحياة الأبدية (46)!! هذه الأعمال يصفها أبيفانيوس أسقف سلاميس في القرن الرابع بقوله أن الهراطقة "يقولون أن لديهم أعمال أخرى للرسل، وهذه الأعمال تحتوى على مواد عديمة التقوى جدًا ويتعمدون أن يسلحوا بها أنفسهم ضد الحق" (47). وهذه الأعمال تنقسم إلى مجموعتين المجموعة الأولى والتي كتبت فيما بين القرن الثاني والثالث، وتتكون من خمسة أعمال، والمجموعة الثانية والتي كتبت على غرار المجموعة الأولى وتقليدا لها ابتداء من القرن الرابع، وهي عبارة عن روايات للحياة الرسولية، بل هي سير أقرب منها للأعمال. من الكتب المنحولة: الخمسة أعمال الأولى للرسل روايات الحياة الرسولية الأبوكريفية الكتب المسماة بالرسائل المنسوبة للرسل الكتب المسماة بالرؤى المنسوبة للرسل كاهن كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد من كتاب هل هناك أسفار مفقودة من الكتاب المقدس؟
المزيد
08 مارس 2019

اليوم الخامس من الاحد الاول من الصوم الكبير

إنجيل القداس : لو 11 : 1 – 10 و اذ كان يصلي في موضع لما فرغ قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا ان نصلي كما علم يوحنا ايضا تلاميذه فقال لهم متى صليتم فقولوا ابانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليات ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض خبزنا كفافنا اعطنا كل يوم و اغفر لنا خطايانا لاننا نحن ايضا نغفر لكل من يذنب الينا و لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشريرثم قال لهم من منكم يكون له صديق و يمضي اليه نصف الليل و يقول له يا صديق اقرضني ثلاثة ارغفة لان صديقا لي جاءني من سفر و ليس لي ما اقدم له فيجيب ذلك من داخل و يقول لا تزعجني الباب مغلق الان و اولادي معي في الفراش لا اقدر ان اقوم و اعطيك اقول لكم و ان كان لا يقوم و يعطيه لكونه صديقه فانه من اجل لجاجته يقوم و يعطيه قدر ما يحتاج و انا اقول لكم اسالوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم لان كل من يسال ياخذ و من يطلب يجد و من يقرع يفتح له الصلاة الربانيَّة حدَّثنا الإنجيلي عن دخول السيِّد المسيح بيت مريم ومرثا، فعبَّرت كل منهما عن محبَّتها له بطريق أو بآخر، انطلقت مرثا تخدمه بينما بقيت مريم جالسة عند قدميه تسمع كلامه (10: 39)، يلتهب قلبنا شوقًا للجلوس مع مريم عند قدميه باللقاء معه والصلاة. لهذا جاء الحديث التالي مركزًا على "الصلاة" يقول الإنجيلي: "وإذ كان يصلِّي في موضع، لما فرغ قال واحد من تلاميذه: يا رب علِّمنا إن نصلِّي كما علَّم يوحنا أيضًا تلاميذه" [1].بلا شك حَفظ التلاميذ الكثير من الصلوات من العهد القديم أو خلال التقليد اليهودي، لكن سؤال التلميذ: "يا رب علِّمنا إن نصلِّي" يكشف عما رآه التلاميذ في السيِّد المسيح وهو يصلِّي. أدركوا صورة جديدة لم يذوقوها من قبل في عبادتهم، فاشتهوا إن يحملوا ذات الفكر والروح الواحد مرَّة أخرى نقول إن أردنا إن يدخل الرب بيتنا ونخدمه كمرثا أو نتأمَّله كمريم فلا طريق للتمتَّع باللقاء معه في الخدمة أو التأمُّل سوى الصلاة التي بها ننعم بحياة الكنيسة وكمالها على مستوى العمل والتأمُّل يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [إن كان السيِّد له كل الصلاح بفيض فلماذا يصلِّي مادام كاملاً ولا يحتاج إلى شيء؟ نجيب: يليق به حسب تدبير تجسُّده إن يمارس العمل البشري في الوقت المناسب. فإن كان قد أكل وشرب فبحق اعتاد إن يصلِّي، معلِّمًا إيَّانا ألا نكون متهاونين في هذا الواجب، بل بالأحرى مجتهدين وملتهبين في صلواتنا.] هذا وقد جاء رأسًا للكنيسة، يحملنا فيه كأعضاء جسده، إذ يصلِّي إنما يصلِّي نائبًا عنَّا ولحسابنا، حملنا بصلاته إلى حضن أبيه، وصارت صلواتنا مقبولة لدى الآب خلال ابنه موضع سروره. بمعنى آخر بصلاته قدَّس صلواتنا، وفتح لنا أبواب اللقاء مع الآب فيه إذ التهب قلب التلاميذ بحب الصلاة لما رأوه في السيِّد المصلِّي. بدأ يحدِّثهم عن الصلاة الربانيَّة، التي سبق لي الحديث عنها مستشهدًا بأقوال الآباء، لهذا اَكتفي بعرضها في شيء من الاختصار مع اقتباس أقوال أخرى للآباء غير التي سبق لي نشرها "فقال لهم: متى صليَّتم فقولوا: أبانا الذي في السماوات" [2] لا نستطيع إن نصلِّي كما ينبغي ما لم ندرك أولاً مركزنا بالنسبة له، فقد اختارنا أبناء الله، نحدِّثه من واقع بنوَّتنا التي نلناها كهبة مجانيَّة في مياه المعموديَّة بالرغم من شعورنا أننا لا نستحق إن نكون عبيدًا له. فيما يلي بعض تعليقات للآباء علي هذه العبارة: يا لعظمة حب الله للبشر! فقد منح الذين ابتعدوا عنه وسقطوا في هاوية الرذائل غفران الخطايا، ونصيبًا وافرًا من نعمة، حتى أنهم يدعونه أبًا: "أبانا الذي في السماوات". السماوات هي أيضًا هؤلاء الذين يحملون صورة العالم السماوي، والذي يسكن الله فيهم ويقيم القدِّيس كيرلس الأورشليمي حين تبدأ الصلاة اِنسى كل خليقة منظورة وغير منظورة، وابدأ الصلاة بمدح الله خالق الكل، لذلك قيل: "فقال لهم متى صلَّيتم فقولوا أبانا" القدِّيس باسيليوس الكبير اُنظر أي إعداد عظيم تحتاجه لكي تستطيع إن تقول بدالة "أبانا". فإن كانت عيناك مركَّزتين علي الأرضيَّات وتطلب مجد الناس ومستعبدة لشهواتك، فإن نطقتَ بهذه الصلاة يبدو لي إن الله يجيبك: "ما دمت تحمل الحياة الفاسدة فلتدعو الفساد أبًا لك، إنك تُدنِّس بشفتيك النجستين الاسم الذي لا يتدنَّس". لقد أوصاك إن تدعوه أبًا فلا تنطق كذبًا القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص تبدأ الصلاة بالشهادة عن الله (كأب لنا) كأنها مكافأة عن الإيمان... لقد وُضعت (هذه الصلاة) للذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا إن يصيروا أولاد الله (يو 1: 12). على أي الأحوال غالبًا ما يعلن الرب عن الله (الآب) كأب لنا، وقد أعطانا وصيَّة ألا ندعو لنا أبًا علي الأرض، بل الآب الذي في السموات (مت 23: 9)، فبهذه الصلاة نطيع الوصيَّة مطوَّبون هم الذين يعرفون أباهم! وقد وجَّه هذا التوبيخ ضد إسرائيل إذ يُشْهد الروح السماء والأرض، قائلاً: "ربَّيْتُ بنين ولم يعرفونني" (إش 1: 2)عندما نذكر الآب نستدعي أيضًا الابن، إذ يقول: "أنا والآب واحد" (يو 10: 30)، وأيضًا لا نتجاهل الكنيسة أُمِّنا، إذ تُعرف الأم خلال الآب والابن، وخلالها يظهر اسم كل من الآب والابن.بتعبير واحد عام، أو بكلمة، نحن نكرم الآب مع ابنه... ونذكر الوصيَّة، ونضع علامة للذين نسوا أبيهم العلامة ترتليان [إذ نصلِّي لله أبينا يليق بنا ألا ننشغل بغيره، لا بخليقة أرضيَّة ولا أرواح شرِّيرة أو حتى ملائكة.] كان قدِّيس آخر يعيش حياة الوحدة في البرِّيَّة، هاجمته الشيَّاطين وأحاطت به لمدة أسبوعين، يتقاذفونه في الهواء ويتلَّقونه علي حصيرة، لكنهم باطلاً حاولوا إن يسحبوه من صلاته الملتهبة وجاء ملاكان إلى آخر كان محبَّا لله، مكرِّسًا حياته للصلاة، فإذ كان سائرًا في البرِّيَّة وقد رافقاه في رحلته، واحد عن يمينه والآخر عن يساره، لكنه لم يلتفت إليهما لئلاَّ يفقد ما هو أفضل، واضعًا في ذهنه نصيحة الرسول بولس "لا ملائكة ولا رئاسات ولا قوات تقدر إن تفصلنا عن محبَّة المسيح" (رو 8: 38) بالصلاة الحقيقيَّة يصير الراهب ملاكًا آخر، إذ يتوق لرؤية وجه الآب في السموات في غيرة متَّقدة. من يحب الله يحيا معه ويصلِّي إليه علي الدوام كأب، متجرِّدًا من كل فكر هوَى.الأب أوغريس "ليتقدَّس اسمك" [2]. يرى العلامة أوريجينوس إن الوثنيِّين يُجدّفون على اسم الله إذ ينسبونه للأصنام، وكأن الصلاة هنا هي صرخة الكنيسة لله إن ينزع العبادة الوثنيَّة عن العالم ليُعرف اسمه مقدَّسا في كل البشريَّة. بنفس المعني يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [إذ يُزدرى باسم الله بين الذين لم يؤمنوا به بعد، فإنه عندما تشرق أشعَّة الحق عليهم يعترفون بقدُّوس القدِّيسين.]على أي الأحوال إن كان اسم السيِّد المسيح يمجد الآب، فإننا إذ نقتني اسمه بالحق فينا يتقدَّس اسم الآب في حياتنا ويتمجَّد فينا، فمن كلمات الآباء في هذا الشأن كما إذ تطلَّع إنسان إلي جمال السماوات يقول: المجد لك يا رب، هكذا من ينظر أعمال إنسانٍ فاضلٍ يرى فضيلته تمجِّد الله أكثر من السماوات القدِّيس يوحنا الذهبي الفم اسم الله مقدَّس بطبيعته، إن قلنا أو لم نقل، لكن بما أن اسم الله يُهينه الخطاة كما هو مكتوب: "اسمي يُجدَّف عليه بسببكم بين الأمم" (رو 2: 24؛ إش 52: 5)، فنحن نطلب إن يتقدَّس اسم الله فينا، لا بمعنى إن يصبح مقدَّسًا، كأنه لم يكن مقدَّسا فينا نحن الذين نسعى إلى تقديس أنفسنا وممارسة الأعمال اللائقة بتقديسنا القدِّيس كيرلس الأورشليمي يري العلامة ترتليان إن عمل الملائكة هو الترنُّم بتسبحة الثلاث تقديسات: "قدُّوس، قدُّوس، قدُّوس" (إش 6: 3، رؤ 4: 8)، ونحن أيضًا إذ نقدس اسمه نرتفع إلى الله لنمارس شركة المجد العتيد، نشارك السمائيِّين تسابيحهم إن كان السيد المسيح يمجد اسم الآب (يو 17: 6)، فإننا إذ نثبت فيه ونمارس حياته يتمجَّد الآب بابنه الحال فينا. "ليأت ملكوتك" [2]. يليق بالنفس الطاهرة إن تقول بثقة "ليأت ملكوتك"، لأن الذي يسمع بولس يقول: "لا تملُكن الخطيَّة في جسدكم المائت" (رو 6: 12)، يعمل علي تطهير نفسه بالفعل والفكر والقول، ويستطيع القول: "ليأت ملكوتك" القدِّيس كيرلس الأورشليمي نسأل أيضًا الرب إن يُخلِّصنا من الفساد لينزع الموت أو كما قيل "ليأت ملكوتك"، أي ليحل الروح القدس علينا ويطهرنا.القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص الذين ينطقون بهذا يبدو أنهم يرغبون في مخلِّص العالم إن ينير العالم مرَّة أخرى القدِّيس كيرلس الكبير إن كان الشهداء يتعجَّلون مجيء الرب لوضع حد للشرّ، قائلين: "حتى متى أيها السيِّد القدُّوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين علي الأرض؟" (رؤ 6: 10)، فإن المؤمنين وقد انفتح أمامهم باب السماء وأدركوا نصيبهم في الميراث الأبدي يتعجلون مجيئه الأخير لينالوا هذا المجد الأبدي. "لتكن مشيئتك، كما في السماء، كذلك علي الأرض" [2]. ملائكة الله الطوباويون الإلهيون يصنعون مشيئة الله كما يرنَّم داود قائلاً: "باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوَّة، الفاعلين كلمته" (مز 103: 20) فعندما تُصلِّي بقوَّة تود القول: كما تتم مشيئتك في ملائكتك، فلتتم هكذا فينا نحن علي الأرض يا رب القدِّيس كيرلس الأورشليمي كأنه يقول: اجعلنا يا رب قادرين إن نتبع الحياة السماويَّة، فنريد نحن ما تريده أنت القدِّيس يوحنا الذهبي الفم "خبزنا كفافنا أعطنا كل يوم" [3]. يوصينا الرب أن نطلب حتى الأمور الخاصة بإشباع الجسد من الله، إذ هو أبونا الذي يهتم بنفوسنا كما بأجسادنا. لكنه يسألنا لا إن نطلب ترف الجسد وتدليله إنما الكفاف، لكي يسندنا الجسد حتى نتمم رسالتنا. يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [ربَّما يظن البعض أنه لا يليق بالقدِّيسين إن يطلبوا من الله الجسديَّات، لهذا يعطون لهذه الكلمات مفاهيم روحيَّة، لكن وإن كان يليق بالقدِّيسين أن يعطوا الاهتمام الرئيسي للروحيات لكنهم يطلبون بلا خجل خبزهم العام كوصيَّة الرب. في الحقيقة يسألهم إن يطلبوا خبزًا، أي طعامًا يوميًا، وفي هذا دليل أنهم لا يملكون شيئًا بل يمارسون الفقر المكرم، فإنه لا يطلب الخبز من كان لديه خبزًا بل من هو في عوز إليه.]ويرى القدِّيس باسيليوس إن هذه الصلاة التي علَّمنا إيَّاها السيِّد تعني التزامنا بالالتجاء لله، لنخبره كل يوم عن احتياجات طبيعتنا اليوميَّة ويرى كثير من الآباء هذا الخبز اليومي هو "المسيح" يسوع ربَّنا، الذي ننعم به كخبز سماوي يومي، بدونه تصير النفس في عوَز. يقول العلامة ترتليان: [المسيح هو خبزنا، لأنه هو الحياة، والخبز هو الحياة. يقول السيِّد: "أنا هو خبز الحياة" (يو 6: 35)، يسبق ذلك قوله: "خبز الله هو (كلمة الله الحيّ) النازل من السماء" (يو 6: 33). جسده أيضًا يُحسب خبزًا.] ويرى القدِّيس أغسطينوس إن هذا الخبز اليومي هو التمتُّع بقيامة السيِّد المسيح، لكي نختبر كل يوم قوَّة قيامته عاملة فينا. "واغفر لنا خطايانا، لأننا نحن أيضًا نغفر لكل من يُذنب إلينا" [4]. الإساءات إلينا صغيرة وطفيفة، ومن السهل علينا إن نغفرها، أما إساءتنا نحن نحو الله فكبيرة ولا سبيل لنا غير محبَّته للبشر، فاحذر إذن من إن تمنع الله - بسبب ما لحق بك من إساءات صغيرة طفيفة - إن يغفر لك ما ارتكبته نحوه من ذنوب كبيرة القدِّيس كيرلس الأورشليمي "ولا تُدخلنا في تجربة" [4]. ربَّما تعني: لا تدع التجربة تغمرنا وتجرفنا باعتبار التجربة سيلاً عارمًا يصعب اجتيازه، فالذين لا تغمرهم التجربة يجتازون السيل كالسبَّاحين الماهرين الذين لا يتركون التيَّار يجرفهم القدِّيس كيرلس الأورشليمي لا يليق بنا إن نطلب الضيقات الجسديَّة في صلواتنا، إذ يأمر المسيح البشر بوجه عام إن يصلُّوا كي لا يدخلوا في تجربة، لكن إن دخل أحد فعلاً فيلزمه إن يطلب من الرب قوَّة اِحتمال لتتحقِّق فينا الكلمات: "الذي يصبر إلى المنتهي فهذا يخلُص" (مت 10: 22) القدِّيس باسيليوس يميِّز العلامة ترتليان بين التجربة التي هي بسماح من الله، وهي لا تعني "تجربة" بالمفهوم العام إنما "امتحان" لأجل تزكيتنا، أما عدو الخير فيجُرِّبنا بمعنى أنه يخدعنا، وكأننا نصلِّي ألا ندخل في تجربة بمعنى أن يسندنا ضد حِيَل إبليس وخداعاته. " لكن نجِّنا من الشرِّير" [4]. لو كانت عبارة: "لا تدخلنا في تجربة" تعني ألا نُجرَّب أبدًا، لما أضاف الرب "لكن نجِّنا من الشرِّير". الشرِّير هو عدوُّنا إبليس، ونحن نطلب النجاة منه القدِّيس كيرلس الأورشليمي أخيرًا فإن العلامة ترتليان يؤكِّد إن الصلاة الربَّانيَّة هي الأساس الذي وضعه السيِّد المسيح لصلواتنا؛ تفتح لنا بابًا للصلاة لكي يطلب كل منَّا ما يناسبه لكن خلال ذات الفكر الذي لهذه الصلاة. هذا وأن الصلاة الربَّانيَّة مع صِغر حجمها تحوي الكثير، ألا وهو: [مجد الله بالقول: "أبانا"، شهادة الإيمان بالقول: "يتقدَّس اِسمك"، تقديم الطاعة في "لتكن مشيئتك"، تذكار الرجاء في "خبزنا كفافنا"، المعرفة الكاملة لخطايانا (لديوننا) خلال الصلاة من أجل نوال المغفرة. الرعب الشديد من التجربة بطلب الحماية.يا للعجب! الله وحده يقدر إن يعلِّمنا بنفسه ما يريدنا إن نصلِّيه.] 2. الصلاة بلجاجة إن كان السيِّد قد قدَّم لنا نموذجًا حيًا للصلاة، فإنه إذ يطلب منَّا العبادة الملتهبة بالروح، سألنا إن نصلِّي بلجاجة، ليس لأنه يستجيب لكثرة الكلام، وإنما ليُلهب أعماقنا نحو الصلاة بلا انقطاع. يشتاق الله إن يعطي، وهو يعرف اِحتياجاتنا واِشتياقاتنا الداخليَّة، لكنه يطالبنا باللجاجة لنتعلَّم كيف نقف أمامه وندخل معه في صلة حقيقيَّة يقول الأب إسحق: [الله في اشتياقه إن يهبنا السماويات والأبديَّات يحثُنا إن نضغط عليه بلجاجتنا. أنه لا يحتقر اللجاجة، ولا يستخف بها، بل بالفعل يُسر بها ويمدحها.] ويقول القدِّيس أغسطينوس: [ما كان ربَّنا يسوع المسيح الذي في وسطنا يسألنا إن نطلب من الله كعاطي، يحثُّنا هكذا بقوَّة إن نسأل، لو لم يرد إن يعطي. إنه يُخجل تهاوننا، إذ يود إن يعطي أكثر من رغبتنا نحن في الأخذ. يود إن يُظهر رحمة أكثر من رغبتنا نحن في الخلاص من البؤس... الحث الذي يقدِّمه لنا إنما هو لأجلنا.] ويقول الأب أوغريس: [إن كنت لم تنل بعد موهبة الصلاة أو التسبيح فكن لجوجًا فتنل.] ويقول القدِّيس كيرلس الكبير: "علِّمنا المخلِّص من قبل في إجابته على سؤال تلاميذه كيف ينبغي علينا إن نصلِّي. ولكن ربَّما يمارس الذين يتقبُّلون هذا التعليم الصلاة بنفس الشكل الذي قدَّمه الرب، وإنما بإهمال وفتور، فإن لم يُسمع لهم في الصلاة الأولى والثانية يتركون الصلاة. ربَّما يكون هذا هو حالنا، لذلك يقدِّم لنا السيِّد هذا المثل ليعلن لنا إن التخوُّف في الصلاة مضِر، وأما الصبر فنافع جدًا.]قدَّم لنا الرب هذا المثل"من منكم يكون له صديق ويمضي إليه نصف الليل ويقول له يا صديق اِقرضني ثلاثة أرغفةلأن صديقًا لي جاءني من سفر، وليس لي ما أقدِّم له فيجيب ذلك من داخل، ويقول لا تزعجني، الباب مغلق الآن،وأولادي معي في الفراش،لا أقدر إن أقوم وأعطيك أقول لكم وإن كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه،فإنه من أجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج" [5-8]. ويلاحظ في هذا المثال الآتي: أولاً: إن كان غاية هذا المثَل الأولى هي حثِّنا على اللجاجة في الصلاة حتى ننعم بطلبتنا، فإننا نلاحظ هنا إن السيِّد المسيح يقدِّم الأب صديقًا للبشريَّة، إذ يقول: "من له صديق ويمضي إليه نصف الليل". يقول الأب ثيوفلاكتيوس: [الله هو ذاك الصديق الذي يحب كل البشريَّة ويريد إن الكل يخلُصون". ويقول القدِّيس أمبروسيوس: [من هو صديق لنا أعظم من ذاك الذي بذل جسده لأجلنا؟ فمنه طلب داود في نصف الليل خبزات ونالها، إذ يقول: "في نصف الليل سبَّحتك على أحكام عدلك" (مز 119: 62)، نال هذه الأرغفة التي صارت غذاء له. لقد طلب منه في الليل: "أُعوِّم كل ليلة سريري" (مز 6: 6)، ولا يخش لئلاَّ يوقظه من نومه إذ أنه عارف إن (صديقه الإلهي) دائم السهر والعمل. ونحن أيضًا فلنتذكَّر ما ورد في الكتب ونهتم بالصلاة ليلاً ونهارًا مع التضرُّع لغفران الخطايا، لأنه إن كان مِثل هذا القدِّيس الذي يقع على عاتقه مسئوليَّة مملكة كان يسبِّح الرب سبع مرَّات كل يوم (مز 119: 164)، ودائم الاهتمام بتقدِّمات في الصباح والمساء، فكم بالحري ينبغي علينا إن نفعل نحن الذين يجب علينا إن نطلب كثيرًا من أجل كثرة سقطاتنا بسبب ضعف أجسادنا وأرواحنا حتى لا ينقصنا لبنياننا كسرة خبز تسند قلب الإنسان (مز 103: 15)، وقد أرهقنا الطريق وتعبنا كثيرًا من سبل هذا العالم ومفارق هذه الحياة.]كأن السيِّد المسيح يطالبنا إن نلجأ إليه كصديق إلهي حقيقي، في كل وقت، حتى في منتصف الليل، نتوسَّل إليه ليمدِّنا بالخبز السماوي المشبع للنفس والجسد. ثانيًا: إن كان الله يقدِّم نفسه صديقًا لنا نسأله في منتصف الليل ليهبنا خبزًا سماويًا من أجل الآخرين القادمين إلينا أيضًا في منتصف ليل هذا العالم جائعين، فإن السيِّد حسب هؤلاء أيضًا أصدقاء لنا؛ فنحن نطلب من الصديق الإلهي لأجل أصدقائنا في البشريَّة. يرى القدِّيس أغسطينوس إن هذا الصديق القادم من الشارع أي من العالم، قادم إلينا كما من طريقه الشرِّير، مشتاقًا إن يتمتَّع بالحق، فلا نستطيع إن نستضيفه ونشبعه ما لم نسأل الله أولاً فنتأهَّل للتمتُّع بالثلاث خبزات، أي بالإيمان الثالوثي. ثالثًا: إن كان الشخص قد جاء إلى صديقه في منتصف الليل يطلب من أجل صديقه الذي قدُم إليه من سَفر، أمَا كان يكفي إن يسأل رغيفًا واحدًا أو يطلب رغيفين، فلماذا طلب ثلاثة أرغفة؟ أ. إننا إذ نلتقي بعريسنا المخلِّص وسط هذا العالم بتجاربه الشرِّيرة، كما لو كنا في نصف الليل، نطلب لأنفسنا كما للآخرين ثلاثة أرغفة لكي تشبع أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا؛ فالله وحده هو المُشبع للإنسان لكل كيانه. وكما يقول الأب ثيؤفلاكتيوس بطريرك بلغاريا: [نطلب من الله ثلاث خبزات، أي اشباع احتياجات جسد الإنسان ونفسه وروحه، فلا يصيبنا خطر في تجاربنا.]هنا ندرك الفهم الإنجيلي للحياة المقدَّسة أو للعفَّة، فالإنسان العفيف أو المقدَّس في الرب لا يعيش في حرمان، إنما يتقبَّل من يديّ الله ما يُشبع حياته كلها ويرويها، فتفرح نفسه وتتهلَّل روحه، ويستريح أيضًا جسده حتى وإن عانى أتعاب كثيرة من أجل الرب. لهذا كان المعمَّدون حديثًا في الكنيسة الأولى ينشدون بعد عمادهم مباشرة هذا المزمور: "الرب راعيّ فلا يعْوِزني شيء، في مراعٍ خضر يربضُني، وإلى مياه الراحة يورِدني، يرُد نفسي، يهديني إلى سبل البرّ..." ب. يرى القدِّيس أغسطينوس إن هذه الخبزات الثلاث هي إيماننا الثالوثي، فإن أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا لن تشبع داخليًا إلا بالثالوث القدُّوس، ثالوث الحب الذي يملاْ الداخل ويفيض علينا بالطوباويَّة، إذ يقول: [من كان وسط التعب يلزمه إن يسأل الله فينال فهم الثالوث، به يستريح من متاعب هذه الحياة الحاضرة. فإن ضيقته هي نصف الليل التي تدفعه نحو طلب الثالوث. لنفهم الثلاث خبزات الثالوث الذي هو جوهر واحد حينما تنال الثلاث خبزات، أي طعام معرفة الثالوث، يكون لك مصدر الحياة والطعام، فلا تخف، ولا تتوقَّف، فإن هذا الطعام بلا نهاية، إنما يضع نهاية لعوزك. تعلَّم وعلِّم، عش واِطعِم.]في موضع آخر يقول: [ما هذه الخبزات الثلاث إلا طعام السرّ السماوي؟]وفي شيء من التفصيل أيضًا يقول: [الآن لا حاجة للخوف من قدوم غريب إليك من طريقه، وإنما باستضافتك له في الداخل يمكنك إن تجعله مواطنًا وابنًا للبيت، لا تخف فإن الخبز لن ينتهي. الخبز هو الله الآب والابن والروح القدس... تعلَّم وعلِّم، عش واِطعم الآخرين. الله هو الذي يعطيك، لا يعطيك أفضل من ذاته. أيها الطمَّاع ماذا تطلب بعد؟] ج. يرى أيضًا القدِّيس أغسطينوس في هذه الخبزات الثلاث عطايا الله الفائقة للبشريَّة، ألا وهي الإيمان والرجاء والمحبَّة، إذ يقول: [من الضروري إن تأخذ محبَّة وإيمانًا ورجاءً، فإن ما يعطيه لك يكون لك حلوًا. هذه الأمور ـ الإيمان والرجاء والمحبَّة ـ ثلاثة، وهي عطايا الله، فإنك تتقبَّل الإيمان من الله، إذ قيل: "كما قسَّم الله لكل واحدٍ مقدارًا من الإيمان" (رو 12: 3). وأيضًا الرجاء نتقبَّله من ذاك الذي قيل له: "جعلتني أترجَّاه" (مز 118: 49). ومنه نتقبَّل المحبَّة، إذ قيل: "لأن محبَّة الله قد اِنسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا" (رو 5: 5).] رابعًا: يقول السيِّد: "فيجيب ذلك من داخل، ويقول: لا تزعجني، الباب مغلق الآن، وأولادي معي في الفراش، لا أقدر أن أقوم وأعطيك" [7]يصوِّر لنا السيِّد المسيح هذا الصديق أنه يجيب من داخل، لا يخرج إليه مع إن الوقت حرج، وكان يليق بالصديق إن يفتح ليطمئن على القارع؛ وفي إجابته يعلن أن تصرُّف هذا السائل أو القارع مزعج، وأن الباب مغلق، وأولاده في الفراش، وأنه عاجز عن القيام والعطاء. ومع هذا استطاع صديقه بلجاجته أن يغتصب منه طلبه! فكم بالأكثر الله يهب سائليه إن طلبوا بإلحاح، علامة صدق طلبهم، خاصة وأن الله ليس كهذا الصديق يجيب من داخل، بل خرج إلينا خلال التجسَّد، وجاءنا كلمة الله حالاً في وسطنا، يحدِّثنا فمًا لفمٍ، نازعًا الحجاب الحاجز بين السماء والأرض. وهكذا لم يعد بعد الباب مغلقًا بل هو مفتوح للجميع، يريد إن الجميع يخلُصون وإلى معرفة الحق يُقبلون. أولاده ليس معه في الفراش، إذ هو لا ينام وملائكته وقدِّيسوه أيضًا يسهرون، عاملين بصلواتهم وتضرُّعاتهم من أجل النفوس التائهة والمحتاجة. لا يقول الرب: "لا أقدر إن أقوم وأعطيك"، إذ قام الرب من الأموات وأعطانا حياته المُقامة عاملة فينا! هكذا قدَّم لنا الرب صورة مؤلمة للصديق البشري، الذي ننال منه طلباتنا خلال اللجاجة، بالرغم من الظروف المقاومة، فكم بالأكثر ننال من الرب نفسه؟ يقول القدِّيس أغسطينوس: [إن كان الشخص النائم التزم إن يعطي قسرًا بعد إزعاجه من نومه لذاك الذي يسأله، فكم بالحري إن يُعطى بأكثر حنو ذاك الذي لا ينام، بل ييقظنا من نومنا لكي نسأله إن يعطينا؟] لعلَّ قوله: "الباب مغلق الآن" يشير إلى إغلاق باب فهمنا عن إدراكه، فإن الله لا يريد بابًا مغلقًا يحجب أعماقنا عن الالتقاء معه، لكننا نحن نُحكم إغلاق الباب خلال عِصياننا وجهلنا لأعماله الخلاصيَّة. يقول القدِّيس أوغسطينوس: [الوقت الذي يُشار إليه هنا هو وقت مجاعة الكلمة حين يُغلَق الفهم، والذين يوزِّعون حكمة الإنجيل كخبزٍ، خلال الكرازة في العالم الآن هم في مواضع راحة مع الرب.] فإن كان العالم قد أغلق الباب بعصيانه، فإن عمل الكنيسة إن تطلب ليفتح الرب هذا الباب للكارزين، حتى ينطلقوا بالنفوس إلى حيث الراحة والشبع في الرب. يقول القدِّيس أمبروسيوس: [اِطرح عنك نوم الغفلة لتقرع باب المسيح. لقد طلب بولس إن يُفتح له هذا الباب ليتكلَّم عن سِرّ المسيح (كو 3: 4)، ربَّما هذا هو الباب الذي رآه يوحنا مفتوحًا: "بعد هذا نظرت، وإذا باب مفتوح في السماء، والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلَّم معي قائلاً: اِصعد إلى هنا، فأُريك ما لابد إن يصير بعد هذا" (رؤ 4: 1) فُتح الباب ليوحنا وأيضًا لبولس لينالا من أجلنا أرغفة لغذائنا، لأنهما ثابَرَا وقرعا الباب في وقت مناسب ووقت غير مناسب (2 تي 4: 2)، ليُعيد الحياة للأمم الذين تعِبوا وأُرهَقوا من طريق العالم بوفرة الغذاء السماوي.] خامسًا: يحثُّنا ربَّنا يسوع على الصلاة بلجاجة، إذ يختم المثَل بقوله: "أقول لكم وإن كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه، فإنه من أجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج. وأنا أقول لكم: اِسألوا تعطوا، اُطلبوا تجدوا، اِقرعوا يفتح لكم" [8-9]. يقول القدِّيس أغسطينوس: [ماذا يعني بقوله: لأجل لجاجته؟ لأنه لم يكف عن القرع، ولا رجع عندما رُفض طلبه... قد يبطئ الله أحيانًا في إعطائنا بعض الأمور، لكي يُعرِّفنا قيمة هذه الأشياء الصالحة، وليس لأنه يرفض إعطاءها لنا. الأمور التي نشتاق إليها كثيرًا ما ننالها بفرحٍ عظيم، أما التي توهب لنا سريعًا فإنها تُحسب زهيدة. إذن لتسأل وتطلب وتلح، فبالسؤال نفسه والطلب أنت نفسك تنمو فتنال أكثر.] كما يقول: [بالصلاة التي نمارسها خلال الطلبات التي نشتهيها ننال ما هو مستعد أن يمنحه. عطاياه عظيمة جدًا لكننا نحن صغار وضيِّقون في إمكانيَّاتنا عن أن ننالها.] يقول القدِّيس باسيليوس: [ربَّما يؤخِّر الطلبة عن عمد لكي تضاعف غيرتك ومجيئك إليه، ولكي تعرف ما هي عطيَّة الله، وتحرص عليها بشغف عندما تنالها. ما يناله الإنسان بتعبٍ شديدٍ يجاهد على حفظه لئلاَّ بفقده يفقد تعبه أيضًا.] لماذا يقول: [اِسألوا... اُطلبوا... اِقرعوا]؟ أ. ربَّما للتأكيد، فإنه يلحْ علينا أن نسأل ونطلب ونقرع، لأنه يريد أن يعطينا، وكما يقول القدِّيس أغسطينوس: [ما كان يشجِّعنا هكذا أن نسأله لو لم يرد أن يعطينا. ليُنزع عنَّا الكسل البشري فإنه يود أن يعطينا أكثر مما نسأل.] يقول القدِّيس باسيليوس: [يليق بنا أن نسأل العون الإلهي لا بكسلٍ ولا بفكر مشتَّت هنا وهناك، فإن إنسانًا كهذا ليس فقط لا ينال ما يسأله، بل بالحري يُغضب الله، لو أن إنسانًا يقف أمام رئيس تكون عيناه ثابتتين في الداخل والخارج حتى لا يتعرَّض للعقوبة، فكم بالحري يليق بنا أن نقف أمام الله بحرص ورعدة؟ لكنك إن كنت تُثار بخطيَّة ما، فلا تقدر أن تُصلِّي بثبات بكل قوِّتك. راجع نفسك حتى متى وقفت أمام الله تركِّز فكرك فيه، والله يغفر لك، لأنك ليس عن إهمال بل عن ضعف لم تستطع إن تظهر أمامه كما ينبغي. إن ألزمت نفسك بهذا فإنك لا تتركه حتى تنال. فإن لم تنل ما تسأله يكون ذلك لأن سؤالك غير لائق أو بغير إيمان، أو لأنك قدَّمته باستهانة، أو تسأل أمورًا ليست بصالحك، أو لأنك تركت الصلاة. كثيرًا ما يسأل البعض لماذا نصلِّي؟ هل يجهل الله ما نحتاج إليه؟ أنه بلا شك يعرف ويعطينا بفيض كل الزمنيَّات حتى قبل أن نسألها، لكن يجب علينا أولاً أن نطلب الصالحات وملكوت السماوات، عندئذ ننال ما نرغب لنسأل بإيمان وصبر، نسأل ما هو صالح لنا، ولا نعوق الصلاة بعصيان ضميرنا.] ب. لعلَّ التكرار ثلاث مرات: اِسألوا، اُطلبوا، اِقرعوا، يعني أننا لا نسأله فقط بأفكارنا أو نيَّاتنا الداخليَّة، وإنما أيضًا بشفاهنا كما بأعمالنا. وكأنه يليق أن تنطلق صلواتنا خلال تناغم الفكر مع الشفتين والسلوك، فتخرج رائحة بخور مقدَّسة من أعماق مقدَّسة وكلمات مباركة وأعمال مرضيَّة لدى الله. لعلَّه بفكر مشابه يقول القدِّيس ساويرس الأنطاكي: [ربَّما يعني بكلمة "اِقرعوا" اُطلبوا بطريقة فعّالة، فإن الإنسان يقرع باليد، واليد هي علامة العمل الصالح. وربَّما التمايز بين الثلاثة يكون بطريقة أخرى، ففي بداية الفضيلة نسأل معرفة الحق، أما الخطوة الثانية فهي أن نطلب كيف نسلك هذا الطريق. والخطوة الثالثة عندما يبلغ الإنسان الفضيلة يقرع الباب ليدخل حقل المعرفة المتَّسعة. هذه الأمور الثلاثة كلها يطلبها الإنسان بالصلاة. وربَّما "يسأل" تعني "يصلِّي"، و"يطلب" تعني "يصلِّي بواسطة الأعمال الصالحة التي نمارسها بطريقة تتناسب مع صلواتنا"، و "نقرع" تعني الاستمرار في الصلاة بلا انقطاع.] بمعنى أخر إن السؤال والطلب والقرع إنما يعني وِحدة الصلاة مع الحياة العمليَّة في الرب، نسأل أن يبدأ معنا، ونطلب إليه إن يكمِّل الطريق، ونقرع لكي ينهي جهادنا بالمجد الأبدي، فهو البداية والنهاية كما أنه هو المرافق لنا وسط الطريق، أو بمعنى أدَق هو طريقنا: به نبدأ وبه نستمر وبه نكمِّل ولكي يشجِّعنا السيِّد المسيح على السؤال والطلب والقرع، كشف حقِّنا البنوي في الطلب، فمن حقِّنا كأبناء أن نطلب من أبينا ونأخذ، إذ يقول: "فمن منكم وهو أب يسأله ابنه خبزًا، أفيعطيه حجرًا؟ أو سمكة، أفيعطيه حيَّة بدل السمكة؟ أو إذ سأله بيضة، أفيعطيه عقربًا؟ فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيِّدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه؟" ويلاحظ في هذا الحديث الآتي: أ. كما سألنا أن نسأل ونطلب ونقرع أي ثلاث مرَّات، هكذا قدَّم لنا ثلاثة أمثلة في الطلب: نسأل خبزًا أو سمكة أو بيضة... والعجيب أنها ثلاثة أنواع من الطعام، وكأن سؤالنا من الرب إنما هو أن يشبعنا روحيًا ونفسانيًا وجسديًا. ب. يرى القدِّيس أغسطينوس أن الخبز هو المحبَّة، والسمكة هي الإيمان، والبيضة هي الرجاء، فإننا نطلب من أبينا السماوي أن نحب ونؤمن ونترجَّى. إنه يقول[يعني بالخبز المحبَّة، إذ هي أعظم ما نرغبه، وهي ضروريَّة، بدونها يُحسب كل شيء آخر كلا شيء، كمائدة بلا خبز. أما عكس المحبَّة فهي قسوة القلب تُقارن بالحجر. أما بالنسبة للسمكة فهي تشير إلى الإيمان بالأمور غير المنظورة، هذه التي ننالها خلال مياه المعموديَّة دون أن تراها عين. ومن جانب آخر فإن الإيمان كالسمكة، يُهاجَم بأمواج العالم ولا يهلك، أما ضدَّها فهي الحيَّة بسبب سُم الخداع حيث بإغرائها الشرِّير ألقت بذارها في الإنسان الأول. أما البيضة فيُفهم بها الرجاء، لأن البيضة وهي الأصغر لم يتشكَّل فيها (الطائر) بعد لكننا نترجَّى ذلك. ضد البيضة العقرب التي بلدغتها السامة ترد الإنسان إلى خلف مرتعبًا، عكس الرجاء الذي يطلقنا إلى قدَّام فوق الأمور التي أمامنا.] بمعنى آخر الخبز يشير إلى المحبَّة، يقابله الحجر يشير إلى قسوة القلب، والسمكة تشير إلى الإيمان تقابلها الحيَّة تشير إلى جحد الإيمان حيث خدعت الحيَّة حواء بمكرها وأفسدت ذهنها عن النقاوة (2 كو 11: 2-3)، والبيضة تشير إلى الرجاء حيث يخرج ممَّا يبدو جسمًا جامدًا طائرًا فيه حياة ويقابلها العقرب التي تحطَّم حياة الإنسان يريد الله أن يشبعنا فنطلبه، هو يملاْ حياتنا حبًا وإيمانًا ورجاءً، فتشبع أعماقنا، ولا يعوزها شيء، أما عدو الخير فهو المقاوِم الذي يريد أن يقدِّم حجرًا عوض الخبز، إذ قال للسيِّد المسيح: "قل للحجارة أن تصير خبزًا"، إذ اِعتاد أن يهبها قسوة القلب طعامًا عوض خبز الحياة، وهو الذي بعث بالحيَّة عوض السمكة، وتُشبَّه أعماله بالعقرب لنطلب الله نفسه يملأ حياتنا ويهبنا من عنده، لذا يقول القدِّيس أغسطينوس: [أيها الإنسان الطمَّاع، ماذا تطلب؟ إن كنت تطلب شيئًا آخر، ماذا يشبعك إن كان الله نفسه لا يشبعك؟] كما يقول: [لتعطِ نفسك طعامها فلا تهلك من المجاعة. أعطها خبزها. تقول: وما هو هذا الخبز؟ لقد تحدَّث الرب معك، فإن أردت أن تسمع وتفهم وتؤمن به، فهو يود أن يقول لك بنفسه: "أنا هو الخبز الحيّ النازل من السماء" (يو 6: 41).]يُعلِّق القدِّيس كيرلس الكبير على طلب الخبز من الآب، قائلاً: [إن سألك ابنك خبزًا تعطه إيّاه بسرور، لأنه يطلب طعامًا صالحًا، لكن إن طلب عن عدم معرفة حجرًا يأكله، فلا تعطيه بل تمنعه من تحقيق رغبته الضارة. هذا هو المعنى.] ويرى العلامة أوريجينوس في السمكة التي نطلبها حب التعلُّم كما يُعلِّق القدِّيس أغسطينوس على البيضة بكونها رمزًا للرجاء، قائلاً: [لنضع بيضتنا تحت أجنحة دجاجة الإنجيل التي تصيح من أجل المدينة الباطلة الخرِبة، قائلة: "يا أورشليم يا أورشليم... كم مرَّة أردتُ أن أجمع بنيكِ كما تجمع الدجاجة فراخها ولم تريدي" (راجع مت 23: 37).] كما يقول: [إننا نلاحظ كيف تمزِّق الدجاجة العقرب قطعًا، هكذا تمزِّق دجاجة الإنجيل المجدِّفين وتحطِّمهم، هؤلاء الذين يتسلَّلون من جحورهم ويلدغون بنيها بلدغات مؤذية.]أخيرًا يؤكِّد الرب شهوة قلبه نحونا بقوله: "فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه؟" إن كان آباؤنا الأرضيُّون يهتمُّون أن يقدِّموا خبزًا وسمكة وبيضة لكي نقدر أن يعيش على الأرض، فإن الآب الذي من السماء يعطيٍ الروح القدس الذي وحده روح الشركة، يثبِّتنا في الابن الوحيد الجنس منطلقًا بنا بالروح القدس إلى حضن الآب السماوي... عمله أن يهبنا "الحياة الجديدة" الحاملة للسِمة السماويَّة. لكي نعود إلى الحضن الأبوي من جديد. يقول القدِّيس إكليمنضس السكندري: [إن كنَّا ونحن أشرار نعرف أن نعطي عطايا صالحة فكم بالحري طبيعة أب المراحم، أب كل تعزية، الصالح، يترفَّق بالأكثر وبرحمة واسعة يطيل أناته منتظرًا الراجعين إليه؟ الرجوع إليه في الحقيقة هو التوقُّف عن الخطايا وعدم النظر إلى الوراء مرَّة أخرى.]
المزيد
19 مايو 2020

ما بالكم خائفين؟ (1)

نتذكر كلمات الرب يسوع عندما كان مع تلاميذه في السفينة واشتد الريح وهاجت العواصف.. وعندما عاتبه تلاميذه «يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟». كانت إجابته الشافية «ما بالكم خائفين؟»، وما زال الله يردد نفس الكلمات لنا اليوم.. «ما بالكم خائفين؟ كيف لا إيمان لكم؟» (مت 8: 26). في مرات كثيرة ونحن نجتاز الضيقات والآلام، تزداد مخاوفنا بمشاهدة الميديا والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، وبمطالعة الجرائد والأخبار على صفحات الإنترنت، ويظن البعض أن الرب قد تركنا نواجه الآلام وحدنا، ولكننا وسط كل هذه المخاوف لابد أن نثق أن يسوع موجود في سفينة حياتنا، حتى وإن بدا نائمًا، إلّا أنه ينتظر منّا إيماننا لنوقظه.. فيهدأ كل شيء. والخوف في حياتنا نوعان، خوف غريزي وخوف بسبب عدم الإيمان، وهذا الأخير قد يفقدنا نصيبنا السماوي. وعدم خوفنا مصدره الإيمان، فنحن نعلم أن الله يرافق حياتنا باستمرار «لأنه إن سرتُ في وادي ظلّ الموت، لا أخاف شرًّا لأنك أنت معي» (مز23: 4). وهذه بعض المخاوف التي تواجهنا، والتي نثق أننا نجتازها بسلام بالإيمان.. 1. مخاوف من مواجهة الموت أو الرحيل من العالم: كما حدث لأبنائنا الشهداء في الكنيسة البطرسية أو في طنطا والإسكندرية، لكنني أعلم أن جميعكم رغم الألم اجتزتموها بفرح.. فرح مقابلة الرب الذي نقول عنه في الكتاب «إن الموت ربح» (في1: 21)، فمن يخاف الموت هو من لا يستعد للأبدية، فاستعدادنا الدائم للسماء يحفظ لنا سلامنا من جهة مواجهة الموت.. الذي به ننال الأكاليل والمجد السماوي. 2. مخاوف من السلطان الزمني: وهذه اجتازها قبلنا شعب الله تحت عبودية فرعون مصر، وكانت تشتد عليهم يده كلما طالبوا أن يخرجوا ليعبدوا الرب في البرية (سفر الخروج)، كما اجتازها أيضًا مردخاي بمكيدة هامان صاحب السلطان الزمني (سفر أستير)، لكننا نعلم كيف كان الصوم والصلاة هما مخرج شعب الرب دائمًا، فيده العزيزة كانت دائما تنجي من كل سلطان الملك. 3. مخاوف من قوى الشر: فالشيطان دائمًا كان يحارب شعب الرب من دور إلى دور. وهكذا عيّر جليات شعب الرب قديما، وهكذا خاف الشعب من دخول أرض الموعد بسبب العمالقة الساكنين فيها، لكننا في كل ذلك رأينا ان المقلاع الصغير بيد داود استطاع أن يهزم جليات، ومقلاعنا ليس سوى الصوم والصلاة، والثقة أن الله الذي وعدنا أن يدخلنا إلى راحته هو يقودنا في وجه عماليق. 4. مخاوف من معاناة الألم والمرض: فكثير من أبنائنا في الأحداث التي واجهتها الكنيسة أُصيبوا وعانوا آلام الجسد القاسية، ولكننا نعلم أن كل هذه الآلام تؤول إلى مجد، لأنهم حُسِبوا أهلًا أن يصيروا بين صفوف المعترفين، ولابد أن مجازاة الرب عظيمة لهم.. فها نحن قد سمعنا بصبر أيوب وعاقبة الرب قد رأيناها. 5. مخاوف من غموض المستقبل: في ظل هذه الأحداث قد يرى البعض المستقبل مظلمًا، لكننا نثق أن كل أيامنا هي في يد الرب وليست في يد إنسان، لذلك عندما تهاجمنا الأفكار لنجعلها موضوع صلاة وليس موضوع خوف، فحياتنا وحياة أولادنا هي في يده وحده، وهو قادر أن يحفظنا إلى التمام. نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
26 يناير 2020

مَجِّدُوا الله فِي أجسادكُمْ

مُقَدِمة أجسادنا مُقدَّسة يلِيق بِها كُلَّ كرامة فَتَعالوا معنا لِنَتَجَوَّل معاً فِى هذا الكِتاب لِنَعرِف كيف نُكَرِّم هذا الجسد وَكيف يسلُك بِوَقار وَحِشمة لأِنَّهُ هيكل الله تعالوا نَعرِف ما هُوَ مفهُوم الجسد فِى المسِيحِيَّة وَما الَّذِى يُناسِب هذا الجسد مِنْ ملابِس تلِيق بِكَرامته وَقداسته وَكيف نهتم بِالزِينة الدَّاخِلِيَّة وَنَتَعرَّف عَلَى تعالِيم الآباء حول الحِشمة إِنَّها دعوة إِلَى شبابنا وَشاباتنا وَفِتياننا وَفتياتنا لِيعرِفوا مِقدار كرامة أجسادهُمْ فَتسلُك كُلَّ شابَّة بِوَقار وَحِشمة شاهِده بِمظهرها عَنْ حقائِق ثمِينة آمَنت بِها وَاقتنعِت وَسَلَكت بِمُقتضاها إِنَّهُ حقاً شىء مؤسِف أنْ تظهر الشَّابة المسِيحِيَّة الَّتِى لها كنُوز البركات وَالمواعِيد الصَّادِقة وَلها قدوة مِنْ ربوات العذارى الحكِيمات فِى المُجتمع بِمظهر غير لائِق مِمَّا يُسِىء إِلَى مسِيحها وَمسِيحِيتها وَلاَ ننسى أنَّ المظهر الخارِجِى يُعَبِّر عَنْ الجوهر الدَّاخِلِى وَالنَّاس لاَ ترى الجوهر بَلْ المظهرفَنَحنُ علينا مسئولِيَّة مِنْ خِلال مظهر الشَّابَّة المسِيحِيَّة أنْ نُعلِنْ عَنْ مسِيحَنَا وَإِنجِيلَنَا وَكنِيسَتنا وَقِدِيسِينا لأِنَّها رِسالة المسِيح وَبِحسب تعبِير مُعلِّمنا بُولِس الرَّسُول صِرنا منظراً لِلعالم لِلملائِكة وَالنَّاس( 1كو 4 : 9 ) فَعَلينا أنْ نعتنِي بِأمور حَسَنة قُدَّام جمِيع النَّاس ( 2كو 8 : 21 ) فَأنتُمْ شُهُود المسِيح وَرُبما اليوم فِى المُجتمع لاَ نستطِيع أنْ نَتَعرَّف عَلَى الشَّاب المسِيحِى بِسِهُولة لأِنَّهُ يُشابِه الآخرِين فِى المظهر الخارِجِى أمَّا بِالنِسبة لِلشَّابَّة فَصَارت أكثر وضُوحاً وَلَكِنْ هل هذا مكسب لنا أم خِسارة هل إِستفدنا بِهذا التميُّز الَّذِى يُمكِنْ أنْ نُعلِن بِهِ مجد الله فيِنا0وَرُبما يعرِف الكثِيرُون ما يُقال عَنْ شابَّة مسِيحِيَّة غير مُلتزِمة فِى ملابِسها أرجو أنْ يستخدِم الله هذِهِ الكلِمات لِتغيِير أفكار وَملامِح كُلَّ شابَّة مسِيحِيَّة فَقَدت طرِيقها وَبِحسب تعبِير القدِيس كبريانُوس إِحفظن أنفُسَكُنَّ أُسلُكنَ بِوَقارإِجعلنَ المسِيح يُكَافئ فِيكُنَّ الله الغنِى فِى النِعمة المُتأنِّى عَلَى كُلَّ أحد يستخدِم هذِهِ الكلِمات لِمجد إِسمه القُدُّوس مَجِّدُوا الله فِي أجسادكُمْ بِحسب تعبِير القِدِيس إِيرِيناؤس أنَّ الجسد هُوَ علامة الشخص وَظُهوره بِمعنى أنَّ الجسد هُوَ الهيكل المادِى الَّذِى يحوى نسمة الحياة الإِلهِيَّة الَّتِى نفخها الله فِى الإِنسان ( تك 2 : 7 ) وَقد يتهِمْ البعض الجسد أنَّهُ مصدر كُلَّ الشرُور أوْ يتعامل أحد مَعْ جسده بِإِحتِقار وَهذا يتعارض مَعْ الفِكر المسِيحِى الإِنجِيلِى السلِيم لأِنَّ الإِنجِيل يُعَلِّمنا أنَّ مصدر الخطِيَّة ليسَ فِى الجسد بَلْ فِى القلب الَّذِى هُوَ مركز النَّفْس فَمِنْ القلب تخرُج سَرِقة وَزِنا وَقتل ( مت 5 : 28 ) وَما الجسد إِلاَّ وسِيلة تعبِير عَنْ رغبات القلب لِذلِك الرَّبَّ يَسُوع يُقَدِّم لنا عِلاجاً لِلخطايا بِإِقتلاع جذُورها مِنْ القلب فَنَجِده يُعالِج القتل بِإِقتلاع جِذره مِنْ القلب الَّذِى هُوَ الغضب وَكَذلِك الزِنا وَالسَرِقة وَغيرِها مِنْ هُنا علينا أنْ ننظُر نظرة جدِيدة لأجسادنا أكثر إِكراماً وَوَقاراً يكفِى أنَّ الله حِينَ أعلن محَّبتهُ لِلبشرِيَّة أخذَ جسداً وَحلَّ بيننا بِهذا الجسد أكل وَشرب وَنام وَتعب فَصَارَ الجسد شيئاً مُقدَّساً وَصَارَ مسكناً لله وَهيكل لَهُ فَتَباركت طبِيعِتنا بِحلُول الله المُتَّجَسِد فِى وسطنا وَحِينَ قدَّم إِبن الله جَسَده المُقدَّس وَدَمَهُ الكرِيم لِنأكُلَهُ وَنشربهُ بِسِرٍ إِلهِى فائِق الإِدراك لِيتحِد بِنا وَبِأجسادنا صَارت أجسادنا تقتات مِنْ الخُبز السَّماوِى كُلَّ مَنْ يأكُلَهُ لاَ يجوع وَيحيا إِلَى الأبد فَصَارت أجسادنا تحيا فِى العالم وَلكِنَّها محسوبة أنَّها ليست مِنْ هذا العالم فَأخذنا فِى أجسادنا ما يصعُب التعبِير عنهُ وَبدأنا مُشاركه سعادة الحياة الأبدِيَّة وَعدم الفساد وَلاَ ننسىَ أنَّ أجسادنا حِينَ دُفِنت فِى مِياه المعمودِيَّة نالت الصِفة المُقدَّسة الَّتِى لاَ تُمحىَ وَصَارت لاَبِسة لِلمسِيح وَحِينَ دُهِنت بِزيت الميرُون المُقدَّس الَّذِى مصدره الأطياب وَالحنُوط الَّتِى وُضِعت عَلَى جسد المسِيح المُقدَّس00فَأخذنا فِى أجسادنا نِعمة التلامُس مَعْ جسد المسِيح وَبِحسب تعبِير مُعَلِّمنا يُوحنَّا الرَّسُول أمَّا أنتُمْ فَلَكُم مسحة مِنْ القدُّوس ( 1يو 2 : 20 ) فَأجسادنا ممسُوحة بِها سِتة وَثَلاَثُون رشماً بِالميرُون المُقدَّس عَلَى جمِيع أعضائها إِعلاناً لِتقدِيس هذا الجسد بَلْ وَتكرِيسه لِلمسِيح وَكأنَّ أعضاءنا مختومة لِحِساب المسِيح لِتحيا فِى ملكِيَّة المسِيح وَلنا أنْ نعلم أنَّ زيت الميرُون هذا هُوَ الَّذِى يُدَّشِن الكنائِس وَالمذابِح وَالأوانِى المُقدَّسة فَأرادت الكنِيسة أنْ تُكَرِّس أجساد أولادها عَلَى مِثال تكرِيس الأوانِى المُقدَّسة أى كرامة وَمجد تلِيق بِهذا الجسد الَّذِى إِستمدَ مجده وَكرامته مِنْ جسد المسِيح نَفْسَهُ فَعلينا أنْ نُدرِك أنَّ أجسادنا هِىَ أعضاء فِى جِسمه وَمِنْ لحمه وَمِنْ عِظامه لِذلِك سمح الله لِهذا الجسد أنْ يشترِك فِى مجد الحياة الأبدِيَّة بعد أنْ تتغيَّر طبِيعته وَيلبِس عدم فساد وَمجد بِما يُناسِب طبِيعة الحياة الأبدِيَّة نعم سيُغَيِّر شكل جسد تواضُعنا لِيَكُون عَلَى صورة جسد مُمجَّد ( فى 3 : 21 )هُنا نفهم ماذا يُرِيد مُعَلِّمنا بُولِس الرَّسُول حِينَ أوصانا مجِّدُوا الله فِى أجسادكُم( 1كو 6 : 20 ) وَنجِد أنَّ أجساد القِدِيسِين وَالشُهداء وَعِظامِهِمْ صَارت سبب بركة وَشِفاء بَلْ وَأعطت حياة كما حدث مَعْ عِظام ألِيشع النَّبِي الَّتِى أقامت ميت حقاً إِنَّهُمْ مجَّدُوا الله فِى أجسادهُمْ بِأعمال الجِهاد وَالنُسك وَأعراق التقوى وَآلام الإِستشهاد فَصَارت أجساد تحمِل قوة عمل الله فِيها ربِّنا يسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنِعمِته لَهُ المجد دائِماً أبدِيَّاً آمِين. القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية عن كتاب ثياب الحشمة
المزيد
08 مايو 2020

خمس صفات لحياة الإنسان الناجح

يقول معلمنا بولس الرسول: «أخيرًا أيُّها الإخوَةُ افرَحوا. اِكمَلوا. تعَزَّوْا. اِهتَمّوا اهتِمامًا واحِدًا. عيشوا بالسَّلامِ، وإلهُ المَحَبَّةِ والسَّلامِ سيكونُ معكُمْ» (2كو13: 11).وضع لنا بولس الرسول وصفة فيها خمس صفات لحياة الإنسان الناجح، وهو يذكرها في كلمات مختصرة، الكلمات هي: افرحوا، اكملوا، تعزّوا، اهتموا، عيشوا. ولكي أشرح لكم كل كلمة من هذه الخمس، سأضع مقابل الكلمات الخمس، خمسًا أُخَر تشرحها، فيكون موضوعنا كله عبارة عن عشر كلمات.1) افرحوا... بالمسيحأول كلمة "افرحوا"، ونضع معها كلمة "بالمسيح". اجعل دائمًا فرحك الرئيسي بمسيحك الذي تجسد من أجلك، وعلّم وصنع معجزات من أجلك، وصُلِب على الصليب وقام من أجلك. يوم وُلِد السيد المسيح رتلت الملائكة: «المَجدُ للهِ في الأعالي، وعلَى الأرضِ السَّلامُ، وبالناسِ المَسَرَّةُ» والمسرة هي الفرح. وفي تعاليم السيد المسيح قدّم لنا قصص الخروف الضال والدرهم المفقود والابن الضال في لوقا 15، وأكثر كلمة تكرّرت في هذا الأصحاح هي كلمه "الفرح". وعندما قام الرب وظهر لتلاميذه، يقول لنا في إنجيل معلمنا يوحنا «ففَرِحَ التلاميذُ إذ رأوا الرَّبَّ» (يوحنا20:20). توجد في الحياة أشياء كثيرة تفرحنا، مثل العمل الناجح، الدراسة التي تحبها، الحصول على مال، نجاح مشروع... لكن اجعل أولًا فرحك بالمسيح المخلص والفادي. ولكن لماذا؟ لأن أهم فرح عند الإنسان هو فرح خلاصه من الخطية، الخطية هي مرض الإنسان الروحي، ولا يستطيع أحد أن يمحوه إلا شخص المسيح، والكتاب المقدس يقول لنا أنه ليس بغيره (أي المسيح) خلاص. والقديس بولس الرسول قال لنا وصية جميلة: «اِفرَحوا في الرَّبِّ كُلَّ حينٍ، وأقولُ أيضًا: افرَحوا» (فيلبي4:4). اجعل فرحك دومًا بمسيحك الذي يبارك طريقك وصحتك وخدمتك وعملك وبيتك وأولادك وبناتك. افرح ولا تسمح لأحد أن ينزع منك الفرح. 2) اكملوا... بالكنيسة وذلك بارتباطك بالحياة داخل الكنيسة، ولا أقصد الارتباط الشكلي، وإنما الارتباط العملي، أي عضويتك الحية في الكنيسة كعضو عامل تمارس سرّي التوبة والاعتراف، والإفخارستيا. أيضًا الارتباط بالكنيسة واجتماعاتها وخدمتها. مرة زرت كنيسة في مصر، ووجدتها في منتهى النظافة رغم أنها منطقة صناعية متربة، فلما تساءلت عن سر نظافتها أعلموني أن عندهم خدمة تُسمى "خدمة المقشات"، فكل اجتماع في الكنيسة يخصّص أربعة من أعضائه لتنظيف وترتيب الكنيسة بعد نهاية الاجتماع، وهكذا جعلوا لكل فرد دور في الكنيسة. الكنيسة ليست ناديًا اجتماعيًا، بل هي موضع الأمور الروحيه والصلوات والتسابيح والترانيم والتعاليم والحياة المرفوعه لله. اكملوا بالكنيسة، فمن يربّي ابنه داخل الكنيسة فهذه تربية صحيحة، وهي أكثر شيء يحفظ أولادنا وبناتنا من العالم. وتربية الكنيسة لا تعني التربية المنغلقة، بل هي شبع بالله داخل الكنيسة، وبهذا لو وُضِع أمامهم عسل العالم، فسيدوسونه بأرجلهم، لأن الكنيسة علمتهم كل المبادئ والقيم التي يعيشون بها في المجتمع. 3) تعزوا... بالإنجيل تعزوا بكلمه الله المقدسة، اجعلوا الإنجيل مفتوحًا أمامكم باستمرار، واقرأوه وأنتم مجتمعون، حتى ولو مرة في الأسبوع تجتمع الأسرة مع بعضها حول كلمه الله. القديس يوحنا ذهبي الفم له كلمه جميلة، يقول: "الكتاب المقدس روضة النفوس"، ومرة أخرى قال: "في الكتاب المقدس منجم لآلئ". يقولون الإنجيل الحلو هو الذي يشرب عرقك ودموعك، فعندما تقرأ في الإنجيل وتدرس فيه وتحفظ آياته، فأنت تبذل مجهودًا (أي العرق)، وعندما تقرأ الإنجيل وتصلي قبل القراءة لكي ينير الله ذهنك فهذه هي الدموع. الإنجيل مليء بالكنوز والرسائل الروحية، لذلك يقول داود النبي: «لكل كمال رأيت منتهى، أمّا وصاياك فواسعة جدًا» (مزمور119). كيف يمكن لكلمة الله يمكن أن تعزّى الإنسان؟ يقول لنا الكتاب الكثير في هذا: «عِندَ كثرَةِ هُمومي في داخِلي، تعزياتُكَ تُلَذِّذُ نَفسي... ناموسُ الرَّبِّ كامِلٌ يَرُدُّ النَّفسَ... شَهاداتُ الرَّبِّ صادِقَةٌ تُصَيِّرُ الجاهِلَ حَكيمًا... وصايا الرَّبِّ مُستَقيمَةٌ تُفَرِّحُ القَلبَ. أمرُ الرَّبِّ طاهِرٌ يُنيرُ العَينَينِ... أحكامُ الرَّبِّ حَقٌّ عادِلَةٌ كُلُّها. أشهَى مِنَ الذَّهَبِ والإبريزِ الكَثيرِ...». تعزوا بالإنجيل، اجعلوا الإنجيل دائمًا هو حل لكل مشكلة، وهو الذي يمنح راحه في البيت. 4) اهتموا اهتمامًا واحدًا... بالمحبة المحية هي الوصية الأولى، والتي فيها جميع الوصايا التي يجب أن نهتم بها. اهتم أن تظهر محبتك بالعمل وليس بالكلام. «يا أولادي، لا نُحِبَّ بالكلامِ ولا باللِّسانِ، بل بالعَمَلِ والحَقِّ!» (1يوحنا3: 18)، اهتموا اهتمامًا واحدًا بعمل المحبة لمن هم حولكم. محبتك لله تحفظك من خطايا كثيره، ولهذا السبب قال الرب لنا: «تحب الرب إلهك من كل قلبك، من كل فكرك، من كل نفسك، ومن كل قدرتك... وتحب قريبك كنفسك». اهتم في كل عمل بالمحبة، والمحبة تكون صادره من القلب. بولس الرسول كتب لنا أصحاحًا جميلًا جدا عن المحبة في كورنثوس الأولى 13، لكن ختمه بعبارة جميلة جدًا، «أمّا الآنَ فيَثبُتُ: الإيمانُ والرَّجاءُ والمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاثَةُ ولكن أعظَمَهُنَّ المَحَبَّةُ». 5) عيشوا... بالسلام هماك إنسان يصنع سلامًا، نسميه peace maker، وآخر لا يصنع السلام نسميه trouble maker. هذه الوصية تذكّرنا بما قاله لنا السيد المسيح: «طوبَى لصانِعي السَّلامِ، لأنَّهُمْ أبناءَ اللهِ يُدعَوْنَ»، يصير الإنسان ابن الله بالحقيقة إن صنع سلامًا. تقرأون في كتب الاقتصاد عن صناعات خفيفة وصناعات ثقيلة، أمّا صناعة السلام فهي صناعة صعبة. نقرأ حين تشاجر رعاة إبراهيم مع رعاة لوط على موارد المياه، كيف سعى إبراهيم للسلام مع ابن اخيه، بل ومنحه حق الاختيار. واختار لوط الأرض، أرض سدوم وعمورة التي امتلأت بالشر. أمّا إبراهيم الذي جعل اختياره صنع السلام، فصارت الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا نصيبه. عيشوا إذًا بالسلام... لو وضعت هذه الخمس كلمات أو وصايا مع بعضها البعض في حياتك اليومية، وفي تربية أولادك وبناتك، في عملك، في دراستك، في ارتباطك بالكنيسة، في حياتك مع الإنجيل؛ إذا فعلت هذا ستصير حياتك ناجحة. افرحوا بالمسيح. اكملوا بالكنيسة. تعزوا بالإنجيل. اهتموا اهتمامًا واحدًا بالمحبة. عيشوا بالسلام. عيشوا حياتكم وأنتم فرحون ومتعزون في قلوبكم، والمحبة سائدة في حياتكم، والسلام يملأ كل يوم من أيام عمركم. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
21 أكتوبر 2019

أنتَ عَلِمْتَ سُبُلِي (مز141: 4 )

ربما يسعى الإنسان ويجاهد لكي يطلب الله ولكن المحاربات الشيطانية تلاحقه، مثل إنسان ترك العالم وترك مباهج الدنيا وذهب للدير للرهبنة، ويجد الشيطان يقف له بالمرصاد ليكدّر حياته ليلًا ونهارًا في حرب مستمرة، فيجد في كلمات المزامير تعزيه له ويقول للرب: «أنتَ عَلِمْتَ سُبُلِي» (مز141: 4). أنت تعرف يا رب لماذا أتيتُ إلى هذا المكان، أليس لكي أحيا معك؟ وأنت قلت في القديم مخاطبًا الأمة اليهودية: "قَدْ ذَكَر«تُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ، مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ، ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ» (إر2: 1). هكذا يقول الرب لكل نفس تتبعه وتحبه: أنا لا أنسى أنكِ خرجتِ ورائي في البرية أيتها النفس.. لا أنسى غيرة صباكِ ومحبة خطبتكِ. لا أنسى أيام خطبتكِ الحلوة التي كانت بيننا، غيرة صباكِ عندما كنتِ غيورة في محبتك القوية في بداية علاقتنا معًا.. خروجكِ ورائي في البرية أي ترك محبة العالم كما قال الكتاب: «اخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي» (رؤ18: 4)، فمن يعيش في العالم لابد أن لا يحب العالم كما قال الكتاب: «لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ» (1يو2: 15). خروجكِ ورائي في البرية التي هي مكان قفر ليس فيه تعزيات أو مباهج عالمية، أرض ليس فيها ماء من ماء العالم.هل نستطيع ونحن نصلي بهذا المزمور، أن نقول لله: أنت يا رب علمتَ سبلي أي أنت عرفتَ مسلكي؟ إن الإنسان الذي يسير في طريق الله ولا يُعوِّج مسلكه، إذا زادت عليه الحرب الروحية يصرخ إلى الله ويقول له: أنقذني يا رب فإني أسير في طريقك. أنتَ عَلِمْتَ سُبُلِي.. كما قال أيضًا: «يَا رَبُّ قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي. أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي. فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ. مَسْلَكِي وَمَرْبَضِي ذَرَّيْتَ وَكُلَّ طُرُقِي عَرَفْتَ» (مز139: 1-3). أنت تعلم كل شيء يارب، أنت تعلم إني أحبك. ويعود ليقول له: «اخْتَبِرْنِي يَا اللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا» (مز139، 23-24). أنت تعرف مسلكي يا رب وأنا مستعد إن كان فيَّ أي خطأ أعلمني به لكي أصلحه.أنا سأسير حسب أقوالك مثل الصلاة التي تُقال في القداس الغريغوري: [أقدم لك يا سيدي مشورة حريتي وأكتب أعمالي تبعًا لأقوالك]. وأنا أسير يا رب في طريقك، إذا نظرتَ فيَّ أمرًا رديئًا اختبرني وامتحني واعرف قلبي وأفكاري، وفتش فيَّ إن كان فيَّ طريق باطل لكي تعرّفني وتهديني إلى طريق أبدي. يجب أن يسكب الإنسان نفسه أمام الله باستمرار ويقول له: يا رب إن كان فيَّ طريق باطل عرّفني وسوف لا أعاند.لا يوجد إنسان بدون أخطاء، ولكن إلى أي مدى يكون الإنسان مستعدًا أن يتنازل عن الخطأ؟ وإلى أي مدى تكون له العزيمة أن يترك طريق الخطية ويسلك في طريق الله؟ وإلى أي مدى يستطيع أن يتجاوب مع إنذارات الروح القدس في داخله؟ إذا كان الإنسان يطلب مشيئة الله بكل قلبه يستطيع أن يقول للرب في وقت الضيق: أنتَ عَلِمْتَ سُبُلِي أو أَنْتَ عَرَفْتَ مَسْلَكِي. نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير السيدة العفيفة دميانة بلقاس
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل