المقالات

15 يونيو 2021

الروُح القُدس مع التلاميذ

السيد المسيح – بعد القيامة – بعد أن قضى مع رسله القديسين أربعين يومًا يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله (أع1:­3).. قبل أن يفارقهم ويصعد إلى السماء، قال لهم «فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي» (لو24: 49).وماذا كانت تلك القوة التي كان لابد أن ينتظروها؟قال لهم «لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أع1: 8). نعم، ما كان ممكنًا لهم أن يبدأوا الخدمة والعمل الروحي الكرازي، إلا بعد أن يلبسوا تلك القوة من الأعالي، بحلول الروح القدس عليهم..لقد تتلمذوا على السيد المسيح نفسه أكثر من ثلاث سنوات. يسمعون تعاليم هذا المعلم العظيم، «الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ» (كو2: 3)، بكل ما في تعليمه من عمق وقوة وتأثير.. وما يرونه منه عمليًا في أسلوب التعامل مع الكل، وفي طريقة الخدمة، وفي العجائب والمعجزات.. نعم لم يرَ الرب هذا كله كافيًا لهم، ولا كذلك مدة الأربعين يومًا التي قضاها معهم بعد القيامة..بل كان لابد لهم في الخدمة من نوال قوة من الروح القدس. وهكذا ضرب لنا الرب مثلًا عمليًا في إعداد الخدام..إننا كثيرًا ما نُخطئ في سرعة تقديم خدام للعمل في كرم الرب، قبل أن ينضجوا، وقبل أن ينالوا قوة من الروح القدس..! ليس المهم في عدد الخدام، وإنما في قوتهم الروحية.وليس المهم في سرعة إعدادهم، إنما في طريقة امتلائهم.إن عظة واحدة من القديس بطرس الرسول – بعد حلول الروح القدس عليه يوم الخمسين – كانت كافية لجذب ثلاثة آلاف شخص، نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ وتقدموا لقبول المعمودية (أع2: 37، 41).وهكذا كان عمل الروح قويًا مع باقي الرسل الذين كانوا «وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ» (أع4: 33). لذلك نقرأ عن خدمتهم أنه «وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ» (أع2: 47). ولذلك نقرأ أيضًا أنه «وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدًّا فِي أُورُشَلِيمَ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ» (أع6: 7).هذه أمثلة واضحة من الخدمة المثمرة، التي كان روح الرب يعمل فيها باستمرار، وهو الذي يُعطي كلمة للمُبشرين. ما أوسع وما أعمق عمل الروح القدس في الكنيسة الأولى.كان الروح القدس هو الذي يختار ويأمر برسامتهم.إنه هو القائل للآباء «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ» (أع13: 2). يقول الكتاب «فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا. فهذان إذ أُرسلا من الروح القدس، انحدرا إلي سلوكية..» (أع13: 3، 4).إذًا الروح القدس دعا الرسولين بولس وبرنابا، وأرسلهما.. بل كان أيضًا يحدد أماكن الخدمة.. كما قيل مرة أن الروح القدس منعهم من أن يتكلموا بالكلمة في آسيا، وفي بِثِينِيَّةَ.. ثم أرشدهم أن يذهبوا إلى مقدونية (أع16: 6-10).كان الروح القدس أيضًا هو الذي يقود المجامع المقدسة.فأول مجمع مقدس عقده الآباء الرسل في أورشليم سنة 45م، ختموا قراراته بقولهم «قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ..» (أع15: 28). إذا كان عمل الروح القدس لازمًا للآباء الرسل بهذا الشكل، فكم بالأولى يكون أكثر لزومًا للخدام العاديين، الذين إذا اخطأوا يكونون عثرة للخدمة وللشعب.فإن كان البعض قد خدموا وفشلوا في خدمتهم، أو على الأقل كانت خدمتهم ناقصة لم تصل إلى مستوى الكمال المطلوب، يكون السبب الأساسي أنهم كانوا يخدمون بدون عمل الروح القدس فيهم. وهذا يُرينا أهمية قيادة الروح القدس للخدمة.أول عمل للروح القدس أنه يُعطي قوة. هو أيضًا يُعطي معرفة وحكمة وإرشادًا. ويُعطي أيضًا سلطة.والروح القدس يُعطي مواهب متعددة ومتنوعة، ذكرها القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى كورنثوس إصحاح 12.فمن جهة القوة في الخدمة، فهو ليس فقط يُعطي كلمة للخادم كما طلب بولس الرسول الصلاة من أجله قائلًا «لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ» (أف6: 19).. إنما بالأكثر فإن الروح يُعطي للكلمة تأثيرًا وفاعلية في النفوس، ويُعطي قدرة على التنفيذ، ويعمل في الإدارة. ويُعطي أيضًا ثمرًا للكلمة. ومن اهتمام الكنيسة بعمل الروح القدس لأجل كل إنسان، وضعت لنا ضمن الصلوات اليومية: صلاة الساعة الثالثة الخاصة بحلول الروح القدس وعمله.أنا أعرف أن غالبيتكم تصلون صلاة باكر وصلاة النوم. ولكن هل تهتمون – على نفس القدر – بصلاة الساعة الثالثة، التي تقولون فيها للروح القدس "أيها الملك السماوي المُعزي، روح الحق الحاضر في كل مكان والمالئ الكل، كنز الصالحات ومُعطي الحياة. هلّم تفضل وحلَ فينا وطهَرنا من كل دنس أيها الصالح، وخلَص نفوسنا".إن لكم علاقة بالآب ظاهرة في غالبية صلواتكم وفي صلاة الشكر. ولكم علاقة بالابن المخلص الفادي، وبالذات كما في صلاة الساعة السادسة، التي تقولون فيها "يا مَنْ في اليوم السادس والساعة السادسة، سمَرت على الصليب لأجلنا..". ولكن ما هي علاقتكم بالروح القدس، وأنتم لا تستطيعون أن تحيوا في حياة البر بدونه؟..إننا في الساعة الثالثة نطلب نعمة الروح القدس، وعمل هذه النعمة فينا، وبخاصة لأجل تطهيرنا.ونقول في تحليل الساعة الثالثة "نشكرك لأنك أقمتنا للصلاة في هذه الساعة المقدسة، التي فيها أفضت نعمة روحك القدوس بغنى على التلاميذ خواصك القديسين..".ونكرر عبارة نعمة الروح القدس، فنقول "أرسل إلينا نعمة روحك القدوس، وطهرنا من دنس الجسد والروح. وانقلنا إلى سيرة روحانية، لكي نسعى بالروح ولا نكمل شهوة الجسد".لاحظوا هنا إنه بالنسبة إلى الروح القدس، نتكلم عن حلول النعمة، وليس عن حلول الأقنوم، كما يخطئ البعض..وحلول النعمة هو للرسل، ولنا نحن أيضًا..ولاحظوا أيضًا عمل الروح القدس لأجل طهارة الجسد والروح.وحسن أن الإنسان يطلب طهارة نفسه عن طريق عمل الروح القدس فيه، وليس بمجرد جهاده البشري الذي يقع فيه ويقوم.. هناك أعمال أخرى للروح القدس، حيث نقول عنه في صلاة الساعة الثالثة: روح النبوة والعفة، روح القداسة والعدالة والسلطة.ويقول عنه سفر إشعياء النبي «رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ» (أش11: 2). كل هذا، نطلب عمله فينا في صلواتنا.أما عن السلطة، فهي خاصة أولاً بالكهنوت وعمله.وفي ذلك سلطان مغفرة الخطايا، كما قال الرب لتلاميذه بعد القيامة «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» (يو20: 22، 23).فالكاهن حينما يغفر الخطايا للمعترفين التائبين إنما يغفر بسلطان الروح القدس العامل فيه. كما يقول للرب عن الشعب في آواخر القداس الإلهي "يكونون محاللين من فمي بروحك القدوس".وروح السلطة بالنسبة إلى المؤمنين العاديين:إما أن يكون لهم سلطة على أنفسهم بضبط النفس، أو أن يكون لهم سلطة على الشياطين، فلا يمكنوها من أنفسهم أو من إرادتهم.. والروح القدس هو أيضًا روح الحق (يو15: 26) وروح العدالة.فالذي يعمل فيه روح الله، يكون حقانيًا وعادلًا يفصّل كلمة الحق بالاستقامة، ولا يأخذ بالوجوه، ولا يتكلم بالباطل.ولا نستطيع أن نضع حدودًا لعمل الروح القدس، الذي هو كنز الصالحات، ومُعطي الحياة، ومُعطي المواهب، كما ورد في (1كو12) يُعطي كلام حكمة، وكلام علم، ولآخر إيمان، وبنوة، وأعمال شفاء، وعمل قوات..وأيضًا لا ننسى عمل الروح القدس في كل أسرار الكنيسة.فنحن نولد في المعمودية من الماء والروح. ثم ننال سرَ المسحة المقدسة (بزيت الميرون المقدس) حيث نثبت في الروح، ونصبح هياكل للروح القدس، وروح الله يسكن فينا (1كو3: 16)... مع عمل الروح القدس عن طريق باقي أسرار الكنيسة. مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
13 ديسمبر 2019

ميمر دخول العذراء الهيكل للقديس كيرلس أسقف اورشليم

بالحقيقة يا أحبائي قد كمل اليوم كلام داود المرتل " مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات، نفسي تشتهي أن تدخل ديارك يارب، قلبي وجسدي يتهللان بالله مخلصي ". بالحقيقة قلب الملك يستريح في قصره الذي هو مريم لأنها اشتهت أن تصير في هيكله المقدس وقلبها يطلب مساكنه أكثر من كل العالم وأمواله الزائلة ووجهها يتهلل بتعليم الكهنة وطهارة جسدها نقية جدًا أفضل من ان تكون في مساكن آبائها وأقاربها لأن العصفور قد وجد له مسكنًا واليمام عشًا حيث تضع فراخها هكذا هي العذراء فرحت بوجودها في هيكل الرب، وتهللت عندما وجدت مسكنًا لإله يعقوب هكذا أخبر آباؤنا الرسل عن دخول العذراء إلى الهيكل وذلك أنه عندما بلغت العذراء السنة الأولى من عمرها حيث كان وقتئذ يوجد في هيكل الرب زكريا بن براشيا الكاهن الأعظم الذي أوقف حياته لخدمة الرب، فظهر له ملاك الله ذات يوم قائلا : السلام لك أيها الشيخ المبارك قم وأخبر حنة ويواقيم أن يحتفظا بالطفلة التي ولدت ويقدماها لهيكل الرب وديعة طاهرة تظل مرعية بك .. فلما سمع زكريا هذا تعجب كثيرًا وبارك الله وقص رؤيته على زوجته أليصابات التي قامت مسرعة معه حيث توجد العذراء البتول، فلما وصلا سلما على حنة ويواقيم اللذان تجمعهما رابطة القرابة، وبعد هنيهة من الزمن قام الكاهن العظيم زكريا وشرح ما سمعه من الملاك بشأن العذراء فأجابته والدتها قائلة : يا أبي القديس إن كل ما أومات به قد قيل لي قبل أن أحبل بها وقد سبقت فأنذرت أن كل ما يعطي لنا ذكرًا أم أنثى ندفعه لجدمة الرب داخل هيكله المقدس،فبارك زكريا السيدة العذراء وانثنى راجعًا هو وزوجته المباركة إلى مدينته بسلام.وفي ذات يوم حالما كانت تسكب على الرضيعة ماء لتحميها، رأت وجهها يتلألأ نورًا ساطعاص ففرحت وباركت الله وسبحت مع داود النبي " إلهي قد رفعت شعبًا متواضعًا وأذللت أعين العظماء ". بسبب حلولك في بيتي أنا المسكينة،نظرت إلى تواضعي في شدتي وخلصتني بما أوجدته مني من الثمرأنا العاقر، عيناي نظرتا خلاص الرب القدوس إله إسرائيل.طوبى لي أنا الحقيرة لأن المولودة مني مريم العذراء والدة الإله،فلتفرح معي قوات السماء، والقسوس الروحانيين، والحيوانات غير المتجسدة، والكراسي وكل خدام الله والشاروبيم والسارافيم. أشكرك أيها الرب الإله ضابط الكل وأمجدك إلى الأبد آمين.ولما قالت حنة هذا لفت الرضيعة بأقماط ووضعتها على سرير وجلست أمامها مبتهجة بما أعطيت من نعمة عظيمة. ولما بلغت الثانية من عمرها صنع أبواها وليمة عظيمة للفقراء والمساكين في ذلك اليوم الذي فيه والدها أن يذهب بها إلى هيكل الرب. لكن حنة طلبت من زوجها إبقاءها إلى أن تبلغ السنة الثالثة من عمرها وفعلا تم إبقاءها إلى أن أتمت السنة الثالثة وبضعة أيام يقدرونها بثمانية عشر يومًا. وإذ بدأت الصبية تمشي على الأرض تذكرت والدتها أن تذهب بها إلى هيكل الله لتخدمه بالطهارة كما سبقت وأنذرت قبل الحبل بها، وليتم قول داود النبي القائل " إن أرجلنا قامت في طريق مستقيمة " فأرسل يواقيم إلى الرعاة يأمرهم بإحضار ذبائح وقرابين كثيرة ثم ذهبا بها إلى أورشليم بالصبية يتبعهم الجمع الغفير من الناس، وستةعذارى من بنات اليهودية الطاهرات يلقبن باسم مريم أيضًا.وكان ذلك في اليوم الثالث من شهر كيهك والأمرالعجيب الذي احتارت فيه فلاسفة بني إسرائيل أن الصبية لما تركها أبواها ومع حداثتها لم تتألم ولم تبك ولم تقلق بل ظلت ساكتة ساكنة بالهيكل وهي تنمو كل يوم حتى أنها كانت موضوع حديث بني إسرائيل. وكان الكثير يقصدون إلى الهيكل لينظروا مريم ابنة يواقيم ويحمدوا الله لأن خضوعها ووداعتها كان ظاهرًا في حياتها.كانا أبواها غنيين من نسل داود الملك فكانا يبعثان لها الطعام وكانت تقبله بشكر وخضوع دون افتخار، وبعد أن يخرجا من عندها تستحضر فقراء الهيكل وتعطيهم طعامها تحيرت عقول الكهنة وقلقت أفكارهم إلى أن انكشف لهم ظهور الحقيقة برؤية نور ساطع سماوي من نعمة الروح القدس. وبذلك صارت وسط الهيكل كأنها حلة نورانية، ولا عجب في ذلك لأنها إناء مختار أو بالحري مسكن طاهر لروح الله القدوس، وفي آخر كل أسبوع كان أبواها يعملان وليمة للفقراء في بيت الرب فكانت مريم تخدمهم وتعطي الطعام لكل محتاج، وظلت سيرتها الحسنة وأعمالها المرضية تزداد يومًا فيومًا.عظيم هو مجد بتوليتك يا مريم العذراء لأنك وجدت نعمة أمام الرب الكائن منك. أنت السلم الذي رآه يعقوب ثابتًا على الأرض ومرتفعًا إلى السماء والملائكة عليه، أنت العليقة التي رآها موسى النبي والنار في أغصانها ولم تحترق. أنت الحقل الذي لم يزرع وأخرج ثمرة الحياة. أنت الكتر الذي اشتراه يوسف ووجد فيه الجواهر مختفية أعني بذلك مخلصنا الذي ولد منك لخلاص البشرية.. افرحي يا والدة الإله تهليل الملائكة. افرحي يا بشرى الأنبياء يا من استحققت حلول الكلمة القدوس في بطنك.افرحى يا من بواسطتها قد خلص آدم وذريته. افرحي يا من أرضعت مغذي كل البرية. افرحي أيتها القديسة أم الأحياء. جميعهم. نطلب إليك أن تشفعي فينا لدى ابنك الإله المتجسد منك الذي أتى وخلص العالم بأجمعه. كرامتك يا مريم العذراء من يقدر أن ينطق بها لأن الله أحبك وسكن فيك. الساكن في النور الحقيقي تنازل وسكن في بطنك تسعة أشهر. قد ولدتيه وبقيت عذراء لأن هذا هو الحجر الذي رآه دانيال النبي مقطوعًا من جبل بغير يد إنسان. هو الله الكلمة الذي تجسد من العذراء، وولد من الآب قبل كل الدهور الذي أخذ جسدًا من العذراء مريم بغير زرع بشر حتى يخلصنا فمن لا يطوبك أيتها الحمامة النقية أم المسيح ؟!. عظيمة هي رحمته فإياه نسأل بشفاعة هذه العذراء القديسة والدة الإله أن يتجاوز عن هفواتنا ويستر عيوبنا وينجينا من ضربات الشياطين، وشدائد الزمان، ويثبتنا في الإيمان المسيحي إلى النفس الأخير، ويجعلنا مستحقين دخول البيعة المقدسة الواحدة الجامعة الرسولية، متشبهين بملائكته النورانية، ويجعل باب بيعته مفتوحًا على ممر الأزمان. ويخذل سائر الأعداء، ويرزقنا الطمأنينة في الوطن ويعطف قلوب المتولين علينا بالرأفة والإحسان. وأن يسمعنا الصوت الفرح القائل " تعالوا إ لى يا مباركي أبي رثوا اُلملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم ". " الذي لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر " بشفاعة. السيدة العذراء مريم وجميع الأنبياء والرسل والشهداء والصديقين وكل من أرضى الرب بأعماله الصالحة إلى دهر الدهور آمين. كنت منذ ثلاث سنين يا مريم أعطوك للهيكل فمشيتي مثل الحمامة والملائكة يأتون إليك.
المزيد
17 ديسمبر 2020

شخصيات الكتاب المقدس إشعياء

" فى سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد " إش 6: 1 مقدمة كان إشعياء واحداً من أعظم عمالقة التاريخ، وسفره هو الأول بين ما يطلق عليها: «أسفار الأنبياء الكبار »، ولا تستطيع أن تقرأ سفره دون أن ترتقى الهضاب العالية، وتمد بصرك إلى الآفاق البعيدة التى تجتاز العصور والأجيال، وتأتى إلى آخر الأيام فى الرؤى المذهلة العجيبة،... أليس هو الرجل الذى بدأ نبوته بذلك المنظر المهيب للسيد وهو جالس على كرسيه العالى والمرتفع، وأذياله تملأ الهيكل؟؟.. ومن ذا الذى يمكن أن يرى السيد فى مجده العظيم، والملائكة واقفون بين يديه، دون أن يحس بحاجته إلى الارتقاء إلى أعلى مقام عن هذه الأرض، ليخشع فى فزع قائلا: « ويل لى إنى هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عينى قد رأتا الملك رب الجنود » " إش 6: 5 ".. وأليس هو الرجل الذى طوى مئات السنين، ونقلنا فى الأصحاح الثالث والخمسين إلى هضبة الجلجثة، لنرى دقائق الصلب وتفاصيله، كمن يراها رؤيا العيان، ويكتب عنها من تحت الصليب،... وأليس هو النبى الذى اخترق حجب المستقبل القريب والبعيد، فأوقفنا على هضاب آيته لاحقة لتاريخه،... فرأينا كورش يجتاح الممالك، ويطويها، ويسقطها تحت قدميه، ويعطيه اللّه اسمه قبل أن يولد بمائة وخمسين عاماً،... ولم يكن كورش إلا رمزاً لذلك الذي خرج غالباً ولكى يغلب، والذى يقود أعظم المعارك فى الأرض، ويكون فى آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً فى رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجرى إليه كل الأمم... فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل،... ولا يتعلمون الحرب فيما بعد » "إش 2: 2 - 4 " لأنى هأنذا خالق سموات جديدة وأرضاً جديدة فلا تذكر الأولى ولا تخطر على بال » " إش 65: 17 ".ولعلنا نتأمل الآن هذا الرجل العظيم من فوق هذه الربى والهضاب العالية لنراه مع سفره ونبواته وهو يحدثنا فيما يلى: إشعياء من هو!!؟ الاسم « إشعياء » يعنى « خلاص يهوه » أو « خلاص الرب » وهو ابن « آموص » أو « القوى » وقد أطلق على زوجته « النبية » وربما كان القصد فى ذلك أنها زوجة النبى، وإن كان البعض يظن أنها كانت تملك موهبة النبوة، وقد ولد له ولدان اسم الأول « شآر ياشوب » أو « بقية سترجع » ولعل القصد من ذلك رجوع البقية من السبى، أو رجوع البقية إلى اللّه برسالة إشعياء، والثانى: « مهير شلال حاش بز » ويعنى « سلب يعجل خراب يسرع » والمقصود بذلك أنه على قدر السرعة فى جمع الأسلوب ونهبها، على قدر ما يأتى الخراب المعجل،... وقد أوضح النبى أن نبوته جاءت فى أيام عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا، ومن المعتقد أنه ولد قبل موت عزيا بعشرين عاماً على الأقل، وإذا صح التقليد القائل بأنه مات منشوراً على يد منسى الملك، فمن المتصور أنه عاش حتى بلغ التسعين من عمره أو ما بين عامى 780، 690 ق.م. ومن الجدير بالذكر أنه فى ذلك التاريخ بنيت مدينة روما، والتى كانوا يطلقون عليها « المدينة الخالدة » وقد عاش إشعياء على مر الأجيال والتاريخ أكثر عظمة وجلالا وخلوداً،... وفى تصور الكثيرين أن إشعياء كان ينتسب إلى البيت الملكى، وأنه على أية حال كانت له المكانة التى تجعله يعطى المشورة للملك آحاز، والذى لاذ به الملك حزقيا أمام غزوة سنحاريب للبلاد، وحصاره لأورشليم، ومن الثابت أنه كان شجاعاً حازماً، لا يعرف المداورة أو المهادنة فى كل ما يتصل بالدين،... يستوى عنده فى ذلك الملك أو غير الملك، ألم يقل للملك آحاز: « اسمعوا يا بيت داود. هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهى أيضاً » " إش 7: 13 " وقال للملك حزقيا: اوص بيتك لأنك تموت ولا تعيش » " إش 38: 1 "، هوذا تأتى أيام يحمل فيها كل ما فى بيتك وما خزنه آباؤك إلى هذا اليوم إلى بابل. لا يترك شئ يقول الرب » " إش 39: 6 " وقد صور إسرائيل فى مرتبة أدنى من الحيوان فى مطلع سفره « الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه. أما اسرائيل فلا يعرف شعبى لا يفهم. ويل للأمة الخاطئة الشعب الثقيل الإثم نسل فاعلى الشر أولاد مفسدين ». " إش 1: 3 و4 " « كيف صارت القرية الأمينة زانية » " إش 1: 21 " « لأنه شعب متمرد أولاد كذبة ».. " إش 30: 9 " ومع هذه الشجاعة الحازمة كان رفيق القلب شديد الحدب والعطف، ويكفى أن نراه يقول: « لذلك قلت اقتصروا عنى فأبكى بمرارة. لا تلحوا بتعزيتى عن خراب بنت شعبى » "إش 22: 4 " بل لعله كان يبكى تجاه آلام الآخرين، حتى ولو كانوا من الأمم، وهو القائل عن موآب: « يصرخ قلبى من أجل موآب » " إش 15: 5 "« لذلك أبكى بكاء يعزير على كرمة سمة أوريكما بدموعى ياحشبون وألعالة ». " إش 16: 9 " كان يندد بالخطية أشد تنديد، وفى الوقت نفسه يبكى على الخطاة،... ومن الجانب الآخر كان فرحه عظيماً بالأمم التى تجرى إلى اللّه: « ويكون فى آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً فى رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجرى إليه كل الأمم »" إش 2: 2"« ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً » " إش 11: 10 "« فى ذلك اليوم تكون سكة من مصر إلى آشور فيجئ الأشوريون إلى مصر والمصريون إلى آشور ويعد المصريون مع الأشوريين فى ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثا لمصر ولأشور بركة فى الأرض بها يبارك رب الجنود قائلا مبارك شعبى مصر وعمل يدى آشور وميراثى إسرائيل » "إش 19: 23 - 25 ". لم يكن الرجل ضيق الأفق، محدود النظرة، تمتلكه نعرة الجنس، تحجب رؤياه عن العالم الواسع الذى لا حياة لهن بدون اللّه،... على أن هذا لا يعنى أنه لم يكن غيوراً لوطنه، متحمساً له، يهتم بالدفاع عنه ورعايته، لقد كان وطنياً من طراز ممتاز، وهو القائل لآحاز: احترز واهدأ. لا تخف ولا يضعف قلبك من أجل ذنبى هاتين الشعلتين المدخنتين بحمو غضب رصين وآرام وابن رمليا » " إش 7: 4 ".. كما قال لحزقيا: « هكذا يقول الرب إله إسرائيل الذى صليت إليه من جهة سنحاريب ملك آشور هذا هو الكلام الذى تكلم به الرب عليه: احتقرتك استهزأت بك العذراء ابنة صهيون. نحوك أنغضت ابنة أورشليم رأسها » "إش 37: 21 و22".وكان إشعياء، مع ذلك، رجلا عميق التعبد والاحترام للّه،... ولعل الرؤيا التى رآها فى الهيكل، تركت طابعها العميق فى حياته بجملتها!!.. وهو لا يرى هذا التعبد فى مجرد العبادة الشكلية والطقسية أو الظاهرية، فالذبائح لا قيمة لها: « لماذا كثرة ذبائحكم يقول الرب. اتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أسر » " إش 1: 11" والاهتمام بأيام معينة فى نظره باطل وكذب: « رأس الشهر والسبت ونداء المحفل لست أطيق الإثم والاعتكاف » " إش 1: 13 " كما أن الهيكل فى حد ذاته لا معنى له: « هكذا قال الرب: السموات كرسى والأرض موطئ قدمى. أين البيت الذى تبنون لى وأين مكان راحتى » " إش 66: 1 " إن العبرة عند اللّه بالحياة الروحية العميقة فى روح الطاعة: « إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض » "إش 1: 19" وحياة البر وخوف اللّه: « وإلى هذا أنظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامى » "إش 66: 2 " كان إشعياء يعيش على الدوام أمام اللّه العلى: « لأنه هكذا قال العلى المرتفع ساكن الأبد القدوس اسمه. فى الموضع المرتفع المقدس أسكن، ومع المنسحق والمتواضع الروح لأحيى روح المتواضعين ولأحيى قلب المنسحقين » "إش 57: 15 " « أدخل إلى الصخرة وأختبئ فى التراب من أمام هيبة الرب ومن بهاء عظمته » " إش 2: 10 "... ولا حاجة إلى القول بأن الرجل كان شديد الثقة باللّه، كامل الاعتماد عليه، ومن ثم كان يرفض تماماً التحالف مع آشور أو مصر،... وقد قاوم مثل هذا التحالف ما وسعته المقاومة سواء فى حياة الملك آحاز أو الملك حزقيا،... ومع أن مصر واشور كانتا الدولتين العظميين، قبل أن تظهر بابل فى الأفق،... إلا إنه كان يعتقد بحق، أن الإيمان باللّه وحده، هو الذى يعطى الإنسان اطمئنانه الكامل، وسلامه الدائم،... وأن الدول المتحالفة إذا أعانت بعض الوقت، فسيلحقها العجز بعد ذلك، وتضحى عبئاً، لا عوناً، وأكثر من ذلك إنهاء تحول المتحالف معها إلى فريسة يمكن أن تبتلعها متى أتيحت لها الفرصة، وسنح الوقت!!.. وقد كان الرجل صادق المشورة فى هذا المجال، بل كان واثقاً من النتيجة عندما استمع حزقيا الملك، وقد أدرك هذا الاختبار، فتعاون أولا مع آشور، ثم عاد ليواجهها معتمداً على اللّه،... وسقط عند أبواب عاصمته زهرة الجيش الأشورى مائة وخمسة وثمانون ألفاً من الجنود فى ليلة واحدة!! ومن المسلم به أن إشعياء كان واسع الثقافة، بلغ السمت والقمة بين الأنبياء، فلم يتفوق عليه أحد منهم من الوجهة الإنسانية. فى فخامة اللفظ، وجلال التعبير، ورصانة الأسلوب،... وقد قيل أنه لم يبره أحد قط منهم فى الجمع بين فخامة العبارة، ودسامة التفكير، إذ لم تكن فصاحته على حساب المعنى، أو معناه على حساب التعبير الجزل الجميل!!ولم يكن عند الرجل رتابة فى الأسلوب أو قصور فى المنطق، بل تحس وأنت تقرأ سفره أنك تسير بين أعلى القمم وأعمق الوديان،... ولعل هذا كان الباعث الأكبر عند عدد من النقاد، إلى الزعم بأن هناك أكثر من إشعياء فى كتابة السفر... وقالوا إن هناك إشعياء الأول والثانى وربما الثالث.. لأنهم تصوروا أن شخصاً واحداً لا يستطيع أن يصل إلى ما وصل إليه هذا السفر العظيم فى أصحاحاته الستة والستين!!.. ومع أن التاريخ اليهودى أو الكنسى، كان فيه ما يشبه الإجماع على أن إشعياء وحده هو كاتب السفر، ولم يشذ عن هذا الإجماع، سوى بن عزرا فى القرن الثانى عشر الميلادى، والذى قال إن الأصحاحات من الأربعين إلى الستة والستين ربما لا تكون من عمل إشعياء، ولم يجاره فى الكنيسة المسيحية سوى كاتب ألمانى اسمه كوبى (Koppe) الذى زعم أن هذا الأصحاحات كتبت على الأغلب بعد السبى البابلى، وتمشى فى إثره بعد ذلك، من تمشى من النقاد، وحجتهم فى الغالب أن الإصحاحات الأخيره المشار إليها، كتبت كما لو كان السبى البابلى حقيقة قد وقعت، وأن إشعياء (الثانى كما يزعمون) لم يكن قد ولد عندما جاء كورش، وأن قرابة مائة وخمسين عاماً أو تزيد، كانت لابد أن تمر قبل أن يأتى ذلك الملك العظيم المشار إليه فى إشعياء!! وأن الأسلوب فى الجزئين من السفر شديد التغير، مما يحتمل معه أن شخصاً مجهولا يمكن أن يطلق عليه إشعياء الثانى كتب الأجز اء الأخيرة من السفر بعد السبى، وضمت إلى إشعياء!!. وقد بلغ التصور عند نقاد آخرين إلى أن سبعة من الكتاب اشتركوا فى كتابة هذا السفر، وليس مجرد إشعياء ثان فقط!!... على أن أعظم علماء الكتاب قد قاوموا هذا التصور مقاومة حادة ونادوا بوحدة السفر ونذكر منهم فى ألمانيا... جاهن، وهستنبرج، وكلينرت، وهافرنك، وستاير، وكايل، وديلتش، ورينو شمعان،... وفى إنجلترا، هندرسون، وهاكستبيل، وكاى، ويورك، ودين باين سميث، وبروفسور بركس، وبروفسور ستانلى ليسز... وقد بنى هؤلاء وغيرهم، وحدة السفر على أسس خارجية، وأخرى داخلية،... أما الخارجية فتظهر من أن الترجمة السبعينية وهى الترجمة المعروفة من سنة 250 ق.م. تنسب الكتاب كله لإشعياء بن آموص، وابن سيراخ الذى عاش حوالى سنة 180 ق.م لا يتردد فى نسبة الأجزاء الأخيرة إلى إشعياء،... كما أن مخطوطات وادى قمران، وهى أحدث مخطوطات اكتشفت عام 1947 ق.م. بقرب البحر الميت ويرجع تاريخها إلى ما بين القرنين الأول والثانى قبل الميلاد يظهر فيها سفر إشعياء كاملا منسوباً إلى إشعياء بن اموص!! كما أن اقتباسات العهد الجديد والسيد المسيح والرسول بولس، تظهر دائماً منسوبة إلي إشعياء، فقد جاء فى الأصحاح الثالث من إنجيل متى: « فإن هذا هو الذى قيل عنه بإشعياء النبى القائل صوت صارخ فى البرية »... " مت 3: 3 " وفى إنجيل لوقا الأصحاح الرابع قيل عن السيد المسيح: فدفع إليه سفر إشعياء النبى، ولما فتح السفر وجد الموضع الذى كان مكتوباً فيه روح الرب علىّ لأنه مسحنى لأبشر المساكين.. الخ " لو 4: 17 و18 " وفى إنجيل يوحنا فى الأصحاح الثانى عشر: « ليتم قول إشعياء النبى الذى قاله يارب من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب » " يو 12: 38 "وقول بولس فى الأصحاح العاشر من رسالة رومية: « لأن إشعياء يقول يارب من صدق خبرنا... ثم إشعياء يتجاسر ويقول وجدت من الذين لم يطلبونى.. إلخ » " رو 10: 16 و20 " أما عن تنوع الأسلوب، من الواجهة الداخلية، فما لا شك فيه، أن شاعرية أو عبقرية إشعياء، إذا جاز هذا التعبير، وتمكنها من ناصية المنطق والبلاغة، يمكنها أن تسمو وتبسط، دون أن يكون هناك مساس بالكاتب الواحد، ومن ثم فنحن نرى رغم هذا التنوع، الفكر الواحد المطبوع، فاللّه السيد الذى رآه: « جالسا على كرسى عال ومرتفع وأزياله تملأ الهيكل " إش 6: 1 ".. هو نفسه: « العلى المرتفع ساكن الأبد القدوس اسمه » " إش 57: 15 ".. والشعب الذى وصف بالتمرد والعصيان: « ربيت بنين ونشأتهم وأما هم فعصوا علىّ» " إش 1: 2 ".. « فإنك رفضت شعبك بيت يعقوب لأنهم امتلأوا من المشرق » " إش 2: 6 ".. « ذكرنى فنتحاكم معا، حدث لكى تتبرر، أبوك الأول أخطأ وسطاؤك عصوا علىّ » " إش 43: 26، 27 " كما أن اتساع النظرة وإعطاء الفرصة للأمم، قد جاءت فى أول السفر وآخره، ويكفى أن نشير هنا: « فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدى والعجل والشبل والمسمن معاً وصبى صغير يسوقها. والبقرة والدابة ترعيان. تربض أولادهما معاً والأسد كالبقر يأكل تبناً ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان. لا يسوؤون ولا يفسدون فى كل جبل قدسى لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطى المياه البحر» " إش 11: 6 - 9 ".. « الذئب والحمل يرعيان معاً والأسد يأكل التبن كالبقر. أما الحية فالتراب طعامها. لا يؤذون ولا يهلكون فى كل جبل قدسى قال الرب » " إش 65: 25 "فإذا قيل آخر الأمر كيف يمكن أن يكون الحديث عن السبى البابلى كأمر واقع، وإن يذكر اسم كورش الفارسى الذى لم يأت بعد،.. كان الرد ميسوراً: أن نبوات إشعياء ترى النهاية منذ البداءة « لأنه معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله » " أع 15: 18 ".. وقد تحدثنا عندما تعرضنا لشخصية يربعام كيف أن النبى تنبأ عن يوشيا الملك الذى سيأتى ويذبح كهنة المرتفعات ويحرق عظامهم، قبل ولادته بزمن طويل... وقد امتدت النبوة إلى هضبة الجلجثة لتصفها بدقة، كما لو كان الواصف ينظر إلى الصليب بمرأى عينيه، وقد سار الرجل بنا إلى آخر الأيام، لنرى الصورة اللامعة للأرض بعد أن تتحرر من الخطية والدنس!! والحقيقة أن السهم القاتل لنظرية إشعياء الثانى يكمن فى أن الآخذين بها، حاولوا حل الصعوبة، بصعوبة أفدح وأقسى إذ كيف يمكن التصور منطقياِ، أن هذه الأصحاحات الأخيرة من سفر إشعياء بما فيها من أروع النبوات أو التعاليم، تصدر عن نبى مجهول، جاء بعد السبى، ولا يعرف الناس عنه شيئاً، ويعلن هذه الروائع، ويكتبها، ويغيب فى التاريخ من غير علم أو دراية من أحد!!.. إن الفهم الكتابى الصحيح، واجماع التقليد فى المجمع اليهودى والكنيسة المسيحية يؤكدان أن إشعياء بن آموص هو الكاتب الوحيد لسفره الشامخ العظيم بين أسفار الكتاب االمقدس، دون أدنى شبهة أو تردد!! إشعياء ورؤياه وكانت هذه الرؤيا نقطة التحول فى تاريخ الرجل، أو بتعبير أدق، هى دعوة اللّه العليا التى بها ناداه إلى الخدمة العظيمة،... ومن العجيب أن أعظم الرجال على الأرض، هم الذين تغيرت حياتهم، وغيروا حياة الناس، لأن رؤيا اللّه حولت تاريخهم بأكمله،.. ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم، فقام برحلته الخالدة،... وظهر لموسى فى العليقة، فقام برسالته العظيمة،... وظهر لجدعون، فحوله من الخائف من ظله إلى بطل من أبطال الأجيال،... ومن المثير أن الجنرال فوشى الذى كسب الحرب العالمية الأولى يقول إنه فى 26 مارس عام 1918 ظهر له اللّه فى رؤيا وأعطاه يقيين النصر!! ولم يكن هذا الجنرل خرافيا، ولكنه آمن باللّه ورؤيته وانتصر!!... وها نحن الآن نتابع رؤيا إشعياء من جوانبها المختلفة: الرؤيا والسيد قال إشعياء فى مطلع الأصحاح السادس: « فى سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً على كرسى عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل، فإذا قارنا هذا بما جاء فى إنجيل يوحنا الأصحاح الثانى عشر والعدد الحادى والأربعين: « قال إشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه »... أدركنا أن السيد المسيح هو الذى ظهر لإشعياء فى مجده وجلاله وعظمته فى هيكل اللّه فى أورشليم،... وقد حدثنا إشعياء عن وقت الرؤيا، غداة وفاة الملك عزيا، ولعل إشعياء كان ذهنه مشغولاً وممتلئاً بعزيا الملك، وكان عزيا من أعظم الملوك الذين ظهروا فى حياة إسرائيل،... ولكنه فعل فى أخريات حياته شيئاً تعساً محزناً، إذ حاول أن يكول ملكاً وكاهنا معاً، فطرده اللّه لكبرياء قلبه، بعد أن أصيب بالبرص، وبقى فى بيت برصه إلى يوم وفاته،... إنه على أية حال كان يمثل الإنسان البشرى العظيم، ونقطة النقص والضعف اللاحقة بعظمته.. لكن إشعياء تحول من الملك الناقص، إلى الملك القدوس، رب الجنود، الذي له وحده عرش الجلال والكمال،... تحول من المشهد الأرضى إلى اللّه الذى السماء ليست بطاهرة أمام عينيه، وإلى ملائكته ينسب حماقة!!... والمسيح دائماً هو مثال الكمال، عندما ما نفجع فى برص الناس ونقصهم وضعفهم وخيانتهم وقصورهم،... على أن الرؤيا تكشف عن جانب آخر، إذ تكشف عن الملك الدائم، عندما يتحول الملك من إنسان إلى آخر، أو عندما نتطلع فلا نجد أحداً يملأ المكان، ويستولى علينا اليأس والقنوط،... مات عزيا الملك وبقى الملك السرمدى الأبدى الحى الذى لا يموت، وهى الرؤيا التى نحتاج إليها فى أتعس الأوقات وأحلك الليالى، عندما صرخ دوجلاس زعيم العبيد فى الولايات المتحدة، وهو يعدد الظروف التعسة القاتلة التى تواجه العبيد البائسين هناك وهو يقول: كل شئ ضدنا!!.. الظروف ضدنا!!.. الناس ضدنا!!.. صاحت فيه امرأة زنجية: ولكن يا دوجلاس اللّه حى ولم يمت!!.. فثاب الرجل إلى رشده، وأدرك أن العروش على الأرض تهوى، ولكن اللّه يسود فى عرشه ويملك ويحكم!!.. هل نستطيع أن نرى اللّه مستقراً وجالساً على كرسى عال ومرتفع مهما أحاط بنا الظلام والفزع والضيق والحزن والأضطراب؟؟. الرؤيا والملائكة لم يكن إشعياء محتاجاً أن يرى اللّه فحسب، بل كان عليه أن يرى كيف يخدم السرافيم اللّه والكلمة « سرافيم » من أصل عبرى معناه « الملتهبين » « الصانع ملائكته رياحاً وخدامه ناراً ملتهبة » " مز 104: 4 " وكان لكل واحد ستة أجنحة، فهناك جناحان للطيران، وبهما يطير ملتهباً فى غيرته لخدمة اللّه!!... والخدمة المسيحية، لابد أن تكون هكذا،... كان واحد من خدام اللّه الصينيين، وكان غيوراً للمسيح، فى الولايات المتحدة، ينتقل فى القطارات وهو يوزع النبذ المسيحية، وذات مرة رأى أمامه سيدة تبدو غنية وأنيقة، وقدم لها نبذة عن الخلاص،... وإذا سألته عما فيها قال: إنها قصة جميلة أرجو أن تقرأيها، فصاحت في ووجهه: لا أريد، وألقتها فى وجهه،.. وقد راعه أكثر أن الكمسارى قال له: إن هذا ممنوع وتألم الرجل، وهو يسأل نفسه كيف يمكن أن يمنع هذا فى بلد خرج منه المرسلون إلى العالم لينادوا ببشرى الخلاص؟... ولكن واحداً من الجالسين تقدم إليه وهز يده قائلا: إنك هززت قلبى من الأعماق، إذ أرى أحدهم يشتغل بعمل سيده!!... كان هذا الخادم يأخذ أجنحة السرافيم وهو يقف فى الطريق يصلى ويرنم بالأغانى المسيحية، وقد هز نفوساً كثيرة بحياته الملتهبة فى خدمة سيده!!... على أن السرافيم يعطوننا صورة أخرى، صورة الإتضاع فى حضرة اللّه، إذ يغطى كل واحد منهم وجهه بجناحين، لأنه لا يجسر أن ينظر إلى وجهه اللّه!!... وفى الحقيقة إن الاتضاع من أهم صفات الخادم المسيحى، وما ير هذا الخادم نفسه على وضعها الحقيقى فى حضرة اللّه، كما كان يرى داود نفسه كبرغوث أو كلب ميت أو لا شئ على الإطلاق،... فإنه لا يستطيع أن يقوم بالخدمة أبداً!!.. تقابل أحد خدام اللّه مع عضو ثرثار، وكان هذا العضو يتحدث كثيراً، ويكرر الكلام، والراعى مستعجل يريد الذهاب إلى مكان ما، وأخيراً قال له: أنا مشغول وينبغى أن أذهب بسرعة!!... ألا تعرف من أنا!!؟... وقال العضو: نعم أعرف، فانت الواعظ!!... ولكن هذه الكلمة رنت فى أذن خادم اللّه وقال: هل ينظر الناس إلى أنا، وهل أوجه الالتفات إلى نفسى أم إلى المسيح!!؟… وذهب إلى بيته، وأغلق على نفسه، وظل هناك حتى صلب الإنسان العتيق … وعاد ليعظ: « ينبغى أن ذلك يزيد وأنى أنا أنقص » " يو 3: 03 ز.. كان هناك واعظ ينقلونه من كنيسة إلى كنيسة، لأنه كان جافاً ويترك الجفاف فى كل مكان ذهب إليه!!.. وقال له الشخص المسئول فى المجمع: أنا لا أستطيع أن أعينك فى كنيسة، إنهم يصفونك بالقصبة العجوز الجافة … وبكى الرجل العجوز وقال: أعطنى هذه الفرصة الأخيرة … فعين فى قرية، وفزعت القرية إذ سمعت بخبر تعيينه.. لكنه دخل إلى مخدعه، وصارع مع اللّه، وعندما خرج، خرج إنساناً آخر، حتى كانوا يصفونه بالقول: إن القصبة العجوز اشتعلت فيها النار بعد الاتضاع والبكاء فى حضرة اللّه!! … وكان الجناحان الأخيران يغطيان القدمين، وهو الأمر الثالث فى الخدمة، ونعنى به الاحترام الكلى لعمل اللّه ورسالته، … تعود أحدهم أن يدخل الكنيسة دون أن يرفع قبعته، وإذ سأله الراعى عن السر فى ذلك … قال: لا تؤاخذنى لعدم رفع القبعة، فقال الراعى: لا مؤاخذه. فهذا ليس بيتى!! … إن من أهم مقومات الخدمة المسيحية الإجلال والاحترام الكامل للّه وبيته وخدمته ورسالته!! الرؤيا والنفس بعد أن أبصر إشعياء اللّه، والملائكة، رأى نفسه وحالته فصاح: « ويل لى إنى هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين » (إش 6: 5) هذا ما أحس به إشعياء وهو فى بيت اللّه، ونحن فى العادة نرى تصرف الناس فى بيت اللّه يختلف إلى حد كبير عن هذه الرؤيا إذ عندما يحضرون، ما أكثر ما يهنئون الواعظ على العظة البليغة الممتازة الى ألقاها، وينصرفون إلى الراعى دون أن يروا أنفسهم!!... وقال أحدهم: إن الكثيرين يذهبون بعد ذلك إلى بيوتهم يههنئون أنفسهم بالبركة والتعزية التى حصلوا عليها، ثم يأكلون طعامهم ويشربون شرابهم، ويمكن أن يقال لهم: لقد أكلتم، واحتسيتم وامتلأتم من القهوة أو الشاى، لأنكم لم تروا أنفسكم وخطاياكم لكى يصيح الواحد منكم: ويل لى إنى هلكت » جاء فى قصة قديمة أن شاباً غنياً استجاب لرسالة المسيح، وعمده الرسول يوحنا، وعندما علم أبوه بذلك خيره أن يختار فى أربع وعشرين ساعة بين دينه القديم وثروة أبيه، أو المسيح يسوع!!... وقال الشاب: إنى أختار المسيح، وخرج من بيت أبيه وعاش فى أوساط المسيحيين الفقراء مدة عامين،... وفى يوم عيد الميلاد كان يتجول فى غابة، وكانت نفسه فى أقسى حالات التجربة، وتصادف أن تقابل مع كاهن وثنى، وسأله الكاهن: لماذا يتجول بعيداً عن أصحابه وهداياهم!!؟ … ثم ابتدره – على ما تقول القصة – بالسؤال: هل يمكن أن يعطيه – أى للكاهن - اسم المسيح، وفى مقابل ذلك سيعطيه الكاهن ما يشتهى من ثروة وجاه ونفوذ؟!!... وقبل الشاب المبادلة، وسار فى إتجاه بيته القديم، ليجد أباه فى ضجعة الموت، وقال له الأب: إنى آسف يابنى لأنى عاملتك هذه المعاملة القاسية... هل لك أن تعلمنى عن السر المسيحى؟ وارتبك الشاب وهو يقول: « انتظر يا أبى قليلا... حتِى أشرح لك السر!!. وقال له الأب: لا أستطيع الانتظار، ومات بين يديه!!... وصرخ الشاب وهو يدرك أن سر تلعثمه راجع إلى أنه خضع للتجربة، فبكى وهو يقول « ويل لى إنى هلكت » وانحنى أمام اللّه تائباً!!... لقد عرت الرؤيا الإلهية إشعياء وشعبه، فرأي البرص يملأه ويملأ الأمة بأكملها!!... عندما رأى بطرس جلال المسيح صاح: « أخرج من سفينتى يارب لأنى رجل خاطئ» "لو 5: 8 " نرى هل رأيت هذه الصورة أيها القارئ وأنت فى حضرة اللّه؟!!. الرؤيا والتطهير ما أن اعترف إشعياء بخطيته حتى أدرك فى الحال ما قاله الرب على لسانه: « هلم نتحاجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج إن كانت حمراء كالدودى تصير كالصوف » (إش 1: 18).. ولم يحتج إلى وقت حتى يظهر، إذ طار واحد من السرافيم، وقد أخذ جمرة من على المذبح ومس بها شفتيه، والسؤال: لماذا هى جمرة، ولماذا أخذت من على المذبح!!؟ إنها جمرة لأنها تشير إلى عمل الروح القدس النارى... ومن على المذبح لأنها تشير إلى عمل المسيح الكفارى... واللّه ينتزع خطايا إشعياء وخطاياى وخطاياك بفداء المسيح، وتأثير الروح القدس،... ولعلنا نلاحظ هنا أن السيد لم يوبخ إشعياء على خطاياه، أو ينظر إليه بغضب، أو يذله بها، بل سارع فى الحال إلى تطهيره عندما اعترف بها.جاء فى قصة أن أحد المؤمنين القديسين بعد أن تتجدد عرض للكثير من الضعفات والتجارب التى أسقطته، وحلم ذات يوم أنه ذهب إلى السماء، وإذ رأى المسيح أحنى رأسه خجلا، وقال: يا سيدى إن خطاياى كثيرة... وأنا حزين عليها!!... ولشدة دهشته سمع السيد يقول: « إنى لا أذكر البتة خطية لك، لقد محوتها جميعاً!!.. الرؤيا والرسالة «من أرسل ومن يذهب من أجلنا؟ ».. " إش 6: 8 " ونحن نلاحظ هنا أن اللّه لم يوجه الدعوة مباشرة إلى إشعياء أو يأمره بها، لقد أعطاه مطلق الحرية للاختيار أو الرفض، … وهو القائل دائما: إن أراد أحد أن يأتى ورائى!!.. " مت 16: 24 “ ومن العجيب أن الدولة لا تترك لأحد أبنائها الحرية ليقبل الواجب أو يرفضه، فالمواطن لا يدفع الضريبة بالاختيار، والجندى لا يذهب إلى الجندية بملء إرادته، لكن اللّه لا يرغم أحداً على الرسالة التى يلزم أن يؤديها!!.. إنه يطلق النداء العام، وعليك أن تقبل أو ترفض،.. وقد أجاب إشعياء على الرسالة بالإيجاب وهو يقول: « ها أنذا أرسلنى » … " إش 6: 8 "… ومع أن الرسالة كانت من أصعب الرسائل وأقساها، إذ تحدث عن خراب بلاده لأنها لا تطيع اللّه، والنفس التى لا تطيع، معرضة للضياع على الدوام!!،كان على الرجل الذى ترك حياة القصور أن يدفع الضريبة، فى سبيل الخدمة، … وقد فعل على أعظم وجه يمكن أن يفعله نبى أو رسول أو خادم للّه فى الأض!!.. إشعياء والفكر اللاهوتى فى سفره سفر إشعياء غنى بالأفكار اللاهوتية، ومع أنه ليس من السهل حصرها فى صفحات، إلا أنه يهمنا أن نركز النظر على أهم صورها!!.. ويمكن أن نراها بوضوح فى: سيادة اللّه ومن الواضح أن إشعياء علم بوضوح وحدانية اللّه فهو، يذكر: « أنا الرب وليس آخر، لا إله سواى... أليس أنا الرب ولا إله آخر غيرى. إله بار ومخلص. ليس سواى » " إش 45: 5، 21 ".. هذا الإله المهيب العظيم المرتفع، الذى يعلو على كل متعظم وعال: « أدخل إلى الصخرة واختبئ فى التراب من أمام هيبة الرب ومن بهاء عظمته، توضع عينا تشامخ الإنسان وتخفض رفعة الناس ويسمو الرب وحده فى ذلك اليوم. فإن لرب الجنود يوماً على كل متعظم وعال، وعلى كل مرتفع فيوضع » " إش 2: 10 - 12 "... وستسقط أمام عظمة اللّه كل الآلهة التى هى من صنع الناس: « وامتلأت أرضهم أوثاناً، يسجدون لعمل أيديهم، لما صنعته أصابعهم... وتزول الأوثان بتمامها... فى ذلك اليوم يطرح الإنسان أوثانه الفضية وأوثانه الذهبية التى عملوها له للسجود للجرذان والخفافيش ليدخل فى نقر الصخور، وفى شقوق المعاقل من أمام هيبة الرب ومن بهاء عظمته عند قيامه ليرعب الأرض » " إش 2: 8، 18، 20، 21 " « الذين يصورون صنما كلهم باطل ومشتهياتهم لا تنقطع وشهودهم هى. لا تبصر ولا تعرف حتى تخزى.. من صور إلهاً وسبك صنما لغير نفع » (إش 44: 9، 10).. وأمام سيادة اللّه وعظمته، ما هو الإنسان، مهما علا شأنه وامتدت قوته؟ أنه كما صوره إشعياء: « كفوا عن الإنسان الذى فى أنفه نسمة لأنه ماذا يحسب » " إش 2: 22 ".. « الجالس على كرة الأرض وسكانها الجندب الذى ينشر السموات كسرادق ويبسطها كخيمة للسكن. الذى يجعل الغطاء لا شيئاً ويصير قضاة الأرض كالباطل … فبمن تشبهوننى فأساويه يقول القدوس؟ ارفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه. من الذى يخرج بعدد جندها يدعو كلها بأسماء لكثرة القوة، وكونه شديد القدرة لا يفقد أحد. لماذا تقول يا يعقوب وتتكلم يا إسرائيل قد اختفت طريقى عن الرب وفات حقى إلهى. أما عرفت أم لم تسمع؟ إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكل ولا ويعيا. ليس عن فهمه فحص. يعطى المعيى قدرة ولعديم القوة يكثر شدة الغلمان يعيون ويتعبون والفتيان يتعثرون تعثراً وأما منتظرو الرب فيجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون " إش 40: 22، 23، 25 - 31 ". قداسة اللّه وقد سمع إشعياء فى الهيكل هتاف السرافيم: « قدوس قدوس قدوس »، والتعبير فى مفهومه العبرى تعبير عن القداسة الكلية المرتفعة المتعالية، وهى عندنا - كمؤمنين بالثالوث - هى الصفة الإلهية للاب والابن والروح القدس وهى ليست مجرد الانفراد والعزلة عن الخطية، أو الكمال الأدبى المطلق، بل هى - أكثر من ذلك - السمو المرتفع الذى ينفرد به اللّه وحده!!.. وهذه القداسة هى التى لا يمكن أن تتقابل مع الخطية أو تتهاون معها،.. والخطية هى القذارة والاتساخ والبرص، ولهذا صرخ إشعياء فى التو والحال: « ويل لى إنى هلكت لأنى إنسان نجس الشقتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينى قد رأتا الملك رب الجنود » " إش 6: 5 "... والخطية هى العصيان: « ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا على ّ » " إش 1: 2 " وهى المرض: « من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية. لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت ».. " إش 1: 6 " وإشعياء يؤكد أن عقابها رهيب، وأن يوم اللّه لابد أن يقضى على الخطية والخطاة. الإيمان باللّه والإيمان، عند إشعياء، يرتبط بالسكينة والهدوء، والاطمئنان والأمن: « إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا » " إش 7: 9 " « من آمن لا يهرب » " إش 28: 16 " « لأنه هكذا قال السيد الرب قدوس إسرائيل بالرجوع والسكون تخلصون بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم » " إش 03: 51 ".. وهو الذى يعطى الإنسان السلام العميق فى وسط زوابع الحياة وعواصفها!!.. خلاص اللّه وقد رأى إشعياء عمانوئيل، والابن العجيب، الإله السرمدى، يتدخل بالخلاص فى حياة الأمة، ويكفى أن نركز أبصارنا آخر الأمر على الأصحاح الثالث والخمسين من سفر إشعياء،.. وقد صاح جيروم عندما بدأ فى ترجمته من العبرانية إلى اللاتينية وهو يقول: « بالتأكيد إن هذا الأصحاح من مبشر فى العهد الجديد أكثر منه من نبى فى العهد القديم!!.. وقال ديلتش العالم الألمانى العظيم فى اللغة العبرانية والمفسر المشهور فى القرن التاسع عشر: « إن الأصحاح الثالث والخمسين من سفر إشعياء، يبدو كما لو أن كاتبه كتبه وهو تحت الصليب فى الجلجثة... إن هذا الأصحاح هو الأصحاح المركزى، إنه أعمق وأسمى أصحاح، فى العهد القديم »، وقد حاول البعض أن يعتبره موجهاً إلى إسرائيل ورمزاً له، لكن هؤلاء لم يستطيعوا أن يفسروا كيف ينطبق هذا على إسرائيل فى الأوضاع المختلفة، وهو يشير إلى فرد بوضوح لا يقبل شكاً، بل إن هذا الأصحاح يتحدث عن شخص سيكون ضحية لأجل آخرين وإسرائيل لم يكن فى يوم من الأيام هذه الضحية،.. إن هذا الأصحاح هو حديث عن المسيح لا سواه!!.. ولعله من الملاحظ أن الجزء الأخير من الأصحاح الثانى والخمسين، وهو مرتبط تماماً بالأصحاح الثالث والخمسين، قد تحدث عن مجد المسيح، قبل أن يتحدث عن اتضاعه، وهو يرينا الحقيقة المؤكدة قى قصد اللّه الأزلى، أن الصليب سينتهى إلى المجد، وهذا المجد ليس أكيداً فحسب، بل هو عظيم ورائع أيضاً!!.. فإن نصرته ستكون حاسمة، وستسكت الملوك والأمراء والأمم والأجيال!! ومن المؤسف أن إسرائيل كثيراً ما رفض أن يصدق ما أعلنه الرب، وأظهر به ذاته وذراعه،... وقد نبتت آلام عبد الرب أو المسيح من مولده فهو العود الرطب الذى نبتت فى الأرض اليابسة، وجاء من أم فقيرة قروية، ولم يكن له أين يسند رأسه، ومع أنه أبرع جمالا من بنى البشر، إلا أن الحياة القاسية التى وجد فيها، لم تجعل الناس يتطلعون إليه ليبصروا جماله أو يشتهوا منظره... إن مأساة البشر أنهم ينظرون إلى الجمال عندما تحف به المظاهر الخداعة، والأوضاع الشكلية،.. وعندما جاء المسيح إلى أرضنا خلواً من هذه المظاهر احتقره الناس، ولم يحتقروه فحسب، بل خذلوه أيضاً، أو فى لغة أخرى، إن الاحتقار لم يكن سلبياً ساكناً فحسب، بل أكثر من ذلك كان متحركاً موجعاً، قد يحتقر إنسان آخر دون أن يتعامل معه، ويظل احتقاره تعبيراً دفيناً فى القلب، ولكن المسيح لم يحتقر فحسب، بل خذل من الناس الذين رفضوا مجيئه ونداءه ورجاءه وشركته. وقد تحول هذا إلى وجع عميق فى قلبه. وإلى حزن عميق فى نفسه، فحوله إلى رجل أوجاع ومختبر الحزن. وما يزال المسيح إلى اليوم يعانى من هذا الوضع من الكثيرين فما يزال الكثيرون يحتقرونه، ويخذلون آماله فيهم، ومايزال يبدو أمامنا، وقد رفضه الناس، رجل الأوجاع والخبير بالألم والحزن العميق. ومن الملاحظ أن النبى كشف عن الألم النيابى للمسيح، إذ أن الذين رأوا الألم فى ظاهره ظنوه ألماً أصيلا أو عقاباً: « ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من اللّه مذلولاً ».. " إش 53: 4 ".. لكن الأمر لم يكن كذلك، بل كان الألم النيابى الذى يحمله إنسان لأجل آخرين، وقد حمل المسيح أحزان الناس وأوجاعهم، إذ رفعها عن كاهلهم، لقد جال هو فى أرض فلسطين، ورأى المرضى والمتألمين والحزانى، فرفع عنهم أحزانهم وأوجاعهم ومراضهم وفى سبيل ذلك تعب هو وتوجع وأن... على أنه فى المعنى الأعمق، حمل عنا أوجاع الخطية وشرها وإثمها على الصليب، ولم تكن الآلام النيابية آلاماً هينة، بل كانت فى منتهى القسوة والعنف، فهو لم يجرح من أجل معاصينا فحسب، بل سحق أيضا بالحزن والعار الذى كسر قلبه...، ولم يؤدب، بل ضرب بالسياط، وقد كان هذا من أجلنا نحن العصاة الأثمة المتمردين، ولم يكن هناك من سبيل إلى الخلاص من عصياننا وشرنا وتمردنا والعودة إلى السلام والصحة، إلا بآلامه من أجلنا، فهذه آلام كفارية تكفر عنا أمام اللّه، وفى الوقت نفسه مطهرة تشفينا، وتعيدنا إلى صوابنا عندما نقف أمام آلامه من أجلنا!!... لقد ضللنا وأثمنا، ولكنه كان هو حمل اللّه الذى يرفع خطية العالم!! على أنه من الواضح أيضاً أن آلام المسيح لم تكن قهراً أو رغماً عنه، قد يؤخذ الجندى ليموت من أجل بلده، ولكنه يؤخذ فى كثير من الأحايين قهراً، أما المسيح فقد كان موته اختيارياً تطوعياً. ظلم فقبل الظلم والمذلة، دون أن يحتج أو يشكو، ولقد كان مثلا عجيباً فى تحمل الضغط والدينونة عندما حكم عليه، وهكذا بدا فى موته عظيماً، لأنه تطوع بهذا الموت لأجل الآخرين!!.. ومن العجيب أن تكون هذه الآلام برضى اللّه وسروره، إذ سر بأن يسحقه بالحزن، وقد سر اللّه بهذه الآلام إعلاناً عن محبته للخطاة، وتأكيداً للنصر الذى سيتأتى عنها، وقد كانت هذه مشورة الرب لخلاص البشر!! كان إشعياء - كما أسلفنا - يعنى « خلاص الرب » وقد أدنانا - فى حديثه عن سيادة الرب، وقداسته، والإيمان به - من الخلاص العجيب الذى أعده لنا اللّه كاملا على هضبة الجلجثة، والذى يدعونا إليه بقوله العظيم الكريم: التفتوا إلى واخلصوا يا جميع أقاصى الأرض لأنى أنا اللّه وليس آخر »..!!.. " إش 45: 22 ".
المزيد
05 يوليو 2020

الخادم وخدمة المفقودين (1)

في كل خدمة توجد فئات متنوعة من المخدومين، ولو افترضنا تقسيمهم بحسب الحضور نجد منهم: المواظبين، والمترددين، والبعيدين.. ولكن توجد فئة أخرى وهي المفقودون، وهم الذين اختفوا تمامًا، وللأسف ربما نسيناهم.وذلك يرجع لأسباب كثيرة.. ربما ابتعدوا عن الله وجذبتهم ضعفات متنوعة، أو تركوا البلد أو المنطقة، أو وجدوا صداقات في أماكن أخرى، أو ارتبطوا بعمل في أماكن بعيدة... وربما أُعثِروا في شخص أو وضع.. والأخطر: ربما طُرِدوا لسبب أو لآخر... كل هذا مطروح طالما هم في دائرة اهتمامنا، ويجب افتقادهم ومتابعتهم. أمّا في حالة نسيانهم وتركهم، هنا يُعَدّون من المفقودين... ومهما كان سبب ابتعادهم، لا نخلي مسؤليتنا من خدمتهم، فقد تعلمنا من مخلصنا الصالح وراعي الخراف الحقيقي إذ قال: «لم أُرسَل إلّا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة» (مت15: 24)، وقد تنازل وأتى إلينا لكي يطلب ويخلص ما قد هلك (لو19: 10). لذلك علّمنا بأمثال ثمينة ليقرّب لنا معنى المفقودين والبحث عنهم، في مثل الدرهم المفقود والخروف الضال، وكذلك في طلب وترقُّب واستقبال الابن الذى كاد يُعَد مع المفقودين.وهنا يعلمنا ألّا نسكت على فقدان أحد، بل نتذكره دائمًا ونترقب عودته كل يوم، ونوقد سراجنا، ونحضر أصحابنا، ونترك التسعة وتسعين لنبحث عن الواحد... فقد قيل عنه ليس عنده خسارة إلّا هلاكنا... علينا أن نوقد سراجنا ونكنس البيت ونبحث ونطلب الذين فُقِدوا داخل البيت (الكنيسة).. وهنا نتعجب! أيوجد داخل الكنيسة مفقودون؟نعم! فهناك من هو بعيد عن الكنيسة مكانيًا ولكنه قريب قلبيًا، وهناك من هو قريب مكانيًا وبعيد قلبيًا.. فلا نطمئن لمجرد وجود البعض أمام أعيننا بالكنيسة، فهناك من هم داخل أسوار الكنيسة وللأسف هم أبعد ما يكونوا عن جوهر عمل الكنيسة. هؤلاء يحتاجون أيضًا إلى من يفتش عنهم ويجتذبهم، وقد يكون جذبهم أصعب ممن هم خارج الكنيسة.وأيضًا نخرج خارج البيت لنبحث ونفتش باجتهاد عن كل نفس تائهة، ونخرج من الحظيرة ونفتش عن الخروف الضال الذى قيل عن الراعى إنه أضاع واحدًا منها( لو15: 4)، أي نسب الضياع للراعي وليس للخروف، فمعروف عن الخروف عدم الفهم وضعف البصر.أمّا من زاغوا وعاندوا وباعوا نصيبهم، فلنذكرهم باكين، ونصلي لهم، ونترقب رجوعهم، ونفتح الأبواب ونعد الوليمة والحلة والحذاء والخاتم لاستقبالهم، فهم أبناء ولهم حق الميراث وإن لم يكونوا في البيت. ولنصلِّ إلى راعي النفوس الأعظم: نطلب اليك عن كل درهم فُقِد، فهو درهمك وإن لم يكن موجودًا في كيسك.. وكل خروف ضائع، فهو خروفك وإن لم يكن موجودًا في حظيرتك.. ومن أجل كل ابن ترك البيت، فهو ابنك وإن لم يكن موجودًا في بيتك.. هم لك، هم ملكك، معدودون عليك وإن لم يكونوا معك.. فاطلبهم أنت، واستردهم بصلاحك يا راعي الخراف الأمين، لأنك لازلت تسأل ليس من يجمع التائهين (إر49: 5).. سامحنا على تقصيرنا، لأننا قد أهملنا ونافقنا. القس أنطونيوس فهمى - كنيسة القديسين مارجرجس والأنبا أنطونيوس - محرم بك
المزيد
17 يناير 2020

التجسد الإلهي

استهل القديس ساويرس المقال بمقدمة طويلة ابدى فيها وهو البطريرك الراسخ والعلامة القديس والعبقري اللامع الذي طبقت شهرته مشارق الارض ومغاربها تهيبه من الخوض من الخوض في الحديث عن جلال الاحداث التي وقعت عند ميلاد المسيح. يقول للشعب المؤمن في ذلك الزمان:- لقد احتفلت مرتين بهذا العيد معكم ولم يكن بياني قاصراً عن ان يمد المؤمنين بالغذاء الروحي بل كانت الكلمة غنية جداً من هذه الناحية. وتتوقعون بمشاعركم التقية كلمات وفيرة متواضعة تتناولونها بالتأمل فيمكنكم تحليلها فيما بينكم لكي ترفعوها الى علو لائق بالله ثم انتقل الى الكلام عن الكيفية التي تأتي بها الثمار. فكما ان الارض الخصبة التي يعني يزرعها تغل بعد البذار سنبلاً مرتفعاً مليئاً هكذا الروح التي ترعاها القيادة الحسنة والمتدربة على الايمان حسب الارثدوكسية. ثم يحث القديس المؤمنين قائلاً إن ثقتي الكبيرة فيَّ ان تحضروا بنفس الحماس بعد ان فتحتم لي قلوبكم وتقبلتم هذه الافكار تقبلاً حسناً. وتتدفق المعاني البينات (لا اخشى بعد) إن ارادة الله تقودني الى الاحتفال بالعيد الحالي للمرة الثالثة لو كان الحديث معاداً تزدرون بهذه الوجبة مثلكم مثل الذين يتناولون اصنافاً من الطعام معدة من اليوم السابق، ولو انتهجت نهجاً جديداً فإني اخشى عندما اغوص الى عمق النظريات ألا اجد نهاية. ومع ذلك فلأن الذي نتطلع اليه في الاحتفال الحاضر هو الغني القدير فلا يجب ان تتواني بل تطلب منه نحن الضعفاء فهماً حياً وكلمة حيّة فهو يعطي الكلمة للذين يبشرّون بسر الديانة الكبير بقوة عظيمة( الرب يعطي كلمة لمبشرات بها جند كثير) (مز68: 11) وبما ان الكلمة لي فسوف أعالج الموضوع الحاضر على نحو ما تضرب الارض الذهبية بالمعول. وبعد ان استخلص اليسير اتناوله بالبحث وافصله تفصيلاً ليكون منه موضوعاً ذهبياً خطيراً هلا تتداولها الالسنة تلك الاحداث التي وقعت عند ميلاد المسيح؟ من الذي يحول دون فيض ينابيع الكلام الغزيرة؟ ان الحديث عنه اجل من كل قول. ولو تركت للساني العنان يسمو نحو ما يتعلق بجوهر الله الكلمة او كنت اطير واحلّق دفعة واحدة بقدرة معبرّاً بالألفاظ عما في خاطري، فأحسبني قد ارتفعت عن الارض بقدر ما يرتفع العصفور الصغير الذي يبدأ في الطيران من عشه منذ اللحظة الاولى. فهو يستطيع ان يطير في استطاعته ان يطير في الاجواء العليا. وهكذا الحال بالنسبة لنا فعلى قدر اقترابنا من العلو نعرف الى أي حد نحن بعيدون عنه. واني إذا جعلت عيني على عمق تنازله وتجسده المملوء محبة للبشر الموقن اني لو جاهدت لأهبط دفعة واحدة بروحي الى عمق ليس له حدود يعتريني الوهن والكلل. كالسابح في بحر او الناظر من اعلى قسم الصخور. ان قسوة البصائر لتقصر عن إدراك العمق المنيع، نعم انها تقصر عن الخوض في مناقشته هذه المسائل. وحينما نذهب الى التأمل في تنازل الله الكلمة فبعد موجات هائلة من الالفاظ والافكار تصل الى ما قاله سليمان الحكيم: ( كل هذا امتحنته بالحكمة قلت اكون حكيماً. اما هي فبعيدة عنّي. بعيد ما كان بعيداً والعميق العميق من يجده) (جامعة7: 23- 24) اجل من ذا الذي يستطيع بذهنه ان يجمع بين وجهتي النظر القائمتين دفعة واحدة فيجمع بين الارتفاع والعمق؟ ان الكتاب الالهي يقول عنه انه ( فوق كل رئاسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل ايضاً) (1اف1: 21)هو الكائن قبل كل الاشياء الذي به يوجد الكل، وهو الذي نزل الى العالم. ظهور الله الابدي:- نزل الى اماكن الدنيا، في الارض باتحاد إقنومه بجسدنا ونفسنا العاقلة من لا ينبض قلبه او لا يأخذه العجب، في رجفة متعجباً وفي صمت يعطي مجداً وهو غير محتاج، انه غني وكامل، تنازل من اجل خلاصنا فتجسد واحتمل في جسده الالام التي قبلها لأجلنا حتى الصليب يا للعجب! إن من يملك وحده الابدية. النور المشّع، شمس البر، بيننا نحن الذين بخطيئتنا جلبنا العار على جبلتنا الاولى الالهية، فسقطنا من مسكننا الاول، اعني الفردوس المفروش في الشرق، ونُفينا الى الغرب فأصبحنا بعيدين تماماً عن النور الالهي، بسببنا ظهر في المشرق بعد ان اشترك بطريقة عجيبة في كياننا- اشترك في بذار ابراهيم، ونما حسب الجسد من اصل يسّى وداود وهكذا ظهر للذين كانوا جالسين في ظلمات الجهل وظل الموت. النبوات عن الظهور:- بشّر ارميا النبي قبل الوقت بهذا الظهور العجيب الذي يليق جداً بالله قائلاً: (ها ايام تاتي يقول الرب واقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويجري حقا وعدلا في الارض. في ايامه يخلص يهوذا ويسكن اسرائيل امنا وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا) (ار23: 5-6) ان هذه النبوّة تختص بلا نزاع بالمسيح، هذا ما يقوله كل المشتغلين بالكتاب المقدس، حتى ولو جزئياً. لانه بعد داود لم يملك اي ملك صديق، نظراً لان كل الذين خلفوا داود كانوا مذنبين، باستثناء حزقيا ويوشيا، وهما اللذان تنبّأ بعدهما ارميا بهذه النبوة. فقبل الكلمات التي ذكرناها، كان يقول عن يكنيا (كيناهو) الذي ملكاً بعد وفاة يوشيا ومن جهة اخرى فإنه من المؤكد تماماً ان كلمات النبوة تنحدر الى الزمن التالي والزمن المستقبل. ومع ذلك فإن الاسم ( غصن بر) لن يُعطى بجدارة لأي احد آخر من الذين تملكوا سوى المسيح، فهو شمس البر الذي جعل اشعة معرفة الله تضيئ لنا، كما مارس ايضاً العدل والحق على الارض حينما بسط على كل الارض نواميسه ذات العدالة العليا المطلقة، وفي ايامه ايضاً خلص يهوذا وسكن يعقوب في امان في الواقع ان فترة انقسام الشعب الى قسمين اسرائيل ويهوذا منذ زمن الملك سليمان ما تزال حتى النهاية، فهناك مملكتان منفصلتان. لكن بصفة عامة كل الذين كانوا منفصلين قد خضعوا واطاعوا على حد سواء بشارة المسيح وملكوته واخذوا نيراً واحداً وعلى اي حال فإنه بسبب يهوذا ترجمته ( المعترف) وبسبب اسرائيل الذي ترجمته ( العقل الذي رأى الله) يطلق يهوذا الذي خلص على اولئك الذين في الوقت الحالي قد اقتربوا من الانجيل وهم في منزلة المعترفين، وندعو اسرائيل الساكن في امان على اولئك الذين آمنوا وجاوزوا مرحلة التأمل، فهم بذلك يعرفون الله او يرونه. وعم ثابتون بالمعرفة آمنين وكأنهم يسكنون ويستريحون فيما عرفوه وهذان الفريقان يؤلفان جسد الكنيسة الوحيد، وهما موضوعان تحت سلطان المسيح وحده الذي يعلن عنه ارميا النبي ايضاً بجدارة انه يدعى يهو صادق وهو ما معناه في الترجمة اليونانية ( بر الله) والمسيح هو بر الله الآب وهو ايضاً الحكمة والقدرة. إسمع بولس الرسول الذي يكتب لأهل كورنثوس: ( ومنه انتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبرّاً وقداسة وفداء) (1كو1: 30) حينما تنبّأ ارميا بهذه النبوة عن يسوع قائلاً: ( سوف يدعى يهو صادق) ( بر الله) عُرف بدقة تامة وبوضوح تام من هو الذي يتنبأ عنه من بين كلماته وكأنه يرى بعينيه ذاتهما ايضاً، فاستنار بظهور ذاك الذي كان حينئذ آنياً وهو الذي نراه الان وهكذا في فرحة صرخ قائلا: ( انه في الانبياء) وهو يشير اليه كما بالاصبع قائلا: ( انه هو الذي كان في الانبياء والذي اوحى اليهم والذي جعلهم بطرق مختلفة يعلنون هذه النبوات المتعلقة بشخصه ذاته بخصوص ذلك الظهور، ظهور الله الكلمة الذي تأنس لأجلنا، يقول زكريا النبي ايضاً بطريقة إلهية تماماً: (وكلمه قائلا هكذا قال رب الجنود قائلا هوذا الرجل الغصن اسمه ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب) (زك6: 12) يا لعظمة دقة النبوة من الذي لا يسبّح ذلك الذي نطق بوضوح بهذه الكلمات قبل سنتين عديدة بواسطة خدامه ذاته الذي في آخر الايام حقق الكلمات التي قيلت قبل الوقت؟ ( اسمه شرق) يقول النبي فعلاً انه نور الارب. (وكان النور الحقيقي الذي ينير كل انسان اتيا الى العالم) (يو1: 9). لذلك دُعي باسم لائق. فإن من خواص النور والشمس ان ينيرا من الأعالي ويسلّطا اشعتهما على الكون لإضاءته واشراكه في الضوء الذي ينبعث منهما. وان شمس البر، النور الذي لا يدني منه، ( الذي وحده له عدم الموت ساكناً في نور لا يدنى منه) (1تي6: 16). اخذ على عاتقه ان يتجسد ويتأنس لأجلنا، اشرق لنا حينما اخذ شكل العبد وتنازل هو نفسه بإرادته قد اشرق لنا. وقد تنازل هكذا متواضعاً جداً واظهر ذاته قليلاً قليلاً وانارنا بكل لاهوته لذلك حينما بشّر زكريا مقدماً بهذا العجب قال (قائلا هوذا الرجل الغصن اسمه ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب) (زك6: 12) وقد شرح داود هذه الفكرة بطريقة اخرى حينما تكلم عن هذا الاشراق الذي يحدث في الدنيا فقال اشرق من المغرب. (في الظلمة). ويصبح هو ايضاً مع يوحنا المعمدان الذين كان يتعيّن عليهم ان يصيروا شهوداً لاشراقه: ( اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة) (مت3: 3)، (مر1: 3)، (لو3: 4)، فيقول داود: (اعدوا طريقاً للراكب في الغفار باسمه واهتفوا امامه) (مز68: 4) في الواقع ولو انه حجب مجده الخاص حسب التدبير الالهي إذ اشرق في الظلمة، إلا انه مع ذلك الرب. لانه حتى حينما صار انسانا لم يتخل عن كونه رب و الاله. وفعلا لو ان المرنم اعلن ان الشمس تشرق في الظلمة، فإنها لن تصير نفسها مظلمة، بل العكس يبين ذلك ان في الغرب ( او في الظلام) كان الضوء المشرق. وبنفس الطريقة إذ كانت حالتنا غاربة وكانت سوداء من جراء الخطية محرومة من العمل الالهي، فقد جعلها كلمة الله مشرقة حينما بارك عبورنا الى هذه الحالة الجديدة حيث صرنا نفيض عدلاً وطهارة ونتزين بالفضائل الاخرى، بتجسده الذي صنعت اعمال النور وكل ما هو خير بين البشر اذا اراد ملك ان يذهب الى مدينة صغيرة غير معروفة وعاجزة تماماً عن احتمال مجيئه، فإنه في الغالب يجعل نفسه صغيراً ويزيل عظمة كبرياء المظاهر والمجد الذي يحيط به لكي يصير محتملاً من هذه المدينة. ولكنه رغم ذلك لا يستطيع إلا ان يدخل كملك متنازلاً بصفة عامة عن مظاهر رتبته. هكذا ايضاً ابن الله، كلمة الاب الغير مدرك، الابدي اراد ان يأتي في صورة بشرية في هذا العالم وهو عنده على حد تعبير احد انبيائه كنقطة يملأه بطريقة إلهية (هوذا الامم كنقطة دلو وكغبار الميزان تحسب هوذا الجزائر يرفعها كدفة) ( اش40: 15). على قدر ما كان ذلك مستطاعاً، فقد تواضع تواضع من مجده الذاتي وجاء الى الاهانة ففي ذلك فعلا اخلى ذاته واصبح هكذا ممكناً الوصول اليه- وبأسلوب لا مثيل له، وبطريقة فائقة خاصة تسمو على كل الطرق الاخرى، دخل الى عالمنا من باب إلهي ملكي، يعني من البتولية، بميلاده في الجسد من الروح القدس ومن العذراء مريم والدة الاله. الخلاص والتجديد:- هذا الميلاد الفائق بدون بذار، الذي به اتى المسيح من سبط يهوذا الذي كانت مريم تنحدر منه بعائلتها، تنبأ عنه يعقوب اول الاباء في بضع كلمات تحوي كل غنى هذا السر قائلاً: (يهوذا شبل، انه من جنسي، يا ابتي، قد صعدت، انه يدعو المسيح شبلاً لانه يملك الرتبة الملكية ويملك المناعة وفي الجسد يأخذ الجنس من سبط يهوذا. وقد اعترف لأجلنا (نحن الذين ليست لنا اية حرية لدى الله) قائلاً: (في ذلك الوقت اجاب يسوع وقال احمدك ايها الاب رب السماء والارض لانك اخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للاطفال. نعم ايها الاب لان هكذا صارت المسرة امامك) (11: 25-26) ان كلمة ( يهوذا)، كما قلنا، معناها ( المعترف). فكان يقول، وهو يتأمل في ذاك الذي اعترف لأجلنا بعينه اللتين تريان المستقبل قبل الوقت بالرغم من بعد المسافة: (انه من جنسي يا ابني قد صعدت)، مطلقاً جنسه ذاته على القديسة العذراء التي منها اتى المسيح ونما بدون بذار اين هم إذاً، عند سماع هذه الكلمات انصار حماقة افتيخوس؟ افلا ينضمّون حتى الى اول البطاركة الذي يقول: انه من جنسي يا ابني قد صعدت؟ لتستهزئ بحمقاتهم وتعترف بأن جسد المسيح المقدس هو من جوهرنا ان مريم فعلاً هي من جنسنا وكذلك يعقوب ابوها الاول، لأننا مكونون من طينة واحدة كما يقول سفر ايوب: (هانذا حسب قولك عوضاً عن الله انا ايضاً من الطين تقرضت) (اي33: 6)الذي خلق وكوّن جاء ليصلح ويخلق من جديد، ليست خليقة اخرى، لكن تلك الخليقة التي كانت قد سقطت وخضعت لفساد الخطية، وذلك بواسطة التجسد الالهي، حينما القى بنفسه مثل خميرة في كل مجموع الجنس البشري، وصار آدم الثاني وخلصنا بقيامته وجعلنا نعبر من الحالة الارضية الزائلة الى الحياة السمائية الغير فاسدة. أفلا تشعرون انكم تحرمون البشر من الخيرات التي من هذا النوع وتجعلونهم غرباء عم هذا التجسد الذي يعين به من سقطوا؟ أتظنون لنه يمكن ان يصيب جسدنا دنس وهو متحد بالله الكلمة؟ إنه لا يوجد سوى شيء واحد يمكن ان يدنس، انه فساد الخطية. الخليقة طاهرة:- واين يكون اثر للخطية، حيث تجسد الله الكلمة بدون استحالة بحيث الام عذراء حتى بعد الولادة، وحيث ينزل الروح القدس، لا تعرف رجلاً والميل الجسدي مرفوض تماماً وغير موجود لماذا تتغاضون عن كل هذه النفخات الطاهرة ذات الرائحة الالهية الزكية وتتصرفون عما هو ذكي يسر شذاء الانفس، فتنحدرون في وحل افكاركم الغير نقية، ولا اقول وحل طبيعتنا، لانه لو كان لحمنا غير طاهر، لما كان يجب ان يكونه منذ البدء ايضاً ذاك الذي صنع كل الاشياء جميلة وجيدة وحسنة جداً. لكن ان كانت هذه الخليقة طاهرة ولم تسبّب لجابلها ضرراً او دنساً، فكيف لا يكون التشكيل الثاني اطهر؟ وكيف لا يكون، مع عظم الفارق، هذا التشكيل الذي به اراد الخالق تعالى ان يظهر نفسه في الجسد لائقاً بالله اكثر؟ لكن احذروا من ان تلقوا بنا بهذا الاسلوب في روايات المنيكيين الخرافية، فإن من حسب الجسد خارج السر غير طاهر، فقد تصور ان له ايضاً خالقاً آخر، كما كانوا يفعلون. انهم في الواقع يستحقون الرثاء لسبب مزدوج فهم يسرقون ويسرقون. اما نحن فإننا نؤمن بأن الذي قال بخصوص خرافه: (السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك. واما انا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم افضل) (يو10: 10). يستطيع كذلك ان يجعلكم تستردون خيراتكم، لأنكم سرقتم وخسرتم، ويجعلكم تحييون، لانكم كنتم فعلاً ضحايا عدم الايمان وقول بولس الرسول من ناحيته يتفق مع كلمة يعقوب: (انه من جنسي يا ابني قد صعدت). فهو يكتب الى اهل غلاطية بهذه العبارات: (ولكن لما جاء ملء الزمان ارسل الله ابنه مولودا من امراة مولودا تحت الناموس. ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني) (غل4: 4-5). القديس ساويرس بطريرك أنطاكية وللحديث بقية
المزيد
08 سبتمبر 2020

علامات المجيء الثاني ونهاية العالم كالآتي ج4

5 - الأوبئة انتشار الأوبئة بكثافة في العالم (لو11:21) ؛ حدثت الأوبئة وتحدث أيضا منذ القدم لأسباب عديدة خاصة في أيام الجفاف التى كانت تمر به بعض البلاد قديما وحديثا وفى أيام الحروب نتيجة لموت أعداد كبيرة من البشر بسبب القتال أو بسبب الجوع الذي كان يحدث نتيجة لحصار المدن لمدة شهور وسنين ، خاصة وباء الطاعون . وفى العصر الحديث تزداد الأوبئة كل عام في تنوعها ودرجة خطورتها ، سواء بسبب الحروب التى هي السبب الرئيسي والأول لانتشار الأوبئة مثلما حدث في رواندا فقد مات أكثر من 100,000 ( مائة ألف ) شخص بوباء الكوليرا أثناء هروب اللاجئين إلى زائير ، كما مات الألوف أيضا في البوسنة . ومن أخطر ما ظهر بسبب الحروب ، أيضا ، الأسلحة البيولوجية والكيمائية التي تدمر الإنسان إلى جانب الأسلحة الذرية والنووية ، ويرى العلماء أن الحرب العالمية الثالثة ستكون أسلحتها الأساسية هي الذرية والنووية والبيولوجية والكيمائية وهذا معناه كارثة لا يعلم مداها إلا الله وحده وتنوعت الأوبئة في العصر الحديث من الكوليرا والأنفلونزا الأسبانية التي مات بسببها الكثير في النصف الأول من القرن العشرين إلي الإيدز AIDS الذي ينتشر الآن بكثافة في آسيا ، خاصة جنوب أسيا ، أكثر من جزء آخر في العالم ، والذي ينتقل إلى الإنسان بسبب الخطية بالدرجة الأولى ، فهو ينتشر بسبب الجنس غير الشرعي والشذوذ الجنسي والمخدرات ، خاصة التي يتعاطاها المدمنون عن طريق الحقن وقد أصاب الفيروس في العشرين سنة الماضية حوالي عشرين مليون شخص معظمهم في أفريقيا ، ويقدر العلماء أن عدد المصابين بالإيدز سيصل إلى أربعين مليون شخص بحلول سنة 2000م ، ويقول كتاب منظمة الصحة العالمية الصادر سنة 1992 م أنه سيموت أربعة وعشرون مليون مصاب بالإيدز فيما بين 1980 و2000م ، والالتهاب الكبدي الوبائي والفشل الكلوي والملاريا …الخ وظهر حديثا الوباء الذي بسببه فيروس الإيبولا Ebola الذي يتحرك في الدم ويجعل الضحية ينزف حتى الموت . وذلك إلى جانب تلوث البيئة وتلوث الماء ومصادر الطعام بسبب نفايات وعادم السيارات والتفجيرات الذرية والنووية ونفايات وأبخرة بعض الصناعات أو بسبب التصحر ونقص الغابات وكذلك المبيدات الحشرية وغاز الفريون وثقب الأوزون . ونسمع ونقرأ في هذه الأيام عن المطر الحمضي والسحاب المشع بسبب تسرب الإشعاعات والغازات القاتلة من مصانع الذرة والمواد الكيمائية . 6 - الزلازل وتكون " زلازل عظيمة في أماكن كثيرة (مت7:24؛مر8:13؛لو11:21) . ارتبط زكر الزلازل في الكتاب المقدس سواء في حديث الرب يسوع الأخروي أو في الرؤى الإلهية مثل رؤيا القديس يوحنا ورؤيا اشعياء النبي بالحضور الإلهي والمجيء الثاني للسيد المسيح ونهاية العالم ؛ " الرب قد ملك ترتعد الشعوب هو جالس على الكروبيم تتزلزل الأرض " (مز 99 : 1) ، " ليتك تشق السماوات وتنزل من حضرتك تتزلزل الجبال " (إش 64 : 1) ، " هكذا قال السيد الرب لصور أما تتزلزل الجزائر عند صوت سقوطك " (حز26 : 15) ، " فحدثت أصوات ورعود وبروق وحدثت زلزلة عظيمة لم يحدث مثلها منذ صار الناس على الأرض زلزلة بمقدارها عظيمة هكذا " (رؤ 16 : 18) .وقد حدثت الزالزل في أماكن كثيرة عبر التاريخ البشرى ومن هذه الزلازل ما حدث أيام الرسل في لاودكية سنة 61م وفى بومبى سنة 62م ولكن يزداد حدوث الزلازل في القرن العشرين بدرجة مخيفة فقد بلغ عدد الزلازل في القرن الرابع عشر 137 زلزالاً ، وفى القرن التاسع عشر 2119 ، أي بزيادة قدرها 1806 زلزال . ومنذ سنة 1940م تحدث الزلازل بمعدل مرة أو مرتين وأحياناً ثلاثة في اليوم الواحد . ويذكر اثنان من أساتذة جامعة ستانفورد في كتابهما " تيرانون فيرما " تفاصيل عن 164 من " زلازل العالم المهمة " على مدى 3000 سنة مضت ، وقد حدث 89 منها ، أي بنسبة 54,25% ، أكثر من النصف ، منذ سنة 1914م ، وقد أهلكت ما يقدر ب 1,047,944 . ومنذ صدور هذا الكتاب سنة 1914 فقد حدثت زلازل مدمرة في بلاد كثيرة مثل شيلى والاتحاد السوفيتي والمكسيك ومنطقة الشرق الأوسط . وتقول مقالة عن الزلازل صادرة من فيلادلفيا عن زيادة عدد الزلازل التي تزيد في قوتها عن 6 رختر ؛ أنه كان هناك 9 زلازل حدثت في الخمسينات و13 زلزالاً في الستينات ، وكان هناك 51 زلزالاً في السبعينات و86 زلزالاً في الثمانينات ، وأكثر من 100 زلزال حدثت في الفترة من 1990 إلى 1997م ، أي قفز العدد من 9 في الخمسينات إلى أكثر من 100 في منتصف التسعينات !! وقد يصل العدد إلى 200 سنة 2000م .ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أيضا أن مقدرة العلماء في العصر الحديث على اكتشاف هذه الزالزل وقياس درجتها وقوتها وتسجيلها أيضا تختلف تماما عما كان في العصور القديمة فلم يظهر أي مرصد لتسجيل الزلازل قبل سنة 1880م . 7 - الكوارث بصفة عامة فقد تميز هذا القرن بكثرة ما وقع فيه من كوارث وعلى سبيل المثال نذكر فقط ما ورد في الأخبار العالمية عن عام 1998م فقط ، فتحت عنوان " 1998 عام الكوارث الطبيعية ! " تقول جريده الأهرام في 29/ 11 / 1998 " واشنطن – أ .ف.ب : حطم عام 1998 الأرقام القياسية في مجال الكوارث الطبيعية ، وبلغ عدد ضحاياه ألان 32 ألف قتيل و 300 مليون مشرد ، وتسبب في أضرار مادية تقدر ب 89 مليار دولار . وأكد معهد " ورلد واتش إنستيتيوت " ، وهو منظمة بيئية ، أن الخسائر الاقتصادية للأعاصير ، والفيضانات ، والجفاف وغيرها من الكوارث الطبيعية التي تعرض لها كوكب الأرض طوال11 شهرا هذا العام تفوق بنسبة 48 ./. تلك التي تم تسجيلها عام 96 ، وبلغت 60 مليار دولار ، بينما لم تتجاوز الأضرار المادية خلال عقد الثمانينيات بأكمله 55 مليار دولار وقد وصفت سنة 98 بأنها دامية بشكل استثنائي .. وكان إعصار " ميتش " من أبرز الكوارث والأكثر دموية خلال القرنين الماضيين في منطقة المحيط الأطلنطي ، إذ بلغ عدد ضحاياه 11 ألف قتيل في أمريكا الوسطي ، بينما تلفت 95 ./. من المحاصيل الزراعية في هندوراس وحدها . وبلغت خسائر فيضان نهر يانجيستي بالصين 30 مليار دولار ، مما يضعها في المرتبة الأولى من حيث الخسائر المالية ، أما الخسائر البشرية فقد بلغت 3 آلاف و 700 قتيل ، واكثر من 223 مليون مشرد . كما وقعت بنجلاديش ضحية أكبر فيضانات تتعرض لها منذ بداية القرن الحالي ، إذ أغرقت ثلثي البلاد ، وأدت إلي تشريد 30 مليون شخص ، بالإضافة إلي خسائر تقدر بمليارات الدولارات . وتحمل المنظمة – التي أذاعت هذه الإحصائية – الإنسان ونشاطاته جانبا كبيرا من المسؤولية عن ارتفاع خسائر الكوارث الطبيعية. القمص عبد المسيح بسيط أبو الخيركاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد عن كتاب المجيء الثاني متى يكون وما هي علاماته؟ وللحديث بقية
المزيد
02 سبتمبر 2020

تعبير ابن الإنسان

استخدام عبارة ابن الإنسان في مناسبات تدل على اللاهوت : لاشك أن عبارة ابن الإنسان تعبر عن ناسوت المسيح ، كما أن عبارة ابن الله تدل على لاهوته . ومع ذلك فإن السيد المسيح استخدم عبارة ابن الإنسان في مواضع كثيرة نذكر منها :- 1- شرح أن ابن الإنسان موجود في السماء وعلى الأرض وذلك في قوله لنيقوديموس " ليس أحد صعد إلى السماء ، إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء " ( يو13:3 ) فمن هو هذا ابن الإنسان الذي نزل من السماء ؟ والذي هو من السماء ويكلم نيقوديموس على الأرض ؟ أهو الطبيعة الإلهية أم الطبيعة البشرية ؟ لا يمكن أن يكون هو الكلمة المتجسد . فهذه العبارة واضحة جداً في اثبات الطبيعة الواحدة . 2- وقال " إن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً " ( متى 8:12 ) فإن كان تعبير ابن الإنسان يعنى الطبيعة البشرية ، وفى نفس الوقت هو رب السبت أي الله ، إذن فقد اجتمع اللاهوت والناسوت معاً في تعبير واحد . وهذا دليل على وحدة الطبيعة . 3- قال إن ابن الإنسان له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا ( متى 6:9 ) بينما لا يغفر الخطايا إلا الله وحده . فهل الذي قال للمفلوج " مغفورة لك خطاياك " هو الناسوت أم اللاهوت ؟ أليس حسناً نقول إنه الكلمة المتجسد . 4- قال إن ابن الإنسان هو الذي سيدين العالم فهل الطبيعة البشرية هي التي ستدين العالم أم اللاهوت ؟ يقول إن ابن الإنسان سوف يأتى في مجد أبيه مع ملائكته . وحينئذ يجازى كل واحد بحسب عمله (متى 27:16). نلاحظ هنا أنه يقول ابن الإنسان وفى نفس الوقت يقول . " في مجد أبيه " أي يجمع بين كونه ابن الإنسان وابن الله في عبارة واحدة ، مما يدل على وحدة الطبيعة . ويقول ابن الإنسان مع ملائكته بينما تعبير ملائكته يدل على لاهوته وهكذا نرى هنا أن تعبير ابن الإنسان ، لايمكن أن يدل على الطبيعة الإنسانية وحدها ، ولا على الطبيعة اللاهوتية وحدها وإنما على وحدة الطبيعة أي الطبيعة الواحدة التي للكلمة المتجسد . 5- ونفس التعبير نجده في ( متى 25 :31-34) " ومتى جاء ابن الإنسان في مجده ، وجميع الملائكة والقديسين معه ، فحينئذ يجلس على كرسى مجده ويقيم الخراف عن يمينه ، والجداء عن اليسار . ثم يقول الملك للذين عن يمينه . تعالوا إلى يا مباركي أبى رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم " هنا ابن الإنسان ، وأبى في عبارة واحدة أي أن المتكلم هو ابن الإنسان ، وهو ابن الله في نفس الوقت . وابن الإنسان هو الذي سيدين العالم ، بينما الدينونة هي للابن ابن الله ( يو22:5) . وهنا وحدة الطبيعة واضحة . 6- وقال لرئيس الكهنه ( في محاكمته ) " من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة ، وآتياً على سحاب السماء " ( متى 26:63-65) . وفى ذلك قال القديس اسطفانوس وقت استشهاده " ها أنا أنظر السماء مفتوحة ، وابن الإنسان قائم عن يمين الله " ( أع 56:7) فمن هذا القائم عن يمين الله ؟ والجالس عن يمين القوة والآتي على سحاب السماء ؟ هو الطبيعة البشرية أم الطبيعة اللاهوتية ؟ لا نستطيع هنا أن نفصل أو نميز ، بل نقول أنها الطبيعة الواحدة طبيعة الكلمة المتجسد . 7- وهو كابن الإنسان يدعو الملائكة ملائكته والمختارين مختاريه إذ يقول " يبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير ، فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت ، فيجمعون مختاريه …" (متى 24: 29-31) وهنا كابن الإنسان يتصرف كإله ولا نستطيع في هذه العبارة أن نقول هنا الطبيعة البشرية وهنا الطبيعة الإلهية. فالمتكلم هو يسوع ابن مريم ، والمتكلم في نفس الوقت هو ابن الله ديان الأرض كلها ، الذي له سلطان على الملائكة يرسلهم . وله سلطان على البشر يجمع مختاريه من أقصاء السماوات إلى أقصائها . إنها طبيعة واحدة لا فصل فيها . 8- قال السيد المسيح أيضاً في حديثه مع تلاميذه " فإن رأيتم ابن الإنسان صاعداً حيث كان أولاً " (يو 62:6) المهم هنا في عبارة ( حيث كان أولاً ) . أي أنه كان أولاً في السماء . والمعروف طبعاً أن الذي كان في السماء هو اقنوم الابن . ولكن هنا لوحدة الطبيعة يقول عن ابن الإنسان ، ما يقوله عن اقنوم الكلمة ، لأنه هو الكلمة المتجسد وهذا يطابق أيضاً قوله لنيقوديموس عن ابن الإنسان ، إنه هو الذي نزل من السماء (يو13:3) ، بينما الذي نزل من السماء هو اقنوم الابن أي اللاهوت وبنفس هذا المعنى يقول بولس عن السيد إنه " الرب من السماء" ( اكو 47:15) . شهادة نصوص كتابية:- آيات كثيرة من الكتاب تثبت الطبيعة الواحدة : 1- شهادة من الله الآب نفسه يقول عن يسوع الذي يعمده يوحنا المعمدان " هذا هو ابني الوحيد الذي به سررت " (متى 17:3) وطبعاً لم يقل هذا هو ناس ، لأن ناسوته غير منفصل عن لاهوته لحظة واحدة ولا طرفة عين وعبارة (هذا) لا تطلق على اثنين ، بل على مفرد . وهنا تطلق على الطبيعة الواحدة التي للكلمة المتجسدة . 2- ونفس التعبير قاله القديس يوحنا المعمدان ، إذ أشار إلى المسيح وقال " هذا الذي قلت عنه إن الذي يأتى بعدى صار قدامى ، لأنه كان قبلي " ( يو1: 15،30) .فكيف يكون بعده وقبله ؟ إنه بعده في الميلاد الجسدي ، وقبله باللاهوت . ولكن المعمدان لا يفصل بين الناسوت واللاهوت ، وإنما يقول (هذا) الذي أمامي (الكلمة المتجسد) كان قبلي . واضح هنا وحدة الطبيعة . إن الذي يعمده هو نفسه الذي كان قبله . 3- يقول القديس يوحنا الإنجيلي " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب خبر " ( يو18:1) والابن الوحيد هو الله الكلمة ، الاقنوم الثاني ، فكيف أنه أعطانا خبراً عن الآب ؟ لاشك حينما تجسد . فهل الذي خبر هنا هو الناسوت ، إنه يقول عنه " الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب " بينما خبرنا ناسوته . وهذا دليل على وحدة الطبيعة . 4- ونفس الكلام يقوله نفس الرسول في رسالته الأولى " الذي كان من البدء ، الذي سمعناه الذي رأيناه الذي شاهدناه ولمسته أيدينا " ( 1يو1:1) . وإنه يقول عن هذا الذي رأوه ولمسوه إنه الذي كان من البدء أي الله : فكيف رأوا الله ولمسوه ، إلا إن كان هو الكلمة المتجسد . لأن الكلام هنا ليس عن الناسوت وحده ولا يلمس بالأيدي . 5- وبنفس المعنى نأخذ حديث السيد المسيح مع الرجل الذي ولد أعمى ومنحه الرب البصر . إنه يسأل من هو ابن الله ، فيقول له الرب " قد رأيته . والذي يتكلم معك هو" ( يو9 :35-37) وابن الله هو الله الكلمة أي اللاهوت . والذي يتكلم معه أهو الناسوت ؟ لا يمكن أن يكون الناسوت وحده لأنه يقول له إنه هو ابن الله . إذن فهو الله المتجسد ، الذي ظهر في الجسد ( 1تى 16:3) . 6- يقول القديس بولس الرسول عن بنى إسرائيل حينما كانوا في برية سيناء " وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً ، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم ، والصخره كانت المسيح " ( 1كو 4:10) والمعروف أن بنى إسرائيل هؤلاء ، كانوا في برية سيناء قبل ميلاد المسيح بأربعة عشر قرناً . فكيف يكون معهم يرتوون منه ؟إلا لو كان يتكلم عن الطبيعة اللاهوتية التي هي الله الكلمة . والله الكلمة لم يصر اسمه المسيح إلا بتجسده . ولكن نظرا للطبيعة الواحدة ، لم يستطع الرسول أن يفصل . فتكلم عن أزلية المسيح ووجوده قبل مولده ويتابع الرسول كلامه بنفس المعنى فيقول " ولا تجرب المسيح كما جرب أناس منهم فأهلكتهم الحيات " ( 1كو 9:10). 7- من الذي سجد له المجوس (متى 11:2) ؟هل سجدوا للاهوت وحده ؟ كلا ، إنهم سجدوا لطفل في مزود وقدموا له هدايا . أم تراهم سجدوا للناسوت ؟ إن الناسوت لا تقدم له العبادة إذن لا جواب سوى أنهم سجدوا للإله المتجسد ، كما المولود أعمى فيما بعد وكما سجد الذين كانوا في السفينة لما انتهر الرب الرياح ومشى على الماء لقد سجدوا له ليس مجرد احترام . وإنما " جاءوا وسجدوا له قائلين : بالحقيقة أنت ابن الله " ( مت 23:14) . 8- كذلك نسأل : من الذي مشى على الماء وانتهر الريح ؟ أهو اللاهوت أم الناسوت ؟ لا شك أنه الكلمة المتجسد وهكذا باقي المعجزات : من الذي كان يصنعها ؟ أهو اللاهوت وحده ؟إذن ما معنى عبارة " كان يضع يده على كل واحد فيشفيه" ( لو40:4) وما معنى أن نازفة الدم لمست هدب ثوبه فشفيت ( مر5غ 29 ) . وفى شفاء المولود أعمى . من الذي تفل على الأرض وضع من التفل طيناً ، وطلى بالطين عيني الأعمى ( يو6:9) ؟ لا شك أن الذي صنع هذه المعجزات كلها وشبيهاتها كثيرات هو السيد المسيح " الكلمة المتجسد " ويقول القديس يوحنا الإنجيلي " وآيات أخرى صنعها يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب " ( يو30:20) . لاحظ هنا عبارة ( يسوع ).نكتفى بهذه الأمثلة الآن ، لأننا لو تابعنا ما في الكتاب ، فلن ندخل تحت حصر ، لأن لغة الطبيعة الواحدة شاملة فيه لذلك ننتقل حالياً من الحديث عن الطبيعة الواحدة ، إلى موضوع يتصل بها وهو المشيئة الواحدة . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب طبيعه المسيح
المزيد
10 أغسطس 2020

نذر البتولية

جاء في الكتاب غير القانوني"إنجيل يعقوب الأول"، الذي يعكس الاتجاهات السائدة في القرن الثاني، أن القديسة مريم ولدت من يواقيم وحنة الشيخين، وأن والدتها قد نذرت أبنتها خادمة للرب كل أيام حياتها. وفي الثالثة من عمرها، قدمت مريم للهيكل، حيث كانت تتغذى بأيدي ملائكة. وبحسب التقليد القبطي يحتفل بعيد "دخولها الهيكل" في الثالث من شهر كيهك، فيه نذكر الطفلة مريم كعذراء تعيش بين العذارى، فنترنم باللحنين التاليين: "في سن الثالثة قدمت يا مريم للهيكل، جئت كحمامة، وأسرعت الملائكة إليك!" "كانت بين العذارى تسبح وترنم معهن، دخلت الهيكل بمجد وكرامة".و في الثانية عشر من عمرها اجتمع الكهنة ليناقشوا أمرها إذ كان يلزم أن تترك الهيكل. فأحضروا اثني عشر رجلا من سبط يهوذا، وأودعوا عصيهم داخل الهيكل. وفي اليوم التالي أحضر أبيثار الكاهن العصي وقدم لكل منهم عصاه. وأن أمسك القديس يوسف بعصاه حتى جاءت الحمامة استقرت عليها، كانت بيضاء أكثر من الثلج وجميلة للغاية، صارت ترفرف لوقت طويل بين أجنحة الهيكل وأخيرا طارت نحو السماوات. عندئذ هنأ الشعب كله الشيخ، قائلين له: "هوذا قد صرت مطوبا في شيخوختك أيها الأب يوسف، فقد أظهرك الله مستحق الاستلام مريم. أما القديس ففي البداية أعتذر بشيخوخته، ولكنه أطاع الكهنة الذين هددوه بحلول غضب الله عليه إن رفض. زواج أم خطبة: كان الزواج حسب التقليد اليهودي يتم على مرحلتين: خطبة ثم زواج. فبعدما تتم بعض الترتيبات المالية يخطب العروسان في بيت العروس. هذه الخطبة في الحقيقة تعادل الزواج السائد حاليا في كل شئ ما خلا العلاقات الجسدية. فالمخطوبة تدعى"زوجة"، وتصير أرملة أن مات خطيبها، وتتمتع بجميع الحقوق المالية كزوجة أن ترملت أو طلقت. وفي حالة الخيانة وراء خطيبها تسقط تحت ذات العقوبة كزوجة خائنة. وكزوجة لا يقدر أن يتخلى عنها خطيبه بغير كتاب طلاق. أما الخطوة التالية وهي الزواج فغالبا ما تنتظر المخطوبة_ التي لم يسبق لها الزواج_ عاما قبل إتمام مراسيم الزواج. من هنا نستطيع أن ندرك سرعة دعوة القديسة مريم "امرأة يوسف"رغم كونها مخطوبة وليست متزوجة.لكن، البعض يتساءل عما إذا كان قد وجد بين القديسة مريم والقديس يوسف حتى بعد إتمام الخطوة الثانية من الزواج. في هذا يجيب القديس أوغسطينوس مؤكدا بالإيجاب. ففي تعليقه على سؤال القديسة مريم للملاك: كيف يكون لي هذا وأنا لا أعرف رجلا (لو 1: 34) يقول: "بالتأكيد ما كانت تنطق بهذا ويوجد نذر مسبق بأن تقدم بتوليتها لله، وقد وضعت في قلبها أن تحققه". اعتراض: إستخدم هيلفيدس في القرن الرابع العبارة الإنجيلية "لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" متى 1: 25 كدليل إنجيلي ضد دوام بتولية مريم مشيرا إلى أن يسوع هو أبنها البكر، له أخوة، هم أبناء مريم. يجيبه القديس جيروم بأنه "هكذا أعتاد الكتاب المقدس أن يستخدم كلمة "بكر" لا للشخص الذي له أخوة وأخوات، بل للمولود أولا (خر 34: 19، 20) حتى ولو لم يكن له أخوة أصاغر. هكذا يخرج القديس جيروم من الكتاب المقدس بأن "كل طفل وحيد هو بكر، لكن ليس كل بكر هو طفل وحيد". كذلك فإن العبارة "لم يعرفها حتى ولدت أبنها البكر" لا تعني بالضرورة أن القديس يوسف عرفها بعد ولادتها للسيد المسيح، لان الكلمة "حتى" لا تعني النتوء بما يحدث بعد ذلك، وذلك قول الكتاب مثلا: لم تنجب ميكال ابنة شاول حتى ماتت" لا تعني أنها ولدت بعد موتها. إخوة يسوع: في حوالي عام 382م كتب هيلفيدس كتابا يؤكد فيه أن يوسف ومريم قد تمما زواجهما بعد ميلاد يسوع، وأن مريم قد أنجبت أبناء آخرين، أشار إليهم الإنجيل بعبارة"أخوة يسوع" هذا الكتاب مفقود، لكن ما جاء فيه عرف تباعا خلال إجابة القديس جيروم عليه.وبعد أعوام تبنى ذات الفكرة كل من جوفنيانوس وبونيسيوس أسقف بيوغسلافيا، مستخدمين نفس التعبير "أخوة الرب" مر 6: 33، متى 13: 55، 56 لكن إن كان العلامة أوريجين وهو يؤكد تقليدا كنسيا يقول: ليس من أحد أفكاره صادقة نحو مريم يدعى بأن لها طفل غير يسوع، فماذا يعني الإنجيل بقوله "أخوة يسوع"؟ 1- النظرية الأبيفانية: دافع كتاب إنجيل "يعقوب الأولى" غير القانوني عن بتولية القديسة مريم مشيرا إلى أن أخوة يسوع ليسوا إلا أبناء القديس يوسف من زواج سابق. هذه الفكرة انتقلت إلى الكتابات القبطية والسريانية واليونانية، كما نادى بها بعض الأباء العظام، فأشار إليها كل من القديس أكليمنضس الإسكندري غريغوريوس النيصي وكيرلس الإسكندري وأمبروسيوس العلامة أوريجين وهيجيسيوس ويوسابيوس أسقف قيصرية وهيلارى من بواتييه وأبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص الذي دافع عن هذه الفكرة بحماس شديد حتى نسبت إليه: "الأبيفانية" إلا أن هذا الرأي يرفضه بعض اللاهوتيين للأسباب التالية: أ‌- لو أن أخوة يسوع أكبر منه سنا، إذ جاءوا عن زواج سابق، فلماذا لم يشر إليهم في قصص الميلاد وخاصة الهروب إلى مصر؟ ب‌- في "قصة يسوع في الهيكل" ترك لنا الإنجيل (لو 2: 41-52) هذا الانطباع أنه حتى مرور أثنى عشر عاما من ميلاد المسيح كانت العائلة المقدسة تتكون من الثلاث أشخاص (مريم- يوسف- السيد المسيح) ج- لو كان يسوع له أخوة لترك أمه لديهم عند الصليب وما كانت هناك حاجة لتسليمها إلى القديس يوحنا. 2- نظرة القديس جيروم: يرى القديس جيروم أن تعبير "أخوة" أستخدم في الكتاب المقدس في الحالات التالية: أ‌- أخوة حسب الدم. ب‌- أخوة بسبب وحدة الجنسية. ج- أخوة بسبب القرابة الشديدة. د- الصداقة. وقد أستخدم تعبير "أخوة الرب" مطابقا الحالة الثالثة، وذلك كما دعي إبراهيم ابن أخيه لوط "أخاه" تك 13: 8، وأيضا أبان أستخدم ذات الكلمة عن زوج ابنته (تلك 29: 15). فمن المعروف لدى اليهود أن أبناء العم والخال والعمة والخالة يدعون أخوة، لأنهم غالبا ما يعيشون في العائلة الكبيرة تحت سقف واحد. وإلى يومنا هذا لازالت الكلمة مستخدمة في بعض قرى صعيد مصر، فيحسبونه عيبا أن يدعو الإنسان ابن عمه أو خاله أو عمته أو خالته بلقب غير "أخي". وفي اللغة الآرامية تستخدم نفس الكلمة "أخ" لتعبر عن كل هذه القرابات. هكذا بحسب نظريه القديس جيروم يكون "أخوة يسوع" هم أولاد القديسة مريم زوجة كلوبا، أخت القديسة مريم العذراء (يو 19: 25). القمص تادرس يعقوب ملطى القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
01 يونيو 2019

الهروب إلى مصر

"وبعدما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم، قائلاً:وكن هناك حتى أقول لك،لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه فقام وأخذ الصبي وأمه ليلاً وانصرف إلى مصر" [13-14]. يلاحظ القدّيس يوحنا الذهبي الفم أن الملاك لم يقل عن القدّيسة مريم "امرأتك"، بل قال "أمه"، فإنه إذ تحقّق الميلاد وزال كل مجال للشك. صارت القدّيسة منسوبة للسيّد المسيح لا ليوسف. لقد أراد الملاك تأكيد أن السيّد المسيح هو المركز الذي نُنسب إليه. يرى القدّيس أغسطينوس أن النفس التي ترتبط بالسيّد المسيح خلال الإيمان الحيّ العامل بالمحبّة تحمله فينا روحيًا، وكأنها قد صارت له كالقدّيسة مريم التي حملته روحيًا كما حملته بالجسد! لماذا هرب السيّد المسيح إلى مصر؟ أولاً: الهروب إلى مصر يمثّل حلقة من حلقات الألم التي اجتازها القدّيس يوسف بفرحٍ، فإن كان الوحي قد شهد له بالبرّ، فإن حياة البرّ تمتزج بالآلام دون أن يفقد المؤمن سلامة الداخلي. يُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على كلمات الملاك ليوسف، قائلاً: [لم يتعثّر يوسف عند سماعه هذا، ولا قال: هذا أمر صعب، ألم يقل لي إنه يخلّص شعبه، فكيف لا يقدر أن يخلّص نفسه، بل نلتزم بالهروب، ونقطع رحلة طويلة، ونقطن في بلد آخر؟ فإن هذا يناقض ما وعدت به! لم يقل شيئًا من هذا، لأنه رجل إيمان! بل ولا سأل عن موعد رجوعه، إذ لم يحدّده الملاك، بل قال له: "وكن هناك حتى أقول لك". لم يحزن بل كان خاضعًا ومطيعًا يحتمل هذه التجارب بفرح. هكذا يمزج الله الفرح بالتعب، وذلك مع كل الذين يتّقونه... مدبّرًا حياة الأبرار بمزج الواحدة بالأخرى. هذا ما يفعله الله هنا... فقد رأى يوسف العذراء حاملاً، فاضطرب وبدأ يشك... وفي الحال وقف به الملاك وبدّد شكّه ونزع عنه خوفه. وعندما عاين الطفل مولودًا امتلأ فرحًا عظيمًا، وتبع هذا الفرح ضيق شديد إذ اضطربت المدينة، وامتلأ الملك غضبًا يطلب الطفل. وجاء الفرح يتبع الاضطراب بظهور النجم وسجود الملوك. مرّة أخرى يلي هذا الفرح خطر وخوف لأن هيرودس يطلب حياة الطفل، والتزم يوسف أن يهرب إلى مدينة أخرى] هذه هي صورة الحياة التقويّة الحقيقية، هي مزيج مستمر من الضيقات مع الأفراح، يسمح بها الرب لأجل تزكيتنا ومساندتنا روحيًا، فبالضيق نتزكّى أمام الله، وبالفرح نمتلئ رجاءً في رعاية الله وعنايته المستمرّة. ثانيًا: هروب السيّد المسيح من الشرّ أكّد حقيقة تجسّده، وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [لو أنه منذ طفولته المبكّرة أظهر عجائب لما حُسب إنسانًا.] ثالثًا: هروبه كممثّل للبشريّة يقدّم لنا منهجًا روحيًا أساسه عدم مقاومة الشرّ بالشرّ، وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم أن النار لا تطفأ بالنار بل بالماء. رابعًا: كانت مصر رائدة العالم الأممي، فكانت بفرعونها تُشير في العهد القديم إلى العبوديّة، بخصوبة أرضها تُشير إلى حياة الترف ومحبّة العالم. كان يمكن للسيّد أن يلتجئ إلى مدينة في اليهوديّة أو الجليل، لكنّه أراد تقدّيس أرض مصر، ليقيم في وسط الأرض الأمميّة مذبحًا له. في هذا يقول إشعياء النبي: "هوذا الرب راكب على سحابة خفيفة سريعة، وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه، ويذوب قلب مصر داخلها... في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر، وعمود للرب عند تُخُمها، فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر... فيُعرف الرب في مصر، ويَعرف المصريّون الرب في ذلك اليوم، ويقدّمون ذبيحة وتقدمة، وينذرون للرب نذرًا ويوفون به... مبارك شعبي مصر" (إش 19). اهتم الوحي بهذه الزيارة الفريدة، بها صارت مصر مركز إشعاع إيماني حيّ. وكما خزن يوسف في مصر الحنطة كسندٍ للعالم أثناء المجاعة سبع سنوات، هكذا قدّم السيّد المسيح فيض نعم في مصر لتكون سرّ بركة للعالم كله، ظهر ذلك بوضوح خلال عمل مدرسة الإسكندريّة وظهور الحركات الرهبانيّة والعمل الكرازي. يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [هلمّوا إلى برّيّة مصر لتروها أفضل من كل فردوس! ربوات من الطغمات الملائكيّة في شكل بشري، وشعوب من الشهداء، وجماعات من البتوليّين... لقد تهدّم طغيان الشيطان، وأشرق ملكوت المسيح ببهائه! مصر هذه أم الشعراء والحكماء والسحرة... حصّنت نفسها بالصليب! السماء بكل خوارس كواكبها ليست في بهاء برّيّة مصر الممتلئة من قلالي النُسّاك... على أيّ الأحوال، من يعترف بأن مصر القديمة هي التي بكل خوارس كواكبها حاربت ليست في بهاء برية مصر الممتلئة من قلالي النساك... على أي الأحوال، من يعترف بأن مصر القديمة هي التي حاربت الله في برود فعبدت القطط، وخافت البصل، وكانت ترتعب منه، مثل هذا يدرك قوّة المسيح حسنًا.] يتحدّث أيضًا القدّيس يوحنا الذهبي الفم عن هذه الزيارة المباركة لمصر لتقديسها، فيقول: [إذ كانت مصر وبابل هما أكثر بلاد العالم ملتهبتين بنار الشرّ، أعلن الرب منذ البداية أنه يرغب في إصلاح المنطقتين لحسابه، ليأتي بهما إلى ما هو أفضل، وفي نفس الوقت تتمثل بهما كل الأرض، فتطلب عطاياه، لهذا أرسل للواحدة المجوس، والأخرى ذهب إليها بنفسه مع أمه.] كما يقول: [تأمّل أمرًا عجيبًا: فلسطين كانت تنتظره، مصر استقبلته وأنقذته من الغدر.[
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل