المقالات

26 مارس 2019

هل تتبعني حقاً؟

إنجيل هذا المساء يُقدِّم لنا سؤال، يسأله السيد المسيح لنا: “هل تتبعني حقاً؟”، ونرى ثلاث مشاهد لثلاث أشخاص تقابلوا مع السيد المسيح في أوقات متفاوتة لا يوجد بينهم رابط زمني أو مكاني، ولكن القديس لوقا حدَّثنا عن هذه الثلاث مشاهد لكي يُقدِّم لنا إجابة على إخلاص الإنسان في تلمذته وتبعيته لربنا يسوع المسيح، قدَّم لنا ثلاث مشاهد بثلاث أسئلة. ونُقدِّم لك الثلاث أشخاص: الأول إنسان له مشاعر ولكنه لم يُفكِّر جيداً. الثاني إنسان فكَّر ولكن بلا مشاعر. الثالث عنده فكر وعنده مشاعر ولكنه سقط في مشكلة التَّردُّد أو التأجيل. الشخص الأول: تقابل مع السيد المسيح وتعلَّق به نُسميه الصديق الأول، و قال له: أتبعك أينما تمضي، كانت له عاطفة مُتدفقة ولكنه لم يُفكِّر، لأن العاطفة ﻻ تكمل الطريق هى دائماً مُتغيِّرة، وأجابه المسيح: “للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار أمَّا ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه”، هذا الشخص لم يُفكِّر جيداً، وقرارات الإنسان المصيرية تحتاج أن يُفكِّر فيها. ودائماً نقول عندما تأخذ قرار إعتمد أولاً على ربنا، ثانياً على عقلك، ثالثاً على عاطفتك ( التي ممكن أن تكون مُتغيِّرة )، فتأخذ قرارك بطريقة صحيحة. الصديق الأول: كان صاحب مشاعر، ولم يكن صاحب فكر، لذلك يبدو أنه إنصرف ولم يتبع المسيح. الصديق الثاني: المسيح قال له اتبعني، وكان شرط هذا الشخص أن يأذن له المسيح أن يذهب أولاً ويدفن أبيه. عندما تأتي دعوة المسيح لك فهى لحظة فارقة وفرصة ذهبية فى حياة الإنسان، هذا الشخص أضاع هذه اللحظة الفارقة ليعمل عمل إنساني نبيل، ولكن المسيح أجابه: دع الموتى يدفنون موتاهم، وكان قصده: دع الموتى بالروح يدفنون الموتى بالجسد، الموتى بالروح هو إنسان كل فكره في التراب. أحيانا الإنسان ينشغل بأمور تضيع منه فرصة مُهمة ويظل القرار أمامه معوقات والمعوقات تبدو للعقل إنها مقبولة. الشخص الثالث: تقدَّم للمسيح وقال له أتبعك أينما تمضي، ولكن إذن لي أولاً أن أودِّع الذين في بيتي، هذا الشخص رُبَّما تنكسر عاطفته أو ينكسر فكره بخطية اسمها خطية التَّردُّد، وقد تمتد خطية التَّردُّد إلى التأجيل. وكما تعرفون التأجيل لص الزمان حتى في التوبة، ويظل التأجيل ليضيع الحرارة الروحية فى داخلك، وهذا ما نسميه في تحليل نصف الليل: تسويف العمر باطلاً، وكانت إجابة المسيح عليه: ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت اللَّه والكتاب المقدس يُقدِّم لنا نماذج حية لتبعية المسيح، وكانت هذه نماذج سلبية، ونرى أيضاً نماذج إيجابية جميلة نقرأ في ( متى 9 : 9 ) عبارة: “اتبعني” وهذه العبارة قالها ربنا يسوع المسيح للاوي عشار وكان يجلس مكان الجباية، فقام وتبعه وصار متى رسول، فلو كان متى أجَّل القرار هل سيصبح متَّى كاتب البشارة الأولى، وتلميذ المسيح؟ هل كان سيُشاهد معجزات السيد المسيح؟ دعوة أخرى: هى دعوة بولس الرسول، وهو كان إنسان بعيد عن المسيح ويوم أن ظهر له المسيح نجد أن مُجرَّد رؤية المسيح وحديثة معه ( كانت بمثابة دعوة )، وقال له بولس يارب ماذا تريد أن أفعل؟ بسبب هذه العبارة صار بولس الرسول سفيراً لاسم المسيح وصار شهيداً وصار كاتباً لـ 14 رسالة وصار مُعلِّما ولاهوتياً وفليسوفاً. نموذج آخر: بطرس الرسول، وهو كان صياداً يُقابله المسيح ويسأله وتكون إجابة بطرس الرسول: يارب قد تعبنا الليل كله ولكن على كلمتك ألقي الشبكة، لحظة قرار، وعندما رمى الشبكة وإمتلأت عَرِفَ أن المسيح هو الذي يُكلِّمه، قال: ها قد تركنا كل شيء وتبعناك، وصارت تبعية المسيح حتى لما أخطأ خطية الإنكار نجد المسيح يُعاتبه برقة فرجع يكمل طريقه إن تبعية المسيح في حياتنا اليومية تكون في قرارتنا واختيارتنا تحتاج أن يكون الإنسان في كل الوعي، وأن يكون مُستيقظ لأنه في وقت مُعيَّن عندما يرسل اللَّه دعوته يجب أن يكون الإنسان مُستعد للإستجابة وليست له حُجَّة أو تردُّد أو تأجيل وتسويف. مِثال آخر: القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة، كان جندياً وثنياً، ولكن عندما شاهد أهل إسنا وهم يُقدِّمون فضيلة إضافة الغرباء، وعرف أنهم مسيحيون، قال: “إن رجعت من الحرب سالماً سأكون مسيحياً”، ورجع وبدأ طريقه الروحي، وبدأ يتبع المسيح ويتكرَّس ويصير راهباً وناسكاً ويؤسِّس حياة الشركة في الحياة الرهبانية، ويصير قديس في الكنيسة توجد أوقات نجد فيها اللَّه يفتقد الإنسان بنعمته ويدعوه في قلبه، وعندما يستجيب الإنسان بفكره بعقله وبمشاعره بقلبه وبإيمانه ويتخذ القرار ولا ينظر إلى الوراء ويضع يده في يد المسيح وينادي بملكوت السموات تكون حياته كلها مُتَّجِهة نحو السماء لأن الإنسان أساساً مخلوق سماوي فهو خلق من السماء. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
01 أكتوبر 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين رِسَالَةُ يُوحَنَّا الرَّسُولِ الأُولَى

1- بين اصحاح 1 : 8 و10، اصحاح 3 : 6 و9 ففى الاول (ان قلنا انه ليس لنا خطيه نضل انفسنا وليس الحق فينا) وفى الثانى (كل من هو مولود من الله لا يفعل خطيه.. ولا يستطيع ان يخطىء). فنجيب : ان معنى القول الثانى ان من ولد من الله لا يعمل خطيه لان نعمه الله التى اوتيها وبها تبنى لله وكانت له كالزرع هى تصونه وتقويه فمن ثم لا يمكنه ان يخطىء بمقتضى هذه النعمه وانه اذا اخطا فخطيئته لا تكون بحسب كونه مولودا من الله ولا بمقتضى النعمه لان النعمه لا يمكن ان تكون منشا للخطيه ولا سببا فى ارتكابها ولكن الخطيئه تكون بحسب كونه مولودا من ادم بطبيعه فاسده مائله الى الشر. غير ان قول الرسول (لا يستطيع ان يخطىء) لا يقصد به انه لا يخطىء مطلقا بل انه لا يخطىء عمدا فان كل مولود من الله يجرح يوما من الخطيئه لكنه لا يطرح اسلحته ولا يسلم نفسه للعدو. وقوله ايضا لا (يخطىء) اى لا يستغرق فى الخطيئه بل يولع بالبر والقداسه ما استطاع، واذا سقط نهض حالا لان لا يلزم من قول يوحنا ان كل مؤمن كامل القداسه. فلم يكن لابراهيم ولا موسى ولا يعقوب ولا داود بلا خطيئه. ومعنى ان المؤمن لا يخطىء كما قلنا انه لا يستمر فى الخطيئه ولا يتعمدها ولا يرتكبها اختيارا، فلا يخطىء ما لم تغلبه التجربه ولا يخطىء الى النهايه فيهلك بخطيئته. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
31 مارس 2021

تداريب أثناء الصوم 2

تداريب الحفظ:- يمكن أن تتخذ فترة الصوم مجالاً أيضاً للحفظ : حفظ آيات ، وحفظ مزامير وحفظ فصول من الإنجيل ، وحفظ ألحان وتراتيل أ‌- خذ مثلاً تدريباً لحفظ العظة علي الجبل . وتشمل 111 آية . لو انك حفظت كل يوم 3 آيات ، تنتهي منها في 37 يوماً . ب‌- أحفظ مثلاً قطع الأجبية ، وتشمل 36 قطعة ( غير الستار ) ، فلو حفظت كل يوم قطعة ، يمكنك الانتهاء منها في 36 يوماً . ج- أحفظ تحاليل الساعات ، وتشمل 8 تحاليل . ويمكن أيضاً القطع المشتركة في كل الصلوات مثل الثلاثة فكقديسات ، وصلاة الشكر ، والمزمور الخمسين وختام كل صلاة ، مع بعض القطع التي تنفرد بها صلاة باكر أو صلاة النوم . د- ‘حفظ ما يمكنك من مزامير الساعات ، ويمكن البدء بمزامير قصيرة هـ - أحفظ آيات مختارة من الكتاب ، وحبذا لو كانت بشواهدها . فلو أنك حفظت كل يوم ثلاث آيات ، لأمكنك أن تحفظ في الصوم الكبير وحده 150 آية في كل عام … و- تحفظ آيات تشمل معاني معينة ، او آيات علي كل سر من أسرار الكنيسة ، أو آياتخاصة بعقائد ، أو خاصة بكل فضيلة من الفضائل . ز- يمكن أن تحفظ خلال الصوم فصولاً مشهورة في الكتاب المقدس ، مثل ( 1كو 13) الخاص بالمحبة ، أو ( رو12) وهو مجموعة آيات ذهبية خاصة بفضائل عديدة ، وكذلك ( 1 تس 5:12-23) ، ( أف 6: 10-18) الخاص بالحروب الروحية ، و ( في 3: 7-14) … وما يشبه ذلك من الفصول المختارة في الكتاب . ح- ما تحفظة من آيات أتخذه مجالاً للتأمل الروحي ، غذاء لنفسك خلال الصوم . ويمكن أن تتخذه مجالاً للتطبيق العملي . أثناء ط- ما تحفظه من صلوات ومزامير ، ردده باستمرار ، لكي تضيفا إلي صلواتك اليومية . ي- كذلك ضع لك برنامجاًً في حفظ الألحان و التسابيح . وهكذا تجد أمامك جدولا روحيا ، تشعر فيه بقيمة وقتك وأهميته ، فتحرص عليه لكي تستخدمه فيما ينفعك . تداريب الصلاة:- أهتم في أيام الصوم أن تزيد برنامج صلواتك . فلا تقتصر علي صلوات الجبية أو الوضح العادي لك في الصلاة . وإنما نضع أمامك التداريب الآتية ، لتستخدمها حسب إمكانياتك : 1- تدريب الصلاة في الطريق : يمكن أن تكون سائراً في الطريق ، وقلبك منشغل مع الله ، إما بمزمور ، أو بصلاة خاصة ، أو بصلوات قصيرة ترفع بها قلبك إلي الله ، كأن تقول له : يارب أغفر لي ، لا تحسب علي آثامي . ارحمني يارب كعظيم رحمتك . نجني يارب من ضعفاتي ، أعطني قوة . أجعلها يارب أيام مباركة ، بارك أيام هذا الصوم أعطني يارب فترة أقضيها معك . أربط يارب قلبي بك . إملأني يارب من محبتك أعطني يارب نعمة ، أعطني معونة ، أعطني يارب حياة مقدسة ،أعطني قلباً نقياً. إغسلني يارب فأبيض أكثر من الثلج . يارب نقني . يارب نجني . أحفظني من كل شر . أشترك في العمل معي . كرحمتك يارب ولا كخطاياي … درب نفسك علي أمثال هذه الصلوات ، وانت في الطريق ، أو وانت في طرق المواصلات . المهم أن تشغل قلبك بالله … وهناك أيضا : 2- تدريب الصلاة وسط الناس : سواء كنت في اجتماع ، أو مع أصدقائك أو مع أفراد الأسرة ، أو وسط الناس في أي مكان ، أرفع قلبك إلي الله بأية عبارة . وهكذا تكون ساكتاً . وقلبك يشتغل من الداخل ، في شركة مع الروح القدس . لأن الإنسان الصامت يمكن أن يكون مخزناً لأسرار الله . وكما يقول الشيخ الروحاني " سكت لسانك ، لكي يتكلم قلبك …" 3- تدريب الصلاة أثناء العمل : العمل اليدوي يساعد كثيراً علي امتزاجه بالصلاة ، كما كان آباؤنا في عمل أيديهم . وهكذا يختلف عن الأعمال اليدوية التي يقوم بها أهل العالم . وحتى لو كان عملك فكرياً بحتاً ، بين الحين والآخر أرفع قلبك إلي الله ولو بصلاة قصيرة جداً كأن تقول : اشتقت إليك يارب . لا أريد أن أتغرب كثيراً عنك . إجعلني أعمل من أجلك . بارك كل ما أعمله . أحبك يارب من قلبي وأشتاق إليك . أسبح أسمك القدوس أثناء عملي . حلو أسمك ومبارك ، في أفواه قديسيك . أشكرك يارب من كل قلبي . كن معي . أشترك في العمل معي … لا تجعل العمل يفصلني عن الصلة الدائمة بك . لا شئ يفصلني عن محبة المسيح … 4- تدريب التأمل في الصلوات : خذ صلوات المزامير مثلاً ، وباقي صلوات الأجبية ، مجالاً لتأملك الروحي وهكذا عندما تصليها يكون ذلك بعمق . وكذلك صلوات القداس و التسبحة حتى يكون لها تأثيرها في قلبك عندما تسمعها . 5- تدريب الاستمرار في الصلاة : درب نفسك علي انه كلما تجد صلاتك قاربت علي الانتهاء ، حاول أن تطليها بعض الوقت ، ولو دقيقتين . المهم أنك لا تسرع بالانتهاء من الصلاة والانصراف من حضرة الله . قاوم نفسك واستمر ولو قليلاً جداً . ثم استأذن الرب واختم صلاتك . 6- تداريب نقاوة الصلاة وروحانيتها : وهي تداريب كثيرة جداً . منها الصلاة بفهم ، وبعمق ، وبحرارة ورغبة والصلاة باتضاع وانسحاق . والصلاة بلا طياشة بلا سرحان . وان لم تستطيع ذلك أدخل في التدريب التالي وهو: 7- تدريب الصلاة لأجل الصلاة : قيل لمار أسحق " كيف نتعلم الصلاة ؟" فقال " بالصلاة " … ولا شك أن الصلاة - كأي عمل روحي - هي عطية صالحة نازلة من فوق من عند أبي الأنوار "( يع 1: 17) . فاطلبها التلاميذ قائلين " علمنا يارب ان نصلي " ( لو 11:1) . قل له : أعطني يارب أن أصلي . أعطني خلوة حلوه معك . أعطني الحب الذي أحبك به فأصلي . أعطني الحرارة التي في الصلاة . وأعطني الدموع و الخشوع . أنا يارب لا اعلم كيف أصلي فعلمني . وأمنحني المشاعر اللائقة بالصلاة . وتحدث أنت معي يارب فأحدثك … 8- تدريب الصلاة لأجل الآخرين : لا تكن صلاتك في الصوم من اجل نفسك فقط . إنما تدرب أيضاً علي الصلاة من أجل الآخرين . كم من أناس طلبوا إليك أن تصلي لأجلهم ، ولم تفعل . تذكر ذلك في الصوم . كم من أشخاص تشعر بحاجتهم تشعر بحاجتهم إلي الصلاة ، لأنهم في مشكلة ، أو في ضيقة ، أو مرض ، أوهم محتاجون من أجل حياتهم الروحية . صل من أجل هؤلاء ، ومن أجل الذين رقدوا … صل من أجل الكنيسة ،، ومن أجل سلامه البلد ، ومن أجل الخير العام ، ومن أجل الذين لا يعرفون الله ، من أجل الملحدين والمستهترين وغير المؤمنين . صل لأجل ملكوت الله علي الأرض . إنه تدريب جميل ان تصلي لأجل غيرك . وبوجه خاص : 9-تدريب الصلاة لأجل المسيئين : إنه آمر إلهي أكثر من كونه تدريباً ، إذ يقول الرب " صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم "( مت 5:44) . إنها فرصة أن تدرب نفسك علي تنفيذ هذه الوصية أثناء الصوم . صل ان يغفر الله لهؤلاء المسيئين ، وأن ينقذهم مما هم فيه . وصل من أجل محبتهم لك ومحبتك لهم ، حتى لا يتغير قلبك من جهتهم بسبب إساءتهم لك . أطلب لهم الخير . وصل ان ينقذك الرب من إدانتهم في فكرك أو أمام الناس . طبيعي أنك تصلي لأجل أحبائك . والأجمل ان تصلي لأجل هؤلاء . قل له : أحفظهم يارب . خلصهم . أغفر لهم . أعطني نعمة في أعينهم واعطني ان أحبهم كسائر أحبائي . أجعل قلبي من جهتهم قلبي نقياً من جهتهم . 10-تداريب أخري للصلاة : أ‌- درب نفسك علي التبكير في الصلاة ، وان يكون الله هو أول من تكلمه في يومك ، ولو بعبارة قصيرة . أشكرك يارب . أجعله يارب يوماً مباركاً . أعطني يوماً مقدساً أرضيك فيه … ب‌- درب نفسك علي ترديد صلوات القديسين . أبحث عنها وصل بها ( صلوات الأنبياء موجودة في الكتاب وفي طقس سبت النور ) ج- أقرأ الكتب التي تعطيك حرارة روحية وتجعلك بحرارة . د- صل قبل كل عمل ، وقبل كل زيارة ومقابلة . تداريب وسائط روحية أخرى:- 1- درب نفسك علي القراءات الروحية : القراءات الدينية كثيرة ، ولا تدخل تحت حصر . ولكن أيام الصوم المقدسة - كفترة عبادة - لا يكون التركيز فيها علي الكتب التي تزيد معلوماتك ومعارفك ، إنما اهتم بالكتب الروحية التي تلهب قلبك بمحبة الله ، وتشغلك بحرارة تقودك إلي الصلاة ، وتحثك حثاً علي التوبة ونقاوة الحياة . بمثل هذه الكتب تهتم . وأنت ادري بالقراءات التي تؤثر فيك روحياً … اما باقي الدينية ، فلست أمنعك عنها ولكنها في الصوم لها الدرجة الثانية . اما الأولوية فللكتب الروحية وسير القديسين . 2- درب نفسك أيضاً علي التراتيل والألحان . وبخاصة التراتيل والألحان التي لها روح الصلاة ، وتشعر فيها انك تخاطب الله والتي ترتلها من قلبك وروحك ، وقد مست مشاعرك وأثرت في قلبك . ويمكن أن تحفظ هذه الترانيم التي تؤثر فيك وترددها في أي وقت 3- درب نفسك أيضاً علي المطانيات . أن أهملتها في أوقات أخري ، أحرص أن تمارسها أثناء الصوم ,. تداريب على فضائل معينة:- يمكن الاستفادة من المشاعر الروحية العميقة خلال فترة الصوم ، ليتدرب الصائم خلالها علي أية فضيله يشتاق إليها قلبه كان يدرب نفسه علي التسامح ، او الاحتمال ، او الهدوء ، أو الأمانة في العمل ، أو الدقة في كل شئ ، أو النظام الخ ولو أنك خرجت من كل صوم ، وقد أتقنت إحدى الفضائل ، فإن هذا لا شك ربح روحي كبير , قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
20 يوليو 2020

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (6)الصدق

الصدق واهميتة فى حياتنا ما احوجنا الى الصدق الذى هو قول وصنع الحق والحقيقة وعدم الالتجاء الى الكذب والخداع والرياء سواء على مستوى علاقتنا بالله او بالناس او مع أنفسنا وذلك من أجل ان نبنى مجتمع راقى ومتقدم ونحن نرى المجتمعات المتخلفة تتفكك من أجل روح الاكاذيب والنفاق والشر التى انتشرت فيها ، بينما نرى دول تتقدم وتتطور لانها اتخذت من الصدق والأمانة فى الحياة والعمل قيمة روحية واخلاقية عليا فيها وحتى ان كانت قد بعدت عن الدين الا انها اتخذت من المبادئ الدينية السامية قيم عليا لها.وليست فضيحة بيل كلنتون ومونيكا ليونسكى ببعيدة عن الاذهان وقد عاقب المجتمع الامريكى رئيسه ليس لوجود علاقة له بمتدربة فى البيت الابيض ولكن لانه كذب على الراي العام هناك ولم يقل الصدق.هكذا نرى العلاقات بين الافراد والدول والجماعات يجب ان تقوم على الصدق والامانة والا فقد الانسان مصداقيته أمام الناس وساد الشك والانقسام والفساد والرياء والكراهية بما لها من نتائج سئية على الحياة الروحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ان كم الفساد الادراى والمالى والسياسى الذى تم الكشف عنه فى مصرنا العزيزة وكم الأنتهاكات والتجاوزات والسرقات التى حدث فى الماضى وقادت الى الفقر والبطالة والمرض والثورة تحتاج منا الى وقفة حق وصدق مع النفس ومع الله والغير فلو نال كل كاذب عقابه وكل مرتشى جزائه او استٌبعد الفاسدون والكاذبون من مناصبهم لما وصل بنا الامر الى ما نحن عليه الان ولما كان يجرؤ أحد على السرقة والنهب فى المال العام كغنيمة وهو ملك لكل مواطن منا . فهل نفيق من سباتنا ونتعود على الصدق والأمانة أم يستمر استنزاف موارد ومقدرات الشعب لنواصل التخلف والفقر والمرض والظلم . يجب ان يكون للتوعية الاسرية والدينية والاعلامية والسياسية دورها الخلاق فى تنمية الضمير الأخلاقى للشعب وان نعى المسئولية التاريخية الملاقاة على عاتق كل واحد منا للأخذ بزمام المبادرة فى العيش والمناداة بقيم الصدق والامانة والحق والرحمة والمساواة حتى ننجح ونتقدم ونرقى الصدق هو دعوة وأمر إلهى وعلى كل انسان بأن يلتزمبالصدقوالصراحة والحق فى كل قوله وعمله وحياته تمثلا بالله الصادق { و انت يا الهنا ذو صلاح و صدق طويل الاناة ومدبر الجميع بالرحمة }(حك 15 : 1). ان الله صادق وامين ليس فى أقواله وأعماله بل حتى فى مقاصده ونواياه { يا رب انت الهي اعظمك احمد اسمك لانك صنعت عجبا مقاصدك منذ القديم امانة و صدق} (اش 25 : 1). { انا الرب المتكلم بالصدق} عش 19:45. ومن يقول الصدق والحق فانه يتمثل بصفات الله الصادق اما من يكذب فانه يصير متمثلاً ومتعلما من أبليس الذى قال عنه السيد الرب {انتم من اب هو ابليس و شهوات ابيكم تريدون ان تعملوا ذاك كان قتالا للناس من البدء و لم يثبت في الحق لانه ليس فيه حق متى تكلم بالكذب فانما يتكلم مما له لانه كذاب وابو الكذاب} (يو 8 : 44) الصدق فضيلة روحية وقيمة اخلاقية جميلة ومحبوبة وهو من الفضائل الامهات أى التى تلد فضائل أخرى مثل عدم الكذب او الرياء او الخداع او المكر والشهادة للحق والأمانة فى العمل والبر والتقوى ومخافة الله وانجاز الوعود والعهود سواء المكتوبة او الشفاهية والتعامل بامانة مما يجعل الانسان الصادق يؤتمن على أسرار الناس ومصدر ثقة وقبول الله والغير من أجل هذا يدعونا الكتاب ان نجعل الصدق والرحمة والحق كقلادة فى أعناقنا وقلوبنا {لا تدع الرحمة والحق يتركانك تقلدهما على عنقك اكتبهما على لوح قلبك }(ام 3 : 3).لان الشفاة الناطقة بالصدق تثبت {شفة الصدق تثبت الى الابد ، ولسان الكذب إنما هو الى طرفة عين} أم 19:12. وهكذا يحثنا الانجيل على الصدق { لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لاننا بعضنا اعضاء البعض} (اف 4 : 25). ويكفى ان نعرف ان الكذبة نصيبهم فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت لنقول الصدق ولانكذب { واما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الاوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني }(رؤ 21 : 8).من اجل هذا علينا ان نتحلى بالصدق والامانة وقول الحق. فالله هو االصادق والامين ويظهر صدقه وامانته ورحمته لنا حتى لو كنا نحن غير أمناء { ان كنا غير امناء فهو يبقى امينا لن يقدر ان ينكر نفسه} 2تيمو 13:2. وهو يدعونا للأمانة والصدق للنفس الأخير {كن أمينا الى الموت فساعطيك إكليل الحياة } رؤ 10:2. وليكن لساننا شاهدا على نقمة قلوبنا وينبوع حياة للغير{ فم الصديق ينبوع حياة و فم الاشرار يغشاه ظلم} (ام 10 : 11). السيد المسيح الصادق ودعوته للصدق:- لقد دعى السيد المسيح { الشاهد الامين الصادق} رؤ 14:3. وشهد بصدقه الاعداء قبل التلاميذ والمؤمنين { فلما جاءوا قالوا له يا معلم نعلم انك صادق ولا تبالي باحد لانك لا تنظر الى وجوه الناس بل بالحق تعلم طريق الله } (مر 12 : 14). وقال لنا انه الطريق والحق والحياة وبه نصل الى السماء { قال له يسوع انا هو الطريق والحق والحياة ليس احد ياتي الى الاب الا بي} (يو 14 : 6).ولو لم يكن السيد المسيح صادقاً لما صنع المعجزات وأقام الاموات واشبع الالاف بخمس خبزات ولهذا نراه يصدق على شهادته باعماله {الست تؤمن اني انا في الاب والاب في الكلام الذي اكلمكم به لست اتكلم به من نفسي لكن الاب الحال في هو يعمل الاعمال. صدقوني اني في الاب والاب في والا فصدقوني لسبب الاعمال نفسها}.يو 10:14-11{الحق الحق اقول لكم ان من يسمع كلامي ويؤمن بالذي ارسلني فله حياة ابدية ولا ياتي الى دينونة بل قد انتقل من الموت الى الحياة} (يو 5 : 24). لهذا فقد صدقنا وامنا بشهادته { الذي ياتي من فوق هو فوق الجميع والذي من الارض هو ارضي ومن الارض يتكلم الذي ياتي من السماء هو فوق الجميع.وما راه و سمعه به يشهد وشهادته ليس احد يقبلها. ومن قبل شهادته فقد ختم ان الله صادق.لان الذي ارسله الله يتكلم بكلام الله لانه ليس بكيل يعطي الله الروح. الاب يحب الابن و قد دفع كل شيء في يده.الذي يؤمن بالابن له حياة ابدية والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله} يو31:3-36. {من يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه من لا يصدق الله فقد جعله كاذبا لانه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه }(1يو 5 : 10) لقد دعانا السيد المسيح الى قول الصدق والحق والأمانة { ايضا سمعتم انه قيل للقدماء لا تحنث بل اوف للرب اقسامك. واما انا فاقول لكم لا تحلفوا البتة لا بالسماء لانها كرسي الله. ولا بالارض لانها موطئ قدميه ولا باورشليم لانها مدينة الملك العظيم.ولا تحلف براسك لانك لا تقدر ان تجعل شعرة واحدة بيضاء او سوداء. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا وما زاد على ذلك فهو من الشرير} مت 33:5-37. ورايناه فى صدقه وامانته يصب الويل على الكتبة والفريسيين المراؤون{ ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم اثقل الناموس الحق والرحمة والايمان كان ينبغي ان تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. ايها القادة العميان الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل. ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون المراؤون لانكم تنقون خارج الكاس والصحفة وهما من داخل مملوان اختطافا ودعارة. ايها الفريسي الاعمى نق اولا داخل الكاس والصحفة لكي يكون خارجهما ايضا نقيا.ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام اموات وكل نجاسة.هكذا انتم ايضا من خارج تظهرون للناس ابرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء واثما} مت 23:23-28. وبصدقنا وأمانتنا نسمع صوته الحنون فى اليوم الاخير { فقال له سيده نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك }(مت 25 : 21) يحزرنا السيد المسيح من الانبياء والمعلمين الكذبة { احترزوا من الانبياء الكذبة الذين ياتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة (مت 7 : 15). ولاسيما في الايام الاخيرة التى يقوم فيها انبياء كذبة {ويقوم انبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين }(مت 24 : 11).{ ولكن الروح يقول صريحا انه في الازمنة الاخيرة يرتد قوم عن الايمان تابعين ارواحا مضلة وتعاليم شياطين.في رياء اقوال كاذبة موسومة ضمائرهم} 1تيمو1:4-2. فالكذب هو سلوك مرفوض {لا يكذب بعضكم بعضاً، قد خلعتم الإنسان القديم، ولبستم الإنسان الجديد} كو 3: 9- 10)، {وليصدق كل منكم قريبه، فإننا أعضاء بعضنا لبعض} (أفسس 4: 25). فالكذب يكون بمثابة عودة إلى الطبيعة المشوهة بالخطيئة، ويوقعنا في تناقض مع الإيمان بالمسيح . ولقد عاقب الله فى سفر الأعمال، حنانيا وسفيره بكذبهما على بطرس، لقد كذبا في الواقع على الروح القدس (أعمال 5: 1- 11). فالكذب هو خطية موجهه الى الله قبل ان تكون موجهه الى الناس وان كان الشيطان هو ابو كل كذاب فاننا اخذنا روح الشهادة للحق والصدق بايماننا بالمسيح {و من ملئه نحن جميعا اخذنا ونعمة فوق نعمة.لان الناموس بموسى اعطي اما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا }يو 16:1-17. الصدق مع الذات:- علينا قبل كل شئ ان نكون صادقين أمناء مع ذواتنا وفى تصرفاتنا الخاصة واثقين ان انه ليس شئ مخفى على الله وان ابونا الذى يرى فى الخفاء يجازينا علانية .{ احترزوا من ان تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم والا فليس لكم اجر عند ابيكم الذي في السماوات. فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الازقة لكي يمجدوا من الناس الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم. واما انت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك. لكي تكون صدقتك في الخفاء فابوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية. ومتى صليت فلا تكن كالمرائين فانهم يحبون ان يصلوا قائمين في المجامع و في زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم.واما انت فمتى صليت فادخل الى مخدعك و اغلق بابك وصل الى ابيك الذي في الخفاء فابوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية} مت 1:6-6. نعم قد نصلى فى الكنيسة او مع جماعة المؤمنين او نعطى صدقة بدون ان نقدر ان نخفيها لكن يجب ان نكون قصدنا محبة الله والفضيلة لا بقصد ان نأخذ مجداً من الناس وقد قال الرب { مجدا من الناس لست اقبل }(يو 5 : 41).يجب اذا ان نتحلى بالتواضع { وتسربلوا بالتواضع لان الله يقاوم المستكبرين واما المتواضعون فيعطيهم نعمة }(1بط 5 : 5). ولا نفتخر ونمدح انفسنا او نرتدى قناعاً يظهرنا للناس اكبر من حقيقتنا { فاني اقول بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم ان لا يرتئي فوق ما ينبغي ان يرتئي بل يرتئي الى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الايمان} (رو 12 : 3). فلنعرف حقيقة انفسنا ومواضع القوة فيها ونستخدم الوزنات المعطاة لنا من الله فى خدمة الله والغير وصنع الخير . ولا نجرى وراء مديح باطل او مجد زمنى { لانه ليس من مدح نفسه هو المزكى بل من يمدحه الرب} (2كو 10 : 18). كن اذا صادقاً من نفسك واعرفها لأنه من الطبيعي ومن المفيد ان تتأمل نفسك وافكارك ومواهبك وتنميها وابعاد شخصيتك وأن تحاول ان تفهمها بصورة أدق . وأن تعرف لماذا تفكر وتتصرف وتشعر على نحو ما تفعل. لتعرف الى أي مدى انت تختلف عن غيرك. لتعرف الى اين تسير واين المصير؟ لتعرف كل شيء عن نفسك . وليكن ذلك فى ضوء كلمة الله والضمير الصادق وارشاد الروح القدس فان ذلك هو الخطوة السليمة التى تخطوها في طريق الحياة الصحيحة المتكاملة والسعيدة . معرفتك لنفسك تساعدك على ان تستكشفها وتعرف ضعفاتها وقوتها وتعالجها وتتوب وتقلع عن كل ما فيها من رياء وكذب . وتعرف ما يجب ان تقوم به في الحياة وما تستطيع ان تتقنه، وما لا تستطيع.وبهذا تتخلص من الزيف وتكون صادقا مع نفسك { لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه }(مت 16 : 26) وكلما اتسعت معلوماتك عن نفسك وشخصيتك وواقعك وأهتماماتك ازددت فهما لغيرك وامكنك ان تجد حلول لمشاكلك وتكون صادقا في تعاملك مع الامور غير المجدية في حياتك، وتتوقف عن اختلاق الاعذار، تمتلك الشجاعة الادبية فى الاعتراف بالخطأ ان حدث منك وتعالجه بالطرق السليمة والسعى الحثيث فى تنمية قدراتك الروحية والعقلية والنفسية { واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة} (1تي 6 : 6).ان الله قد وهب لكل منا الكثير من الاستعدادات والقدرات والامكانات وإن كنا لم نستثمرها او استخدمنا منها النذر اليسير ، فنحن مخلوقين على صورة الله ومثاله { لاننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها} (اف 2 : 10). لنا ارواح خالدة لا تموت ونستطيع بها ان نحلق فى السماء اذ تتطهر وتستنير عندما يكون لها شركة ومحبة واتحاد بالله ولنا عقل جبار به وصل الانسان للقمر واخترع الباخرة والطائرة والكمبيوتر والنت وكل وسائل الاتصال الحديثة وكل العلوم الحديثة ، ولنا العواطف الجياشة التى تخلق من عالمنا فرودس او جحيم بحسب ما نوجهها الى الخير او الشر . فلنكن صادقين فى المحبة للنمو ونبدع { بل صادقين في المحبة ننمو في كل شيء الى ذاك الذي هو الراس المسيح }(اف 4 : 15). فلنتوب عن أخطائنا ونعترف بخطايانا ولنقلع عنها ونحيا الصدق مع أنفسنا ومع الناس. ومع الله الذى لايمكن ان نغشه او نخدعه لان ما يزرعه الانسان اياه يحصد فلنزرع زرع الصدق والبر والخير { فان ابن الانسان سوف ياتي في مجد ابيه مع ملائكته و حينئذ يجازي كل واحد حسب عمله} (مت 16 : 27). لكى ندرب أنفسنا على الصدق والامانه أضع هنا بعض التداريب البسيطة كامثلة للتفكير : فكر قبل الاجابه على الاسئلة وقل بماذا كان السيد المسيح يجيب عن هذا السوال لو وجه له ؟، فكر قبل ان تتحدث وما تراه ليس صدقا او مفيداً لا تتحدث به ،استمع كثيرا موجهاً الحديث للخير وعدم الادانة. لا تأخذ شيئا مما فى عهدتك او عملك من ملكية عامه لتستخدمه كشئ خاص بك ، لا تدخل فى جدال او نقاش فى موضوعات لا تعرفها مدعياً معرفتها وان ثبت ان رايك خطأ فاعتذر بلباقه وادب .احترس من التعميم ولا تصدر أحكاما ضد الاخرين بل استفسر عن ما لا تعرف، ارجوك لا تفتى وتدعى المعرفة ابداً فى أمور تجهلها بل اعرف الطريق الى لا أعرف! . لا تبالغ فى شئ بدافع المباهاه والافتخار الباطل واقتنع بان حبل الكذب قصير وان الصدق يكسبك ثقة الناس والله. الصدق مع الله:- نحن نؤمن بان الله عالم بكل شئ حاضر بلاهوته فى كل زمان ومكان { وليس خليقة غير ظاهرة قدامه بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه امرنا}(عب 4 : 13). فلهذا يجب ان نكون صادقين له فى عبادتنا وصلواتنا وتعاملاتنا وقديما عاتب الرب الشعب { فقال السيد لان هذا الشعب قد اقترب الي بفمه واكرمني بشفتيه واما قلبه فابعده عني } (اش 29 : 13). وهذا ما عاتب عليه السيد المسيح ايضا البعض { فاجاب وقال لهم حسنا تنبا اشعياء عنكم انتم المرائين كما هو مكتوب هذا الشعب يكرمني بشفتيه واما قلبه فمبتعد عني بعيدا} (مر 7 : 6). لقد طلب الله ان نحبه من كل القلب والفكر والقدرة { تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك }(لو 10 : 27).فهل نحن صادقين فى محبتنا وصلواتنا. ام حتى فى صلواتنا نصلى بلا روح ويطيش فكرنا هنا وهناك { ان قلنا انه ليس لنا خطية نضل انفسنا و ليس الحق فينا.ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا و يطهرنا من كل اثم. ان قلنا اننا لم نخطئ نجعله كاذبا وكلمته ليست فينا} 1يو8:1-10 الله يحب الصدق ويكافئ الصادقين الامناء ويطلب منا ان نكون هكذا { فقال الرب فمن هو الوكيل الامين الحكيم الذي يقيمه سيده على خدمه ليعطيهم العلوفة في حينها} (لو 12 : 42). والانسان الامين الصادق على الوزنات المعطاة له يسمع فى اليوم الاخير { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 23). وان كان البعض غير أمناء فان ذلك لا يبطا أمانة الله{ فماذا ان كان قوم لم يكونوا امناء افلعل عدم امانتهم يبطل امانة الله.حاشا بل ليكن الله صادقا و كل انسان كاذبا كما هو مكتوب لكي تتبرر في كلامك و تغلب متى حوكمت} رو3:3-4.فلنعرف اذا الله بصدق ونعبده بالروح والحق { الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي ان يسجدوا }(يو 4 : 24). يجب ان نتحلى بالايمان والوفاء الاعتراف الامين لله والشهادة لمحبته ولا ننكره لا باقوالنا او بأعمالنا او تصرفاتنا حتى لا نسمع ذلك الصوت القائل { اقول لكم لا اعرفكم من اين انتم تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم }(لو 13 : 27). لقد عاش ابائنا أمناء للرب الذى أحبهم فى جهاد روحي وتعب واسهار واقتنوا الفضيلة والصدق والامانة بالدموع والدم فمنهم من كان يربط شعره فى الحائط لكى لا ينام ويسهر فى الصلاة كالانبا بيشوى ومنهم من كان يقف للصلاة والشمس خلفه ويظل واقفا الى ان تشرق الشمس فى وجهه كالانبا ارسانيوس ومنهم من نفي بعيداً فى ظروف قاسية لسنين طويله مجاهدا لحفظ الامانة والايمان كالقديس الانبا اثناسيوس وديسقورس ومنهم الالاف الذى سجنوا وعذبوا ولم يقبلوا ان ينكروا ايمانهم ومنهم من تقدم للاستشهاد بالالاف عبر العصور فى سبيل حفظ الأمانة وتوصيل الايمان القويم لنا وهذا ما يجب علينا العيش به والدفاع عنه والشهادة له { و ما سمعته مني بشهود كثيرين اودعه اناسا امناء يكونون اكفاء ان يعلموا اخرين ايضا (2تي 2 : 2). الصدق مع الناس:- عندما أتي اخوة يوسف ليبتاعوا قمحا من مصر وكانوا قد باعوه حسدأ وكذبوا على اباهم وقالوا ان وحش ردئ افترسه ! عرفهم يوسف وتنكر لهم وساله عن اباه واخوه بنيامين { ارسلوا منكم واحدا ليجيء باخيكم وانتم تحبسون فيمتحن كلامكم هل عندكم صدق والا فوحياة فرعون انكم لجواسيس} تك 42:16. فقالوا بعضهم لبعض { حقا اننا مذنبون الى اخينا الذي راينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع لذلك جاءت علينا هذه الضيقة. فاجابهم راوبين قائلا الم اكلمكم قائلا لا تاثموا بالولد وانتم لم تسمعوا فهوذا دمه يطلب. وهم لم يعلموا ان يوسف فاهم لان الترجمان كان بينهم. فتحول عنهم وبكى ثم رجع اليهم وكلمهم واخذ منهم شمعون و قيده امام عيونهم....وقال يوسف لاخوته انا يوسف احي ابي بعد فلم يستطع اخوته ان يجيبوه لانهم ارتاعوا منه.فقال يوسف لاخوته تقدموا الي فتقدموا فقال انا يوسف اخوكم الذي بعتموه الى مصر.والان لا تتاسفوا ولا تغتاظوا لانكم بعتموني الى هنا لانه لاستبقاء حياة ارسلني الله قدامكم} تك 21:42-24، تك 3:45-5.ان الكذب حبله قصير ولابد ان يعلن الحق وتظهر الحقيقة فيجب ان نتحلى بالصدق فى اقوالنا وتصرفاتنا واعمالنا مع الاخرين . بيوت كثيرة بل بلاد خربت وتحطمت بسبب الكذب والرياء والنفاق ان الصدق يورث الملكوت ونصيب الكذبة هو الجحيم من اجل هذا قال المرتل { يا رب من ينزل في مسكنك من يسكن في جبل قدسك. السالك بالكمال والعامل الحق والمتكلم بالصدق في قلبه. الذي لا يشي بلسانه ولا يصنع شرا بصاحبه ولا يحمل تعييرا على قريبه. والرذيل محتقر في عينيه ويكرم خائفي الرب يحلف للضرر ولا يغير. فضته لا يعطيها بالربا ولا ياخذ الرشوة على البريء الذي يصنع هذا لا يتزعزع الى الدهر} مز1:14-5.ولقد قبل السيد المسيح المرأة السامرية رغم خطاياها لانها كانت صادقة معه فى حديثها ومن ثم توبتها {لانه كان لك خمسة ازواج و الذي لك الان ليس هو زوجك هذا قلت بالصدق }(يو 4 : 18) لذلك يدعونا الكتاب الى الصدق نحو بعضنا البعض { لذلك اطرحوا عنكم الكذب و تكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لاننا بعضنا اعضاء البعض }(اف 4 : 25) قلنا يجب ان نقول الصدق مع الاخرين سواء فى الاسرة او الكنيسة او المجتمع وهنا اود ان اذكر ايضا القراء باهمية الافراز والحكمة فيما نقرأ وان لا نصدق كل ما نقرأه ولا ننقله الا بتاكدنا من صحته لان وسائل الاعلام المقرؤة والمسموعة والمرئية تنقل لنا سيل من الاخبار والاقوال والكتابات الكاذبة سواء بقصد او بحسن النية وعدم تحرى الدقة . ان الاعلام الموجه يبث الدعايات الكاذبة بمقاصد ليس خافية على العارفين فيجب علينا ان نكون حكماء ولا ننساق وراء الاكاذيب او فيض الدعايات الكاذبة والمضلله فى مختلف المجالات . كما نحذر الذين يبثون الاكاذيب بقول الرب { ولكن اقول لكم ان كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساب يوم الدين (مت 12 : 36). هذا من جهة الله أما الناس فقد ينخدع البعض بدعاية كاذبة لبعض الوقت ولكن الحقائق لابد ان تنكشف سريعاً ويفقد الكاذبين سمعتهم ومصداقيتهم امام الناس. لكى أكون صادقا ايها الرب القدوس الصادق والأمين لتكن انت الراعى الأمين لنفوسنا وتهدى ارجلنا فى دروب الحق والصدق والأمانة لنعرفك ونخافك ونتبعك ونحرص على رضاك والعمل بوصاياك لا خوفا من العقاب ولا طمعاً فى الثواب بل لانك ابونا وخالقنا ورازقنا ومعلمنا الذى يريدنا ان نكون على صورته ومثاله فى حب الخير والامانة والقداسة والكمال ايها الرب الاله القادر على كل شئ هبنا القدرة لنقول ونعمل الواجب واعطنا الشجاعة لنقول الحق ونأخذه من أنفسنا قبل ان نطالب به الأخرين وهبنا الحكمة لنعرف متى نتكلم وماذا نقول ومتى نصمت ولا يكون صمتنا تكاسل او هوى او تقصير فى قول الحق . هبنا النعمة ليكون قولنا واعمالنا وكل حياتنا من أجل محبتك وخلاص نفوسنا وفائدة الغير وحباً للخيرعلمنا يارب ان الصدق خير طريق للشهادة للحق وللانسانية الحقة وان الكذب مرض قاتل يجعلنا ابناء لابليس وجنوداً للشر ، وان الامانة سر تقدمنا كما ان الأمين على القليل ستقيمه على الكثير. ونحن يكفينا ان نتاجر بالوزنات القليلة التى بين ايدينا لنسمع صوتك الحنون قائلاً : تعالوا اليٌ يا مباركي ابى رثوا الملك المعد لكم منذ انشاء العالم. أمين القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
10 يونيو 2020

ما هي الخدمة روحيًا

ليست الخدمة مجرد تدريس أو تعليم, وإلا كانت عملًا عقليًا بحتًا والخادم ليس هو مجرد مدرس, ولا مجرد حامل معلومات ينقلها إلى آذان وأذهان تلاميذه.. فما هي الخدمةإذن. الخدمة محبة 1. الخدمة محبة إنها محبة تملأ قلب الخادم نحو الله وملكوته, ونحو الناس وبخاصة الصغار منهم. هو يحب الله, ويريد أن الجميع يحبونه. وهو يحب الناس, ويريد أن يوصلهم إلى الله. وتعبيره عن هذه المحبة التي في قلبه, هو الخدمة.فالخدمة هي نتيجة طبيعية لشيء أعظم من الخدمة, هو المحبة.إذن الخدمة هي حب في القلب, فاض على هيئة خدمة.. هي شهوة في قلب الخادم, أن يوصل الناس إلى الله على قدر ما يستطيع, وبخاصة الذين اؤتمن على خدمتهم.وإذا خلت الخدمة من الحب, تصبح خدمة جافة, وعملًا روتينيًا, أو عملًا آليًا خاليًا من الروح, وتتحول إلى مجرد تدريس معلومات, أو إلى مجرد نشاط علمي أو نشاط اجتماعي أما عندما نحب المخدومين كما يحبهم الله, وعندما نحبهم كما يحبنا الله.. فحينئذ نصل إلى مثالية الخدمة وما دمنا لا نستطيع أن نصل إلى هذه الدرجة من الحب.. فلنحاول أن تمتلئ قلوبنا بالحب نحو المخدومين, على قدر ما تتسع قلوبنا للحب.. وإذا تأملنا خدمة السيد المسيح, نجد دعامتها المحبة. فقد قيل عنه أنه "أحب خاصته الذين في العالم, أحبهم حتى المنتهى" (يو 13: 1). وحتى عمل الفداء, قيل عنه أيضًا "هكذا أحب الله العالم, حتى بذل ابنه الوحيد, لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون لهالحياة الأبدية" (يو 3: 16).وأنت: لا تستطيع أن تكون ذا تأثير روحي في إنسان, إلا إذا كانت هناك محبة بينك وبينه. وبهذه المحبة, يثق بك, ويقبل كلامك, ويفتح لك قلبه, فتعرف احتياجاته الروحية. وبكل ذلك يمكنك أن توصله إلى الله وملكوته الخادم إذن في مدارس الأحد, هو إنسان محب ومحبوب.يحب تلاميذه, وتلاميذه يحبونه, ويحب الخدمة, وتسرى محبتها في قلبه وفي كل كيانه. الخادم الذي يحب مخدوميه, تكون خدمته لهم ممزوجة بالعاطفة: إذا غاب واحد منهم, يحزن لغيابه, لأنه مشتاق إليه, وقد حُرم منه في ذلك الأسبوع. وإن حضر في فصله 28 تلميذًا من ثلاثين, يكون مشتاقًا إلى الاثنين الباقيين. وعندما يفتقد أحد تلاميذه, تظهر عاطفته في الافتقاد. ليست خدمته خدمة رسميات ولا شكليات, بل محبة لله وللناس.وهو في كل نشاط خدمته, لا يركز على ذاته, لكي يبدو أمام نفسه خادمًا صالحًا وأمينًا في الخدمة, وليس خوفًا من محاسبة الله له, وإنما يخدم حبًا لمخدوميه.وعندما يحضر درسًا, يكون كل همه أن يعطى تلاميذه كل ما عنده. لذلك يبحث عن القصص التي يسرون بسماعها. بل ويجمع كل الأفكار النافعة لهم, وكل المعلومات المشوقة.. لا لكي يكون الدرس ممتازًا ومثاليًا, وإنما لأن المحبة من طبيعتها إسعاد الآخرين والعمل على منفعتهم, والتعب والبذل لأجل ذلك. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
28 أبريل 2021

الساعة التاسعة من يوم الأربعاء من البصخة المقدسة

مِسْحَة الموت المُعطِّرة للجسد ان الطيب المسكوب على الجسد الحي من أجل تكفينه في بيت عنيا أول شركة مقدَّسة صادقة في موت المسيح. كانت هذه المسحة الأخيرة أول عبادة مقدَّسة للجسد الإلهي الذي ارتفع إلى السماء حيًّا ليحيي جسم البشرية ويبرِّرها. لقد رد المسيح طيب الناردين مضاعفاً باقياً أبداً لجسد البشرية الذي اتحد به ومنحه روحه وحياته وبنوَّته، بأن أجلسه عن يمين أبيه. وارتد تذكار هذه المحبة الخالصة الكثيرة الثمن لصاحبته من دور فدور وفي كل كنيسة وقلب كل عابد في العالم كله. ولقد صار ناردين البشرية المسكوب على جسد المسيح مدخلاً بديعاً للآلام ونبوَّة عن قيامة عتيدة تعطِّر تاريخ الإنسانية! «وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبٍ كَثِيِرِ الثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ».كان ذلك بحسب إنجيل ق. يوحنا قبل الفصح بستَّة أيام وبحسب الأيام كان مساء السبت 8 نيسان.القديس متى عاشق للمقارنات، يضع قصة العطر والمسحة في بيت مريض شفاه المسيح، في مقابل بيت رئيس الكهنة الذي تفوح منه رائحة الدم والنتانة تتصاعد من أفواه وبطون الكبراء والرؤساء والمرؤوسين والمأجورين.هنا يعفُّ ق. متى أن يمس بكلمة تلك المرأة صاحبة المحبة المحفوظة في قارورة الطيب إلى اليوم الذي ينبغي أن تخرج منه، لتعطي للجسد كرامته بل قداسته، إن لم يكن في أعين رؤساء الكهنة ففي عين الكنيسة إلى أبد الدهور. فالذي يمسح الجسد المسحة الأخيرة كاهن هو وأعظم من كاهن، فلمَّا خذل الكهنوت صَنْعَتَهُ واشتغلوا بالمؤامرات والقتل، قامت امرأة في إسرائيل كدبُّورة ترفع قرن الكهنوت عالياً وتطرح حقد التلاميذ وجشع يهوذا أرضاً لتقول قول دبورة: دوسي يا نفسي بعز!! وضمَّخت الجسد بالعطر قبل أن يُعرف له قبر!! ودهنت الرأس ولم تكن تعلم أنها دهنت رأس الكنيسة كلها. ولقد عبَّرت هذه المرأة الملهمة الذكية عن بهجة القيامة في وسط مؤامرات الموت وحبَّبت إليه القبر لمَّا اشتمَّ من قارورتها رائحة الصعود! «فَلَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذلِكَ اغْتَاظُوا قَائِلِينَ: لِمَاذَا هذَا الإِتْلاَفُ؟ لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا الطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ».لقد تضاربت الأقوال على مَنْ هو صاحب هذا النقد غير الصائب، فالقديس يوحنا قال إنه يهوذا وهذا كان يليق به لأنه كان حامل الصندوق ويلتقط كل ما يدخل فيه. والقديس مرقس قال بعض التلاميذ متحشِّماً، وق. لوقا قال أحد الفريسيِّين حتى يزيح هذه السبَّة عن جبين التلاميذ. وهنا ق. متى يلقيها على التلاميذ كلهم - لأن ق. مرقس زاد القول أن التلاميذ كانوا يؤنِّبونها- حتى تصيب الكنيسة فيوعِّيها عن الخطأ والعيب. ولكن لا يفوتنا اتهام التلاميذ هنا عن أن يلقي الضوء على ضعف وانحراف دور التلاميذ في قصة الآلام الذي قد تنبَّأ عنه المعلِّم بقلب حزين: كلّكم تشكون فيَّ في هذه الليلة، هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرَّقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونني وحدي، وأنا لست وحدي لأن الآب معي. فكانوا يشكِّلون ثقلاً على المسيح، ولكن كشفوا في المقابل عن مدى سعة صدر المسيح وعفوه وحبّه وتسامحه ونعمته. وصدق ق. يوحنا إذ قال بصددهم: كان قد أحبَّ خاصته الذين في العالم أحبَّهم إلى المنتهى. وألقى ق. لوقا صدى هذا القول بقوله: شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألَّم. كما تنبَّأ المسيح عن بطرس حزيناً: سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة ولكني طلبت من أجلك لكي لا ينفى إيمانك. ولكن وفي الحقيقة كان موقف التلاميذ مُخزياً للغاية! «فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُزْعِجُونَ الْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَناً! لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ».”كَشْفٌ فاضحٌ وتقريرٌ لاذع وتعقيب على غيظهم يَرُدُّ غيظهم إلى بطونهم. هم قالوا هذا التصرُّف فيه إتلاف فردّ الرب عليهم وقال هذا الرد فيه إزعاج. هم قالوا أن يُباع أحسن، والمسيح قال إنها عملت الأحسن. هم قالوا الفقراء أفضل والمسيح ردَّ عليهم بل أنا الأفضل! فماذا بقي لمشورة التلاميذ؟ لقد استطاع ق. لوقا في إنجيله أن يرى في تصرُّف التلاميذ هذا عملاً عدائياً للمسيح فاستكثره على التلاميذ فنسبه إلى أحد الفريسيين!! فكان هذا أفضل تعليق على الوضع بأكمله دون أن يجرح التلاميذ وهو بذاته أشد من الجرح!! ”تبًّا للمبادئ والأصول وقياس الأفضل مالياً إن كان فيها احتقار للمحبة، ويا ليتها محبة مقدَّسة لإنسان محتاج ولكن لمسيح قادم على الصليب. إن القلم يكاد يخرج عن طاعتي حينما أعيد الفكر فيما صنعه التلاميذ، ولكن شكراً للرب فقد قال ما يكفي. آه لو دري جميع الفقراء بما قاله التلاميذ، لتبرعوا بثمن خبزهم شهراً ليقدِّموا نفس قارورة الطيب وفي نفس وقتها ولنفس الغرض ويبقوا هم جياعاً مسرورين إذ يكونون قد قدَّموا طيباً لتكفين الجسد الذي حمل عنهم خطاياهم وفتح لهم باب الملكوت! وكم وكم تحمَّل الفقراء ألوف وملايين من الأموال التي نُهبت على اسمهم وما دروا وما سمعوا عنها شيئاً!! والقديس متى يصمِّم أن يجعل من قصصه تعليماً للكنيسة طالما بقي لها ضمير!! ”على أن الدرس الأكبر الذي نخرج به من قول المسيح إنها عملت بي عملاً حسناً وإن الفقراء معكم كل حين، هو أن العبادة لله بالروح أعلى شأناً من إعطاء الحسنات، وتوقير شخص المسيح بالحب أرفع من خدمة الفقير. لذلك نحن نرى في قول ق. مرقس من أجل ترك العالم والأسرة أن يكون ذا اتجاهين هكذا: من أجلي ومن أجل الإنجيل اتجاهاً سريًّا خطيراً لتقنين بيع العالم وما فيه حبًّا للمسيح وحده، وتقديم ذبيحة النفس طوعاً لعبادته، على نفس المستوى تماماً لتقديم الذبيحة لخدمة الإنجيل والكرازة باسمه. وعلى القارئ أن يزنها جيداً، فهي سند إنجيلي قوي للذين كرَّسوا الروح والنفس والجسد لعبادة الرب بالروح والحق!! لذلك تجدنا أيها السامع العزيز أمام لغز هذه المرأة - التي نعرف بحسب تأكيد إنجيل ق. يوحنا أنها مريم أخت لعازر - التي لفتت نظر الكنيسة بقوة نحو حياة الجلوس تحت قدمي الرب باعتباره اختيار النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها، أفضل مما اختارت مرثا بالارتباك والاهتمام بأمور الخدمة الكثيرة. ثم تعود هنا وتظهر بقارورة طيبها التي لم تكن إلاَّ حياتها تكسرها وتدهن بها الجسد لتطيِّبه حبًّا فأراحت نفسه، وردَّ جميلها بأجمل منه إذ جعل حياتها هذه سواء بجلوسها تحت قدميه تسمع وتتأمَّل فيما تسمع، أو بتحويشة العمر لتسكبها على رأسه والجسد وتبل رجليه بدموعها كعهد تَـقْـوَى، وتمسحهما بشعرها لترتد لها مسحة قداسة، جعل حياتها في الكنيسة عملاً وذكرى وتذكاراً حسناً. المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
18 أغسطس 2020

أهمية الإلتزام بالعقائد الأرثوذكسية

مع كثرة انتشار الطوائف، وظهور شيع كثيرة غير مسيحية، ولكنها تدّعى المسيحية، كالأدفنتست، وشهود يهوه، والمورمون (وقد وصلوا حديثًا إلى مصر)، ينادى البعض بعدم أهمية العقيدة، وبشىء اسمه “اللاطائفية”، أى عدم الانتماء إلى طائفة بعينها. وهذا كله خطأ، بل “اللاطائفية” هى وهم كبير، فأى إنسان يدعى أنه “لا طائفى” ستجد: أنه لا يعيش بمعتقدات هامة تقود حياته مثل: وجود الله، وألوهية المسيح، والثالوث القدوس، الكنيسة جسد المسيح والمسيح رأس هذا الجسد. الأسرار السبعة ودورها فى خلاص الإنسان. وسائط النعمة كشبع روحى للإنسان. وهكذا يستحيل أن يعيش الإنسان “فى الهواء” بل هو يرتكز على ركائز صلبة، هى العقائد والممارسات الكنسية. فالعقيدة هى ما انعقدت عليه الحياة، فأنا أؤمن بوجود الله، لذلك سأسلك على هذا الأساس. وأنا أؤمن بالتجسد، فأرتبط بالفادى الذى تجسد لأجلى، وأطلب منه تقديس جسدى بدمه الكريم وفعل روحه القدوس “كَىْ لاَ نَكُونَ فِى مَا بَعْدُ أَطْفَالاً مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ” (أف 14:4).وإذا كنت أؤمن بشفاعة القديسين، أدخل فى عشرة معهم، وأحسّ بوجودهم ودورهم فى حياتى. إن آمنت بالاعتراف اعترفت، وإن آمنت بالقيامة وضعت الأبدية نصب عينى.أما اللاطائفية فهى ببساطة “مسح العقيدة” فيصير الإنسان غير أرثوذكسى (Non-orthodox)، وليس فقط “ضد الأرثوذكسية” أى (Anti-orthodox). أى أنك ربما تجده لا يهاجم العقيدة الأرثوذكسية، ولكنه أخطر، لأنه يمسحها تمامًا، وهذا أخطر طبعًا! إذ سينساها الناس، ولا يعيشون بمقتضاها. و”اللاطائفية” بحد ذاتها نوع من الاعتقاد!! الاعتقاد بأنه لا توجد عقائد؟!!هذا ما استقر فى قلب هؤلاء الأخوة، وتصوروه حقًا وهو باطل!! ذلك لأن الإنسان يتحرك من صباحه الباكر إلى آخر المساء بناء على عقائد استقرت فى وجدانه! منذ الصباح الباكر يخرج كل من العامل والفلاح والموظف وهو يقول: “يارب يا ساتر”، “ربنا معانا”، “متخافش.. ربنا موجود!!”.. إنه إيمان راسخ بوجود إلهنا الحىّ المحب، الفاعل فى السماء وعلى الأرض وفى كل مكان وزمان!! “فَاثْبُتُوا إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِالتَّعَالِيمِ الَّتِى تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِالْكَلاَمِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا” (2تس 15:2).الله هو فوق الإنسان، والزمان والمكان!! لهذا أصبح شعار قداسة البابا شنوده الثالث: “ربنا موجود”.. شعارًا لكل الشباب والشعب، أمام كل ظروف الحياة اليومية، وامتحاناتها!لاشك أن العقيدة هامة فى حياة كل إنسان، فالعقيدة هى “ما انعقدت عليه الحياة من أفكار ومناهج”.. ومن هنا نسأل: ما هى العقيدة ؟ العقيدة هى الفكر الجوهرى فى حياة الإنسان، والذى يقود عاطفته وإرادته وسلوكياته.. فمثلاً هناك من لا يؤمن بوجود الله، أو من يرفض وجود الله غير المحدود، وهذا بلاشك لا يعرف حدودًا لنفسه ولغرائزه وشهواته، لا يقف ضدها، ولا يفرز الغث من الثمين، والصحيح من الخاطئ، والحدود المطلوبة فى الحياة اليومية، سواء الخاصة، أو الأسرية، أو الكنسية، أو الاجتماعية. ببساطة هو قطار بلا فرامل، ولا قضبان مناسبة، ولذلك فما أسهل أن يصطدم، أو يخرج عن المسار، أو يدمر هنا وهناك. أما العقيدة فهى الضابط والضامن للسلوك الإنسانى فى هذه الأرض، والمصير النهائى فى الحياة الأبدية.هناك فى التاريخ من “أنكروا وجود الله”.. تمامًا كمن يغمض عينيه فلا يرى الشمس.. وهناك من “رفضوا وجود الله”، وقالوا له: “يا أبانا الذى فى السموات ابق فيها!!”. وهناك من نادوا بضرورة أن نلغى وجود الله لنحقق وجودنا نحن.. وكأن هناك تعارضًا بين الاثنين.. مع أن وجود الإنسان مرهون بنسمة حياة الخالق، التى نتنسمها كل لحظة.. وبوجود الهواء والأكسجين اللازم لاستمرار الحياة!!من هنا كان من لديه اعتقاد بوجود الله، قادرًا على :- 1- إقامة علاقة مقدسة معه “لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ” (أع 28:17). 2- تقديم طلب مستمر لله.. لكى ينقذنا من السلبيات الداخلية والخارجية.. 3- رجاء سكنى الله فى داخلنا.. لنحقق الآية: “الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ” (كو 27:1). وعقيدتنا الأرثوذكسية لها سمات خاصة.. هى النقطة التالية:- (السمات الإيجابية للعقيدة).. 1- هى عقيدة سليمة : بمعنى أنها مضبوطة بالكتاب والتقليد والتدقيق فى موضوع ما كالأسرار، والشفاعة، والصلاة من أجل الراقدين، والأصوام، والأعياد، وغير ذلك من المواضيع، وكنيستنا تفخر – بنعمة الله – أنها قدمت للمسيحية علماء اللاهوت الذين استطاعوا أن يقتنوا الإيمان المسيحى والعقيدة السليمة، ويصيغوا قانون الإيمان وحقائق المسيحية، بأسلوب دقيق شهد له العالم المسيحى آنذاك،وما يزال!! ولعل عودة العائلتين الأرثوذكسيتين إلى “صيغة كيرلس الاسكندرى” كانت، وسوف تكون، سببًا فى الوحدة بين العائلتين الأرثوذكسيتين: طبيعة واحدة لكلمة الله المتجسد.. 2- وهى عقيدة مستقيمة : وأقصد بذلك أنها لم تمل يمنة أو يسرة.. بدأت من عصر الرسل، وحتى الآن، فى خط مستقيم، محافظ بدون أدنى انحراف، فالبعض انحرفوا يمينًا، واحتج عليهم بعض منهم، فانحرفوا يسارًا، فإذ ما جلسوا وتقاربوا للحوار، فسيجدون الجذور الأرثوذكسية ملجأ وملاذًا!! لا ندعى شيئًا متميزًا فى أشخاصنا، ولكن لأننالم ننحرف لا يمينًا ولا يسارًا.. أنها طبيعة الأشياء، وحركة التاريخ!! 3- وهى عقيدة شاملة : فهى لا تميل إلى المبالغة فى أمر على حساب الآخر، فنراها تتحدث عن الإيمان دون أن تهمل الأعمال، وتكرم العذراء دون أن ترفعها إلى مصاف الألوهية.. وتسمح بقراءة الكتاب المقدس والتأمل فى كلماته، دون أن تعطى لكل فرد حرية التفسير، فالمسيحية لن تبدأ بنا.. وتعطى الكهنوت سلطة وكرامة، دون أن تعطى الشعب حقه فى صنع القرار الكنسى.. تتحدث عن النعمة وتتحدث عن الجهاد أيضًا.. وهكذا فى شمول يعطى المسيحية صورتها الشاملة المتكاملة. 4- وهى عقيدة كتابية : فمع أن الكنيسة القبطية كنيسة تقليدية، تؤمن بأهمية التقليد الكنسى،وأن الكتاب نفسه هو عطية التقليد وجزء منه،إلا أنها تؤمن أن الكتاب المقدس هو الحكم على كل عقيدة أو تقليد أو طقس.. لهذا فكل عقائد كنيستنا كتابية.. مئات الآيات عن الأسرار، والشفاعة، والتقليد، وتطويب العذراء، ومسحة المرضى بالزيت، والكهنوت، والمذبح.. الخ.لاشك أن عقيدة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، هى الفهم السليم للكتاب والحياة، ولا نقصد بذلك تعصبًا، ولكنه التراث الذى تسلمناه من الآباء دون زيادة أو نقصان. لقد عاش آباؤنا المسيحية والإنجيل والمجتمع، ونحن ندرس حياتهم وأقوالهم تفسيراتهم للكتاب المقدس، ولاهوتهم، وعقيدتهم، ونجتهد أن نستمر فى نفس الطريق: “انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ” (عب 7:13).وهكذا إذ نضرب بجذورنا فى عمق التاريخ، وفهم وسلوك الآباء، ترتفع الساق إلى فوق، وتورق وتزهر وتثمر لمجد السيد المسيح.. وبناء ملكوت الله نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
01 سبتمبر 2019

ما بين المجيء الأول والمجئ الثاني للسيد المسيح

نأتى الآن إلى تساؤل لماذا يختلف المجيء الأول للسيد المسيح عن مجيئه الثاني؟! جاء السيد المسيح في ظهوره الأول ليخلص العالم باعتباره هو الله الظاهر في الجسد. ولكن كان ينبغي أن يخفى مجده المنظور لكي يكون من الممكن إتمام الفداء لو ظهر السيد المسيح في ملء مجده لما احتمل البشر النظر إليه. فلا تلاميذه كان من الممكن أن يقتربوا منه ويتتلمذوا على يديه، ولا الأشرار من اليهود أو من الرومان كان من الممكن أن تمتد أيديهم إليه ليسمّروه على الصليب لقد أخلى الله الكلمة ذاته "آخذًا صورة عبد.. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موتالصليب" (في 2: 7، 8). هزم السيد المسيح كبرياء الشيطان بتواضعه وطاعته للآب السماوي كذلك حرر البشر من خطية الكبرياء، وعلّم تلاميذه: "تعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت11: 29) لقد أظهر لنا السيد المسيح أن في الكبرياء ضعف، وفي التواضع قوة. لهذا تتغنى الكنيسة في لحن أومونوجينيس "O Monogenhc" الذي يقال في الجمعة العظيمة، وفي تقديس الميرون، وفي سيامة الأب البطريرك وتقول (قدوس الله الذي أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة). ظهوره الثاني المخوف المملوء مجدًا أما المجيء الثاني فهو للدينونة في نهاية العالم. لذلك فسوف يأتي السيد المسيح في مجد أبيه مع ملائكته القديسين ويدين الجميع ويحاسب الأشرار على شرورهم لقد أعطاهم الفرصة للخلاص وانتهي زمان التوبة. وكما دفع ثمن الخطية على الصليب فسوف يأتي ليطالب بثمن الدم الذي سفكه حبًا في خلاصنا قال معلمنا بولس الرسول: "من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقابًا أشر تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدّس به دنسًا وازدرى بروح النعمة" (عب10: 28، 29) في المجيء الأول احتمل العار لأجلنا، وفي مجيئه الثاني سوف يطالبنا بثمرة محبته وإلا فسنحمل نحن عار أنفسنا لذلك قيل في مجيئه الثاني المخوف المملوء مجدًا إن الأشرار سوف "يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش" (رؤ6: 16) وقيل في نبوة زكريا النبي "فينظرون إليَّ الذي طعنوه" (زك12: 10).بمعنى أنهم سيتعجبون من مجده العظيم بالرغم من أنه هو نفسه الذي طعنوه في جنبه بالحربة ليتأكدوا من موته. وقيل أيضًا في مجيئه الثاني "تنوح جميع قبائل الأرض" (مت24: 30). بمعنى أن مجده المرهوب سوف يجعلهم يبكون على موقفهم قبالته، ينوحون لأنهم يرتعبون من مصيرهم بعد الشرور التي ارتكبوها. وليس معنى هذا النوح أنهم شعروا بمشاعر التوبة الحقيقية عند مجيء الرب لأن الكتاب يقول: "ثم سكب الملاك الرابع جامه على الشمس، فأعطيت أن تحرق الناس بنار. فاحترق الناس احتراقًا عظيمًا، وجدّفوا على اسم الله الذي له سلطان على هذه الضربات، ولم يتوبوا ليعطوه مجدًا. ثم سكب الملاك الخامس جامه على عرش الوحش، فصارت مملكته مظلمة. وكانوا يعضون على ألسنتهم من الوجع. وجدّفوا على إله السماء من أوجاعهم ومن قروحهم، ولم يتوبوا عن أعمالهم" (رؤ16: 8-11). بمعنى أن الضربات التأديبية من الله على الأشرار لم تقتادهم إلى التوبة بل على العكس ازدادوا زيغانًا بالرغم من الآلام التي وقعت عليهم. لذلك فإن دينونتهم الأبدية هي نتيجة لعدم توبتهم لا بواسطة الحب والرفق من قبل الله ولا بواسطة التأديبات إذ قد استمروا في عنادهم وعدم توبتهم مثل الشيطان لذلك يقول القديس يوحنا في رؤياه: "وسمعت ملاك المياه يقول: عادل أنت أيها الكائن والذي كان والذي يكون، لأنك حكمت هكذا. لأنهم سفكوا دم قديسين وأنبياء، فأعطيتهم دمًا ليشربوا، لأنهم مستحقون. وسمعت آخر من المذبح قائلًا: نعم أيها الرب الإله القادر على كل شيء حق وعادلة هي أحكامك" (رؤ16: 5-7) وقال أيضًا: "وبعد هذا سمعت صوتًا عظيمًا من جمع كثير في السماء قائلًا: هللويا الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا. لأن أحكامه حق وعادلة، إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدتالأرض بزناها، وانتقم لدم عبيده من يدها. وقالوا ثانية: هللويا ودخانها يصعد إلى أبد الآبدين" (رؤ19: 1-3). يدين المسكونة بالعدل من الواضح أن يوم الدينونة هو يوم لاستعلان دينونة الله العادلة. بعد أن أطال أناته كثيرًا على الخطاة لعله يقتادهم إلى التوبة فمن الواجب أن نحترس من قساوة القلب التي تمنع التوبة. فالكتاب يحذر الإنسان غير التائب قائلًا: "من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" (رو2: 5) ينبغى أن نتذكّر باستمرار أن لطف الله إنما يقتادنا إلى التوبة وأن نكون دائمًا ساهرين على حياتنا الروحية مستعدين لاستقبال العريس كما أوصانا هو بنفسه. النبوة التي وردت في سفر ملاخي سفر ملاخي وهو آخر أسفار العهد القديم. يتكلم في آخر آيات منه عن مجيء الرب فيقول: "هأنذا أرسل إليكم إيلياالنبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن" (ملا4: 5-6) وفي بداية الأصحاح الرابع والأخير يقول: "فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور وكل المستكبرين وكل فاعلى الشر يكونون قشًا ويحرقهم اليوم الآتي قال رب الجنود: فلا يبقى لهم أصلًا ولا فرعًا. ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها.. اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام" (ملا4: 1، 2، 4)إنها كلمات رائعة لأنه يتكلم عن المجيء الأول وعن المجيء الثاني في نفس الوقت. فحينما يقول: "يوم الرب اليوم العظيم والمخوف" هذا يشير إلى المجيء الثاني بالأكثر لكن هذا لا يمنع أنه في المجيء الأول أيضًا كان هناك يوم صلب السيد المسيح يومًا عظيمًا ومخوفًا قال بطرس الرسول في عظة يوم الخمسين: "هذا ما قيل بيوئيل النبي يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أنيأسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلامًا. وعلى عبيدي أيضًا وإمائي أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون. وأعطى عجائب في السماء من فوق وآيات على الأرضمن أسفل دمًا ونارًا وبخار دخان، تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهير، ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص" (أع2: 16-21).من الواضح هنا أنه يتكلم عن يوم الصليب لأنه يقول "تتحول الشمس إلى ظلمة" وهذا حدث بالفعل في يوم الصلب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وحينما يقول: "دمًا ونارًا وبخار دخان" فالدم كان هو دم السيد المسيح، والنار لأن السيد المسيح قدّم نفسه صعيدة ومحرقة على الصليب فتنسم رائحة ذبيحته أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة، فالدم والنار وبخار الدخان تشير إلى الصعيدة التي أُصعدت واشتمها الآب رائحة رضا وسرور.ويقول معلمنا بولس الرسول في (عب9: 14) عن السيد المسيح: "الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب". الروح الأزلي هو الروح القدس. وحينما أصعد السيد المسيح نفسه على الصليب بالروح القدس كان هذا هو معنى النار التي أصعدت الذبيحة. لكن كما أن هذه الآيات تشير إلى المجيء الأول فإنها تشير إلى المجيء الثاني أيضًا. لأنه يقول عن المجيء الثاني:"منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب" (2بط3: 12). وأيضًا "سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزولالسماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط3: 10) فالمجيء الثاني سوف يكون مهوبًا ومرهوبًا ومخوفًا أكثر من الزلزلة التي حدثت في وقت الصلب. إن ما حدث في يوم الصلب كان مقدمة وإنذارًا لما سوف يحدث في المجيء الثاني حينما رأى التلاميذ إيليا وموسى على جبل التجلي سألوا السيد المسيح "فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولًا" (مت17: 10) رد السيد المسيح: "إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا" (مت17: 12) "حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان" (مت17: 13) وفي البشارة بميلاد يوحنا المعمدان قال الملاك إنه "يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكي يهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو1: 17). وما قاله الملاك عن يوحنا المعمدان هو ما ورد في نبوة ملاخي "فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن" (ملا4: 6) وعلى الرغم من أنه في هذه الآية يؤكد على المجيء الثاني لكنها تشير رمزيًا إلى المجيء الأول، لأن يوحنا المعمدان كان يرمز إلى إيليا، وكانت له شخصية وأسلوب إيليا، أو المواهب التي يمنحها الروح القدس للأنبياء إن إيليا النبي الذي صعد حيًا إلى السماء سوف يأتي قبل مجيء الرب المخوف والمرهوب في مجيئه الثاني. هو صعد حيًا إلى ما قبل أزمنة رد كل شيء لأنه في قصد الله أن يكون لإيليا وأخنوخ رسالة معينة في مسلسل العمل الإلهي بواسطة قديسيه إن هذا التداخل -إذا صح هذا التعبير- بين العهد القديم والعهد الجديد هو أمر رائع. فقد نقل الله اثنين من أنبياء العهد القديم المميزين وحفظهم عنده في السماء أحياءً ليدخلهم في نسيج العمل الروحي والتدبير الخاص بمقاصد الله في حياة الكنيسة في العهد الجديد. وسوف تتضح الصورة في النهاية حينما تكتمل الأحداث الله يأخذ من أنبياء العهد القديم للعمل في العهد الجديد، لأنه هو إله العهدين، ولأنه يريد أن يعرفنا أن شهادة يسوع هي روح النبوة، كما قال بطرس الرسول: "الخلاص الذي فتّش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم، باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها، الذين أعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أخبرتم بها أنتم الآن بواسطة الذين بشروكم في الروح القدس المرسل من السماء، التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها" (1بط1: 10-12) أتى يوحنا المعمدان كشاهد على مسح السيد المسيح وعمّده في نهر الأردن. كان هذا كاهنًا من نسل هارون، لكنه كان شاهدًا لاستعلان المسيا في يوم الظهور الإلهي. وقال: "الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلًا ومستقرًا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (يو1: 33-34). موسى وإيليا على جبل التجلي هذا عن يوحنا المعمدان لكنه شيء جميل أن نرى موسى وإيليا هما أيضًا على جبل التجلي، واحد أتى بالروح والآخر روحًا وجسدًا لأنه لازال حيًا إلى الآن. جاءا ليتكلما مع السيد المسيح أمام ثلاثة من الآباء الرسل عن صلبه وتدبير الفداء والخلاص. كانت زيارة من جوف التاريخ لمعايشة الحدث في روعته في حالة من التجلي مع صوت الآب والسحابة النيرة. قيامة أجساد الراقدين ودخولهم أورشليم هذه الزيارات من العهد القديم هي شيء في منتهي الروعة. ويصل الموقف إلى ذروة الروعة حينما "قام كثير من أجساد القديسين الراقدين" (مت 27: 52) في يوم قيامة السيد المسيح من الأموات بعد أن تمم الفداء "ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين" (مت27: 53) لكي يعلنوا إنهم نقلوا من الجحيم إلى الفردوس وإنهم يأتون الآن بالجسد والروح لكي يشهدوا للمخلص المسيح إنه رب القيامة ورب الحياة، قيامتهم المؤقتة جاءت كعربون ومقدمة للقيامة العامة في اليوم الأخير، لكي نعرف أن الراقدين بيسوع سيحضرهم أيضًا معه، كشهادة حية ملموسة لقيامة الأبرار، لئلا يظن أحد أن المسيح فقط هو الذي قام. جاء هؤلاء ليشهدوا "بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا" (1يو1: 2). وكأن الزمن قد اجتمع في نقطة واحدة. هذا نوع آخر من الاختراق من العهد القديم في العهد الجديد. إن هذا التلاشي للفوارق الزمنية يعطينا فكرة عن خروجنا خارج دائرة الزمن حينما يأتي المسيح في مجيئه الثانيويأخذنا لنحيا معه في الأبدية. الزيتونتان والمنارتان تكلّمنا عن يوحنا المعمدان كحلقة اتصال بين العهدين وعن التجلي وعن قيامة القديسين الذين شهدوا بالقيامة. والآن نتأمل في الإصحاح الحادي عشر من سفر الرؤيا: "وسأعطى لشاهديَّ فيتنبآن ألفًا ومئتين وستين يومًا لابسين مسوحًا. هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض. وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما، تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما، وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما، فهكذا لابد أنه يقتل. هذان لهما السلطان أن يغلقا السماء حتى لا تمطر مطرًا في أيام نبوتهما ولهما سلطان على المياه أن يحوّلاها إلى دم وأن يضربا الأرض بكل ضربة كلما أرادا. ومتى تمما شهادتهما فالوحش الصاعد منالهاوية سيصنع معهما حربًا ويغلبهما ويقتلهما" (رؤ11: 3-7) هناك إشارات تدل على أن أحد المذكورين في هذا الأصحاح هو إيليا النبي، لأن إيليا كان له سلطان أن يجعلالسماء لا تمطر مطرًا في أيام نبوته، ونزلت نار من السماء وأكلت أفواج الجنود الذين أرسلهم الملك إليه في كبرياء. والدليل على أنهما إيليا وأخنوخ أنه قيل "هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض". فإيلياوأخنوخ هما الأحياء والقائمين أمام رب الأرض. وأيضًا ذكر أنهما لابسين مسوحًا وهذا ما نعرفه عن إيليا النبي. أما أخنوخ فلا نعرف عنه الكثير، فقد ذكر عنه الكتاب "وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" (تك5: 24). لكن ذكر في رسالة يهوذا أن له نبوة تدل على قوته فقيل "وتنبأ عن هؤلاء أيضًا أخنوخ السابع من آدم قائلًا: هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار" (يه14، 15). وهو هنا يتكلم عن المجيء الثاني والنبوة أيضًا تشير إلى المجيء الأول لأن المجيء الأول فيه أيضًا ملامح للدينونة مع أنه مجيء للخلاص. فقد قيل عن الروح القدس إنه "يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" (يو16: 8) إن دخول أخنوخ وإيليا إلى صراع الكنيسة ضد الوحش قرب نهاية الأيام هو تدبير إلهي عجيب يتواصل فيه العهد القديم مع العهد الجديد لأن الرب نفسه هو إله العهدين ولابد أن من بقى حيًا من العهد القديم أن ينال بركات العهد الجديد. ويحيا بمقتضى شريعة الكمال ويجاهد مع الكنيسة المفتداة بدم الحمل. هل يتباطأ الرب عن موعد مجيئه؟ عالج القديس بطرس الرسول مشكلة الذين يعتبرون أن الرب قد تباطأ عن موعد مجيئه فقال إنه "سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات أنفسهم، وقائلين: أين هو موعد مجيئه لأنه من حين رقد الآباء كل شيء باقٍ هكذا من بدء الخليقة.. ولكن لا يخفَ عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء: أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماواتبضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط 3: 3، 4، 8-10). الله فوق الزمن بالطبع لا أحد يعرف متى سيحدث المجيء الثاني حتى بطرس الرسول نفسه الذي أوحى إليه الروح القدس بكتابة هذه التعاليم، من الواضح أنه يتكلم عن مبادئ وليس عن أوقات. بدليل قوله كما أوردنا: "أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد" وهذا شيء طبيعي لأن الله فوق الزمن أي غير زمني وحاضر في كل زمان كما أنه حاضر في كل مكان. وقد كتب الشاعر الفرنسي دي لامارتين عبارة جميلة قال فيها: [إن كينونة يهوه لا تقاس بالشهور والأيام، فيومه يوم أزلي وهو الكائن على الدوام]. ويقول القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات في قداسه المشهور مخاطبًا ابن الله الوحيد: (أنت الكائن في كل زمان أتيت إلينا على الأرض أتيت إلى بطن العذراء). وكتب القديس يوحنا الإنجيلي في رؤياه عن الله الكلمة: "أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء" (رؤ 1: 8). بمعنى أن الرب كائن في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل الذي يأتي. لأن الرب لا يعبر زمنًا بل نحن الذين نذهب إليه عبر الزمان لنجده في انتظارنا في الأبدية. أما عن مجيئه الثاني فيقول: "وها أنا آتي سريعًا وأجرتي معي لأجازى كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر" (رؤ22: 12،13). فإن مجيئه بالجسد الممجد الذي صنع به الخلاص لأجلنا هو للدينونة في اليوم الأخير، ولكي يأخذ قديسيه ويدخل بهم إلى المجد. وقد لخّص الله الكلمة مفهوم كينونته الدائمة غير المحدودة بزمان عند ظهوره لموسى في صورة نار مشتعلة في عليقة، والعليقة لا تحترق، إذ قال لموسى حينما سأله عن اسمه "أهيه الذي أهيه" (خر3: 14) أي "أكون الذي أكون" بمعنى الكائن على الدوام أو الكائن الذي هو كائن أي الكائن الضروري فوق حدود الزمان والمكان.. طالبين سرعة مجيء يوم الرب بالرغم من أن القديس بطرس الرسول قد أوضح -كما أوردنا- أن الرب في مجيئه الثاني لا يشاء أن يهلك إنسان، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. بمعنى أنه يطيل أناته على العالم بصورة تؤكد عدم تسرعه في إهلاك الناس الذين يتجاهلون الدينونة العتيدة أن تأتى على العالم. كما أنه يعطى فرصة للمجاهدين ليكملوا جهادهم ولأصحاب الرسالة الروحية أن يكملوا رسالتهم.. إلا أن القديس بطرس من جانب آخر يحث المؤمنين أن ينتظروا وأن يطلبوا سرعة مجيء يوم الرب كعلامة لاشتياقهم للقاء العريس وتقديرهم لروعة الملكوت المعد للقديسين. إن من يسلك في حياة التوبة وفي حياة القداسة لابد أن تتطلع روحه باشتياق لمجيء السيد المسيح. كذلك فإن انتظار مجيء الرب هو من علامات حياة الاستعداد المؤكدة. لهذا قال بطرس الرسول بعدما تكلم عن زوال السماوات واحتراق الأرض والمصنوعات التي فيها "فبما أن هذه كلها تنحل، أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى؟ منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب، الذي به تنحل السماوات ملتهبة، والعناصر محترقة تذوب" (2بط3: 11،12). نبوة بالروح القدس لم يكن ممكنًا في العصر الذي كتب فيه القديس بطرس رسالته الثانية أن يوجد من يفهم معنى الانفجار النووي وتحطيم الذرة. ولكن القديس بطرس أورد أقوالًا لا يمكن تفسيرها عمليًا إلا في ضوء المكتشفات العلمية الحديثة في عالم العناصر والذرات المكونة لها. قال بطرس الرسول: "ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (2بط3: 10). وقال أيضًا: "تنحل السماوات ملتهبة، والعناصر محترقة تذوب". إن انحلال العناصر واحتراقها بضجيج هو أمر غير ممكن إلا عن طريق انشطار نواة الذرة للعنصر وهو الأمر الذي لا يتحقق إلاّ في التفجيرات والتفاعلات النووية وهو ما لم يكن ممكنًا في عصر بطرس الرسول. كذلك فإن احتراق العناصر لم يكن أمرًا ممكنًا في عصر القديس بطرس الرسول. كيف يحترق الحديد أو ينحل؟ كيف يحترق الذهب أو ينحل؟ كيف يحترق الكالسيوم أو ينحل؟ وكيف تحترق الأحجار والصخور وكيف تنحل؟.. كل ذلك من الممكن أن يحدث بواسطة التفجيرات النووية التي تنحل بواسطتها العناصر محترقة وينتج عن ذلك ضجيج هائل مدوي وطاقة حرارية وإشعاعات مروعة حينما قال القديس بطرس عن الأجرام السماوية إنها سوف تنحل بضجيج ملتهبة فإن الروح القدس هو الذي أوحى إليه بهذه الكلمات التي لا تناسب على الإطلاق عصره البسيط. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
02 يناير 2019

جاء المسيح ينشر الحب

لهذا الشرق المُبارَك الذي وُلِدَ فيه المسيح، وبثَّ فيه تعاليمه، وللعالم كله لقد جاء المسيح ينشر الحُب. حيثما كان يتحرَّك، كان الحُب يتحرَّك. وأينما كان يقيم، كان الحُب يقيم. عرفه الجميع مُحبَّاً، ومُحبَّاً للجميع وكان يقول لتلاميذه: " وصية جديدة أنا أعطيكم: أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حُبٌّ بعضاً لِبَعضٍ " ( يو 13 : 34، 35 )... تُرى لماذا اعتبر هذا الحب وصية جديدة؟ أليس لأنه يطلب لهم حُبَّاً من نوع خاص له عمقه. إنه الحُب الباذل، مثل حُبه هو الذي قال عنه" ليس لأحدٍ حُبٌّ أعظم من هذا: أنْ يَضعَ أحدٌ نَفْسَهُ لأجل أحِبَّائه " ( يو 15 : 13 ). وهكذا قيل عن محبته لتلاميذه: " إذ كان قد أحَبَّ خاصَّتَهُ الذين في العالم، أحَبَّهُم حتى المُنتهى " ( يو 13 : 1 ). وعبارة " حتى المنتهى " هنا، تعني أنها محبة بلا حدود ولم يكن الحُب لتلاميذه فقط، بل هى وصية للعالم كله... فلمَّا سألوه: ما هى الوصية العُظمى في الناموس ( أي الشريعة )؟ أجاب: " تُحِبُّ الربَّ إلهَكَ من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هى الوصية الأولى والعُظمى. والثانية مثلها: تُحِبُّ قريبك كنفسِكَ. بهاتين الوصيَّتين يتعلَّقُ الناموس كله والأنبياء " ( مت 22 : 34 ـ 40 ) وكلمة ( قريبك ) هنا، تعني جميع البشر. لأننا كلنا أقرباء: أبناء أب واحد هو آدم، وأم واحدة هى حواء وطبيعي إن كان كل منا يحب جميع الناس، فلن يسرق أحداً، ولا يقتل أحداً، ولا يسئ إلى أحد، ولا يُدنِّس عفة أحد وإن كان يحب اللَّه، فلن يعصاه في شيء، ولا يكسر شيء من وصاياه. وبهذا يكون كلام السيد المسيح عن محبة اللَّه والقريب قد شمل كل نصوص الشريعة وكل وصايا الأنبياء والمحبة التي نشرها السيد المسيح تشمل محبة الأعداء أيضاً. فهو الذي قال: " أحِبُّوا أعداءكم. بارِكوا لاعِنيكم. أحسِنوا إلى مُبْغِضِيكُم، وصلُّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم " ( مت 5 : 44 ). وقال تعليقاً على ذلك: " لأنه إن أحبَبْتُم الذين يُحِبُّونكم، فأيُّ أجرٍ لكم؟! أليس العشارون أيضاً يفعلون ذلك؟ " ( مت 5 : 46 ). كما أنَّ اللَّه المُحب، هو أيضاً " يشرق بشمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين " ( مت 5 : 45 ) وهكذا توصي المسيحية بأنه " إن جاعَ عدُوُّكَ فأطْعِمْهُ. وإن عَطِشَ فاسْقِهِ " ( رو 12 : 20 ). وقد ضرب السيد المسيح مثل السامرى الصالح، الذي وجد يهودياً اعتدى عليه اللصوص وتركوه بين حي وميت. فلمَّا رآه سامري مسافر، نزل واعتنى به، وعالجه وحمله إلى فندق، وأنفق عليه ( لو 10 : 30 ـ 36 ). بينما اليهود لا يعاملون السامريين ( يو 4 : 9 ). والقصد من هذا المَثل العناية بالأعداء من جهة، ومعنى كلمة القريب من جهة أخرى إنَّ محبة السيد المسيح قد شملت الغرباء مثل السامريين، وقصته واضحة في هداية المرأة السامرية، ومدينتها ( يو 4 ) ورفضه معاقبة قرية سامرية أغلقت أبوابها في وجهه. وقوله لتلميذيه وقتذاك إنه " لم يأتِ ليُهلِكَ أنْفُسَ الناس بل ليُخلِّصها " ( لو 9 : 52 ـ 59 ) وشملت محبته الأمم أيضاً أي الـ Gentiles وكان اليهود لا يقبلونهم ولا يتعاملون معهم ولا يتزاوجون باعتبار أنهم من الكفرة غير المؤمنين. ولكن السيد المسيح تعامل معهم بحب. ولمَّا جاءه قائد مائة أُممي يطلب من أجل شفاء عبد له مُشرف على الموت، وقال له: " يا سيد، لست مُستحقَّاً أن تدخل تحت سقفي. لكن قُل كلمة فيبرأ غلامي ". فمدحه السيد المسيح وشفى غلامه. وقال للجمع المحيط " إني لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً مقدار هذا " ( لو 7 : 2 ـ 10 ) ومن محبته لهؤلاء الأمم ـ الذين كانوا يعبدون آلِهَة غريبة ـ دعا تلاميذه أن يبشِّروهم بالمسيحية ( أع 1 : 8 )، ( مر 16 : 15 ). وهكذا دخلوا في الإيمان، وتركوا عباداتهم وأصنامهم إذ قوبلوا بالمحبة وليس بالاحتقاروأحب السيد المسيح أيضاً العشارين والخُطاة، وجذبهم إليه. ومن أمثلتهم زكا العشار الذي لمَّا دخل المسيح إلى بيته، انتقده اليهود لأنه دخل عند رجل خاطئ. فردَّ المسيح قائلاً: " اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضاً ابن لإبراهيم " ( لو 19 : 7 ـ 9 ). وقال عن رسالته أنه " جاء يطلب ويُخلِّص ما قد هلك " ( لو 19 : 10 ) ومحبة السيد المسيح بالذَّات شملت المرضى والمحتاجين وكل مَن صرعهم الشيطان. فكان يجول يصنع خيراً ويشفي جميع المُتسلِّط عليهم إبليس ( أع 10 : 38 ) " فأحضروا إليه جميع السُّقماء المُصابين بأمراضٍ وأوجاعٍ متنوعة، والمجانين والمصروعين والمفلوجين، فشفاهم " ( مت 4 : 24 ). وكانت المعجزات ممزوجة بالحُب، وأحياناً بعبارة " تحنن ". ونفس هذا الحنان كان له في مجال التعليم، إذ قيل عنه: " ولمَّا رأى الجموع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومُنطرحين كغنمٍ لا راعي لها " ( مت 9 : 36 ). ونفس هذا الحنان أيضاً قيل عنه في معجزة إقامته ابن أرملة نايين من الموت ( لو 7 : 11 ـ 15 ) ومحبته شملت جميع الفقراء والمحتاجين. فقال عن الاهتمام بالجياع والعطاش والغرباء والعرايا والمحبوسين: " مهما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم " ( مت 25 : 40 ). ووعد المهتمين بكل هؤلاء بالبركة والدخول إلى ملكوت اللَّه ومحبته شملت أيضاً كل البؤساء، والمُهمَّشين في المجتمع، والذين هم في ضيق. وقد قال إنه جاء لكي " يبشر المساكين، ويعصب منكسري القلوب، ويُنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق " ( إش 61 : 1، 2 ) كان ينشر الحُب الذي ترتبط فيه محبة اللَّه بمحبة الإنسان. كما يرتبط الحب بالإيمان وبالاحتمال. وهكذا تقول لنا المسيحية: " مَن لا يحب أخاه الذي يبصره، كيف يقدر أن يحب اللَّه الذي لم يبصره " ( 1يو 4 : 20 ). على أنَّ المحبة للإخوة، ينبغي أن تكون محبة عملية، وليست مُجرَّد كلام. فهكذا تعلمنا المسيحية " لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق " ( 1يو 3 : 18 ). وهكذا توصينا " بالإيمان العامل بالمحبة " ( غلا 5 : 6 ). فكل عمل خالٍ من المحبة، لا يقبله اللَّه المسيحية تُقدِّم لنا اللَّه المُحب، الذي أحبَّنا قبل أن نوجد ـ حينما كنا في عقله فكرة، وفي قلبه مسرة ـ ومن أجل هذا الحُب أوجدنا. وبالحُب منحنا البركة والرعاية والمواهب. وفي محبته لنا، ندعوه أباً. ونُصلِّي له قائلين: " أبانا الذي في السموات ". وفي محبته لنا ندعوه الراعي الصالح الذي يهتم بخرافه، ولا يستطيع أحد أن يخطفها من يده ( يو 10 : 11 ـ 28 ) إنه إلهنا الطيب الذي قال: " أنا أرعى غنمي وأربضها ... وأطلب الضال، وأسترد المطرود، وأعصب الجريح وأجبر الكسير " ( حز 34 : 15، 16 ). وهو الذي يعطينا دون أن نطلب، ويعطينا فوق ما نطلب. له المجد في محبته غير المحدودة. لقداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل