المقالات

25 يناير 2024

قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض الشخصيات الكنسية

إنجيل عملي مفتوح توجد مجموعة من سير الشهداء والنساك والرعاة والكتّاب الروحيين ومن الشعب، تتلاحم معًا كأشجار متنوعة في فردوس واحد، غرسه الله القدوس بيمينه، وسقاه بمحبته الإلهية الفائقة المعلنة ببذل كلمة الله المتجسد حياته على الصليب، وبعمل روحه القدوس غير المنقطع.ما أسجله هنا ليس هو كل ما بلغ إلينا من سير للقديسين والآباء وإنما أستطيع أن أقول إنها أشبه بعينات تُمثل مجموعة من سير من الشرق والغرب التحم الكل معًا مع اختلاف ثقافاتهم ولغاتهم وظروفهم لتقديم إنجيل ربنا يسوع المسيح حيًا عمليًا في حياة البشرية..... لندرك ما قاله الرسول بولس: "أنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد، وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد" (1كو4-5) ليتنا نُدرك موقعنا، فيعلم كل منا أن يكون حجرًا حيًا، في بيت الرب الروحي الواحد، أينما وجُد موقعه أو كان حجمه أو شكله، إذ يقول القديس بطرس: "الذي إذ تأتون إليه حجرًا حيًا مرفوضًا من الناس ولكن مختار من الله كريم، كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حية بيتًا روحيًا كهنوتًا مقدسًا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح" (1بط2: 4-5) هذا وإذ نقدم أمثلة من سير الآباء والقديسين إنما لنتمثل بهم في الرب، كل منا حسب موهبته، منصتين لقول الرسول بولس: "كونوا متمثلين بي كما أنا أيضا بالمسيح" (1كو11: 1). تاريخ الآباء وسيّر حياتهم مع محبتي الشديدة لكتابة سير القديسين وأعمالهم الروحية وتراثهم وعرض أفكارهم، لا كعمل تاريخي بحت أو دراسي، إنما كعمل روحي يمس حياتنا، كثيرًا ما ترددت في كتابة هذا القاموس، وقد بدأت فيه أكثر من مرة ثم توقفت لشعوري بالعجز الحقيقي عن تقديم ما في قلبي وفكري من جهة هذا العمل، فإن حياة القديسين في جوهرها ليست أعمالاً ظاهرة قدر ما هي حياة داخلية والتهاب روحي، كقول المسيح نفسه: "جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو إاضطرمت؟" (لو12: 49 (وأيضا “ها ملكوت الله داخلكم" (لو17: 21). هذا اللهيب الداخلي أو الملكوت الإلهي لا يمكن للغة أن تعبر عنه ولكن إذ سمحت لي عناية الله بتقديم هذا العمل المتواضع أرجو توضيح بعض النقاط الهامة في عرض سير الآباء والقديسين التي يصعب توضيحها كما ينبغي خلال عرضنا لكل سيرة. أولاً: بخصوص القديسين: في اللغة العربية كلمة "قدوس" التي تعادل "قدوش" بالعبرية، "وهاجيوس" باليونانية، "وأجيوس" بالقبطية تخص الله وحده، الذي في محبته لخليقته لم يجعل فقط الإنسان الذي يكرس قلبه له قديسًا وإنما حتى الموضع الذي يكرس للعبادة لله بيتًا مقدسًا، والأدوات التي تستخدم فيه مقدسة! إذن فالقديسون في الحقيقة هم أناس الله الذين قدموا قلوبهم وحياتهم وأعمالهم لله كعمل محبة، هذا ما دفع الرسول بولس إلى دعوة مؤمني فيلبي وكولوسي وأفسس ورومية قديسين في مقدمة رسائله لهم، بكونهم أعضاء جسد المسيح القدوس، الذين صاروا شعب الله الجديد المقدس له.يرى العلامة أوريجينوس أن من يدرس الفلسفة مثلاً يُحسب فيلسوفًا بعد شوط معين وإن كان لا يوجد من بلغ نهاية شوط الفلسفة، وهكذا العلم، بنفس المعنى فإن القديس هو من أحب القداسة والتصق بها مجاهدًا فيها بنعمة الله، سالكًا في طريقها وإن كان لم يبلغ إلى كمال مشتهاه بعد. ما نود تأكيده هنا في مفهومنا للقديسين الآتي: 1. القداسة ليست حكرًا على فئة معينة، إنما هي عطية الله المجانية يهبها للكاهن، كما للشعب، وللراهب كما للمتزوج، وللشيخ كما للطفل مادام الإنسان يتجاوب مع هذه العطية عمليًا، ويقبلها في حياته ويسلكها لست بهذا أقلل من أهمية التكريس سواء للحياة التأملية أو الخدمة، إنما أود أن يطمئن كل مؤمن أن عطية الله مقدمة للجميع وسنرى في القاموس الذي بين أيدينا عينات مختلفة سواء من جهة المواهب أو القدرات أو السن أو المركز الاجتماعي أو الثقافي الخ فكنيسة الله تضم قديسين من كل نوع! 2. كثيرًا ما يرتبط في ذهن البعض أن القداسة هي القيام بأعمال خارقة مثل الصوم لفترات طويلة أو صنع معجزات إنما نقول وإن كان الله يهب قديسيه ما هو فائق للطبيعة في أحيان كثيرة، إنما ما نطّوبهم عليه هو غلبتهم الداخلية على الشر، وحياتهم وشركتهم مع الله في ابنه يسوع المسيح. بمعنى آخر القداسة هي عطية روح الله القدوس الذي يثبتنا في الابن القدوس ليكون لنا موضع في حضن أبيه القدوس؛ القداسة هي عمل الثالوث القدوس فينا. بمعنى آخر هي تجاوب عملي مع نعمة الله لكي نحمل مسيحنا القدوس فينا، نشاركه سماته ونمتثل به، فنقول مع الرسول بولس: "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل2: 20). 3. إن كانت الكنيسة تقوم بالتقنين Canonization لتقدم لأبنائها أسماء القديسين من شهداء ومعترفين وآباء أساقفة وكهنة ورهبان وشعب فإنها إنما تقدم ما قد عرفه المؤمنون من قديسين وتبقى بلا حصر من القديسين سحابة شهود لا يعرفها إلا الله وحده، لهذا تقيم بعض الكنائس عيدًا باسم "كل القديسين"، سواء الذين تعرفهم وتطّوبهم بالأسماء أو لا تعرف أسماءهم هنا أيضا يليق بنا أن نؤكد أن القديسين لا يصيرون هكذا خلال التقنين، إنما يأتي التقنين ليكشف عن قديسين ننتفع بصلواتهم ونمتثل بهم، كما فعلت الكنيسة القبطية في السنة الخمسين من نياحة القديس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم والجيزة، فقرر المجمع المقدس ذكر اسمه في القداس الإلهي مع سحابة القديسين. 4. بحكمة إلهية تُقيم الكنيسة أعيادًا للقديسين في تذكار نياحتهم أو استشهادهم أو نقل رفاتهم الخ إذ يسكب هذا على الكنيسة في جهادها نوعًا من الفرح الروحي المستمر، فهي لا تنح كمن فقدت أعضاء لها بل تسبح الله وتشكره وتطلب صلوات القديسين كسند للمجاهدين.هنا أود تأكيد أن التطويبات أو التمجيدات الأصلية التي تُمارس إنما تبرز "عمل الله" في حياة القديس وتؤكد عطيته المجانية، فتلهب قلوب الشعب حبًا، وتفتح أمامهم الرجاء، ليكون لهم نصيب مع هؤلاء القديسين. ثانيًا: بخصوص الحياة الرهبانية: 1. لسنا ننكر أن هذا القاموس يضم سير كثير من الرهبان والراهبات والمتبتلين، لكن يجب أن نوضح نقطتين هامتين، الأولى أن البعض يظن خطأ أن الرهبنة والقداسة أمر واحد، مع أن الرهبنة هي طريق فاضل إن سلكه الإنسان روحيًا وبحكمة أما القداسة فهي عطية الله لكل المؤمنين الصادقين في إيمانهم عمليًا، سواء كانوا رهبانًا أو متزوجين. أما النقطة الثانية فهي أن الحياة الرهبانية في حقيقتها ليست حياة منفصلة عن الحياة المسيحية العامة، بمعنى آخر الرهبان ليسوا طبقة منعزلة عن جماعة المؤمنين الرهبنة هي حياة إنجيلية حقه، أو قل هي ممارسة للحياة المسيحية التي يجب أن يعيشها المؤمن أينما وُجد، وأيا كان مركزه الكنسي أو الاجتماعي ومهما كانت ظروفه. فالرهبنة إنما تقدم مناخًا أفضل للتمتع بالإنجيل المقدم للجميع. 2. سير القديسين خاصة الرهبان منهم مبتورة لا تكشف عن الحقيقة الكاملة، إنما تمس بعض الجوانب دون الأخرى، لأسباب كثيرة منها: أولاً: كان الرهبان بوجه عام خاصة في مصر يميلون لإخفاء فضائلهم وإبراز رذائل غالبًا ليست فيهم حتى أن القديس يوحنا كاسيان الذي عاش قرابة تسع سنوات في الجو الرهباني المصري دُهش لهذا الموقف الفريد وسجله لنا في كتاباته، وعلة ذلك انهم يطلبون المجد الأبدي لا المجد الباطل الزمني. ثانيًا: كان التدريب الأول والرئيسي في الحياة الرهبانية، بل وفي الحياة المسيحية بوجه عام، هي التدرب على "السكون"، لا بمعنى التوقف عن الكلام وإنما التمتع بحياة سرّية مع الله لا يدركها أحد، هي سر الشركة الخفية بين الله والنفس. هذا التدريب الروحي الحيوي يجعل حديثنا عن القديسين مبتورًا، إذ تبقى حياة القديس في جوهرها حياة داخلية لا يعلنها للغير. ربما هو ما عناه القديس أنبا أنطونيوس الكبير حينما أعلن أن الراهب كالسمكة إن خرج من قلايته (حجرته) كما من الماء يموت. هنا لا يقصد "القلاية" بالمفهوم المادي البحت، فإن القديس نفسه كان يخرج ويلتقي مع فلاسفة وجماهير مؤمنين، بل ونزل إلى الإسكندرية أكثر من مرة ليسند المعترفين الذين تحت الضيق ويعاون البابا اثناسيوس الرسولي* في مقاومته للأريوسية... لكنه بقيّ في قلاية قلبه له حياته الخفية التي لا يكشف أسرارها للغير. بنفس الروح أيضا عندما زار البابا ثاوفيلس الإسكندري (23)* رهبان الإِسقيط سأل الأنبا بموا* Pambo أن يقول كلمة منفعة، أما الأخير فصمت، وإذا ألح عليه الرهبان أن ينطق بكلمة ينتفع بها البابا قال: "إن لم ينتفع بصمتي فإنه لن ينتفع بكلماتي". وأيضا يقول القديس نيلس* أسقف أنقره: "يستحيل أن يصير الماء الذي به وحلاً نقيًا مادامت هناك حركة مستمرة، هكذا يستحيل أن تصير راهبًا بدون سكون".من هذا كله يمكننا أن نؤكد أن ما سُجل لنا عن آبائنا لا يمثل الحقيقة كاملة، لأن أمورهم الداخلية الحية لم يكشفوها لأحد، إنما ما ورد إلينا عنهم هو مجرد ملاحظات رآها الذين حولهم سواء كانوا تلاميذ لهم أو زملاء أو زائرين. بمعنى آخر ما ورد عنهم هي تصرفاتهم حسب الظاهر أما أعماقهم فخفية! ثالثًا: ما يجب تأكيده هنا أن ما ورد في سير الآباء خاصة الرهبان في غالبيتها صادقة ودقيقة لكنها تظهر غير كاملة، لأن ما سجله المشاهدون لهم سجلوا ما يرونه غير عادي بالنسبة لهم، فجاء مثلا كتاب "بستان الرهبان" يركز على النسكيات والتقشفات لكنه لم يركز كثيرًا على قراءة الكتاب المقدس الخ لأن الأمور الأخيرة طبيعية بالنسبة لكل مسيحي لا تحتاج إلى تسجيل. بمعنى آخر أن "بستان الرهبان" مع ماله من أهمية فائقة في الكشف عن بعض الجوانب الخاصة بالحياة الرهبانية، لكن يلزم ربطه بالحياة المسيحية العادية في ذلك الحين، والتي لم يسجلها المشاهدون والكتّاب في مذكراتهم عن الرهبان هذا ونود تأكيد أن أغلب ما سُجل لنا هو ما بلغه هؤلاء الآباء من قامات روحية دون عرض لتفاصيل حياتهم الأولى وجهادهم الممتد لسنوات. 3. أن الحركة الرهبانية في كل صورها "الوحدة والشركة ونظام الجماعات" ليست حركة كهنوتية لكنها حركة شعبية، انطلق الشعب إليها لا لتولي مراكز قيادية في الكنيسة وإنما لممارسة حياة مسيحية على مستوى ملائكي خلال ظروف أفضل بتكريس كل الوقت ما استطاع الإنسان للعبادة وممارسة الحياة الإنجيلية على مستوى أعمق فأعمق. 4. في قراءتنا لسير الرهبان النساك والمتوحدين نسمع عن جهاد شديد في الحياة النسكية والتقشف، حتى بلغ البعض مستوى يفوق حاجة الطبيعة، كالصوم أيامًا كاملة بلا طعام ولا شراب أو السهر ليالٍ بلا نوم في العبادة فماذا يعني هذا؟ أولاً: في جهادهم لم يقصدوا الدخول في سباق في النسك لذاته، إنما خلال ضبطهم للجسد أرادوا الانطلاق بالروح لتمارس في حرية ما استطاعت حياتهم في الرب، وكأن النسك في سلبيته حرمان للجسد من ملذاته لكن في إيجابّيته ممارسة الروح لانطلاقها نحو السماويات. أقول أن الكثير من الآباء في نسكهم لم يهدفوا بلوغ درجة معينة من حرمان الجسد إنما خلال انطلاق الروح كثيرًا ما ينسى الجسد احتياجاته أحيانًا حتى الضرورية. هذا ما نراه بصورة باهتة في حياتنا اليومية حين ينشغل إنسان بعمل مفرح وبهيج فينسى أكله وشربه ونومه وأحيانا ينسى الزمن نفسه ليقضي أحيانًا يومًا أو يومين وهو لا يدري إن كان قد أكل أم لم يأكل أعطى مثلاً عمليًا معاصرًا: عندما أراد أبونا عبد المسيح الأثيوبي أن يقدم أكلة شهية وعمل محبة لأحد الرهبان المعاصرين (حاليًا أسقف) احضر علبة مستخدمة من فوارغ المعلبات دون أن يغسلها، ملأها ماءً وأوقد تحتها بعض الأعشاب الجافة، ثم وضع "ملوخية جافة مع حلاوة طحينية"، حاسبًا ذلك أكلة شهية وكرم ضيافة عظيم ما فعله لم يكن في ذهنه نسكًا، لكن خلال حياته الطويلة الملتهبة بالروح لم يعد للطعام تذوقا بالنسبة له، فما قد نحسبه نحن طعامًا لا يُطاق يظنه هو ترفًا وتدليلاً! مرة أخرى رأيته بنفسي عندما أراد أحد رهبان دير السريان أن يكرمه ويقدم له كوب شاي قبل سفره، سكب على الشاي ماء ثم ملحًا وكرر ذلك مرارًا ثم شرب وكأنه قد سمح لنفسه من أجل المحبة أن يشرب هذا المشروب الشهي!!! ثانيًا: إن كان العمل الروحي يمس النفس والحياة الداخلية لكنه لا يتجاهل الجسد وتصرفاته، فإن كانت سير القديسين تهتم بدور الجسد في العبادة من احتمال للصوم وعمل مطانيات وخضوع وتذلل فإن هذه الشركة مع النفس عربون لشركة المجد الأبدي التي يتمتع بها الجسد مع النفس في الأحضان الإلهية. بمعنى آخر شركة الجسد في العبادة بوجه عام والصلاة بوجه خاص هي نبوة عن مجد قيامته في اليوم الأخير كما أن الإنسان ليس جسدًا بحتًا، فهو أيضا ليس نفسًا مجردة، لكنه يحمل العنصرين متفاعلين معًا ومشتركين سواء في الجهاد أو في التراخي، في العبادة الحالة كما في فعل الشر، ولا يمكن الانحياز لعنصر على حساب الآخرخلال هذا المنظار الروحي يمكننا أن نميز بين النسك المسيحي عن غيره أنه ليس عداوة للجسد ولا تحطيمًا له، لكنه مشاركة منه في الأتعاب للتمتع بالأمجاد. بمعنى آخر المسيحي ليس مقاومًا للجسد في ذاته إنما مُدبرًا له وضابطًا لشهواته، مُقدمًا جسده ذبيحة حب لله، كقول الرسول بولس: "أطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (رو 12: 1). 5. لا نجد للرهبان تراثًا أدبيًا كبيرًا، فقد أتجه غالبية رهبان مصر إلى الحياة العملية والتأمل دون الكتابة وإن كنا لا ننكر فئة النساخ خاصة في أديرة الشركة، لكنهم غالبًا ما ينسخون الكتب الكنسية كالكتاب المقدس والقراءات والتسابيح الكنسية مع عظات لغيرهم، أما بالنسبة لهم فكل منهم يود أن ينعم بالفكر اللاهوتي لا خلال الكتابة بل خلال الحياة التعبدية. هذا ما أعلنه القديس أوغريس البنطي الذي عاش في مصر، وإن كان له كتابات هنا روحية كثيرة، لكنه يقول "إنك تكون لاهوتيًا إن كنت تصلي بالحق، وتصلي بالحق إن كنت لاهوتيًا". 6. مادمنا نقرأ سير لرهبان تركوا العالم ليكرسوا حياتهم للعبادة يلزمنا أن نتفهم نظرتهم للعالم ودورهم فيه من جهة نظرتهم للعالم، فإن "العالم" في عيني الراهب الحق له معنيان، العالم الحاضر المضاد للعالم العتيد، أي شهوات العالم ومحبة ملذاته أو الارتباك بهمومه، هذا هو العالم الذي يليق بنا أن ننبذه ونهرب منه. أما "العالم" بمعنى سكانه أو البشرية فهذا نحبه في الرب "محب البشر" إن كان الله أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد من أجله (يو3: 16)، فيليق بالراهب مهما بلغ توحده أن يحمل في قلبه حبًا صادقًا للعالم يتزايد في كل تقدم روحي وينمو بلا توقف هنا نفهم "الوحدة" ليس انعزالاً عن البشرية بل اتحادًا في الله محب البشر، حتى إن اعتزلنا البشر جسديًا فإننا نحملهم بالحب الحق في قلوبنا. المتوحد الحقيقي إذ يترك العالم بمباهجه واضطراباته ليعيش في السكون يسمع تنهدات البشرية وصرخاتها التي قد لا تجد من ينصت إليها في وسط دوامة العالم الراهب بقلبه الملتهب روحيًا أكثر حساسية ورقة لآلام البشرية وأتعابها وتنهداتها.... يقدم نفسه في صلواته ومطانياته ونسكياته ذبيحة حب عن إخوته لأجل خلاصهم. بهذا يمكنني أن أقول أن المتوحدين والسواح الحقيقيين أقرب إلى العالم (البشرية) بقلوبهم من الذين يخدمون وسط العالم بأجسادهم وفكرهم! 7. الرهبنة مع مالها من أنظمة متباينة تشترك في أمر واحد هو: "التهاب الروح بعمل الروح القدس الناري". فالسالك في نظام الشركة أو المتوحد أو السائح الحقيقي يليق به أن يحيا بالروح.... بهذا حتى إن خضع لنظام معين أو تدبير ديري معين إنما يعيش في داخله على مستوى "الحرية". هذا الالتهاب هو سمة المسيحي الحق، راهبًا كان أو عاملاً في العالم، راعيًا أو مخدومًا، شابًا أو طفلاً أو شيخًا..... الكل يلزم أن يتمتع بما جاء من أجله السيد المسيح القائل: "جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟" (لو12: 49). 8. خلال الأحاديث السابقة يمكننا أن ندرك في سير القديسين الرهبان خطًا هامًا هو عدم الفصل الكامل بين الحياة التأملية والحياة العاملة بصورة قاطعة، فالمسيحي بوجه عام والراهب كمسيحي إنما يقدم حياته في الرب ذبيحة متكاملة، يشترك الجسد مع الفكر والنفس، ويعمل الكل معًا بتناغم وانسجام؛ فإن قدم عملاً ماديًا يمزجه بالعبادة وإن تعبد للرب لا يفصله عن العمل أيا كان نوعه! 9. في دراستنا لسير الآباء خاصة بعض الرهبان تواجهنا مشكلة الذين تقمصوا صورة الغباوة والجهالة، فالقديسة أناسيمون* تظاهرت كهبيلة وفي عصرنا الحالي أبونا عبد المسيح المناهرى كان يتظاهر بالهزل.... فبماذا تفسر هذا؟ هل يريدنا الله أن نكون جهلة ونتصرف بلا حكمة؟ أولاً: نود توضيح نظرة العالم للمسيحيين في العصر الرسولي، ألا وهي اتهامهم بالغباوة والجهل لأنهم يعبدون إلهًا مصلوبًا، وكما يقول الرسول بولس: "صرنا منظرًا للعالم للملائكة والناس؛ نحن جهال من أجل المسيح وأما أنتم فحكماء في المسيح، نحن ضعفاء وأما أنتم فأقوياء، أنتم مكرمون وأما نحن فبلا كرامة" (1كو4: 9-10). مرة أخرى يقول: "لا يخدعن أحد نفسه، إن كان يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلاً لكي يصير حكيمًا، لأن حكمة هذا الدهر هي جهالة عند الله، لأنه مكتوب: الآخذ الحكماء بمكرهم" (1كو3: 18-19) لا يفهم من هذا أن الإيمان مضاد للفكر أو العقل، وإلا حسبنا رسالة الإيمان مقدمة لغير العقلاء أو لغير البشر من الكائنات الأرضية..... فإن كان الله يهتم بتقديس الجسد كما النفس فبالأولى يكرم الفكر أو العقل ويقدسه، إنما وقد ارتبط الإنسان ببطنه وزحف عليها في تراب هذا العالم تعلق قلبه كما فكره بالزمنيات وحسب الفكر السماوي غباوة والانشغال بالأبدية جهالة.... بل وتطلع إلى "الصليب" أداة الحب الإلهي غباوة وعثرة (1كو 1: 23) نستطيع الآن أن نتعرف على "الجهالة في المسيح" (1كو4: 9) بكونها تعٍد للفكر فوق حدود الحواس والقيم البشرية حين ينعم الإنسان بعربون الحياة السماوية فتمتص كل طاقاته فيها. بهذا يراه العالم غريبًا عنه وجاهلاً وغبيًا! ثانيًا: قصة أليكسوس الروماني* تكشف لنا أحد أسرار التجاء البعض إلى مثل هذه التصرفات فهو ابن أحد الأشراف المعروفين وقد عاش كشحاذ لكنه وهو شحاذ كسب كثيرين من الشحاذين للرب ورفعهم بالنعمة الإلهية، كما كان له دوره الفعّال الخفي حتى شهدت السماء له. وكأن البعض التجأ إلى هذه الطرق ليعيش وسط الفئات المعدمة والمحتقرة والمطرودة لكي يعمل كواحد منهم، وفي هذا لا يعيش خاملاً ولا سلبيًا إنما يشهد إيجابيًا بعمل الله فيه وفاعليته فيمن هم حوله لقد عاشت القديسة أناسيمون كهبيلة لكنها قادت بسيرتها كثيرين للتوبة وصارت سائحة لها دورها في حياة السواح أنفسهم وكأن المسيحي لا يستطيع أن يوقف عمل نعمة الله فيه حتى وإن أراد بكل طاقاته أن يخفيها. ثالثًا: سيرة أبينا عبد المسيح المناهري تكشف لنا جانبًا آخر لهذه التصرفات، فإنه تظاهر بالغباوة ليفلت من العمل كسكرتير للبابا، لكنه وهو في ببا كان له دوره الحّي وكان يشفي باسم الرب كثيرين بل وأقام ميتًا كما شهد أناس لا يزالون أحياء! كان وراء تظاهره بالغباوة يحمل قوة الله وتعزية الروح لا لنفسه وحده وإنما لكثيرين. ثالثًا: بخصوص سير الشهداء: 1. يضم هذا القاموس سيرًا لعدد من الشهداء، وإن كان التاريخ قد قدم لنا أسماء كثيرة لشهداء لا نعرف عن حياتهم سوى أنهم استشهدوا من أجل الإيمان، بل وقدم لنا مدنًا بأكملها قد استشهدت لا يعرف أحد أسماء من كان بها، لهذا يمكننا القول بأن ما ورد هنا من سير إنما أشبه بعينات..... هذه العينات أيضا لا تقدم صورة كاملة عن حياة الشهداء للأسباب التالية: أ. إن كان الله قد سمح بعنايته أن يُعطي نعمة لبعض محبيه في أعين الولاة مثل يوليوس الأقفهصي* ليهتم بأجساد الشهداء ويلتقي بهم قبيل استشهادهم مسجلاً ما رآه بعينيه خلال ممارسة الآلام والميتات التي سقطت على الشهداء، لكن آلاف الشهداء قدموا حياتهم ذبيحة حب ولم يُسجل لنا أحد عنهم شيئًا. ب. ما سجله البعض عن أحداث الاستشهاد إنما تكشف الجوانب الظاهرة في حياة الشهيد أما الحياة الداخلية والمشاعر المقدسة التي يجتازها فغالبًا ما يحتفظ بها الشهيد في قلبه رأسماله الأبدي وسرّ تذكيته لا يكشفها للآخرين. 2. حقا أن الكثيرين من الوثنين قبلوا الإيمان بالسيد المسيح عند رؤيتهم عمله العجيب في حياة شهدائه بل وسلموا أنفسهم للاستشهاد على اسمه، ولم يكن هذا انفعالاً عاطفيًا سريعًا إنما هو عمل نعمة الله الفائقة، كتلك التي عملت في حياة ديماس اللص اليمين حين شاهد السيد المسيح مصلوبًا، فسأله أن يذكره في ملكوته، وكان له النصيب الفوري: "اليوم تكون معي في الفردوس". أما بالنسبة للمؤمنين فكان استشهادهم امتدادًا طبيعيًا لحياة تُمارس يوميًا هي "الموت مع المسيح والقيامة معه وفيه". فالاستشهاد في الحقيقة خبرة مسيحية يومية، وكما يقول القديس أكليمندس الإسكندري: (من يتبع وصايا المخلص يحمل شهادة (مارتيري) في كل أعماله، بممارسته ما يريده السيد، ومناداته اسم الرب على الدوام. إنهم (المؤمنين) هم شهداء بالعمل لحساب ذاك الذي يثقون فيه فيصلبون الجسد مع شهواته وأهوائه)إن كنا نعرض في الغالب الحقبة الأخيرة من حياة الشهيد فإنها لا تأتي فجأة، لكنها هي امتداد لحياة إيمانية عاملة عاشها في الرب، بقبوله الصلب مع المسيح وتمتعه بالقيامة أو بحياة المسيح المقامة عاملة فينا. 3. في سير الشهداء يقدم لنا الكتّاب أحداث الاستشهاد الخارجية، كشجاعة الشهيد أو احتماله الألم بصبر أو حواره مع القضاة والولاة، لكن هناك أمور يصعب تسجيلها. فالشهداء في غالبيتهم يدخلون المعركة لا ليتقبلوا آلامًا أو ضيقًا من أشخاص معينين، إنما يصارعون ضد عدو الخير نفسه إبليس. إنهم لا يتطلعون حتى إلى مضطهديهم كمقاومين لهم أو أعداء، إنما عدوهم الحقيقي هو الشيطان الثائر على المسيح الساكن في داخلهم، أما المحامي عنهم وشفيعهم فهو الروح القدس. المعركة في حقيقتها هي داخل النفس بين الله والشيطان، وليس بين ولاة ومسيحيين! لقد سجل أوريجينوس* مشاعر الشهداء معلنًا أن السيد المسيح هو الذي يدعو للاستشهاد، وهو الذي يحتمل الآلام، وهو الذي يُقدم الإكليل، وهو الذي يتقبله. بمعنى آخر "المسيح" هو المقصود في هذه المعركة، يدخلها خلال أعضاء جسده ليغلب بهم عدو الخير. في هذا يقول يوسابيوس المؤرخ عن الشماس سانكتوس: [أعلن فيه المسيح المتألم مجدًا عظيمًا، طرح المقاوم، وأظهر للغير كيف أنه حيث يوجد حب الله لا يوجد مجال للخوف وحيث يوجد مجد المسيح فلا مجال لما يؤلم] تاريخ الكنيسة 5: 1: 23.وجاء عن القديسة بلاندينا* أن المعترفين رأوا في لحظات استشهادهم أن القائمة التي ربُطت فيها في ساحة الاستشهاد قد صارت في أعينهم صليبًا، وأنهم نظروا بأعينهم الخارجية شكل أختهم قد تحول إلى ذاك الذي صلب من أجلهم، أي اختفت معالم وجهها لتظهر معالم وجه المسيح المصلوب هذه الصورة لم تكن فريدة، إنما بلا شك تمتع بها غالبية الشهداء، لذا تقدموا للاستشهاد بقوة وفرح وبهجة قلب. 4. هناك بعض الأمور تكررت في كثير من سيّر الشهداء حتى ظن البعض أنها من صنع النساخ في كتاباتهم لميامر الشهداء، مثل ظهور ملائكة، بل ظهور السيد المسيح نفسه للشهداء، وتمتع الكثيرون بموهبة شفاء وإخراج الشياطين حتى اللحظات الأخيرة من حياتهم على الأرض، وتمتع البعض بمعانية الفردوس ولو إلى لحظات! لكننا نعلل هذا بأن الله لا يترك مؤمنيه خاصة في وقت الضيق، فكلما تقسى قلب فرعون تظهر أعمال الله الفائقة؛ بمعنى آخر كانت الأمور لازمة لمساندة الشهداء، كما رافقت الرسل عند كرازتهم وسط الأمم الوثنيين الآلام هي المناخ الأصيل للتمتع بأمجاد إلهية داخلية، والصليب هو طريق التلامس مع بهجة القيامة. لهذا لا نعجب إن رأينا أطفالاً لم يبلغوا بعد العاشرة يتقدمون للألم بفرح، وأمهات يقدمن أطفالهن للذبح، وشابات من أصل ملوكي يتهللن بالعذابات إنها ليست شجاعة بشرية، ولا قدرات خارقة، إنما عطية الله لهم في أعماقهم مع إعلانات سماوية خاصة لتسندهم! 5. بقيّ لنا أن نؤكد بأن الله لا يطالبنا بإثارة الغير لكي يمارسوا الاضطهاد فننال إكليل الشهادة، إذ يقول السيد المسيح: "متى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى" (مت10: 23). ويقول القديس اكليمندس الإسكندري: [إن كل من يقتل رجل الله يخطئ ضد الله فإن من يقدم نفسه أمام كرسي الحكم (لأثاره الوالي ضده) يكون مجرمًا بموته]. وقد سنَّ القديس بطرس خاتم الشهداء* قوانين صريحة في هذا الشأن سبق لنا نشرها في كتابنا عن "البابا بطرس". ومع هذا فقد سمح الله بدعوة البعض للتقدم للاستشهاد لتعزية المضطهدين أو لعمل كرازي كما نرى في سيرة الشهيد أبادير* وغيره الخ. القمص تادرس يعقوب كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج وللحديث بقية
المزيد
24 يناير 2024

عرس قانا الجليل

“وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك. ودُعي أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس. ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر. قال لها يسوع ما لي ولك يا امرآة. لم تأت ساعتي بعد. قالت أمه للخدام مهما قال لكم فافعلوه. وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة. قال لهم يسوع املأوا الأجران ماء. فملأوها إلى فوق. ثم قال لهم استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكأ … فقدموا. فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمراً ولم يكن يعلم من أين هي. لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا. دعا رئيس المتكأ العريس وقال له. كل إنسان إنما يضع الخمر الجيد أولا ومتى سكروا فحينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن. هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده فآمن به تلاميذ.”(يو 2: 1-11). إن من يفتح نافذة عقله على اتساع الكتاب الملهم به من الله ولاسيما الأناجيل المقدسة، يجد طرقاً كثيرة للحياة الفضلى، وسوف يجد أنها جميعها تؤدي إلى الله، وأنها مليئة بالقداسة، تعد من أجل المستقبل، وتدعو إلى الحياة الأبدية؛ لأن الحياة الفضلى هي ألا يترك جانب الله. وسوف يعتقد أنه يسمعه يتكلم بفم أرميا النبي موجهاً كلامه إلى كل الذين يريدون ان يسمعوا: ” قفوا على الطريق وانظروا واسألوا عن السبل القديمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه فتجدوا راحة لنفوسكم” (أر 6: 15). إن كلمة الله الأب الذي تكلم قديماً بفم أنبيائه، “الله بعد ما كلم الأباء بالأنبياء قديماُ بأنواع وطرق كثيرة”( عب1:1). تجد في آخر الزمان وتأنس بطريقة لا ينطق بها، حقيقية وبدون استحالة، من الروح القدس ومن جوهر القديسة والدة الإله دائمة البتولية، وبذلك افتتح طريق البتولية، وهو الطريق الذي يحوي هذا العالم من جانب في الزمن الحاضر الذي يكمل بانسحاب الأولاد بالوصية الإلهية القائلة: ” اثمروا واكثروا (تك1: 28). “ومن جانب آخر يتعداه إلى العالم الأتي الذي سوف تظهره القيامة جديداً، لأن الذين سيقومون يجب أن يكون كملائكة في السماء” (مز12: 25) ولا يلزم أن يكونوا محتاجين إلى معونة الزواج، لأنهم يبقون دائماً دون أن يعودوا إلى الوجود الدنيوي مرة أخرى ودون أن يموتوا. بين الزواج البتولية أن كلمة الله، إذ علم أن فخر العزوبة عسير الامتياز به حالة إخضاعه لقاعدة، وإذ أنه الإله حتم بقانون ما يلائم طاقة طبيعتنا، ولم يحدد بقوانين مكتوبة أنه يلزمنا أن نجتهد لنبقى متبتلين؛ حتى تكون البتولية موضوع غيرة أرادية، فهي الحالة الجميلة جداً المتناهية في البهاء التي تقود إلى كرامة تعدل كرمة الملائكة. رغب الرب في وجودها دون أن يطلب منا ذلك. وبالأحرى يحملنا إليها بالمحبة، وليس يدفعنا إليها باضطرار القانون. فان ما يتضمنه القانون يلزمنا ضرورة أن نفعله، لكن ما لا يحكمه القانون فهو خاص بمن يختارونه طوعاً. لذلك بولس الرسول يطيع إلهه وطبيعته، يكتب منذراً، وما كان جائراً ففيما يتعلق بذلك يعلم في نصيحة هكذا: “وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهن ولكنني أعطي رأيا كمن رحمه الرب أن يكون أميناً” (1كو 7: 25). (1كو7: 1). (1كو7: 26-28). لقد دعا “ضيقاً في الجسد” ما يضاف إلى هموم ومتاعب الزواج الدنيوية. ويقول فعلاً: (1كو 7:32-34). وهو لا يقول ذلك لكي يكرهنا في الزواج كأنه دنس غير طاهر. فهو يعرف أنه طاهر حتى أنه يقول بخصوص زواج غير المؤمن بالزوجة المؤمنة، أو العكس: (1كو7: 14). وفي مكان آخر يكتب: (عب13: 4). حيثما يريد أن يعرفنا بالأحداث ذاتنا ويعلمنا بطريقة واضحة أن الزواج طاهر وأنه لا يفصل أبداً عن الله، فان ربنا وإلهنا يسوع المسيح أيضاً، الذي ولد من العذراء بالجسد، الذي حافظ على بتولية والدته وذلك بعد الولادة أيضاً، الذي أظهر اتساع طريق البتولية لحياة العالم، قد أبهج وليمة العرس التي أقيمت في قانا الجليل، في حضور العذراء أمه وتلاميذه، إذ أنهم كانوا مدعوين بسبب بعض الصدقة البشرية وبسبب بعض الأقرباء إذ كانوا معروفين. وأن ذلك الذي يصنع كل شيء بحكمة_ “ما أعظم أعمالك يا رب_كلها بحكمة صنعت ملآنة الأرض من غناك”(مز 103: 34). _ قد بارك طبقاً للتدبير الإلهي وليمة العرس، وصنع كذلك أول معجزة، وهذا قد رواه يوحنا الإنجيلي وحده غير الإنجيليين الأخريين، وهو الذي أحتفظ ببتوليته وقضى حياته كلها دون أن يعرف علاقة وزواج الجسدية، وكان عزيزاً بصفة خاصة لدى المسيح يسوع ربنا. ومع ذلك ؟؟؟؟؟؟ كان الزواج مكروهاً، الزم ألا يذكر هذه المعجزة بسبب الذين يهربون من علاقة الزواج الجسدية ويبحثون عن محاكاة الملائكة. ولننظر ما هي العلاقة التي صنعها الرب يسوع حينما كرم وليمة العرس. العذراء تعلم بالمعجزة سلفاً يقول يوحنا: ” ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر (يو 2: 3). من ذلك نتأكد أن الذين دعوه إلى وليمة العرس لم تكن عندهم أفكار عالية بخصوصه أي أفكار تليق بالله. فانه كان يلزمهم لو كانت عندهم الأفكار اللائقة أن يرجوه أن يعالج إشكال فراغ الخمر؛ لأن المحتاج يطلب لكي ينال ما يحتاج إليه. وقد قلت أنهم دعوه إلى وليمة العرس لمعرفتهم له بطريقة بشرية، دون أن يعتبروا إطلاقاً رفعة ألوهيته. وبينما مريم العذراء تترأف في فكرها قد ؟؟؟؟ على هؤلاء الأشخاص في حاجتهم وطلبت، فأن يسوع تمهل في هذا الطلب حتى لا يظهر أنه يبحث عن المجد الباطل، كأن يفكر لأجل نفسه في هذا المجد مع دقة، فتبدو أنها طلبت ذلك ظاهرياً، وأنه يجيب صوب ظهور العلامات. فبينما كان يجعل السامعين بعيدين عن هذا الرأي الخاطئ، موضحاً أنه لا يصنع شيئاً من أجل المجد الباطل، بل أنه يصنع كل شيء بعناية المنفعة، رد عليها رداً قوياً معلماً سامعيه، كما قلت، ومعداُ الحق، وليس مريداً الإنقاص من طلب والدته، فقال:” ما لي ولك يا إمرآة لم تأت ساعتي بعد”(يو2: 4). وقد عرفتنا العذراء مريم والدة الإله فعلاً أن هذا الكلمات لم تكن تأنيباً، بل على سبيل التعليم بسبب الغرباء. إذ أنها لم تنسحب وتبتعد كمن وجه إليها تأنيباً، ولم تصمت وتندم على جسارتها كأنها اختصت باللوم. لكنها إذ كانت تعلم في روحها بما يحدث، قالت للخدام وكأن يسوع لم يقل شيئاً على الإطلاق: “مهما قال لكم فافعلوه” (يو2: 5)، وهي تريد أن تبين أيضاً شيئاً أعظم يليق بالله أكثر. قال يسوع موافقاً فكرة أمه وإنما كانت تفكر فيما هو أعظم جداً: “لم تأتي ساعتي بعد” (يو3: 4) كأنه يقول. “تعتقدين أنني فجأة ابحث عن تحقيق علاقات عظيمة لكن أعلمي أن هذه تحكمها مواقيت لائقة، حتى أنه ولا جزء صغير من الساعة يفوته توجيهي وترتيبي. فأني بالفعل أظهر قليلاً قليلاً ألوهيتي بالنسبة إلى نمو القامة الجسدية، ومع تقدم القامة الحقيقي أظهر كأني أنمو في الحكمة وفي النعمة1 بالمعجزات والعجائب، لأني آتي هذه العجائب بطريقة يليق بالله ولأني أكتشف عنها مع ذلك على التوالي كما يتطلب ذلك أسلوب التدبير الإلهي، حتى إلى لحظة من الزمان صغيرة جداً؛ إذ أن ما يتعلق بالأعمال الإلهية يحدث أيضاً للشيء الصغير بل الأصغر من كل شيء، حق لو كنا نجهل ذلك تماماً ويصعب علينا فهمه. بهذا المعنى يوجد في موضع آخر من الإنجيل أيضاً ما يتعلق باليهود: “ولم يلق أحد يداً عليه لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد” (يو7: 30) وفي موضع آخر: “ولم يمسكه أحد لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد” (يو8: 20). وكذلك: “قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان” (يو 12: 33) وأنه إلى تمام التدبير الإلهي حتى النهاية، حينما لم يتبق شيء مما كان معلوماً ومقرراً مقدماً بالنسبة له، بحكمة الله، كان الرب يسوع منبعاً تماماً بالنسبة لجميع الناس. كان يجوز في وسطهم أيضاً حينما كانوا يرمونه بالحجارة. “فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه” (يو10: 31). ” فطلبوا أيضاً أن يمسكوه فخرج من أيديهم”(يو10: 39). ولما وصل كل شيء إلى نهايته، مكملاً تماماً ومنتهياً للغاية حسب مسرة الله ورضائه، حينئذ بالحقيقة سلم ذاته طوعاً ذلك الذي كان يقول : ليس أحد يأخذها متى بل أضعها أنا من ذاتي، لي سلطان ان أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضاً”(يو10: 18). ما كان يقول ذلك لو كان خاضعاً لضرورات الساعات حسب أكاذيب الخرافات الوثنية. لذلك، حتى بعد ان قال لوالدته، من أجل السبب الذي ذكرته، “لم تأت ساعتي بعد” (يو2: 4). فأنه في الحال صنع علامة لا يمتلكها أبداً من يكون خاضعاً للزمن. وفي نفس الوقت يعلمنا إذا كنا مرة لا نطيع أمهاتنا اللواتي ؟؟؟؟؟ بعمل شيء في وقت غير مناسب، فيبدو الرفض كأنه يتضمن ما يليق وما يرضي كثيراُ. يعلمنا أن نرضيهن في كل الحال بما يجب، سواء بصنعنا ما أمرن به، أو بطريق آخر بالا نتركهن إطلاقاً في حزنهن. يقول فعلاً: “أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك” (خر 20: 12). “أكرم أباك وأمك كما أوصاك الرب إلهك لكي تطول أيامك ولكي يكون لك خير على الأرض التي يعطيك الرب إلهك” (تث5: 16). وبفحصنا الكلمة بأكثر عناية، نجد ان والدة الإله، بعد ميلادها ومنذ أن خدمت سر التدبير الإلهي، كانت ممتلئة من الروح القدس وتعرف مقدماً ما سوف يحدث. وكانت حقاً نبية. لأنه أن لم يكن الأمر هكذا فكيف تفكر العذراء أن الرب يسوع يستطيع أيضاً أن يصنع خمراً أمام أعين الجميع، تلقائياً، من لا شيء من المرئيات؛ لكن لأنها كانت تعلم مقدماً ما سيحدث وأن يسوع كان مزمعاً أن يأمر الخدم بأن يصبوا الماء لكي يحوله خمراً، فهي أيضاً قد أعطتهم أمراً مقدماً قائلة:” مهما قال لكم فافعلوه”(يو:2: 5). في هذا سبق العلم بشأن ما سوف يحدث مشتركاً بين يسوع وبين مريم العذراء؛ المسيح لأنه الله، والقديسة مريم العذراء لأنها تتصرف كنبية. أعداد الحاضرين للمعجزة وقد أراد فعلاً أن يبعد عن المعجزة كل شبهة خيال وقد شاء أن يصنع ذلك. لأنه لو كان تلقائياً جعل الخمر ينبع ويظهر بطريقة عجيبة وسط الذين كانوا يأكلون، لكانوا ينظرون إليه كأنه كاذب، دون أن يؤمنوا، ولكان الأمر يبدو كأنه خدعة للعيون والتذوق، من أعمال الشياطين، مثلما يحاول أولئك المشعوذين بطريقة خادعة، يعملون عملهم في؟؟؟؟؟ إذ ؟؟؟؟؟؟ عملية صنع المعجزات. لذلك فأن الرب يسوع يجعل خلو الخمر يبقى طويلاً، حتى يشعر من كانوا يأكلون بأنه ينقصهم الخمر، يبقى طويلاً، حتى لا يتركون المعجزة تمر أيضاً، بل ؟؟؟؟؟ بها بوضوح. ولم يكن ينتظر الساعة، ليس لهذا تأخر. وكيف يهتم ملك الدهور ؟؟؟؟؟الساعة، وينتظر ويراقب الفراغ في ذلك؟. تمام المعجزة فبتحويله الماء خمراً قد جنبنا أيضاً أن تتخيل في ذلك دعوى، وبذلك أظهر أنه خالق كل الأشياء كما لو كان قد خلق النبيذ من عدم. إذ هو أيضاً يحول كذلك قطرات الندى ويصنع تفاحاً في شجر التفاح وتيناً في شجر التين وكل نوع من الأشجار. تأملوا كيف أن البشير يفصل المعجزة في ظروف مختلفة، محققا صحتها من كل جانب، ورافعاً عنها شبهة الخيال. يقول: “وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل مطرين[1] أو ثلاثة. قال لهم يسوع املأوا الأجران ماء. فملأوها إلى فوق”(يو 2:6- 7). كان ناموس موسى يقضي بأن من لمس شيئاً نجساً يغسل ملابسه ويغتسل بالماء. وبسبب كثرة مثل هذه التطهيرات ولأن بلاد فلسطين جافة جداً ولا ترويها الينابيع أو الأنهار بل تأخذ الماء من الآبار أو الخزانات، كانت الأجران المذكورة تملأ ماء ويعدها اليهود لهذا الغرض، حتى يتطهروا في الحال. فتلك الأجران التي تصادف أن كانت فارغة، أمر الرب يسوع أن يملأها الخدم ماء، وكانت تستعمل الماء من مدة طويلة ولم يكن بها على الإطلاق أي رائحة أو شيء مما له علاقة بالخمر. فلو كان قد أمرهم بأن يستعملوا أية أوعية أخرى، لكان يمكن أن يقال أنه يسبب بقاء بعض الثمالة فيها قد تأخذ بعض الشيء من صفة الخمر حينما يسكب الماء على بقيا الخمر، وأن الذين كانوا يأكلون قد يشربون الماء على أنه خمر، إذ كانوا قد سكروا فصارت حاسة التذوق عندهم معدومة. تأمل إذا كيف أنه بذلك تستعبد كل شبهة للتخيل. فليس التلاميذ هم الذين أمروا أن يملأوا الأجران، لكنهم الخدم، وهم الشهود الغرباء الذين لا يجلبون من أي مكان قسطاً في الشهادة؛ وكان الأمر لهم ان يملأوا تلك الأجران المخصصة من مدة طويلة وليس أي أجران تصادفهم. يقول الكتاب: “فملأوها إلى فوق”(يو 2: 7) حتى لم يكن ثمة مكان لأي مزيج من الخمر. وحينئذ قال المسيح للخدم استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكأ فقدموا” (يو2: 😎. أن رئيس المتكأ ليس أحد هؤلاء الذين يأخذون مكانهم على المائدة، لكنه رئيس صالة الوليمة ومستلزماتها، ويكون شغله الشاغل هو المرور وكأنه ؟؟؟؟؟ يضع الطباخين والخدم والسقاة في أمكانهم. ويرتب كل شيء في خدمة من يأكلون. إذا يكون هو الشخص الذي أمر الرب يسوع بأن يعطيه الخدم باكورة الماء المتحول خمراً، وهو السهر الذي يحفظ بنقاوة الخمر وتمييز تذوقها، حتى شهد أن المشروب لم يكن نبيذاً فحسب، بل أن هذا النبيذ كان جيداً جداً وممتازاً، إذ قال العريس: “كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولاً ومتى سكروا فحينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن”(يو2: 10). معنى عميق من معاني المعجزة في هذا بهاء الكلمة الإنجيلية ومظهرها الخارجي حسب شرح المعجزة البسيط السهل المعروض أمامنا. ولكن لأولئك الذين يستطيعون أن ينزلوا باعتدال نحو عمق الأفكار _ (وليس أحد يستطيع أن يصل إلى درجة التأمل الكامل) _ ليس الغنى الموجود هنا غنى عادياً فأن وليمة العرس تبين أن المسيح جاء بحلوله بالجسد بين سكان الارض كما في فرح ووليمة عرس. لأنه لم يأت ليدين العالم، بل ليخلص العالم، كما يقول البشير: “لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم”( يو3: 18) وحتى يخطب الكنيسة مثل عذراء طاهرة كما يقول بولس الرسول لأهل كورنثوس: “لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح” (2كو 11: 2) وكان يقول عنه يوحنا المعمدان أيضاً: “من له العروس فهو العريس” (يو 2: 29). وكان المسيح يقول أيضاً عن تلاميذه: “هل يستطيع بنو العريس أن ينوحوا مادام العريس معهم” (مت9: 15). إن وليمة العرس كانت إذا صورة الخطوبة والزواج العقلي الذي صنعه المسيح، صورة اتحاده بأرواحنا، وهو عريس الكنيسة الطاهرة. إن والدة يسوع العذراء القديسة والدة الإله إذ كانت تريد أن ؟؟؟؟؟؟ الرحمة من المسيح، وكأنها تدعوه أن يهب خمر التعاليم، حينما كانت حاضرة في وليمة العرس وكانت ترى أن النبيذ، ويشير إلى كلمة التعليم التي كانت قد أعطيت لمجمع اليهود، قد فرع؛ لأن هؤلاء المعلمين رؤساء الكهنة والفريسيين كانوا على مثال أصحاب المحلات يخلطون تعاليم الخاصة الضعيفة البشرية بماء الرياء والكبرياء؛ وهم الذين قال عنهم أيضاً اشعياء النبي: “صارت فضتك زغلا وخمرك مغشوشة بماء” (اش1: 22) وكانوا يتخذون وصايا الناس مواضيع لتعاليمهم حتى أن كل شيء كان يصير مشوباً. فقالت العذراء والدة الإله باسم الكنيسة: “ليس لهم خمر” (يو 2: 3). لذلك رد يسوع قائلاً: “مالي ولك ياامرآة لم تأت ساعتي بعد” (يو 3: 4). دائرة الدراسات السريانية
المزيد
23 يناير 2024

بمناسبة عيد عُرس قانا الجليل

مقتطفات من تعليقات بديعة للقديس كيرلّس الكبير على معجزة: تحويل الماء إلى خمر في عُرس قانا الجليل + يأتي الربّ في وقت مناسب جدًّا ليبدأ المعجزات، رغم أنّ الذين دعوه لم يكُن لديهم هذا الهدف..! + عندما دُعِيَ هو، جاء مع تلاميذه، لكي يصنع المعجزة، لا لكي يتمتّع بالاحتفال معهم، ولكن بشكل خاصّ جاء لكي يقدّس بداية ميلاد الإنسان، وأنا أعني ميلاده حسب الجسد. لقد كان يليق بمن جاء لكي يجدّد طبيعة الإنسان، وأن يعيدها إلى ما هو أفضل، ليس فقط أن يبارك الذين كانوا موجودين قبلاً (الحاضرين)، وإنّما أيضًا أن يهيِّئ نعمةً مُقدَّمًا للذين سوف يولَدون (كثمرة لذلك الزواج)، ويجعل مجيئهم إلى العالم مقدّسًا. + المخلّص هو محبّ البشر.. هو فرح وسعادة الكلّ.. أَكرَمَ الزواج بحضوره، لكي يزيل اللعنة القديمة الخاصّة بإنجاب الأولاد. + جاء مع تلاميذه إلى العُرس. لقد كان ضروريًّا حضور مُحبِّي المعجزات مع صانع المعجزات، لكي يسجّلوا معجزاته، فتصبح كطعام يغذّي إيمانهم. + لم تأتِ ساعتي بعد.. هو لا يريد أن يتسرّع في القيام بشيء، لأنّه لا يريد أن يَظهر كصانع المعجزات من تلقاء ذاته، بل ينتظر حتّى يدعوه المحتاجون، وليس الفضوليّون. فهو يعطي النعمة لمن يحتاج، وليس لمَن يريد أن يتمتّع فقط بالمشاهدة..! + يريد المسيح أن يؤكِّد على الإكرام العميق للوالدين، فقد قبل طلب أمّه إكرامًا لها، رغم أنّه لم يكُن يريد القيام بالمعجزة في تلك الساعة. + كان لأمّه تأثير عظيم في القيام بهذه المعجزة، وقد تمّت إرادتها، لأنّها طلبت من الرب ما يليق بها كأمّه وهو كابنها. وبدأت تعمل بأن هيّات الخدَم لكي يجتمعوا، لإطاعة ما سيأمُر به. + لقد نزل كلمة الله من السماء، لكي يصير عريسًا للطبيعة الإنسانيّة، فأخذها وجعلها خاصّة به، لكي يجعلها تلد ثمار الحكمة الروحيّة. ولذلك دُعِيَت الطبيعة الإنسانيّة العروس، والمُخَلِّص دُعِيَ العريس.. + لم يأتِ المُخلِّص إلى العُرس من تلقاء نفسه، بل بدعوة، وإلحاح أصوات القدّيسين. ولكنّ الخمر فرغَت، ولم يعُد لدى المحتفلين منها أيّ شيء، لأنّ الناموس لم يكمّل شيئًا، إذ أنّ الوصايا الناموسيّة لم تهب الفرح، ولم يستطِع الناموس الطبيعي المغروس فينا أن يخلِّصنا. ولذلك من الصواب أنْ نقول أنّ عبارة "ليس عندهم خمر" قد قيلَت عنّا نحن أيضًا. ولكن صلاح الله وغِناه لا ينضُب، ولا يمكن أن يعجز أمام احتياجاتنا.. + لقد أعطانا "خمرًا" أفضل من الخمر الأوّل "لأنّ الحرف يقتل ولكنّ الروح يُحيي" (2كو3: 6). فالناموس لم يكمّل شيئًا، ولم يُعطِ الخيرات، ولكنّ التعليم الإلهي للإنجيل يُعطي البركة الكاملة. [عن تفسير إنجيل يوحنا للقدّيس كيرلّس السكندري - إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد وآخرون] القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء بشيكاجو.
المزيد
22 يناير 2024

عيد عُرس قانا الجليل

تحتفل كنيستنا القبطية في بدء العام الجديد بمجموعة من الأعياد يُطلق عليها "أعياد الإبيفانيا" أو "الظهور الإلهي، وتشمل عيد الميلاد وعيد الغطاس وعيد الختان وعيد عُرس قانا الجليل. عيد عُرس قانا الجليل هو أحد الأعياد السيدية الصغرى وهو تذكار لأول معجزة أتمها الرب يسوع وفيها أظهر مجده فأمن به تلاميذه على حد قول الكتاب.وفي عُرس قانا الجليل لنا عدد من التأملات القصيرة التي يمكنها أن تصاحبك في احتفالك بهذا اليوم.. موقف أمنا العذراء مريم في يوم عُرس قانا الجليل يمثل موقف الإنسان الذي يضع مشكلته أمام الرب بأقل ما يمكن من العبارات وأعمق ما يمكن من الإيمان فالعذراء لم تتكلم كثيرا، ولكنها وضعت المشكلة أمام ابنها في ثقة ورجاء بكلمات قليلة وقصيرة ليس لهم خمر » (يو (٣٢)، ورغم أن الرب يسوع لم يُبد آية استجابة لطلبها في البداية بل قد يبدو من إجابته إنه لم يستجب لطلبتها عندما قال «ما لي ولك يا امرأة لم تأت ساعتي بعد» (يو (٤:٢)، إلا أنها وبكل إيمان استمرت في حديثها للخدام قائلة «مهما قال لكم فافعلوه» (يو ٥:٢)، وكأنها تعلم أن ابنها لا بد أن يتدخل وأن دورها هو أن تضع أمامه مشكلتها وتكتفي بذلك. لذلك في يوم احتفالنا بتذكار هذا العيد ليكن لك الثقة التي بها تضع كل أمورك أمام الله وأنت واثق أنه لا بد سيتدخل وسيفعل كل الخير لك، كل ما يفرحك ويبهج حياتك. في عرس قانا الجليل أيضا حول الرب يسوع الماء إلى خمر، وكانت المعجزة معجزة تحوّل، فيسوع هو مصدر التحوّل في حياتنا فهو قد جاء إلى العالم لكي يحول حياة العالم والبشرية كلها، وليطلق الإنسان. من سلطان إبليس، وهذا هو عمل يسوع في حياتنا كل يوم، فهو يحول حياتنا إلى حياة بارة بقوة دمه وسلطان صليبه الذي كتب عنه معلمنا يوحنا إن دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية». لذلك في طريق حياتك كلما وجدت أنك في احتياج للتغيير أو التحول عن شكلك وطبيعتك العتيقة، تذكر أن الوحيد الذي له سلطان التحويل هو الرب يسوع اطلب منه بإيمان وهو لا بد أن يستجيب ويغيرك لتصير على صورته كشبهه. أخيرًا في عُرس قانا الجليل كان يسوع مصدرًا للفرح، فهو قد حفظ لأهل البيت فرحتهم، وأعلن مجد لاهوته أيضًا فأمن به تلاميذه فالاهتمام بإعلان مجد الرب والفرح أمران متلازمان في الحياة المسيحية، وأنت عندما تضع مجد الرب أمام عينيك وتسعى في كل أمورك أن تمجده، كن واثقا أنك ستعيش فرحًا. ليكن اهتمامك الأول إذا في بيتك وفي خدمتك وفي كل حياتك أن تمجــ الرب، ووقتها ستعرف معنى الفرح لأنه وعد «أنا أكرم الذين يكرمونني» (اصم (۳:۲) في تذكار احتفالنا بالعيد لتكن واثقا بالرب الذي يقود حياتك، ولتعش متحوّلا عن شكلك القديم، ولتكن فرحًا لأنك لا تطلب إلا مجده؛ فتعيش العيد كخبرة عملية وليس كذكرى. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال افريقيا
المزيد
21 يناير 2024

أوجه الشبه بين الميلاد والغطاس

عاشت الكنيسة فترة لا تقل عن ثلاثة قرون كانت تحتفل بميلاد السيد المسيح وبعماده في يوم واحد تسميه "عيد الإبيفانيا" أي الظهور الإلهي، باعتبار أن الميلاد تجسد فيه ابن الله الكلمة ورآه المجتمع اليهودي، إذ رأوه في الهيكل يقرأ في الناموس حين بدأ خدمته، وسبقهم الرعاة بظهور خاص للملاك لهم مُبشِّرًا قائلًا: «ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لكم ولجميع الشعب أنه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب» (لو2: 11)، وقادهم الملاك لرؤية الطفل يسوع موضوعًا في مذود مقمطًا مثل الحملان «وهذه لكم العلامة: تجدون طفلًا مقمطًا مضجعًا في مذود» (لو2: 12). وفي الغطاس ظهر الثالوث القدوس إذ انفتحت السماء وشهد الآب للابن وهو في الماء والروح القدس حالٌّ على الابن لتتم النبوة (إش61: 1) «روح السيد الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق، لأنادي بسنة الرب المقبولة». وهكذا في كلا الميلاد والغطاس حدث ظهور إلهي متنوع، وفي كلا المناسبتين أعلن أنه مخلص كما أعلن الملاك للرعاة، والنجم للمجوس، ويوحنا المعمدان عن السيد المسيح في عماده إذ قال: «وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه، هوذا حمل الله الذي يحمل خطايا العالم كله» (يو1: 29)، فهو المخلص الذي التفّ حوله المحتاجون إلى الخلاص، سواء من المرض فشفى الأعمى والمفلوج والمطروحين والمطرودين والذين ليس لهم أحد يذكرهم. كما أنه المتألم لأجل البشر: ففي الميلاد وُضِع في مذود للخراف الذي يشبه عربة الطفل وليس مذود البقر العالي، ولكن وسط تبن وليس على سرير فيه ترف وتنعُّم، فلقد أختار الألم لأنه حمل الله الذي سيُذبح على الصليب لخلاص العالم كذبيحة منذ الطفولة. وحين نزل في نهر الأردن كالخطاة الذين اعتمدوا ليغسلوا خطاياهم، وكأنهم يتركونها في الماء لينزل ابن الله الكلمة المتجسد ليحمل هذه الخطايا. لذلك أشار إليه يوحنا المعمدان كحمل الله الذي يرفع خطايا العالم على الصليب.. وهكذا تألم في الميلاد كحمل مولود في التبن في المذود، وتألم في العماد إذ تعرّى كآدم الثاني نيابة عن آدم الأول، وفيه كل من سيأتي من بشر عبر الأزمنة والأمكنة ومن يؤمن ويعتمد يخلص كما أعلن يوحنا المعمدان والسيد المسيح نفسه. البركات التي نلناها بميلاد الرب يسوع وعماده: لقد رسم لنا طريق خلاصنا في هذه المناسبات السيدية الهامة، إذ شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها بميلاده وتجسده ليفدي حياتنا من الهلاك الأبدي إلى الحياة الأبدية، وأعطانا بعماده الولادة من فوق، حيث بالماء والروح بدأت الخلقة الأولى إذ كان على وجه الغمر ظلمة وروح الله يرفّ على وجه المياه (تك1: 2)، وبالماء في نهر الأردن وابن الله الكلمة نازل في الماء وروح الله حالٌّ على ابن الله ليُعلن كمخلص العالم من خلال القديس يوحنا المعمدان.. إنه العريس للكنيسة عروسه في العهد الجديد، فقال: «من له العروس فهو العريس، وأمّا صديق العريس فيفرح» (يو3: 29).. وهكذا بدأت خلقة العهد الجديد، فإن كان آدم الأول هو رأس البشرية القديمة حسب الجسد، فآدم الثاني رأس البشرية الجديدة والخليقة الجديدة.. وهكذا نري كيف شابهنا الرب يسوع بتجسده لكي نشابهه في المعمودية كأبناء بالتبني للآب السماوي من خلال الابن الكلمة المتجسد رأس البشرية الجديدة... حقا إنها بركات مفرحة للمناسبات السيدية. نيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها
المزيد
20 يناير 2024

أيقونة عيد الظهور الإلهي (الإبيفانيا)

حرص الفنان المسيحي عامة أن يوقع بريشته أيقونة معمودية السيد المسيح، والتي يطلق عليها أيقونة "الإبيفانيا، وهي كلمة يونانية تعنـــــــي الظهور الإلهي للثالوث القدوس، كما يخبرنا القديس أغسطينوس: «أعلن لنا إلهنا نفسه عن نفسه بكونه ثالوثا في واحد، فالن ص الإنجيلي (يو ١ : ٢٦ - ٣٤) يخبرنا فيه يوحنا المعمدان بالثالوث من خلال ما سمعه بالأذن لصوت الآب وما رأه الروح القدس، وما شهد به بابن الله يا لهذا النور الذهبي الغامر الذي يغزو قلب الإنسان بالفرح في هذه الأيقونة، وهنا يحتج يوحنا المعمدان على طلب السيد المسيح رافعا يده اليسري لأنه كيف يعمد القدوس الذي بلا خطية وحده؟ ولكن وافق يوحنا ليكمل كل بر، حيث مسح المسيح لخدمة الخلاص السرائري، فهو الذي خدم لي الخلاص لما خالفت ناموسه، فهكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد، وهنا تعلن لنا هذه الأيقونة بشرى الخلاص وتجديد الطبيعة الإنسانية، وقد رفع يوحنا يده اليمنى فوق المسيح الذي تقدّم لكي يفعل فيما لأبيه والخاضع أيضا فهو الذي وأخلى ذاته وأخذ صورة عبد» وبحسب ما يقول القديس أثناسيوس «لقد أنقص نفسه لأجلنا لكي بتواضعه نستطيع نحن أن نتقدم وننمو»، ويقف يوحنا بملامحه النسكية على صخرة في وضع أعلى من المسيح، فالصخرة هي صخرة النبوات الصادقة، ولكن نجده أحيانًا منحنيا في الأيقونة أمام المسيح لأنه ليس مستحقا أن يحل سيور حذائه كالعبد لسيده، ويوحنا يرتدي ثوبا من وبر الإبل نحيف الجسم كالقصبة، وبجوار يوحنا شجرة خضراء ترمز للأمة اليهودية وعند جذعها فأس قد وضعت على أصلها لتقطع كما قال يوحنا «قد وضعت الفأس على أصل الشجرة فكل شجرة لا تعطي ثمرًا تُقطع وتلقي في الناري لأن اليهود لم يقبلوا خلاص المسيح، وماء النهر أزرق داكن، حيث جاء المسيح ليقدس ماء النهر والذي يشير إلى ماء المعمودية، ورسم السمك في الماء والذي يشير للمؤمنين المجددين، ويظهر المسيح بجسد عار مغمورًا في الماء رمزًا أننا بالمعمودية نخلع الإنسان العتيق لأن الخليقة بحاجة إلى تجديد فنحن نخلص «بغسل الميلاد الثاني وتَجْدِيدِ الرُّوح القدس»، ونري الحية تحت أقدامه حيث جاء ليسحق رأس الحية، أو رجلا شيخًا متقوقعا مهزوما يتوسل إلى الرب كي لا يفنيه وهو يمثل الشيطان وفي أعلى الأيقونة ونرى نصف الدائرة المشعة بالنور الثلاثي الذي لا يُدنى منه، وهي تشير إلى صوت الآب «أنت هو ابني الحبيب الذي به سررت حيث انشقت السماء (مر ١٠:١) وجاءت بالابن المتجسد بداءة كل خليقة والروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة، والابن المتجسد في الماء وبذلك يُستعلن في هذه الأيقونة الحب الذي في الثالوث القدوس ذات الثلاثة أقانيم لجوهر إلهي واحد، ويقول القديس صفرونيوس بالثالوث القدوس نحيا ناخذ الوجود من الآب والتبني من الابن والحياة من الروح القدس ويظهر ثلاثة ملائكة في خدمة السيد يحملون ثيابه، وفي خلفية الأيقونة جبلان متقابلان أحدهما باللون البني إشارة لوصايا العهد القديم، وعلى يمين النهر جبل باللون الأبيض إشارة لوصايا العهد الجديد، وأحيانا يُرسم على جانبي الأيقونة داود وإشعياء يمسك كل منهما بنبوات عن المعمودية. نيافة الحبر الجليل الأنبا مارتيروس أسقف عام كنائس شرق السكة الحديد بالقاهرة
المزيد
19 يناير 2024

عيد الظهــور الالهى وايماننا الأقدس

عيد الظهور الإلهى... أهنئكم أحبائى بعيد الظهور الإلهى المجيد وهو من الأعياد السيدية الكبرى فى كنيستنا ويسمى فى اليونانية عيد الأبيفانيا اى الظهور الإلهى ايضا كما يسمى شعبياً بعيد الغطاس المجيد لان السيد المسيح عندما أعتمد كان ذلك بالتغطيس كما نمارسه فى كنيستنا الأن بالتغطيس للذين ينالوا صبغة المعمودية { و للوقت و هو صاعد من الماء راى السماوات قد انشقت و الروح مثل حمامة نازلا عليه} (مر 1 : 10). وهو ايضاً عيد الأنوار الذى فيه أنار الله عقولنا وقلوبنا وارواحنا بنور معرفة الحقيقية ومنحنا الاستنارة الروحية ونقلنا من عالم الظلمة الى ملكوت أبن محبته فى النور . أيماننا الأقدس ... - لقد أعلن لنا الثالوث القدّوس ذاته واضحا فى عيد الغطاس . فإن كان عند نهر الأردن جاء كثيرون معترفين بخطاياهم، فإنه بدخول السيّد إلى المياه انكشفت طبيعة الاله الواحد الذى نعبده دخل الرب يسوع الله الكلمة المتجسد ليعتمد ممثلاً للبشرية الخاطئة ليكشف لنا جوهر لاهوته، فندرك أسراره، لا لمجرّد المعرفة العقليّة،(هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين تجد الكثير من عظات ابونا أفرايم الأورشليمى). وإنما لنختبر عمله الفائق فينا . نحن نعبد اله واحد ، وحاشا ان نشرك بالله أحد ، وكما لله صفات الكمالات الالهية فان له صفات ذاتية ضرورية لاغنى عنها ومنها . - الكينونة فالله كائن منذ الأزل والى الأبد وهذه الصفة الذاتيه او الاقنوم بالسريانية تعرف بالأب ، كما ان الله كائن عاقل كلى الحكمة وهذا الاقنوم دُعى الابن وهو الذى تجسد وتأنس دون ان يحد التجسد من لاهوته كما قال لنيقوديموس {و ليس احد صعد الى السماء الا الذي نزل من السماء ابن الانسان الذي هو في السماء}.يو13:3 . وكما نرى الارسال التلفزيونى الان ونستقبله فى بيوتنا دون ان نحده فى اجهزتنا فقط ،مع الفارق هكذا عقل الله تجسد وحل بيننا وراينا مجده دون ان يحد التجسد من لاهوته . وهل يستحيل على الله شئ . الله الذى كلم موسى قديماً من شجرة ملتهبة وظهر لكثيرين معلما اياهم ابوته وتواضعة ووداعته لماذا لماذا لا يقبل البعض ان يعلن لنا ذاته بالتجسد {و بالاجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد } (1تي 3 : 16) وكقول القديس اثناسيوس الرسولي : " كما أن الماء ينبع من النبع ، وكما أن أشعه الشمس متصلة بالشمس نفسها ، ولا يمكن أن نتصور النور دون ان تكون أشعه منه منذ ان كان نور ، هكذا أيضا لا يمكن ان نتصور لحظه من الزمان كان الله فيها كائنا ولم يكن الكلمة كائنا فيه ، أو يكون هذا معناه أن الله كان في لحظه من اللحظات بغير عقل حاشـــا ، وهو ما لا يمكن نتصوره إذ ان الله هو العقل الأعظم منذ الأزل . - والله حى بروحه القدوس وهذا هو اقنوم الروح القدس .. بهذا الإيمان كرز الرب يسوع وعلم { فاذهبوا و تلمذوا جميع الامم و عمدوهم باسم الاب و الابن و الروح القدس} (مت 28 : 19). وعلم الاباء الرسل { فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الاب و الكلمة و الروح القدس و هؤلاء الثلاثة هم واحد} (1يو 5 : 7). - فى العماد ظهر الثالوث القدوس الإله الواحد متمايزًا لكنه غير منفصل، الابن المتجسد صاعدًا من المياه لكي يهبنا الخروج من خطايانا لندخل به وفيه إلى شركة أمجاده، والروح القدس نازلاً على شكل حمامة ليقيم كنيسة المسيح الحمامة الروحية الحاملة سمات سيدها، وصوت الآب صادرًا من السماء يعلن بنوتنا له في ابنه، ويقيم منا حجارة روحية ترتفع خلال السماوات المفتوحة لبناء الكنيسة الأبدية. هكذا ظهر الثالوث القدوس لبنياننا بالله، لذا دعي عيد عماد السيد بعيد الظهور الإلهي، و يجب أن نؤكد ما قاله القديس أغسطينوس: {هذا ما نتمسك به بحق وبغيرة شديدة، وهو أن الآب والابن والروح القدس ثالوث غير قابل للانفصال، إله واحد } أعتمد الرب يسوع مع انه القدوس البار راسما لنا طريق الولادة من فوق بالماء والروح {اجاب يسوع و قال له الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من فوق لا يقدر ان يرى ملكوت الله}يو 3:3. مقدساً لنا المياة بعماده المقدس ونائبا عنا فى تكميل كل بر شاهداً ليوحنا ودعوته للأخرين لأتباع المسيح الرب {و في الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا اليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم }(يو 1 : 29). بعماد السيد المسيح له المجد أسس لنا سر العماد المقدس الذى هو المدخل للحياة المسيحية والبنوة لله ونوال غفران الخطايا . المعمودية ومغفرة الخطايا ... من بركات عيد الظهور الإلهى فى حياتنا انه يهبنا من خلال المعمودية غفراناً لخطايا سوء الجدية التى نتجت عن التعدى والسقوط فكما انه فى أدم يموت الجميع ففى المسيح يسوع ربنا نحيا به ومعه كابناء مقبولين مقدسين معه {مدفونين معه في المعمودية التي فيها اقمتم ايضا معه بايمان عمل الله الذي اقامه من الاموات} (كو 2 : 12). فالمعمودية تطهرنا من آثامنا كما احب المسيح الكنيسة واسلم نفسه لاجلها واسس لها سر المعمودية للتطهير من الخطاياالجسدية والروحية " كما احب المسيح الكنيسة واسلم نفسه لأجلنا لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيده لا دنس فيها ولا غضن أو شىء من مثل ذلك بل تكون مقدسه وبلا عيب " أف 5 :27.ونحن نمارس سر التوبة والاعتراف للمعمد الكبير الداخل للأيمان وتغفر خطايا الخطايا فى دم الحمل الذى بلا عيب الذى بذل ذاته كفارة لخطايانا ويقوم مع المسيح فى جدة الحياة الروحية مقدساً حياة لله . كما نعمد الطفل الصغير لينشأ فى الإيمان أبنا لله وعضواً حياً فى كنيسته المقدسة متمتعاً باسرارها. المعمودية والتبنى ... بالمعمودية نصير ابناء لله بمقتضى نعمته ، {و اما كل الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه. (هنا فى منتدى أم السمائيين والأرضيين تجد الكثير من عظات ابونا أفرايم الأورشليمى).الذين ولدوا ليس من دم و لا من مشيئة جسد و لا من مشيئة رجل بل من الله} يو 12:1-13. { لانكم جميعا ابناء الله بالايمان بالمسيح يسوع }(غل 3 : 26). ان المسيح دعى ابن الله اى من جوهره وطبيعته لذلك دُعى الوحيد الجنس اما نحن فقد تبنانا برحمته ومحبته { انظروا اية محبة اعطانا الاب حتى ندعى اولاد الله من اجل هذا لا يعرفنا العالم لانه لا يعرفه }(1يو 3 : 1). المعمودية هي ميلاد جديد ويأخذ الإنسان من خلالها نعمه التبنى { اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب.الروح نفسه ايضا يشهد لارواحنا اننا اولاد الله. فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله ووارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} رو 15:8-17. الخلاص وميراث الملكوت السماوى.. هذا ما أكده الرب يسوع عندما قال من آمن واعتمد خلص ومن لا يؤمن يدن . (مر 16:16)واكد عليه القديس بطرس الرسول ايضا فى رسالته ({ إذ كان الفلك يبنى الذى فيه خلص قليلون أى ثمانى أنفس بالماء الذى مثاله يخلصنا نحن الآن اى المعمودية } ابط 20:3-21 . أما كون المعمودية ضرورة للدخول للملكوت السماوى فقد أكد عليها ربنا يسوع المسيح لنيقوديموس: "أجاب يسوع الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو5:3). من أجل ذلك قال معلمنا بولس الرسول: " ... بمقتضى رحمته خلّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلّصنا حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية." (تى5:3-7). ويقول معلمنا بطرس الرسول: "ولدنا ثانية لرجاء حيّ بقيامة يسوع المسيح من الأموات لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات لأجلكم. (1بط3:1،4). ولقد بلغ القديس يوحنا ذهبي الفم ذروة التعبير عن مفاعيل المعمودية في عبارة شاملة إذ قال: { إن الذين تعمدوا فإنهم يتمتعون ببهاء الحرية، وصاروا أعضاء الكنيسة سالكين في نور البر البهي بعد ما كانوا سائرين في فيافي الضلال الحالك وظلام الخطية القاتم. حقاً إنهم الآن محررون، وليس ذلك فقط بل قديسون فأبرار فأبناء فورثة فأخوة المسيح وارثون معه، فأعضاء لجسده الطاهر، فهياكل للروح القدس.ان عماد الرب يسوع المسيح وبذله ذاته فدءاً عنا تطهيراً وتقديسا لنا أكد عليه الأنجيل {كما احب المسيح ايضا الكنيسة و اسلم نفسه لاجلها. لكي يقدسها مطهرا اياها بغسل الماء بالكلمة} أف 25:5-26. فنحن نعيد عيداً روحياً ونحى مبنين على إيماننا الأقدس وله نشهد وبه نحيا ابناء لله وارثون ملكوت السموات. القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
18 يناير 2024

عيد الغطاس المجيد

عيد الظهور الإلهى وأهميته ... أهنئكم أحبائى بعيد الظهور الإلهي راجيا لكم حياة مقدسة مثمرة فى الرب . اننا اذ نحتفل بعيد (الأبيفانيا) Epiphany (إيبيفاني) أو عيد الغطاس المجيد، فاننا نتذكر الرب فى تجسده وعمادة ليقدس ويكرس لنا الطريق الى البنوة الحقيقية لله والولادة من الماء والروح ونتذكر معموديتنا يوم تعهدنا ان نجحد الشيطان ولا نسير فى طرقه وان نعلن ايماننا المسيحى ونحيا اوفياء لعهد تبنى الله لنا فى قداسة وبر وتقوى . تعمد السيد المسيح القدوس من القديس يوحنا المعمدان بالتغطيس {وللوقت وهو صاعد من الماء} ولذلك نسمى المعمودية "الغطاس".ليؤسس لمعموديتنا نحن المؤمنين به، ففيما نال هو المسحة بالمعمودية أعطانا من خلالها الولادة من الماء والروح. لذلك يوحنا المعمدان قال للناس {هوذا حمل الله الذى يحمل خطية العالم كله}(يو1: 26). وشهد عنه قائلا: {إنى قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه، وأنا لم أكن أعرفه. لكن الذى أرسلنى لأعمد قال لى: الذى ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذى يعمد بالروح القدس. وأنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله} (يو 1: 33 – 34). وهنا ربط بين معمودية السيد المسيح وحلول الروح القدس عليه وأنه يعمد بالروح القدس. معنى هذا أن الروح القدس حل على السيد المسيح كبداية للعهد الجديد لكى يحل على المؤمنين عبر الولادة من الماء والروح ومن خلال مسحة الميرون المقدس. لهذا تحتفل الكنيسة بعيد الغطاس المجيد لما فيه من أحداث هامة وإعلانات إلهيه تخص خلاصنا. ولعل أول كل هذا ظهورالله المثلث الأقانيم وقت عماد السيد المسيح.. لذلك يطلق علي هذا العيد (عيد الظهور الالهي).. فالاب ينادي قائلاً عن الرب يسوع وهو في الماء {هذا هو أبني الحبيب الذيبه سررت} (مت 3: 17)، بينما الروح يحل في شكل حمامة مستقراً علي السيد المسيح ليعلن أنه المخلص الذي أتي لخلاص العالم ليصنع الفداء العجيب.ويقول في ذلك القديس أغسطينوس: (بجوار نهر الاردن ننظر ونتأمل المنظر الالهي الموضوع أمامنا.. فلقد أعلن لنا إلهنا نفسه عن نفسه بكونه ثالوث في واحد.. أي ثلاثة أقانيم في طبيعة إلهية واحدة). معمودية السيد المسيح ومعموديتنا .. معمودية الرب يسوع المسيح لم تكن لولادته من الماء والروح لأنه الابن الوحيد للاب بالطبيعة، لكنه كان نازلاً للعماد من أجل ان يستعلن انه المسيح الرب ويبدأ خدمته العامة لذلك سُمى بالمسيح، يسوع اسم الولادة والمسيح هذا اسم المسحة فى المعمودية، وبينما الرب يسوع يقف في إتضاع عجيب أمام يوحنا المعمدان في نهر الاردن ليعتمد منه.. أعلن الله ليوحنا عن الذي سيعمده إذ هو الابن الكلمة المتجسد . فشهد يوحنا المعمدان قائلاً: {أنا أعمدكم بماء ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي الذي لست مستحق أن أحل سيور حذائه.. هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي وأنا لم أكن أعرفه لكن ليظهر لاسرائيل لذلك جئت أعمد بالماء.. إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فأستقر عليه وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي تري الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو أبن الله..}(يو 1: 26 – 34). بهذه الشهادة التي قدمها القديس يوحنا المعمدان يكون قد أعلن عن المخلص الحقيقي الذي استعلن وسط البشر في الماء ليحمل خطايا العالم.. وكأن من نزل في الماء قد ترك خطاياه واغتسل منها.. بينما إذ نزل الابن الكلمة المتجسد في الماء وهو بلا خطية قد احتمل كل خطايا البشر.. هذا هو سر الخلاص المعلن في نهر الاردن. يقول القديس اثناسيوس الرسولى عن معمودية السيد المسيح ومعمودتنا نحن وحلول الروح القدس عليه (أن نزول الروح علي السيد المسيح في الأردن، إنما كان نزولاً علينا نحن بسبب لبسه جسدنا. وهذا لم يصر من أجل ترقيه اللوغوس، بل من أجل تقديسنا من جديد، ولكي نشترك في مسحته، ولكي يُقال عنا " ألستم تعلمون إنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كو16: 3) فحينما اغتسل الرب في الأردن كإنسان، كنا نحن الذين نغتسل فيه وبواسطته. وحينما اقتبل الروح، كنا نحن الذين صرنا مقتبلين للروح بواسطته. ولهذا السبب، فهو ليس كهارون، أو داود أو الباقين قد مُسح بالزيت هكذا بل بطريقة مغايرة لجميع الذين هم شركاؤه أي "بزيت الابتهاج" الذي فسر أنه يعني الروح قائلاً بالنبي: " روح الرب علىَّ لأنه مسحني" (إش1: 61)، كما قال الرسول أيضًا: " كيف مسحه الله بالروح القدس" (أع38: 10). متى قيلت عنه هذه الأشياء إلاّ عندما صار في الجسد واعتمد في الأردن، " ونزل عليه الروح" (مت16: 3). وحقًا يقول الرب لتلاميذه إن " الروح سيأخذ مما لي" (يو14: 16)، و " أنا أرسله" (يو7: 16)، و " اقبلوا الروح القدس" (يو22: 20). إلاّ أنه في الواقع، هذا الذي يُعطى للآخرين ككلمة وبهاء الآب يُقال الآن إنه يتقدس وهذا من حيث إنه قد صار إنسانًا، والذي يتقدس هو جسده ذاته.إذن فمن ذلك (الجسد) قد بدأنا نحن الحصول على المسحة والختم، مثلما يقول يوحنا " أنتم لكم مسحة من القدوس" (1يو20: 2). والرسول يقول " ختمتم بروح الموعد القدوس" (أف13: 1). ومن ثمَّ فهذه الأقوال هي بسببنا ومن أجلنا) القديس اثناسيوس الرسولى عن العماد) لقد اعتمد السيد ليعلن لنا أنه الطبيب الحقيقي الذي جاء ليرفع خطايا البشر.. لم يقف في الماء لكي يقر بخطيئته كما فعل باقي الناس اللذين أعتمدوا من يوحنا.. فهو بلا خطية.. لهذا ذهل يوحنا حينما أعلن له عن ما هو الواقف أمامه لا يعتمد.. لذلك قال له {أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إلي} (مت 3: 14) لقد حاول أن يمنعه من العماد لأنه بلا خطية.. فلماذا يعتمد؟! فأجاب الرب علي يوحنا قائلاً {اسمح الان لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر. حينئذ سمح له}(مت3: 15). العماد في نهر الأردن .. في قصة عبور بني اسرائيل ليدخلوا ارض الموعد قديما بقيادة يشوع ابن نون وفي نهر الاردن (يش20: 7 – 17) لما وضعوا تابوت العهد فى الماء انشق النهر فعبروا فيه وانتخبوا 12 رجل من أسباط اسرائيل رجل من كل سبط واخذوا حجارة ومروا عليها حتى عبروا نهر الأردن. قصة العبور كانت هذه القصة رمزا لعبورنا من خلال الرب المتجسد للسماء أرض الموعد الحقيقية لذلك انفتحت السماء حين نزل الرب فى الماء كما انفتح النهر بحلول تابوت العهد فيه توافق فى الرمز والمرموز اليه . من هنا أخذت المعمودية أهمية خاصة لأنها عبور إلى ارض الموعد الحقيقية التي هي السماء. حلول الروح القدس على السيد المسيح هو حلول لأجل عمل الخلاص، الإبن الكلمة والروح القدس كلاهما أقنومين فى الثالوث القدوس. هذه الحادثة تؤكد أهمية هذا الرمز لما حدث في عماد الرب يسوع علي يد القديس يوحنا المعمدان لأن الرب جاء لكي يوصلنا إلي أرض الموعد الحقيقية وهي السماء.. لذلك كما كان نهر الاردن الوسيلة التي من خلالها وصل بني اسرائيل الي أرض الموعد هكذا تحقق الرمز في عماد الرب في نهر الاردن ليكون الوسيلة للوصول الي السماء.. وهكذا نفس الامر إذ بمجرد نزول الرب الي نهر الاردن انفتحت السماء ونزل الروح القدس علي هيئة جسمية في شكل حمامة وأستقر علي رأس الرب يسوع كاول إنسان يستقر فيه الروح القدس منذ غادر البشر كما جاء فيه (تك: 3) { فقال الرب لا يدين روحي في الانسان الي الابد لزيغانه هو بشر وتكون أيامة مائة وعشرين سنة}.. اي لا يدوم روحي في البشر.. ولتوضيح هذا المعني أريد أن لا نخلط بين السيد المسيح والروح القدس لاهوتياً (إذ هما أقنومان في الذات الالهية الواحدة) وبين حلول القدس علي السيد المسيح ناسوتياً. ولقد سبق الوحي الالهي وتنبأ عن ذلك قائلاً: {روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب لانادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالاطلاق لأنادي بسنة مقبولة للرب} (أش61: 1، 2) ان الإبن الكلمة والروح القدس كلاهما أقنومين فى الثالوث ولذلك هذا هو الوضع اللاهوتى، (مز45: 6،7) {كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك}. هذا الجزء الأول الخاص باللاهوت هذا عن الإبن ووضحها القديس بولس الرسول عن الإبن، {أحببت البر وأبغضت الاثم من أجل ذلك مسحك الله الهك بزيت الإبتهاج أفضل من رفقائك}هذا الجزء خاص بالوضع الناسوتى وهو نفسه كرسيه إلى دهر الدهور هو نفسه الذى مُسح بزيت الإبتهاج. هذا هو الهدف من المعمودية أن يحل الروح القدس على السيد المسيح ناسوتياً. الملوك يمسحون بزيت قرن المسحة ولكن فى السيد المسيح حل الروح القدس عليه معطيه كمال المسحة المقدسة. ثمار المعمودية والولادة من الماء والروح ... المعمودية ولادة من فوق من الماء والروح وبها نصير ابناء وبنات لله بالتبنى والنعمة وتغفر لنا خطايانا ونؤهل للدخول للسماء { اجاب يسوع الحق الحق اقول لك ان كان احد لا يولد من الماء و الروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو و المولود من الروح هو روح} يو 5:3-6 . وكما يقول الانجيل {بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس } وبها نلبس الرب يسوع {لأن كلكم الذين أعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح} (غلا3: 27) . وننال التطهير الكامل والبر والقداسة (أف 3: 25) لكى يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة لكى يحضرها كنيسة مجيده لا دنس فيها ولا غضن ولا شيئاً من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب وبالمعمودية ندفن مع المسيح ونقوم {كل من أعتمد ليسوع المسيح قد أعتمد لموته} (رو6: 3، 4) . لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته فإن كنا قد متنا مع المسيح عن الخطية وشهوات العالم وقدمنا توبة عن اثامنا وخطايانا ننمو فى القداسة ونثمر ثمر الروح ونرث ملكوت السموات . لهذا يحثنا القديس اغريغوريوس النزينزى ان ان نحتفل بهذا العيد بالتوبة والقداسة (فلنكرم اليوم معمودية المسيح، ولنعيد عيدًا سعيدًا يفرحنا روحيًا بدلاً من أن نهتم بمعدتنا وشهواتنا. ما هي طريقة فرحنا؟ اغتسلوا حتى تتنقوا. إذا كنتم قرمزيين من الخطيئة فصيروا بيضًا كالثلج بالاغتسال والتوبة. حاولوا أن تتنقوا لأن الله لا يفرحه شئ بقدر ما تفرحه النقاوة وخلاص الإنسان الذي تجسد من أجله، ومن أجله كُتبت كل الكتب، وأعطيت كل الأسرار لكي يصبح (الإنسان) كوكبًا مشعًا بالضياء للعالم المنظور وأمام الملائكة، وقوة محيية للآخرين، ولكي تتقدموا أنتم كأنوار أمامالله النور الاعظم ، وان تدخلوا إلى مساكن النور ). القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد
17 يناير 2024

بين الغطاس والتناصير

هناك سؤال يحير ماريان وكل سنة يجول بخاطرها فى نفس الميعاد ثم تنساه ولا تسأل عن إجابته إلا فى الموسم التالى، فى نفس الميعاد يراودها نفس السؤال لحسن حظها، أن السنة دى زارهم أبونا متياس، فى نفس الليلة التى يأتى فيها السؤال وهى ليلة أحدالتناصير. ماريان:أبونا جيت فى ميعادك يعنى إيه أحد التناصير؟ وإيه الفرق بينه وبين عيد الغطاس؟ أم فى أحد التناصير؟ أبونا:طبعاً أنت عارفة كويس أن المسيح اتعمد فى عيدالغطاس، أما موضوع أحد التناصير فهو خاص بتعميدالناس. ماريان:ما هى ميزة هذا الأحد حتى يتعمد الناس فيه؟ وهل معنى كده أن التعميد فى اليوم ده أفضل من المعمودية فى أى يوم آخر؟ أبونا:إطلاقًا لا طبعًا المعمودية واحدة فى فعلها وقوتها،مهما اختلف ميعادها أو مكانها، أو مين الكاهن اللى تممها سواء كان سيدنا البابا، أو الأب الأسقف، أو أى كاهن.علشان كده احنا بنستغرب من الناس اللى بيأجلوا معمودية أولادهم لغاية ما يروحوا مكان معين للتعميد مش لازم أى معمودية أرثوذكسية فى أى مكان. ماريان:طيب دى أنا فاهماها إيه بقى ميزة أحد التناصير؟ أبونا: كان زمان معظم المعمدين ناس كبار داخلين إلى المسيحية من اليهودية أو الوثنية، وكانت الكنيسة تتريث فى معموديتهم،حتى تتأكد من صحة إيمانهم فكانت تفتح لهم فصول الموعوظين ماريان: فصول دراسية زى مدارسنا؟ وفيها امتحانات؟! أبونا:أيوه ممكن الموعوظ يستمر يدرس الإيمان المسيحى، والإنجيل لمدة سنتين، أو ثلاثة، وبعدين إذ اتأكد أبونا الأسقف من صحة إيمانه كان يكتب إسمه فى سجل يسموه(سفر الحياة) وبعدين يقدموه للمعمودية. ماريان : برضه ده ما يجاوبش على سؤال ى ... بخصوص أحدالتناصير؟! أبونا:أيوه كان موسم الإعداد النهائى للموعوظين لكى يتعمدوا كان بيبقى فى الصوم الكبير، علشان يتعمدوا ليلة عيد القيامة باعتبار أن المعمودية هى دفن وقيامة مع المسيح. ماريان: الله معنى جميل جدا يعنى الموعوظين كانوا يتعمدوا ليلة العيد، كأنهم ماتوا وقاموا مع المسيح؟ أبونا:بالضبط وحتى الزفة اللى بنزف بيها المعمد، هى نفسها زفة عيد القيامة، لكن مع الوقت رأت الكنيسة أن تعمد الناس الكبار قبل عيد القيامة، علشان يشتركوا معانا فى أسبوع البصخة ويتمتعوا بيه فانتقل موسم العماد من ليلة العيد إلى الأحد السابق لأحد الشعانين، اللى اسمه النهاردة أحد التناصير. ماريان:هل فيه أى إشارة فى الطقس تشرح الحكاية دى؟ أبونا: طبعاً الكنيسة بتقرأ علينا إنجيل المولود أعمى، وهو قصة معمودية ماريان:إزاى؟ أبونا:المولود أعمى يرمز إلى كل إنسان مولود بحسب الطبيعة محروم من نور المسيح، لأنه وارث خطية أدم وفساد الطبيعة المسيح وحده هو القادر أن يشفى طبيعتنا الفاسدة.المسيح أعاد خلقة هذا الإنسان، أو كملها لما صنع الطين وطلى به عين المولود أعمى والمعمودية هى خليقة جديدة المسيح أمر الأعمى أن يغتسل فى بركة سلوام التى هى رمز لجرن المعمودية لما اغتسل عاد بصيرًا والمعمودية هى سر الإستنارة. ماريان: رائع معنى جميل جدا لكن ليه إحنا بنعمد الأطفال والكنيسة الأولى كانت بتعمد الكبار؟ أبونا:الكنيسة الأولى وحتى الآن بتعم د كل من يطلب المعمودية سواء كان كبيرًا أم صغيرا الكبير نشترط عليه أن يؤمن ويتوب قبل المعمودية والصغير نشترط أن أسرته تكون مؤمنه إيمان أرثوذكسى سليم واحنا بنعمده على إيمان والديه لكن طبعًا فى الكنيسة الأولى كانت السمة الغالبة هى معمودية الكبار لأنه لم تكن قد تكونت أسر مسيحية كثيرة ولكنها لم تمنع معمودية الأطفال حاليًا كل الأسر مسيحية، فالجميع يعتمدون صغارا وإذا جاء إنسان كبير لم يتعمد الكنيسة أيضًا تعمده. ماريان:الأطفال مش بيفهموا قيمة المعمودية. أبونا:أيضًا الأطفال مش بيفهموا قيمة الأكل والنظافة والتعليم ومع ذلك مش بنمنعهم عنها. والأطفال فى العهد القديم كانوا بيختنوا وهم سنهم 8 أيام وما كانوش فاهمين والمسيح نفسه قال : "دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله" (مر 14:10 )،وقال: "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات" ( مت 3:18)ومعلمنا بطرس لما كرز يوم الخمسين، والناس أمنت، قال لهم توبوا و ليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح.لان الموعد هو لكم و لاولادكم (أع 38:2،39 ).ولما ليديا أمنت اعتمدت هى وأهل بيتها، بما فيهم الأطفال (أع15:16) وسجان فيلبى قيل عنه : "اعتمد هو والذين له أجمعون" (أع 33:16) ماريان: كفاية أنا صدقت شكرًا لربنا أننا اتعمدنا واحنا صغيرين حتى لا نحرم من هذه النعمة العظيمة لولا المعمودية ما كناش نعرف نتناول أو نفهم الإنجيل،أو نقعد مع قدسك دلوقتى صل عنى يا أبونا وحاللنى. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل