المقالات

20 أكتوبر 2020

دير السلطان القبطي ( طمس الهوية ضمن خطة تهويد القدس ! )

سلم السلطان صلاح الدين الايوبي هذا الدير العريق للاقباط بعد حرب الفرنجة ؛ لذلك سمي الدير " بالسلطان " ؛ وترجع اهمية هذا الدير المقدس لعراقته التاريخية وقيمته كتراث قبطي مملوك للكنيسة القبطية الارثوذكسية المصرية في الكرسي الاورشليمي ..كذلك تتضاعف اهميته الجغرافية لموقعه الاستراتيجي في الارض الاورشليمية المقدسة ؛ تجعله تاريخ في قلب جغرافيا الزمان ؛ وزمان في صميم مقادس الكرة الارضية ؛ تهفو اليه القلوب وتاتيه الشعوب من كل البقاع . تقع ساحةالدير فوق كنيسة القديسة هيلانة الملكة ؛ وهو مطل علي كنيسة القيامة المجيدة ؛ لذلك هو اقصر طريق موصل من مقر المطرانية القبطية لمدخل كنيسة القيامة ...لكن القوات الاسرئيلية طردت الرهبان الاقباط من الدير ومكنت الاثيوبيين من وضع يدهم عليه ؛ بالرغم انهم كانوا مستضافين بالدير كضيوف علي سبيل المسافرة فقط ؛ وذلك بعد نكسة يونيو ١٩٦٧ ..فبالرغم من سندات ووثائق حجج الملكية الشرعية ؛ وبالرغم من الاثر المعماري القبطي وتقويم السنة القبطية المدون تاربخه علي حجاب الهيكل وايضا بالرغم من احكام المحاكم وعقود مشتريات وترميمات وقفية باسم الارخن ابراهيم الجوهري ؛ كذلك وبالرغم من فرمان الاستاتيكو وصدوره بادارة القبط للدير ؛ لكن هذه القرائن جميعها ؛ لم تمنع اسرائيل من تعنتها لحساب اثيوبيا ؛ في سلب الحق القبطي في ملكية دير " السلطان " ؛ وفي طمس هويته الحضارية عند الترميم ...واليوم تصارع مطرانيتنا صراع وجودها هناك ؛ علها تجد دعما من حكومة بلادها المصرية ؛ دعما يرقي الي الحماية والي احقاق الحق ؛ واسترجاع المسلوب الي اصحابه الاقباط . القمص اثناسيوس جورج كاهن كنيسة الشهيد مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
26 أبريل 2021

اثنين البصخة إن كنا نتألم معه فسوف نتمجد معه

نريد هذه السنة أن ندخل في المفهوم الروحي والعملي لأسبوع الآلام بالنسبة لحياتنا. طبعاً تعرفون أن أسبوع الآلام هو الاسم الشائع والسائد لهذا الأسبوع. ولكن الاسم المحبوب والطقسي هو أسبوع الفصح، أو أسبوع البصخة، حيث أنهما كلمة واحدة بنطق مختلف. وأصل التسمية هو حمل الفصح، الخروف الذي بدمه مُسح أعتاب بيوت شعب إسرائيل، فكان الملاك المُهلك يعبر عليهم ولا يمسهم سوء. وهذا بالطبع كان رمزاً قوياً للحمل الوديع، للمسيح المصلوب، الذي بدم نفسه مُست أعتاب شفاهنا وحياتنا وعبرنا من الموت إلى الحياة.هو في الحقيقة أسبوع فصح، ويتخذ اسمه من اليوم الأخير، الجمعة الكبيرة، حيث قمة آلامه، يوم ذبح الحمل على الصليب، ولكن لو جمعنا الكلمتين يمكن نسمي أسبوعنا هذا بـ: أسبوع الآلام الفصحية، حيث عبر الرب بنا وبالخطاة وبجسد الخطية، من الموت إلى الحياة والقيامة؛ من العقوبة والغضب الإلهي، إلى التبرير والخلاص الأبدي. اسمعه وهو مُنكسر القلب يتكلم عمَّا سيحدث له: «ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يُسلَّم إلى أيدي الأمم فيُهزأُ به ويُقتل». نحن نقولها الآن كأنه كلامٌ عاديٌ، إطلاقاً، ليس الأمر هكذا. المسيح كان يجلس مع تلاميذه في جلسة محبة ودية، وفجأة يتغير مجرى الكلام ويقول لهم هذه الأمور الصعبة، الأمر الذي أذهلهم واستنكروه ورفضوه وانزعجوا من أجله بشدة.نحن للأسف من كثرة ما قرأنا وتحدثنا عن هذا الأسبوع، وحوَّلناه إلى مناسبة طقسية، أُصبنا بداء الاعتياد ولم يعد يؤثر فينا. نريد هذه السنة أن نجوز هذا الأسبوع بحق مع الرب، ليس كاعتياد وطقوس وألحان، ولكن أن نسير على إثر خطواته، نجوزه بعهد أن نتألم كما هو تألم، نتألم معه بحب.في الحقيقة يا أحبائي، من المستحيل أن يجوز أحد آلام المسيح إلا بالحب، وينبض نبضة الحب الإلهي.هناك نوعان من الآلام: آلام طبيعية وآلام جبرية. الآلام الطبيعية مثل أصوامنا أو خدماتنا وعملنا الجسدي، كل هذه لا قيمة لها، ما لم تسندها النعمة، وما لم نعتبرها شركة في آلام المسيح. أما الآلام الجبرية فهي آلام ندخلها بغير هوانا، أو بمعنى أدق تُفرض علينا فرضاً، وهي من المستحيل أن نغلبها ما لو تسندنا نعمته ونعتبرها شركة في آلامه. علينا أن نجوز هذا الأسبوع على أساس القيامة الفعلية، فإذا كان الرب قد تألم؛ فهو أيضاً قام، هذا يعطينا قوة سرية روحية لا نهائية. أقول هذا بالأخص للذين هم يشتكون من آلام جسدية ومن ضعف النفس ومن محاربات الشيطان. أما أنا أقول لهؤلاء: اصبروا، تقووا، الرب معكم، لا تخافوا، الرب معين، الرب ناصر لن يتخلى أبداً. فإذا كنا قد عرفنا أن الرب بعد كل ألاماته المُرة، وبعد الأحزان الشديدة التي ذاقها، وبعد انكسار قلبه ونفسه، وغُصة الموت التي جازها..ففي ضوء القيامة ستكون كل آلامنا أيضاً لذيذة، وليست صعبة أو مصيبة أو مُفاجئة.لذلك تعالوا اليوم نمشي على إثر خطواته، فخطوات المسيح هي هي خطواتك، والذي احتمله هو كله عنك، فإن لم تشترك معه في هذا الاحتمال عينه؛ فلن تأخذ أجره أو ثمرته والتي هي قيامته.هل من الممكن أن هذه السنة نعمل عهداً جديداً مع بعضنا البعض، نأخذ هذا الأسبوع كعهد شركة حقيقية مع الرب؟ فإن كان هو قد تألم من أجلي؛ كيف لا أجوز أنا أيضاً بنفس هذه المشاعر؟ وأنا أعلم تماماً وبيقين وثقة روحية أن الرب صادق والروح أمين، وإنه كما أن الآلام التي جازاها المسيح حوَّلها إلى نُصرة؛ هكذا ستتحول لي أنا أيضاً إلى قيامة وغلبة؛ إن أنا جُزتها صدقاً وإخلاصاً وأمانة. الروح ينتظر مقدار أمانتا للمسيح. ولكن علينا أن نقول: إن الأمر ليس مجرد آلام مُجردة، فإن لم يتحرك القلب بالحب؛ فلن تكون آلاماً فصحية، ستكون مجرد آلام، وهنا، ما أكثر ما قضينا من أسابيع آلام، ولكنها كانت كلها آلاماً بلا ثمر ولا قيمة لها!! ولكن الذي نريده هذه السنة أن تكون آلامنا فصحية، تتحرك فينا وتنتهي بالعبور. نريد أن نفصح (=نعبر) في كل ساعة وفي كل يوم إلى أن نبلغ غاية فصحنا. لا نريدها آلاماً عقيمة، ولكن نريدها آلاماً تحملنا وتحمل هذا الجسد الخاطئ الميت، من حياة إلى حياة أو بالحري من موت إلى حياة، من إيمان ضعيف إلى إيمان قوي، من حياة حسب الجسد إلى حياة حسب الروح.أتمنى أن يكون لنا في هذه السنة ثمار تُفرِّح الرب وتُفرِّح السماء بنا.هناك كثيرون من أولاده الذين جازوا معه آلام، وعبروا ودخلوا معه في نُصرة أبدية، وعاشوا في ملء حرية أولاد الله وفي ملء قوة النعمة والنصرة على الجسد والعالم، وفي ملء القوة ضد الخطية.يا أحبائي، علامة سُكنى الروح القدس أن تكون هناك فينا قوة ضد الخطية. كل العلامات الأخرى تخطئ، ولكن أن ينتصر الإنسان على الخطية؛ فهذا يسكنه الروح بالتأكيد.لا أريد أن أقترح عليكم اقتراحات كيف تقضون وتسلكون وتصومون وتسهرون خلال هذا الأسبوع، دعوا الروح يُحرككم ويتكلم داخلكم. فقط قدِّموا باقات حب وكلمات عهد ووعد لحياة ليست للعالم، ولا يكون للجسد فيها نصيب، حياة مربوطة بقلب المسيح وتتحرك بحركته، حياة مُنقادة بالروح القدس، كما يُقاد الطفل الصغير في يد أبيه وهو لا يعلم إلى أين يمضي.حياة فيها حب إلهي، ولكن نجوز مع الرب آلامه بحزن حقيقي من أجل الخطايا التي بسببها تألم ومات.ولكن اعلم، إنه ليس فضلاً مني أو منك إنك تتألم خلال هذا الأسبوع، أو أن نفسك تذبل فيك، إنه هو ذبلت نفسه من أجلك قبلاً، سُفك دمه نقطة نقطة حتى أَسلم الروح بسبب خطيتك. فهذه ليست مكرمة منك، ولكنها ضريبة، ضريبة أسبوع الآلام.تعال إلى الرب وقُل له[ أنا عليَّ ضريبة لابد أن أدفعها لك هذه السنة، سأقدمها إليك مُجبراً، ولكن بملء حبي، وبملء فرحتي.أسبوع الآلام هذا كله بسببي أنا وليس بسبب الآخرين، فاعطنى أن أجوزه معك.أعطنى حزناً ليس أقل من حزنك، هبني انكساراً في قلبي كوجعك وانكسار قلبك، امنحني أنيناً كأنينك أعبر معك به هذا الأسبوع وكل المصادمات خطة بخطوة. شهِّر بي، يا رب، افضحني، اكشف خطايا علناً؛ لئلا أُفتضح بعد هذا في السماء.أعطني اتساع قلب واتساع فكر واتساع رؤية حتى أرى ماضيَّ كله فيك، وحتى عندما أتألم لا أكون أكذب على نفسي أو أكذب عليك ولا أكون أتصور أو افتعل.أعطنى يا رب إحساسك بخطايا الناس وكيف هي مررتك.اجعلني أذوق ألمك وبكائك وأنت تبكي على شعبك وأولادك الذين لم يعرفوا زمان افتقادهم.أعطني دموعاً أذرفها معك، لا تجعلني أعيش محصوراً في خطيتي فقط وبعيداً عن صليبك الكبير. لا تحرمني من لمسة صغيرة أرى فيها آلام العالم التي أنت ذقتها].أنا أقول لك: إن الآلام التي تجوزها لو كنت صادقاً، سوف تتحول إلى لذة وفرحة وتوبة بلا ندامة. إنك تستطيع بسهولة أن تفرق آلام المسيح عن هذه التي بحسب العالم. حزن العالم وآلامه يُنشئ توتراً وعدم راحة. هذا الحزن مرفوض. نحن عندما ندخل آلاماً حقيقية مع الرب وفيها نحزن حزن الموت إلا أننا في نهايتها تُبصر عيون قلوبنا القيامة عياناً بياناً، وتهتز قلوبنا فرحاً، وترنم ونقول: آلامك، يا ربي، أنشأت فيَّ فرحاً، آلامك أنشأت في داخلي بهجة قيامة ونوراً، لا أستطيع أن أعبر به. تصرخ وتقول: ما هذا المجد يا ربي، أإلى هذه الدرجة تكون آلامك مُفرحة ومُعزية؟ إذن لماذا نحن محرومين منها؟! ذلك لأننا ارتضينا بالمظاهر، أتقنا الطقس، راجعنا الألحان، ظبَّطنا الهزات، وتكون النتيجة أننا ندخل ونخرج ونحن غرباء عن آلامك.لا نريد هذا، نريد في هذا الأسبوع في كل لحظة، أن يتحرك قلبنا، كما تتحرك أوتار قيثارة بكل آلام الرب معاً، فيخرج من أعماقنا نشيد أعظم آلاف المرات من كل الألحان.من يدخل إلى هذا الأسبوع مدخلاً حقيقياً سوف يحمل البشرية كلها في قلبه، سوف يحمل سقطات الساقطين، سوف يحمل خطية الخطاة في قلبه الصغير هذا، سوف يتسع ويتعجب كيف أن الرب استأمنه على هذه الأسرار والكرامة العليا.هذا هو أسبوع الآلام، ما أمجدها آلاماً وما أعظمه فصحاً.أتمنى لكم جميعاً أن يكون هذا الأسبوع أسبوعاً خالداً في حياتكم لتعيشوا في حقيقة الإنجيل لا تفارقوه ولا يفارقكم لحظة، وتذوقوا في قلوبكم وأرواحكم عمل الروح القدس في القلب، وكيف يعبر الإنسان من مصر إلى كنعان، يعبر ويتجدد من جسد عتيق لإنسان جديد مُنقاد بالروح القدس ليس له مشيئة بعد، وقد نسى زمان الخطية وأوهامها الكاذبة وتصادق مع القادر المقتدر الذي قام باقتدار وانفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات.ولإلهنا المجد دائماً أبدياً أمين المتنيح القمص متى المسكين
المزيد
12 يناير 2019

هِيرُودُسُ مُزْمِعٌ أنْ يَبْحَث عَنِ الصَّبيِّ ليُهْلِكَهُ

يسوع المسيح مخلص العالم؛ كان موضع مطاردة وانتقام وتصفية جسدية منذ ولادته. فكان هيرودس وأعوانه يترقبونه ليُوقعوا به خوفًا منه، بينما هو جاء ليكون لهم به حياة أفضل. حسبوا أنه جاء ملكًا ومسجودًا له؛ ليؤسس حكمًا زمنيًا؛ لكنه وياللعجب جاء ليؤسس ملكوتًا أبديًا لا يتزعزع ولا ينقرض.. وقد قال بفمه الإلهي الطاهر (مجدًا من هذا العالم لستُ أطلب) .. إنه وُلد حقًا لكي يشرق على الجالسين في الظلمة وظلال الموت، لذلك تهللت كل الأمم بمجيئه.. أتى إلى كل واحد لكي يقدس الذين يقبلونه بإخلاص؛ وأعلن نفسه للكل ليقدس كل من يأتي إليه، وليهدي أقدامنا في طريقه وحقه وحياته؛ ولا شيء يساوي معجزة خلاصنا من قبل صلاحه. شابهنا فيما نعانيه على أرض هذه الدنيا من محن وفقر وتآمر بالقتل وافتراءات وتهجير ومطاردة. لذلك أتى الملاك في الحلم إلى يوسف النجار البار: (قُم خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر؛ وابقَ هناك؛ لأن هيرودس مزمع أن يبحث عن الصبي ليهلكه).. ففي كل عصر يوجد هيرودس وطغاة لهم أعوانهم يستبيحون الدماء ويهرقونها ويقدمونها قرابين للآلهة - (آلهة الأمم) – حتى يبقوا في مظلة سلطان رئيس هذا العالم.. أراد هيرودس قتل يسوع الطفل المولود خوفًا على مُلكه، وأراد نيرون قتل أبناء يسوع خوفًا على عرشه، وكلاهما طغاة يرزحون تحت أصفاد سخرية الجحيم وصداه المرعب في الظلمة الدهرية. فقد قيل عن هيرودس عقب موته - (إنه تسلل إلى العرش تسلل الثعلب؛ وحكم حُكم النمر؛ ومات ميتة الكلب) – كذلك نيرون المجنون الذي حرض الغوغاء ليحرقوا روما؛ كي يُلصق التهمة بالمسيحيين!!! فلا شيء جديد تحت الشمس؛ وما أشبه ما جرىَ وصدقيته بما يجري الآن في عالمنا من افتراءات وتعسف وازدراء وهدم وحرق؛ وكأنها من طبائع الأمور. وما كان هروب المسيح له المجد إلى مصر سوى واقعة أو محطة من محطات رحلة الآلام؛ التي فيها حمل رئاسته على كتفيه في طريق الصليب. فهو البداية والنهاية؛ متعجبًا منه كل حين، متألمًا ومنتصرًا في قديسيه - (۲تس ١ : ١٠) – إنه دائمًا هو كما في الماضي هكذا في الحاضر؛ وهو أمس واليوم وإلى الأبد، يتحمل آلامنا ويحمل أحزاننا، وهو مغطىَ بالجروح لأجل أحبائه؛ ومتحملاً ضعفنا الذي لا نقدر ولا نستطيع أن نحمله بدونه، وهو أيضًا الذي يتحمل فينا كلمات التحقير والتكفير.. لأنه فينا مبغَض بواسطة العالم؛ الذي لا يعرفه؛ ومن ثم يرفضه ويعاديه. لذلك لن تكون لنا قوة إلا به؛ ولا تعزية إلا إذا اختبرنا تدابيره الخلاصية؛ لأنها وحدها سبب بركة حياتنا؛ وبمقدار تجديدنا وتوبتنا واستنارتنا سنلمس حضوره العجيب.. فالقرار قرارنا!!! والتدبير هو من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا؛ إذ أنه قائم في وسطنا؛ لكننا لا نعرفه أحيانًا!!! فهل خبرناه وعرفناه وقبلناه وأطعناه؟؟!! لقد فتح لنا فسحات في قلوبنا ليدخل ويتعشى ويسكن ويقيم؛ بل ويملك... أتى إلينا؛ فلنأتِ إليه ونستقبله ليحل فينا. تنازل ليرفعنا؛ فلنمجده ونزيده علوًا ورفعة؛ إلى الأبد رحمته... ليعِيد الله علينا هذه الأيام بالسلام الذي من السموات، وليُنهضنا كي نخدمه ونشهد له كما يليق. القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا – فلمنج - الاسكندرية
المزيد
31 مايو 2019

لماذا أربعين يومًا في الظهورات

كتب معلمنا لوقا الإنجيلي في سفر أعمال الرسل عن ظهورات السيد المسيح لتلاميذه بعد القيامة: "الذين أراهم أيضًا نفسه حيًا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (أع1: 3) لم يصعد السيد المسيح بعد قيامته مباشرة إلى السماء، بل مكث على الأرض أربعين يومًا وهو يظهر لتلاميذه، لكي تفرح الكنيسة بعريسها السماوي في قيامته المجيدة وتصبح القيامة يقينًا حقيقيًا في ضمير الكنيسة وذاكرتهالأن القيامة هي مصدر القوة والرجاء وموضوع الشهادة في حياة الكنيسة، إلى أن يأتي الرب في مجيئه الثاني للدينونة واستعلان ملكوت الله عاشت الكنيسة أحلى أيامها والعريس الممجد بالقيامة معها، يفرحها ويعزّيها ويمسح أحزانها يقويها ويشجعها يعلمها ويشوقها لأمجاد السماءويتكلم معها عن الأمور المختصة بملكوت الله ملكوت الله الذي يبدأ في قلب الإنسان بقبول سكنى الروح القدس فيه وينتهي بدخول الإنسان إلى الملكوت السماوي ليبتهج مع المسيح في مجده أي في شركة ميراث القديسين في النور في فرح لا ينطق به ومجيد في نهاية الأربعين يومًا أبصرت الكنيسة عريسها منطلقًا نحو السماء، ليدخل إلى المجد كرئيس كهنة أعظم، شفيعًا في المقادس السمائية مع الوعد بإرسال الروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير وهذا ما حدث في اليوم الخمسين هذا العدد الأربعين له دلالة عميقة، إلى جوار لزوم بقاء المسيح القائم أيامًا عديدة ليبرهن على قيامته للتلاميذ لقد صام السيد المسيح أربعين يوما، كما صام موسى النبي أربعين يومًا، وكما صام إيليا النبي أربعين يومًا. ولقد مكث الشعب الإسرائيلي أربعين سنة في برية سيناء، منذ خروجهم من أرض مصر إلى أن دخلوا أرض كنعان "وكان الزمان الذي ملك فيه داود على إسرائيل أربعين سنة. في حبرون ملك سبع سنين، وفيأورشليم ملك ثلاثًا وثلاثين سنة" (1مل2: 11)وكان عمر موسى أربعين سنة حين هرب إلى البرية (انظر أع7: 23)، ومكث فيها أربعين سنةيرعى الغنم (انظر أع7: 30)، ثم دعاه الرب وصار قائدًا ونبيًا لشعب إسرائيل أربعين سنة ثالثة فكانت كل أيام حياته مائة وعشرين سنة (انظر تث34: 7)وفي مناداة يونان على مدينة نينوى للتوبة قال لهم منذرًا: "بعد أربعين يومًا تنقلب نينوى" (يون3: 4). وكان يونان رمزًا للسيد المسيح في مناداته للعالم بالإيمان والتوبة وقبول خلاص الله بالفداءوفي أيام نوح جلب الرب طوفانًا على الأرض لسبب كثرة شرور الناس ومعاصيهم، وجدد الحياة علىالأرض مرة أخرى بواسطة نوح وبنيه "وكان المطر على الأرض أربعين يومًا وأربعين ليلة" (تك7: 12)، "وكان الطوفان أربعين يومًا على الأرض وتكاثرت المياه ورفعت الفلك. فارتفع عنالأرض" (تك7: 17)هكذا غمرت أمجاد القيامة الأرض أربعين يومًا حتى ارتفع الفلك الحقيقي-جسد ربنا يسوع المسيح- الذي به صار خلاص العالم كله وتجديد الحياة على الأرض مرة أخرى إن رقم أربعين من الناحية العددية هو رقم عشرة مكررًا أربع مرات أو هو رقم أربعة مكررًا عشر مرات أي مضروبًا في عشرة فرقم أربعة يشير إلى أربعة اتجاهات الأرض: المشارق والمغارب.. الشمال والجنوب. ويشير إلى صليب ربنا يسوع المسيح المكون من أربعة أذرع (#)،ويشير إلى عرش الله حيث الأربعة أحياء غير المتجسدين، والذين لهم صورة الإنسان (إشارة إلى التجسد الإلهي)، وصورة العجل أو الثور (إشارة إلى الذبيحة الخلاصية)، وصورة الأسد (إشارة إلى القيامة)، وصورة النسر (إشارة إلى الصعود). وكذلك يشير إلى الأناجيل (أي البشائر الأربعة التي دبر الرب كتابتها من أجل الكرازة بالإنجيل في كل أرجاء المسكونة. وإذا عدنا إلى عرش الله والأربعة الأحياء غير المتجسدين: فالذي له وجه إنسان يشير إلى إنجيل متى والذي له وجه العجل يشير إلى إنجيل لوقا والذي له وجه الأسد يشير إلى إنجيل مرقس والذي له وجه النسر يشير إلى إنجيل يوحنا ورقم عشرة يشير إلى الكمال العددي. ومن مضاعفات رقم عشرة تتكون جميع الأعداد الكبيرة كالمائة والألف والعشرة آلاف والمائة ألف والمليون وهكذا فرقم أربعين يشير إلى عمل المسيح من أجل الكثيرين في أرجاء المسكونة كلها من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب وفي صومه الأربعيني صام من أجل المسكونة كلها وعلى الصليب سُمّر الكاهن والذبيح من أجل حياة العالم كله وفي بقائه أربعين يومًا على الأرض بعد القيامة بقى من أجل المسكونة كلها وكل ما عمله السيد المسيح بتجسده وموته الكفاري وقيامته وصعوده، فهو من أجل حياة العالم وخلاص العالم كله ليس لليهود فقط بل للأمم أيضًا.. لكل من يقبل محبته ويؤمن به ويطيع وصاياه وتكون له الحياة الأبدية. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
03 ديسمبر 2019

ثلاثة حروب احرص منها في فترة الصوم

فترات الصوم في الكنيسة هي فترات للانتعاش والنمو الروحي لأولاد الله المحبين له والسائرين في الطريق بتدقيق، ولكنها أيضًا فترات يسعى فيها الشيطان باجتهاد أن يعرقل جهادك ويفقدك بركاتها بكل الطرق.وهذه ثلاثة حروب أدعوك أن تنتبه لها في فترة الصوم..1) حرب التشكُّك: فالشيطان يسعي بكل اجتهاد ليجعلك تشك في كل شيء وأي شيء. وأنت صائم: فهل الصوم ضروري لخلاصي؟ وماذا يهم الله من صومي؟ تجتهد أن تحيا في التوبة: فهل أنا أحيا في التوبة حقًا أم لا؟ وهل قَبِل الله توبتي فعلًا أم لم يقبلها؟ تتقدم للأسرار وأنت في شك: هل أنا مستحق أم غير مستحق؟ تحب أن تحيا لله: فهل أسلك طريق البتولية أم الزواج، طريق الخدمة أم طريق الوحدة؟ ارتبطت بأب اعتراف: فهل يناسبني أم يجب أن أغيره؟ تجتهد أن تحيا في الفضائل فيشكك في وداعتك ونقاوة هدفك وهدوئك ومدى نفعها كمناهج للحياة..!! وحرب التشكيك تجعل الإنسان ينقسم على نفسه في الداخل، فيواجه أفكارًا صعبة تجعله يفقد سلامه. وهنا انتبه للوصية الكتابية: «كونوا راسِخينَ، غَيرَ مُتَزَعزِعينَ» (1كو15: 58)، ولا تقبل شكًّا بل أخضع كل فكر لطاعة المسيح (2كو10: 5). قِسْ كل فكر على ضوء الوصية لأنك إن سلّمت نفسك لشكوكك قد تفقد وقتك وتوبتك وحياتك.. فيضيع عمرك في السلبيات، وتبقى واقفًا في مكانك لا تتقدم في الطريق.. بل في وقت الشكوك تمسك بهذه الثلاثة: الصلاة، وقياس فكرك على الوصية الكتابية، والمشورة الروحية.2) إلباس الخطية ثوب الفضيلة: فالشيطان دائمًا يحارب بصور ملتوية.. فقد تسخر من الآخرين وتستهزء بهم وتسيء إليهم ظانًا أن هذا نوع من اللطف!! وقد تشاهد مناظر غير عفيفة وتقول إن هذه محبة للفن ورغبة في توسيع المدارك!! وقد تستهين بوقار ملبسك وتقول إن هذا لون من النظافة والأناقة!! وقد تغطّي على الخطأ معتبرًا أن هذه هي الحكمة والكذب الأبيض!! وقد تقبل تعاليم غير صحيحة بدعوي أنها مواكبة للتطور المجتمعي!!وفي هذه الحرب على الإنسان أن يحرص ليكون أمينا مع ذاته، متضعًا أمام عيني نفسه، واحرص ألّا تعتبر نفسك الأكثر معرفة في الإيمان والروح والفضائل والوصايا، فوقتها ستصبح أقرب جدًا للسقوط، لأنك ستصبح قريبًا جدًا من الكبرياء، بل راجع نفسك أين أنت من الطريق الصحيح، ولا تسمح لذاتك أن تكون بارًا في عيني نفسك.3) فقدان فضيلة لاكتساب أخرى: فقد تفقد وداعتك ظانًا أنك تدافع عن الحق!! وقد تستمع إلى أمور معثرة ظانًا في نفسك أنك ترشد وتوجه!! وقد تسعى لتصالح الآخرين فتفقد سلامك!!وفي هذه الحرب احرص أن تقدم ذاتك قدوة بالحياة لا بالكلام. واعلم أنك تحتاج إلى الحكمة والإفراز لكيما يرشدك الرب في طريق الخلاص.في بداية الصوم كن حريصًا من هذه الثلاثة، ليكون صومك مثمرًا ونقيًا أمام الله.. فصوم القلب أمر آخر غير صوم البطن. نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وشمال أفريقيا
المزيد
09 سبتمبر 2021

الملك الألفي (1)

يؤمن بعض المسيحيين، أن السيد المسيح سيجيء على الأرض، ويملك ملكًا زمانيًا، لمدة ألف سنة! ويفسّرون أحداث المجـــــــــــيء الثاني بطريقة معقدة جدًا، يمكن تلخيصها -بحسب رأيهم- في:١- يأتــــــــــي المسيــــــــــــــح ســــــــــــــرًا ليخطف المؤمنين. ٢- يأتي ضد المسيح، تحدث الضيقة العظيمة.٣- يؤمــــــــــــــن بعــــــــــــــض اليهود بالمسيح، أثناء الضيقة العظيمة.٤- يجتمع الأشرار لعمل حرب ضد اليهود الذين آمنوا.٥- يأتي الرب يســـــــــوع ليدمر الأشرار، وينقذ اليهود، ويملك على الأرض لمدة ألف سنة. ٦- حلّ الشيطان من قيـــــــوده، والارتداد العظيم، ويصنـــــــــــع الأمم حربًا مع المسيح؛ فيغلب المسيح الشيطان ويطرحه في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.٧- المجيء الأخير للدينونة.+ ونحــــــــــــــــــــــن - الكنيســــــــــــــــــــــة الأرثوذكسية- لا نؤمن بكل هذا التعقيدات، فأحداث مجيء المسيح، والاختطاف، والدينونة العامة، كلها ستحدث في لحظة واحدة، يسبقها كل أحداث ماقبل المجيء الثاني، كما سيتبين في هذا البحث. ونؤمن أن مُلك السيد المسيح (الألفي) على البشر بدأ من يوم الصليب. ولكي ندرك هذه الحقيقة الإيمانية، علينا أن نتتبع القصة من الأول بتدقيق.١- بسبب خطية آدم، سقط الانسان تحت سلطان الشيطان، والموت، والفساد. «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ ، وَهَكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ... لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ ٱلْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ ٱلْمَوْتُ بِٱلْوَاحِدِ، فَبِٱلْأَوْلَى كَثِيرًا ٱلَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ ٱلنِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ ٱلْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي ٱلْحَيَاةِ بِٱلْوَاحِدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ!» (رو٥:12 و١٧).٢- بسبب خضوع الإنسان له، صار الشيطان رئيسًا لهذا العالم وإلهًا لهذا الدهر، ليس عن استحقاق، لكن عن اغتصاب لحق ليس من حقوقه. «ٱلَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا ٱلدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ، لِئَلَّا تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱلْمَسِيحِ ، ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللهِ» (٢كو٤:٤)؛ «اَلْآنَ دَيْنُونَةُ هَذَا ٱلْعَالَمِ. اَلْآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا ٱلْعَالَمِ خَارِجًا» (يو١٢:٣١)؛ «لَا أَتَكَلَّمُ أَيْضًا مَعَكُمْ كَثِيرًا، لِأَنَّ رَئِيسَ هَذَا ٱلْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ» (يو١٤:٣٠)؛ «وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلِأَنَّ رَئِيسَ هَذَا ٱلْعَالَمِ قَدْ دِينَ» (يو١٦:١١). وصار سلطان الشيطان، ليس على البشر فقط، بل وأيضًا على الخليقة كلها. بسبب أن الإنسان هو سيد ورئيس خليقة الله «إِذْ أُخْضِعَتِ ٱلْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ -لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ ٱلَّذِي أَخْضَعَهَا- عَلَى ٱلرَّجَاءِ» (رو٨:٢٠).٣- جــــــــاء السيد المسيـــــــح؛ ليحررنا من سلطان الشيطان - فـ: «أسلم ذاته -فداءً عنا- إلى الموت الذي تملّك علينا، هذا الذي كنا مُمسَكين به، مَبيعين من قبل خطايانا» (القـــــــــــــداس الباسيلـــــــــي). ووسيلة هذا التحرير هي الصليب، الذي به اُستُرِدت مملكة الله من الغاصب الظالم «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلْأَوْلَادُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ فِيهِمَا ، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ ٱلَّذِينَ -خَوْفًا مِنَ ٱلْمَوْتِ- كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ ٱلْعُبُودِيَّةِ» (عب٢:١٤-١٥).- سقط الشيطان، وفقد سلطانه على البشــــــــــــر والخليقــــــــــــــــة «رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ ٱلْبَـــــــــرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (لو١٠:١٨)، وهزم المسيح الشيطان، وأشهره جهارًا «وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي ٱلْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ ٱلْخَطَايَا ، إِذْ مَحَا ٱلصَّكَّ ٱلَّذِي عَلَيْنَا فِي ٱلْفَرَائِضِ، ٱلَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ ٱلْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِٱلصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ ٱلرِّيَاسَاتِ وَٱلسَّلَاطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ» (كو٢:١٣-١٥).- وصار المسيح ملكًا صالحًا، يملك علـــــــى قلــــــــــوب من يقبلونـــــــه «ٱلـــــــــرَّبُّ قَـــــــــــــدْ مَلَكَ. أَيْضًا تَثَبَّتَتِ ٱلْمَسْكُونَةُ فَلَا تَتَزَعْزَعُ. يَدِينُ ٱلشُّعُوبَ بِٱلِٱسْتِقَامَـــــــــــةِ» (مز٩٦:١٠)؛ «مَلَكَ الربُّ على خشبة» (النص القبطي من السبعينية). نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
19 يونيو 2019

أهمية الخدمة وعموميتها

ليست الخدمة قاصرة على الذين يعملون في مجال التعليم، إنما هي لازمة للكل ونافعة للكل. وتعتبر من الوسائط الروحية العامة. وهى مبدأ روحي عام يطالب به كل مؤمن: الكبار والصغار، المتزوجين وغير المتزوجين. يكفى قول الكتاب:"من يعرف أن يعمل حسنا ولا يفعل، فتلك خطية له" (يع 4: 17) فالخطايا ليست هي فقط السلبيات في تصرفات الإنسان، إنما عدم عمل الخير يعتبر خطية. ولذلك فالإنسان الروحي هو الذي يعمل الخير باستمرار، كصورة لله الذي نصفه بأنه "صانع الخيرات". وكما قيل عن السيد المسيح له المجد، إنه "كان يجول يصنع خيرًا" (أع 10: 38). فهل أنت كذلك؟ الإنسان الروحي لا يحيا لنفسه فقط بل إن المثل المشهور يقول "ما عاش من عاش لنفسه فقط". إذن في الخدمة لابد أن تخرج من قوقعة نفسك، لتلتقي بالغير.تخرج من مجال (الأنا). لتشبع من حبك للكل. وتشعر أن رسالتك في الحياة أن تفعل خيرًا نحو كل من يدفعه الله في طريقك وكلما تكتسب خبرة في الحياة وسعة في القلب، تتسع دائرة خدمتك. فلا تقتصر على بيتك وأسرتك، ولا على أقاربك وجيرانك ومعارفك وزملائك وأصدقاءك، بل تصل إلى نطاق أوسع وأوسع والخدمة في جوهرها، إن هي إلا تعبير عن الحب المختزن في القلب من نحو الله والناس فالمفروض في كل مؤمن أن يحب الله من كل القلب والفكر والنفس. وهذه وصية منذ العهد القديم (تث 6: 5). وقد تكررت في العهد الجديد أيضًا (مت 22: 37. 39). والمحبة ليست مجرد شيء نظري. فالكتاب يقول "لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو3: 18). والمحبة العملية تظهر عن طريق الخدمة. فأنت تحب الله، فتعبر عن محبتك له بنشر ملكوته، بخدمة الكنيسة وخدمة الكلمة. وأنت تحب الناس فتخدمهم بكل الوسائل المتاحة لك والنافعة لهم المهم أن يوجد في حياة الإنسان، كل إنسان، عنصر البذل والعطاء وهكذا تجد أن الخدمة قد أكسبتك فضيلة روحية، هي الحب والعطاء والبذل وتكون قد استفدت من خدمتك وقد تخدم الفقراء، وتجد أن الفقراء أو الاحتياج، قد حول بعضهم إلى الكذب أو الاحتيال، أو الغش للحصول على ما يريدون فلا تتبرم بهؤلاء، ولا تيأس منهم، ولا تتضايق، ولا يكون رد الفعل عندك هو أن تعاملهم معاملة سيئة ربما سمح الله لك أن تلتقي بهؤلاء لتتعلم الاحتمال وطول البال، وأيضًا الحكمة في التصرف، أو خدمتهم روحيًا لكي يتخلصوا من مثل هذه الطباع السيئة. وتكون أنت قد استفدت فضائل فيما تخدمهم. مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث من كتاب الوسائط الروحية
المزيد
29 أبريل 2019

لماذا قام باكرًا جدًا في أول الأسبوع؟

لقد أخبر السيد المسيح تلاميذه أنه سوف يقوم من الأموات في اليوم الثالث. وقد وصلت هذه الأخبار إلى اليهود قبل الصلب بفترة من الوقت. ولذلك فبعد موت السيد المسيح على الصليب ووضعه في القبر، ذهبوا إلى بيلاطس وقالوا له: "قد تذكّرنا أن ذلك المضل قال وهو حي: إني بعد ثلاثة أيام أقوم، فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلًا ويسرقوه.. فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى" (مت27: 63، 64).لذلك حرص السيد المسيح أن يقوم باكرًا جدًا في يوم الأحد أي في أول الأسبوع حتى تحدث القيامة قبل انصراف الحراس بوقت كافٍ. ولكي ينصرف الحراس بعد مجيء الملاك ودحرجته الحجر عن باب القبر مع الزلزلة التي حدثت، وبعد أن يكتشفوا على أثر ظهورات ملائكة القيامة أن القبر فارغًا، ولم يبصروا جسدًا ميتًا بداخله بعد اختفاء الملائكة لأن السيد المسيح قام قبل دحرجة الحجر عن باب القبر. وفي انصراف الحراس في بداية اليوم دليل على قيامة السيد المسيح،لأنه كان من المفروض أن يستمروا في الحراسة إلى غروب يوم الأحد.ولكن أخبار القيامة بدأت تنتشر من فجر الأحد واستمرت في الانتشار طوال اليوم.وبعد أن أصبح بقاؤهم شيئًا مخجلًا أمام النسوة وكل من يحضر لمشاهدة القبر الفارغ، جاء الحراس إلى المدينة في أول اليوم وأخبروا اليهود بكل ما كان فأعطوهم فضة كثيرة لكي لا يتحدثوا مع أحد بأخبار القيامة، بل يقولوا إن تلاميذه قد أتوا ليلًا وسرقوه وهم نيام، ووعدوهم بأنهم يستعطفون الوالي من أجلهم لكي لا يؤذيهم لسبب نومهم أثناء الحراسة.وهنا نتساءل: كيف أبصر الحراس تلاميذه وهم يسرقونه إن كانوا نيامًا؟! لأن النائم لا يستطيع أن يبصر شيئًا..!!وكيف تنازل اليهود عن نوم الحراس وسرقة جسد السيد المسيح؟ ولماذا لم يطالبوا بإعدام الحراس حسب القانون الروماني؟!!وكيف يستعطف اليهود الوالي من أجل الحراس في الوقت الذي كانوا فيه حريصين جدًا أن لا يُترَك القبر بلا حراسة لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه ويقولون إنه قد قام فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى حسب قولهم؟! أي أن أخبار القيامة بالنسبة لهم تعتبر أفظع من إقرار السيد المسيح عن نفسه أنه هو "المسيح ابن المبارك" (مر14: 61) أمام مجمع السنهدريم عندما سأله رئيس الكهنة عن ذلك!! نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
17 يناير 2021

المعمودية عبور من الموت إلى الحياة

المعمودية بالتغطيس كاشتراك في موت المسيح ودفنه: التغطيس الكامل حتى الرأس، أو انغمار الجسم كله تحت الماء، كتعبير عن الدفن في الماء، هو بمثابة وقوع الإنسان الإرادي بالموت تحت عقوبة الله برسم الطوفان (1بط 3: 20 - 22)، بسبب الخطايا التي صنعها الإنسان والتي ورث دوافعها وآثارها ونتائجها في طبيعته الترابية. ولكن لأن هذا الدفن هو في اسم المسيح وعلى أساس موته ودفنه وكاشتراك فيه، فالموت يصبح للتبرير عن الخطايا السالفة، وبالتالي يُنشئ شركة في القيامة للحياة بلا خطية؛ أي يُنشئ ميلاداً جديداً للإنسان لخليقة جديدة. ثم بإعطاء الروح القدس (بوضع اليد أو بالميرون) تصير الخليقة الجديدة روحانية ومتحدة بالمسيح. فالمعمودية في اسم المسيح والآب، وبمنحها الروح القدس، تكون هي المعجزة العُظمى للإنسان الممنوحة له من الله رأساً كآية العهد الجديد، التي فيها يرتبط الله بالإنسان لإعادة خلقته بروحه القدوس على صورة مسيحه، ليرفعه من خلقة إلى خلقة، من خلقة أرضية من التراب إلى خلقة سمائية «من الروح»، «من فوق»، «من السماء»، ليتغيَّر الإنسان من شكل آدم إلى شكل المسيح، وليقبل الإنسان عوض بنويَّته التي من آدم بالفساد والخاضعة للزمن والموت، إلى بنويَّة الله والحياة معه بالبر والقداسة والحق للحياة الأبدية. مفاعيل المعمودية: القديس بطرس الرسول يطالب كل مَنْ اعتمد بالهروب من الفساد الذي في العالم بالشهوة، وبممارسة الفضائل باجتهاد، وإلاَّ فإنه يُعتبر أنه «قد نسي تطهير خطاياه السالفة» (2بط 1: 9). وهنا تتضح فعَّالية المعمودية بالتحديد: «تطهير خطاياه السالفة»؛ فالمعمودية إما توضع نُصب أعيننا كمنبع طهارة ومصدر قوَّة للتطهير من جميع الخطايا (السالفة) - سواء التي ورثنا آثارها باللعنة الأُولى أو التي عملناها بإرادتنا - وإما ننساها فنفقد المصدر الذي نستمد منه طهارتنا وقدرتنا على الجهاد لاستمرار التطهير. كما يرى بطرس الرسول في المعمودية أنها «لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله» (1بط 3: 21). أي أن المعمودية تُنشئ فينا إحساس الضمير المطهَّر الذي يجعلنا قادرين أو مستحقين للوقوف أمام الله لنصلِّي ونطلب من الله بلا لوم داخلي. أما القديس بولس الرسول فيضع مفاعيل المعمودية واضحة في قوله: + «لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.» (1كو 6: 11) فالمعمودية هي اغتسال من الخطية = تقديس، والوقوف أمام الله بلا لوم = تبرير. فهي تُعتبر الغاية العُظمى للخلاص الذي جاء الرب يسوع لتكميله بالموت على الصليب: + «... أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدِّسها مطهِّراً إياها بغسل الماء بالكلمة (المعمودية) لكي يُحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضْن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدَّسة وبلا عيب.» (أف 5: 25 - 27) ثم يعود بولس الرسول في رسالته للعبرانيين ليؤكِّد ذلك قائلاً: + «لنتقدَّم بقلب صادق في يقين الإيمان، إذ قد صارت قلوبنا مرشوشة من ضمير شرير (أثر المعمودية بالروح داخل الضمير) وأجسادنا مغتسلة بماء طاهر، متمسِّكين ”باعتراف“ الرجاء بدون تردُّد لأن الذي وعد هو أمين.» (عب 10: 22 و23 ترجمة أكثر وضوحاً) هنا يتضح أثر المعمودية في الضمير، وفي أعضاء الجسد، مشيراً إلى قوة التطهير بالروح في الضمير وبالماء بالنسبة للجسد. وإن أثر المعمودية في النهاية يعطي تقدُّماً إلى الأقداس العليا بقلب صادق ويقين الإيمان، على أن نظل متمسِّكين بالاعتراف الذي نتلوه في المعمودية برجاء لا يتزعزع وبلا تردُّد، اعتماداً على وعد الله وأمانته. الروح القدس يدعو إلى المعمودية: الدعوة إلى المعمودية كانت معروفة ومؤكَّدة منذ أول لحظة حلَّ فيها الروح القدس: + «فلما سمعوا نُخسوا في قلوبهم (فعل الروح القدس المُسْبَق) وقالوا لبطرس ولسائر الرسل: ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة، فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس (عمل الروح القدس اللاحق).» (أع 2: 37 و38) واضح هنا أن الروح القدس هو الذي يُعد القلب بنخس خفي لقبول الإيمان والمعمودية. واضح أيضاً أن الفعل الأول للروح القدس في المعمودية هو لمغفرة الخطايا، لذلك فإن قبول «عطية» الروح القدس تأتي بعد المعمودية، أي بعد مغفرة الخطايا، وهذا أمر في غاية الأهمية العملية. فالخطية تمنع قبول عطية الروح القدس. ومن المهم أن نلاحظ أن المعمودية مرتبطة أساساً بالمسيح = «على اسم المسيح»، وذلك مبني على فعالية الخلاص والفداء الذي أكمله المسيح عن البشرية لسؤال مغفرة الخطايا، وعلى هذا الأساس يتم الميلاد الجديد بكل متطلباته كخليقة جديدة في المسيح. ولكن، لأن المسيح أكمل الفداء ليس من ذاته بل بمشورة الآب ومسرَّة الروح القدس، لذا أصبح يتحتَّم أن تكون المعمودية باسم الآب والابن والروح القدس، حيث ينال الإنسان بواسطة المسيح علاقته الجديدة بالآب والروح القدس، وهي حالة التبني بالروح للآب. وينال الإنسان تقديس الحياة الجديدة بواسطة الروح القدس ليليق بحالة التبني لله: «أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله» (يو 1: 12)، باعتبار أن ميلادهم الجديد هو شركة موت وحياة في المسيح ابن الله. وهذا التعليم الإلهي المنسجم لدى كل الرسل واضح جدًّا أنه مسلَّم من واحد هو المسيح: «اذهبوا وتلمذوا جميع الأُمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.» (مت 28: 19) ونسمع أيضاً من حنانيا، أحد السبعين رسولاً، وهو يقول لشاول (بولس): «إله آبائنا انتخبك لتعلم مشيئته، وتبصر البار، وتسمع صوتاً من فمه، لأنك ستكون له شاهداً لجميع الناس بما رأيت وسمعت، والآن لماذا تتوانى؟ قم واعتمد، واغسل خطاياك داعياً باسم الرب.» (أع 22: 14 - 16) وهنا أيضاً مفاعيل العماد المسبقة والمرافقة والتابعة: انتخبك، لتبصر، لتسمع، لتشهد، ثم الأمر الإلهي «قُمْ»، «اغسل خطاياك». هنا فعل الغسل بالماء يشمل بكل وضوح معنًى روحيًّا عميقاً موازياً لغسل الجسد، ولكن أشد فعلاً وأبقى أثراً، إذ يتغلغل ليشمل كل أعمال الخطية في الماضي بكل آثارها على الروح والنفس والجسد والضمير!!«اغسل خطاياك»، ما أروع وما أسهل وما أعمق هذا التعبير!! وهذا ظل يعلِّم به بولس الرسول نفسه كل أيام حياته، بعد أن ذاقه وعاشه فعلاً. اسمعه يقول: «قداغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.» (1كو 6: 11) تعليم الآباء الرسوليين عن المعمودية وقد سلَّم الرسل هذا الإيمان نفسه بتحديده الواضح إلى الآباء الرسوليين، فنسمع الأسقف هرماس (142 - 174م.) يقول: [عندما نزلنا إلى الماء تقبَّلنا غفران خطايانا السالفة.] (Mand. iv. 3.1) وفي رسالة برنابا (80 - 130م.)، يرى أن المعمودية تعطي نفس طفل: [لقد تجدَّدنا بغفران خطايانا وصُنعنا شكلاً آخر حتى يكون لنا نفس طفل، كأنما قد خُلقنا من جديد، كما يقول الكتاب بخصوصنا حيث الآب يخاطب الابن: لنصنع الإنسان على صورتنا كشبهنا.] (Quasten, Patrology, vol. I, 87) أي أن الآية: «إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات» (مت 18: 3)، إنما تشير إلى المعمودية. أما يوستين الشهيد (110 - 165م.) فيعتبر أن المعمودية هي تكريس النفس لله، وغفران الخطايا، وميلاد جديد بالاختيار والمعرفة، واستنارة: [وسأقص عليك كيف نكرِّس أنفسنا لله ... ونحضرهم إلى مكان الماء ونعيد ميلادهم بنفس الطريقة التي وُلِدنا نحن بها ثانية، لأن باسم الله الآب سيد الخليقة ومخلِّصنا يسوع المسيح والروح القدس يقبلون اغتسال الماء. وقد تعلَّمنا من الرسل معنى هذا، لأنه بميلادنا الأول وُلِدنا بدون اختيارنا وبدون معرفتنا بواسطة والدينا عندما اجتمعا معاً، ونشأنا بعادات رديئة وخبرات شريرة. فلكي لا نبقى أبناء الضرورة والجهل بل أبناءً بالاختيار والمعرفة، ولكي نحصل في الماء على مغفرة خطايانا التي اقترفناها سابقاً، يُنادى فوق مَنْ اختار أن يولد ثانية، الذي يكون قد تاب عن خطاياه، باسم الله الآب وباسم المسيح يسوع الذي صُلب على عهد بيلاطس البنطي وباسم الروح القدس الذي ينير المُغتَسِل، وهذا الاغتسال يُدعى «استنارة» لأن الذين يعرفون هذه الأمور يستنيرون روحيًّا.] (Apol. 1-16: 10) الدعاء باسم الرب هو ختم المعمودية: والدعاء باسم الرب على المعمَّد أو بفمه هو أثناء النزول في الماء: «قُمْ واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب» (أع 22: 16). هنا قوَّة عمل الدعاء باسم الرب هو مكافئ لعمل حميم المياه، وهذا يعطي المعمَّد «قوَّة الاسم»، أي قوة المسيح التي ظهرت في الموت الكفَّاري والقيامة للحياة: «لكن اغتسلتم بل تقدَّستم بل تبرَّرتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا.» (1كو 6: 11) واضح هنا أن عمل قوَّة اسم المسيح عنصر هام قائم بذاته لقوَّة عمل الروح القدس في إتمام سر العماد. هذا الدعاء باسم المسيح أثناء العماد هو الختم sfr£gij الإلهي الذي يناله المعمَّد لينطبع على كل كيانه الروحي باعتباره قد صار تابعاً للمسيح ومن خاصته. هذا الختم هو بمثابة شهادة وسلطان من الله أن المعمَّد صار ابناً لله: «كل الذين قبلوه أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله» (يو 1: 12)، وقد عبَّر بولس الرسول عن فاعلية المعمودية بتعابير غاية في العمق: «ولكن الذي يثبِّتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله، الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا» (2كو 1: 21 و22)، «الذي فيه أيضاً إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس.» (أف 1: 13) والمعمودية كختم، حيث يتركَّز الختم في إجراء الدعاء باسم المسيح، هي تقليد انتقل أيضاً إلى الآباء الرسوليين، فيقول هرماس عن المعمودية إنها ختم الموت والحياة: [قبل أن يحمل الإنسان اسم ابن الله يكون ميتاً، ولكن حينما يقبل الختم فإنه يخلع الموت ويلبس الحياة، والختم هو الماء، فهم ينزلون إلى الماء أمواتاً ويخرجون أحياءً.] (Quasten, Patrology, vol. I, 101) وجاء أيضاً في الرسالة الثانية المنسوبة لكليمندس الروماني (92 - 101م.): [احفظوا الجسد طاهراً واحفظوا الختم (المعمودية) بلا عيب حتى تنالوا الحياة الأبدية.] (Quasten, Patrology vol. I, 56) مسئولية الإنسان المعتمد: نوال هبة المعمودية كميلاد جديد من الله يُنشئ في الحال مسئولية عُظمى على الإنسان المعتمد. فالمعمودية وزنة وهبة عُظمى تحمل صورة الله واسمه وختمه، ولذلك سيعطي الإنسان جواباً عن مدى احترامه وحفظه واستخدامه لها. ولكي نتحقَّق من خطورة التحذير الوارد في رسالة العبرانيين عن الذين سقطوا بعيداً عن المستوى اللائق بالمعمَّدين: «لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة (أي لا يمكن تعميدهم مرَّة أخرى) إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه» (عب 6: 6)، «فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف وغيرة عتيدة أن تأكل المضادين» (عب 10: 26 و27)، نقول إنه إذا أردنا أن ندرك خطورة ذلك علينا أن نعود إلى وضع بني إسرائيل الذين اعتمدوا في البحر الأحمر - بالإيمان بالله - الذي هو مثال المعمودية الحاضرة - كمعجزة عُظمى للخروج من عبودية مصر، إذ عبر بهم الله على يد موسى من الموت المحقَّق إلى الحياة عبر البحر. ولكن، وبالرغم من هذا، تمرَّد الشعب على الله فاعتبر الله تمرُّده أنه إهانة واحتقار لمعجزة إخراجه من مصر وعبوره البحر الأحمر الذي هو مثال المعمودية، فدفع الشعب ثمن هذا العصيان و«عدم الإيمان» وحلَّ عليه غضب الله، فطُرحت جثثهم في القفر وهلك الجيل بأكمله، غير أن الرب أبقى لنفسه شاهدين! كذلك نلاحظ هنا أن معمودية البحر الأحمر لم تسعف فرعون وجنوده بل كانت لهم موتاً وهلاكاً، في الوقت الذي أعطت النجاة والحياة لشعب الله. كذلك فإنها لم تنفع شعب الله الذي لم يقدِّم أثماراً تليق بالتوبة. ويوحنا المعمدان يؤكِّد أن المعمودية بدون أعمال تليق بالتوبة هي معمودية للموت: «والآن قد وُضِعَت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتُلقى في النار» (لو 3: 9)، «يا أولاد الأفاعي (الذين يأتون إلى المعمودية هروباً من غضب الله ولكن لا يعملون أعمال التوبة) من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي، فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة» (لو 3: 7 و8). فالمعمودية فعل حياة أبدية مربوط بالإيمان، إذا استهان به الإنسان وسقط عنه - بالارتداد أو جحد الإيمان بالمسيح - لا يعود الروح القدس يعمل فيه كفعل حياة وتجديد بل ويدخل تحت الدينونة. فبعد أن يكون الإنسان شريكاً في موت المسيح على الصليب للقيامة والحياة يصير بجحوده للمعمودية والإيمان صالباً للمسيح!! والقديس بولس الرسول، في رسالته إلى أهل رومية الأصحاح السادس، يعالج الحياة بعد المعمودية ليس على مستوى الارتداد الكامل أو جحد الإيمان، ولكن على أساس مجرَّد الرجوع لحياة الخطية وتمكين الخطية في الأعضاء وفقدان الرجاء بضعف الإيمان، فإن فعل الحياة الذي كان يسري فينا بقوَّة الإيمان بمقتضى سر المعمودية يتوقَّف وتبدأ الخطية تفعل فعل الموت مرَّة أخرى!! «لا تملكنَّ الخطية في جسدكم المائت (بالمعمودية).» (رو 6: 12) وعلى هذا الأساس تتضح لنا الأمور الآتية: 1 - إن فعل الله في العماد يعتمد على إيماننا بقداسة الله وندائنا باسم يسوع المسيح ليعبر بنا من الموت إلى الحياة، وهذا يوضِّحه دخول شعب إسرائيل في البحر وراء موسى بدون خوف. أما حالة الأطفال الذين عبروا مع آبائهم وأمهاتهم، فعبورهم لم يعتمد على إيمانهم بالله وبالعبور، بل على وجودهم وسط شعب الله. فهنا تبعية الطفل للكنيسة العابرة وسط البحر هي التي أعطته فعل العبور والحياة ليستخدمه في كل حياته المستقبلة؛ أي أن إيماني بالمسيح الآن أو عدم إيماني لا يغيِّر من الحقيقة أنني اعتمدت للمسيح ونلت كل حقوق الإنسان الجديد والشركة في ملكوت الله وفي جسد المسيح، أي العضوية في جسده عندما كنت طفلاً، وهذا من واقع الامتياز أنني وُلِدْت من أسرة مسيحية أي داخل الكنيسة. 2 - الفعل الأول للعماد، إذاً، يتم فينا بمجرَّد أن نكون قد اعتمدنا، وهذا يوضِّحه عبور شعب إسرائيل بالفعل معتمدين على قوة الله وإيمانهم باسم الله في عبورهم. هنا مجرَّد عبور الطفل أعطاه كل حقوق الخلاص من عبودية فرعون، وكل قوة وبركة ومعونة الله للسير في البرية أربعين سنة. فهو بعد العبور لا يُطالَب بإيمان ما قبل العبور ولكن يُطالَب بإيمان ما بعد العبور. 3 - الفعل الثاني للعماد له قوَّة وقدرة مستقبلية لحياتنا، يعمل فينا بقدر حفظنا واعتمادنا على الفعل الأول. وهو الذي أخفق فيه شعب إسرائيل فأنكروا قوة الله التي عبرت بهم وجحدوا اسم الله الذي عبروا وراءه وقالوا للعجل: «هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر.» (خر 32: 4) هنا الأطفال الذين عبروا قد نالوا قوَّة الفعل الأول - العبور - ولا يُطالَبون بعد بمستلزماته ولكن يُطالَبون بوصايا المسير، وهذا هو الفعل الثاني للعبور. أو بمعنًى آخر، إن عظمة وقوَّة الفعل الحادث في هذا السر تُظهرها استجابة الإنسان على مدى الأيام بطول حياة الإنسان كلها، في سلوك وأعمال لها قوَّة الاسم الذي اعتمدنا له، وبإيمان يساوي نفس الإيمان الذي اعترفنا به. فالمعمودية فعل حياة جديدة مربوط بالإيمان بقوَّة اسم المسيح يتجدَّد كل صباح، بأعمال وأفعال تزكيها النعمة على نفس مستوى الإيمان بقوَّة اسم المسيح على مدى العمر كله.
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل