المقالات

19 يوليو 2021

فضيلة الوداعة

الفضيلة ليست تفضل من الانسان، ولكنها فيض، فقد امتلأ بنعمة ما وفاضت النعمة فخرجت للآخرين " فاض قلبي بكلام صالح" (مزمور 45 : 1) فالوديع مثلا انسان امتلأ قلبه بالوداعة ففاضت منه فى الخارج، ولذا فالفضيلة هى عمل روحى داخلى، ظهر فى ملامح الانسان .. انها عمل للروح القدس، وألا ُحسبت ابتسامات المطاعم والطائرات والدعاية والاعلان فضائل، كلاّ ولكنها مهنة. بعض الفضائل يظهر فى سلوك الناس، مثل احترام الآخرين .. أو الصبر، والبعض الآخر يكون في الفكر (التفكير) مثل الاتضاع، والعض الآخر يظهر فى ملامحهم مثل الوداعة ..البشاشة. والوداعة تختلف عن الاتضاع، لأن المتضع فد يكون صامتاً من الخارج .. بل نعرف الكثير من القديسين كانوا جادين .. حارين فى الروح، وآخرين اجتذبوا ببشاشتهم الكثيرين إلى الحياة النسكية مثل القديس أبوللو صديق القديس أبيب .. والقديس مكاريوس السكندرى وغيرهم .. ورغم ما يقال عن أن السيد المسيح لم يضحك أبداً بل بكى، فإنه من المؤكد أنه كان لطيفا بشوشاً أليس هو القائل بفمه الطاهر "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب" ولكن الضحك غير البشاشة والوداعة .. وبالطبع لا أقصد بالبشاشة تلك الابتسامة الصفراء أو التى ليس لها معنى. علامات الوداعة: الإنسان الروحي عليه صورة المسيح الوديع المتواضع القلب، كما أن وداعته انعكاس لعمل الروح فى قلبه، فهو بسيط غير ماكر .. (أي مستريح من الداخل) يقول القديس باخوميوس (منظر الانسان الوديع المتواضع القلب، هو أجمل ما يمكن أن تنظر العين وعن افضل من هذا المنظر لا تبحث .. الوديع هو شخص مريح القسمات .. بعكس شخص آخر تشعر بأن عليه غضب الله، فى الكنيسة يمثل العبادة المفرحة .. والمسيح المبهج .. تصوروا لو أن خادم أو خادمة يعود من الكنيسة إلى البيت فيجدونه عصبياً لا يتكلم، قاسي الوجه حديدى الملامح .. فهم سيعثرون فى الكنسية والخدام .. ومع ذلك فليس من اللائق أن تكون له تلك الابتسامة التى تثير الغيظ والحنق !! بل أن الوداعة تمجد الانسان مثل اكليل يتجلى به "يابنى مجد نفسك بالوداعة واعط لها من الكرامة ماتستحق" سيراخ 31:10) ويقول سيراخ أيضا "الإيمان والوداعة يغمران صاحبهما بالكنوز"(سيراخ 35:1) وحسبما ورد في كتاب الدرجي فإن الغضب له درجات: الغضب = بغض مكتوم وهو شهوة الإساءه لمن أغضبك. الغيظ = اشتعال القلب بغتة. الحنق = تحول الاخلاق بسرعة وجعل النفس قبيحة. فى حين أن كل مرارة وغضب يزولان برائحة التواضع .. 3 - منابع الوداعة: الوداعة هى رداء المسيح وبالتالى المسيحى، لذلك يقول القديس بولس "فالبسوا كمختارى الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناه" (كو 12:3). والوديع لابد أن يكون مستريحاً من الداخل، بلا شر، فالشرير لا يمكن أن يكون وديعاً، قد يجتهد أن يكونمهزارا وهناك فرق بين الوداعة والهزر السخيف والنكات الخارجة.ً عموماً فإن هذه الفضيلة تحتاج إلى طلب بحرارة من الله، لأن الابتسامة السريعة أو المرسومة يمكن ممارستها بالتدريب (مثل السياسيين والدبلوماسيين والمضيفين وغيرهم) ولكن الملامح المريحة تعكس قلباً يفيض بالهدوء والفرح .. 4- الخادم والأب الوديع: عندما تكلم الشاب الغنى مع المسيح، نظر إليه يسوع وأحبه .. أنها نظرة الحنو والوداعة لخادم تجاه مخدومه، والخادم بوادعته يقدر أن يكسب للمسيح أكثر مما يكسب بلباقته وعلمه، لأنه بذلك يقدم صورة المسيح الوديع ( مثلما حدث في حواره مع السامرية) هكذا الخادم مع المخطئ، فالتبكيت والتأنيب اللازع لن يجدى بقدر الشرح وعرض أبعاد المشكلة، كما أن النصح المخلص أفضل من التهكم والسخرية .. "أيها الاخوة إذا أنزلق انسان فأخذ فى زلة ، فأصلحو انتم الروحانين مثل هذا بروح الوداعة" .. (غلاطية 1:6). مثل الأب الذى ينتهر طفله فيبكى الطفل ليس بسبب الكلام (أو حتى الضرب) وانما بسبب ملامح أبيه القاسية وصوته المرعب .. أو الأم التى تنتهر ابنها بالشتائم .. أو ترضعه وهى غاضبة فقد يصاب بالتسمم .. يقول بن سراخ: "انفعال الانسان بالغضب يقوده إلى السقوط" (سيراخ 21:1) لقد قال الكتاب عن موسى النبى كخادم "كان الرجل موسى حليما جدا اكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عدد 13:12) من المتوقع أن يخطئ الناس ولكنه من الواجب على الراعى احتمالهم وتعليمهم بصبر ووداعة وأبوة وأمومة حلوة. "مؤدباً بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق"(2 تيمو 25:2). بل حتى الموظف والبائع والمذيع يتدربون طويلاً كيف يتعاملون مع الجمهور بلطف ويحتملون سخافاته وكثرة أسثلته واستبداله للبضاعة، بل يبادر بعرض أصناف أخرى بمزياها (هذه لك خصيصا ً.. وهذه احتفظت بها لك .. وهذه تناسبك ..) وقد يزدحم مكان بسبب لطف البائع الذى فيه .. وابتسامته المشرقة التى يوزعها هنا وهناك .. (ومع ذلك فقد يعود إلى البيت مهموماً لا يطيق أسئلة أولاده ولا استفسارات زوجته، كيف وهو صاحب الابتسامة العريضة !.. إنه عمل .. ودور يؤديه مقابل أجر، مثل الممثل الكوميدى .. يسعد الجماهير .. وقد لا يكون سعيدا بسبب صحته .. أو زوجته .. أو أولاده .. الخ. هكذا المذيع الذى يعود إلى القسمات الطبيعية لوجهه طالما ينتهى البرنامج، هكذا الموظف الذى يتعامل مع الجمهور .. لا سيما فى الشركات الخاصة أما أولئك فمن أجل الاجر والمال والكرامة الزمنية واحراز شعبية بين الجمهور. أما نحن كخدام فمن أجل المسيح الوديع والروح الذى انسكب بغنى فى قلوبنا. 5- ولكن هل يغضب الوديع ؟ : يقول القديس بولس "ماذا تريدون أبعصا أتى إليكم أم بالمحبة وروح الوداعة" (1كو 21:4 ) فإذا غضب لابد وأن يكون لأمر خطير، وسيكون غضبه مقدساً وليس ثأرا لكرامته هو. ولا يثور لكن يعلن رفضة بهدوء، الوديع إذا غضب سيكون مثل الطفل الذى ما أن يغضب حتى يصفو ويهدأ ويبتسم، بعكس الشرير، يقول مار اسحق (من السهل عليك أن تحرك جبلا من مكانه فى حين ليس من السهل أن تحرك الانسان الوديع عن هدوئه) وأخيرا:ًاأطلب من الله بإلحاح أن يطبع عليك صورته ويهبك هذا الروح الوديع الهاديء " الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن (1بط 3 : 4) يقول القديس يوحنا الدرجى (فالروح القدس هو سلام النفس، والغضب اضطراب القلب، فلا شئ يمنع حضور الروح القدس فينا مثل الغضب) وتذكر قول الآباء: (لا تحزن أحداً من الناس قبل رحيلك إلى الرب) وعندما تجد نفسك غاضبا وقد يؤذى منظرك الآخرين، لا سيما وقد اعتادوا على رؤيتك بشوشاً، اعتزل لبعض الوقت حتى تهدأ، وربما كان من المفيد الترتيل فقد يزيل الغضب، وبكت نفسك على غضبك، يقول يوحنا الدرجى (كما أن الماء المنسكب على النار يطفئها هكذا المسكنة الحقيقية ُتطفىء لهيب الغضب والغيظ). نيافة الحبر الجليل انبا مكاريوس اسقف المنيا وتوابعها
المزيد
28 أغسطس 2021

القديسة مريم والكنيسة

جاء في ثيؤتوكية الخميس: "كل عجينه البشرية أعطتها بالكمال لله الخالق وكلمة الآب، هذا الذي تجسد منها بغير تغيير، ولدته كإنسان ودعي أسمه عمانوئيل". ثيؤتوكية الخميس في لحظات البشارة أظهرت القديسة مريم خضوعها بكامل حريتها، وبذلك حقق الله تدبيره الإلهي للاتحاد بنا. صارت أحشاء القديسة مريم حجال لزيجة الكلمة مع الجسد المجيد. في الأحشاء وحد الكنيسة أي جسده مع ذاته، بهذا تحقق وجود الكنيسة السري بكماله. الآن نستطيع أن نتفهم كلمات القديس مار أفرام السرياني: "كانت مريم بمثابة الأرض الأم التي أنجبت الكنيسة". علاوة على هذا كثمرة الاتحاد الأقنومي بين لاهوت الكلمة وناسوته تقبلت مريم نوع أخر من الوحدة الروحية بين الله وبينها، اتحاد الشخص المتمتع بالخلاص مع المخلص نفسه، الوحدة التي دعيت الكنيسة كلها للتمتع بها. تقبلت القديسة نعمة الاتحاد مع الله هذه كممثلة بطريق ما للكنيسة الجامعة، كعضو أول فيها، العضو الأمثل السامي، لهذا قبلت النعمة في أعلى صورها. القديسة مريم كنموذج للكنيسة: التسبحة الرئيسية التي ترنم يوميا في الشهر المريمي شهر كهيك قبل عيد الميلاد تتكون من مختارات من سفر المزامير تمدح الكنيسة كمسكن للإله المتجسد. لم يكن هذا بغير معنى أن تمدح الكنيسة كل الشهر المريمي، لأن ما فبلته القديسة مريم كان لحساب الكنيسة كلها. فالقديس مار أفرام السرياني ينسب للكنيسة ما هو خاص بالقديسة إذ يقول: "مباركة أنت أيتها الكنيسة، تحدث أشعياء عنك في تسبحته النبوية المفرحة، قائلا: هوذا العذراء تحبل وتلد أبنا. يا لسر الكنيسة المخفي" ويربط القديس كيرلس بابا الإسكندرية بين القديسة مريم والكنيسة قائلا: "لنمجد مريم دائمة البتولية بتسابيح الفرح، التي هي نفسها الكنيسة المقدسة. لنسبحها مع الابن العريس كلي الطهارة. المجد لله إلى الأبد". يؤكد القديس أمبروسيوس أن القديسة مريم هي" نموذج الكنيسة"، كما يقرر القديس أوغسطينوس أن "مريم هي جزء من الكنيسة، عضو مقدس، عضو ممتاز، العضو الاسمي، لكنها تبقى عضوا في الجسد الكلي (أى غير منفصلة عن بقية الأعضاء). في الحقيقة يمكننا أن نرى كل مراحل حياة القديسة مريم كأيقونة جميلة للكنيسة، فعلى سبيل المثال نذكر: 1- يرى القديس ايريناؤس أن فرح مريم وتسبحتها أثناء البشارة، كانا عملين نبويين صنعا بواسطة القديسة مريم باسم الكنيسة. ويقدم القديس يعقوب السروجي (446م) ذات الفكرة إذ يقول في كلمات متغايرة إذ يقول: "كانت العذراء الحكيمة فيما للكنيسة، سمعت تفسير (التجسد الإلهي) من أجل خلقة العالم كله". 2- زيارة القديسة لنسيبتها اليصابات تحمل رمزا لإرساليات الكنيسة في العالم كله، لأن الكنيسة مثل القديسة مريم هي ابنة صهيون، عذراء فقيرة، أمة الرب، ممتلئة نعمة، تحمل كلمة الله روحيا، يلزمها أن تلتهب بالرغبة في الالتقاء بقريبتها_ أي الالتقاء بالجنس البشري، لتعلن لهم خلاص الله. "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام... القائل لصهيون قد ملك إلهك" يشير القديس أمبروسيوس إلى هذه الرسالة الإرسالية قائلا عن القديسة مريم أنها ترنمت التسبحة الخاصة ب"تعظم نفس الرب..." وهي مسرعة عبر تلال يهوذا كرمز الكنيسة المسرعة على تلال القرون. 3- عند الصليب يكمل تمثيل القديسة مريم للكنيسة، كقول القديس أمبروسيوس: "ستكون ابنا للرعد أن كنت ابنا للكنيسة (مريم). ليقل لك السيد المسيح أيضا من على خشبة الصليب: هوذا أمك ويقول للكنيسة هوذا ابنك. عندئذ تبدأ أن تكون ابنا للكنيسة إذ ترى السيد المسيح منتصرا على الصليب". التشابه بين القديسة مريم والكنيسة: 1- القديسة مريم الكنيسة كلاهما أم وعذراء في نفس الوقت. كل منهما قد حملت بالروح القدس بغير زرع بشر، معطية ميلادا للابن الذي بلا عيب. فالقديسة مريم هي ام الكلمة الإلهي ولدته حسب الجسد، والكنيسة أم أعضائه ولدتهم بالمعمودية ليشاركوا السيد المسيح حياته. في هذا يقول القديس أغسطينوس: "كما ولدت مريم ذاك الذي هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة. لأن الكنيسة هي أيضا أم وعذراء، أم في أحشاء حبنا، وعذراء في أيمانها غير المنثلم. هي أم لأمم كثيرة الذين يمثلون جسدا واحدا، وذلك على مثال العذراء مريم أم الكثيرين وفي نفس الوقت هي أم للواحد". القديسة مريم عذراء حسب الجسد والروح، أما الكنيسة فيمكن دعوتها عذراء إذ لا تنحرف قط عن الإيمان بل تبقى أمينة على تعاليم السيد المسيح إلى النهاية. تحمل الكنيسة ذات لقب القديسة مريم، أي "حواء الجديدة". فإن القديسة مريم قد ولدت" الابن المتجسد" واهب الحياة للمؤمنين، أما الكنيسة فهي أم المؤمنين الذين يتقبلون الحياة خلال اتحادهم بالرأس، الإله المتجسد. تشابه الكنيسة القديسة بكونها "أمة الرب". فهي كأمة الرب المتضعة ترفض كل المجهودات البشرية الذاتية، وتصير علامة لنعمة الله، الذي يطلبنا في أتضاع طبيعتنا ليقودنا إلى مجد ملكوته!. دعي كل من القديسة مريم والكنيسة" بالمقدسة أو القديسة". يفسر القديس هيبوليتس التطويب الذي ذكره موسى "مباركة من الرب أرضه، تبقى له وتتبارك بندى السماء" (تث 33: 13) كنبوة عن قداسة مريم، الأرض المباركة إذ تقبلت كلمة الله النازل كندى السماء. يعود فيقرر أنها نبوة تشير إلى قداسة الكنيسة، قائلا: "يمكن أن تقال عن الكنيسة، إذ تباركت بالرب، كأرض مباركة، كفردوس البركة. أما الندى فهو الرب المخلص نفسه". شفاعة القديسة هي نموذج لعمل الكنيسة، حيث يلتزم أعضاؤها المجاهدون والمنتصرون الإقتداء بالقديسة مريم، مصلين بغير انقطاع من أجل تجديد العالم كله في المسيح يسوع. القمص تادرس يعقوب ملطى عن كتاب القديسة مريم فى المفهوم الأرثوذكسى
المزيد
29 مايو 2019

باكورة الراقدين

ربط القديس بولس الرسول قيامة السيد المسيح بقيامة الأموات ربطًا حتميًا حتى إنه قد قال: "إن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام" (1كو15: 13) إن السيد المسيح قد ذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد، وهكذا أيضًا قام لأجل كل واحد بموته أوفى الدين الذي علينا، وفي قيامته وهبنا نعمة القيامة والحياة الجديدة الأبدية في موته عن الخطايا حل مشكلة الخطية، وفي قيامته حل مشكلة الموت وقد قصد القديس بولس الرسول أنه: ما فائدة قيامة السيد المسيح، إن لم تكن هناك قيامة للأموات..؟ إن الإيمان بقيامة السيد المسيح، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإيمان بقيامة الأموات واعتبر القديس بولس أن الإيمان بالقيامة هو عماد الكرازة الرسولية، ولهذا قال: "إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم. ونوجد نحن أيضًا شهود زور لله،لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه إن كان الموتى لا يقومون. لأنه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام. وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم. إذًا الذين رقدوا في المسيح أيضًا هلكوا. إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس. ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين" (1كو15: 14-20)إن قيامة السيد المسيح هي برهان أنه هو هو نفسه ابن الله الأزلي المولود من الآب قبل كل الدهور، الذي انتصر على الموت بقيامته. وبرهان أن ذبيحة الصليب قد أوفت كل ديون الخطية، لأنها ذبيحة الابن الوحيد القادرة أن تغفر خطايا العالم كله. هي ذبيحة غير محدودة في قيمتها لأنها ذبيحة الله الظاهر في الجسد. ودمه الذي سفك هو دم إلهي؛ متحد باللاهوت، قادر أن يغسل ويطهّر الخطايا لهذا قال القديس بولس: "إن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم". فلا غفران للخطايا، إلا بذبيحة الابن الوحيد، هي الذبيحة الحقيقية القادرة أن تخلَّص جميع البشر وفي تعبيره عن الإيمان بالحياة الأبدية الموهوبة لنا من الله في المسيح أكّد القديس بولس أن الإيمان بالمسيح -بما يقترن به من تضحيات في هذه الحياة الحاضرة- يصير شقاءً لا مبرر له بدون القيامة وميراث الحياة الأبدية فالقيامة هي التي أثبتت أن الروح الإنسانية تبقى بعد موت الإنسان بالجسد، وتعود الروح لتتحد بجسدها الخاص عند قيامة هذا الجسد. إذ أن الروح هي التي تحيى هذا الجسد.. ولكي يحيا، يلزمه أن تعود الروح إليه مرة أخرى الإيمان بالقيامة يعني الإيمان بالحياة الآخرة، والإيمان بالفردوس كموضع انتظار لأرواح القديسين الذين رقدوا وقد وعد السيد المسيح اللص اليمين على الصليب قائلًا: "الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي فيالفردوس" (لو23: 43) وقال معلمنا بولس الرسول: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (فى1: 23). وقال: "لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح" (فى1: 21). ولهذا ففي استنكاره لعدم الإيمان بالقيامة، وبالحياة الآخرة سواء في الفردوس حاليًا، أو في الملكوت بعد مجيء السيد المسيح الثاني، قال القديس بولس الرسول كلماته التي أوردناها سابقًا: "إن لم يكن المسيح قد قام.. إذًا الذين رقدوا في المسيح أيضًا هلكوا" (1كو15: 17، 18) أي أن الإيمان بالقيامة معناه الإيمان باستمرار بقاء الإنسان بنفس شخصه، بالرغم من رقاد الجسد المؤقت.. لأن روحه باقية، وسوف تنضم إلى جسدها المقام من الأموات عند مجيء المسيح وفي هذه الملحمة الرائعة: جاءت قيامة السيد المسيح كإعلان مبكر عن الحياة الأبدية،وهذا هو معنى قول القديس بولس الرسول: "الآن قد قام المسيح من الأموات، وصار باكورة الراقدين" (1كو15: 20). في المسيح سيُحيا الجميع أكّد القديس بولس الرسول على إنسانية السيد المسيح، لأن ذبيحة الابن الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، هي ذبيحة إنسانية -فداءً عن الجنس البشرى- قدّمها الابن الوحيد بتجسده الإلهي وصيرورته ابنًا للإنسان؛ بإنسانية كاملة متحدة باللاهوت اتحادًا تامًا منذ اللحظة الأولى للتجسد لذلك قال القديس بولس: "فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضًا قيامة الأموات. لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيُحيا الجميع" (1كو15: 21، 22) كما عصى آدم الله حتى الموت، هكذا أطاع السيد المسيح -من جهة إنسانيته- الله حتى الموت. كما هو مكتوب عنه "إذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت،موت الصليب" (فى2: 8) هذا الإنسان: يسوع المسيح.. لم يكن شخصًا آخر غير ابن الله الوحيد بل هو هو نفسه، بنفس شخصه قد صار إنسانًا دون أن يفقد ألوهيته. ولهذا نادى القديس بولس قائلًا: "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8). فهو الرب الأزلي وهو المخلّص الذي تجسد وصلب وقام من الأموات ليقيمنا أيضًا معه. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
18 يونيو 2021

عمل الروح القدس

الأسبوع الأخير من رحلة الخماسين المقدسة والكنيسة أمامها يومان وتستقبل أغلى عطية وأعظم هدية تعطى لها وهي الروح القدس لذلك تقرأ علينا الكنيسة موقف عندما وقف ربنا يسوع في يوم عيد وقال داخل الهيكل ﴿ من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي ﴾ ( يو 7 : 38 ) بالطبع كان الناس يفهمون الكلام حرفي فيقولون كيف تجري من بطنه أنهار ماء حي ؟ قد نقول قليل ماء لكن أنهار ماء ؟ بالطبع كان ربنا يسوع يتكلم عن الروح القدس المتدفق من الداخل فيقول ﴿ تجري من بطنه أنهار ماء حي ﴾ واضح أنها عبارة ليس المقصود بها المعنى الحرفي لأنه كيف تجري من بطنه أنهار ماء حي ؟ ﴿ قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه ﴾ ( يو 7 : 39 ) هذا حال الكنيسة الآن نحن مزمعين أن نقبل الروح القدس فتقول الكنيسة نحن نقبل الروح القدس كأنهار ماء حي متدفق داخلنا نحن كثيراً نفتقد معنى الروح القدس كثيراً ما لا يكون لنا وعي بالروح القدس كثيراً ما تكون كلمة الروح القدس كلمة مجهولة بالنسبة لنا ما معنى الروح القدس ؟نحن نسمع عن الآب ونعرف الإبن أما الروح القدس فلا نسمع عنه أبداً الآن نريد أن نتعرف على الروح القدس في وقت بسيط جداًما هو الروح القدس ؟ عمل الروح القدس :- إن أردت أن تعرف الروح القدس فهو له أربعة مهام في الإنسان كعطية أعطاها الله له :- 1- الروح القدس يقدس :- أنا محتاج للتقديس أنا داخلي أمور دنسة أفكاري دنسة كلامي ردئ خيالاتي رديئة نيتي رديئة ودوافعي للقداسة بطيئة وبليدة لأن هناك عوائق كثيرة تمنع هل تريد أن تتقدس ؟ لن يقدسك سوى الروح القدس هنا عمل الروح القدس داخل النفس الروح القدس مسئول عن تقديس النفس أول شئ يعمله الروح القدس داخلك هو أن يقدسك كل من خضع للروح القدس نال تقديس وكل من خضع للروح القدس نراه يعمل أعمال قداسة تفوق طاقة البشرلماذا تفوق طاقة البشر ؟ لأنها عمل الروح القدس فيه الروح القدس أعطاه طاقة قداسة أعلى بكثير من الطاقة البشرية لأنه قد تجد شخص طيب القلب لا يحب الكذب له أخلاقيات جيدة وذلك لأنه تربى على ذلك لكن الروح القدس لا يجعل الإنسان مجرد شخص له صفات تربى عليها ومؤدب لا الروح القدس هو روح قداسة ترى الفرق واضح بين شخص مؤدب بحسب المقومات الإجتماعية وشخص قديس مهما كان الشخص مؤدب إلا أنك لا تعرف ما بداخله إلا أنه له ضعفات ألا أنه قد ينقلب الضد الإنسان الذي داخله روح قداسة يعمل أعمال فائقة فتجد عنده حب بلا حدود عنده عطاء بلا حدود بر بلا حدود ما سر ذلك ؟ ما سر قداسة القديسين ؟ الروح القدس المهم أنهم خضعوا له هم خضعوا له وهو شكلهم فصاروا قديسين لأن إسمه روح القداسة إن أردت أن تتقدس فليس لك وسيلة إلا الروح القدس لذلك ربنا يسوع المسيح أعطانا هذه الهدية التي تقدسنا عندما يسكن روح ربنا داخلي فهو المسئول عن قداستي الروح القدس يقدس يطهر يشفي الروح القدس عمله داخل النفس يحرق أشواك الخطايا يحرق نيران الشهوة الملتهبة هو يلتهمها ويحولها لنيران القداسة وبدلاً من أن تكون داخل الإنسان طاقات غضب تصير طاقات قداسة وبدلاً من أن تكون داخله طاقات كره تصير طاقات حب هذا هو عمل الروح القدس الذي أرسله الله ليعمل في الإنسان لأن الله يعرف طبع الإنسان فأعطاه الروح القدس ليقدسه ويخلص به هل تريد أن تتقدس ؟ لا تقديس خارج الروح القدس لذلك إن كانت هناك خطية أتعبتك أطلب من روح ربنا أن يعطيك نعمة كي تغلبها أطلب من روح ربنا أن يعطيك قوة لتطهيرك من هذه الخطية . 2- الروح القدس يصلي :- فرق بين إنسان يردد كلمات بشفتيه وآخر يصلي كواجب وثالث يصلي كروتين وإنسان يصلي بالروح أي لا يشعر بمن حوله ولا يشعر بالزمن وكلماته ليست بنتاج فكر عقلي أحياناً عندما نصلي نفكر ماذا نقول هذه ليست صلاة بالروح هذه صلاة عقل أي يفكر ويتكلم هذه أيضاً صلاة جيدة نعم ليتنا نقف أمام الله ونطرح أفكارنا لكن توجد صلاة بالروح وهي الأجمل هي التي تبدأ عندها الصلاة تكلم بالروح لذلك بولس الرسول يقول ﴿ لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها ﴾ ( رو 8 : 26 ) أي الروح ينخس فيك يشفع فيك الروح يشهد لك وينطق فيك ويحركك هذا عمل الروح القدس في النفس أنه يصلي صلي بالروح عندما تقف أمام الله أطلب من الروح القدس أن يرشد ذهنك للصلاة وينطق فيك بكلمات الصلاة هو يتكلم فيك لذلك هناك فرق بين صلاة الروح والصلاة العقلية وصلاة الشفتين الصلوات مراحل :- مرحلة الشفاه أي نطق بدون عقل مجرد كلام ألا يحدث معك ومعي أن نقول* إرحمني يا الله كعظيم رحمتك * ونفاجأ أننا أنهيناها ؟ لماذا ؟ لأننا نقول بالشفاه دون العقل . وحد عقلك بشفتيك وهي مرحلة تقول فيها الصلاة وأنت تعي وتفهم ما تقول . وحد عقلك مع شفتيك مع قلبك وهذه مرحلة أجمل . وحد عقلك وشفتيك وعقلك بمساندة الروح القدس وهذه هي الأجمل هنا تبدأ الصلاة هنا تشعر أنك لا ترى ما حولك لكنك ترى كل ما هو روحي هنا تركز في الصلاة ولا تنتبه لأي تأثير خارجي هنا تبدأ الصلاة بالروح . أدعوك أن تصلي بالروح أن تقف لتصلي أرجو يكون لوقفة الصلاة تقديس وزمن واهتمام لن نصلي أبداً إن لم نعطي الصلاة إهتمامنا ما الذي يجعل الإنسان ضعيف إنسان ساقط إنسان مهزوز إنسان مهزوز في سلوكياته وإيمانه ؟ لأنه لم يأخذ قوة من الأعالي لذلك عندما يرى شئ يسلك بطبعه البشري والطبع البشري يميل للشراسة يميل للشهوة يميل للذات هذا هو الطبع البشري لكن عندما يتحد بالله يتقدس بالروح ويصلي بالروح . 3- الروح القدس يرشد :- قال ﴿ يرشدكم إلى جميع الحق ﴾ ( يو 16 : 13)﴿ يذكركم بكل ما قلته لكم ﴾( يو 14 : 26 )ما أجمل الإنسان الذي يسلك بالروح ؟ الكتاب يوصينا أن ﴿ أُسلكوا بالروح ﴾( غل 5 : 16) أي سلوكياتي تكون محاطة بتأييد الروح القدس أن أشعر أن حياتي ومشورة نفسي كلها مسلمة للروح القدس﴿ الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ﴾ ( رو 8 : 14) ما أجمل إنسان مثل بولس الرسول الذي عندما أراد أن يذهب لمدينة قال﴿ منعنا الروح ﴾عندما يريد أن يذهب لمدينة ليكرز بها يقول له الروح القدس لا لتظل هنا أنا لي أناس كثيرون في هذه المدينة وقد كان يريد أن يظل في كورنثوس شهر لكن الروح جعله بها سنة ونصف الروح القدس ألزمه لذلك يقول الروح القدس للتلاميذ ﴿ إفرزوا لي برنابا وشاول للعمل ﴾( أع 13 : 2 )الروح القدس يرشد ويقود ويقول للإنسان ما يفعل وما لا يفعل هل أنا سالك بمشورة الروح ؟ هل مشورة الروح هي التي تهديني أم مشورة فكري ؟ الروح القدس يرشد وعمله هو أن ينير الطريق الذي به مخافة الله عمله أن ينبه لما هو صحيح وما هو خطأ لذلك يجب أن ينقاد الإنسان لروح الله وليس بفكره أو رأيه الروح القدس عمله هو أن يوبخ الإنسان على الشئ الردئ ويشجعه على الشئ الجيدعمله هو أن يرشد هناك كثير من الأمور كما يقول عنها معلمنا بولس ﴿ الأمور المتخالفة ﴾ ( رو 2 : 18) أي أمور محيره هل أفعل هذا الشئ أم لا ؟ هل أذهب لهذا المكان أم لا ؟ هل أسافر أم لا ؟ أمور قد لا أستوعبها جيداً وبالتالي لا أعرف لها قرار من يرشد إذاً ؟ الروح القدس هو الذي يرشد لذلك يسمى * روح المشورة * يشير عليك بقوة أن تفعل هذا ولا تفعل ذاك ما أجمل إنسان يعيش بمشورة الروح القدس ويسلك في أمان لأنه لم يتكل على رأيه الشخصي أو ذكائه بل يتكل على روح الله ما أجمل روح الله عندما يقود الإنسان يعرفه كل شئ في أحد المرات كان طيار يقود طائرته في رحلة وأثناء القيادة تعرض لأمر غريب فجأة أصيب بإنفصال شبكي مفاجئ ووجد نفسه لا يرى شئ أمامه ماذا يفعل ؟ إتصل بالقاعدة التي يتبعها وقال لهم أنه صار أعمى لا يرى فقالوا له إفعل ما نقوله لك وكان يحفظ لوحة المفاتيح فكانت القاعدة ترشده لأي مفتاح يضغط وهو يعمل ما يقولونه له إضغط على المفتاح الأول ثم المفتاح الثاني أنر المفتاح الثالث وهكذا أرشدوه حتى آخر خطوة وهو يسمع لهم حتى هبطت الطائرة بسلام وقالوا له نحن ننتظرك بسيارة إسعاف من هذه القصة ليتنا نفعل ذلك في حياتنا لا نفعل أي خطوة إلا بمشورة الله لا نُقدم على شئ إلا بمشورة الروح القدس هو الذي يرشد ويقود يقول يمين يمين يقول يسار يسار قل له أنا أعمى فقد قدت نفسي في أمور كثيرة فوجدت نفسي كثيراً ما أسقط وكثيراً ما أذِل إتبعت مشورتي وهواي وكانت النتيجة رديئة أريد الآن أن أتبعك أنت عمل الروح القدس هو أن يرشد هو يعرف كيف يميز الأمور عمله في الإنسان أن يقود ويرسم له الطريق . 4- الروح القدس يعزي :- الطريق طويل وكرب الطريق به أتعاب كثيرة الطريق به ضيقات كثيرة الطريق لا يسير بطريقة ثابتة ليس مستقيم بل به منحنيات ومرتفعات قد يتعب الإنسان وهو سائر في طريق الملكوت قد يضعف وقد يفتر ولا يريد أن يكمل المسير قد يقلق أو يخاف أو قد يقول ماذا سأنال من كل هذا التعب ؟ ماذا يفعل الروح القدس هنا ؟ يعزي يقول لك لا تخف كما تقول كلمات تشجيع لأولادك أثناء الإمتحانات هكذا الروح القدس المعزي يقول لك لا تخف أنت تسير في الطريق الصحيح وقد قطعت كثير من الطريق إنتبه أن المكافأة جميلة يعطي تعزيات التعزية هي فعل نعمة هي فعل فوقاني هي مساندة سماويةهذه التعزية من المسئول عنها ؟ الروح القدس لذلك يسمى * الروح المعزي * عندما يكون إنسان في ضيقة أو فقد أحد أحبائه تقول أنا ذاهب لأعزيه ماذا تعني كلمة * أعزي * ؟ أي أقول له أنك إن كنت قد فقدت شخص غالي عليك فنحن كلنا بجانبك أقول له كلمات تشجيع وأفرحه بأن هذا الفقيد في السماء الآن ونحن كلنا غرباء من الذي يعزينا في غربتنا الصعبة التي نحياها الآن على الأرض ؟ الروح القدس يقول لك لا تخف نعم الأحزان كثيرة لكن الأفراح تنتظرك نعم أنت تتعب هنا لكن المكافأة عظيمة هناك ولأني أعرف أنك شخص مادي بعض الشئ فبدلاً من أن أعدك بتعزيات سماوية فقط لا أنا لابد أيضاً أن أعطيك تعزيات على الأرض وأربطك بيَّ أعطيك عزاء على الأرض أعطيك سلام وهدوء وفرح أعطيك عربون عزاء الأبدية هذا هو الروح القدس يوجد تشبيه لطيف عن أليعازر الدمشقي الذي ذهب ليخطب لأبينا إسحق قال له أبونا إبراهيم لا تخطب لأبني من بنات الأرض إذهب لأهلي وعشيرتي واخطب له من هناك فقال أليعازر يارب هذه مهمة صعبة كيف أخطب لإبن سيدي ؟ ثم قال التي أقول لها إسقيني فتقول أسقيك وأسقي جمالك تكون هي من إختارها الرب لإسحق ( تك 24 : 14) فوجد رفقة تقول له أسقيك وأسقي جمالك ولك مكان مبيت عندنا فقال هذه من الله وكلم أبيها وخطبها لإسحق وألبسها الذهب وأخذها وحدها معه ليعطيها لإسحق زوجة وسار بها في الطريق أريدك أن تتخيل أن رفقة خائفة تقول لقد تركت أهلي وشعبي وأسير إلى رجل لا أعرفه من الذي يطمئنها لإسحق ؟ أليعازر يقول لها لا تخافي إسحق إنه طيب القلب ومؤدب جداً سخي جداً وغني جداً مادامت رفقة في رحلة غربتها أليعازر يطمئنها ويعزيها هذا هو عمل الروح القدس الروح القدس أتى للعالم ليخطبنا لله ولكن حتى نصل لله الطريق طويل والرحلة شاقة فيعزينا طول الطريق ويقول عريسك جميل عريسك غني وسخي عريسك محب متواضع وديع يعطيك صفات فيه تطمئنك ويزينك ويغدق عليك بالعطايا كما فعل أليعازر لرفقة ألبسها أقراط ذهب * أقراط * أي أشياء جميلة وثمينة وغالية في كل جسدها في أنفها وعنقها ويديها وأرجلها و عمل الروح القدس يعزي يعزينا طوال هذا الطريق الكرب الضيق المملوء أتعاب يقول لنا إطمئنوا لا تخافوا توجد مكافأة والمسيح ينتظركم نعم إن العالم به مسرات ومكاسب وغنى أرضي وشهوات من يعزيني عن فقدان كل هذه الأمور ؟ الروح القدس يجعلني أدوس على كل هذا بغنى وعز لماذا ؟ لأن معي الأجمل والأغلى معي من يعزيني عن أي شئ مفقود فلا أشعر أن نفسي تميل لأي شهوة في العالم لأن الروح القدس قد ملك على رغباتي عمل الروح القدس أنه يفطم الإنسان عن مسرات العالم ويغدق عليه بمسرات روحية هذا عمل الرح القدس المعزي ما الذي يجعل أحد القديسين يعيش فوق قمة جبل أو في مغارة ؟ ما الذي يجعله يترك كل مسرات العالم ؟ ما الذي يجعله يعيش بدون أسرة وزوجة وأولاد وأحباء ؟الروح القدس الذي ملك على كيانه وعزاه ومادام قد عزاه فهو ليس بحاجة لشئ لذلك نحن مقصرين جداً في حق الروح القدس نحن ليس لنا عشرة عميقة مع الروح القدس في حين هو روح الله الذي إستودعنا إياه لنضع أنفسنا في مقارنة هل يكون المسيح معنا أم الروح القدس ؟ كلنا سنختار أن يكون المسيح معنا لكن المسيح نفسه إختار لنا غير ذلك قال سأعطيكم الأفضل قد لا نصدق أنفسنا لكننا نصدق المسيح يسوع ما هو الأفضل يارب أن نظل معك أم تتركنا ؟ يقول خير لكم أن أنطلق( يو 16 : 7 ) لماذا ؟ لأني إن ظللت معكم لن أعطيكم الروح القدس لذلك الكتاب يقول﴿ قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد ﴾ مجد بعد أي صلب لأن الروح القدس هو ثمرة من ثمار الصليب في حياتنا لذلك ليتنا نتودد للروح القدس ونطلب منه كثيراً ما أجمل آبائنا الذين علمونا قائلين صلوا قطع الروح القدس بعد كل قطع الأجبية أي بعد أن نقول قطع باكر نقول ﴿ أيها الملك السمائي المعزي روح الحق ﴾ أيضاً بعد قطع صلاة الغروب من أين أخذوا هذا الأمر ؟ من أن الروح القدس حل في الساعة الثالثة لكن هل حل في نصف الليل ؟ الكنيسة تضع قطع الروح القدس في صلاة نصف الليل إذاً يجوز إنها تقال في أي وقت لأن طلبة الروح لابد أن تكون طلبة متجددة الذي يعرف قيمة الروح القدس يظل دائماً يقول ﴿ هذا لا تنزعه منا أيها الصالح لكن جدده في أحشائنا ﴾ توقع الروح القدس إنتظر الروح أسلك بالروح وعمل الروح القدس داخلنا لا نريد أن ننساه يقدس يصلي يرشد يعزي ربنا يعطينا نعمة الروح ونكون مستحقين لها ويكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته له المجد دائماً أبدياً آمين القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك
المزيد
07 مارس 2021

أحد رفاع الصوم

تعلمنا الكنيسة المقدسة في أحد الرفاع المنهج المسيحى في الحياة، ويقوم على الصدقة (1-4) - والصلاة (5-15) - والصوم (16-18) وكأنها تهمس في أذن الموعوظ "صديقى.. ستكون معنا - بالمعمودية - وستسلك كما يليق بهذه المعمودية: الصدقة هى الزهد في المال والقنية والصلاة هى جحد الذات وكسر المشيئة والصوم هو ضبط الجسد"فالكنيسة تضع أمام الموعوظ علامات الطريق، وسر النصرة.. وتميز له ما بين ممارسة المسيحية، والممارسة التي كان يعيش فيها قبل المعمودية سواء كان وثنياً أم يهودياً.فالمسيحية تعرف الخفاء في الممارسة والعلاقة الباطنية بين الآبن (بالمعمودية) والآب السماوى الذى يرى في الخفاء... الصوم الكبير عودة إلى الله "أول وصية" "من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت" (تك 16:2-17). إنها أول وصية بل الوصية الوحيدة في الفردوس... أن يصوم الإنسان عن نوع معين من الطعام... ولا يتناول طعاماً إلا من يد الله.أراد الله أن يقول لآدم: "ليست حياتك من الطعام، بل بى. إذا أكلت بدونى فستموت" وأراد الشيطان أن يثبت العكس لآدم: "إن الحياة، بل والألوهة تكمنان في الأكل فقط، حتى ولو كان مخالفاً لوصية الله الصالحة".وانطلت الخدعة على آدم... فعاش ليأكل... وكرّس الناس كل جهدهم وعمرهم من أجل "لقمة العيش"، وبات الناس لا يفكرون إلا في المال والأكل والمتع الحسية... حاسبين أنها وحدها سبيل السعادة والحياة.. بمعزل عن الله.مع أن الواقع نفسه يعلن فشل هذه الأفكار.. فليست سعادة الإنسان بالمادة بل "بالله الحى الذى يمنحنا كل شئ بغنى للتمتع" (1تى 17:6).أما المادة في حد ذاتها - وبعيداً عن الله؛ فتصير وثناً بغيضاً، وينبوع موت لكل من يتعلق بها... "لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1تى 10:6). وتمركز الحياة - هذا - حول الطعام، تتسرب دون أن ندرى حتى إلى الروحيين والمؤمنين؛ فصار الصوم في نظرهم هو امتناع عن الأكل. إنه أيضاً تمركز سلبى.ولكن الصوم كما تُعلّم الكنيسة وتشرحه هو العودة إلى الله. العودة إلى الله كمركز للحياة فليست الأموال بل الصدقة، وليست الإرادة بل الصلاة، وليست الأطعمة والشهوات بل الصوم والتعفف. وهذا أول درس تلقنه لنا الكنيسة... (في أحد الرفاع) قبل أن نجتاز معاً رحلة الصوم المقدسة. أ- ففي الصدقة: يعلن الإنسان أن ما لديه من أموال هي نعمة استأمنه الله عليها... أعطاها له كوكيل صالح ليخدم بها الآخرين بكل فرح "المعطى المسرور يحبه الرب" (2كو 7:9)... وإن سعادته ليست في تخزين الأموال بل في إنفاقها في الخير "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع 35:20).كذلك في الصدقة يعلن الإنسان أن حياته وتأمينها في يدى الله، وليس في خزائن البنوك، إن القضية ليست في كثرة المال أو قلّته، بل في نظرة الإنسان له ومحبته واتكاله.هل على الله (حتى ولو كان غنياً) أم على الأموال (حتى ولو كان فقير)؟ فهناك غنّى لا يتعلق بالمال وآخر يعبده... وهناك فقير يشكر الله ويسعد وآخر ما زال يعبد المال..ليست حياتنا من أموالنا... بل من الله الذى يعطينا. ب- والصلاة: هي شركة حب يُسلم فيها الإنسان ذاته وإرادته وتدبير حياته ليدى ذاك الذى معه أمرنا. الصلاة هي عودة إلى الله كمركز للحياة ومحرك لها... قديماً قالوا: "الصلاة تحرك اليد التي تحرك العالم"، وربنا يسوع المسيح وعدنا أن "كل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه" (مت 22:21). إن مأساة العالم اليوم أنه قد ترك الصلاة، وسعى وراء العقل والحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية بمعزل عن الله...ولا يوجد من ينكر قيمة التفكير بالعقل، والمناداة بالحرية، وتحقيق حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وغيرها من مبادئ سامية رفيعة... ولكن دعنا نعترف - باتضاع - أن هذه المبادئ لم تحل مشكلة الإنسان في كل مكان. آه لو اقترنت هذه، بروح التقوى والصلاة... آه لو اعتنقناها في نور الإنجيل وليس بمعزل عن الله... آه لو ارتقى الضمير وتنزه عن الأغراض... لصار العقل بالحقيقة خلاقاً للخير... وصارت الحرية سعادة بالمسيح "فإن حرركم الآبن فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو 36:8).وصارت حقوق الإنسان مُصانة بالحب وبالنعمة وبالعلاقات السليمة بين الناس.. وليس بالتحايل على القانون.. وبالغش وبالمحاباة ليست الحياة بإمكانيات الناس بل الله الذى نطلبه في الصلاة. جـ- والصوم: الصوم عن الطعام هو إعلان عملى عن أنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله" (لو 4:4) لقد كانت هذه هي الخبرة التي تعلمها بنو إسرائيل في البرية وصاغها قائدهم العظيم موسى النبي في هذه العبارة بالروح القدس: "وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر، لكي يذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك: أتحفظ وصاياه أم لا؟ فأذلك وأجاعك وأطعمك المَنَّ الذى لم تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك، لكي يعلِّمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان" (تث 2:8،3).والسيد المسيح في تجسده كان يقصد أن يُطعم تابعيه بالبركة... في معجزتى إشباع الجموع، لكي يقول لهم: ليس السر في الخمسة أرغفة ولا السمكتين ولكن في اليد التي تقدم هذا القليل... سيشبع الناس ويفضل عنهم بالبركة.والسيد المسيح في تجسده كان يقصد أن يُطعم تابعيه بالبركة... في معجزتى إشباع الجموع، لكي يقول لهم: ليس السر في الخمسة أرغفة ولا السمكتين ولكن في اليد التي تقدم هذا القليل... سيشبع الناس ويفضل عنهم بالبركة.وكأننى حينما أصوم أتقدم لله بذبيحة جسدى مثلما فعل أبونا إبراهيم مع ابنه الحبيب الوحيد إسحق الذى بسببه قبل المواعيد. أتقدم رافعاً سكين الجوع على جسدى الضعيف المنهك مقدماً إياه ذبيحة حب وطاعة وإعلان إيمان.. إن الله أهم لدّي من جسدى ومن كل نفسى.حينئذ يتكلم معى ملاك الرب: "لا تمد يدك إلى الغلام (جسدى) ولا تفعل به شيئاً، لأنى الآن علمت أنك خائف الله، فلم تـُمسك ابنك وحيدك عنى" (تك 12:22).ويرفع الصائم عينيه - كما فعل أبونا إبراهيم - وينظر "وإذا كبش وراءه مُمسكاً في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه" (تك 13:22)... وكبشنا المذبوح عنا وعن جسدنا هو ربنا يسوع المسيح المذبوح على المذبح في سر الإفخارستيا... التي لابد أن ينتهى الصوم بها... ليحقق لنا هذا المعنى الجميل. لم تكن حياة أبونا إبراهيم مرهونة بحياة إسحق... بل بالله... وعندما قدم إبراهيم إسحق برهن على إيمانه هذا... ونحن حياتنا ليست مرهونة بالجسد... بل بالله... والصوم يبرهن على ذلك وكما أن الله افتدى إسحق بكبش... كذلك يفتدينا بدمه وجسده على المذبح وكما أن المذبح لم يميت اسحق بل عظمَّه وصار بالحقيقة بركة وجداً للسيد للمسيح بالجسد كذلك لا يميتنا الصوم بل يباركنا ويعظمنا ويجعلنا أهلاً لبيت الله ورعية مع القديسين
المزيد
06 أكتوبر 2022

شخصيات الكتاب المقدس يشوع

يشوع "موسى عبدي قد مات فالآن قم اعبر الأردن" ( يش 1: 2) مقدمة على النصب التذكاري للأخوين يوحنا وتشارلس ويسلي في مقابر وستمنستر في لندن كتبت هذه العبارة: "الله يدفن العاملين.. ويستمر في العمل" وهي عبارة صادقة عظيمة غزيرة المعنى، إذ تبين أن الإنسان يموت، والله يبقى، وأن العالم يسقط من القائد ليتسلمه آخر،.. لأن الله هو العلم الحقيقي الذي يظلل جميع أعلام الأرض "يهوه نسى أو الرب رايتي، كان موسى من الرجال الذين يصح تجاوزاً أن يدعوا "فلتات" في العصور كلها، إذ ليس في كل التاريخ من يمكن أن يرتقي إلى مثاله، سوى أعداد ربما لا تعد على أصابع اليد الواحدة، وصعد موسى على رأس الفسجة، ومات هناك بقبلة من الله، كما ألف التقليد اليهودي أن يقول، ودفنه الله، ولم يعلم قبره حتى اليوم، لأن مكانه الحقيقي كان في السماء، ولئلا يتحول قبره إلى مزار يتجه إليه الإسرائيليون، ويعبدونه، كما عبدوا من قبل العجل الذهبي الذي حطمه وذراه على وجه المياه، ليبقى وجه الله وحده المعبود الذي لا يعبد سواه!!.. مات موسى وحل مكانه يشوع -على الفارق بين الشخصيتين أو المهمتين، مات عملاق التاريخ، وحل محله الثاني- وإن لم يستطع أن يتطاول إلى ارتفاعه ومقامه- وكان إلى جانبه كما يبدو الظل إلى جانب الحقيقة،.. لكن كليهما في الواقع كان ظلاً باهتاً للآتي فيما بعد، الذي قال عنه موسى! "نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم له تسمعون" وقال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لأنه لو كان يشوع أراحهم لما تكلم بعد ذلك عن يوم آخر". كان موسى أو يشوع رمزاً ليسوع المسيح الآتي في ملء الزمن بعدما يقرب من خمسة عشر قرناً من الزمان!!.. وسيدفن الله العاملين وسيستمر هو في عمله الفدائي العظيم، حتى يرث الأرض وما عليها، وتصبح أعمالك كلها للرب ولمسيحه!!.. وسيبقى مؤكداً ما قالته العجوز التي سمعت صارخاً يقول يوم موت يوحنا ويسلي: ماذا نعمل لقد مات ويسلي؟.. وصرخت المرأة في وجهه قائلة! مات ويسلي ولكن الله حي لا يموت!!.. وها نحن اليوم سنتابع الرجل التالي لموسى، الذي سمع القول الإلهي: موسى عبدي قد مات فالآن قم اعبر الأردن!!.. من يكون هذا الرجل؟!! وما رسالته؟!! وما يد الله في هذه الرسالة؟!! وما هو الرمز البعيد لرسالة الأعظم الآتي فيما بعد؟!! هذا هو موضوع بحثنا ودراستنا في دراسة هذه الشخصيات!!.. يشوع المجهز من الله للعمل بعد موسى كان اسمه في الأصل "هوشع" أو "خلاص" ودعاه موسى "يشوع" أو "خلاص الله" ولد في مصر عبداً في بيت العبودية، ومن نسل يوسف، وسبط إفرايم، وهو الحادي عشر من سلسلة أحفاد يوسف، وكان أبوه "نون" وجده "أليشمع" الذي كان رئيساً لبني إفرايم عند الخروج،.. ومن المؤكد أنه كان فوق العشرين، وربما في الثلاثين من عمره، عندما ترك مصر، إذ كان كما يصفه الكتاب غلام موسى الذي يحرس الخيمة، عندما يتركها الرجل العظيم، وكان هو وزميله كالب بن يفنة اللذين نجوا من الموت، من كل الجيل الذي فوق العشرين الذي سقط في البرية لتمرده وعصيانه على الله!!.. وعلى أي حال لقد جهز الله يشوع في بطن الزمن ليكون الرجل التالي بعد موسى، وكان تجهيز الله له عميقاً وبعيداً، من مطلع الحياة، وربما لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن عناصر هذا التجهيز بدأت أولاً بالمرارة النفسية العميقة، إذ ولد الصغير وشب ليدرك أنه عبد في مصر، تحكمه كل قواعد العبودية القاسية، وكان وهو يتدرج نحو الشباب، تثور نفسه بثورة عارمة هائلة، وهو يرى السخرية والقسوة ومذلة الشعب، ولا أعلم ماذا أصابه هو شخصياً من هذه كلها، إنما أعلم أن الآلام دائماً تعد النفوس النبيلة لمستقبلها العظيم،.. عندما أبصر ابراهام لنكولن فتاة تباع في سوق النخاسة، وتعرض أمام الناس كما تعرض السائمة، يتزايد عليها المشترون، رأى الإنسانية تباع وتشترى في هذه الفتاة، فآلى على نفسه، أنه إذ واتته الفرصة لابد أن يحرر بلاده من هذه الوصمة، ويضع أكثر من ذلك مسماراً كبيراً في نعش الاستعباد، وقد تم له ما أراد، وإن كان قد دفع حياته ثمناً لهذه الحرية الغالية!!.. فإذا كان الاستعباد هو الذي حرك موسى ليكون محرراً للأمة،.. فإنه كان النخاس القاسي في صدر يشوع حتى لا يقع الشعب مرة أخرى فريسة الذل والألم والتعاسة والشقاء،.. كان رائداً من رواد الحرية، دخل الحرب بأمر الله، وكان مثل "غريبلدي" الذي تستهويه المعارك لا في إيطاليا وحدها، بل في كل مكان يرى فيه الاستعباد جاثماً على صدر الناس،.. لكن المرارة وحدها، لم تجهزه، بل لعله أدرك أنه ينتمي إلى جد عظيم تشرب الكثير من روحه وسيرته، وعندما مات هذا الجد في مصر دفن في تابوت وحنط هناك، وحمل التابوت بكل إجلال وإكرام يوم الخروج من مصر، وحمله سبط إفرايم الرحلة كلها، ولعل الشاب يشوع كان يأتي بين الحين والإخر، ليرى التابوت، والرجل المسجى فيه، والتاريخ العظيم لهذا الجد القديم، التاريخ الحافل بأروع السير وأمجد الذكريات، ولعل يشوع وقف مرات متعددة، وهو يعاود معنى الحياة وقصتها، ومغزاها، في هدوء الصحراء وعزلتها، وفي أعماق الليل، حيث تلمع فوقه النجوم وتضيء، ويتذكر يوسف في إيمانه وحياته ووداعته ورسالته، وهو يأمل أن يكون بصورة ما امتداد لهذه القصة العظيمة، وبالأسلوب الذي يريده الله أن يكون،.. في الحقيقة إنه شيء مجيد أن يعود الإنسان في رحلة الحياة إلى ذكريات أبائه وأجداده، والتاريخ البعيد القديم إن كان من حظه أن يكون له مثل هذا التاريخ، ليقول مع بولس: "الله الذي أعبده من أجدادي". ولعله من حظ كل إنسان سعيد أن يسير على الدرب الطويل لآبائه وأجداده، فمن أعطاهم الله مثل هؤلاء الآباء والأجداد، كالركابيين الذين رفعوا رؤوسهم أمام إرميا النبي، قائلين بكل نشوة وفخر: "فسمعنا لصوت يوناداب بن ركاب أبينا في كل ما أوصانا به".. كانت عظام يوسف تتحدث في صمت طوال الطريق إلى يشوع بن نون ابنه!!.. على أن الأمر مع ذلك كان أكثر عنده، إذ كانت هناك صحبة موسى العملاقة، كان يشوع محظوظاً جداً، إذ عاش في صحبة موسى، وفي خدمته، وكانت العلاقة بين الاثنين من أسمى وأعمق وأرقى وأوفى العلاقات على الإطلاق، فموسى أحبه كنفسه وكان دائماً أقرب إلى قلبه من أي شخص آخر، حتى ولو كان هذا الشخص جرشوم وأليعازر ابنيه،.. وكان الغلام يغار لموسى غيرة عظيمة، إذ كان هو الوفاء مجسماً لأبيه الروحي العظيم، وعندما أبصر اليداد وميداد يتنبآن في المحلة، طلب من موسى أن يردعهما، إذ لا يجوز لأحد أن يرتفع إلى مقام القائد العظيم، ورد عليه موسى قائلاً: أتغار أنت لي، دعهما يتنبآ، ويا ليت شعب الرب كله أنبياء،.. وما من شك بأن هذه الصحبة التي عاشت إلى آخر حياة موسى، طبعت يشوع بأقوى الانطباعات وأسماها، وأن الشاب إذ كان قد أخذ من ذكريات يوسف جده الكثير فإنه أخذ الأكثر من الصحبة الرائعة لموسى معلمه وأستاذه!!.. وكان يشوع مجهزاً بالتقوى العميقة، بالتقوى التي صاحبته إلى آخر عمره، في مطلع حياته وفي نشوة الصبا، وحلاوة الأيام، قيل عنه: "وإذا رجع موسى إلى المحلة كان يشوع بن نون لا يبرح من داخل الخيمة".. وفي خيام الحياة، وهو يواجه الشعب، قال قوله العظيم: "إن ساء في أعينكم أن تعبدوا الرب فاختاروا لأنفسكم اليوم من تعبدون.. أما أنا وبيتي فنعبد الرب".. كان قلبه عامراً بالحب الإلهي، والله في العادة عندما يختار العاملين ينظر: "ليس كما ينظر الإنسان لأن الإنسان ينظر إلى العيني وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب".. وعندما نظر إلى القلوب، لم ير هناك قلباً بعد موسى أصلح لقيادة الشعب من قلب يشوع بن نون!!.. وكان يشوع مؤمناً، وهو من ذلك النوع من المؤمنين الذين لا يبالون بالعدد الذي يمكن أن يقف إلى جوارهم، فسواء وقفوا منفردين، أو وقف إلى جانبهم الجمهور الغفير، فإنهم يحملون ذات الإيمان دون تراجع أو رهبة أو تزعزع، بل إنه من ذلك النوع من المؤمنين الذين يرون كل شيء في ضوء الإيمان، فإذا واجهوا العمالقة بعين الإيمان، فهم في نظرهم أقزام، في الوقت الذي يراهم الغير بالعين المادية، وكأنهم أكثر طولاً، وكأن نفوسهم في الوقت عينه أحقر قدراً وأضأل شأناً!!.. وقد أضاف يشوع إلى الإيمان، اختباره في الحياة والمعارك، لقد خرج من مصر مزوداً بمعجزات الإيمان العظيم، ولقد عبر في البحر الأحمر، وهو يرى المعجزة الكبيرة، وكان كل يوم يلتقط المن المرسل من السماء، وكان يرى المياه تتفجر من الصوان في الصحراء!!.. ولم يقف الأمر عند هذا، بل دفعه موسى في صدر الشباب إلى قيادة المعركة مع عماليق، وذهب الشاب، وحارب العمالقة ورأى السند الإلهي، في عصا موسى المرتفعة، فهو يغلب إذا ارتفعت العصا، وهو يهزم إذا كلت ذراع موسى عن رفعها، وهو يتعلم من هذا كله كم يفعل الإيمان في حياتنا، عندما نؤمن بإله عظيم!!.. وقد كان ليشوع الشجاعة الخارقة التي استندت إلى الإيمان العميق، فإذا كان من مشيئة الله أن يعيش طوال عمره محارباً،.. فإن حربه دائماً ترتكز على الثقة والإيمان بالله!!.. كانت نعمة هذا الإنسان مع كل هذه الوداعة الهائلة، فهو خادم لموسى مخلص غيور وديع متضع، لا يكاد يرى نفسه أهلاً أن ينحني ويحل سيور حذاء قائده العظيم، وأنت لا تسمع منه فخرآً بالانتصار على عماليق، ولا ترى منه مكاناً إلا حيث يأمره موسى، أو حيث يجلس في خيمة الاجتماع دون أن يبارحها وكأنما يستمع إلى صوت من موسى يأتي بعد خمسة عشر قرناً من الزمان: "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم!!. كان يشوع بن نون الشاب المجهز بالتواضع لخدمته العظيمة!!. يشوع البديل لموسى وهل يمكن أن يكون هناك بديل لموسى؟ وهل يمكن أن يرفع أحد قامته إلى مستوى قامة موسى؟.. إن موسى فلتة من فلتات الدهر، وقد لا يجد التاريخ في أي سبط من أسباط إسرائيل من يجوز أن يقف إلى جواره، أو يصبح له نداً، إلا واحد من سبط بنيامين سيأتي بعد أربعة عشر قرناً من الزمان، هو شاول الطرسوسي،.. مثل موسى وبولس من أندر الشخصيات التي تخرج إلى معالم الحياة، لتقف وراء ذاك الذي ولد والرئاسة على كتفيه،.. في الحقيقة إن موسى بهذا المعنى ليس له بديل، فهو وحده رجل الشريعة، وهو رجل العبور، وهو الرجل الذي قاد الشعب بحنكة وفطنة ليس لهما ضريب أو مثيل!!.. لكن موسى قد مات، فهل يمكن أن يكون هناك بديل؟!!.. هذه الظاهرة العجيبة نجدها على الدوام في شتى الصور وكافة المجالات أو الميادين، فإنك لن تجد مثيلاً لهوميرس الشاعر الإغريقي، أو شكسبير عند الإنجليز، أو جوته عند الألمان، ولن تجد ضريباً لدانتي والكوميديا الإلهية، وملتون والفردوس المفقود والمردود،.. وفي عالم النحت أو التصوير لن تجد مثيلاً لميشيل أنجلو أو رفائيل، أو هولمان هانت، وفي عالم الموسيقى قد لا تجد كثيراً على مختلف العصور مثل بيتهوفن وموزار وهاندل وغيرهم من العمالقة بين الناس.. وفي الكنيسة لم تجد العصور الأولى من حل محل بطرس ويعقوب ويوحنا، ومهما كان تقديرنا لأغناطيوس وبوليكاربوس وهرمس وأكلمندس،.. فإنهم لا يمكن أن يرتقوا إلى مركز التلاميذ العظام الذين بذروا بذرة المسيحية وراء يسوع المسيح. ومن النادر حقاً أن ترى أوغسطينس، وتوما الأكويني، ولوثر، وملانكثون، وكلفن، وچون فوكس، ويوحنا ويسلي، فهم لا يظهرون إلا لماما مع القرون أو الأجيال!!.. ومع ذلك يأتي السؤال: هل تقف القافلة أو يتوقف الركب، عندما يقال: "موسى عبدي قد مات؟".. كلا وإلى الأبد كلا،.. فموسى في أفضل حالاته، ليس إلا عصا بيد الله، وإذا سقط العلم، فسيأتي آخر بملكات أخرى، وبمواهب أخرى وبوزنات أخرى، لعمل يختلف تماماً عن عمل موسى ورسالته،.. وسيقول الله لمن يأتي: قم اعبر الأردن الآن!!... إن البديل هنا -وللأسف- لم يكن ابني موسى، أو واحداً منهما، بل كان يشوع بن نون،.. إن عمل الله لا يمكن أن يؤخذ بالوراثة، كما أن أولاد الأبطال قد لا يكونون بالضرورة مثل آبائهم، وقد تخلف النار رماد كما يقولون.. وقد يخلف صموئيل النبي العف النبيل، من لا يسير وراءه من أبنائه في ذات المنهج والسلوك والاتجاه،.. ولعل موسى كان خفيض الرأس من هذا الجانب، ولعله كان يتمنى أن واحداً من ولديه يرتفع إلى مستوى الزعامة والقيادة، دونه أن يصبح نكرة أو مجهولاً بين الناس،.. ومع أنها النعمة وحدها هي التي تفصل بين الأولاد أنفسهم، فتجعل واحداً منهما يعقوب والآخر عيسو،.. إلا أن الكثيرين مع ذلك ما يزالون يسألون: لماذا لا يكون أولاد العظماء، عظماء كآبائهم؟! وعلى من تقع التبعة من هذا القبيل، هل تقع على الأب؟ وهل كان موسى مزدحماً بالعمل إلى الدرجة التي لم يعط فيها وقتاً لولديه ليتدربا على القيادة والزعامة؟ أم أن الأم صفورة كانت هي السبب، إذ لم تملأ الفراغ الذي تركه في البيت ازدحام موسى في الخارج بحياة الشعب ومشاكله؟؟ وهل لم تدرك صفورة التي أنقذت موسى عندما لم يختن ابنه الثاني في يوم السفر، إذ كان مزدحماً بالعمل، وافتدته صفورة إذ قامت بعملية الختان لولدها،.. هل لم تستطع صفورة، وقد تعلمت من هذا درساً أن تختن قلب ولديها ليصبحا قائدين عظيمين في إسرائيل؟؟ على أي حال إن الخدمة الدينية لا تورث، وموسى يؤمر وقد أوشكت أيامه على الانتهاء أن يأخذ "يشوع بن نون رجلاً فيه روح وضع يدك عليه".. ويفعل موسى، ويعبر البديل عن ولديه إلى ابنه بالروح المعين من قبل الله!!.. إن البديل قد يختلف عقلاً وأسلوباً عن الذي يأخذ مكانه، ولكنه لابد أن يكون من روحه في الأمانة والغيرة والحب لخدمة الله والتفاني فيها،.. ولابد للبديل -قبل غيره- أن يتأكد أنه لم يأخذ الخدمة استحساناً أو بمشيئة إنسان، بل من الله رأساً، وهو سيستريح ويسعد ويقوى وينتصر، طالما تأكد أنها دعوة الله العليا التي عليه ألا يتردد في قبولها، مهما كانت جبال المشكلات والصعاب أمامه: "لأنه من أنت أيها الجبل العظيم، أمام زربابل تصير سهلاً".. لأنه سيأخذ الضمان الإلهي من الله، الذي كما سار مع موسى سيسير مع يشوع أيضاً!!.. وسيجد الله البديل، وسيمكنه من الخدمة الناجحة، وسيسانده بالصورة العظيمة التي تواجه مشاكل الخدمة المعقدة، ولن يلتفت الناس إلى موسى أو يشوع بقدر ما يلتفتون إلى صانعهما كليهما للخدمة التي سبق فأعدها لهما!!.. ولن نقف هنا قليلاً إلا لنحني الرأس إجلالاً لموسى، الذي -وقد اقترب من النهاية- كان مشغولاً بالبديل: "وقال الرب لموسى اصعد إلى جبل عباريم وانظر الأرض التي أعطيت لبني إسرائيل ومتى نظرتها تضم إلى قومك أنت أيضاً كما ضم هرون أخوك لأنكما في برية صين عندما مخاصمة الجماعة عصيتما قولي أن تقدساني بالماء أمام أعينهم ذلك ماء مريبة قادش في برية صين فكلم موسى الرب قائلاً: "ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلاً على الجماعة، يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكي لا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها".. ومن حقنا أ ن نحيي موسى هنا، الذي لم ير نفسه فرداً لا نظير له، بل تمنى آخر يملأ الفراغ الذي يوشك أن يتركه!!.. إنه أشبه بخادم عظيم يرعى كنيسة من أكبر الكنائس، وكان مشغولاً بمن يمكن أن يخلفه، وصلى إلى الله، وجاء الله بالخلف، ونظر إليه الشيخ الكبير في سرير المرض، واقترب منه الخادم الجديد فاحتضنه وقبله، ونام هادئاً، لأن الله يأخذ الخدام، ولكنه يبقى الخدمة على الدوام مستمرة!!.. يشوع والسند العظيم بكى بنو إسرائيل موسى في عربات موآب ثلاثين يوماً، فكملت أيام بكاء مناحة موسى، ولم يعش يشوع أو الشعب في مناحة على القائد الراحل.. لقد سقط موسى، وذهب العمود الكبير،.. لكن يشوع رأى الأعظم والأمجد، رأى رئيس جند الرب، وخلع يشوع نعله من قدميه لأن الأرض التي يقف عليها أمامه أرضاً مقدسة، لم ير يشوع هذا الرئيس في حياة موسى، ولكنه رآه بعد رحيله،.. لم ير إشعياء رب الجنود إلا في السنة التي توفى فيها عزيا الملك،ولعله من الهام أن نلاحظ أن يشوع في هذه الرؤيا بدأ من الرؤيا التي بدأ منها موسى، إذ أن ملاك الرب الذي ظهر لموسى في العليقة، هو هو بعينه الذي ظهر ليشوع، واستمع يشوع إلى ذات الكلمات التي استمع إليها موسى قال له الله: "اخلع حذاءك من رجليك لأن الأرض التي أنت واقف عليها أرض مقدسة!!.. ولعله من المناسب أن نلاحظ أن الله لم يأت عند موسى، ويقف أو يتوقف عمله، بل مد يده إلى يشوع أيضاً!!.. ومن اليد التي مدها، نراه هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد، قد يتغير الناس، ولكنه هو هو لا يتغير: "لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك كما كنت مع موسى أكون معك لا أهملك ولا أتركك".. وعمل الله لن يصبح بين الناس شيئاً ماضياً فقط، بل لابد أن يصبح حاضراً ومستقبلاً أيضاً، وهذا العمل يتحرك من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر، والنعمة الإلهية ستجد دائماً أمامها العمل المناسب الذي ينبغي أن يعمل، والشخص المناسب الذي يمكن أن يكون واسطة هذه النعمة بين الناس،.. إننا ننظر إلى الماضي لا لنتجمد هناك، أو نقرأ قصة لا يجوز أن تتجدد وتتكرر، إن الله إله إبراهيم، هو أيضاً إله اسحق ويعقوب، وإله موسى هو أيضاً إله يشوع وجدعون وصموئيل والأنبياء،.. وإن إله العهد القديم هو هو بعينه إله العهد الجديد، وسيعمل الله طالما كانت هناك قضية منتصبة أمام عينيه، وطالما كان هناك الإنسان الذي يخلع حذاءه توقيراً للرؤيا الإلهية، وهو يرى رئيس جند الرب وقد وقف قبالته وسيفه مسلول في يده! وحقاً إن الله -كما قال أحدهم- لم يفرغ جهده كله مع موسى، بل إن مخازنه مليئة بالنعمة والإحسان والرحمة لمن ينتظر ويستقبل!!.. والدين ليس تراث الماضي أو العمل الذي انتهى مع الأيام!!.. يشوع والمعركة الكبيرة إذا كانت سياسة الله ثابتة لا تتغير، فإن أساليبه بغير حدود أو انتهاء، وهو في كل الظروف والأحوال يطلب أن نتأكد أنه في الطليعة على الدوام،.. وكانت الخطة الأساسية في المعارك المجهولة أن يمضي التابوت واضحاً أمام جميع الشعب، وأن يرى القائد رئيس جند الرب معه، وأن يعلم الكل أن حقيقة المعركة ليست هي جهداً بشرياً خارقاً، أو معركة الأسلحة أو الأعداد المتكافئة، أو المختلفة التكافؤ، بل أن جوهر المعركة: أن الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون!!.. هذه المعركة الكبيرة لا يمكن أن تنجح، حيث هناك الفساد والخطية، والله لا يحارب في معارك الخطاة، وهو لا يمكن أن يساند يشوع وهناك عخان المختلس السارق، ولن تنجح المعركة ما لم تدفن الخطية في وادي غخور، ويصبح هذا الوادي بعد ذلك باباً للرجاء!!.. لم تستطع السبعة الأوتار الطرية التي قيد بها شمشون، أو الخصل السبع من شعر رأسه المربوطة في الوتد، أو سدى النسيج أن تهزمه أو تضعفه، ولكن الجبار سقط عندما ضاعت معاهدته مع الله بحلق شعره،.. إن المعركة الصحيحة الناجحة تتطلب أولاً وأخيراً فحص النفس في حضرة الله، والتخلص من كل شر أو خطية أو دنس أو فساد!!.. والمعركة الكبيرة مع ذلك ليست شيئاً سحرياً يأتي إلى الإنسان وهو قابع في مكانه يحلم بها بل هي جهد واضح يتحقق فيه القول: "كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى" وما لم تدس الأقدام المكان، فهو أبعد من متناول طالبيه أو منتظريه!!.. إن الله لا يعطي وعده للكسالى والنيام، لكنه دائماً يعطي أرضه للنفس الراكضة والقدم المتحركة، ولعله من الملاحظ أن الأرض الموعود بها لم يأخذها يشوع أو شعب الله بأكملها، وذلك لأنها توقفوا عن الأخذ، ولم تسع أقدامهم إلى النهاية في أرض الموعد.. هل تذكر أيها المؤمن ماذا قال أليشع ليوآش ملك إسرائيل عندما طلب منه أن يفتح الكوة لجهة الشرق ويرمي سهامه ورمى الملك ثلاث مرات ووقف وغضب أليشع وقال له لو ضربت خمس أو ست مرات لضربت آرام عدوك إلى الفناء ولكنها مأساة المؤمن عندما يقصر إيمانه، وهو يقول ما قاله آخاب: "أتعلمون أن راموت جلعاد لنا ونحن ساكتون عن أخذها".. ما أكثر ما يضيق الواقع عن العطية التي يقصد إلهنا أن يعطيها لكل واحد منا!!.. والمعركة الكبيرة لا تتطلب في واقع الأمر جهداً بشرياً، بل أن الجهد أولاً وأخيراً هو سمة الإيمان في انتظار جهد الله مع الإنسان، أو لغة أخرى في معركة الإيمان!!.. وهل في قدرة إنسان أن يوقف الشمس وحركة الليل والنهار؟؟ وأوقف يشوع الشمس والقمر في المعركة بيقين الإيمان،.. وهل في قدرة البشر أن تسقط أسوار أريحا بمجرد الطواف حولها، والهتاف في آخر طواف؟؟ ولكن: "بالإيمان سقطت أسوار أريحا بعدما طيف حولها سبعة أيام".. وما تزال هناك إلى اليوم، الأسوار العالية، والقلاع الشامخة التي بناها الشيطان في الأرض، ونحن ربما نرى الشيطان، لكننا نعجز أن نرى رئيس جند الرب الذي يأتي إلينا، وهو يريد أن يكون معنا!! ولا يطلب منا أسلحة بشرية، لأن سلاح الإيمان والصلاة واليقين بأن الذي معنا أقوى من الذي علينا، هو السلاح الوحيد الغالب المنتصر في كل معارك التاريخ!!.. هل تعلم أن الله وضع أمامي وأمامك على الدوام أرضاً يفصلها شاطيء الأردن الممتليء إلى آخر شطوطه، وأن كل جهدك أن تضع قدم الإيمان الثابتة، وسترى العجب لأن الأردن كالبحر الأحمر سينغلق أمامك، وتعبر إلى أرض موعدك وتأخذ هناك عسلك ولبنك، لأنك لست منفرداً في الطريق، بل تسير على الدوام في صحبة الله، رب الجنود!!.. يشوع والنجاح الدائم ما أجمل كلمة النجاح، يسمعها يشوع من الخطوة الأولى، وهي ليست نجاحاً متقطعاً أو محدوداً، بل هي النجاح أينما ذهب واتجه!!.. والنجاح عند يشوع مرتبط بشيء واحد: "إنما كن متشدداً وتشجع جداً لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي لا تحد عنها يميناً ولا شمالاً لكي تفلح حيثما تذهب لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك بل تلهج فيه نهاراً وليلاً لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه لأنك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح. أما أمرتك تشدد وتشجع لا ترهب ولا ترتعب لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب".. والله يأمر هنا يشوع أن يعود إلى شريعة موسى.. فهو ليس بالإنسان الذي يسير وفق هوى النفس أو حكمة الناس أو حكمته الخاصة، لقد أعطاه الله في الطريق شريعة لا يجوز أن يتنكب عنها يمنة أو يسرة، والشريعة عند يشوع كانت البداءة التي بدأ بها موسى الكتاب العظيم الذي توالت أسفاره بعد ذلك، فيما نعرف الآن بالكتاب المقدس، وهو أعظم كتاب في كل العالم، الكتاب الغني بالنور والحكمة والمعرفة والإرشاد، وقد ألقى به في تربة الأرض الإنسانية، ليخرج لها البستان العظيم الحافل بكل الأزهار والأثمار الرائعة!!.. وما من إنسان أو أمة أمسك به إلا وهداه أعظم هداية، وأروعها على هذه الأرض!!.. كان على يشوع لا أن يقرأ كتاب الشريعة فحسب، بل أن يتخذه صديقاً يومياً يسير معه كل صباح وكل مساء، كان عليه أن يخلق في نفسه وبيته وشعبه عادة التأمل اليومي في كلمة الله،.. وألم يغن صاحب المزمور الأول بهذه الحقيقة عندما قال: "لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل وكل ما يصنعه ينجح".. ومن المؤكد أن الحياة المسيحية تجف وتتنكب طريقها على الدوام. ما لم تنصت إلى الإرشاد الإلهي الذي يأتيها من كلمة الله، وحكمة الله،.. ولقد شاء الله أن يعلم يشوع درساً قاسياً في عدم الإنصات إلى الفهم البشري دون سؤال الله، في قصة الجبعونيين الذي أوهموه بأنهم آتون من بلاد بعيدة، وأن ثيابهم تمزقت، وأحذيتهم تهرأت وخبزهم أصبح فتاتاً يابسة، وهم راغبون في معاهدة صداقة وأمن، وكان حرياً بيشوع أن يعرف من الله الأمر لكنه تعجل ودخل معهم في عهد: "فأخذوا من زادهم ومن فم الرب لم يسألوا".. وسقط يشوع في الفخ، وأضحى الجبعونيين شوكة في جنوب الإسرائيليين إلى المدى البعيد، وما أكثر ما تتجدد قصة الجبعونيين مع أبناء الله في كل العصور عندما لا يأخذ الناس إرشاد الله متوهمين أن الذكاء البشري يمكن أن يعطي الجواب الصحيح!!.. وكلمة الله تعطي الفلاح عندما تسير جنباً إلى جنب مع كل أمور حياتنا!!.. ولقد وجد الكثيرون من العادة اليومية للتأمل في كلمة الله والإنصات إلى صوته فيها كل إرشاد صادق وحكيم، ويكفي أن تقرأ القصص الرائعة في حياة هؤلاء أمثال چورچ مولر، لقد قرأ الكتاب المقدس من البداية إلى النهاية أكثر من مائة مرة، وتعلم منه الفطنة والإرشاد والحكمة في تصريف الأمور، ومعرفة الرأي الإلهي!!.. ولقد تساءل في غضب "ٌإدوارد أرفنج" وهو يتحدث إلى عصره في زجر الأنبياء: "من هو الإنسان الذي يشعر بالجلال والعظمة من تلقى الكلمة المنعشة النازلة إليه من درج السماء؟!! ومن ذا الذي يشعر بوزن الحرف الواحد وقيمته عندما ينزل إلينا من فم الله؟. ومن ذا الذي يشعر بالخوف المثير والرجاء المرهب في كلمات يتعلق معها مصيره الأبدي؟ ومن ذا الذي لا يمتليء صدره بمد العرفان، كلما تذكر الفداء والخلاص بدلاً من الضياع في الهلاك الأبدي؟!!.. هذا الكتاب نتاج الفكر الإلهي، وكمال الحكمة السماوية.كثيراً ما يحظى بالاهتمام من يوم إلى يوم، وربما من أسبوع إلى أسبوع، وكثيراً ما لا يأخذ مكانه اللازم لسعادتنا وراحتنا وصحتنا الروحية، بل كثيراً ما لا نهتم به في أوقات نحن أشد ما نكون حاجة إليه، عند الآلام والضعف والمحن والأحزان!!.. ولو كان للكتب ألسنة تصرخ بها من معاملة الناس، لصرخ هذا الكتاب قائلاً: اسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض لقد جئت من حضن الله ومحبته، دون أن ألقي ترحاباً من الناس، وقبولاً كريماً،.. إني أفتح أمامكم أبواب الخلاص، وطريق الحياة الأبدية التي لم تكونوا تعرفونها، ولكني لم ألق ترحاباً بكم، بل إنكم تريدون الفصل بيني وبين سعادة الناس وبطولتهم!!.. والربط مع أمراضهم ونقصهم!!.. إنكم لم تسمحوا أن أرشدكم إلى الحكمة والفطنة، بل بالحرى طوحتم بي خلف مشاغلكم، وألقيتم بي في زوايا إهمالكم ونكرانكم.. ولو أنكم أنصتم لي لأعطيتكم السلام الذي كان لي عندما: "كنت عنده صانعاً وكنت كل يوم لذته فرحه دائماً قدامه.. لأن من يجدني يجد الحياة وينال رضا من الرب ومن يخطيء عني يضر نفسه كل مبغضي يحبون الموت" كان هذا سر النجاح عند يشوع، إذ ظل على الدوام يلهج في ناموس الرب ويعلم الشعب هذا الناموس: "وعبد إسرائيل الرب كل أيام يشوع وكل أيام الشيوخ الذين طالت أيامهم بعد يشوع والذين عرفوا كل عمل الرب الذي عمله لإسرائيل".. يشوع كرمز ليسوع المسيح ولعله آخر ما نختم به الحديث عن يشوع ذلك التشابه القائم بينه وبين المسيح، وكلاهما يحمل اسماً واحداً مع الفارق البعيد بين الرمز والمرموز، والظل والحقيقة، والأصل والتقليد!!.. وهنا يسرح خيال المفسرين المتعبدين والروحيين ويمتد ويمرح.. وعندهم أن موسى وهرون عبراً بشعب الله، ومع ذلك تركاه في القفر حتى أدخله يشوع إلى أرض الموعد، وكان موت موسى ومجيء يشوع بعده رمزاً لبقاء الناموس حتى يأتي يسوع المسيح،.. وقد أضحى يشوع قاضياً وحاكماً للأمة، ابتداء من نهر الأردن، حيث تعمد المسيح وأخذ المعمودية من هناك مركزه النبوي،.. وكما اختار يشوع من النهر اثنى عشر حجراً أقامها للشهادة، اختار المسيح تلاميذه الاثنى عشر وأقامهم للشهادة بين الناس، وكما كانت راحاب الزانية أول من آمن من الأمم، ودخلت في زمرة شعب الله، هكذا أعلن يسوع المسيح وهو يتحدث إلى اليهود عن أن العشارين والزواني سيسبقونكم إلى ملكوت الله!!.. ومهما يكن من أوجه الشبه بين يشوع ويسوع، فمما لا شك فيه أن هناك فارقاً كبيراً بين الراحة التي قدمها يشوع، والراحة التي يقدمها يسوع المسيح، لقد جاء في سفر يشوع: "واستراحت الأرض من الحرب" "فأراحهم الرب حواليهم" "والآن قد أراح الرب إلهكم إخوتكم كما قال لهم" "وكان غب أيام كثيرة بعدما أراح الرب إسرائيل من أعدائهم حواليهم" غير أن هذه الراحة هي التي أشار إليها كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لأنه لو كان يشوع أراحهم لما تكلم بعد ذلك عن يوم آخر إذا بقيت راحة لشعب الله" وليست هذه الراحة إلا الراحة التي يقدمها المسيح وفيه: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" وهي الراحة من الذنب والهم والضيق والمعاناة في هذه الأرض، والطوبى الأبدية: "هنا صبر القديسين، هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع.. وسمعت صوتاً من السماء قائلاً: لي أكتب طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم"..
المزيد
22 مارس 2019

اليوم الخامس من الأسبوع الثالث من الصوم الكبير

“وَكَانَ يُخْرِجُ شَيْطَانًا، وَكَانَ ذلِكَ أَخْرَسَ. فَلَمَّا أُخْرِجَ الشَّيْطَانُ تَكَلَّمَ الأَخْرَسُ، فَتَعَجَّبَ الْجُمُوعُ. وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا:”بِبَعْلَزَبُولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ”. وَآخَرُونَ طَلَبُوا مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ يُجَرِّبُونَهُ. فَعَلِمَ أَفْكَارَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ:”كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تَخْرَبُ، وَبَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى بَيْتٍ يَسْقُطُ. فَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا يَنْقَسِمُ عَلَى ذَاتِهِ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ؟ لأَنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنِّي بِبَعْلَزَبُولَ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ. فَإِنْ كُنْتُ أَنَا بِبَعْلَزَبُولَ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَأَبْنَاؤُكُمْ بِمَنْ يُخْرِجُونَ؟ لِذلِكَ هُمْ يَكُونُونَ قُضَاتَكُمْ! وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ بِأَصْبعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ. حِينَمَا يَحْفَظُ الْقَوِيُّ دَارَهُ مُتَسَلِّحًا،تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. وَلكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُهُ، وَيَنْزِعُ سِلاَحَهُ الْكَامِلَ الَّذِي اتَّكَلَ عَلَيْهِ، وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ. مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ مَتَى خَرَجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإِنْسَانِ، يَجْتَازُ فِي أَمَاكِنَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ يَطْلُبُ رَاحَةً، وَإِذْ لاَ يَجِدُ يَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ. فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ مَكْنُوسًا مُزَيَّنًا. ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَأْخُذُ سَبْعَةَ أَرْوَاحٍ أُخَرَ أَشَرَّ مِنْهُ، فَتَدْخُلُ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ، فَتَصِيرُ أَوَاخِرُ ذلِكَ الإِنْسَانِ أَشَرَّ مِنْ أَوَائِلِهِ!”. أحب أتأمل في هذا الإنجيل وهو إنجيل قداس يوم الجمعة من الأسبوع الثالث من الصوم. كل فقرة تطرح سؤالًا وفقرة أخرى تجيب على السؤال. والسؤال الذي تطرحه الفقرة هو كلمه الله للإنسان لكي يقيس نفسه خلال فترة الصوم. والشاطر من يستفيد ويتبع هذه الأسئلة لكي يرى نفسه يسير صح أم خطأ وسؤال اليوم “من ليس معي فهو علي ومن لا يجمع معي فهو يفرق فهل تجمع معه؟!كان السيد المسيح يسير وأحضروا له شخص أخرس وهذا في مفهومهم في العهد القديم أن به شيطان ويجب أن تعلم أن الخطية تحرم الإنسان من القدرة علي مخاطبة الله. وعندما حدثت المعجزة كان يوجد مواقف مختلفة من الناس. وأقول لك علي 5 أسباب تجعل الإنسان لا يستطيع أن يجمع .. 1- الإنسان الملتوي وصاحب الأغراض الخبيثة:- وهو لا يستطيع أن يجمع لذا نصلي: “قلبًا نقيًا أخلق فيَّ وروحًا مستقيمًا جدد في أحشائي”. 2- من يحب الشائعات والأكاذيب:- هو لا يجمع وغاوي كلام غلط ..!! 3- الإنسان صاحب النظرة السوداوية:- وهو من لا يستطيع أن ترى عيناه شيئًا جيدًا وهو لا يستطيع أن يجمع مع المسيح. 4- الشخص المعاند:- يوجد من يعاند نفسه وبيته ومجتمعه ولا يقدر أن يجمع. 5- من ليس له معية وفارغ ليست له حياة مع المسيح. ضع دائما أمامك: ” من لا يجمع مع فهو يفرق.” يجب أن تكون ايجابيًا وليس سلبيًا واسأل نفسك هل أنت تجمع ولا تفرق ؟ يوجد 5 أشياء تساعدك في التجميع 1-التوبة:- الخطية أحد أفعالها إنها تشتت خيال الإنسان ولو زاد التشتيت يصل إلى صراع نفسي. لهذا فالتوبة هي العلاج، دون أعذار وتبريرات ولو عشت في مشاعر التوبة ستجمع ذاتك. ولكن التوبة تحتاج إلى الهدوء. 2- المصالحة:- أي تصنع سلام بين الناس فهل تستطيع صنع السلام بين الناس وتقرب وجهات النظر؟ يوجد إنسان بكلمة يفرق ويخلق نزاعًا وآخر بكلمة يصنع مصالحة. 3- القراءة:- القراءة تساعد في تجميع العقل ووسيلة جيدة ويوجد في القداس جزء تعليمي وهي القراءات ولهذا لا تهمل قراءة الإنجيل والكتب الروحية فبدون القراءة عقلك يكون مشتّتًا. 4- الخدمة:- وهي في مفهومها الواسع هي جمع النفوس و الإتيان بها عند الصليب. 5- الأنشطة:- والأنشطة الجماعية تنجح الإنسان جدًا لأنها تجمع وتجعلنا في فكر المجموعة. الخلاصة: الابن الضال في يوم قسم البيت وتركه حزين “الخطية تقسم”. والأب ظل ينتظر وعندما عاد أعطى له هدايا وجمع البيت. ولكن يأتي الابن الكبير ويعلم بعودة أخيه ويرفض الدخول ويقسم البيت مرة أخرى ولكن ينصحه أبوه وتنتهي القصة ولا نعلم إذا كان قد تاب أم لا. فهل تجمع أفكارك والأسرة و العائلة وفي الخدمة وهل تستطيع أن تجمع في عملك ومجتمعك؟. يوجد قادة جمعوا شعبهم .. لهذا صنع السلام وتجميع البشر هي مسؤلية وفي أيام الصوم اسأل نفسك هل تجمع معي ؟! ولإلهنا المجد الدائم آمين. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
24 سبتمبر 2021

تأملات فى عيـد الصليـب

الصليب شعار المسيحية وقوتها.. الصليب هو شعار المسيحية وفخرها فهو رمز لمحبة الله الغافرة للبشر {لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.} (يو 16:3-17). وان كانت كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وعثرة فان الإيمان بالصليب والمصلوب عليه هو وسيلة الخلاص وهو يعلن قوة المسيح المصلوب ورحمته ومحبته وفدائه {فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ آللهِ} (1كو 1: 18). الصليب ليس حقيقة من حقائق الماضي لأن تأثيره الفعال يمتد في الحاضر والمستقبل، وطالما يوجد إنسان يعيش على الأرض. لأن الصليب مرتبط بالمصلوب عليه وهو حي في السماء يحمل سمات صليبه ويسكبها علينا كل يوم بل كل لحظة غفرانًا وتطهيرًا وقداسة وبرًا وفداء. وبالصليب رفع الله البشرية من دائرة العصيان إلى الصفح والمصالحة، ومن الرفض إلى القبول والاختيار، ومن العبودية إلى البنوة والحياة الأبدية. الصليب تاريخيا كان وسيلة يعدم عليها كبار المجرمين حتى يظهر للناس مقدار خطيتهم أو خيانتهم. راينا ذلك فى الفكر القديم لدى المصريين عندما صلب عليه فرعون الخباز الخائن، وكان كذلك لدى الفرس عندما صلب عليه هامان الخائن فى قصر الملك. وكان الرومان يصلبوا عليه المتمردين من الأمم ليردعوا البقية حتى لا يقوموا بالثورة عليهم. وفى الثقافة اليهودية كان الصلب لعنة ولقد بين الله محبته لنا بتجسد ابنه يسوع المسيح ليفتدينا من الموت واللعنه ويحمل عقاب خطايانا ويموت عوضا عنا ويهبنا حياة أبدية { المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة }(غل 3 : 13). الصليب ليس حادثة عرضية فى حياة ربنا يسوع المسيح بل غاية، جاء وتجسد من أجلها، ومنهج شمل حياته كلها جاعلًا من الصليب الكأس المفضلة وطاعته العظمى للآب، وبرهان حبه الأبدي للإنسان، نقض السيد المسيح بالصليب ناموس الخطية وبَّرر الخطاة، وظفر على قوات الظلمة، وقتل العداوة، وجمع تحت لوائه شمل البعيدين والقريبين، كرعية مع القديسين وأهل بيت الله. وصار حمل الصليب من أجل يسوع المسيح المصلوب سعادة وقوة حب ومصدر راحة وسرور وافتخار، وكلما ازدادت الآلام من أجل شهادة يسوع ازدادت رؤية الصليب نورًا وازدادت الحياة قوة وعزاء، وارتفع الصليب من التاريخ لينغرس في أعماق الضمير ويشع لنا من الصليب نور القيامة ومجد المسيح القائم من الموت منتصرا على الشيطان والخطية والموت لنهتف بفرح: (السلام لك ايها الصليب). عيد الصليب المقدس.. عيد الصليب المقدس هو عيد اكتشاف ورفع الصليب المقدس وتحتفل به سائر الكنائس كما تحتفل كنيستنا القبطية فى الأول في 17توت من كل عام الموافق 27سبتمبروذلك تذكار لاكتشاف الصليب المقدس الذى صلب عليه ربنا يسوع المسيح بواسطة الملكة هيلانه أم قسطنطين التى نذرت أن تمضى إلى القدس فأعد ابنها الملك كل شيء لإتمام هذه الزيارة المقدسة. ولما وصلت إلى أورشليم بحثت بتدقيق عن مكان الصليب فأشاروا عليها بتنظيف الجلجثة، فعثرت عليه وذلك في 326م. وبنت هناك كنيسة القيامة وما حولها وأحتفلت مع الاساقفة والكهنة والشعب برفع الصليب فى موضع الجلجثة. والاحتفال الثاني الذي تقيم فيه الكنيسة تذكار الصليب في اليوم العاشر من برمهات، ويرجع تاريخه الي ارجاع الصليب علي يد الإمبراطور هرقل فى628 م. عندما ذهب هيرقل واسترد خشبة الصليب التى اخذها الفرس من اورشليم فى 614م. وأعاد ذخيرة الصليب المقدس ودخل بها الي القسطنطينية التي استقبلت الموكب بأحتفال مهيب بالمصابيح وتراتيل النصر والإبتهاج. بعدها نقل الصليب إلى إورشليم سنة 631م. ويذكر التقليد أنّ الملك هرقل حمل الصليب على كتفه وسار به بحفاوة كبيرة بين الجموع المحتشدة إلى الجلجثة وهناك أحسّ الملك بقوة خفية تصده وتمنعه من دخول المكان فوقف الأسقف زكريا بطريرك أورشليم وقال للإمبراطور: (حذار أيها الملك أن هذه الملابس اللأمعة وما تشير اليه من مجد وعظمة تبعدك عن فقر المسيح يسوع ومذلة الصليب) وفي الحال خلع الملك ملابسه الفاخرة وارتدى ملابس بسيطة وتابع مسيره حافي القدمين حتى الجلجثة حيث رفع عود الصليب المكرم فسجد المؤمنون على الأرض، وهم يرنمون : لصليبك يارب نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد. ويذكر أوسابيوس القيصري بأن الملك الروماني قسطنطين الكبير (324ـ 337) رأى علامة الصليب في السماء على مثال نور بهيئة الصليب مع مكتوب تحتها عبارة: (بهذه العلامة تغلب). ولقد شهد علي وجود خشبة الصليب المقدس في أورشليم القديس كيرلس الأورشليمي فى عظة له في سنة 347م. كما ذكرت المورخة ايجيريا الاسبانية في أخبار رحلاتها الى فلسطين بأن تذكار اكتشاف الصليب تعلق بعيد تكريس كنيسته وبأن العيد كان لمدة 7 ايام يجري خلالها تقديم الصليب المقدس لتسجد الناس له اكراماً وتشفعا. الصليب في حياتنا... يدعونا السيد المسيح الى أنكار الذات وحمل الصليب { وقال للجميع ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني} (لو 9 : 23).أن نكران الذات يعنى تتميم مشيئة الله فى حياتنا ليكون لسان حالنا {لتكن لا إرادتي بل إرادتك} (لو24: 22). المؤمن يصلب شهواته من أجل الله كشهادة صادقة على تبعيته للمسيح يسوع ربنا ليقوم معه فى جدة الحياة ويقول مع القديس البولس الرسول { مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ} (غل20: 2). لقد مات المسيح عنا لكي نعيش من أجل وكشهود لمحبته { وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام} (2كو15: 5). ونحن في الصلاة الربانية نصلي : {لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض} (مت10: 6). فهل نحن نعيش لانفسنا أم من أجل من مات من أجلنا وقام ليقيمنا من موت الخطية ويحيينا حياة أبدية؟ وهل نصنع مشيئة الله في حياتنا؟. حمل الصليب بشكر سواء صليب الخدمة أو المرض او الحاجة أو الاضطهاد أو الصوم والنسك أو الطاعة يدخل بنا الى أفراح القيامة ومسرة الله { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله } (عب 12 : 2) عندما نحمل الصليب يحتضننا المصلوب فننفذ من خلال الصليب إلى أحشاء رأفاته، ونستشعر الآلام واقعة، ولكن ليست علينا بل يتلقاها المسيح عنا، وتحتضن أحشاؤه الحانية نفوسنا الخائرة لتحميها وتطمئنها، فتبدو الصورة في الظاهر أننا نحمل الصليب ولكن الحقيقة في الواقع أن الصليب يحملنا بل المصلوب يحمينا ويحتوينا. ونرى كفة الميزان الخفية التي توازن ثقل الصليب بثقل مجد أبدي، كما رآها القدس بولس الرسول قائلاً: {لان خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى. لأن التي ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية} (2كو17: 4،18). تحت ظلال الصليب ايها الرب الاله الذى أحبنا وحبه خلاصنا من الموت بقوة التجسد والفداء على الصليب ، نشكرك على محبتك وخلاصك ونؤمن بابوتك وحنانك وفدائك المعلن لنا من خلال سر التجسد العجيب. ونعترف بقوة صليبك المعلنه لخلاصنا فيه وبه .ان كانت كلمة الصليب عثرة للبعض وجهالة للبعض الأخر، يرفضها الجهلاء غير عالمين عظمة المحبة المعلنه فى الصليب اذ يموت البار من أجل خلاص الأثمة معلنا حبه للبشرية يريد إن يحتضنها ويقدمنا قربانا لله ابيه . نعم بالصليب نؤمن وبالمصلوب ننادى وبه نهزم قوى الشر والشيطان والعالم. وبايماننا بالفداء سنصل للقيام من الخطية والضعف والحزن والفشل لنصل الى قوة القيامة . انت يا سيدى تعلن على الصليب تواضعك ومحبتك وفدائك ، تعلمنا كيف يبذل الحب نفسه من أجل أحبائه، وكيف ننتصر على الذات والشهوات والشيطان فاعطانا يا سيد القوة لنقول للمسئيين الينا { يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون } علمنا يارب ان نجاهد ضد الخطية وان نحمل الصليب بشجاعة وفرح لنصل الى ملكوتك السماوى وتستعلن لنا قوة الصليب والفداء. القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
14 ديسمبر 2021

القيم الروحية فى حياة وتعاليم السيد المسيح - 32 حياة القداسة

القداسة وأهميتها فى حياتنا الروحية .. القداسة صفة لله ... الله الهنا قدوس { يا رب من مثلك معتزا في القداسة مخوفا بالتسابيح صانعا عجائب} (خر 15: 11).وفى سفر الرؤيا نرى الغالبين فى السماء يسبحون الله قائلين {من لا يخافك يارب ويمجد إسمك لأنك أنت وحدك قدوس}(رؤ4:15). وهو يدعونا ان نتعلم منه ونقتدى به فنكون قديسين{ فتكونون قديسين لاني انا قدوس} (لا 11 : 45).وقداسة الله تعنى طهارته الكلية وبره وصلاحه وسموه وتنزيهه عن الخطية والشر ، كما تعنى عدم قبوله للخطية وحياة الأثم أوالنجاسة ولان الله عالم بضعف البشر لهذا يدعو الله الانسان الى التوبة والرجوع الى حياة القداسة والنقاوة والطهارة متى اخطأ. وان كان الله محب للبشر فهو قدوس والخطية تفصلنا عنه . لقد خلق الله الإنسان على صورته وشبهه (تك 1: 26) في البر والقداسة على أن آدم فقد قداسته { من اجل ذلك كانما بانسان واحد دخلت الخطية الى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطا الجميع} (رو 5: 12) فجاء الينا الله الكلمة متجسداً ليردنا الى الفرودس ويهبنا القداسة الى بدونها لن يرى أحد الرب. ان قداسة المؤمن هى مسيرة حياة ننالها خلال الإيمان ووسائط الخلاص لنتبرر بالفداء ونجاهد لنحيا فى القداسة المدعوين اليها من الله { كاولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم. بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا انتم ايضا قديسين في كل سيرة. لانه مكتوب كونوا قديسين لاني انا قدوس. وان كنتم تدعون ابا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فسيروا زمان غربتكم بخوف. عالمين انكم افتديتم لا باشياء تفنى بفضة او ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الاباء. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح} 1بط 14:1-19 .ان كمال التوبة للمؤمن هى الوصول الى القداسة ونقاوة القلب ليس فقط بالاقلاع عن الخطية وعدم الرجوع اليها بل بكراهيته لها وعدم تجاوبه مع أغرائتها سواء بالفكر او بالقول أو بالفعل اقتداء بالله القدوس ، فالإنسان البار يحيا حياة باره يحل فيها المسيح القدوس بالإيمان في قلبه. القداسة تخصيص وتكريس لله .. الله القدوس تسبحه الملائكة قائلين { قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الارض} (اش 6 : 3) هذه التسبحة الشاروبيمية نشترك فيها مع الملائكة فى التسبيح والاعتراف بقداسة الله ونعلن انه وحده القدوس وواهب القداسة ومنذ ان تكلم الله الاباء بالانبياء قديما اعلن لنا انه يجب ان نقدس ونخصص ونكرس اناس او أماكن او اشياء له ، فدعا لتقديس الابكار وتخصيصها لله { قدس لي كل بكر كل فاتح رحم من بني اسرائيل من الناس ومن البهائم انه لي }(خر 13 : 2) ودعا لتقديس أماكن للعبادة { قال لا تقترب الى ههنا اخلع حذائك من رجليك لان الموضع الذي انت واقف عليه ارض مقدسة} (خر 3 : 5). { فيصنعون لي مقدسا لاسكن في وسطهم }(خر 25 : 8) كما خصص اياما واعيادا واشياء لعبادته { سبوتي تحفظون ومقدسي تهابون انا الرب} (لا 19 : 30). ودعا اناس ليكونوا مخصصين لخدمته { وتاخذ من الدم الذي على المذبح ومن دهن المسحة وتنضح على هرون وثيابه وعلى بنيه وثياب بنيه معه فيتقدس هو وثيابه وبنوه وثياب بنيه معه} (خر 29 : 21). بل ودعا الى قداسة شعبه كشعب مخصص لله { وانتم تكونون لي مملكة كهنة وامة مقدسة } (خر 19 : 6). ولقد دخل معنا الله فى عهد جديد يقدسنا فيه لا بدم ذبائح حيوانيه بل بدمه الكريم لهذا كان التجسد الإلهى وكرس السيد المسيح ذاته لخلاص جنس البشر{ ولاجلهم اقدس انا ذاتي ليكونوا هم ايضا مقدسين في الحق (يو 17 : 19). لنكرس ونخصص أنفسنا له ابناء وبنات بالايمان ومن قداسته نأخذ ونقتدى وبه ندخل للاقداس السمائية { فاذ لنا ايها الاخوة ثقة بالدخول الى الاقداس بدم يسوع . طريقا كرسه لنا حديثا حيا بالحجاب اي جسده. وكاهن عظيم على بيت الله. لنتقدم بقلب صادق في يقين الايمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة اجسادنا بماء نقي. لنتمسك باقرار الرجاء راسخا لان الذي وعد هو امين. ولنلاحظ بعضنا بعضا للتحريض على المحبة والاعمال الحسنة} عب 19:10-24.والأشياء المقدّسة هي تلك التي لا يجوز لمسها أو الاقتراب منها إلا بمراعاة بعض شروط خاصة بالطهارة. ولمَا كانت مشحونة بديناميكية وبسرية وبجلال، نستطيع أن نستشف منها ما هو فائق الطبيعة، فهي تثير شعوراً مزدوجاً من الرهبة والجاذبية، كما انها تصبح مكرسه للاعمال التى كرست لها فلا يجوز استخدامها فى أمور العالم الدنيوية هكذا الانسان الذى يولد من الماء والروح ويكرس بالميرون المقدس يصبح مكرسا لله وهيكلا لروحه القدوس وعليه ان ينمو فى قداسة الفكر والعواطف والسلوك والاراده . القداسة هى دعوة الله وارادته للمؤمنين .. ان ارادة الله هى قداستنا { لان هذه هي ارادة الله قداستكم } (1تس 4 : 3) وهو يدعونا لكى نكون قديسين لانه بدون القداسة لن ندخل الملكوت السماوى او نعاين الرب { اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى احد الرب} (عب 12 : 14).ان القداسة فى جوهرها تعنى التوبة والنقاوة والطهارة { طوبى للانقياء القلب لانهم يعاينون الله} (مت 5 : 8). انها الخلو من النجاسة التى تحرم المؤمن من السماء{ فانكم تعلمون هذا ان كل زان او نجس او طماع الذي هو عابد للاوثان ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله }(اف 5 : 5). لهذا دعانا السيد المسيح للانفصال والبعد عن ما يعيقنا عن القداسة { فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها والقها عنك لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم} مت 29:5-30. ليس المقصود هنا القطع المادى انما الذي يريده الرب من الانسان هو ان يستأصل الإثم او التحريض عليه من اى عضو من اعضائنا استئصال نفسي وعقلي وروحى حتى يكف هذا العضو او ذاك عن اشتهائه لان أثم جزء من الانسان ينجس الانسان كله ويبتعد به عن القداسة لان { كل من يعمل الخطية هو عبد للخطيئة} يو34:8. ان ابتعادنا عن الخطية ومقاومتنا لاغرائتها يحتاج الى الحرص والتصميم والارادة على السير فى طريق القداسة والانتصار على العقبات التى يضعها أبليس واعوانه او شهوات الانسان واهوائه لهذا دعانا السيد المسيح الى الدخول من الباب الضيق لنصل الى الحياة الابدية { ادخلوا من الباب الضيق لانه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما اضيق الباب واكرب الطريق الذي يؤدي الى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه} مت 13:7-14 . القداسة ونقاوة القلب والبعد عن شكلية العبادة .. ان القداسة الحقة تنبع من صميم القلب فى تقوى وطاعة ورغبة صادقة لمحبة الله وليس مجرد أفعال أو اقوال او عبادة شكلية من اجل هذا طلب منا الله ان نحبة من كل القلب { فاجاب وقال تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك} (لو 10 : 27). { الانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والانسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فانه من فضلة القلب يتكلم فمه} لو 45:6. وعندما جادل بعض الكتبة والفريسيين السيد المسيح على الاغتسال قبل الأكل كطهارة شكلية أكد لهم أهمية تنقية الانسان الداخلى { الا تفهمون بعد ان كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف و يندفع الى المخرج. واما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر وذاك ينجس الانسان.لان من القلب تخرج افكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف.هذه هي التي تنجس الانسان واما الاكل بايد غير مغسولة فلا ينجس الانسان} مت 17:15-20. كما وبخ الكتبة والفريسيين على ريائهم { ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تنقون خارج الكاس والصحفة وهما من داخل مملوان اختطافا ودعارة. ايها الفريسي الاعمى نق اولا داخل الكاس والصحفة لكي يكون خارجهما ايضا نقيا. ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لانكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام اموات وكل نجاسة. هكذا انتم ايضا من خارج تظهرون للناس ابرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء واثما} مت 25:23-28. ان نقاوة القلب ومحبة الله لابد ان تترجم فى حياة المؤمن الى سلوك عملى لتنفيذ ارادة الله فى حياتنا { من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنبا او من الحسك تينا. هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة واما الشجرة الردية فتصنع اثمارا ردية. لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا ردية ولا شجرة ردية ان تصنع اثمارا جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار. فاذا من ثمارهم تعرفونهم. ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السماوات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب اليس باسمك تنبانا وباسمك اخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ اصرح لهم اني لم اعرفكم قط اذهبوا عني يا فاعلي الاثم} مت 16:7-23. فالقداسة هى فكر مقدس وعواطف وارادة قد تقدست بالروح القدوس تجعل المؤمن يسلك فى النور ويشهد له { انتم ملح الارض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشيء الا لان يطرح خارجا ويداس من الناس. انتم نور العالم لا يمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات} مت 13:5-16. القداسة فى الكتاب المقدس قداسة الله فى العهد القديم... الله قدوس ويعلن لنا عن قداسته في مختلف اعلاناته وظهوراته حتى في التجارب التي يسمح بها، وفي التأديبات التي ينزلها بشعبه { فقال الرب لموسى وهرون من اجل انكما لم تؤمنا بي حتى تقدساني امام اعين بني اسرائيل لذلك لا تدخلان هذه الجماعة الى الارض التي اعطيتهم اياها}. (عدد 20: 12). كما أن قداسته تظهر أيضاً في الحماية العجيبة لشعبه وإنقاذه في الظروف الميئوس منها (حز 25:28- 26).لقد أعلنت للبشر قداسة الله أولاً خلال التجليات العظيمة على جبل سيناء { فانحدر موسى من الجبل الى الشعب وقدس الشعب وغسلوا ثيابهم. وقال للشعب كونوا مستعدين لليوم الثالث لا تقربوا امراة. وحدث في اليوم الثالث لما كان الصباح انه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل وصوت بوق شديد جدا فارتعد كل الشعب الذي في المحلة. واخرج موسى الشعب من المحلة لملاقاة الله فوقفوا في اسفل الجبل. وكان جبل سيناء كله يدخن من اجل ان الرب نزل عليه بالنار وصعد دخانه كدخان الاتون وارتجف كل الجبل جدا. فكان صوت البوق يزداد اشتدادا جدا وموسى يتكلم والله يجيبه بصوت} (خر19: 14- 19)، وقد ظهرت قداسته كقوة مريعة وخفيّة في آنٍ واحد، فهي تستطيع أن تهلك كل من يقترب منها بغير انسحاق واستحقاق وتبارك الذين يطيعون وصايا الله ، وفى الهيكل، تجلى الله لإشعيا النبى كملك ذي جلال لانهائي، وبصفته الخالق الذي يملأ الأرض كلها بمجده، فهو موضع عبادة لا يستطيع أداءها له إلا الملائكة. غير أنهم، هم أيضاً، لا يحوزون على القداسة الكافية التي تمكّنهم من مشاهدة وجهه. (إش6: 1- 5). ومع ذلك هذا الإله البعيد المنال يتجاوز المسافة التي تفصله عن مخلوقاته وينسب نفسه لشعبه فهو " قدّوس إسرائيل " ويغدو لهذا الشعب الذي اتحد معه بالعهد الهاً وفرحاً وقوة وسنداً وخلاصاً، وفداء (إش 10: 20، 17: 7، 41: 14- 20). إذاً فليست القداسة الإلهية عبارة عن انفصال وسموّ فحسب، بل هي تتضمن كلّ ما يملكه الله من غنى وحياة، قدرة وجودة. وهي ليست صفة إلهيّة بين صفات أخرى، بل هي الصفة الأساسية التي تميز الله نفسه، ولذا فاسمه قدوس (مز 33: 21، عا 2: 7، خر3: 14). الاعتراف بقداسة الله ... في غيرته على حقّه المطلق في العبادة وفي الطاعة، يريد الله أن يعترف الناس بقداسته، وأن يعاملوه باعتباره الإله الواحد الحقيقي، فيعلن قداسته الذاتية عن طريق البشر. فهو يحدد بدقة المراسيم الخاصة بالذبائح (لا 1: 7)، وشروط الطهارة الواجبة للعبادة (لا 12: 2- 8)، كما أنه يحتّم ألا يمتهن اسمه القدوس{ لا تنطق باسم الرب الهك باطلا لان الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلا (خر 20 : 7) ، فذلك لأن الاحتفال اللائق بشعائر الطقس يبرز مجده (لا9: 6: 23 ،1مل 8: 10- 12)ويعلن جلاله. ولكن لا قيمة لهذه العبادة، ما لم تعبر عن الطاعة نحو الله (لا 22: 31- 33)، ونابعة عن الإيمان العميق (تث 20: 12)، والتسبيح والعلاقة الشخصية بالله القدوس (مز 99: 3- 9). وإذ يفرض الله قواعد طقسيّة يظهر فيها قداسته، فقد اختصّ لنفسه ببعض الأماكن (أرض مقدّسة ،معابد، هيكل)، والأشخاص (كهنة، لاويين، أبكار، نذيرين، أنبياء )، والأشياء (تقدمات، ثياب وأشياء خاصة بالعبادة)، والأزمنة (سبوت، سنون يوبيلية) تكرّس له بواسطة مراسيم دقيقة (تقدمات، ذبائح، تدشينات، مسحة، ورش بالدم)، وتكون بالتالي محرّمة على الاستعمال العادي. فتابوت العهد مثلاً يجب ألا يشخص إليه اللاويون (عد 4: 19 و20)، ويجب ألا ينجّس السبت (حز 20: 12- 24)، ومسلك الكهنة خاضع لشرائع خاصة، أكثر تشدّداً من الشرائع العامة (لا 21). كلّ هذه الأشياء مقدّسة ولكن تندرج قداستها، بمقدار علاقتها بالله. وتختلف طبيعة قداسة هؤلاء الأشخاص وهذه الأشياء المكرّسة عن قداسة الله. بعكس الحال في النجاسة التي قد تنتقل عن طريق العدوى (لا 11: 31، 15: 4-27). لا تكتسب القداسة تلقائياً بمجرد الاتصال بالقداسة الإلهية بل هي تحدث باختيار حر من قبل الله وقبول الانسان الحر والمسئول، بحسب شريعته، وبموجب المراسيم التي يحدّدها. وتفسر المراسيم الطقسية بطريقتها الخاصة عن المسافة اللانهائية الفاصلة بين قداسة هذه المخلوقات وبين القداسة الإلهّية (أي 15: 15). فالكاهن الأعظم مثلاً لا يحقّ له أن يدخل قدس الأقداس إلا مرة في السنة، وبعد القيام بعدّة أعمال تطهيرية دقيقة (لا 16: 1- 16).يجب إذاً أن يميّز بين القداسة الحق، وهي خاصة بالله، وبين الطابع القدسي الذي يناله من يكرس له من اشخاص أو اشياء . القداسة فى العهد الجديد ... يعلن لنا الانجيل عن قداسة الله الواحد المثلث الاقانيم، الاب القدوس{ ولست انا بعد في العالم واما هؤلاء فهم في العالم وانا اتي اليك ايها الاب القدوس احفظهم في اسمك الذين اعطيتني ليكونوا واحدا كما نحن} (يو 17 : 11) والابن الكلمة المتجسد { هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود الذي يفتح ولا احد يغلق ويغلق ولا احد يفتح} (رؤ 3 : 7). { بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا انتم ايضا قديسين في كل سيرة} (1بط 1 : 15) { فاجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} (لو 1 : 35). والروح القدس { لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني} (مز 51 : 11). { ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء} (اف 4 : 30). ان القداسة صفة لله لهذا نصلى قائلين أيها الثالوث القدوس أرحمنا . فان الله كائن وقدوس منذ الازل وهو كلى الحكمة وهو حي بروحه { فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس} (مت 28 : 19). { فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الاب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد} (1يو 5 : 7). ان المعجزات التي قام بها السيد المسيح والتعاليم التي ببشر بها هي تشير إلى قداسته وليس فقط قدرة داعية للإعجاب فأمامه يشعر الإنسان أنه خاطئ . وهو القدوس الذى كرس حياة وخدمته فى تجسده ليقدسنا ويجعلنا ابناء للآب السماوى واذا وجد فى الهئية كانسان وضع ذاته واطاع حتى الموت مع أنه هو ملك الحياة، هو القداسة بالذات (أع 3: 14- 15). وإذ قام من بين الأموات بحسب روح القداسة، فانه ليس من هذا العالم (يو17: 11).فهو الجالس عن يمين الله (مر16: 19) وهو "القدوس ". كونه العقل الإلهى أو الله الظاهر فى الجسد {عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد} (1تي 3 : 16). إنه واحد فى الجوهر الالهى مع الآب القدوس (يو17: 11) بنفس القدرة الروحية وبنفس الإعلانات الممجدة، وبنفس العمق السري فقداسته تدفعه إلى أن يحب خاصته لدرجة أنه يجعلنا نكون معه فى مجده ويبذل حياته من أجلنا هكذا يعلن لنا قداسته مكرسا ذاته لتقديسنا .لقد تمثّلت الكنيسة، منذ عهدها الرسولي، تعاليم السيد المسيح . فالله هو القدير المتسامي وديَان اليوم الأخير (رؤ 4: 8) اسمه قدوس (لو1: 49) وكذلك عهده مقدس (لو 1: 72) وقديسون أيضاً هم الملائكة (مر1: 38)، والأنبياء والكتبة الملهمون (لو 1: 70، مر 6: 20، رو1: 2). وأيضاً مقدس هو بيته وأورشليم السماوية(1 كو 3: 17، رؤ 21: 2). و.كما أن الرب قدوس، فأولئك الذين اختارهم { يجب أن يكونوا قديسين} (1 بطر 1: 15- 16). يجب أن تتجلى قداسته فى حياتنا ونحن نصلى كل وقت ونقول "ليتقدس أسمك ". قداسة شعب الله ... السيد المسيح ودورة فى تقديس شعبه ...على خلاف ذبائح وعبادة العهد القديم التي لم تكن لتطهَر الشعب إلا تطهيراً خارجياً (عبر 9: 11- 14، 10: 10)، فإن ذبيحة السيد المسيح على الصليب فى فاعليتها تقدس المؤمنين الى التمام وتبررهم بالإيمان ليصيروا ابناء الله المقدسين ويعملوا أعمال تليق بابناء الله { وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم ايضا} (1يو 2 : 2) { قدسهم في حقك كلامك هو حق} (يو 17 : 17) ان الرب يسوع المسيح يقدسنا لأن القداسة التي يمنحها للمؤمنين ليست "خارجية " بالنسبة لنا بل تدخل الى اعماق كياننا . ان المسيح القدوس هو فينا (يو14 : 23 ) ونحن في المسيح. فيشترك المسيحيون في حياة المسيح القائم من بين الأموات بالإيمان والمعمودية التي تمنحنا مغفرة للخطايا والمسحة المقدسة التى تقدس المؤمن {واما انتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء} (1يو 2 : 20) ثم تجددهم بالتوبة والاعتراف { ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم} (1يو 1 : 9) . ان الروح القدس يقوم بتقديس المؤمن وبحلول الروح القدس يصبح المؤمن هيكل مقدسا للروح القدس{ اما تعلمون انكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم} (1كو 3 : 16) وكما أن جميع الذين ينقادون إلى روح الله يكونون حقاً أبناء الله { لان كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله . اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب. الروح نفسه ايضا يشهد لارواحنا اننا اولاد الله. فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله ووارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} (رو8: 14- 17) . ان القداس الإلهى نسمية قداس القديسين وفى التناول نصلى ونقول القدسات للقديسين هذا يدعونا للسلوك بكل مخافة لله وقداسة لكى نستحق التناول من الاسرار المقدسة . القداسة ضرورة عطية السيد المسيح للمؤمنين .. ان كان لابد أن نكون قديسين حتى نتمكن من الوجود مع فى ملكوت السموات ، واذ كان ذلك صعب على المؤمن فان السيد المسيح أخذ طبيعتنا وجعلها واحد مع لاهوته بغير أمتزاج أو أختلاط أو تغير والانسان المسيحى الذى يحب المسيح ياخذ الروح القدس مما للمسيح ويعطيه قدسة وحكمة ومحبة وسلام وتعزيه وصبر وكل ثمار الروح القدس التى تعين المؤمن على خلاص نفسه. ان ذلك يحمل محبة الله العميقة للنفس البشرية التى تعرت من الخطية فجاء الله ليدخل معها فى عهد مقدس ويسترها بدمه ويلبسها قداسته {لان كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح }(غل 3 : 27) لقد صرنا قديسين عندما لابسنا المسيح فى المعمودية ، وعلى هذا الاساس يقول الله كونوا قديسين ليس كأننا سوف نصنع القداسة فى نفوسنا نتيجة أعمال معينة ولكن نحن فعلاً صرنا قديسين بسبب أتحاد أبن الله القدوس بطبيعتنا ولم يعد أمامنا ألا أن نسلك فى هذه القداسة ونختبرها فى داخلنا كل يوم ونتمتع بها فنمجد الله القدوس فى قلوبنا وافكارنا وسلوكنا. ولا نشترك فى نجاسات العالم ونمجد الله القدوس باعمالنا الذى جعلنا قديسين فى أبنه يسوع المسيح . فهو أختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون فيه قديسين وبلا لوم فى المحبة {كما أختارنا فيه فيه قبل تأسيس العالم ، لنكون قديسين وبلا لوم فى المحبة} (أف 1: 4).لقد لبسنا الانسان الجديد ولابد ان نتجدد يوماً فيوم فى العشرة مع الله وننمو الى قياس ملء قامة المسيح{ ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه} (كو 3 : 10) لقد دُعى المؤمنين قديسين وشعباً مقدساً .. { يقيم الرب لنفسه شعباً مقدساً } تث 9:28. ويدعوهم العهد الجديد {امة مقدسة} 1بط9:2. وقد أطلق في البدء على المؤمنين الأول في أورشليم وخاصة على المجموعة الصغيرة التي حل عليها الروح القدس يوم العنصرة لقب قديسين (أع 9: 13، 1 كور 16: 1، أفس 3: 5)، ثم أخذ استعماله يمتد ليشمل الأخوة الذين في الارضى المقدسة (أع 9: 31-41)، ثمَ جميع المؤمنين فى كل أمة ومكان (رو 16: 2، 2 كو 1: 1، 13: 12). ان ذلك يعنى قطع الصلة بالخطيئة والتصرّفات الوثنية (1 تس 4: 3). فيجب أن يسلكوا بالقداسة الآتية من الله. ويعتبر مطلب الحياة المقدّسة هذا أساس التراث النسكي المسيحي كله وهذا يستند إلى أن المسيحي قد كرس بالروح القدس لله ودُعى عليه اسم المسيح القدوس، فيجب عليه أن يشاركه في آلامه ويتمثّل به في موته فيبلغ منه القيامة من بين الأموات (في 3: 10- 14). الحياة المقدسة فى الرب .. ان القداسة ليس لقب بل هى حياة مقدسة { كاولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم. بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا انتم ايضا قديسين في كل سيرة. لانه مكتوب كونوا قديسين لاني انا قدوس. وان كنتم تدعون ابا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فسيروا زمان غربتكم بخوف. عالمين انكم افتديتم لا باشياء تفنى بفضة او ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الاباء. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح} 1بط 14:1-19. يجب ان نكمل القداسة فى خوف الله (2كو1:7). ان قداسة الانسان هي دخوله الى عالم الله ، نتيجة لدخول الله الى عالم الانسان . انها الاتحاد بالله قبل يكون مصدر افعال ادبية . انها حياتنا المتحدة بحياة الله على صعيد معرفتنا لله ولنفسنا وللآخرين وعلى صعيد حبنا واعمالنا تجاه الله والناس. انها تتضمن اذاَ بصورة جوهرية معرفة الله والصلاة والشوق اليه بصفته القدوس المتعالي القريب والألفة البنوية مع الاب . انها علاقة شخصية مباشرة بالله وليس فقط مصدر افعال ادبية خارجية. ليست قداسة الانسان مكتسبة بجهد بشرى رغم أهمية الجهاد القانونى فى الحياة الروحية بل انها تعطي كهبة من الله ويقويها الجهاد القانونى للانسان التائق الى الكمال الروحى . وهو ثمرة سكنى الروح القدس في القلوب (غل 4:6 ، 1كو3:16 ) بحيث ان قداسة الانسان لاتتعلق بهذا الجهد (او بنتائج هذا الجهد ) بصورة مباشرة او مناسبة طرداً .وان كان السعي الى الكمال المسيحي ضروريا . ومن ناحية اخرى وبما ان قداسة الله هي سمو ومحبة على حد سواء فان ممارسة المحبة تلعب دوراً مركزياً في قداسة الانسان العملية . اي مكافحة الانانية والتمركز على الذات ، لاجل محبة صافية اكثر فأكثر . القداسة تتطلب منا الانقياد بروح الله القدوس والثبات فى كلمة الله والعمل بها { قدسهم في حقك كلامك هو حق} (يو 17 : 17) كلمة الله حية وفاعلة وقادرة ان تقودنا للخلاص {وانك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة ان تحكمك للخلاص بالايمان الذي في المسيح يسوع} (2تي 3 : 15). ان المسيحية ليس قيم روحية بل هى ثبات فى نبع الفضيلة والبر والقداسة { انا الكرمة الحقيقية وابي الكرام. كل غصن في لا ياتي بثمر ينزعه و كل ما ياتي بثمر ينقيه لياتي بثمراكثر. انتم الان انقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به. اثبتوا في وانا فيكم كما ان الغصن لا يقدر ان ياتي بثمر من ذاته ان لم يثبت في الكرمة كذلك انتم ايضا ان لم تثبتوا في. انا الكرمة وانتم الاغصان الذي يثبت في وانا فيه هذا ياتي بثمر كثير لانكم بدوني لا تقدرون ان تفعلوا شيئا.ان كان احد لا يثبت في يطرح خارجا كالغصن فيجف ويجمعونه و يطرحونه في النار فيحترق} يو 1:15-6. يجب علينا ان نعيش حياة مقدسة بثباتنا فى المسيح يسوع ربنا حتى نحيا معه فى الحياة الابدية التى لا يكون فيها سوى الله القدوس مع القديسون من الملائكة والبشر. فان القداسة، للمؤمن تبقى في الواقع في دور كفاح ضد الخطيئة. فلم يأت بعد الزمن حيث القديسون سيدينون العالم (1 كو6: 2 -3). وإنما يجب علينا أن ننموا في القداسة استعداداً لمجي الرب (1 تس 3: 13، أع 22: 11). ففي ذلك اليوم، سوف تظهر أورشليم الجديدة، { المدينة المقدسة }(رؤ 21: 2) ويتمجَّد الرب يسوع في قديسيه (2 تس 1: 10، 2: 14). القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل