المقالات

11 مارس 2020

الصوم يسبق كل نعمة وخدمة

كل بركة يقدمها لنا الله ، نستقبلها بالصوم ، لكي نكون في حالة روحية تليق بتلك البركة الأعياد تحمل لنا بركات معينة لذلك كل عيد يسبقه صوم و التناول يحمل لنا بركة خاصة لذلك نستعد لها بالصوم والرسامات الكهنوتية تحمل بركة لذلك نستقبلها بالصوم فالأسقف الذي يقوم بالسيامة يكون صائماً ، والمرشح لدرجة الكهنوت يكون أيضاً صائماً ، كذلك كل من يشترك في هذه الصلوات واختيار الخدام في عهد الآباء الرسل كان مصحوباً بالصوم " ففيما هم يخدمون الرب ويصومون ، قال الروح القدس إفرزوا لي برنابا وشاول فصاموا حينئذ وصلوا ، ووضعوا عليهما اليادي "( اع 13: 2، 3) . والصوم أيضاً يسبق الخدمة والسيد المسيح قبل ان يبدأ خدمنه الجهارية ، صار أربعين يوماً ، في فترة خلوة قضاها مع الآب علي الجبل وفي سيامة كل كاهن جديد ، نعطية بالمثل فترة يوماً يقضيها في صوم وفي خلوة في أحد الأديرة مثلاً ، قلب ان يبدأ خدمته وآباؤنا الرسل بدأوا خدمتهم بدأت بحلول القدس وكان صومهم مصاحباً لخدمتهم ، لتكون خدمة روحية مقبولة والخادم يصوم ، ليكون في حالة روحية ، ولكي ينال معونة من الله ، ولكي يحنن قلب الله بالصوم ليشترك معه في خدمته ولعلنا نري في حياة يوحنا المعمدان ، انه عاش حياته بالصوم و الخلوة في البرية ، قبل أن يبدأ خدمته داعياً الناس إلي التوبة وليست الخدمة فقط يسبقها الصوم ، بل أيضاً أسرار الكنيسة يسبقها الصوم:- سر المعمودية ، يستقبله المعمد وهو صائم ، ويكون إشبينه أيضاً صائماً ، والكاهن الذي يجربة يكون صائماً كذلك . الكل في صوم لاستقبال هذا الميلاد الروحي الجديد ونفس الكلام نقوله عن سر الميرون ، سر قبول الروح القدس الذي يلي المعمودية سر الأفخارستيا ، التناول ، يمارسه الكل وهو صائمون سر مسحة المرضي ( صلاة القنديل ) يكون فيه الكاهن صائماً أيضاً ولكن يستثني المرضي العاجزون عن الصوم ، الذين يعفون من الصوم حتى في سر التناول وسر الكهنوت كما قلنا ، يمارس بالصوم لم يبق سوي سر الأعتراف ، وسر الزواج وما اجمل ان يأتي المعترف ليعترف بخطاياه وهو صائم ومنسحق ولكن لن الكنيسة تسعي وراء الخاطئ في كل وقت ، لتقبل توبته في أي وقت ، لذلك لم تشترط الصوم أما سر الزواج فقد أعفاه السيد المسيح بقوله " لا يستطيع بنو العرس ان يصوموا مادام العريس معهم " ( مر 2 : 19) ومع ذلك ففي الكنيسة الناسكة الولي ويستمران ذلك اليوم في صوم حالياً طبعاً لا يحدث هذا إن بركات الروح القدس التي ينالها المؤمنون في الأسرار الكنيسة كانت تستقبل بالصوم ، إلا في حالات الإستثنائية وكما عرفت الكنيسة الصوم في حياة العبادة ، وفي حياة الخدمة ، كذلك عرفته في وقت الضيق ، وخرجت بقاعدة روحية وهي : بالصوم يتدخل الله:- لقد جرب هذا الأمر نحميا ، وعزرا ودانيال وجربته الملكة أستير من اجل الشعب كله وجربته الكنيسة في الرابع في عمق مشكلة آريوس وجربته الأجيال كلها وأصبح عقيدة راسخة في ضمير الكنيسة ، تصليها في صلاة القسمة في الصوم الكبير ، مؤمنه إيماناً راسخاً أن الصوم يحل المشاكل الإنسان الواثق بقوته وذكائه أما الشاعر بضعفه ، فإه في مشاكله ، يلجأ إلي الله بالصوم في الصوم يتذلل أمام الله ، ويطلب رحمته وتدخله قائلاً " قم أيها الرب الإله " وفي ذلك ينصت إلي قول الرب في المزمور " من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين ، الآن أقوم - يقول الرب - أصنع الخلاص علانية "( مز 11) الصوم هو فترة صالحة ، لإدخال الله في كل مشكلة فترة ينادي فيها القلب المنسحق ، ويستمع فيها الله فترة يقترب فيها الناس إلي الله ، ويقترب فيها الله من الناس ، يستمع حنينهم وإلي أنينهم ، ويعمل طالما يكون الناس منصرفين إلي رغباتهم وشهواتهم ، ومنشغلين بالجسد و المادة فإنهم يشعرون أن الله يقف بعيداً لا لأنه يريد أن يبعد ، وإنما لأننا أبعدناه ، أو رفضناه ، أو رفضنا أن نقترب منه علي وجه أصح أما في فترات الصوم الممزوج بالصلاة ، فإن الإنسان يقترب إلي الله ، ويقول له إشترك في العمل مع عبيدك إنه صراخ القلب إلي الله ، لكي يدخل مع الإنسان في الحياة يمكن ان يكون في أي وقت . ولكنه في فترة الصوم يكون أعمق ، ويكون أصدق ويكون أقوي فبالصوم الحقيقي يستطيع الإنسان أن يحنن قلب الله والذي يدرك فوائد الصوم ، وفاعليه الصوم في حياته ، وفي علاقته بالله ، إنما يفرح بالصوم . الفرح بالصوم:- إننا لسنا من النوع الذي يصوم ، وفي أثناء الصوم يشتهي متي يأتي وقت الإفطار إنما نحن حينما نكون مفطرين ،نشتهي الوقت الذي يعود فيه الصوم من جديد الإنسان الروحي يفرح بفترات الصوم ، أكثر مما يفرح بالأعياد التي يأكل فيها ويشرب كثيرون يشتهون الصوم في فترة الخمسين المقدسة التي يأتي بعد القيامة ، والتي لا صوم فيها ولا مطانيات وفيها يشتاق الكثيرون إلي الصوم اشتياقاً ، لذلك يفرحون جداً عندما يحل صوم الرسل ، إذ قد حرموا من لذه الصوم خمسين يوماً من قبله ومن فرح الروحيين بالصوم ، لا يكتفون بالأصوام العامة ، إنما يضيفون إليها أصواماً خاصة بهم ويلحون هلي آباء اعترافهم أن يصرخوا لهم بتلك الأصوام الخاصة ،مؤيدين طلبهم بأن روحياتهم تكون أقوي في فترة الصوم ، بل أن صحتهم الجسدية أيضاً تكون أقوي ،وأجسادهم تكون خفيفة إن الذين يطلبون تقصير الأصوام وتقليلها ،هؤلاء يشهدون علي أنفسهم أنهم لم يشعروا بلذة الصوم أو فائدته وسنتحدث بمشيئة الرب في الفصول المقبلة عن فوائد الصوم ، التي من اجلها صار فرحاً للروحيين ، وصار للرهبان منهج حياة … منهج حياة:- من محبة آبائنا الرهبان للصوم ، جعلوه منهج حياة صارت حياتهم كلها صوماً ماعدا أيام الأعياد ، ووجدوا في ذلك لذة روحية ولم يشعروا بأي تعب جسدي بل استراحوا للصوم وتعودوه وروي أنه لما حل الصوم الكبير في احدي البراري ، أرسلوا من ينادي في البرية لينبه الرهبان إلي حلول هذا الصوم المقدس ، فلما سمع أحد الشيوخ من المنادي هذا التنبية ، قال له ما هو يا أبني هذا الصوم الذي تقول عنه ؟ لست أشعر به الآن أيام حياتي كلها واحدة ( لأنها كلها كانت صوماً ) والقديس الأنبا بولا السائح ، كان يأكل نصف خبزة يومياً ، وفي وقت الغروب كنظام حياة ثابت وبعض الرهبان كان يصوم كل أيامه حتي الغروب ، مثل ذلك الراهب القديس الذي قال مرت علي ثلاثون سنة ، لم تبصرني فيها الشمس آكلاً وبعض الرهبان كانوا يطوون الأيام صوماً والقديس مقاريوس الإسكندري لما زار أديرة القديس باخوميوس كان يأكل في يوم واحد من الأسبوع طوال أسابيع الصوم الكبير ، وكان يطوي باقي الأيام ولم يقتصر صوم أولئك الآباء علي طول فترات الصوم ، أو طي الأيام ، إنما شمل النسك أيضاً نوع طعامهم أبا نفر السائح كان يتغذي بالبلح من نخله في مكان توحده ، والأنبا موسى السائح كان يقتات بحشائش البرية ، وكذلك كان الأنبا بيجيمي السائح . وكان يشرب من الندي هذا الصوم الدائم كان يجعل حياة الآباء منتظمة في الواقع أن حاله الرهبان من هذه الناحية مستقرة علي وضع ثابت ، إستراحت له أجسادهم ، واستراحت له أرواحهم وضع لا تغيير فيه إعتادوه ونظموا حياتهم تبعاً له أما العلمانيون فهم مساكين ، أقصد هؤلاء الذين ينتقلون من النقيض إلي النقيض من صوم يمنعون فيه أنفسهم ، إلي فطر يأخذون فيه ما يشتهون يضبطون أنفسهم فتره ، ثم يمنحونها ما تشاء فترة أخري ، ثم يرجعون إلي المنع ، ويتأرجحون بين المنع و المنح فترات وفترات يبنون ثم يهدمون ، ثم يعدون إلي بناء يعقبه هدم إلي غير قيام أما الصوم الحقيقي الذي يتدرب فيه الصائم علي ضبط النفس ويستمر معه ضبط النفس كمنهج حياة فيضبط نفه في أيام الفطر كما في أيام الصوم ، علي الرغم من اختلاف أنواع الأعمة ومواعيد الأكل وهكذا يكون الصوم نافعاً له ، ويعتبر بركة لحياته وبهذا المعني لا يكون الصوم عقوبة ، بل نعمة كانت أكبر عقوبة توقع علي أحد الروحيين ، أن يأمره أب اعترافه بان يأكل مبكراً ، أو يأكل لحماً أو طعاماً شهياً وكان أب الإعتراف يفعل هذا إن رأي أبنه الروحي قد بدأ يرتفع قلبه أو يظن في نفسه أنه قد صار ناسكاً أو زاهداً فيخفض كبرياءه بالأكل ، فتنكسر نفسه ، وبذلك يتخلص من أفكار المجد الباطل الصوم والإستشهاد:- طبيعي أن الذي لا يستطيع الاستغناء عن أكله ، يكون من الصعب عليه أن يستغني عن الحياة كلها أما النفوس القوية التي تتدرب علي احتمال الجوع والعطش ، والتي تستطيع ان تخضع أجسادها وتقهر رغباتها وشهواتها ، هذه بتوالي التداريب ، و بعدم الاهتمام بالجسد واحتياجاته ، يمكنها في وقت الاستشهاد ان تحتمل متاعب السجون وآلام العذاب ، وتستطيع بنعمة الله أن تقدم أجسادها للموت لهذا كان الصوم مدرسة روحية تدرب فيها الشهداء ليس من جهة الجسد فقط ، وإنما أيضاَ من جهة روحانيه الصوم لأنه إذ تكون أيام الصوم مجالاً للعمل الروحي والتوبة والاقتراب إلي الله ، تساعد هذه المشاعر علي محبة الأبدية و عشرة الله ، و بالتالي لا يخاف الإنسان من التقدم إلي الموت ، إذ يكون مستعدا للقائه ، بل أنه يكون فرحاً بالتخلص من الجسد للالتقاء بالله ، ويقول " لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ، فذاك أفضل جداً "( في 1: 23) بالصوم كانت الكنيسة تدرب أولادها علي الزهد وبالزهد كانت تدربهم علي ترك الدنيا والاستشهاد فالذين استشهدوا كانوا في غالبيتهم أهل صوم وصلاة وزهد في العالم . وكما قال القديس بولس الرسول " يكون الذين يستعملون العالم ، كأنهم لا يستعملونه ، لأن هيئة هذا العالم تزول "( 1 كو 7: 31) . قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
28 فبراير 2021

تَذْكَارُ سَاوِيرُوس الأنْطَاكِي (تَاجُ السُّرْيَانِ)

حينما نذكر سيرته العطرة؛ إنما نعيِّد ونكمل بشكل خاص ذكرى المعلمين اللابسي الروح، فكلهم تكلموا روحيًا بفمه الطاهر. وُلد ساويروس سنة ٤٥٩ م في أسيا الصغرى وسُمي بإسم جده لأبيه، وقد درس الأدبين اليوناني واللاتيني في المدينة العظمى الأسكندرية مع شقيقيه الأكبرين، وكان له زميل فاضل يُدعى زكريا الفصيح؛ وهو الذي أسهم في قيادته روحيًا حتى نال صبغة المعمودية المقدسة. درس وعشق تعليم أثناسيوس السكندري وباسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي؛ وأيضًا مصنفات السميين الثلاثة غريغوريوس؛ والذهبي الفم وكيرلس الكبير الحكيم، وكانت أقوالهم وكتاباتهم موضع دراسته وتأملات شبابه؛ معتبرًا أن تعليمهم كنهر؛ مَن لا يشرب منه لا ينتفع، ممتدحًا إياهم؛ لأنهم لم يكتفوا بالكلام بل بالجراءة والعمل؛ وأظهروا رغبتهم في الاستشهاد؛ وما كانوا متعلقين بكراسيهم؛ لكنهم غاروا غيرة عظيمة وغربوا عن العالم ليشرقوا في المسيح شمس البر. سافر إلى مدينة طرابلس ببيروت سنة ٤٨٨ م ليدرس البلاغة والشرع ومصنفات علماءالكنيسة الأُوَل، فقادته النعمة الإلهية إلى دعوة حياة الرهبنة ولبس الإسكيم.. فكتب رسالة في الإيمان إلى رؤساء الأديار حول طبيعة المسيح الكريستولوجية (طبيعة واحدة للكلمة المتجسد)؛ ودافع عن الإيمان السليم؛ مستحضرًا النسخ الأصلية لمقالات ورسائل كيرلس السكندري، ثم ألف كتابًا أسماه فيلو لاتيس (محب الحق)؛ دفاعًا عن كيرلس الحكيم قبالة الخلقيدونيين؛ ودحض طومس لاون؛ ناسجًا على منوال آباء كنيسة الأسكندرية (أثناسيوس وكيرلس وديسقوروس). رُسم كاهنًا سنة ٥٠٨ م وكانت خدمته الكهنوتية التي عاشها ورآها وكتب عنها عبارة عن: الاستعداد والتقديس أولاً ثم التعليم ثم التدبير؛ من أجل عمل خدمة بناء جسد المسيح... فكان هادئ الطبع؛ دقيق الفكر؛ متفوق في التعليم؛ ودرس الفلسفة واستعملها استعمالاً حسنًا كسلاح خاص، وقد رفعته النعمة وقادته عبر شروحات الكتب المقدسة وممارسة الليتورجية، واضطلع على علوم الوعظ ومعرفة التفسير الكتابي؛ واستعمل الشرح من أجل اللاهوت... فجاءت عظاته شرحًا لآيات الكتب المقدسة ولتفسير المشاهد الإنجيلية، متتلمذًا على الحُجج الآبائية التي تعلّم منها الفلسفة العالية الحقيقية، مميزًا للتعليم السليم داحضًا شر الهراطقة؛ لأن الحق يجتذب إليه الذين يستحقونه كما يجتذب المغناطيس الحديد، وقد تضمنت مجموعة الباترولوجيا الشرقية (Patrologia Oriantalis) ]فكره وسيرته النابعة من الكنيسة المؤسسة على صخرة الإيمان العقلي الكلمة الإلهي[. عاش مسيرة رسالته الكهنوتية في ثلاث محطات الاستعداد والتقديس ثم التعليم ثم التدبير، فكان استعداده في الانطلاق للرعاية على مثال موسى النبي ويوحنا المعمدان وصموئيل وشخصيات الكتاب المقدس؛ وبالأخص الرسولين بطرس وبولس، كذلك كشف عن حقيقة وجه الكاهن بأنه مكلَّف بواجب تعليم الشعب وتدبيره وتعزيته (عَزّوا عَزُوا شعبي)؛ فيكون للكاهن سمع دقيق وحاسة روحية بواسطة التنقية والنسك؛ كي يدرك الرؤى التي تأتي من الله؛ حتى يشهد ويتكلم (آمنتُ لذلك تكلمتُ) وعندئذ تدخل الكلمة إلى قلب أورشليم لتلامس السامعين وتعبر إلى داخل نفوسهم. تم انتخابه بطريركًا لأنطاكية في مجمع صُور سنة ٥۱۲ م لكنه حاول الإفلات دون جدوى؛ حيث اقتبل رتبة البطريركية السامية؛ ليكون خليفة للقديس بطرس الرسول؛ فرعى رعية الله بأمانة وبر، وفي سنة ٥۱٨ م ثار اضطهاد عنيف على الأرثوذكسيين؛ حيث تم نفي الأساقفة الذين لا يقرون المجمع الخلقيدوني... إلى الحد الذي وصل لإصدار أمر بقطع لسان ساويروس الأنطاكي، فصار هائمًا على وجهه يبحث له عن ملجأ يواريه عن أبصار المضطهِدين؛ فأبحر إلى مصر واستقر فيها مدة عشرين سنة؛ وتنيح سنة ٥۳٨ م في مدينة سخا؛ ثم نقلوه بإكرام جزيل ليُدفن حيث كان يعيش في دير الزجاج (غرب الأسكندرية). وتعيِّد له الكنيسة القبطية في ۲ بابى لتذكار مجيئه إلى مصر؛ وفي ۱٤ أمشير لتذكار نياحته؛ وفي ۱٠ كيهك لتذكار نقل جسده إلى دير الزجاج.. إن اسمه عظيم لأنه خدم القدوس العجيب في قديسيه الذي لعظمته المجد والإكرام والسجود. اذكروني في صلواتكم القمص أثناسيوس جورج كاهن كنيسة مارمينا فلمنج الاسكندرية
المزيد
18 أكتوبر 2020

الكلمات المستخدمة في القداس الإلهي

كل الكلمات مأخوذة من الكتاب المقدس، ويتضح ذلك في كتاب الخولاجي eu,ologion بالشواهد (العبارة بالشاهد) دليل أنها مأخوذة من الكتاب المقدس.وما أحلي كلام الله، واللغة التي يريد أن نتكلم بها معه.فمثلًا: يا الله العظيم الأبدي (أر 32: 18) (تث 10: 17) الموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس (حكمة 2: 23، 24) هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيد (2 تي 1: 1) (عب 9: 22) بغير طرحنا في دينونة (1 كو 11: 27 – 32). بالمسيح يسوع ربنا (يو 16: 23) إذًا ذلك يؤكد أن روح الله الذي كتب الإنجيل من خلال التلاميذ والبشائر هو نفسه الذي أرشد للقداس الإلهي. سؤال: لماذا ترددون صلاة مكتوبة، محفوظة علي الدوام هي صلاة مفروضة، بمعني ما داعي الكلام المحفوظ المكتوب؟ الرد: وإن كان بعض البسطاء لا يجدون الرد نقول لإخوتنا البروتستانت لو مشينا بهذا المبدأ يجب تغيير الإنجيل كل سنة حسب كلامكم ولكن حديث ربنا إلينا وحديثنا إليه هو عمل الروح القدس في الصلاة وينبغي من خلال التأمل والفكر الروحي يتجدد.لذلك من واجب الإكليريكي شرح القداس الإلهي ليفهم الناس ويحصلوا علي الفهم المضبوط. نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
08 يوليو 2021

8- شخصيات الكتاب المقدس برزلاي الجلعادي

برزلاي الجلعادي "وهو عال الملك عند إقامته في محنايم لأنه كان رجلاً عظيماً جداً" 2صم 19: 32 مقدمة في قصيدة رائعة لواحد من شعراء الغرب، قال: إنه كان يسير ذات يوم في الصحراء، في يوم اشتدت فيه الحرارة كاللظي الملتهب، وإذا به يبصر على بعد خميلة ظليلة سعي إليها، ليجد تحتها مقعداً وكلمة مكتوبة فوق المقعد.. اجلس أيها المسافر واسترح قليلاً!!.. فجلس ولفت نظره سلة ممتلئة بالتفاح، فاقترب منها ليجد عبارة فوقها تقول: خذ تفاحة من السلة وكل!!.. فأخذ تفاحة،.. ورأى ورقة أخرى على بعد تقول: هناك غدير ماء، فاذهب إليه واشرب، فأسرع ليجد ماء حلواً سلسبيلاً، فانحنى على الغدير، وشرب الماء،.. وفي كل هذا كان يأخذه العجب، وتاق أن يعرف سر المكان،.. وإذا به يبصر على مقربة من المكان كوخاً يقف على بابه رجل عجوز،.. ذهب إليه مستفسراً وعلم منه القصة كلها، أن الرجل هو صاحب الخميلة، وصاحب التفاح، والمرشد إلى الماء، وقد أدرك الرجل أن المسافر في الصحراء يحتاج إلى خميلة يستظل بها، وربما هو جائع ويحتاج إلى تفاحة يأكلها، والسلة من التفاح فائضة عن حاجة الرجل، فلماذا لا يعطي الغريب الجائع؟!! ولماذا لا يرشده –وهو ظاميء- إلى النبع من الغدير الذي قد لا يتنبه إليه، وهو في أمس الحاجة إليه،.. رأى الشاعر كل هذا، فكتب قصيدته، متمنياً أن يفعل هو ما يفعل هذا العجوز، إذ يقف على الطريق البشري ليمد يده إلى المتعب السائر في برية الحياة، لعله يظلله في خميلة الحب والحنان، ويمد له الطعام، ويرويه بالماء، وقد استبد به الجوع والعطش، وهذا من أعظم ما يفعله الإنسان للإنسان في هذه الحياة،.. كان بزرلاي الجلعادي هو العجوز القديم الذي آوى داود في المحنة والتعب والجوع والعطش، وأضحى على مر العصور مثلاً يحتذى وقدوة صالحة، حتى جاء المعلم الأعظم يحدثنا عن السامري الصالح الذي لم يتخلف عن إسعاف المنكوب الحظ، الذي تركه اللصوص بين حي وميت في الطريق من أورشليم إلى أريحا!!.. هل لنا أن نتأمل برزلاي وقد أمسك بالفرصة، التي لم تضع منه، وقدم شيئاً مهما كانت عظمته فإنه لا يساوي ما أخذ من مجد وخلود، وقصة تتلقفها الأجيال من جيل إلى جيل على مر التاريخ!!… برزلاي الوفي كان برزلاي الجلعادي -كما يصفه الكتاب- "رجلاً عظيماً جداً" ولعل الوصف هنا يعطينا صورة عن الشيخ الجليل المهيب المحترم، الواسع الثروة، الذائع الصيت، المكرم المقام،.. ومهما تكن أوصافه، فإن أعلى ما يظهر به الرجل هو ذلك الوفاء العظيم النادر الذي اتسم به في موقفه من داود غداة الثورة التي قام بها أبشالوم ضد أبيه،.. فهو أولاً وقبل كل شيء الوفاء الصادق الخالص، الذي لا يبحث عن غرض أو يرجو مصلحة، بل يقف إلى جانب الحق والأمانة والصدق والشرف، لقد كان طرفا الثروة داود وابنه أبشالوم، الملك الشرعي والابن المتمرد، الرجل الذي يقود الأمة بإرادة الله، والابن الذي استمال الشعب بالخداع والكذب والنفاق والتملق،.. ولم يستطع الرجل أن يغمض عينيه، أو يتجاهل الموقف، أو يقف على الحياد،.. وهو الصورة المشرقة الواضحة للمؤمن الأمين الوفي، الذي يعرف أن الخط المستقيم لا يمكن أن يكون معوجاً، ولا يحتمل الالتواء أو التردد أو التراجع أو الانقلاب،.. ولقد سار برزلاي على الطريق دون أن يلوي على شيء، وهو سيبقى مع داود حياً أو ميتاً على حد سواء!!.. ولم يستخدم ما يستخدمه الناس عادة من حيطة أو حرص أو ذكاء في مثل هذه المواقف، وهو لم يقف ليراقب الريح، ويعلم أين تتجه المعركة ليأخذ المكان الذي يتصور أن إلى جانبه الفوز،.. ومع أو الوضع الظاهري كان أدنى إلى أبشالوم منه إلى داود، إذ أن الشعب كله كان من المتمرد، ولم يكن مع الهارب الذي كان يقود مجموعاً قليلاً يسيراً محدوداً من الناس،.. وكانت أملاك الرجل وأسرته وحياته جميعآً في أدق المواقف لو نجح أبشالوم في ثورته، لكن هذا كله لم يمنع الرجل من أن يؤكد أنه لا يصح إلا الصحيح، وأن على الإنسان أن يقف إلى جانب الحق، حتى ولو وقف فريداً وحيداً منعزلاً دون الجميع،.. ووقف العالم كله على الجانب الآخر!!... ولعله من الواجب أن نلاحظ أن وفاء برزلاي امتحن أقسى امتحان، بمحنة داود، ولكن الوفاء الصحيح لا يغيره الملك فوق عرشه، أو ساقطاً تحت حمله وعاره وصليبه،.. وداود هنا رمز لذاك الذي ترك عرشه، وخرج خارج المحلة، فلنخرج إليه خارج المحلة حاملين عاره!!... هل رأيت الفتاة القديمة "مريم" تقف في وسط البستان، وهي تبكي، وتتحدث إلى من تظنه البستاني، وتقول في لغة الوفاء: أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه": "يا سيد إن كنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه"؟.. وهي لا تتبع السيد في مجده وجلاله وعظمته، بل وهي تظن أنه لا يزيد عن جثة في قبر!!.. وهل رأيت ذلك الصف الطويل الذي لا أول له ولا آخر، وهو يقبل عار المسيح غني أعظم من خزائن!!؟ وهو يسير معه في وادي الاتضاع قبل أن يراه في مجده الأبدي العظيم؟! إنها صورة برزلاي تعود مرة أخرى لتكرم اسم المسيح وترفعه فوق كل اسم، مهما تعرض للهوان والتمرد والثورة، من أمثال أبشالوم في كل الأجيال والعصور. برزلاي المعطي وإذا كان الوفاء الصادق العميق هو الحقيقة الداخلية التي تملأ الرجل،.. فإن العطاء على وجه الخصوص كان المظهر العظيم للحقيقة الخفية، وها نحن نقف الآن لنتأمل سمات هذا العطاء السخي الكريم الذي جاء في أدق الأوقات في حياة داود، ولعله كان أولاً: العطاء التلقائي، فلم يأت هذا العطاء لأن داود سأل، أو لأن هناك ضغطاً وقع على برزلاي، أو إكراهاً بأية صورة من الصور،.. لقد جاء العطاء نابعاً من النفس الكريمة المضيافة،.. لقد وقف برزلاي الجلعادي مع شوبي بن ناحاش وماكير بن عميئيل أمام شعب: "جوعان ومتعب وعطشان في البرية".. وكانت حالة الشعب أبلغ من كل كلام!!.. إنه أشبه بذلك الرجل اليائس الذي وقف على قارعة الطريق ينتظر إحسان الناس دون أن يتكلم!!.. وإذ سأله أحدهم لماذا لا يرفع صوته، ويتحدث عن حاجته،.. وقال الرجل إنه ليس في حاجة إلى رفع صوته، إذ أن بؤسه المرسوم على وجهه يتكلم بمالا يستطيع أن يتكلم به أفصح لسان!!... إن بعض الناس قد يعطون عطاء الأسفنجة والتي لابد من عصرها حتى يخرج ما فيها من ماء،.. فإذا لم يعصر هؤلاء، فهم لا يعطون أو يقدمون على الإطلاق،.. وآخرون مثل البقر الحلوب التي سئل صاحبها عما إذا كانت تدر اللبن الكثير، وقال الرجل إنها تعطي اللبن الوفير على شرط أن أحصرها في ركن المكان، وأكون حريصاً من نطحها ورفصها،.. ومن الناس من قد يعطي، ولكن بعد أن ينطح أو يرفص.. لكن برزلاي الجلعادي لم يكن من هذا الضعف،.. إنه يدر اللبن، ويكثر العطاء، لأن شيئاً في أعماقه يدفعه إلى ذلك، لأن روحه الكريمة السخية تجزل العطاء، لأن عطاؤه نابع من قلبه،.. وهو ثانياً: العطاء العملي، إذ قدم برزلاي وأصدقاؤه لداود ومن معه: "فرشا وطسوسا وآنية خزف وحنطة وشعيراً ودقيقاً وفيركاً وفولاً وعدساً وحمصاً مشوياً وعسلاً وزبدة وضاناً وجبن بقر"... وألغب الظن أن من يسخو في العطاء، لا يتكلم كثيراً،... سقطت الآنية من الغلام الصغير وقد تحطمت وما بها من لبن، وهو يبكي لأنه يخشى عقاب سيده إذا ذهب إليه فارغاً من غير إناء، ومر الناس بالغلام الصغير، بعواطف متعددة مختلفة، فمنهم من لامه لأنه لم يحرص على الإناء، ومنهم من هز رأسه ومضى، ومنهم من رثى له بكلمات عابرة، لكن واحداً وقف وجمع له أكثر مما ضاع منه، وكان ولا شك أفضل الجميع،.. أليس هذا ما ردده الرسول يعقوب في قوله: "إن كان أخ وأخت عريانين ومعتازين للقوت اليومي فقال لهما أحدكم امضيا بسلام استدفئا واشبعا ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد في المنفعة".. وثالثاً: كان عطاء برزلاي العطاء السخي، لقد وصف بالقول: "وهو عال الملك عند إقامته في محنايم"... أي أن العطاء لم يكن ليوم أو لأيام قليلة بل امتد إلى زمن غير قصير، ولم يتبرم الرجل أو يتراجع عن المساعدة والمعونة، بل بالحري أدرك رسالته، لقد أعطاه الله الكثير، وهو لا يمكن أن يعطي بالشح أو البخل،.. إنه ذلك النوع من الرجال الذي يؤمن بأنه ليس بئراً يخزن الماء حتى يصبح آسناً، بل أنه النهر المتدفق الذي لا يكف عن العطاء أو الإرواء،.. جاء في أساطير القدماء أن شيخاً من شيوخ القبائل حفر بئراً، وأصدر أمراً بأنه لا يجوز لأحد أن يشرب من البئر غيره وغير أسرته، وإذ به يجد أن البئر جفت ولم تعد تعطي الماء، فأتى بالعرفاء ليسألهم كيف يأتي الماء إلى البئر،.. فقالوا له: إن البئر لن تفيض حتى يشترك الناس مع الشيخ في الانتفاع بها، فأصدر أمراً بأن يشرب هو وبيته من البئر نهاراً، ويشرب الناس منها في الليل، وتعجب أن الماء جف في النهار، وغزر في الليل، فعكس الوضع إذ أصدر أمره بأن يشرب الناس في النهار وهو في الليل،.. وإذا بالماء يأتي في النهار، لينتهي في الليل،.. وتعلم من ذلك أن المشاركة الدائمة هي التي تعطي النبع فيضه الكريم.. كان مال برزلاي أصلاً مثل مال أيوب عندما قال"إن كنت منعت المساكين عن مرادهم أو أفنيت عيني الأرملة أو أكلت لقمتي وحدي فما أكل منها اليتيم بل منذ صباي كبر عندي كأب ومن بطن أمي هديتها إن كنت رأيت هالكاً لعدم اللبس أو فقيراً بلا كسوة إن لم تباركني حقواه وقد استدفأ بجزه غنمي إن كنت قد هززت يدي على اليتيم لما رأيت عوني في الباب فلتسقط عضدي من كتفي ولتكسر ذراعي من قصبتها".. وقد تعلم برزلاي من صغره أن تكون يده كريمة فياضة مبسوطة لا يقبضها عن بائس أو مسكين، وعندما جاء الملك ومن معه، سخا برزلاي إلى آخر حدود السخاء والعطاء والكرم!!... في ساحة كنيسته كتبت هذه العبارة: ما أعطيه أملكه. وما أحتفظ به أفقده!!... وكان عطاء برزلاي رابعاً: من غير مقابل، فالرجل لم يعط كما يعطي بعض التجار إذ يقدمون عطاياهم أو هداياهم على أمل التعويض المتكاثر من الصفعة أو الصفعات التي تلحق ما يقدمون أو يعطون، إنه على العكس من ذلك يعطي عطاء الآباء أو المحبين،.. والأب الذي يكد ويجتهد ويأخذ أجره أو عائده، لا شيء عنده أبهج أو أسعد من أن يعود إلى البيت محملاً بالخيرات والعطايا لزوجته وأولاده، ولا شيء يعمق الفرح في قلبه أكثر من رؤيتهم سعداً مبتهجين، بما يأخذون أو ينتظرون،.. والمحب كم يسعده أن يتمتع الحبيب بما يقدم له يجزل من هدايا وعطاء!!... وكان عطاء الرجل القديم آخر الأمر عطاء المسعد للآخرين!!... لقد جاءت عطيته في وقتها. والناس ملوكاً أو صعاليك يحتاجون بعضهم للبعض، والزمان دوار، والملك الآن في مركز الشريد الطريد الصعلوك، المحتاج إلى أقل مساندة أو مساعدة، وعندما هزمت الثورة، وعاد الملك إلى مجده.. تغير الوضع، وعرض على برزلاي أن يجزل له العطاء،.. على أن داود لم يسعد بالعطاء المادي، وهو في ذله وهوانه فحسب، بل سعد أكثر بالعطاء المعنوي الذي يرمز إليه العطاء المادي،.. لقد كانت نفس داود منحنية أشد الانحناء، وكان السؤال الذي ربما سأله لنفسه عشرات المرات!!.. هل تخلى الله عنه في الثورة؟!!.. وهل أقام ابنه ضده لكي يعاقبه دون رقة أو رحمة أو شفقة؟!! وجاءته عطايا برزلاي ومن معه، كالنسمة الحلوة الهادئة الرقيقة لنفسه المتعبة!!... لقد أدرك بأن الله لم يتخل عنه قط وقد أرسل له في هذه العطايا كأس الماء البارد الذي تحتاجه شفتاه الظامئتان الملتهبتان من الضيق والظمأ، وأدرك أن الله في الغضب يذكر الرحمة... ومن المؤكد أنه شكر الله، لا على ما قدم برزلاي من مادة، بل على ما أظهر من مودة وحنان ورقة ولطف وشركة،.. وكانت هذه جميعاً عنده أعظم وأكرم،.. وهل من شك في هذا؟ لقد استنشق المسيح طيباً أعبق وأسمى، ومريم أخت لعازر تسكب على رأسه قارورة الطيب التي ملأت رائحتها المكان،… لقد استنشق طيب الحب والحنان والولاء والتكريس، والذي لا يمكن أن يباع بذهب الدنيا كلها!!.. وغنى بولس على هذا الأساس وهو يلمس بيديه عطايا الفلبيين وهو يقول: “قد امتلأت إذ قبلت من ابفرودتس الأشياء التي من عندكم نسيم رائحة طيبة ذبيحة مقبولة مرضية عند الله”… ودع داود برزلاي بالقبلة والبركة وهما يفترقان على ضفاف الأردن، ولست أعلم مدى الانفعالات التي كانت تملأ نفسه في ذلك الوقت، لكني أعلم أنه انفعل ذات مرة وهو يمسك بين يديه جرعة الماء التي جاءته من بئر بيت لحم، البئر التي تعود أن يشرب منها وهو صبي صغير، ورأى في تلك اللحظة، أن الماء أقدس من أن تتناوله شفتاه، فسكبه سكيباً وهو يغادر محنايم، وقد وقف برزلاي ومن معه يودعونه، رأى فيها جيشاً من الملائكة –وكانوا هذه المرة من بشر- يختلف عن ذلك الجيش الذي رآه جده يعقوب مرسلاً من الله لمعونته، ولكنه في كلا الحالين كان بسمة الله للنفس المتضايقة المكنوبة المتعبة في الحياة!!… برزلاي الشيخ العجوز والآن نأتي إلى حديث الوداع بين الشيخ العجوز وداود، لنرى فيه صورة رائعة لهذا الشيخ، وهو يتحدث بمنطق الشيخوخة التي وصل إليها،.. ولعلنا نستطيع أن نرى هذا أولاً إذا ذكرنا: الشيخ والبقية الباقية من العمر إذ يقول لداود وقد طلب إليه أن يذهب معه إلى أورشليم: "كم أيام سني حياتي حتى أصعد مع الملك إلى أورشليم"... كان هذا الشيخ يمد بصره إلى الغروب البهيج الذي تدنو شمسه منه، بلمعان ذهبي،.. وهو يذكر الأيام القليلة الباقية قبل مجيء الغسق بنفس راضية،.. وهو ليس من ذلك الصنف من الشيوخ الذي كلما اقترب من النهاية، كلما حاول تجاهل هذه الحقيقة، وظل على بحثه في تزايد المركز أو الجاه أو الثروة، لقد أدرك برزلاي أنه "غريب ونزيل في الأرض" وهو ينبغي أن يتصرف به الغريب النزيل في قصة طريفة أن أحد الدراويش طرق قصر الملك، وإذ خرج الحراس طلب منهم أن يبيت في المكان، إذ هو فندق، فقالوا له: ليس هذا فندقاً، بل هو قصر الملك، ولكنه أصر على أن المكان فندق، وبينما هم يتجادلون ويتنازعون، جاء الملك ليؤكد للرجل أن هذا قصر وليس فندقاً، ويؤكد الرجل العكس، وأخيراً قال الدرويش للملك.. من الذي سكن هذا المكان قبلك؟!! فقال الملك: أبي.. فقال الدرويش: وأين أبوك؟!! وأجاب الملك: لقد رحل من العالم!! فقال الدرويش: ومن كان قبل أبيك.. فقال: جدي!!.. وأين هو الآن؟!! وكان الجواب: لقد رحل من قبل أبي!!.. وقال الدرويش: ألم أقل لك أنه فندق.. وليس قصراً؟!!.. في قصيدة: "لست أدري" للشاعر إيليا أبو ماضي، والتي فيها صور نفسه يناجي البحر قال: كم ملوك ضربوا حولك في الليل القباب طلع الصبح عليهم لم يجد إلا الضباب... ألهم يا بحر يوماً رجعة أم لا مآب؟.. فأجاب البحر: إني لست أدري!!.. وفي عرف الشاعر أنه لا فرق بين القباب والضباب، وكان هذا ما يعنيه برزلاي الجلعادي، وهو يتحدث إلى داود عن الأيام القليلة الباقية له من العمر!!.. وكان برزلاي ثانياً: الشيخ الشبعان من الأيام، الذي لا يأسف على ما أخذت الأيام معها -كما يفعل الكثيرون من الشيوخ- لما ضاع من أجسادهم من قوى بدنية، أو عقلية، أو عدم قدرتهم على التذوق الحسي أو العاطفي، فهو وإن كان لا يستطيع التذوق إلى حد الاستطعام بما يأكل أو يشرب، أما سماع أصوات المغنين والمغنيات، فهو لا يأسف على هذا، أو يتشبث به، فلكل وقت وقته، وهو يستبدل بهذه أشياء أخرى أسمى وأعلى وأكمل، لأنه على حد قول الرسول: إن كان إنساننا الخارج يفنى فإن الداخل يتجدد يوماً فيوماً،.. وعند برزلاي من الرؤى الداخلية، والشركة الحية التي تربطه بالله، والمتع العميقة للمعنى الروحي الأعلى للحياة، ما يتفوق على أعظم الرؤى الأرضية، وأشهى الأطعمة، وأرق الموسيقى، وأرخم الأصوات بين المغنين والمغنيات،.. وأي جمال يمكن أن يداني جمال الشيخوخة التي لا تعيش متذمرة على ما فاتها من صحة أو قوة أو أرضيات، لتعيش الغروب في صحبة الله، حتى تأتي اللحظة الرائعة المجيدة، لحظة الانطلاق!!.. عندما كتب أفلاطون جمهوريته، ذكرنا بالشيخ العجوز ثأوفيلس، الذي أقام فلسفته على أن ما أضاعه من قوى الشباب لم يكن ضربة أصابته، بل بالحري كان تحريراً لنفسه لما هو أعلى وأسمى،.. فإذا صح أن الخيال الوثني يمكن أن يبلغ هذا المبلغ، فكم بالأحرى الشيخ العجوز الجليل الذي يعيش حياته مع الله، ولو طعنت به الأيام وامتد به العمر على الأرض!!.. وكان برزلاي ثالثاً: الشيخ الرافض الرقيق الاعتذار في رفضه،.. وهو يقدر ولا شك عرض داود، وهو يذكر المعاني الرقيقة العميقة الممتليء بها، إلا أنه يرفض برقة وولاء وأدب، ويعطي نموذجاً للأدب الرقيق الرافض، وهو يريد أن يذكر داود بجلال الرفض الذي ينبغي أن يتمسك به الشيخ، وهو يرفض المسرات والملذات والمباهج والمراكز والثروات المتزايدة وما أشبه، لا لأنها في حد ذاتها شر أو خطأ، ولكن لأن التربة القديمة لم تعد تصلح لزرع جديد،.. إن برزلاي سيبقى إلى جوار أرضه القديمة، يرعاها على قدر ما يتمكن من جهد أو تعب، دون أن يرهق نفسه بتوسعات انتهى أمرها، ولم تعد تصلح إلا أن تكون عبئاً عليه أو على الآخرين: "فلماذا يكون عبدك أيضاً ثقلاً على سيدي الملك".. ولقد كان الرجل موفقاً ودقيقاً إزاء إلحاح الملك إلى أن يبين أن ما يصلح مع كمهام ابنه الشاب لا يمكن أن يصلح معه وهو شيخ.. وما أعظمه من شيخ ذلك الذي يحسن التفرقة الذهنية والعلمية بين الشيوخ والشباب،.. ولعله أكبر خطأ يمكن أن يتردى فيه إنسان أن لا يجيد التفرقة بين الأجيال والأعمار المختلفة في حياة الناس، وما أكثر ما يفشل الشيوخ الذين لا يدركون هذه الحقيقة، ويستولى عليهم الحزن واليأس وانكسار القلب، لأنهم يطلبون لأنفسهم مطلب الشباب دون جدوى، أو لأن الشباب من أبنائهم وذويهم، على العكس، لا يعيشون كما يتخيلون هم أو يتصورون كشيوخ!!.. وهم أعجز من أن يعبروا البرزخ الذي يفصل بينهم وبين الشباب،.. وعلى أي حال إن برزلاي يعطي أبدع نموذج وأروع مثال للقدرة في التوفيق بين التحية الرقيقة والرفض المهذب،.. وهو يذكرنا بهذا بالأعظم الذي قيل عنه: "أعطوه خلا ممزوجاً بمرارة ليشرب، ولما ذاق لم يرد أن يشرب"... لقد كان الخل الممزوج بمرارة، نوعاً من المخدر تقدمه جميعة من بنات أورشليم لكل محكوم عليه بالموت، وقيل إن الأصل التاريخي لذلك ما ورد في سفر الأمثال: "أعطوا مسكراً لهالك وخمراً لمري النفس يشرب وينسى فقره ولا يذكر تعبه بعد" أو هو يشبه ما يقدم في العصور الحديثة للمحكوم عليه بالإعدام مما يطلبه قبل أن يموت،.. وقد رأى المسيح في هذا رقة يجمل أن يقدرها بالتذوق، للمعنى الإنسان الرقيق العميق، الذي يرغب في تخفيف آلام المحكوم عليهم بالإعدام،.. وفي الوقت عينه يرفض أن يتناول ما يخدر به آلام الصليب، التي لابد أن يحتملها بكاملها دون أدنى تخفيف أو تخدير!!.. وهو مثل يعملنا الأدب عندما نقصد أو نرفض ونقول كلمة: لا.. وعندما نقدر الدافع الذي يدفع من يقدم شيئاً لنا، يمكن أن يكون خاطئاً أو غير مقبول!!... وكان برزلاي رابعاً: الإنسان الذي يحسن الرجوع إلى الماضي بذكرياته الحلوة الجميلة: "دع عبدك يرجع فأموت في مدينتي عند قبر أبي وأمي".. لقد عاد الرجل بذكرياته إلى الأيام الهانئة الطويلة التي قضاها، وهو يعبر قصته الأرضية، عاد إلى أبيه وأمه اللذين فارقهما منذ زمن بعيد،.. وهو يذكر قبرهما الذي سيضمه بعد زمن لن يكون على الأغلب طويلاً،.. عاد الرجل إلى دفء الذكريات، وما أحلاها من ذكريات، ونحن نسير في ثقل الحياة، ومتاعبها وآلامها ومعاركها،.. قال واحد من عظماء الناس: من يعود بي مرة أخرى إلى أحضان أمي؟! ولعله كان يذكر أحلى الأيام الخالية من الهموم والقلق والمتاعب والأحمال، عندما كان صبياً صغيراً، تضمه أحضان أمه بكل ما فيها من حنان وحب وبساطة وهدوء، كأجمل مكان يستعذبه الإنسان في الأرض!!.. ولكن إن عز علينا أن نجد المكان، فإنه لا يعز علينا أن نعود بالذكريات الحلوة الجميلة المبهجة للأيام القديمة!!.. إن الشيخ يستطيع أن يغالب قسوة الحاضر، بالعودة بالخيال الحلو الجميل للماضي البهيج،.. وهذا الخيال لا يمكن أن يعوقه معوق، حتى ولو دخل المرء إلى الزنزانة القاسية،.. وقد استطاع بولس في سجنه أن يعود إلى دموع تيموثاوس يوم الوداع، وأن يذكر الصحاب الأوفياء، الذين أحبوه، ووجد فيهم من قدم عنقه من أجله،.. وكانت هذه الذكريات هي أحلى ما ذكره الرجل، وهو على قيد خطوات قصيرة من الرحلة القاسية الأرضية!!.. على أن برزلاي لم يتجه بفكره إلى الماضي البعيد القديم،.. لقد حول عينيه أيضاً إلى المستقبل الأكثر لمعاناً من كل قصور داود وأبهائه ومجده،.. إنه يتطلع إلى بيته الأبدي، إلى المدينة التي لها الأساسات، وهو لا يمكن أن يتحدث عن المستقبل كمجرد عظام ينضم فيها في قبر إلى عظام أبيه وأمه في أرض جلعاد... إن هناك شيئاً أغلى وأسمى عند الرجل القديم،.. إنه الطائر الذي يحلق، وقد اقترب المساء، فهو يسرع إلى عشه، حيث هناك الراحة، والأمن والهدوء والاستقرار، إن لبرزلاي قصراً أمجد من كل قصر أرضي في جلعاد أو في أورشليم الأرضية، ولعله يقول ما قاله آخر وهو شيخ كان يودع العالم: "إني أدنو من الخطى الأخيرة، في غربتي على الأرض، وها هي شمسي تسرع إلى المغيب، وتغطي الفضاء بمجد لامع،.. وها بيت أبي يشع بنوره أمام عيني، وبابه المفتوح يدعوني إلى الدخول إلى الوطن بنفسي راغبة، وكل كنوزي الغالية، وكل أشواقي العميقة قد شحنت قبلي، وها أنا على الجناح الطائر لألحقها هناك".. فإذا كان هناك من شيء أخير يهتم به برزلاي، فهو أن تمتد قصته بكل ما فيها من نبل وجمال وأمانة ومكافأة إلى ابنه كمهام!!... فإذا راق لداود أن يفعل شيئاً له، فهل يقبله ممتناً شاكراً إذ يفعله مع ابنه كمهام، وغريزة الشيخ تنفعل هنا، مع أجمل وأرق وأعمق العواطف البشرية، إنك تحسن إليَّ بما تقدمه لابني، وتسعدني بما يسعد به أولادي من بعد!!.. وتدفع نفسي لترضى حياً أو ميتاً بما يمكن أن تصنعه مع من يخلفوني على هذه الأرض!!... وهكذا يدرك الرجل أن الله لا يرجيء المكافأة كلها لما بعد الوفاة، بل إن الخير لابد أن يكافأ هنا في هذه الأرض... قبل أن نحصل على المكافأة الكاملة في السماء: "فأجاب بطرس حينئذ وقال لها ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا فقال لهم يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثنى عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو حقولاً من أجل اسمي يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية"..!!
المزيد
25 أكتوبر 2020

الملابس المستخدمة في القداس الإلهي

البروتستانت يقولون في (1 كو11: 11) الرجل لا يغطي رأسه فكيف الكاهن، الأسقف الراهب يلبس غطاء لرأسه؟ الرد: ليس عندنا غطاء رأس ولكن القلنسوة التي يلبسها الراهب هي خوذه الراهب التي تحمى فِكْره. لها من كل ناحية 6 صلبان ومن الوراء صليب كبير إشارة للسيد المسيح والـ12 تلميذ وهذا اللبس هو ما سلمه الملاك للأنبا أنطونيوس ويتم ارتداء الملابس باللون الأبيض وليس بالأسود في القداس إشارة للقيامة وخدمة الحياة أما ارتداء الملابس باللون الأسود إشارة للآلام. الطيلسانة: تاج الكهنوت مشبوك فيها طرحة إلى أسفل تشير لطرح العالم وراء ظهره وبنظره جانبية لتاج الكهنوت نجد التاج عند عمل مقطع فيه نجد شكل أقرب إلى حرف (D) وليس خط واحد. إشارة إلى أن الأسقف يخدم أكثر من كنيسة "مسئول عن أكثر من كنيسة" إذا ليس عندنا غطاء لرأس الرجل. سؤال: ما موقف الكنيسة من الشملة؟ الرد: الشملة غطاء رأس (طرحة) هو خطأ لذلك المجمع المقدس أصدر قرار بمنعها ولا ينبغي لأحد ن يلبسها.وهذه الشملة متحورة من شملة طويلة يلفها الراهب علي رأسه والجزء الأخير يغطي به، وكانت تخص الرهبان العجائز لأن الرهبان لا يلبسوا الطيلسانة (تاج الكهنوت) للكاهن المتزوج. أما الطرحة الصغيرة خطأ لأنها غطاء رأس لا تصلح.إذًا الطرحة الثابتة بالطيلسانة هي المهمة إشارة لطرح العالم وراء الظهر. نيافة الحبر الجليل الانبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها عن القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي
المزيد
09 فبراير 2020

لماذا نصوم صوم يونان ؟

صوم يونان وليس صوم نينوى الصوم هو صوم يونان و لكن يطلق عليه خطأ صوم نينوى ،وللذين يطلقون عليه ذلك ( نينوى ) عدة أسباب لا تستند على أى دلالات من الكتاب المقدس أو من الطقس الكنسى المورث و مع ذلك توجد أسباب كثيرة تدل على أنه صوم يونان النبى ولعل من أهم هذه الأسباب مايلى :- 1- أول سبب وهو أهمهم أن صوم يونان ( الثلاثة أيام ) ترمز رمزاً مباشراً لموت و قيامة السيد المسيح لأنه كما قال السيد المسيح نفسه ( لأنه كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة أيام و ثلاث ليالٍ هكذايكون إبن الإنسان فى قلب الأرض ثلاثة أيام و ثلاث ليالٍ[مت 12: 40] ) 2- ثانى سبب أن يونان كان رمزاً ثانياً للسيد المسيح ( لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون إبن الإنسان أيضاً لهذا الجيل [لو 11: 30 ] ) . 3- ثالث سبب وهو مهم أيضاً . أن طقس الكنيسة فى الثلاثة أيام هو من طقس الصوم الكبير بألحانه بكل ما فيه ، ولعل ذلك دليل ، لأننا نصوم صوم تمهيدياً للصوم المقدس ، ويرجع ذلك إلى أن الصلة بين الصومين هى أن السيد المسيح صام أربعين يوماًعلى الجبل كإستعداد للخدمة ، هكذا صام يونان أستعداداً للخدمة و إن كان صياماً إجبارياً . 4- رابعهم أن ألحان الكنيسة فى ذلك الصوم تطلب صلوات يونان ( فى الهيتينية ) ، و تتوب توبة نينوى كما فى المدائح . 5- خامس سبب و هو الدليل القاطع على ما نقول و هو أن أهل نينوى لم يَذكر عنهم الكتاب المقدس من التكوين إلى الرؤيا أنهم صاموا ثلاثة أيام ، بل ما ذُكر ان المدينة كانت مسيرة ثلاث أيام و لكن يونان نادى فيها يوم واحد فإستجابت المدينة كما هو مكتوب فى ( يونان 3 ) و لم يُذكر كم يوم صام الشعب فربما 4 أو 5 أو أكثر من ذلك .. لم يُذكر لعلنا نصوم صوم يونان بتوبة أهل نينوى.
المزيد
09 أكتوبر 2021

ظروف شباب المرحلة الثانوية

هناك ظروف قديمة وجديدة تحيط بهذه المرحلة، لابد من التعرف عليها، حتى نحسن التعامل مع شبابها المبارك... لاشك أن هناك مستجدات هامة لدى شباب المرحلة الثانوية، فى هذه الأيام، نذكر منها : 1- العملية التعليمية : ولاشك أنها ليست على ما يرام، فهى فى أفضل صورها عملية تلقين لا تكوين... بمعنى أنها تهتم بحشو الذاكرة - وليس الذهن - بكمية ضخمة من المعلومات فى مجالات واسعة من المعرفة.. وكل ما يطلبونه من الشباب هو أن يحفظ هذه المعلومات غيباً، ويسكبها سكيباً فى ورقة الإجابة فى إمتحان واحد خطير آخر العام. هذا بينما يؤمن العالم كله بأهمية التربية قبل التعليم، والتكوين قبل التلقين. لهذا يعتمدون فى الخارج على تكوين روح البحث لدى التلميذ، وعلى تحريك ذهنه للفهم والإبتكار والإبداع. وهذا ما نشاهده فى الغرب، إذ يطلبون من التلميذ تحضير ورقة بحث فى موضوع ما، ربما يختاره هو، ويبحث عن مادة الموضوع فى المكتبة، ولدى المدرس، والأسرة، والكنيسة، حتى تكتمل العناصر، ويتقدم ببحثه، ويناقشه فيه المدرس والزملاء.. وأكثر من مرة حضر شباب من أمريكا أو استراليا، ليدرس مثلاً الفرق بين الشباب القبطى داخل وخارج مصر، من خلال استبيانات وإحصائيات فى مجالات مختلفة: شخصية وعائلية وكنسية... بهدف معرفة ما يجب أن ننتبه إليه فى خدمة الشباب، هنا أو فى المهجر... وقد استفدنا كثيراً من هذه البحوث الميدانية. كذلك نجد العملية التعليمية الآن فيها فاقد رهيب للوقت، فالشباب يذهبون فى الصباح الباكر إلى المدرسة، وتكون الفائدة قليلة جداً، لتكدس الفصول وارهاق المدرسين، وظروفهم الصعبة. ثم يبدأ الشباب فى مدرسة أخرى بعد الظهر، فى فصول التقوية، أو الدروس الخصوصية، حيث الشرح أفضل، ولكن لشباب مرهق... ولا يتبقى سوى سويعات قليلة فى المنزل للاستذكار. هذا كله عبء ضخم على شبابنا الغض، الذى لا يجد فرصة للنمو الروحى والثقافى والإجتماعى والبدنى من خلال الأنشطة والاجتماعات الكنسية والمهرجانات... ولاشك أن تمديد الثانوية العامة إلى عامين بدلاً من عام واحد، أصبح عبئاً كبيراً على شباب المرحلة الثانوية، بحيث لم يعد لديهم النفس الهادئة، أو الوقت المناسب، لتكوين شخصياتهم المتكاملة: روحياً وثقافياً ووجدانياً وبدنياً وإجتماعياً... هذه العناصر الخمسة فى الشخصية الإنسانية، لم يعد من الممكن إشباعها، بينما الشباب يعيش الأرق والإرهاق، مع عملية تعليمية تلقينية مؤسفة. أن شباب المرحلة الثانوية فى هذه الأيام، لا يتمتع حتى بالإجازة الصيفية، حيث الملحق (والتحسين سابقاً)، وحيث ضرورة الاستعداد للعام الدراسى بدروس خصوصية فى الصيف، تمهيداً للعام الدراسى الجديد. وقد لاحظنا ذلك أثناء خدمتنا لهذه المرحلة، فبعد أن كنا نقدم لهم مادة دسمة فى المهرجان، على الأقل أثناء دراستهم فى الصفين الأول والثانى، حيث كانوا يواظبون على الخدمة الكنسية، وبالتالى يستوعبون الكثير من المعلومات اللاهوتية والعقيدية والطقسية والتاريخية والكتابية، مع فنون وآداب ورياضة وكومبيوتر.. مع الإندماج المفرح فى الحياة الكنسية والأنشطة الصيفية... صار شبابنا المرهق المهموم بالثانوية العامة، كثير الغياب عن الكنيسة، ولذلك اضطررنا إلى تخفيض حجم النشاط الكنسى والدراسات والمهرجان، تقديراً لظروفهم... 2- أسلوب الامتحان : ولاشك أنه أسلوب مؤسف، فالشباب يستذكر طوال العام، بمجهود ضخم، ليتم تقييمه من خلال الحفظ وليس الفهم، ومن خلال امتحان واحد فى ساعتين.. وربما أصيب الشاب أو الشابة بوعكة صحية أو مجرد انفلونزا، فيضيع الإمتحان، ويضيع المجهود، ويضيع المستقبل. أى توتر يمكن أن ينشأ عن هذا الأسلوب؟!! الإمتحان فى الخارج يرتكز على الفهم، ويستمر طوال العام من خلال الأسئلة، والإختيارات، والبحوث، والمتابعة الشخصية من المدرس، ولذلك تكون نفسية الشباب هادئة، وإذا فشل مرة، ينجح فى المرة التالية...إن تقييم شبابنا من خلال ورقة واحدة، فى ساعة معينة، ويوم محدد... أمر مثير للتوتر.. فإذا ما حدثت مشكلة فى المنزل، أو مرض، أو وفاة... ضاع كل شئ!! هذا بالإضافة إلى اعتماد الإمتحان على التذكر وليس التفكير، وعلى الحفظ وليس الفهم... ونحن جميعاً نعلم إمتحانات الخارج، التى كثيراً ما تكون من خلال "الكتاب المفتوح" (Open book)، ولا يستطيع الإجابة على الأسئلة إلا كل من درس المادة واستوعبها تماماً. وهكذا لا يرتبط الامتحان بحالات من التوتر والقلق والإحباط كما يحدث فى بلادنا، ليس فقط على مستوى الشباب، بل أيضاً على مستوى أسرهم... وهذا ما نراه فى بيوتنا أثناء أيام الإمتحانات، والأيام السابقة عليها... 3- سلبيات الإعلام : وما يواجهه شبابنا فى هذا العصر من تنوع لوسائل الإعلام، إلى استمرارية تأثيرها على مدى 24 ساعة يومياً إلى سهولة الوصول إلى السلبى منها، وبطريقة لا يستطيع الوالدون اكتشافها بسهولة. هناك الآن شرائط الكاسيت وما تحمله من أغانى هابطة، وشرائط الفيديو والكثير منها يحمل إنحلالاً وإثارة، والبث من الأقمار الصناعية على عشرات القنوات على مدى الليل والنهار، وشبكة الانترنيت وما تقدمه من إباحية وإنحلال. وبالطبع فنحن لا نرى كل الوسائل الإعلاميةشراً، بل نقصد أنها تقدم للشباب الكثير من الإيجابيات فى المعلومات والتواصل والثقافة والتسلية البرئية، ولكنها تحمل - مع ذلك - سلبيات خطيرة، لها أثرها فى شبابنا، سواء فى إعثاره أو فى تعويقه عن الجهاد الروحى، ناهيك عن صعوبة النمو الروحى فى هذا الجو الصعب. لقد أصبحت الخطيئة "محيطة بنا بسهولة" كما يقول الرسول بولس (عب 1:12). الأمر الذى يحتاج إلى إفراز وتوعية وتغذية وبدائل وجهاد كثير، ينبغى أن يبذله شبابنا المبارك، عملاً بقول الكتاب "إمتحنوا كل شئ، وتمسكوا بالحسن" (1تس 21:5). 4- سلبيات الوسط المدرسى : لاشك أن الوسط المدرسى لم يعد كما كان فى الماضى، سبباً فى إنماء المعرفة وتربية الخلق القويم، إذ أنه صار حافلاً بسلبيات كثيرة منها: أ- التكدس فى الفصول، الذى يعوق علمية التعلم، ناهيك عن عملية التربية. ب- التدنى العام فى المجتمع، واهتزاز القيم، وتآكل الطبقة الوسطى، وصعود نوعيات غير متحضرة إلى السقف بسبب دخلها المادى المتزايد. ج- انتشار ظاهرة المخدرات بين الشباب، فضلاً عن التدخين والشيشة. د- تنامى ظاهرة العنف بين الشباب، بتأثير التكدس فى المساكن، وصعوبة العيش، وازدحام الطريق، والتوتر اليومى العام، ومشاهد العنف فى وسائل الإعلام، وشيوع مبادئ منحرفة كالبلطجة، وأخذ القانون باليد، وليس بالوسائل المشروعة. هـ- التدنى الخلقى فى اللفظ والتعامل اليومى، بتأثير الأفلام والمسلسلات، وما تحويه كثيراً من عبارات وألفاظ غريبة وغير لائقة، تنزل بسرعة رهيبة إلى الشارع والمنزل والمدرسة ويتبادلها الشباب فى سلوكهم اليومى. و- الفوارق الطبقية وما تثيره من حراك إجتماعى وأحقاد بين فئتى الأغنياء والفقراء، وحتى الموظفين، الذين أصبحت دخولهم المادية لا تساعدهم على الحياة الكريمة. ز- تأثيرات الأسرة على الطفل والفتى والشاب، والتى يأتى بها إلى المدرسة، مشحونة بالسلبيات الخطيرة. ى- روح التهريج واللامبالاة والسخرية والتهكم، التى تسود فئات كثيرة، بسبب الإحباط والمتاعب الإقتصادية.. وهذه كلها أمور لها تأثيرها على شباب المرحلة الثانوية، وتستدعى من الكنيسة أن تكون "الأسرة البديلة"، التى يمكن أن تقوم "بإعادة تربية" للكثير من الشباب (Re- education Process). 5- أزمة المستقبل : ويالها من أزمة، بين شبابنا المكافح!! فمع تزايد الأعداد، بسبب الإنفجار السكانى، وتكدس الفصول، وضعف العملية التعليمية، والتنافس المحموم على الحياة والعمل، وصعوبة إختيار الدراسة التى يحبها الشباب، وأكثر منها صعوبة الحصول على عمل مجز بسبب البطالة المنتشرة، والركود العام فى الإقتصاد. هذه كلها أمور مقلقة لشبابنا، إذ لا يرى المستقبل بهيجاً ولا واضحاً ولا مأموناً... الأمر الذى يصيبه بتوتر فى أعماقه، قد يظهر على السطح فى صورة أشكال من العنف، أو أنواع من التهريج والسخرية والسلوك غير السوى، بل أنه قد يدفع الشباب إلى نوع من الإحباط والاكتئاب، ثم إلى التدخين والمخدرات، مع رفقاء السوء، وما أكثرهم!! 6- اختلاف الأجيال : وهو عامل آخر نضيفه إلى الظروف المحيطة بشباب المرحلة الثانوية، حيث كثيراً ما يحدث انفصال بين الوالدين وأبنائهم وبناتهم فى هذه المرحلة، ويكتفى الوالدون بالعمل على جمع المال، المطلوب طبعاً، وربما يستغرقون فى ذلك بطريقة تحرم الأولاد والبنات من عطف والديهم، واستماعهم إليهم، ومشاركتهم آمالهم وآلامهم. أضف إلى ذلك إمكانية سفر الوالدين أو أحدهما إلى الخارج، طلباً لمزيد من الدخل، مما يعرض الشباب إلى جوع عاطفى، و صداقات سيئة، وإنحرافات خطيرة. فإذا ما أضفنا إلى ذلك إحساس شباب ثانوى بأنهم كبار، ومحاولاتهم الاستقلال والاستغناء عن نصيحة الوالدين ومشورتهم، واستماعهم إلى أصدقائهم أكثر من والديهم، يتضاعف حجم المشكلة، وتتزايد الفجوة إتساعاً. وفى نفس المجال، إذا ما حاول الوالدين تربية أبنائهم وبناتهم بأسلوب ما تربوا هم عليه فى عهود سابقة، دون تفهم لما يدور حول الأجيال الجديدة من أمور، ودون تفاهم وحوار معهم... تتزايد الفجوة أكثر فأكثر. أضف إلى ذلك ما يمكن أن يحدث من أخطاء فى التربية مثل القسوة، أو التدليل، أو التفرقة فى المعاملة بين الأبناء والبنات، الأمر الذى يجعل من إختلاف الأجيال خلافاً، ثم إنحرافاً. هذه بعض الظروف التى تحيط بأبنائنا وبناتنا فى المرحلة الثانوية، فكيف يكون أسلوب التعامل الفعال معهم، وهم يجتازون مرحلة صعبة، وظروفاً أصعب... نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
19 ديسمبر 2019

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ اَلاَّوِيِّينَ

1- بين اصحاح 1 – 4، اصحاح 26 ففى الاول والثانى ذكر عدد بنى اسرائيل ولكنهما اختلفا فى تقدير العدد فبعض الاسباط فى الاحصاء الثانى زاد وبعضها نقص. فنجيب: كان بين الاحصائين ما يزيد عن 38 سنه فلهذا زاد عدد بعض الاسباط فى الثانى عن الاول، والاحصاء الاول تكرار للاحصاء المذكور فى (خر 38 : 6) اما النقص فى بعض الاسباط فسسبه ان الله كان قد قضى قبل دخول ارض كنعان بافناء كل الرجال الذين فوق سن العشرين وقت الخروج (ماعدا اثنين وسبط لاوى) اى كل الذين تضمنهم الاحصاء الاول، وان ذلك القضاء اخذ يجرى منذ نطق الله به اى منذ بدء السير فى البريه او منذ رجوع الجواسيس (عدد 14 : 29) ولا ريب فى ان نتيجه ذلك نقص عدد الاسرائيليين فى الجيل التالى. ولم يكن النقص متناسبا فاننا نرى النقص الاعظم فى شمعون ولاوى مع كونه خرج من ذلك القضاء فلم يزد سوى الف وهى زياده زهيده وذلك لتتم عليهم نبوه ابيهما (تك 49 : 5 – 7) انظر ايضا بخصوص شمعون (عد 25 ويش 19 : 9 و1 اى 4 : 27) وبخصوص لاوى (عد 3 : 4 و16 : 32 و26 : 10) واصاب النقص الراوبينيين لانهم كانوا على موسى (تث 11 : 1). 2- وبين اصحاح 1 : 7، را 4 : 20 ففى الاول ان نحشون كان فى عصر موسى وفى الثانى ان بينه وبين داود اربعه اعقاب فقط هم سلمون وبوعز وعوبيد ويسى، على ان بين موسى وداود اكثرمن 450 سنه (اع 13 : 20). فنجيب لعل الثانى ترك بعض اشخاص واكتفى بذكر المشاهير من رؤساء العائله. مثال ذلك انه فى (1 اى 6 : 3 – 15) توجد سلسله رؤساء الكهنه من هارونالىالسبى، اما عزرا الذى كان منهم فعند ذكر نسبه فى سفره اصحاح 7 : 1 – 5 يهمل من هذه السلسه ذاتها نحو سته اجيال كما يظهر من مقابله هذين الشاهدين فى محلهما. 3- وبين لا اصحاح 4، عد اصحاح 15 ففى الاول تقدم ذبيحه ثور فداء عن الشعب وفى الثانى لابد ان يكون الثور مع لوازمه. فنجيب ان الاول قصد به ذبيحه الاثم وقصد بالثانى ذبيحه الاثم مع النذور. راجع العبارتين. 4- وبين عد 4 : 3 و23 و30 و35 و39 و43 و47 وبين اصحاح 8 : 24 و25 ففى الاول ان خادم خيمه الاجتماع يكون من ابن 30 سنه فصاعداالى50 سنه وفى الثانى يكون ابن 25 سنه فصاعداالى50 سنه فنجيب كان اللاويون فى عصر موسى يخدمون من سن 25 سنه فى الخدم البسيطه اما وقت نقل ادوات خيمه الاجتماع الثقيله فكان يختار لها الرجال الاقوى. وبعد ان بنى الهيكل وخف العمل قبل فى خدمته من كان سنه 30 سنه. 5- وبين اصحاح 16 : 32، اصحاح 26 : 11 ففى الاول ان الارض ابتلعت قورح وكل من كان له وفى الثانى ان بنو قورح لم يموتوا فنجيب. جاء فى الكتاب ان قورح من عشيره قهات وداثان وابيرام اللذان اعتصبا معه على موسىمن سبط راوبين عد 16 ومحله الاول كانت قبلى خيمه الاجتماع المركزي ه على جانب المسكنالىالتيمن واما محله الاخرين فقد كانت قبلى الخيمه ايضاالىالتيمن فى صف خارجى وهذا يعلل لنا سبب مخاطبه موسى لقورح لقربه منه (عد 16 : 8) وسبب استدعائه لداثان وابيرام (عد 12) اللذين رفضا ان يجيئا ثم تركه فى الصباح خيمه الاجتماع المركزيه (عد 16) حيث كان الشعب يقدمون البخور امام الرب وذهابهالىداثان وابيرام (عد 25)ويعلل ايضا سبب ذكر خيام داثان وابيرام مرتين واغفال ذكر خيمه قورح مع انه زعيم المحرضين (عد 26 و27) ويفصح لنا ايضا عن سبب هلاك هاتين العشيرتين وعدم ذكر عشيره قورح لان انشقاق الارض كان قاصرا على المكان المنصوبه فيه خيام داثان وابيرام التى امر الرب شعب اسرائيل بالاعتزال عنها (عد 26) فعشيره قورح لم تهلك لان خيمتها كانت فى صف داخلى وهذا هو السبب فى ذكر داثان وابيرام فقط فى (تث من 11 : 6) واما قول الاول (وكل من كان لقورح) اى من الثائرين معه ولا يقتضى ان يكونوا من عشيرته، وذكر الاول له بصفته كبير المعتصبين. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
07 يونيو 2019

الأوقات التي جعلها الآب في سلطانه

قبيل صعود السيد المسيح إلى السماء، أوصى تلاميذه أن لا يبرحوا من أورشليم إلى أن ينالوا قوة متى حل الروح القدس عليهم، "أما هم المجتمعون فسألوه قائلين: يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟ فقال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 6، 7). كان السيد المسيح قد أخلى ذاته من المجد الأزلي الخاص به مع الآب والروح القدس، وذلك حينما ظهر في الجسد.. في صورة عبد.. في هيئة إنسان متضع، مطيع للآب السماوي.. لذلك خاطب الآب في مناجاته قبل الصليب قائلًا: "مجدّني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو17: 5). وكان وهو في دائرة الإخلاء ينسب السلطان والمجد إلى الآب، إلى أن يعود إلى مجده مرة أخرى، بصعوده إلى السماء كقول الكتاب "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كرز به بين الأمم، أومن به في العالم، رُفع في المجد" (1تى3: 16). فعندما صعد الابن الوحيد الذي تجسّد، دخل إلى مجده السمائي. ولهذا قيل "رُفع في المجد". لهذا قال الكتاب "صعد الله بالتهليل، الرب بصوت البوق" (مز46: 5). وقيل أيضًا "ارفعوا أيها الملوك أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد" (مز23: 7). إن ملك المجد هو الذي رفع في المجد. حينما صعد السيد المسيح جسديًا، دخل بجسده إلى المجد كسابق لنا، وكرأس للكنيسة، وكرئيس كهنة أعظم.. "دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 12). وهناك في مجده مارس سلطانه الإلهي مثل الآب تمامًا بنفس المجد والكرامة ولهذا يصلى الكاهن في القداس ويقول) وصعد إلى السماوات وجلس عن يمينك أيها الآب ورسم يومًا للمجازاة، هذا الذي يأتي فيه ليدين المسكونة بالعدل. ويعطى كل واحد كأعماله ((القداس الباسيلي). في وجوده على الأرض قبل الصعود قال للتلاميذ: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7). أما عند دخوله إلى الأقداس السمائية، أي بدخوله إلى مجده فإن سلطان الآب هو سلطانه كما هو منذ الأزل. ولكنه حينما أخلى نفسه من المجد كان ينسب السلطان الإلهي إلى الآب. وفي مجيء السيد المسيح الثاني للدينونة قال عن مجيئه عبارتين متساويتين: "متى جاءابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه" (مت25: 31) و"إن ابن الإنسانسوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته.." (مت16: 27). فمجده في مجيئه الثاني للدينونة هو نفسه مجد أبيه،وليس هذا غريبًا عمن قيل عنه أنه هو بهاء مجد الآب (انظر عب 1: 3) السيد المسيح باتضاع عجيب كان يتكلم عن سلطان الآب أثناء وجوده على الأرضمخليًا ذاته. وكانت رسالته في إخلائه لنفسه هي أن يتمم الفداء بطاعة حتى الموت، موت الصليب"لذلك رفّعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم. لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء، ومن على الأرض، ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيحهو رب لمجد الله الآب" (فى2: 9-11) وقيل أيضًا عن السيد المسيح أنه هو "رب المجد" (1كو2:8) وبما أنه هو "رب المجد"و"رب لمجد الله الآب".. كان من الطبيعي جدًا بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، أن يجلس في يمين العظمة في الأعالي (انظر عب1: 3)، وأن يحدد بنفسه يومًا للمجازاة، هو يوم مجيئه للدينونة وفي رؤيا دانيال النبي تكلّم عن سلطان السيد المسيح ومجده فقال: "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سُحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام. فقرّبوه قدّامه.فأعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 13، 14) لقد أعطى السيد المسيح تلاميذه نموذجًا ومثالًا في الاتضاع، وفي الخضوع لمشيئة الآب السماوي، وفي التخلي عن مظاهر التباهي بالمعرفة حينما قال لهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7) ناسبًا السلطان لأبيه، مع أن سلطان أبيه هو سلطانه، ومجد أبيه هو مجده، وملكوت أبيه هو ملكوته.. بل إن ملكوت الآب يُنسب إلى الابن كقول الكتاب "ملكوت ابن محبته" (كو1: 13). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل