هذا المزمور الذى نكرره فى صلاة النوم وفى صلاة الستار وفى الخدمة الثالثة من صلاة نصف الليل؛ يعلمنا الاتضاع فى أفكارنا وتصوراتنا ورغباتنا وسلوكنا وأيضاً فى تعاملنا مع الآخرين.
ولأن الذبيحة لله روح منسحق فقد اهتم المرنم بأن يدرّب فكره فى دروب الاتضاع لتصير عبادته مقبولة أمام الله. ولا شك أن الفكر المتضع ينشئ سلوكاً متضعاً فى حياة الإنسان
تاقت نفسى إلى خلاصك وعلى كلامك توكلت بدون معونة الله يضيع كل تعب الإنسان باطلاً من يرشد الإنسان فى مسيرة حياته لتأتى أعماله مطابقة لمشيئه الله؟ إن الكلمة الإلهية فى الكتب المقدسة لاشك أنها تنير طريق الإنسان، ولكن توجد كثير من الأمور تحتاج إلى فهم سام وإرشاد علوى إلى جوار الكلمة المكتوبة.. والله قد وعد بأنه لا يتركنا يتامى، بل يمنحنا الروح القدس لتعزيتنا وإرشادنا حتى نتمم خلاصنا.
هذا المزمور الذى نكرره كثيراً فى صلواتنا: فى صلاة النوم وفى صلاة الستار وفى الخدمة الثالثة من صلاة نصف الليل؛ مزمور "من الأعماق صرخت إليك يا رب" يناسب كثيراً من الأحوال فى حياة الإنسان. فهو لسان حال الإنسان المحب لله، والإنسان الساقط فى الخطية، وغارقاً فى الهاوية، والإنسان المجرب بالضيقات.. كل هؤلاء وغيرهم يجدون تعزية فى صلاتهم بهذا المزمور
من الأعماق
كلمة من الأعماق من الممكن أن يقولها الإنسان فى حالات روحية متعددة، وليس فى حالة واحدة فقط..
نجد فى المزامير تعزية جزيلة لأنها كُتبت بوحى الروح القدس. وحينما يجد الإنسان فيها تعبيراً عن حالته الروحية يشعر أن الله يدرى باحتياجاته، ويعرف طبيعته وتكوينه. كما يدرك أن الله يهيئ له سبل الخلاص والتبرير والحياة الأبدية وهذا المزمور وهو من المزامير الجميلة فى صلاة باكر من صلوات الكنيسة- يعبّر عن حالة إنسان يشعر أنه وحيد وفقير، إنسان يشعر أن أعداءه قد كثروا وأبغضوه ظلماً. كما يعبّر عن إنسان قد كثرت أحزان قلبه، وكثرت شدائده، وقد تعب كثيراً من هذه الأمور. وأيضاً يشعر أن خطاياه هى سبب أحزانه هذه فيقول: "من أجل اسمك يا رب اغفر لى خطيئتى لأنها كثيرة" (آية رقم11)
وضعت الكنيسة هذا المزمور فى كثير من الصلوات نصلّيه فى صلاة باكر، وصلاة الستار، والخدمة الأولى من صلاة نصف الليل. فهو من المزامير التى تتكرر كثيراً ولأن الله يعرف كيف أن الإنسان يمكن أن يسقط مرات كثيرة فى مشاعر اليأس وعدم الرجاء؛ أعطاه هذه الكلمات المطمئنة فى صورة صلاة..
المزامير مفاتيح قلب ربنا المزامير موحى بها من الله، وهى مفاتيح قلب ربنا، حيث أعطى لنا الرب صلاة نصلى إليه بها. وهو الذى أوحى بالكلمات، حتى ولو بها عتاب؛ فهو يوافق على العتاب، مثل "إلى متى يا رب تنسانى إلى الإنقضاء" (مز12: 1) يقول أنا موافق على عتابك، قل لى هذا: {إلى متى تنسانى؟}.
من الأمور الجميلة فى الكتاب المقدس؛ إن شخصيات الكتاب المقدس لا تعطينا فكرة عن الشخصية فى حد ذاتها فقط، ولا تعطينا فكرة عن معاملات الله مع الناس فقط، ولكن كثير من حوادث الكتاب المقدس؛ بل كثير من شخصيات الكتاب المقدس؛ بل أقول لا توجد شخصية فى الكتاب المقدس لا ترتبط بقضية الفداء والخلاص.. كثير من الشخصيات ترمز من جانب أو آخر إلى شخص السيد المسيح. طبعا لا تكون الشخصية مطابقة للمسيح فى كل شئ، وإلاّ معنى هذا أن هذه الشخصية جمعت كمالات السيد المسيح وصفاته وهذا مستحيل.
المزامير هى صلوات موحى بها من الروح القدس، ولهذا فهى تعتبر مفاتيح لقلب الله. كما أنها مدرسة للصلاة نتعلّم منها المقاصد الإلهية وهذا المزمور "يا رب اسمع صلاتى" من مزامير صلاة باكر؛ يشرح المنهج الرسولى السليم فى الجهاد الروحى للوصول إلى الحياة الأبدية.فلا هو يُعلّم مثل أصحاب مبدأ الخلاص فى لحظة أن المؤمن يكفيه الإيمان فقط، ولا يحتاج إلى جهاد ليصل إلى الخلاص النهائى.وهو أيضاً لا يُعلّم الاتكال على الذات فى الجهاد الروحى للوصول إلى النصرة على الشياطين، بل أن يطلب المجاهد المعونة من الله باستمرار.