المقالات

25 فبراير 2019

لماذا نصــــوم

هل كانت هناك اصوام ثابتة فى مواعيد محددة فى العهد القديم ؟ أن الصوم فى مواعيد محددة تعليم كتابى فقد حدد الرب اصوام ثابتة لشعبه فى العهد القديم فقد ذكر فى سفر زكريا النبى صوم الشهر الرابع و صوم الشهر الخامس وصوم السابع و صوم العاشر (زك 19:8) و الحكمة يا ابنى فى تحديد مواعيد الصوم هو تنظيم العبادة الجماعية . هل في العهد الجديد اشارة إلى الصوم ؟ ( أ ) صام الرب يسوع أربعين يوما و أربعين ليلة (مت 2:4) صام عنا و قدم لنا مثالا لتتبع اثر خطواته . (ب) صام الرسل قبل القداسات (اع 2:13) . (ج) صاموا أيضا عند اختيار الخدام ورسامتهم (أع3:13،27:14) . ( د) الصوم فى وقت الخطر خلال رحلة بولس الرسول لروما . (أع 21:27) . هل جميع هذه الاصوام ذكرت فى العهد الجديد وان لم تذكر جميعها فلماذا نصومها ؟ الانجيل مسلم للرسل فما لفم و لم تدون كل تعاليم السيد المسيح ( يو 30:20-31 ،25:21) كما أن الانجيل قد تم تدوينه بعد فترة من صعود السيد المسيح ونحن نضع تعاليم آبائنا الرسل " كإنجيل شفاهى " يكمل ما حفظ لنا فى الانجيل الكتابى و نحترم و نطيع و نسمع ونقبل تلك التعاليم كاحترامنا و طاعتنا و قبولنا و سمعنا للرب نفسه (لو 16:10) . ويذكر الأنجيل يا أن المؤمنون قد تسلموا تعاليم الكنيسة من الرسل وخلفائهم . (1كو23:11،34،2تس15: 2،2تى2:2،فى9:4،2يو:12) . ومن ثم نتسلم قوانين الآباء البطاركة القديسين الذين رتبوا الاصوام الباقية للآن و نقول كما قال القديس اغسطينوس أن عادتنا لها قوة القانون لأننا تسلمناها من أناس قديسين . ماذا يحدث للإنسان لو لم يصم مع الكنيسة ؟ المسيحى الحقيقى يا ابنى هو عضو فى جسد السيد المسيح الذى هو الكنيسة و هو لا يشذ عن الجماعة لأن العضو إذا خرج عن الجسد يفسد و يسبب للجسد آلاماً مبرحة…… المؤمن سيصوم لأن الكنيسة تصوم فهو منها ومعها وفيها. فالمفروض يا أن تطاع الكنيسة كما يطاع الله فقد قال الرب لتلاميذه "من يسمع منكم يسمع منى" (لو16:10) وان تصام الاصوام كاملة كما هى مقررة من قديم الزمان أما من تمنعه ظروفه الصحية فليعرض أمره على أب اعترافه ليأخذ منه حلا ولا يصح أن يختصر أيام الصوم من تلقاء نفسه يفطر ويصوم كما يشاء ، بل هناك تدبير روحي مع أب الاعتراف . - يقول البعض أن السيد المسيح لم يحتم الصوم بل تركه للظروف بقوله " متى صمتم " فلماذا نصوم فى أوقات ثابتة "سنويا" ؟ أن كلمه متى يا تفيد التحقيق والتأكيد وليس الشك ، بحيث يكون فى حكم الواقع المحتم مثل قول الرب : "متى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه" (مت31:25) . وقوله لبطرس " متى رجعت ثبت اخوتك " (لو23:22) . فواضح من ذلك أن بعد كلمة "متى" حقائق مقررة ووقوعها محتم وقد حدد الرب أوقاتا معينه للصوم (لا29:16، زك19:8، لو12:18) .وحدد الرب يسوع له المجد موعد بدء صوم الرسل بعد صعوده عنهم إلى السماء (مت15:9) وهذا ما تم فعلا (اع13،14،27) . أمر الرسول بولس المؤمنين بالصوم (1كو5:7). ويجب الخضوع للترتيب الكنسى الذى وضعه الرسل وخلفائهم. الصوم يجب أن لا يتكرر سنويا ويجب أن يمارس فى وقت الضيقات فقط؟ الصوم كالصلاة و الصدقه يجب أن يتكرر فى موعده وكما سبق و قلت لك يا ابنى أن الرب حدد أوقاتا معينه للصوم وذلك لما للصوم من فوائد روحيه كثيرة. كما أن الصوم الجماعى يا ابنى هو تعليم كتابى ويدل على وحدانية الروح فى العبادة وفى التقرب إلى الله . كما أننا يا ابنى فى حرب دائمة مع الشياطين لذلك فنحن فى حاجة دائمة إلى الأسلحة الروحية المختلفة لمقاومتهم ومن هذه الأسلحة الصوم لذلك يجب التعود على أوقات الصوم فى أوقاته المعينة وعدم تركه للظروف أو قصره على أوقات الضيقات . هناك بعض الأشخاص يرفض الصوم نهائيا بزعم أن القديس بولس الرسول قد رفض الامتناع عن أكل معين بقوله " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب " (كو16:2)؟ إن قصد القديس بولس الرسول بهذه الآية هو عدم التمسك بالنظرة اليهودية بتقسيم الطعام إلى نجس و طاهر فهو لم يقل " لا يحكم أحد عليكم فى صوم " إنما عن هذه الاطعمه المعتبرة نجسة ودنسة قال الرسول بولس " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب " وذلك لان فى بداية الإيمان بالمسيحية كان أول من دخل المسيحية هم اليهود فأرادوا تهويد المسيحية أى أن من يدخل فى المسيحية عليه ان يمارس كل العادات اليهودية مثل النجاسات والتطهير وحفظ السبت والاحتفال بالهلال وأوائل الشهور والأعياد اليهودية مثل الفصح والفطير والأبواق والمظال ويوم الكفارة فأراد بولس الرسول مقاومة تهويد المسيحية و لذلك قال " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التى هى ظل الأمور العتيدة " إذن لم تكن مناسبة حديث عن الصوم و إنما عن العادات اليهودية التى يريدون إدخالها إلى المسيحية .. قال احدهم بنوع من الاستخفاف هل ربنا قال للناس عندما تصوموا كلوا عدس وفول وبصارة ؟ نعم حدد الرب أنواعا معينة من الطعام تؤكل فى الاصوام كما يلى : (أ) أمر الرب حزقيال النبى بالصوم ثم الإفطار على القمح " البليلة" والشعير والفول والعدس والدجن " الذرة الرفيعة " والكرسنه " الكمون " . (حز9:4) . (ب) صام دانيال عن أكل اللحوم وشرب الخمر (دا12:1) كما صام مع أصحابه الثلاثة وافطروا آخر النهارعلى القطانى "البقوليات" (دا8:1-16) . (ج) صام داود النبى بالزيت وقال " ركبتاى ارتعشتا من الصوم ولحمى هزل عن سمن " (مز24:109) . عارف يا الصوم فى كنيستنا ليس هو مجرد طعام نباتى إنما هو انقطاع عن الطعام فترة معينه يعقبها أكل نباتى من اجل لذة محبة الله وحفظ وصاياه بحب وفرح دون ضغط أو إكراه. لماذا تصوم الكنيسة الصوم الكبير؟ الصوم الكبير يا ابنى له المقام الأول والمنزلة الكبرى بين الاصوام الكنسية و الكنيسة تمارس هذا الصوم تذكارا لصوم المخلص الذى صامه وأيضا اقتداء بالسيد المسيح فى مسلكه هذا فالرب يسوع لم يكن محتاجا للصوم وإنما هو صام عنا لكي يعطي قوة لصومنا فيصبح (صومنا) صوماً مقبولاً أمام الأب السماوي لذلك يجب أن نتمثل به. وأيضا بهذا الصوم يستعد المؤمنون استعدادا روحيا كبيرا لأسبوع الآلام والاحتفال بقيامة الرب يسوع من بين الأموات نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
29 أكتوبر 2020

شخصيات الكتاب المقدس أخيتوفل

"وخنق نفسه ومات" 2صم 17: 23 مقدمة كان أخيتوفل واحداً من أقرب الناس إلى الملك داود، وهو الرجل الذي يطلقون عليه "يهوذا الاسخريوطي العهد القديم"،... إذ كانت له نفس الشركة والمكانة التي كانت ليهوذا الاسخريوطي، من ابن داود، ابن الله،.. وكلاهما باع صديقه، ووصل إلى نفس المصير!!... كان الرجل من أبرع الحكماء وأعظمهم، ولم يوجد له نظير بين رجال داود في الفهم والحكمة،... ولكنه على قدر ما امتلأ من المعرفة والحكمة، فرغ من الحب والفضيلة، -في لغة أخرى- كان عقلاً دون قلب، ومن ثم حق أن يوصف أنه الميكافيلي الإسرائيلي، الذي لا مبدأ له، والذي ظهر قبل أن يعرف العالم الميكافيلي الحديث في العصور الأخيرة، الميكافيلي الذي وضع أبشع قاعدة خلقية: إن الغاية تبرر الواسطة!!كان أخيتوفل كتلة من الحكمة والذكاء، ولكنه وقد تخلى عن الحق والرحمة لم تعد له الحكمة النازلة من فوق، بل الحكمة الأرضية النفسانية الشيطانية، الممتلئة بالتحزب والغيرة والتشويش، وكل أمر رديء،... وأضحت مأساته مأساة العالم كله، المتقدم في المعرفة، والمتخلف في الأخلاق، والغارق في الدم والتعاسات والأحزان والآلام،.. لم يقتل داود أخيتوفل، ولم يشتر أحد الحبل ليهوذا سمعان الاسخريوطي،... ولكن كليهما مضى وخنق نفسه ومات،... وإذا كانوا في العادة يقولون إن ذكاء المرء محسوب عليه، وإذا كان الكتاب يقول إن أخيتوفل انطلق إلى بيته إلى مدينته وأوصى لبيته وخنق نفسه، ونحن لا نعلم ماذا أوصى لبيته، لكننا سنجتهد أن نفتح وصيته الرهيبة التي خلفها وراءه للأجيال وللتاريخ، ومن ثم يحق لنا أن نراه من النواحي التالية: أخيتوفل الصديق القديم أغلب الظن أننا لانستطيع أن نفهم أخيتوفل قبل أن نقرأ المزمور الخامس والخمسين، ومع أن داود تنبأ في هذا المزمور عن يهوذا سمعان الاستخريوطي، إلا أن عينه في الوقت نفسه كانت على أخيتوفل الجيلوني صديقه الخائن الذي تمرد عليه، وشارك أبشالوم في ثورته ضده، ولم يكن أخيتوفل إلا رمزاً لذلك الذي قبل يسوع المسيح، وهو يسمعه يقول: "يا صاحب لماذا جئت؟".. وسنعرف أخيتوفل من داود إذا عرفنا يهوذا سمعان الاسخريوطي من ابن داود، من يسوع المسيح، ومع أن الفارق بعيد ولا شك بين داود والمسيح، وما فعل داود مع أخيتوفل، وفعل يسوع المسيح مع يهوذا الاسخريوطي إلا أن كليهما كان الشخص الذي قيل فيه: "لأنه ليس عدو يعيرني فاحتمل ليس مبغضي تعظم علي فأختبيء منه، بل أنت إنسان عديلي ألفي وصديقي الذي معه كانت تحلو لنا العشرة إلى بيت الله كنا نذهب في الجمهور" فإذا أحسست معه حرارة الحب والود، في ذاك الذي رفعه داود إلى مستوى العديل الأليف الصديق، فإنك تقترب من ذاك الذي رفعه يسوع المسيح إلى المركز بين تلاميذه الاثنى عشر، وإذ تقرأ من خلال القول: "الذي معه كانت تحلو لنا العشرة" وهي تحمل رنين الماضي الجميل الحافل بأرق المشاعر وأجمل الذكريات، فإنك يمكن أن ترتفع إلى العتبات المقدسة، وأنت تذكر السنوات اثلاث التي قضاها الاسخريوطي مع يسوع المسيح،.. وإذا أردت أن تتغور في حنايا الماضي، فإنك لا يمكن أن تجد أفضل من اللحظات التي كان يذهب فيها داود وصاحبه، ويسوع المسيح وتلميذه، إلى بيت الله في وسط الجمهور المرنم المتعبد!!... فإذا أردت أن تتعرف أكثر على هذه الصداقة، فإنك ستجدها واضحة الملامح، من حيث كونها الصداقة النافعة، والصداقة الحلوة والصداقة الدينية،.. أما أنها كانت الصداقة النافعة، فهذا مما لا شك فيه، فداود لا يختار صديقاً أو المسيح لا يأخذ تلميذاً، إلا إذا كان هذا المختار يتميز بميزات ووزنات وهبات تؤهله لهذا الاختيار، ومع أننا سنترك الآن يهوذا الاسخريوطي كالتلميذ المؤتمن على أمانة الصندوق، والوحيد بين التلاميذ الذي أختير من اليهودية ولم يؤخذ من الجيل، فإنه مما لا شك فيه أن الذكاء الخارق لأخيتوفل كان يقف على رأس الأسباب التي جعلت داود يقربه إلى ذاته ودائرته، وأن هذا الذكاء كان لازماً جداً في حل الكثير من العوائص والمشكلات التي كانت تجابه داود والأمة بأكملها، ومن ثم كانت مشورة أخيتوفل على ما وصفت به كمن يسأل بكلام الله!!.. وكانت من أهم أسباب تعلق داود به،... على أنه واضح أيضاً أن الرجل لم يكن ذكياً مجرداً من الإحساس والعاطفة، بل كان متقد المشاعر، حلو الحديث، دافق العاطفة: "تحلو العشرة معه" أو في -لغة أخرى- أنه لم يكن قريباً إلى عقل داود فحسب، بل إلى قلبه أيضاً، ولعل داود عاش طوال حياته يذكره بالأسى والألم، كلما ذكر الأوقات الجميلة الحلوة التي امتدت في حياتهما سنوات متعددة طويلة،.. ولم تكن صداقة الرجل لداود بعيدة عن محراب الله،.. أو هي نوع من الصداقة الأدبية أو الاجتماعية التي تربط الناس بعضهم ببعض، بل هي أكثر من ذلك كثيراً، إذ كانت الصداقة التي عاشت كثيراً تحت محراب الله في بيته المقدس، وكان من الممكن لهذه الصداقة أن تستمر وتبقى، لو عاشت في ظلال الله،.. ولكن أخيتوفل، قبل أن يفقد صداقته لداود فقد الصلة والصداقة بالله، وتهاوت مشاعره الدينية الأولى، وأضحت مجرد ذكريات لماضي لم يعد، وتاريخ ولى وتباعد!!.. أخيتوفل الخائن المتمرد ولعلنا هنا نلاحظ أكثر من أمر، فنحن أول كل شيء نصدم بالصداقة المتغيرة المتقلبة، وما أكثر ما نراها في اختبارات الناس، وحياة البشر، على اختلاف التاريخ والعصور والأجيال،.. فإذا كان السياسيون يؤكدون بأنه لا توجد بين الدول ما يمكن أن نطلق عليه الصداقة الدائمة أو العداوة الدائمة، فأعداء الأمس قد يكونون أصدقاء اليوم، والعكس صحيح إذ يتحول أوفى الأصدقاء، إلى أقسى الخصوم وأشر الأعداء،... فإن هذه القاعدة تكاد تكون مرادفة للطبيعة البشرية المتقلبة، وليست وقفاً على السياسة أو السياسيين،.. ومع أني لا أعلم مدى الصدق أو العمق، في القول الذي ألف الناس أن يقولوه، إنه ليست هناك صداقة قوية حارة عميقة إلا بعد عداوة، إلا أني أؤمن بتبادل المواقع بين الأصدقاء أو الأعداء على حد سواء، فما أكثر ما يقف الصديق موقف العدو، وما أكثر ما يتحول العدو إلى الصديق المخلص المحب الوفي... وأغلب الظن أن أخيتوفل في مطلع صداقته مع داود، لم يكن يتصور بتاتاً أنه سيأتي اليوم الذي سيتحول فيه عدواً، لا يخاصم داود فحسب، بل يطلب حياته أيضاً!!... وهل لنا هنا أن نتعلم الحكمة، فنعرف أنه يوجد صديق واحد لا يمكن أن يتغير أو يتبدل في حبه على الإطلاق،.. وهو أقرب إلينا من أقرب الأقربين، ومهما تكن العوامل التي تقربنا أو تفصلنا عن أقرب الناس إلينا، لكننا نستطيع -على أي حال- أن نقول مع داود: "إن أبي وأمي قد تركاني والرب يضمني"، أو مع بولس: "في احتياجي الأول لم يحضر أحد معي بل الجميع تركوني لا يحسب عليهم ولكن الرب وقف معي وقواني لكي تتم بي الكرازة ويسمع جميع الأمم فأنقذت من فم الأسر"... وفي الوقت عينه علينا ألا نضع رجاءنا كثيراً في الصداقة البشرية، فهي -مهما امتدت أو قويت أو استعت- لا تأمن الثبات أو التغير أو الانقلاب!!وإذا كان السؤال الملح بعد ذلك: لماذا انقلب أخيتوفل على داود، ويهوذا الاسخريوطي على يسوع المسيح،... ومع أنه من الواجب أن نضع هنا مرة أخرى التحفظ ونحن نقارن بين الصداقتين، إذ أن يهوذا الاسخريوطي لم يكن له أدنى عذر في الانقلاب على المسيح أو الغدر به على النحو البشع، الذي جعله يبيعه بثلاثين من الفضة، أو يسلمه بالقبلة الغاشة المخادعة المشهورة، وإن كان من الواضح أنه سلمه بعد أن تبين أنه لم يعد هناك ثمة لقاء بين أطماعه وأحلامه في مركز أو جاه أو مال، وبين حياة المسيح وخدمته ورسالته في الأرض!!.. أما أخيتوفل فقد كان وضعه يختلف، إذ كان له من الأسباب ما يمكن أن يثير ضيقه وحفيظته من داود، وقد جاءت هذه الأسباب أثر سقوط داود في خطيته الكبرى مع بثشبع، وبثشبع بنت أليعام، وأليعام هو ابن أخيتوفل الجيلوني، وقد كانت هذه الخطية بمثابة الذبابة الميتة التي سقطت في طيب العطار، لتنته وتفسده، ومن تلك اللحظة تباعد الرجلان، وامتلأ قلب أخيتوفل بالكبرياء والحقد والضغينة، ولم يكن يرضيه البتة، إلا دم داود، سواء بسواء مثل دم أوريا الحثي الذي ذهب ضحية هذه الفعلة الرهيبة الشنعاء!!... ومن المعتقد أنه عاد إلى مدينته جيلوه، وبقى هناك في ثورة أبشالوم الذي استدعاه لمساندته ضد أبيه،... ومن الملاحظ أن ذكاء أخيتوفل الخارق، قد أعطاه نوعاً من الكبرياء لم يستطع معه أن يتسامح مع داود أو يغفر له، بل لعله وقد سمع عن غفران الله للرجل الذي كان يمكن أن تهلكه هذه الخطية، وتضيع حياته الأبدية، وفي الوقت عينه سمع عن عقاب الله الذي لابد أن يتم، بسبب العثرة التي أوجدتها هذه الخطية، كان يتصور أنه من الجائز أن يستخدمه الله لإتمام هذا العقاب، أو المشاركة فيه، عندما سمع عن الثورة التي قادها ابنه ضده!!لم يستطع أخيتوفل أن يغفر، ومع أنه كان من الممكن أن يتسع فكره وقلبه للملك التائب، الذي وإن كان قد سقط، إلا أنه حاول أن يصلح ما يمكنه إصلاحه من آثار هذا السقوط بضم بثشبع، والصلاة من أجل ثمرة السقوط، لعل الله يبقي على الولد، كما أنه عزى زوجته الضحية، وأنجب منها ابنه الآخر سليمان الذي أحبه الرب، وأحبه ناثان أيضاً، وتولى تربيته، وكان يمكن لأخيتوفل أن ينظر إلى بثشبع وابنها نظرة ناثان النبي، النظرة المليئة بالحب والحنان والعطف والترفق، وأن يكون لسليمان ولداود المشير والناصح والمعين والمساعد، لكن أخيتوفل، لم يكن هكذا، بل وعجز عن أن يكون هكذا، لأنه قد ضرب بأمرين ملآه إلى الحد الذي لا يمكن معه الصلح أو الغفران أو اللقاء!!... وهما: الكبرياء والحقد، وويل للإنسان الذي تسيطر عليه هاتان العاطفتان، وويل للناس منه إذ واتته الفرصة للتصرف في ملء غله وحقده وطغيانه وكبريائه!!.ومن الثابت أن الجريمة الكبرى للرجل ليست مجرد التمرد على داود، أو أخذه بكل أسباب الحقد والضغينة والقسوة والشر بل إنه غيب الله تماماً عن المشهد، ولم تعد دوافعه إتمام المشيئة الإلهية حسبما تصورها أو تخيلها، بل كانت دوافعه أرخص وأخس وأحط من كل ذلك بما لا يقاس،.. وإذا كان يهوذا الاسخريوطي قد أتم إرادة الله في تسليم يسوع المسيح، لكن العبرة لم تكن في هذا التسليم الذي كان لابد أن يتم بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق، إنما العبرة كل العبرة، كانت في الدوافع المنحطة الرخيصة التي سيطرت على الرجل عند التسليم!!.. وهكذا كان أخيتوفل الذي قتله الحقد الأعمى، فهو لا يهدأ أو يستريح حتى يسفك دم داود، وهو يقترح لذلك أن ينتخب اثنى عشر ألف رجل، ليسعى وراءه وهو متعب مرتخي اليدين، فيهرب كل الشعب الذي معه، ويضربه هو وحده!!... أو قصاري الأمر أن دم داود هو الذي يشفي غليله، ويهديء ثائرته!!على أن الوجه القبيح للرجل، هو أنه من أقدم الناس الذين آمنوا بأن الغاية تبرر الواسطة، لقد أراد أن يفصل بين داود وابنه أبشالوم فصلاً أبدياً بالمنكر البشع، إذ قال لأبشالوم: "أدخل إلى سراري أبيك اللواتي تركهن لحفظ البيت فيسمع كل إسرائيل أنك قد صرت مكروهاً من أبيك فتشدد أيدي جميع الذين معك"... وفي الحقيقة أن هذا السبب المذكور يخفي وراءه السبب الأعمق، وهو الانتقام البشع من جنس ما فعل داود بحفيدته بثشبع،.. وإذا كان المبدأ الذي أطلقه ميكافيلي في قاموس السياسة الأوربية، طرح كل المباديء الأخلاقية، وذبحها في سبيل حصول الأمة على ما تريد، دون أدنى وازع من نوازع الضمير والإنسانية، فإن أخيتوفل الجيلوني كان من أقدم الذين آمنوا بهذا المبدأ -إن صح أنه مبدأ- وشجع على تطبيقه على النحو الفاضح الذي فعله أبشالوم فوق السطح في القصر الملكي،... رداً لفعل داود الذي أبصر من فوق السطح حفيدته بثشبع وهي عارية!!.لم تكن رغبة أخيتوفل في الواقع إتمام المشيئة الإلهية، والتي لا يمكن أن يتممها الإنسان بهذا الأسلوب البشع الشرير الخاطيء، إذ أن الله لا يمكن أن يعالج الخطية بخطية مثلها، وقد حق لمتى هنري أن يقول: "إن هذه السياسة الملعونة، التي اتبعها أخيتوفل، لم تكن سياسة من يريد أن يتمم مشيئة الله، بل مشيئة الشيطان"... ومع ذلك فإن الله، وإن كان لا يرضى على القصد الشرير، إلا أنه يستطيع السيطرة عليه لإتمام مشيئته العظيمة العليا، أو كما قال يوسف لإخوته: "أنتم قصدتم لي شراً أما الله فقصد به خيراً لكي يفعل كما اليوم ليحمي شعباً كثيراً".. وقد شارك أخيتوفل في تمام المشيئة الإلهية بمشورته الرهيبة، وإن كانت دوافعه الشريرة تتباعد عن الدافع الإلهي بعد السماء عن الأرض!!.. إن الحكمة في الواقع حيث قصدها الله، كعطية منه للإنسان، هي ذلك الإلهام الذي يمنحه للعقل البشري، فيما يستغلق عليه من أمور، أو يواجه من مشاكل، أو يقابل من صعوبات، ومثل هذه الحكم تختلف تماماً عن الحكمة البشرية، أو بالحري الشيطانية التي تنزع إلى الشر، وتبتكر كل الوسائل الشريرة الآثمة، التي تفتق عنها العقل البشري طوال أجيال التاريخ،.. فإذا قيل: وكيف يستطيع الإنسان إذاً التفرقة بين الحكمتين؟ كان الجواب فيما أورده الرسول يعقوب، إذ أن الحكمة الأرضية النفسانية الشيطانية هي حكمة أخيتوفل المقترنة بالغيرة والتحزب والتشويش والأمر الرديء،.. على العكس من الحكمة الإلهية: "وأما الحكمة التي من فوق فهي أولاً ظاهرة، ثم مسالمة مترفقة مذعنة، مملوءة رحمة وأثماراً صالحة عديمة الريب والرياء".. ومن الواضح أن خيانة أخيتوفل وغدره وتمرده وثورته ضد داود، لم تكن تعرف شيئاً من هذه الأخيرة على وجه الإطلاق!! وهل هناك من شك في أن أخيتوفل رمى بثقله الكامل إلى جانب الشر والفساد، وهو أول من يعلم أنه لا يمكن أن يضع بتاتاً داود وأبشالوم في كفتي ميزان، وأين الثري من الثريا، وأين البطل والحماقة والفساد والرذيلة والشر، من الخير والجود والإحسان والرحمة!!.. ولكنها الخطية التي أعمت أخيتوفل الجيلوني، أحكم المشيرين في عصره!!.. أخيتوفل والمصير التعس وأي مصير تعس وصل إليه الرجل! لقد مضى وخنق نفسه، وفعل ذات الشيء الذي فعله يهوذا الاسخريوطي فيما بعد،... ولكني أرجو أن تتمهل لكي تتساءل متى خنق نفسه؟!!.. ولعلك تتصور أنه فعل ذلك بعد أن أوصى بيته، لكن الحقيقة أبعد وأعمق من ذلك كثيراً، لقد قتل الرجل نفسه قبل ذلك بفترة طويلة،.. لقد مات يوم لم يعد يعرف شيئاً في الأرض سوى المرارة والحقد والكراهية والانتقام، يوم انقطع عن بيت الله ليصل بينه وبين الشيطان بأقوى الأسباب، يوم افترسه الغيظ، إذ خرج من أورشليم إلى جيلوه ليجد هناك الروح النجس: "متى خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة وإذ لا يجد يقول أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه فيأتي ويجده مكنوساً مزيناً ثم يذهب ويأخذ سبعة أرواح أخر أشر منه فتدخل وتسكن هناك فتصير أواخر ذلك الإنسان أشر من أوائله".. وإذا كان الكتاب قد قال بعد ذلك عن يهوذا الاسخريوطي، أنه بعد اللقمة دخله الشيطان، وخرج من حضرة المسيح ليواجه ليله المحتوم، فإن أخيتوفل فعل الشيء نفسه عندما ودع داود إلى غير رجعة في طريقه إلى الليل الطويل العميق البعيد الذي وصل إليه!!.. وآه لك يا أخيتوفل! وآه لك أيها الرجل الذي استبدلت داود بأبشالوم كما استبدل الاسخريوطي المسيح برؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين! وآه لك أيها الرجل الذي انتهيت من تلك اللحظة قبل أن يدرك الناس أو تدرك أنت أن نهايتك قد جاءت وأنت لا تعلم!!... أجل متى يموت الرجل وأين ينتهي؟!!.. إنه لا يموت بمجرد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، أو يسكن قلبه عن النبض والحركة، فهذا وهم وخداع علمنا المسيح أن ننبذه ونرفضه، يوم دعا واحداً من الشباب أن يتبعه، واستأذن الشاب أن يمضي أولاً ويدفن أباه،.. وأكد له المسيح أنه ليس في حاجة إلى أن يفعل هذا، إذ أن الكثيرين هناك، وهم مستعدون ومؤهلون لمثل هذا العمل: "دع الموتى يدفنون موتاهم وأما أنت فاذهب وناد بملكوت الله"... إن الفرق في عرف المسيح بين الكثيرين ممن يحملون النعش إلى مثواه، وبين البيت المحمول، هو فرق موهوم متى كان الموتى الذين يدفنون الميت بعيدين عن الحياة التي يعطيها الله بلمسته الأبدية،.. وقد أكد هذه الحقيقة بصورة أخرى عكسية عندما قال أمام قبر لعازر: "أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد"... مات أخيتوفل الجليوني كيهوذا الاسخريوطي قبل أن يخنق كل منهما نفسه ليخرج من العالم إلى الظلمة الأبدية!!مات أخيتوفل الجيلوني يوم أن تسمم نبعه، فلم يعد الرجل الذي ينطق بالحكمة، كمن يعطي الجواب للحائر والتعس والمنكوب بكلام الله، يوم كان النبع غزيراً مترعا فياضاً بالماء النقي الحلو الرقراق،.. آه لك أيها النبع، ما الذي غيرك لتتحول إلى حمأة تقذف بالقذر والكدر والطين؟!! أين الحكمة الجميلة والماء السلسبيل؟!! لقد ضاع كل هذا لأنك لم تعد الرجل الذي يذهب مع داود إلى بيت الله، بل أضحيت شريراً قاسياً عاتياً في الشر، فحق فيك ما قيل: "أما الأشرار فكالبحر المضطرب لأنه لا يستطيع أن يهدأ وتقذف مياهه حمأة وطيناً".. وداعاً أيها النبع الرقراق يوم لم يعد للناس فيك إلا الماء المسموم العكر!!.. والسؤال بعد هذا كله: لماذا مضى أخيتوفل إلى جيلوه ليخنق نفسه؟!!.. هل خنق الرجل نفسه لأنه امتلأ بجنون الكبرياء عندما رفض أبشالوم أن ينصاع إلى حكمته مؤثراً عليها حكمة حوشاي الأركي؟ وهل يطيق أخيتوفل أن يسمع أبشالوم وكل رجال إسرائيل وهم قائلون: "إن مشورة حوشاي الأركي أحسن من مشورة أخيتوفل".. وهل بلغ الهوان به إلى أن يوجد في إسرائيل كلها من يمكن أن يستشار وهو موجود، ومن هو حوشاي الأركي هذا الذي يمكن أن يقف نداً له حكمته أو مشورته؟ فإذا كانت الأمة كلها تقدم عليه حوشاي، فإن الموت عنده أفضل بما لا يقاس من الحياة نفسها؟!!... على أن البعض يعتقد أن هناك سبباً آخر أضيف إلى هذا السبب، إذ أن الرجل لم يذهب إلى جيلوه، وهو مرجل متقد من الغيظ والغضب والكبرياء المهدورة الذليلة، بل أن الأمر أبعد وأعمق، لقد ذهب إلى هناك مأخوذاً بجنون الفشل واليأس والقنوط،.. لقد لفظت حكمته، وأدرك الرجل من اللحظة الأولى أن الثورة ستمني بكل تأكيد بالفشل والضياع والهزيمة، وأن حكمة حوشاي الأركي هي المنحدر أو الهوة التي تسقط فيها بدون قرار، وسينتهي كل شيء، على أسوأ ما يمكن أن تكون النهاية والمصير، فلماذا يبقى ليرى هذا كله؟!! ولماذا يبقى ليقتله داود أو واحد من رجاله على أبشع صورة ومثال؟!!.. وإذا لم يكن من الموت بد، فإن من حقه -كما تصور- أن يجعله بيده، لا بيد واحد من الأعداء أو الخصوم، الذين لا يمكن أن يأخذوه بالرفق والحنان والرحمة، لقد أصيب أخيتوفل الجيلوني، كما أصيب يهوذا الاسخريوطي، بأقسى نوع من الجنون، إذ أصيب باليأس المطبق الذي لا يترك للإنسان فرجة أو مخرجاً من أمل أو رجاء!!.. كانت خيانة أخيتوفل من أبشع الخيانات، وكانت مشورته المخيفة من أخبث وأشر وأحط المشورات، لكن البعض يعتقد أن داود كان على استعداد أن يقدر الجرح العميق الغائر في صدر الرجل، والذي شارك هو في صنعه، وكان على استعداد أن يتسامح مع الرجل أو يغفر له، لو أنه عاد تائباً نادماً مستخزياً عما فعل، ولكن أخيتوفل لم يفعل، لأنه جن بالكبرياء الذي يمنعه من الانحناء، وجن باليأس الذي أغلق في وجهه أي بصيص من رجاء أو أمل!!... وذهب الرجل كما ذهب يهوذا الاسخريوطي على بعد ألف عام آتية من الزمن!!لم يقتل أحد أخيتوفل الجيلوني، كما لم يقتل أحد يهوذا الاسخريوطي،.. لقد قتل كل منهما نفسه بالحبل الذي فتله بيديه، والذي وضعه في عنقه، لقد مات الرجلان لأن يد العدالة الإلهية امتدت إليهما، اليد القوية التي أطبقت على عنقيهما لتطرحهما في الظلمة الخارجية الأبدية، كما تطرح كل من لا يتعظ أو يتحكم لشتى الإنذارات التي لابد أن يرسلها الله، قبل أن يقضي قضاءه الإله المحتوم،مات أخيتوفل الجيلوني وذهب إلى مصيره التعس ليحق عليه ما قاله السيد المسيح عن الآخر: "كان خيراً لهذا الرجل لو لم يولد".. أجل وهذا حق، لأن الذي يودعونه كثيراً يطالبونه بأكثر، وإذا كانت العدالة الأرضية تضع أشد العقاب، على المجرم الذي يرتكب الجريمة مع سبق المعرفة والإصرار والترصد، وهي لا تستطيع أن تأخذه بما تأخذ به الغر الغرم الجهول، فبالأولى تكون عدالة السماء،.. مات أخيتوفل الجيلوني، وذهبت عنه حكمته ليموت موت الجاهل الأحمق، وليضحى الصورة الغربية المتكررة في كل الأجيال والعصور، للإنسان الذي يقتل نفسه بمدثرات "الحكمة" البشرية التي تتفنن كل يوم بالمخترعات العلمية والنفسية في تعذيبه وقتله!!.مات أخيتوفل الجيلوني، دون أن يفلح في القضاء علي داود، لأن الملك القديم وفي نفسه من الحكمة الجهنمية الشريرة بالاتجاه إلى الله في الصلاة يوم قال: "حمق يا رب مشورة أخيتوفل"... وهل لنا شيء آخر في هذا العالم الحاضر الشرير أكثر من الصلاة، لنقي أنفسنا من مشورته الرهيبة الآثمة الشريرة،.. كان داود في اللحظة التي رفع فيها هذه الصلاة مسكيناً عاجزاً مشرداً طريداً،.. واستمع إلى صلاة الرجل البائس المسكين، وضرب على مشورة أخيتوفل بالضلال، فلم تفلح، ومات أخيتوفل، ولم يمت داود،... وعاش القائد وذهب المتمرد،... وضاعت الحكمة الآثمة القاسية الشريرة، ليبقى المسكين الذي أودع أمره بين يدي الله في ذلة وخضوع!!أي أخيتوفل! أي يهوذا الاسخريوطي القديم لا نملك أن نتركك دون أن نقف لنسكب دمعة حزينة على قبرك البائس، كم نسكب دموعنا الغزيرة علي الرجل الذي أطل على وجه المسيح، ومع ذلك قدر أن يبيعه ويخونه!!..
المزيد
20 أكتوبر 2019

ملابس رئيس الكهنة ج3

ثَانِياً صَدْرَة الْقَضَاء :- كَانَتْ الصَدْرَة مِنْ ذَاتْ مَوَادٌ الرِّدَاء وَكَصَنْعَتِهِ وَمَرْبُوطَةٌ بِالرِّدَاء لاَ تُنْزَع عَنْهُ وَرُبَّمَا تُمَثِّل أجْمَلٌ مَا فِيهِ بَلْ وَأعْجَبْ مَا فِيهِ بَلْ وَيُمْكِنْ إِعْتِبَار بَاقِي الثِيَاب كَقَاعِدَة لَهَا لِتُثَبِتْهَا فِيهَا وَهيَ مَصْنُوعَة مِنْ نَفْس نَسِيج الرِّدَاء مِنْ الذَّهَبْ وَالبُوْص المَبْرُومٌ ( أي الكِتَّان النَقِي ) وَالأسْمَانْجُونِي وَالأُرْجُوَان وَالقِرْمِز لِذَلِك أُعْتُبِرَتْ مِنْ أهَمْ الأجْزَاء فِي مَلاَبِس رَئِيس الْكَهَنَة لأِنَّهَا تَشْتَمِل عَلَى ( الأُورِيم وَالتُّمِّيم ) اللَّذَيْنِ كَانَتْ مَقَاصِدٌ الله وَإِرَادَتِهِ تُعْلَنْ بِهُمَا وَدُعِيَتْ " صَدْرَة " لأِنَّهَا كَانَتْ تُثَبَّتْ عَلَى صَدْر رَئِيس الْكَهَنَة كَمَا دُعِيَتْ " صَدْرَة قَضَاء " لأِنَّهَا كَانَتْ تُعْلِنْ قَضَاء الله وَحُكْمُه وَمِنْ نَاحِيَة أُخْرَى كَانَتْ كَعَلاَمَة تُظْهِر سُلْطِة رَئِيس الكَهَنَة فِي القَضَاء فِي جَمِيعْ الأُمور[ لِهذَا تَدْعُو الكَنِيسَة رَئِيس كَهَنَتْهَا أنَّهُ قَاضِي المَسْكُونَة إِذْ هِيَ تُؤمِنْ أنَّهُ مُسْتَوْدَع لِلرُّوح القُدُس وَالله يَقُودٌ كِنِيسْتُه عَنْ طَرِيقٌ الرُّوح القُدُس المُسْتَقِر فِيهِ الَّذِي يَنْطِقٌ بِلِسَانِهِ ] وَكَانَتْ مُرَبَعَة ( شِبْر×شِبْر ) وَمُثْنِيَّة لِتَقْوِيَتْهَا لِتَتَحَمَّل الأحْجَار الكَرِيمَة المَوْضُوعَة عَلَيْهَا وَالأحْجَار الكَرِيمَة مُرَصَعَة فِيهَا فِي أرْبَعَة صُفُوف وَمَنْقُوش عَلَى كُلَّ حَجَر إِسْم سِبْط مِنْ الأسْبَاطْ فِي ألْوَان مُتَعَدِّدَة تُكْسِبْ الصَدْرَة جَمَالاً وَبَهَاءً فَائِقاً فَتُعْطِي صُوْرَة تُبْهِر الأبْصَارٌ إِنَّهَا تُشِير إِلَى عَمَل الْمَسِيح المُتَعَدِّدٌ الجَوَانِبْ الَّذِي عَمَلُه مِنْ أجْلِنَا كَرَئِيس كَهَنِة خَلاَصِنَا . أحْجَار الصَدْرَة وَأحْجَار أبْوَاب أُورُشَلِيم السَّمَاوِيَّة :- وَالبَدِيعْ أنَّنَا نَجِدٌ فِي سِفْر الرُؤْيَا أنَّ أسَاسَات المَدِينَة العَظِيمَة أُورُشَلِيم السَّمَائِيَّة النَّازِلَة مِنْ السَّمَاء مِنْ عِنْدَ الله مُزَيَنَة بِإِثْنَا عَشَرَ حَجَر كَرِيمْ وَعَلَيْهَا أسْمَاء رُسُلٌ الخَرُوف الإِثْنَيْ عَشَرَ ( رؤ 21 : 14) بَيْنَمَا نَجِدٌ أسْمَاء الأسْبَاط مَكْتُوبَة عَلَى الإِثْنَتَي عَشَرَة لُؤلُؤَة الَّتِي تُكَوِّنْ أبْوَاب المَدِينَة مَعَ إِخْتِلاَف بَسِيطْ فِي ثَلاَثَة مِنْهَا لكِنَّهَا نَفْس العَنَاصِر وَكَأنَّ رَئِيس الْكَهَنَة يَحْمِل عَلَى صَدْرَتِهِ أسَاسَات مَدِينَة الله وَمَفَاتِيحٌ أبْوَابَهَا وَكَمَا نُقِشَتْ أسْمَاء الأسْبَاط عَلَى أحْجَار الصَدْرَة هِيَ مَنْقُوشَة أيْضاً عَلَى أبْوَاب أُورُشَلِيم السَّمَاوِيَّة نَعَمْ إِنَّهُ إِمْتِدَادٌ لِعَمَل الله فِي كَنِيسَتِهِ عَبْر الأجْيَال القَدِيم وَالجَدِيد وَمِنْ هُنَا نَجِدْ أنَّ هُنَاكَ إِرْتِبَاطٌ عَجِيبْ بَيْنَ صَدْرَة القَضَاء وَأمْجَادٌ المَدِينَة السَّمَاوِيَّة المُقَدَّسَة وَكَمَا أنَّهَا تَمْتَدُ بِنَا إِلَى المُسْتَقْبَل حَيْثُ المَجْد السَّمَاوي كَذلِك هِيَ تَرْجَعُ بِنَا إِلَى المَاضِي حَيْثُ جَنَّة عَدْن فَنَجِدٌ أنَّ أوَّل حَجَر كَرِيمْ مَذْكُور فِي الكِتَاب المُقَدَّس هُوَ حَجَر الجَزْع ( تك 2 : 12)وَهُوَ حَجَر التِّذْكَار عَلَى كَتِفَي الرِّدَاء ثُمَّ تَقْرأ فِي نُبُّوِة حَزْقِيَال عَنْ أحْجَار كَرِيمَة أُخْرَى كَانَتْ فِي جَنَّة عَدْن تَتَفِقٌ إِلَى حَدٍ كَبِير مَعَ أحْجَار الصَدْرَة﴿ كُنْتَ فِي عَدْنٍ جَنَّةِ اللهِ كُلُّ حَجَرٍ كَرِيمٍ سِتَارَتُكَ عَقِيقٌ أَحْمَرُ وَيَاقُوتٌ أَصْفَرُ وَعَقِيقٌ أَبْيَضُ وَزَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَيَشْبٌ وَيَاقُوتٌ أَزْرَقُ وَبَهْرَمَانُ وَزُمُرُّدٌ وَذَهَبٌ ﴾ ( حز 28 : 13) فَكَأنَّ صَدْرَة القَضَاء تَرْجَعُ بِنَا إِلَى جَنَّة عَدْن وَاعِدَة شَعْبُ الله بِرَدٌ كُلَّ شَيْءٍ وَرُجُوعِهِمْ إِلَى فِرْدُوسِهِمْ المَفْقُودٌ حَيْثُ المَجْدٌ وَالطَّاعَة وَكَذلِك نَجِدٌ المَدِينَة السَّمَاوِيَّة تُحَدِّثْنَا عَنْ تِلْكَ الأمْجَادٌ عَيْنِهَا وَتُقَدِّم لِلكَنِيسَة المُقَدَّسَة أكْثَر مِنْ أمْجَادٌ الفِرْدُوس المَفْقُودٌ بِوَاسِطَة رَئِيس الْكَهَنَة الحَقِيقِي الَّذِي يَحْمِل أسْمَاءَهُمْ عَلَى قَلْبِهِ كُلَّ حِينٍ . تَثْبِيتْ الصَدْرَة :- كَانَتْ الصَدْرَة مُثَبَّتَة عَلَى الرِّدَاء بِإِتْقَانٍ تَامٌ وَبِإِحْتِيَاطٌ مُزْدَوَجٌ مِنْ أعْلَى وَمِنْ أسْفَل إِذْ يُوْضَعْ عَلَى زَوَايَاهَا الأرْبَعْ أرْبَعَة حَلَقَات مِنْ ذَهَبْ مِنْ أعْلَى عَنْ طَرِيقٌ كَتِفَيْ الرِّدَاء بِوَاسِطَة سِلْسِلَتَيْن مِنْ ذَهَبْ وَمِنْ أسْفَل إِلَى زِنَّار الرِّدَاء بِوَاسِطَة حَلَقَات مِنْ ذَهَبْ وَسَلاَسِل مَجْدُولَةٌ مِنْ ذَهَبْ وَخِيطْ أسْمَانْجُونِي . عِنَايِة الله وَالصَّدْرَة :- إِنَّهَا عِنَايِة الله الفَائِقَة الَّذِي يُدَبِّر كُلَّ شَيْء بِإِتْقَانٍ تَامٌ بَلْ وَأكْثَر مِنْ ذلِك يَأمُر أنْ تَكُون الحَلَقَات وَالعُقَدٌ مُخْتَفِيَة خَلْف الصَدْرَة فَلاَ تَظْهَر عُقَدٌ فِي سَلاَسِل الذَّهَبْ الخَارِجِيَّة بَلْ فِي الجُزْء الغِير الظَّاهِر مِنْ الدَّاخِل فَلاَ يَظْهَر شِئ مَعْقُودٌ عَلَى صَدْرٌ هَارُون بَلْ كُلَّ شَيْء بِسِيطْ وَلَطِيفْ كَلُطْف الله وَبَسَاطَتِهِ إِنَّ الله يُرِيدَنَا أنْ نَرْتَبِطْ بِهِ فِي بَسَاطَة وَسُهُولَة وَالعَاشِقٌ لِتَعَالِيمْ يَسُوع يَجِدٌ فِيهَا بَسَاطَة مُتَنَاهِيَة إِذْ قِيلَ عَنْهُ أنَّهُ بِغَيْر مَثَلٍ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمَهُمْ ( مت 13 : 34 ؛ مر 4 : 34 ) كَلاَمٌ يَتَفِقٌ مَعَ جَمِيعْ الثَّقَافَات وَيُنَاسِبْ كُلَّ الفِئَات دُونَ تَعْقِيدٌ إِذْ يَجْعَل مِنْ سَامِعِهِ يَشْتَاق إِلَى الحَيَاة بِحَسَبْ هذِهِ التَّعَالِيم إِذْ تَطْلُبْ عَنْ أبْنَائِهَا ﴿ سَهِّلْ لَنَا طَرِيقٌ التَّقْوَى ﴾ تَأمَّل فِي هذِهِ الإِحْتِيَاطَات الدَّقِيقَة لِضَمَان تَثْبِيتْ الصَدْرَة عَلَى قَلْب هَارُون عَلَى الدَوَام . صَدْرَة لاَ تَرْتَفِع وَلاَ تَسْقُطْ :- فَلاَ يُمْكِنْ أنْ تَنْزِل إِلَى أسْفَل لأِنَّ السَّلاَسِل الذَّهَبِيَّة تَرْفَعُهَا إِلَى أعْلَى بِاسْتِمْرَار وَالسَّلاَسِل مُثَبَّتَة عَنْ طَرِيقٌ حَلَقَات دَائِرِيَّة وَهيَ رَمْز لِمَحَبِّة الْمَسِيح الأبَدِيَّة فَالدَائِرَة لاَ بِدَايَة وَلاَ نِهَايَة لَهَا وَلاَ يُمْكِنْ أنْ تَرْتَفِعْ إِلَى فَوْق لأِنَّ الخِيطْ الأسْمَانْجُونِي يَرْبُطْهَا بِزِنَّار الرِّدَاء وَهذِهِ هِيَ نِعْمَة الله الَّتِي تَرْفَعْ الإِنْسَان مِنْ اليَأس وَالإِحْبَاط وَتَحْفَظْ الإِنْسَان مِنْ الغُرُور وَالإِرْتِفَاع . تَعَالِيم الآبَاء الَّتِي لاَ تَرْفَع وَلاَ تَسْقُطْ :- وَحِينَ نَتَأمَّل فِيمَا فَعَلَهُ الأنْبَا بِمْوَا مَعَ تِلْمِيذُه القِدِيس يِحْنِس القَصِير حِينَ أمَرَهُ بِإِحْضَار ضَبْعَة وَمِنْ قَدَاسَتِهِ أمَرَهَا فَأطَاعَتْهُ فَأحْضَرْهَا إِلَيْهِ وَجَدْنَاهُ يَنْتَهِرُه وَيَتَهِمُه بِأنَّهُ أحْضَرَ كَلْباًإِنَّهُ يَجْذِبَهُ إِلَى أسْفَل خَوْفاً عَلَيْهِ مِنْ الإِرْتِفَاع وَرَأيْنَا أيْضاً حِينَ حَضَرَ القِدِيس مُوسَى الأسْوَدٌ إِلَى الأنْبَا إِيسُوذُورُس وَرَأى فِيهِ رُوحٌ تُوْبَة حَقِيقِيَّة جَذَبَهُ إِلَى أعْلَى وَأمْسَكَهُ بِسَلاَسِل الذَّهَبْ وَوَضَعَهُ عَلَى الأكْتَاف وَهُنَا يَجِبْ أنْ نُدْرِك أنَّ الشَّعْب مُمَثَّلاً تَمْثِيلاً مُزْدَوَجاً عَلَى الأكْتَاف وَالصَدْر :- وَجَدْنَا فِي مَلاَبِس رَئِيس الْكَهَنَة مَكَانَيْن لِكُلَّ سِبْط عَلَى الأكْتَاف وَعَلَى الصَدْر وَفِي هذَا رَمْزاً رَائِعاً لِرَئِيس كَهَنِتْنَا الأعْظَمْ يَسُوع الْمَسِيح وَهُوَ يَحْمِل شَعْبُه عَلَى كَتِفَيْهِ أمَام الله بِقُوَّتِهِ اللاَنَهَائِيَّة وَكَذلِك يَحْمِلَهُمْ أيْضاً عَلَى قَلْبِهِ بِمَحَبَّتِهِ الأبَدِيَّة وَهذَا مَا وَجَدْنَاه فِي قَوْل رَبَّ المَجْد يَسُوع﴿ لاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي ﴾ ( يو 10 : 28 ) القُوَّة غِير المَحْدُودَة وَالمَحَبَّة الأبَدِيَّة تَقْتَرِنَان مَعاً فِي إِحْضَار المُؤمِنِينْ أمَام الله بِوَاسِطَة رَئِيس الكَهَنَة وَهُنَا يَسْطُعْ نُور قَدَاسِة عَرْش الله عَلَى الأحْجَار الكَرِيمَة فَيَظْهَر جَمَالَهَا بِجَوَانِبِهِ المُتَعَدِّدَة إِذْ تَلْمَعْ أسْمَاء شَعْب الله المَحْمُولَة عَلَى قَلْب رَئِيس الْكَهَنَة العَظِيمْ بِحَسَبْ بَهَاء مَجْدٌ الأحْجَار الكَرِيمَة المَوْضُوعَة عَلَيْهِ إِذْ هِيَ تَرْمُز إِلَى أمْجَادٌ الْمَسِيح وَكَمَالاَتُه وَهُنَا نَتَمَتَّعْ بِحَقِيقِة كَمَال قَبُولْنَا فِي الْمَسِيح أمَام الله تَمَاماً مِثْل قَبُول الآب لِلْمَسِيح فَيَتَطَلَّعْ الآب إِلَيْنَا وَنَحْنُ مَحْمُولِينْ عَلَى كَتِفَيْ وَقَلْب رَئِيس كَهَنَتْنَا الحَقِيقِي مُحَاطِينْ بِكُلَّ جَمَال ذَاكَ الَّذِي هُوَ مَوْضِعْ سُرُورِهِ وَلَذَّتِهِ دَائِماًهؤُلاَء الَّذِينَ سَيُحْضِرْهُمْ إِلَيْهِ فِي النِّهَايَة لِيَكُونُوا مِثْلَهُ وَمَعَهُ إِلَى الأبَدْ . الإِرْتِبَاط بَيْنَ الصَّدْرَة وَالكَتِفَيْنِ :- وَمَا أجْمَل الإِرْتِبَاط بَيْنَ الصَدْرَة وَالكَتِفَيْن فَكُلَّ حَرَكَة مِنْ حَرَكَات كَتِفَيْ رَئِيس الْكَهَنَة تُؤَثِرعَلَى الصَدْرَة وَكُلَّ نَبْضَة مِنْ نَبَضَات قَلْبُه كَانَتْ تَهِز الصَدْرَة وَتَنْتَقِل بِوَاسِطَة السَّلاَسِل المَجْدُولَة إِلَى الكَتِفَيْن وَهذَا يُذَكِّرْنَا بِأنَّ قُوَّة ذِرَاع الرَّبَّ تَرْتَبِطْ إِرْتِبَاطاً وَثِيقاً بِرِّقِة قَلْبِهِ المُحِبْ وَلاَ عَمَل مِنْ أعْمَال قُوَّتِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْ مَقَاصِدٌ رَحْمَتِهِ فَثِقٌ أنَّ كُلَّ الأشْيَاء تَعْمَل مَعاً لِلخِير ( رو 8 : 28 ) وَتُشِير عَرُوس النَّشِيد إِلَى هَذَيْن المَرْكَزَيْن اللَّذَانْ تُرِيدْ أنْ يَحْفَظْهَا العَرِيس فِيهُمَا إِذْ تَقُول لَهُ﴿ اجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ ﴾ ( نش 8 : 6 ) " عَلَى قَلْبَك " حَيْثُ المَحَبَّة القَوِيَّة كَالمَوْت الَّتِي تُقَدِّس الكَيَان لله وَ " عَلَى سَاعِدَك " حَيْثُ القُوَّة الَّتِي تَحْفَظ مِنْ الشَّر وَالشِّرِّير وَبِذلِك نَجِدٌ ضَمَانْ الوُصُول إِلَى المَجْد حَيْثُ الوَعْد﴿ وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الاِبْتِهَاجِ ﴾ ( يه 24 ) وَهذَا مَا رَأيْنَاه حِينَ غُلِبَ مِنْ تَحَنُّنِهِ وَبَذَلَ ذَاتُه فِدَاء كَنِيسَتُه وَتَمَّمْ لَهَا الخَلاَص بِذِرَاعِهِ ( أف 5 : 25 ) . الحِجَارَة وَلَمَعَانْهَا :- وَإِمْتِيَاز هذِهِ الأحْجَار الكَرِيمَة إِنَّهُ كُلَّمَا سَطَعَ عَلَيْهَا النُّور إِزْدَادَ لَمَعَانْهَا وَهذَا هُوَ جَمَالْنَا وَبَهَاءْنَا أمَام الله هذَا هُوَ المَرْكَز الَّذِي وَهَبَتْنَا إِيَّاه نِعْمَة الله لأِنَّهُ إِله كُلَّ نِعْمَة أنَّ مَهْمَا كَانَتْ ضَعَفَاتْنَا فَإِنَّ أسْمَاءْنَا أمَام الله لَمْ تَزَلْ فِي ضِيَاء وَلَمَعَان وَبَهَاء أمَام الله كُلَّ حِينْ وَإِذْ يَسْطُعْ لَمَعَانُه عَلَيْنَا تَجِدْنَا قَدْ تَألَّقْنَا بِكُلَّ لُوْن مِنْ ألْوَان فَضَائِلِهِ وَكَمَالُه وَمَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَطِيعْ أنْ يُفْسِدٌ جَمَالْنَا إِنْ كُنَّا مُخْتَفِينْ فِي جَمَال شَخْصِهِ ؟!! مَنْ الَّذِي يَسْتَطِيعْ أنْ يُطْفِئ ضِيَاء القُدْس أوْ يَدْخُل إِلَى القُدْس لِكَيْ يَنْزَع الأحْجَار مِنْ كَتِفَيْ وَصَدْرِة رَئِيس الْكَهَنَة ؟!! إِنْ كَانَ الله هُوَ الَّذِي أمَرَ بِوَضْعَهَا فِي هذِهِ الأمَاكِنْ بَلْ وَهذَا التَّرْتِيبْ إِنَّنَا نُرَدِّدٌ مَعَ مُعَلِّمْنَا بُطْرُس ﴿ أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ ﴾ ( 1بط 1 : 5 ) رُبَّمَا يَرَى النَّاس النَقَائِص فِي بَعْضِهِمْ البَعْض أمَّا الله فَيَرَانَا عَلَى قَلْب وَكَتِفَيْ إِبْنِهِ فِي جَمَال وَبَهَاء وَيَا لَيْتَ أوْلاَدٌ الله يَسْلُكُون أمَام النَّاس بِمَا يَتَفِقٌ مَعَ مَرْكَزَهُمْ أمَام الله فَلاَ يَظْهَر مِنْهُمْ سِوَى كُلَّ مَا صِيتَهُ حَسَنْ لِكَيْ لاَ يُفْتَرَى عَلَى صَلاَحِهِمْ ﴿ عَلَى قَلْبِهِ أمَامَ الرَّبِّ دَائِماً ﴾ ( خر 28 : 30 ) وَنَحْرِص دَائِماً أنْ يَكُون سُلُوكَنَا مُتَفِقاً مَعَ مَقَامَنَا وَدَعْوَتْنَا وَلكِنْ شُكْراً لله الَّذِي جَعَلَ قَضَاءِنَا وَحَقِّنَا لَيْسَ مَعَ النَّاس وَلكِنْ مَعَ إِبْنِهِ حَيْثُ الحِجَارَة الكَرِيمَة المَنْقُوشَة عَلَيْهَا أسْمَاءْنَا هُنَاك دَائِماً . صَدرَة لاَ تُنْزَع :- وَمَا كَانَ يُمْكِنْ أنْ تُنْزَع الصَدْرَة مِنْ الرِّدَاء ( الأُفُودٌ ) إِذْ هِيَ مَرْبُوطَة بِهِ بِسَلاَسِل الذَّهَبْ وَخِيطْ الأسْمَانْجُونِي وَهكَذَا نَصِيبَنَا فِي الْمَسِيح يَسُوع الَّذِي يَرْتَبِط بِخِدْمَتِهِ الكَهَنُوتِيَّة وَأيْضاً مَعَ بِرِّهِ الإِلَهِي بِلاَ إِنْفِصَال وَهيَ رَابِطَة أبَدِيَّة كَمَا تَرْمُز إِلَى ذلِك الحَلَقَات المُسْتَدِيرَة الَّتِي بِلاَ بِدَايَة وَلاَ نِهَايَة وَهكَذَا نَطْمَئِنْ عَلَى أمر خَلاَصِنَا الَّذِي أخَذَهُ الْمَسِيح عَلَى عَاتِقِهِ وَلَنْ يَطْرَحَهُ أبَداً بَلْ قَدَّمَهُ لَنَا دَائِماً وَجَدِيداً مِنْ خِلاَل كَنِيسَتَهُ المُقَدَّسَة وَكَهَنُوتُه العَامِل فِي كَهَنِة العَهْد الجَدِيد وَهذَا مَا يُشَجِّعْ نِفُوسْنَا حِينَ تَصْغُر وَحِينَ تَشْتَدٌ التَّجَارُب وَالحُرُوب حَيْثُ تَتَشَجَّعْ وَتَبْتَهِج نِفُوسْنَا لأِنَّ مَرْكَزْنَا ثَابِتْ لاَ يَتَزَحْزَح فِي قَلْب الْمَسِيح وَعَلَى كِتْفِهِ . عَلَى القَلْب :- وَنُلاَحِظْ أنَّ مَكَانْ الصَدْرَة " عَلَى قَلْب رَئِيس الْكَهَنَة " تَكَرَّر ثَلاَث مَرَّات فِي آيَتَيْن مُتَتَالِيَتَيْن ( خر 28 : 29 ؛ 30 ) مِمَّا يُؤَكِدْ عُمْق مَحَبَّتِهِ لِشَعْبِهِ وَهُنَا نُقَدِّم دَعْوَة بِالتَّطَلُّعْ الدَّائِم إِلَى رَئِيس كَهَنَتْنَا الأعْظَمْ الَّذِي يَحْمِلْنَا أمَام الله كُلَّ حِينْ عَلَى قَلْبِهِ وَكَتِفَيْهِ الَّذِي لاَ يَكُفْ عَنْ الطَلَبْ لأِجْلِنَا فَلاَ نَعُودٌ نَنْظُر إِلَى فَشَلْنَا وَضَعْفِنَا بَلْ نَتَطَلَّعْ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي مِنْ عِنْدِهِ تَأتِي الرَّحْمَة وَالعَوْن فِي حِينْه . فِي دَاخِلِهِ :- فَلَوْ تَطَّلَعْنَا إِلَى مَكَانَنَا الآنْ فِي مِلْء بَرَكِة العَهْد الجَدِيد لَوَجَدْنَا أنَّنَا غِير مَنْقُوشِينْ عَلَى حِجَارِة أكْتَاف وَلاَ مَوْضُوعِينْ عَلَى صَدْرَة قَضَاء مِنْ الخَارِج بَلْ فِي إِتِحَادٌ كَيَانِي كَامِل مَعَ رَئِيس كَهَنَتْنَا الأعْظَمْ الَّذِي لَمْ يَجِدٌ لَنَا مَكَاناً يَحْمِلْنَا فِيهِ أفْضَل مِنْ دَاخِلِهِ فَلاَ نُنْزَع مِنْهُ أبَداً وَحِينَ نَتَحِدٌ بِهِ فِي الإِفْخَارِسْتِيَا نَحْصُل عَلَى مَا عَبَّر عَنْهُ القِدِيس كِيرِلُس الكَبِير فِي صَلاَة القِسْمَة لِلقُدَّاس الإِلَهِي ﴿ وَهَبْتَ لَنَا أنْ نَأكُل جَسَدَك عَلاَنِيَةً أهِّلْنَا لِلإِتِحَادٌ بِكَ خِفْيَةً وَهَبْتَ لَنَا أنْ نَشْرَب كَأسَ دَمِكَ ظَاهِراً أهِّلْنَا أنْ نَمْتَزِج بِطَهَارَتَك سِرَّاً وَكَمَا أنَّكَ وَاحِد فِي أبِيك وَرُوحَك القُدُّوس نَتَحِدٌ نَحْنُ بِكَ وَأنْتَ فِينَا وَيَكْمُل قَوْلَك وَيَكُونُ الجَمِيعْ وَاحِداً فِينَا ﴾وَبِحَسَبْ تَعْبِير القِدِيس بُولِس الرَّسُول صِرْنَا أعْضَاء جِسْمِهِ مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ ( أف 5 : 30 )إِنَّهَا دَعْوَة لِنَتَأمَّل أنْفُسَنَا وَنَحْنُ مَحْمُولِينْ دَاخِلِهِ كَمْ لَنَا مِنْ كَرَامَة وَكَيْفَ يَرَانَا الآب وَلَوْ تَأمَّلْنَا فِي مَلاَبِس كَاهِن العَهْد الجَدِيد نَجِد أنَّهُ يَرْتَدِي البُّرْنُس وَهُوَ رِدَاء مِدَوَّرٌ وَاسِع مَفْتُوح مِنْ الأمَام بِلاَ أكْمَام يَخْتَفِي فِيهِ جِسْم الْكَاهِن بِجُمْلَتِهِ وَهُوَ إِشَارَة إِلَى عِنَايِة الله الَّتِي تُحِيطْ بِهِ وَتَسْتُرُه مَعَ كُلَّ شَعْبِهِ مِنْ كُلَّ نَاحِيَة . تَرْتِيبْ أسْمَاء الأسْبَاط :- نُلاَحِظْ أنَّ أسْمَاء بَنِي إِسْرَائِيل كَانَتْ مَنْقُوشَة عَلَى حَجَرَيْ الجَزْع عَلَى الكَتِفَيْن﴿ حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ ﴾ ( خر 28 : 10 ) فَكَانَتْ هكَذَا :- عَلَى الكِتْف اليُمْنَى رَأُوبِين – شِمْعُون – لاَوِي – يَهُوذَا – دَان – نَفْتَالِي عَلَى الكِتْف اليُسْرَى جَادٌ – أشِير – يَسَّاكِر – زَبُولُون – يُوسِفْ - بِنْيَامِين أمَّا فِي الصَدْرَة فَكَانَتْ الأسْمَاء مَنْقُوشَة عَلَى الأحْجَار الكَرِيمَة فِي أرْبَعَة صُفُوف حَسَبْ تَرْتِيبْ الأسْبَاط وَحُلُولَهُمْ حَوْلَ خَيْمَة الإِجْتِمَاع وَفِي إِرْتِحَالِهِمْ مَعَ مُلاَحَظِة أنَّ سِبْط لاَوِي كَانَ يَأخُذْ مَكَاناً مُجَاوِراً لِلخَيْمَة فِي جَمِيعْ الإِتِجَاهَات لِذلِك حَلَّ مَحَلُّه سِبْط أفْرَايِم وَمَنَسَّى ( أبْنَاء يُوسِف ) وَبِذلِك تَكُون صُفُوف الحِجَارَة هكَذَا :- الصَّفْ الأوَّل عَقِيق أحْمَر ( يَهُوذَا ) يَاقُوت أصْفَر( يَسَّاكِر ) زُمُّردٌ ( زَبُولُون ). الصَّفْ الثَّانِي بَهْرَمَان ( رَأوبِين ) يَاقُوت أزْرَق ( شِمْعُون ) عَقِيقٌ أبْيَض ( جَادٌ ). الصَّفْ الثَّالِث عِين الهِرِّ( أفْرَايِم ) يَشْم ( مَنَسَّى ) جَمْشَتْ( بِنْيَامِين ). الصَّفْ الرَّابِعْ زَبَرْجَدٌ ( دَان ) جَزْع ( أشِير ) يَشْب ( نَفْتَالِي ). وَلَنَا أنْ نُدْرِك ظُهُورَنَا أمَام الله مُمَثَّلِينْ فِي رَئِيس الْكَهَنَة مِنْ خِلاَل هذَا التَّرْتِيبْ ( بِحَسَبْ المَوَالِيد ؛ وَبِحَسَبْ الأسْبَاط ) . حَسَبْ المَوَالِيد :- نَاحِيَة نَظْهَر فِيهَا بِحَسَبْ التَّرْتِيبْ الطَّبِيعِي بِالتَّسَاوِي بِحَسَبْ مِيلاَدْنَا الجَدِيد وَنَوَالْنَا نِعْمَة البُنُّوَة لله الآب فِي المَعْمُودِيَّة وَهذَا يُعَبِّر عَنْ أنَّ بِدَايِة نِعْمَة البُنُّوَة الحَقِيقِيَّة لله وَاسْتِحْقَاقَات الدُّخُول ضِمْن قَطِيعُه المُقَدَّس تَبْدأ مِنْ المَعْمُودِيَّة أمَّا مَا يَسْبِقٌ المَعْمُودِيَّة أوْ غَيْر المُعَمَدٌ فَهُوَ غَيْر مُشْتَرِك فِي هذِهِ البَرَكَات المَوْهُوبَة لِلأبْنَاء فَقَطْ . حَسَبْ المَكَان الخَاص :- وَنَاحِيَة نَظْهَر فِيهَا كُلُّ وَاحِدٌ بِحَسَبْ مَكَانِهِ الخَاص وَلَمَعَانُه المُمَيَّز بِهِ كَمَا تَخْتَلِفْ الأحْجَار الكَرِيمَة بَعْضَهَا عَنْ بَعْض وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَة وَلكِنَّهَا كُلَّهَا كَرِيمَة هكَذَا يَخْتَلِفْ المُؤمِنُون الوَاحِدٌ عَنْ الآخَر وَلكِنْ الجَمِيعْ مُتَسَاوُونْ فِي القُرْب مِنْ الله وَمَحْبُوبُون بِذَات المَحَبَّة اللاَنِهَائِيَّة وَلَنَا أنْ نَثِقٌ أنَّ رَئِيس كَهَنَتْنَا الأعْظَمْ يَحْمِلْنَا جَمِيعاً دُونَ تَمَيُّز عَلَى كَتِفِه فِي كَمَال مَجْدُه أمَام الله وَيَطْمَئِنْ عَلَى دُخُولْنَا إِلَى مَوَاضِعْ الرَّاحَة وَالسُّرُور الأبَدِي وَلَيْسَ مِنْ قَبِيل الصُدْفَة أنَّهُ حِينَ رَأى يُوحَنَّا فِي الرُؤْيَا الرَّبَّ فِي المَنْظَر شِبْه حَجَر اليَشْب وَالعَقِيقٌ وَهُمَا الحَجَرَان الكَرِيمَان آخِر وَأوِّل حَجَرَيْن يُرَصَعَان فِي الصَّدْرَة وَهذَا مَا يُبْهِج قُلُوبِنَا وَهُوَ ضَمَانْ إِحْتِوَاء الكُلَّ فِي قَلْبِهِ . إِحْتِوَاء الكُلَّ فِي قَلْبِهِ :- كَمَا رَأيْنَا أنَّ هذَا يُؤَكِّدْ ضَمَانْ إِحْتِوَاء الكُلَّ فِي قَلْبِهِ وَهُنَاك نَظْهَر بِتَرْتِيبْ مُخْتَلِفْ إِذْ لِكُلَّ وَاحِدٌ حَجَرُه الكَرِيم الخَاص بِهِ وَمَكَانُه المُعَيَّنْ لَهُ وَطَرِيقِة لَمَعَانُه المُتَمَيِّزَة وَفِي ذلِك يَخْتَلِفْ الوَاحِدٌ عَنْ الآخَر وَلكِنْ بِدُون مُنَافَسَة أوْ تَنَازُع بَلْ بِالعَكْس فِي إِتِفَاقٌ وَإِنْسِجَامٌ ألَيْسَتْ هذِهِ هِيَ الكَنِيسَة الَّتِي نَجِدٌ فِيهَا جَمَاعِة المُؤمِنِينْ حَيْثُ كُلَّ فَرْدٌ يَعْكِس الْمَسِيح وَيَرَى فِي كُلَّ وَاحِدٌ جَمَال خَاص وَلِكُلَّ عُضْو كَرَامَتِهِ وَمَكَانُه الخَاص فِي الجَسَدٌ ؟!!!وَلَنَا أنْ نَرَى الكَنِيسَة وَهيَ قَدْ أخَذَتْ جَمِيعْ المَوْلُودِينْ مِنْهَا إِلَى المَجْد وَهُنَاك أخَذُوا كَرَامَات وَمَوَاضِعْ بِحَسَبْ جِهَادِهِمْ وَأنْوَاعِهِمْ فَنَجِدٌ صُفُوفْ شُهَدَاء وَأبْرَار وَنُسَّاك وَمُعْتَرِفِينْ وَأبْطَال إِيمَان وَكُلٍّ لَهُ لَمَعَانُه الخَاص وَفِيمَا يَلِي جَدْوَل بِأسْمَاء الأسْبَاط وَمَعَانِيهَا وَنُوْع الحَجَر الَّذِي نُقِشَ عَلَيْهِ إِسْم السِبْط :- 1- الحَجَرعَقِيقٌ أحْمَر مَعْنَى السِبْط يَهُوذَا = يَحْمِدٌ { إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ }( تك 49 : 8 ) نَصِيبنَا مَعَهُ الحَمْد وَالتَّسْبِيح وَالفَرَح . 2- الحَجَر يَاقُوت أصْفَر مَعْنَى السِبْط يَسَّاكِر = أجْرَه نَصِيبنَا مَعَهُ مُكَافَأة الرَّبَّ عَنْ الجِهَادٌ. 3- الحَجَر زُمُّرُدٌ ( لُونُه أحْمَر قَاتِمْ )زَبُولُون = يَسْكُنْ مَعْنَى السِبْط { تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ }( مز 128 : 2 ) نَصِيبنَا مَعَهُ الَّذِي يَسْتَقِر فِي الرَّبَّ. 4- الحَجَر بَهْرَمَانٌ = أحْمَر يَمِيل إِلَى الصُفْرَة مَعْنَى السِبْط رَأْوبِين = رَأوا إِبْناً نَصِيبنَا مَعَهُ البّنُّوة لله. 5- الحَجَر يَاقُوت أزْرَق مَعْنَى السِبْط شِمْعُون = يَسْمَعْ نَصِيبنَا مَعَهُ الَّذِي يَسْمَعْ كَلِمَة الله وَيَعْمَلُ بِهَا. 6- الحَجَر( العَقِيقٌ الأبْيَض ) مَعْنَى السِبْط جَادٌ = جَيْش أوْ فِرْقَة نَصِيبنَا مَعَهُ قُوِّة أوْلاَدٌ الله. 7- الحَجَر عِينْ الهِرِّ ( القِطْ )حَجَر ثَمِين بِهِ نُقْطَة سَوْدَاء كَحَدَقِة عِينْ القِطْ مَعْنَى السِبْط أفْرَايِم = أثْمَار نَصِيبنَا مَعَهُ الَّذِي يُثْمِر لله. 8- الحَجَر يَشْمٌ = شَفَّاف وَقَدْ تَظْهَر عَلَيْهِ خُطُوط مِنْ عِدِّة ألْوَان مَعْنَى السِبْط مَنَسَّى = نِسْيَان نَصِيبنَا مَعَهُ الله يَنْسَى خَطَايَانَا. 9- الحَجَر" جَمْشَتٌ " لَهُ ألْوَان مُتَنَوِعَة مِنْهَا الأرْجُوانِي مَعْنَى السِبْط بِنْيَامِين = إِبْن اليَمِين نَصِيبنَا مَعَهُ مَكَانَنَا عَنْ يَمِينْ الآب. 10- الحَجَر " الزَبَرْجَدٌ " يُشْبِه الزَّمُرُّدٌ وَألْوَانُه مُخْتَلِفَة أشْهَرْهَا الأخْضَر مَعْنَى السِبْط دَان = دَيْنُونَة أوْ قَضَاء نَصِيبنَا مَعَهُ الَّذِي إِقْتَنَى نِعْمِة الإِفْرَاز وَالتَّمْيِيز. 11- الحَجَر الجَزْع مَعْنَى السِبْط أشِير = غِبْطَة أوْ طُوبَى نَصِيبنَا مَعَهُ التَّمَتُّع بِبَهْجِة المَلَكُوت. 12- الحَجَر" اليَشْبٌ " نُوع مِنْ البُللُور الثَّمِينْ مِنْهُ غِير شَفَّاف بِهِ نُقَطْ وَخُطُوط وَمِنْهُ أخْضَر قَاتِمْ مَعْنَى السِبْط نَفْتَالِي = مُصَارَعَه نَصِيبنَا مَعَهُ طَرِيقٌ الصِرَاع مَعَ الله الَّذِي يُعْطِي غَلْبَة. إِلَى أي سِبْط تَنْتَمِي ؟ وَإِنْ تَأمَّلْنَا فِي مَعَانِي أسْمَاء الأسْبَاط وَمَوَاضِعَهُمْ وَأنْوَاع الأحْجَار المُقْتَرِنَة بِهِمْ لَوَجَدْنَا مَنْهَجاً بَدِيعاً يَصِفْ فِيهِ الله صِفَات أوْلاَدُه وَوَاجِبَاتِهِمْ وَمَوَاعِيدُه تِجَاهِهِمْ وَعَلَى كُلَّ عُضْو فِي جَسَدٌ الْمَسِيح السِّرِّي الَّذِي هُوَ الكَنِيسَة أنْ يَنْظُر إِلَى نَفْسِهِ وَيَتَأمَّلْهَا وَيَعْرِفْهَا جَيِّداً وَيَعْرِف إِلَى أي سِبْط يَنْتَمِي وَعَلَى أي حَجَر كَرِيم نُقِشَ إِسْمُه وَفِي أي مَكَان يُوْجَدٌ فَلاَبُدْ لَكَ مِنْ مَكَان وَإِلْتِزَام تِجَاه هذَا المَكَان وَوَعْدْ مِنْ الله لِتَشْتَرِك فِي بَرَكَاتُه وَتُحْفَظْ فِي قَلْبُه كُلَّ حِينٍ . التِّذْكَار :- يُذْكَر عَنْ حَجَرَيْ الجَزْع اللَّذَان عَلَى كَتِفَيْ رَئِيس الْكَهَنَة أنَّهُمَا لِلتِّذْكَار وَكَذلِك الأحْجَار المَوْضُوعَة فِي الصَدْرَة تِذْكَاراً لِبَنِي إِسْرَائِيل لِلتِّذْكَار أمَام الرَّبِّ دَائِماً ( خر 28 : 29 ) إِنَّ الله يَعْرِف أنَّ طَبِيعِة البَشَر فِي ضَعْفِهَا دَائِماً تَمِيل إِلَى النِّسْيَان فَيُحِبْ الرَّبَّ أنْ يُذَكِّرَهُمْ بِعَمَلُه مَعَهُمْ وَأيْضاً يَنْقِل إِلَيْهِمْ مَشَاعِر مَحَبَّتِهِ بِأنَّهُ دَائِماً يَذْكُرَهُمْ وَكَأنَّهُ تِذْكَار مُتَبَادَل هُمْ يَتَذَكَّرُوا مَرَاحِمْ الرَّبَّ وَإِحْسَانَاتُه مَعَهُمْ وَأيْضاً يَتَذَكَّر الرَّبَّ مَوَاعِيدُه مَعَهُمْ إِنَّهُ تِذْكَار لِمَا عَمَلَهُ الرَّبَّ مَعَ شَعْبُه ﴿ أَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ ﴾( خر 19 : 4 ) ﴿ كَمَا يُحَرِّكُ النِّسْرُ عُشَّهُ وَعَلَى فِرَاخِهِ يَرِفُّ وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَأْخُذُهَا وَيَحْمِلُهَاعَلَى مَنَاكِبِهِ هكَذَا الرَّبُّ وَحْدَهُ اقْتَادَهُ وَلَيْسَ مَعْهُ إِلهٌ أَجْنَبِيٌّ ﴾ ( تث 32 : 11 – 12) فَالرَّبُّ ﴿ بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ ( مِنْ العُبُودِيَّة ) وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ ﴾( أش 63 : 9 ) وَهُمَا أيْضاً لِلتِّذْكَار لِمَا سَيَحْمِلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ رَئِيسُ الْكَهَنَة الأعْظَمْ رَبَّنَا يَسُوع الْمَسِيح مِنْ أجْل خَلاَصِنَاهذَا الَّذِي تَنَبَّأ عَنْهُ أشْعِيَاءُ النَّبِيِ قَائِلاً ﴿ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً . وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأِجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأِجْلِ آثَامِنَا تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا . كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا . ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ . وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي . وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ وَمَعْ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ . عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ . إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ . مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ . وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا . لِذلِكَ أَقْسَمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعْ أَثْمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفِعَ فِي الْمُذْنِبِينَ ﴾ ( أش 53 : 4 – 12) . الفِصْح وَالتِّذْكَار :- وَهُنَا نَتَذَكَّر أنَّ العِيد الوَحِيدٌ الَّذِي تَتَصِل بِهِ كَلِمَة " تَذْكَار " هُوَ عِيد الفِصْح إِذْ يُوصِيهُمْ قَائِلاً﴿ وَيَكُونُ لَكُمْ هذَا الْيَوْمُ تَذْكَاراً فَتُعَيِّدُونَهُ عِيداً لِلرَّبِّ فِي أَجْيَالِكُمْ تُعَيِّدُونَهُ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً ﴾( خر 12 : 14) وَبُنَاءً عَلِيه كَانَ لَدَيْهِمْ أمْرَان دَائِمَان لِلتِّذْكَار نَجَاتِهِمْ مِنْ عُبُودِيِّة مَصْر بِوَاسِطَة دَمٌ خَرُوف الفِصْح وَقَبُولَهُمْ أمَام الله فِي لَمَعَان وَمَجْد الأحْجَار الكَرِيمَة الَّتِي نُقِشَتْ عَلَيْهَا أسْمَاؤُهُمْ عَلَى كَتِفَيْ وَعَلَى صَدْر رَئِيسُ الْكَهَنَة . كَنِيسِة العَهْد الجَدِيد وَالتِّذْكَار :- كَذلِك نَحْنُ أبْنَاء كَنِيسَة العَهْد الجَدِيد لَدَيْنَا أمْرَان عَظِيمَان يَجِبْ أنْ نَذْكُرْهُمَا دَائِماً :- خَلاَصِنَا بِوَاسِطَة ذَبْحٌ فِصْحَنَا الْمَسِيح الَّذِي جَعَلَتْهُ الكَنِيسَة فِصْحاً دَائِماً مُقَدَّماً بِاسْتِمْرَارعَلَى المَذْبَح لِيُعْطِي لِلمُؤمِنِينْ الغُفْرَان وَالخَلاَص فَصَارَتْ ذَبِيحِة القُدَّاس الإِلَهِي هِيَ أعْظَمْ عَمَل يَقُوم بِهِ الإِنْسَان عَلَى الأرْض إِذْ هُوَ إِسْتِمْرَارٌ وَامْتِدَادٌ لِذَبِيحِة الصَّلِيب الَّتِي قُدِّمَتْ عَنْ خَلاَص العَالَمْ كُلُّه فَصَارَتْ رِسَالِة الكَنِيسَة أنْ تَصْنَعْ ذِكْرَى آلاَمُه المُقَدَّسَة وَتُحَقِّقٌ كَلاَمٌ مُخَلِّصْهَا ﴿ إِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي ﴾ فَمَا أجْمَلَهُ تَذْكَار نَصْنَعَهُ وَيُسَلَّمْ مِنْ جِيل إِلَى جِيل وَنَسْتَمِر نَذْكُرُه إِلَى أنْ يَجِئ بِحَسَبْ قَوْل الكَنِيسَة ﴿ وَتَذْكُرُونَنِي إِلَى أنْ أجِئ ﴾ . تَذْكَار قَبُولْنَا الدَّائِمْ أمَام الله كَأوْلاَدُه قَبُولاً ثَابِتاً فِي كُلَّ مَجْدٌ وَكَمَال إِبْنِهِ الحَبِيبْ وَالتَّذْكَار لَيْسَ لِلشَّعْب فَقَطْ بَلْ يُقَال أيْضاً لِلتِّذْكَار أمَام الرَّبَّ دَائِماً فَمَا كَانَ يُمْكِنْ أنْ يَدْخُل هَارُون إِلَى القُدْس دُونَ أنْ يَضَعْ أمَام عَيْنَيَّ الرَّبَّ كُلَّ الكَمَال الَّذِي تَظْهَر فِيهِ أسْمَاء الشَّعْب قُدَّامُه إِذْ تَسْطَعْ عَلَى الأحْجَار الكَرِيمَة أنْوَار المَنَارَة وَهكَذَا يُوْجَدٌ لَنَا تِذْكَاراً دَائِماً أمَام الله فِي شَخْص رَئِيس الْكَهَنَة الأعْظَمْ الَّذِي يُقَدِّمْنَا إِلَيْهِ فِي كَمَال مَحَبَّتِهِ وَقُوَّتِهِ لاَمِعِينْ وَمُضِيئِينَ فِي مَجْدِهِ وَبِلاَ لَوْم فِي قَدَاسَتِهِ وَمُبَرَّرِينْ فِي بِرِّهِ وَأقْوِيَاء لأِنَّهُ هُوَ قُوَّتْنَا وَلَنَا جَمَال وَكَمَال هُمَا جَمَالُه وَكَمَالُه . أمَام الرَّبَّ دَائِماً :- وَالتَّذْكَار هُوَ أمَام الرَّبَّ دَائِماً وَكَلِمَة " دَائِماً " نَجِدْهَا مُرْتَبِطَة بِأُمور كَثِيرَة :- مُرْتَبِطَة بِخُبْز الوُجُوه﴿ وَتَجْعَلُ عَلَى الْمَائِدَةِ خُبْزَ الْوُجُوهِ أَمَامِي دَائِماً ﴾ ( خر 25 : 30 ) وَمُرْتَبِطَة بِالمَنَارَة﴿ لإِصْعَادِ السُّرُجِ دَائِماً ﴾ ( خر 27 : 20 ) وَمُرْتَبِطَة بِالبُخُور العَطِر ﴿ بَخُوراً دَائِماً أَمَامَ الرَّبِّ ﴾ ( خر 30 : 8 ) وَمُرْتَبِطَة بِالمُحْرِقَة وَالنَّار الَّتِي عَلَى المَذْبَحٌ دَائِماً ( خر 29 : 38 ) كُلَّ هذَا يُحَدِّثْنَا عَنْ ظُهُور الْمَسِيح أمَام الله دَائِماً لأِجْلِنَا إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلَّ حِينٍ يَشْفَعُ فِينَا( عب 7 : 25 )فَفَاعِلِيِة ذَبِيحَتِهِ فَاعِلِيَّة دَائِمَة وَنَحْنُ عَلَى أسَاسْهَا مَقْبُولُون أمَام الله فِي المَحْبُوب وَكَامِلُون فِيهِ وَلَنَا فِي صَدْرَة القَضَاء بَرَكَات تَفِيض عَلَى نِفُوسِنَا إِنْ أدْرَكْنَاهَا فَرِحَتْ نِفُوسْنَا وَابْتَهَجَتْ كَمَنْ إِرْتَفَعَ عَنْ الأرْض وَاسْتَوْطَنْ السَّمَاء فَابْتَهَجَتْ نَفْسُه وَلَمْ يَشَأ الرُّجُوع إِلَى الأرْض مَا أجْمَلٌ أنْ نَكْتَشِفْ أنْفُسَنَا مُسْتَقِرِينْ فِي صَدْرَة القَضَاء مُمَجَدِينْ فِي ضِيَاء لَمَعَانِهِ إِذْ جَعَلَ إِسْمَهُ عَلَيْنَا وَبَسَطَ ذِيلُه عَلَيْنَا فَصَارَتْ نِفُوسْنَا جَمِيلَةٌ جِدّاً بِجَمَالِهِ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْنَا وَنَقْرأ عَنْ جَمَالْنَا فِي نُبُّوِة مَلاَخِي إِذْ نَجِدٌ أنَّ الله يَدْعُو شَعْبُه جَوَاهِرُه إِذْ يَقُول ﴿ وَيَكُونُونَ لِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنَا صَانِعٌ خَاصَّةً ﴾ * وَفِي الأصْل العِبْرِي " جَوَاهِرِي " * ( ملا 3 : 17 )هُوَ يَحْمِلْنَا عَلَى صَدْرِهِ كَجَوَاهِر ثَمِينَة لأِنَّهُ حِينَ يَجِئ لِيَتَمَجَّدٌ فِي قِدِّيسِيه وَيُتَعَجَّبْ مِنْهُ فِي جَمِيعْ المُؤْمِنِينْ ( 2تس 1 : 10) . القس أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا أنطونيوس محرم بك الاسكندرية عن كتاب مَلاَبِس رَئِيس الكَهَنَة
المزيد
24 فبراير 2021

تأملات في سفر يونان النبي

إن سفر يونان النبي مملوء بالتأملات الروحية الجميلة ، نعرض لهذا السفر من الناحية الروحية البحتة وليس من جهة الجدل اللاهوتي سبيلنا هو الاستفادة وليس النقاش. نريد أن نأخذ من هذا السفر الجميل دروسا نافعة لحياتنا، نستفيد من عمل الله ، ومن فضائل الناس ، ومن أخطائهم وما أجمل ما فعلته الكنيسة إذ اختارت هذا السفر ليكون مقدمة للصوم الكبير ، يسبقه بأسبوعين ، بقصة جميلة للتوبة ، وللصوم حتى نستقبل أيام الأربعين المقدسة بقلب نقى ملتصق بالرب والعجيب أن كثيرين من الذين يدرسون سفر يونان ، يركزون على أهل نينوى وصومهم وينسون ركاب السفينة ، وينسون يونان النبي ومشكلته . فماذا كانت مشكلة يونان ؟ مشكلة يونان إن الله في سفر يونان النبي، يريد أن يعرّفنا حقيقة هامة هي أن الأنبياء ليسوا من طبيعة أخرى غير طبيعتنا ، بل هم أشخاص "تحت الآلام مثلنا" يع 5 : 17.. لهم ضعفاتهم ولهم نقائصهم وعيوبهم، ومن الممكن أن يسقطوا كما نسقط . كل ما في الأمر أن نعمة الله عملت فيهم، وأعطتهم قوة ليست هي قوتهم وإنما هي قوة الروح القدس العامل في ضعفهم ، لكي يكون فضل القوة لله وليس لنا كما يقول الرسول ( 2 كو 4 : 7 )وقد كان يونان النبي من "ضعفاء العالم" الذين اختارهم الرب ليخزي بهم الأقوياء ( 1 كو 1 : 27 ) . كانت له عيوبه، وكانت له فضائله. وقد اختاره الرب على الرغم من عيوبه، وعمل به، وعمل فيه، وعمل معه.. وأقامه نبيا قديسا عظيما لا نستحق التراب الذي يدوسه بقدميه؛ لكي يرينا بهذا أيضا أنه يمكن أن يعمل معنا ويستخدم ضعفنا، كما عمل مع يونان من قبل.. سقطات فى هروب يونان:- سنرى بعضا من ضعف يونان في موقفه من دعوة الرب.. يقول الكتاب : "وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلا: قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة، ونادِ عليها، لأنه قد صعد شرهم أمامي. فقام يونان ليخرج إلى ترشيش من وجه الرب، فنزل إلى يافا، فوجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش، فدفع أجرتها، ونزل فيها ليذهب معهم إلى ترشيش من وجه الرب"وهنا نرى يونان النبي وقد سقط في عدة أخطاء.. كانت السقطة الأولى له هي المخالفة والعصيان:- لم يستطع أن يطيع الرب في هذا الأمر، وهو النبي الذي ليس له عمل سوى أن يدعو الناس إلى طاعة الرب . عندما نقع في المخالفة ، يجدر بنا أن نشفق على المخالفين . واضعين أمامنا قول الرسول: "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون أيضا مثلهم .." ( عب 13 : 3 ) على أن سقطة المخالفة التي وقع فيها يونان، كانت تخفي وراءها سقطة أخرى أصعب وأشد هي الكبرياء ممثلة في الاعتزاز بكلمته، وترفعه عن أن يقول كلمة وتسقط إلى الأرض ولا تنفذ كان اعتزازه بكلمته هو السبب الذي دفعه إلى العصيان، وحقا إن خطية يمكن أن تقود إلى خطية أخرى، في سلسلة متلاحمة الحلقات.. كان يونان يعلم أن الله رحيم ورؤوف، وأنه لا بد سيعفو عن هذه المدينة إذا تابت. وهنا سبب المشكلة! وماذا يضيرك يا يونان في أن يكون الله رحيما ويعفو؟ يضيرني الشيء الكثير : سأقول للناس كلمة، وكلمتي ستنزل إلى الأرض!.. إلى هذا الحد كان يونان متمركزا حول ذاته! من يستطع أن ينكر ذاته في سبيل خلاص الناس. كانت هيبته وكرامته وكلمته، أهم عنده من خلاص مدينة بأكملها..! كان لا مانع عنده من أن يعمل مع الرب، على شرط أن يحافظ له الرب على كرامته وعلى هيبة كلمته.. من أجل هذا هرب من وجه الرب، ولم يقبل القيام بتلك المهمة التي تهز كبرياءه وكان صريحا مع الرب في كشف ما بداخل القلب، إذ قال لله فيما بعد عندما عاتبه: وكان هرب يونان من وجه الرب يحمل في ثناياه خطية أخرى هي الجهل وعدم الإيمان.. هذا الذي يهرب من الرب، إلى أين يهرب، والرب موجود في كل مكان؟!صدق داود النبي حينما قال للرب: " أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟.. ( مز 139 : 7 – 10 ).. أما يونان فكان مثل جده آدم الذي ظن أنه يختفي من وجه الرب وراء الشجر.. حقا إن الخطية تطفئ في الإنسان نور المعرفة، وتنسيه حتى البديهيات! وجد يونان في يافا سفينة ذاهبة إلى ترشيش، فدفع أجرتها، ونزل فيها.. العجيب أن الخطيئة كلفته مالا وجهدا. دفع أجرة للسفينة ليكمل خطيته.. أما النعمة فننالها مجانا.. عندما دفع يونان أجرة السفينة خسر خسارة مزدوجة: خسر ماله، وخسر أيضا طاعته ونقاوته العجيب أن الله استخدم عصيان يونان للخير. حقا إن الله يمكنه أن يستخدم كل شيء لمجد اسمه.. اللــه يستخدم الكل!! لقد عصى يونان أمر الرب، وهرب راكبا السفينة، ولكن الله الذي "يخرج من الآكل أكلا ومن الجافي حلاوة" ( قض 14 : 14 )، الله الذي يستطيع أن يحول الشر إلى خير، استطاع أيضا أن يستخدم عصيان يونان.. إن كان بسبب طاعة يونان يمكن أن يخلص أهل نينوى، فإنه بعصيان يونان يمكن أن يخلص أهل السفينة!!.. وكأن الله يقول له: هل تظن يا يونان أنك قد هربت مني؟ كلا . أنا سأرسلك إلى ركاب السفينة، ليس كنبي، ولا كمبشر، ولا كصوت صارخ يدعو الناس إلى التوبة، وإنما كمذنب وخاطئ وسبب إشكال وتعب للآخرين، وبهذه الصورة سأخلصهم بواسطتك!! هل ركبت البحر في هروبك يا يونان؟ إذن فقد دخلت في دائرة مشيئتي أيضا.. لأنني أملك البحر كما أملك البر، كلاهما من صنع يدي. وأمواج البحر ومياهه وحيتانه تطيعني أكثر منك كما سترى!! طاعة المخلوقات غير العاقلة:- لقد أخجل الرب يونان النبي بطاعة أهل نينوى، وببر أهل السفينة وإيمانهم.. إلا أنه أيضا أخجله بطاعة الجمادات والمخلوقات غير العاقلة. ومن الجميل أننا نرى كل هؤلاء في إرساليات إلهية وفى مهمات رسمية أدوها على أكمل وجه وأفضله. فما هي هذه الكائنات غير العاقلة التي كانت عناصر نافعة في إتمام المشيئة الإلهية؟ "فأرسل الرب ريحا شديدة إلى البحر، فحدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر" ( 1 : 4 ).. لقد أدت الريح واجبها، وكانت رسولا من الرب، قادت الناس إلى الصلاة، فصرخ كل واحد إلى إلهه وكما أدت هذه الريح الشديدة مهمتها في أول القصة، كذلك أدت مهمة أخرى في آخر القصة، إذ يقول الكتاب: " وحدث عند طلوع الشمس أن الله أعد ريحا شرقية حارة، فضربت الشمس على رأس يونان فذبل فطلب لنفسه الموت.." ( 4 : 8 ) في سفر يونان كانت كل هذه الكائنات مطيعة للرب، الوحيد الذي لم يكن مطيعا هو الإنسان العاقل، يونان ... الذي منحه الله حرية إرادة يمكنه بها أن يخالفه!.. هكذا الإنسان، أما باقي الكائنات فلا تعرف غير الطاعة. على أنه لم يكن كل إنسان غير مطيع في سفر يونان، بل كل الناس أطاعوا، ما عدا يونان؛ النبــى!! ولم يهرب يونان من المهمة إشفاقا على نينوى من الهلاك، بل على العكس هرب خوفا من أن تبقى المدينة ولا تهلك.. لم يتشفع فيها كإبراهيم عندما تشفع في سدوم. بل إنه حزن واغتاظ واغتم غما شديدا، ورأى أن الموت هو أفضل لنفسه من الحياة، كل ذلك لأن الله لم يتمم إنذاره ويهلك المدينة! أراد الله للبحر أن يهيج فهاج، وأراد له أن يهدأ بعد إلقاء يونان فيه فهدأ.. ما أعجب الطبيعة المطيعة التي لا تعصى لله أمرا، كالإنسان وكما أمر الحوت الضخم الكبير لكي ينفذ جزءا من الخطة الإلهية، كذلك أمر الدودة البسيطة أن تضرب اليقطينة فيبست.. ما أعجب هذا.. أن نرى حتى الدودة تكون جزءا من العمل الإلهي المقدس الكامل.. حقا ما أجمل قول الكتاب: " انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار" متى 18 : 10 ليتنا نأخذ درسا من كل هؤلاء وندرك نحن أيضا عمق عبارة "لتكن مشيئتك" في حياتنا وحياة الناس. هذه العبارة التي فشل يونان في ممارستها، ولم يستطع أن يصل إليها إلا بعد تجارب كثيرة وصراع مع الله، وعقوبات، وإقناعات.. أخيرا استطاع الله أن يقنعه بخيرية المشيئة الإلهية، مهما كانت مخالفة لمشيئته الذاتية. بحارة أمميــــون كانوا أفضل من النبي:- ما أعجب أهل هذه السفينة التي ركبها يونان.. حقا كانوا أممين، ومع ذلك كانت لهم فضائل عجيبة فاقوا بها النبي العظيم. وفيهم تحقق قول الرب: "ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتى بتلك أيضا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد" ( يو 10 : 16 ) يذكرني أهل هذه السفينة بكرنيليوس قائد المائة، الذي كان في مظهره رجلا أمميا بعيدا عن رعوية الله، ولكنه كان في حقيقته رجلا تقيا خائفا الله هو وجميع بيته!.. لعله تدبير الهي أن ينزل يونان في هذه السفينة بالذات، من أجله ومن أجل هذه السفينة.. لم يشأ الله أن يمضي إلى كورة بعيدة. فضائل أهل السفينة:- أول صفة جميلة في بحارة هذه السفينة أنهم كانوا رجال صلاة.. يقول الكتاب: "فخاف الملاحون، وصرخوا كل واحد إلى إلهه، وطرحوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر ليخففوا عنهم" ( 1 : 5 ).نلاحظ هنا أنهم لجأوا إلى الله قبل تنفيذهم ما تتطلبه الحكمة البشرية لإنقاذ الموقف. صلوا أولا ثم ألقوا الأمتعة ليخففوا عن السفينة.. كان كل بحارة السفينة وركابها يصلون، والوحيد الذي لم يكن يصلي في ذلك الوقت هو نبي الله يونان!! وحتى بعد أن أيقظوه، لم يقل الكتاب أنه قام وصلى! إنه موقف مخجل حقا.. عجيب حقا هو الرب إذ يبكت أحد أنبيائه برجل أممي: "مالك نائما".. ما هذا الكسل والتراخي واللامبالاة؟! ألا تقوم وتصلي كباقي الناس؟ "قم اصرخ إلى إلهك، عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك" كيف خالف الله، وكسر وصيته وهرب منه، واستطاع أن ينام نوما ثقيلا؟! لا بد أن ضميره كان قد نام أيضا، نوما ثقيلا، مثله.. صفة جميلة ثانية نجدها في أهل السفينة أنهم كانوا يبحثون عن الله.. لم يقولوا ليونان في تعصب لديانتهم "قم اصرخ إلى إلهنا"، وإنما قالوا له: "قم اصرخ إلى إلهك، عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك".. وهذا يدل على أنهم كانوا يبحثون عن الله.. صفة جميلة ثالثة وهى أنهم كانوا رجال بساطة وإيمان.. لم يكتفوا بالصلاة، وإنما أيضا ألقوا قرعة.. في تقواهم كانوا يشمئزون من بشاعة الخطية ويشعرون أنها سبب البلايا التي تحيق بالإنسان .. كانوا أيضا أشخاصا عادلين لا يحكمون على أحد بسرعة، بل اتصفوا بطول الأناة وبالفحص وإرضاء الضمير.. أما يونان فاعترف لهم وقال: "أنا عبراني، وأنا خائف من الرب إله السماء الذي صنع البحر والبر، وبمجرد سماعهم ذلك الكلام خافوا خوفا عظيما.. هل إلهك يا يونان هو إله البحر والبر؟ نحن الآن في البحر، إذن فنحن في يد إلهك أنت.. ونحن نريد الوصول إلى البر.. وإلهك هو إله البر أيضا، كما هو إله البحر، إذن فنحن في يديه!!.. لذلك خافوا ووبخوه قائلين: "لماذا فعلت هذا ؟!".. وللمرة الثانية يبَكَّت النبي العظيم من الأمميين وكما كان ركاب السفينة عادلين، كانوا أيضا في منتهى الرحمة والشفقة كانوا يوقنون أنه مذنب ويستحق الموت، ومع ذلك لم يكن سهلا على هؤلاء القوم الرحماء، أن يميتوا إنسانا حتى لو كان هو السبب في ضياع متاعهم وأملاكهم وتهديد حياتهم بالخطر قال لهم يونان: "خذوني واطرحوني في البحر، فيسكن البحر عنكم، لأني عالم أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم".. لقد بذلوا كل جهدهم لإنقاذ الرجل الخاطئ من الموت، ولكن دون جدوى. كانت مشيئة الرب أن يلقى يونان في البحر.. وهكذا أسقط في أيديهم.. ولكن لكي يريحوا ضمائرهم، صرخوا إلى الرب وقالوا: "آه يارب، لا نهلك من أجل نفس هذا الرجل. ولا تجعل علينا دما بريئا، لأنك أنت يارب فعلت كما شئت"وإذ تحققوا أن هذه هي مشيئة الله، وأنهم لا يستطيعون أن يقفوا ضد مشيئته، "أخذوا يونان وطرحوه في البحر، فوقف البحر عن هيجانه" من كل ما سبق يتضح أن هؤلاء البحارة كان لهم ضمير حساس نقي، وأنهم أرادوا بكل حرص أن يقفوا أمام ضميرهم بلا لوم كانت لهؤلاء الناس قلوب مستعدة لعمل الله فيها: كانوا يتلمسون إرادة الله لتنفيذها. ولما وقف هيجان البحر بإلقاء يونان فيه، تأكدوا من وجود الله في الأمر، فآمنوا بالرب، وذبحوا له ذبيحة، ونذروا له نذورا.. وفى إيمانهم بالرب لم يؤمنوا فقط أنه هو الرب، وإنما بتقديمهم للذبيحة أعلنوا أيضا إيمانهم بالدم والكفارة!! وهكذا كسب الله المعركة الأولى، وتمم خلاص أهل السفينة بعصيان يونان.. وبقيت في خطة الله للخلاص مسألتان مهمتان أخريان: وهما خلاص أهل نينوى، وخلاص يونان نفسه.. وهو ما تممه الله بحكمته ومحبته وطول أناته كما ترى عزيزي القارئ من قراءتك لباقي السفر. قداسة مثلث الرحمات البابا شنوده الثالث
المزيد
28 يوليو 2018

نماذج من تسابيح القديسين في الكتاب المقدس - الجزء الثاني

(2) تسبحة زكريا الكاهن قيل عن زكريا وامرأته أليصابات: "كانا كِلاهُما بارَّينِ أمامَ اللهِ، سالِكَينِ في جميعِ وصايا الرَّب وأحكامِهِ بلا لومٍ" (لو6:1) وكان زكريا هذا كاهنًا لله العلي، استحق أن يرى ملاك الرب في الهيكل "واقِفًا عن يَمينِ مَذبَحِ البَخورِ" (لو11:1) ليُبشره بميلاد يوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء هذا الرجل البار صار صامتًا لا يقدر أن يتكلَّم، لأنه لم يُصدِّق كلام الملاك من جهة ميلاد يوحنا المعمدان: "وها أنتَ تكونُ صامِتًا ولا تقدِرُ أنْ تتكلَّمَ، إلَى اليومِ الذي يكونُ فيهِ هذا، لأنَّكَ لم تُصَدقْ كلامي الذي سيَتِمُّ في وقتِهِ" (لو20:1) وبالفعل عندما وُلد يوحنا "في الحالِ انفَتَحَ فمُهُ ولسانُهُ وتكلَّمَ وبارَكَ اللهَ" (لو64:1) لقد انفتح فمه ولسانه على التسبيح ومُباركة الله، "وامتَلأَ زَكَريّا أبوهُ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ، وتنَبّأَ قائلاً: مُبارَكٌ الرَّبُّ إلهُ إسرائيلَ لأنَّهُ افتَقَدَ وصَنَعَ فِداءً لشَعبِهِ" (لو67:1-68). ربي يسوع ليت لساني يخرس عن نطق الشر، وينفتح فقط للتسبيح. لقد استُؤمن زكريا على نعمة النبوة فصارت تسابيحه نبوات، ونبؤاته تسابيح لقد عرف بالروح القدس أن الله افتقد وصنع فداء لشعبه مع أن الرب يسوع لم يكن قد وُلد بعد، ولم يكن يوحنا ابنه المولود في هذه اللحظة هو الفادي المنتظر ولكنه علم بالروح أن يوحنا هو السابق الصابغ، وهو النذير الذي يسبق مجيء الحمل ليُعد له شعبًا مستعدًا "ويَتَقَدَّمُ أمامَهُ بروحِ إيليّا وقوَّتِهِ" (لو17:1). لذلك حينما رأى زكريا ابنه الوليد الصغير يوحنا ارتفع ذهنه إلى العريس الحقيقي (ربنا يسوع)، ولم ينشغل كثيرًا بصديق العريس الذي هو يوحنا المعمدان إننا كذلك في تسابيح الكنيسة حينما نحتفل بأحد القديسين يرتفع ذهننا سريعًا إلى شخص ربنا يسوع المسيح، فهو قدوس القديسين، وهو المُمجد في جماعة القديسين، وهو "مُعلَمٌ بَينَ رَبوَةٍ" (نش10:5) لقد أدرك زكريا أن الله "أقامَ لنا قَرنَ خَلاصٍ في بَيتِ داوُدَ فتاهُ كما تكلَّمَ بفَمِ أنبيائهِ القِديسينَ الذينَ هُم منذُ الدَّهرِ" (لو69:1-70)، لم يكن يوحنا من بيت داود، بل من بيت لاوي (سبط الكهنوت)، وداود من سبط يهوذا، الذي خرج منه المسيح "الأسَدُ الذي مِنْ سِبطِ يَهوذا" (رؤ5:5) فزكريا هنا يتكلم عن قرن الخلاص الذي هو ربنا يسوع المسيح، ويُسبِّح الافتقاد الإلهي للبشرية ذاك الافتقاد الذي وعد به منذ القديم بالآباء والأنبياء أدرك زكريا أيضًا بروح النبوة أن المسيح سيُحقق لنا "خَلاصٍ مِنْ أعدائنا ومِنْ أيدي جميعِ مُبغِضينا" (لو71:1)، ونحن نعرف أن هؤلاء الأعداء والمبغضين هم الشياطين، وليس كالفكر اليهودي الحرفي المادي الذي كان يتوقع أن يأتي المسيا ليُخلصهم من حكم الرومان ويعطيهم مُلكًا أرضيًا زمنيًا لقد أعلن السيد المسيح أن مملكته ليست من هذا العالم لأنه ملك روحاني يملك على قلوب مُحبيه: "إنْ أحَبَّني أحَدٌ يَحفَظْ كلامي، ويُحِبُّهُ أبي، وإليهِ نأتي، وعِندَهُ نَصنَعُ مَنزِلاً" (يو23:14) إن ملكوت المسيح فينا هو تحقيق رحمته وعهده "ليَصنَعَ رَحمَةً مع آبائنا ويَذكُرَ عَهدَهُ المُقَدَّسَ" (لو72:1) ذلك العهد الذي أقسم لأبينا إبراهيم أن يُعطيه "القَسَمَ الذي حَلَفَ لإبراهيمَ أبينا: أنْ يُعطيَنا" (لو73:1-74)، إذ قيل: "بذاتي أقسَمتُ، يقولُ الرَّبُّ أُبارِكُكَ مُبارَكَةً، وأُكَثرُ نَسلكَ تكثيرًا كنُجومِ السماءِ وكالرَّملِ الذي علَى شاطِئ البحرِ، ويَرِثُ نَسلُكَ بابَ أعدائهِ، ويَتَبارَكُ في نَسلِكَ جميعُ أُمَمِ الأرضِ، مِنْ أجلِ أنَّكَ سمِعتَ لقَوْلي" (تك16:22-18) حقًا تحقق في ربنا يسوع هذا الوعد إذ تباركت جميع قبائل الأرض، في شخصه القدوس بالفداء الذي حققه لنا بصليبه المكرم، ودمه الطاهر المسفوك عليه إننا حقًا "بلا خَوْفٍ، مُنقَذينَ مِنْ أيدي أعدائنا" (لو74:1)، لذلك حقَّ لنا ووجب علينا أن "نَعبُدُهُ بقَداسَةٍ وبر قُدّامَهُ جميعَ أيّامِ حَياتِنا" (لو74:1-75). فيما يُسبِّح زكريا الرب المُخلِّص، لم ينسَ أيضًا أن يتلو (ذكصولوجية) لتمجيد القديس يوحنا المعمدان، إذ أن مجد الله كائن في القديسين وزكريا يدرك أن تمجيد القديسين لا ينتقص من مجد الله؛ بل هو اعتراف بعمل الله في البشر لذلك اتجه نحو طفله الوليد وقال: "وأنتَ أيُّها الصَّبيُّ نَبيَّ العَلي تُدعَى، لأنَّكَ تتقَدَّمُ أمامَ وجهِ الرَّب لتُعِدَّ طُرُقَهُ لتُعطيَ شَعبَهُ مَعرِفَةَ الخَلاصِ بمَغفِرَةِ خطاياهُمْ" (لو76:1-77) ولا عجب فالسيد المسيح نفسه قد وضع (ذكصولوجية) تمجيد ليوحنا المعمدان، ومدحه بأشعار مازلنا نستخدمها حتى اليوم في تمجيد هذا القديس العظيم، لكي يفتح لنا الباب أن نُشارك في تذكار القديسين، ومديحهم وتمجيدهم بعبارات شبيهة بما قاله السيد المسيح نفسه "ابتَدأَ يقولُ للجُموعِ عن يوحَنا: ماذا خرجتُمْ إلَى البَريَّةِ لتنظُروا؟ أقَصَبَةً تُحَركُها الريحُ؟ بل ماذا خرجتُمْ لتنظُروا؟ أإنسانًا لابِسًا ثيابًا ناعِمَةً؟ بل ماذا خرجتُمْ لتنظُروا؟ أنَبيًّا؟ نَعَمْ، أقولُ لكُمْ: وأفضَلَ مِنْ نَبي! هذا هو الذي كُتِبَ عنهُ: ها أنا أُرسِلُ أمامَ وجهِكَ مَلاكي الذي يُهَيئُ طريقَكَ قُدّامَكَ! لأني أقولُ لكُمْ: إنَّهُ بَينَ المَوْلودينَ مِنَ النساءِ ليس نَبيٌّ أعظَمَ مِنْ يوحَنا المعمدانِ" (لو24:7-28)ولا ننسى أيضًا الملاك غبريال نفسه فقد قال قصيدة مدح في هذا القديس العظيم قبل أن يولد: "ويكونُ لكَ فرَحٌ وابتِهاجٌ، وكثيرونَ سيَفرَحونَ بوِلادَتِهِ، لأنَّهُ يكونُ عظيمًا أمامَ الرَّب، وخمرًا ومُسكِرًا لا يَشرَبُ، ومِنْ بَطنِ أُمهِ يَمتَلِئُ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ ويَرُدُّ كثيرينَ مِنْ بَني إسرائيلَ إلَى الرَّب إلهِهِمْ ويَتَقَدَّمُ أمامَهُ بروحِ إيليّا وقوَّتِهِ، ليَرُدَّ قُلوبَ الآباءِ إلَى الأبناءِ، والعُصاةَ إلَى فِكرِ الأبرارِ، لكَيْ يُهَيئَ للرَّب شَعبًا مُستَعِدًّا" (لو14:1-17) إن الكتاب المقدس يُعلِّمنا أننا حينما نتكلم مع القديسين إنما نمجد الله الساكن فيهم، ونتذكر أعماله الخلاصية في حياتهم لقد تذكر زكريا الخلاص فيما يتكلم عن يوحنا "لتُعطيَ شَعبَهُ مَعرِفَةَ الخَلاصِ بمَغفِرَةِ خطاياهُمْ" (لو77:1)، وتذكر رحمة الله وافتقاده لنا "بأحشاءِ رَحمَةِ إلهِنا التي بها افتَقَدَنا المُشرَقُ مِنَ العَلاءِ ليُضيءَ علَى الجالِسينَ في الظُّلمَةِ وظِلالِ الموتِ، لكَيْ يَهديَ أقدامَنا في طريقِ السَّلامِ" (لو78:1-79) حقًا كان زكريا رجل الله، وقد امتلأ بالروح القدس، ليبهرنا بهذه التسبحة الخالدة. ربي يسوع دعني أمُجدك في قديسيك، كما فعل زكريا البار بالروح القدس. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
01 أبريل 2020

قدسوا صوماً

قال الرب علي لسان يوئيل النبي " قدسوا صوماً ، نادوا باعتكاف " ( يوئيل 1:14، 2:15) فما معني تقديسنا للصوم ؟ وكيف يكون ؟ معنى عبارة " قدسوا صوما ً" كلمه " تقديس " كانت في أصلها اليوناني تعني التخصيص فلما قال الرب لموسى " قدس لي كل بكر ، كل فاتح رحم إنه لي " ( خر 13: 2) كان يعني خصص لي هؤلاء الأبكار ، فلا يصيرون لغرض آخ : أبكار الناس كانوا يتفرغون لخدمة الرب قبل اختيار هرون وأولاده وأبكار البهائم كانت تقدم ذبائح والثياب المقدسة هي المخصصه للرب لخدمه الكهنوت وفي هذا قال الرب لموسى النبي " فيصنعون ثياباً مقدسة لهرون أخيك ولبنية ، ليكهن لي "( خر 28: 5) أواني المذبح هي أوان مقدسة للرب ، لأنها مخصصة لخدمته ، لا يمكن أن تستخدم في غرض آخر وتقديس بيت للرب معناها تخصيص بيت للرب ، فلا يمكن أن يستخدم في أي غرض آخر سوي عبادة الرب " بيتي بيت الصلاة يدعي " ( مت 21: 13) ولعل البعض يسأل ما معني قول الرب عن تلاميذه " من أجلهم أقدس انا ذاتي" ( يو 17: 19) ؟ معناها قول الرب عن تلاميذه " من أجلهم ، أي لأجل الكنيسة ، لأني جئت لأقدي هؤلاء وبهذه تكون المقدسات هي المخصصات للرب أي أنها أشياء للرب وحده وليس لغيره ، هي مخصصه للرب ، مثل البكور مثلاً وفي هذا يقول الرب علي لسان حزقيال النبي " هناك أطلب تقدمانكم وباكورات جزاكم جميع مقدستكم " ( حز 20: 40) ويقول عن بكور كل شجرة مثمرة " وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قدساً لتمجيد الرب " ( لا 19: 24) أي يكون ثمرها مخصصاً للرب ، يعطي لكهنة الرب ( حز 44: 30) والموال التي تدخل إلي خزانه الرب في الهيكل ، قيل عنها " تكون قدساً للرب ، وتدخل في خزانه الرب "( يش 6: 19 ) . أي تخصص للرب وبنفس المعني كان تقديس الأيام أي تكون مخصصه للرب فعبارة " أذر يوم السبت لتقديسه " ( خر 20: 8) أي تخصص هذا اليوم للرب " لا تعمل فيه عملاً ما " إنه للرب وبنفس المعني تقديس كل مواسم الرب ، كل أعياده تقام فيها محافل مقدسة ، وتخصص تلك الأيام للرب لا تعمل فيها أي عمل ( لا 23: 7، 8، 21، 25، 31، 36) وهكذا تقدس الصوم معناه تخصيصه للرب تكون أيام الصوم مقدسه ، أي مخصصة للرب هي أيام ليست من نصيب العالم ، ولكنها نصيب الرب ، قدس للرب ولهذا وضح الوحي الإلهي هذا المعني بقوله " قدسوا صوماً نادوا باعتكاف "لأن الاعتكاف يليق بسبب أعمالك الرسمية أعتكف ما تستطيعة من الوقت لكي تتفرغ للب وإن ضاق وقتك علي الرغم منك ، فهناك معني آخر للتخصيص علي الأقل خصص هدف الصوم للرب وهكذا يكون صوماً مقدساً أي مخصصاً للرب في هدفه ، وفي سلوكه بهذا ندخل في المعني المتداول لكلمة مقدس ، أي طاهر ، لأنه للرب فهل هدف صومك هو الرب . ما هو هدف صومك؟ لماذا نصوم ؟ ما و هدفنا من الصوم ؟ لأنه بناء علي هدف الإنسان ، تتحدد وسيلته وأيضاً بناء علي الهدف تكون النتيجة هل نحن نصوم ، لمجرد أن الطقس هكذا ؟ لمجرد أنه ورد في القطمارس ، أو التقويم ( النتيجة ) ، أن الصوم قد بدأ ، أو قد أعلنت الكنيسة هذا الأمر ؟ إذن فالعامل الفلبي الجواني غير متكامل طبعاً طاعة الكنيسة آمر لازم ، وطاعة الوصية أمر لازم . ولكننا حينما نطيع الوصية ، ينبغي أن نطيعها في روحانية وليس في سطحية وان كانت الكنيسة قد رتبت لنا هذا الصوم ، فقد رتبته من أجل العمق الروحي الذي فيه . فما هو هذا العمق الروحي ؟ ؟ وما هدفنا من الصوم ؟ هل هدفنا هو مجرد حرمان الجسد وإذلاله في الواقع إن الحرمان الجسد ليس فضيلة في ذاته ، إنما هو مجرد وسيلة لفضيلة وهي أن تأخذ الروح مجالها . فهل نقتصر علي الوسيلة ، أم ندخل في الهدف منها وهو إعطاء الروح مجالها ؟ ما اكثر الأهداف الخاطئة التي تقف أمام الإنسان في صومه ! فقد يصوم البعض لمجرد أن يرضي عن نفسه لكي يشعر أنه إنسان بار ، يسلك في الوسائط الروحية ، ولا يقصر في آيه وصية أو قد يصوم لكي ينال مديحاً لكي ينال مديحاً من الناس في صومه ، أو في درجة صومه وهكذا يدخل في مجال المجد الباطل ، أي يدخل في خطية ! ما هو إذن الهدف السليم من الصوم ؟ الهدف السليم أننا نصوم من أجل محبتنا لله من أجل محبتنا ، نريد أن تكون أرواحنا ملتصقة بالله . ولا نشاء أن تكون أجسادنا عائقاً في طريق الروح . لذلك نخضعها بالصوم لكي تتمشي مع الروح في عملها . وهكذا نود في الصوم ، أن نرتفع عن المستوي المادي وعن المستوي الجسداني ، لكي نحيا في الروح ، ولكي تكون هناك فرصه لأرواحنا البشرية أن تشترك في العمل مع روح الله ، وان تتمتع بمحبة الله وبعشرته . حقاً ان التمتع بمحبة الله وحلاوة عشرته ، من المفروض أن يكون أسلوب الحياة كلها . ولكن لا ننسي أننا ننال ذلك بصورة مركزه في الصوم ، فيها عمق اكثر ، وحرص أكثر ، كتدريب وكتمهيد لكي تكون هذه المتعه بالله هي أسلوب الحياة كلها فنحن نصوم لأن الصوم يقربنا إلي الله الصوم فيه اعتكاف ، والاعتكاف فرصة للصلاة والقراءة الروحية والتأمل والصوم يساعد علي السهر وعلي المطانيات والسهر والمطانيات مجال للصلاة . والصوم فيه ضبط للإرادة وانتصار علي الرغبات وهذا يساعد علي التوبة التي هي الطريق إلي الله وإلي الصلح معه ونحن نصوم وفي صومنا تتغذي علي كل كلمة تخرج من فم الله ( مت 4) إذن من اجل محبة الله وعشرته ، نحن نصوم نصوم ، لأن الصوم يساعد علي الزهد في العالميات والموت عن الماديات وهذا يقوينا علي الاستعداد للأبدي والالتصاق بالله إن كان الصوم إذن هو أيام مخصصه لله وحده ، وإن كنا نصوم من اجل الله ومحبته ، فإن سؤالاً يطرح نفسه علينا وهو هل هناك اصوام غير خصصه لله ؟ نعم ، قد توجد أصوام للبعض لا نصيب لله فيا كإنسان يصوم ولا نصيب لله في حياته علي الرغم من صومه ! يصوم وهو كما هو ، بكل أخطائه ، لم يتغير فيه شئ ! أو يصوم كعادة ، أو خوفاً من الإحراج لأجل سمعته كخادم أو أن صيامه مجرد صوم جسداني كله علاقة بالجسد ، ولا دخل للروح فيه ! أو هو صوم لمجرد إظهار المهارة ، والقدرة علي الأمتناع عن الطعام أو قد يكون صوماً عن الطعام ، وفي نفس الوقت يمتع نفسه بشهوات أخري لا يقوي علي الأمتناع عنها! يظن البعض أن الصوم مجرد علاقة بين الإنسان وبين الطعام ، دون أن يكون الله طرفاً ثالثاً فيها كل اهتماماته في صومه هي هذه ما هي فترة الأنقطاع ؟ متي يأكل ؟ وكيف ينمو في أطاله فترة إنقطاعه ؟ وماذا يأكل ؟ وكيف يمنع نفسه عن أصناف معينه من الطعام ؟ وكيف يطوي أياماً ؟ كأن الصوم بين طرفين هو و الطعام ، أو هو والجسد ! دون أن يكون الله طرفاً في هذا الصوم بأيه صورة من الصور !! أحقاً هذا صوم ؟! إن الصوم ليس هو مجرد تعامل مع الجسد بل هو تعامل مع الله والصوم الذي لا يكون الله فيه ، ليس هو صوماً علي الأطلاق نحن من أجل الله نأكل ، ومن أجله نصوم من اجل الله نأكل ، لكي ينال هذا الجسد قوة يستطيع بها أن يخدم الله ، وأن يكون أميناً في واجباته تجاه الناس ونحن من أجل الله نجوع لكي نخضع الجسد فلا يخطئ إلي الله ولكن يكون الجسد تحت سيطرتنا ، ولا نكون نحن تحت سيطرة الجسد ، لكي لا تكون رغبات الجسد وشهواته هي قائدتنا في تصرفاتنا وإنما نسلك حسب الروح وليس حسب الجسد ، من أجل محبتنا لله ، وحفاظاً علي شركتنا مع روحه القدوس اما في غير ذلك فيكون الصوم مرفوضاً من الله . أصوام باطلة ومرفوضة :- ليس كل صوم مقبولاً من الله . فهناك أصوام باطلة ، لا تعتبر بالحقيقة أصوامأ ، وهي مرفوضة من الله . وقد قدم لنا الكتاب أمثلة من هذه الأصوام المرفوضة منها 1- الصوم الذي لكسب مديح الناس الصوم المكشوف الظاهر ، الذي يشاء أن يكون مكشوفاً لكي يراه الناس ويمتدحوه وعن هذا الصوم قال السيد الرب في عظته علي الجبل " ومتي صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين ، فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتي صمت ، فادهن رأسك واغسل وجهك ، لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخطاء فأبوك الذي يري في الخفاء يجازيك علانية "( مت 6: 16-18 ) هذا الصوم الذي لمديح الناس ، ليس لأجل الله ، ولا نصيب لله فيه لذلك هو صوم باطل 2- وصوم الفريسي الذي وقف مثال آخر لصوم غير مقبول هذا الفريسي الذي وقف أمام الله يتباهي بفضائله ويقول " أصوم يومين في الأسبوع وأعشر جميع أموالي "وفي نفس الوقت كان يدين العشار قائلاً عن نفسه " لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطفين الزناه ولا مثل هذا العشار " لذلك لم يخرج من الهيكل مبرراً، مثلما خرج العشار المنسحق القلب ( لو 18: 9-14) وهذا المثل يرينا ان الصوم الذي لا يمتزج بالتواضع والانسحاق هو صوم مرفوض من الله لأن صاحبه يظن في نفسه أنه بار ، ويحتقر الآخرين ( لو 18: 9) . 2- الصوم الذي هدفه خاطئ ، صوم غير مقبول . ومن أمثله هذا الصوم أولئك اليهود الذين صنعوا اتفاقاً فيما بينهم " وحرموا أنفسهم قائلين إنهم لا يأكلون ولا يشربون حتي يقتلوا بولس . وكان الذين صنعوا هذا التحالف نحو الأربعين " أع 23: 12، 13) وطبعاً كان صومهم هذا خطية بل لا نستطيع أن نسمية صوماً بالمعني الروحي . 4- صوم الشعب الخاطئ أيام ارمياء النبي . هؤلاء لم يقبل الرب صومهم بل قال عنهم لأرميا النبي " لا تصل لأجل هذا الشعب للخير حين يصومون لا أسمع صراخهم وحين يصعدون محرقه وتقدمه لا أقبلهم بل بالسيف والجوع والوبأ أنا أفنيهم "( أر 14 : 11، 12)هؤلاء لم يقبل الرب أصوامهم ولا صلواتهم ولا محرقاتهم ، لأنهم كانوا يعيشون في الشر ، وقلوبهم لم تكن طاهرة قدامه أذن الصوم البعيد عن التوبة هو صوم غير مقبول فالله يريد القلب النقي ، أكثر مما يريد الجسد الجائع والإنسان الذي يصوم فمه عن الطعام ، ولا يصوم قلبه عن الخطايا ، ولا يصوم لسانه عن الأباطير ، فصوم هذا الإنسان باطل ، حتي إن يسلم جسده ليحترق فلا ينتفع شيئاً ( 1 كو 13: 3) 5- والصوم العيد عن الرحمة و الصدقة ، غير مقبول وقد شرح الرب هذا الأمر لإشعياء النبي ، فقال له " يقولون لماذا صمنا ولم تنظر ؟ ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ ؟ ها إنكم للخصومة و لنزاع تصومون أمثل هذا يكون صوم اختاره هل تسمي هذا صوماً ويوماً مقبولاً للرب ؟! أليس هذا صوماً أختاره حل قيود الشر ، فك عقد النير ، وإطلاق المسحوقين أحرارا أليس أن تكسر للجائع خبزك ، وأن تدخل الماسكين التائهين إلي بيتك " ( أش 58: 3- 7) فالذي يصوم ، حتي ولو كان صوماً بتذللك بالمسوح و الرماد ، يحني فيه كالأسلة رأسة ، هو صوم غير مقبول ، أ لم يكن ممتزجاً بأعمال الرحمة وبنقاوة القلب. 6- والصوم الذي ليس لأجل الله ، صوم باطل فقد يصوم إنسان ، لأن الأطباء أمروه بهذا وقد يصوم آخر من أجل رشاقة جسده وحسن منظرة وكلاهما ليس من أجل الله ، ولا ينتفع روحياً بصومه وقدوم إنسان ثالث ، بأسلوب إضراب عن الطعام ، وليس بهدف روحي ، ولا من أجل الله كما يمتنع رابع عن الطعام حزناً أو يأساً ، ولا نستطيع أن نعتبر أحداً من هؤلاء صائماً بالحقيقة نعود ونقول كل صوم ليس هو من أجل الله ، وليس هو بسبب روحي ، لا يمكن أن نعتبره صوماً علي الأطلاق ، ولا يقبله الله . فما هو الصوم الروحي المقبول أمام الله ؟ هو الصوم الذي تكون فيه علاقة عميقة مع الله الصوم الذي تشعر فيه بالله في حياتك ، هو الفترة المقدسة التي تشعر أن الله يملكها ، وأنها مخصصة كلها لله ، وان وجود الله ظاهراً جداً خلالها في كل تصرفاتك ، وعلاقتك بالله تزداد وتنمو في كل يوم من أيام الصوم ، بمتعة روحية تشتهي بسببها أن يطول صومك ولا ينتهي لعل هذا يجعلنا نفحص سؤال هاماً وهو ما علاقة الله بصومك وهذا ما نجيب عليه فى المقاله القادمة قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
26 فبراير 2019

مفاعيل الإفخارستيا في حياتنا

أولاً: الإفخارستيا والخلاص:- يقوم الفكر المسيحي على شرح قضية الخلاص.. والأسفار المُقدَّسة تشهد أن الله وحده هو المُخلِّص "أنا أنا الرَّبُّ، وليس غَيري مُخَلِّصٌ" (إش43: 11) "ها إنَّ يَدَ الرَّب لم تقصُرْ عن أنْ تُخَلِّصَ، ولم تثقَلْ أُذُنُهُ عن أنْ تسمَعَ" (إش59: 1)"هوذا هذا إلهنا. انتَظَرناهُ فخَلَّصَنا. هذا هو الرَّبُّ انتَظَرناهُ. نَبتَهِجُ ونَفرَحُ بخَلاصِهِ" (إش25: 9) بل وتعتبر الأسفار المُقدَّسة أن علامة الإله الحقيقي أنه يستطيع أن يُخلِّص تمييزًا له عن الآلهة الكاذبة"اِجتَمِعوا وهَلُمّوا تقَدَّموا معًا أيُّها النّاجونَ مِنَ الأُمَمِ. لا يَعلَمُ الحامِلونَ خَشَبَ صَنَمِهِمْ، والمُصَلّونَ إلَى إلهٍ لا يُخَلصُ" (إش45: 20). والخلاص في الفكر المسيحي يكون بغفران الخطايا، وليس بالخلاص من الأزمات الزمانية.. كما هو في الفكر اليهودي. لذلك قيل ليوحنا المعمدان وهو طفل وليد: "وأنتَ أيُّها الصَّبيُّ نَبيَّ العَلي تُدعَى، لأنَّكَ تتقَدَّمُ أمامَ وجهِ الرَّب لتُعِدَّ طُرُقَهُ. لتُعطيَ شَعبَهُ مَعرِفَةَ الخَلاصِ بمَغفِرَةِ خطاياهُمْ" (لو1: 76، 77) وغفران الخطايا لا بد أن يكون بسفك الدم "وبدونِ سفكِ دَمٍ لا تحصُلُ مَغفِرَةٌ!" (عب9: 22). لأن الدم يساوي الحياة، وسفك الدم يساوي بذل الحياة.. فالرب يسوع المسيح إلهنا خلَّصنا بغفران خطايانا بسفك دمه الكريم على الصليب من أجلنا.. "لأنَّ أُجرَةَ الخَطيَّةِ هي موتٌ" (رو6: 23).. فتسديد دين الخطية يستلزم بذل الحياة هذا الدم المسفوك على الصليب أعطانا إياه مُخلِّصنا الصالح لنشربه في سر الإفخارستيا حسب قوله الطاهر: "اشرَبوا مِنها كُلُّكُمْ، لأنَّ هذا هو دَمي الذي للعَهدِ الجديدِ الذي يُسفَكُ مِنْ أجلِ كثيرينَ لمَغفِرَةِ الخطايا" (مت26: 27، 28)، "لأنَّ جَسَدي مأكلٌ حَقٌّ ودَمي مَشرَبٌ حَقٌّ" (يو6: 55) فبالرغم من أن مُخلِّصنا الصالح قد سفك دمه عن الجميع "وهو كفّارَةٌ لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كُل العالَمِ أيضًا" (1يو2: 2) "لأنَّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ" (يو3: 16)ولكن للأسف لن يستفيد من هذا الفداء العظيم إلاَّ مَنْ يُؤمن فقط بالقيمة الخلاصية لهذا الدم"لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ" (يو3: 16) "الذي يؤمِنُ بهِ لا يُدانُ، والذي لا يؤمِنُ قد دينَ، لأنَّهُ لم يؤمِنْ باسمِ ابنِ اللهِ الوَحيدِ" (يو3: 18)"الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: مَنْ يؤمِنُ بي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ" (يو6: 47). ولكن الإيمان النظري وحده لا يفيد، فالكتاب يقول: "والشَّياطينُ يؤمِنونَ ويَقشَعِرّونَ!" (يع2: 19). فالشيطان نفسه يعرف القيمة الخلاصية لدم المسيح، ولكن بكل قطع لا يستطيع أن يستفيد من هذا الخلاص الثمين، بل يقشعر ويرتعب من مجرد تذكار فِعله لذلك فلابد للإنسان المسيحي أن يتقدَّم ليأكل الجسد ويشرب الدم لينال هذا الخلاص الثمين.. "يُعطى عنَّا خلاصًا وغفرانًا للخطايا" (القداس الإلهي). ثانيًا: الإفخارستيا والحياة الأبدية:- إننا ننال الحياة الأبدية بالإيمان بألوهية السيد المسيح"الذي يؤمِنُ بالاِبنِ لهُ حياةٌ أبديَّةٌ، والذي لا يؤمِنُ بالاِبنِ لن يَرَى حياةً بل يَمكُثُ علَيهِ غَضَبُ اللهِ" (يو3: 36)"الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ مَنْ يَسمَعُ كلامي ويؤمِنُ بالذي أرسَلَني فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، ولا يأتي إلَى دَينونَةٍ، بل قد انتَقَلَ مِنَ الموتِ إلَى الحياةِ" (يو5: 24)"الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: مَنْ يؤمِنُ بي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ" (يو6: 47). ولكن أيضًا هذا الإيمان النظري لا يكفي، فلابد من الشركة في التناول من جسد الرب ودمه الأقدسين.. لننال الحياة الأبدية حسب قول السيد المسيح: "مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخيرِ" (يو6: 54). بل لقد أعلن السيد المسيح أنه بدون التناول من جسد الرب ودمه لا يمكن أن ينال الإنسان الحياة.. "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ لم تأكُلوا جَسَدَ ابنِ الإنسانِ وتشرَبوا دَمَهُ، فليس لكُمْ حياةٌ فيكُم" (يو6: 53). أي أنه لا يوجد طريق آخر للحياة إلاَّ التناول من جسد الرب ودمه فالمسيح هو حياتنا.. راجع (كو3: 4)، وبدونه لا يكون لنا حياة. وهذا يفسر لنا لماذا "أُجرَةَ الخَطيَّةِ هي موتٌ" (رو6: 23). فالخطية هي انفصال عن الله، وهذا يؤدي حتمًا إلى الموت، كمثل انقطاع تيار الكهرباء عن المصباح الكهربائي، وكما أنه لا يمكن أن يعود الضوء إلى المصباح إن لم يتصل مرة أخرى بنفس التيار الكهربائي، بنفس الفولت والتردد.. وكذلك لا يمكن للإنسان أن يحيا إن لم يتصل مرة أخرى بالله ولذلك كان تدبير التجسد والفداء.. ففي التجسد اتحد اللاهوت بالناسوت في شخص ربنا يسوع المسيح اتحادًا أقنوميًا فريدًا ليس له نظير. وهذا الاتحاد أدى إلى انسكاب الحياة من لاهوت السيد المسيح إلى ناسوته، فأصبح الناسوت حيًّا ومُحييًا بقوة اللاهوت الذي فيه ولذلك ما كان يمكن أن يستمر هذا الناسوت في الموت، بل كان لا بد أن يقوم.. "الذي أقامَهُ اللهُ ناقِضًا أوجاعَ الموتِ، إذ لم يَكُنْ مُمكِنًا أنْ يُمسَكَ مِنهُ" (أع2: 24) حقًا لم يكن ممكنًا أن يُمسك من الموت إذ هو الحياة "أنا هو القيامَةُ والحياةُ" (يو11: 25) "أنا هو الطَّريقُ والحَقُّ والحياةُ" (يو14: 6) فالجسد الحاضر على الأرض ويمشي بين الناس هو جسد الله الكلمة الذي "فيهِ كانَتِ الحياةُ" (يو1: 4)، "لأنَّ عِندَكَ يَنبوعَ الحياةِ" (مز36: 9). نحن هنا نتكلَّم عن جسد المسيح الحي والمُحي، جسده الخاص الذي أخذه من القديسة العذراء مريم، وصار متحدًا اتحادًا أقنوميًا كاملاً بلاهوته الطاهر.. لكن كيف أنال أنا الحياة الأبدية؟!!لقد وضع لنا السيد المسيح طريقة سهلة جدًّا ننال بها الحياة به إذ قال"أنا هو خُبزُ الحياةِ" (يو6: 48) "أنا هو الخُبزُ الحَيُّ الذي نَزَلَ مِنَ السماءِ. إنْ أكلَ أحَدٌ مِنْ هذا الخُبزِ يَحيا إلَى الأبدِ. والخُبزُ الذي أنا أُعطي هو جَسَدي الذي أبذِلُهُ مِنْ أجلِ حياةِ العالَمِ" (يو6: 51) "مَنْ يأكُلْ هذا الخُبزَ فإنَّهُ يَحيا إلَى الأبدِ" (يو6: 58) وقد أعطانا فعلاً الرب يسوع جسده لنأكله ودمه لنشربه حتى نحيا به، وعلَّمنا أن هذا الأكل وهذا الشرب هما وسيلة الحياة الأبدية"فقالَ لهُمْ يَسوعُ: الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ لم تأكُلوا جَسَدَ ابنِ الإنسانِ وتشرَبوا دَمَهُ، فليس لكُمْ حياةٌ فيكُم. مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخيرِ، لأنَّ جَسَدي مأكلٌ حَقٌّ ودَمي مَشرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يأكُلْ جَسَدي ويَشرَبْ دَمي يَثبُتْ فيَّ وأنا فيهِ. كما أرسَلَني الآبُ الحَيُّ، وأنا حَيٌّ بالآبِ، فمَنْ يأكُلني فهو يَحيا بي" (يو6: 53-57)وكأن السيد المسيح قد ذخر طاقة الحياة الأبدية في هذا الجسد المُقدَّس، وأعطانا أن نأكله كي نحيا به ونهتف مع مُعلِّمنا بولس الرسول: "لأنَّ ليَ الحياةَ هي المَسيحُ" (في1: 21)، "أحيا لا أنا، بل المَسيحُ يَحيا فيَّ" (غل2: 20). ثالثًا: الإفخارستيا ووحدة الكنيسة:- إذا كانت أسرار الكنيسة كلها تؤول إلى وحدة شعب الله، وقد وضعها الله في الكنيسة لتحقيق هذه الوحدة.. فالسر الذي لا يمكن إدراك كنهه بعيدًا عن مفهوم الوحدة.. هو سر الإفخارستيا.. سر الجسد الواحد.. سر المُصالحة بين الله والإنسان.. بين السماء والأرض.. بين النفس والجسد.. بين الشخص وإخوته إنه سر الكنيسة.. السر المقدس الذي يحقق معنى كلمة كنيسة.. جماعة المؤمنين، وهذا هو أيضًا سر الاجتماع.. حيث تجتمع الكنيسة كلها من أجله وبه، ومن خلاله يحضر السيد المسيح لكي يُتمم وحدة شعبه المقدس إن السيد المسيح - في سر الإفخارستيا – يستحضر شعبه كله إلى واحد.. فبكسر الخبز الواحد، يشترك الكل فيه، فيصير الجميع واحدًا.. "فإنَّنا نَحنُ الكَثيرينَ خُبزٌ واحِدٌ، جَسَدٌ واحِدٌ، لأنَّنا جميعَنا نَشتَرِكُ في الخُبزِ الواحِدِ" (1كو10: 17)، نصير جسدًا واحدًا للرأس الواحد، ولنا آب واحد، ويصير الكل عائلة إلهية واحدة. بهذا يجتذبنا المسيح يومًا فيومًا إلى اتحاد أعمق مع الآب والابن، ومع بعضنا بعضًا بالروح القدس، وهذا ما يُعبِّر عنه القديس "أغسطينوس" بقوله: "ينشأ سر سلامنا ووحدتنا فوق مذبحه". الاجتماع الإفخارستي يُعبِّر عن طبيعة الكنيسة:- يقول القديس "يوستينوس الشهيد" (القرن الثاني الميلادي): "في يوم الأحد يجرى عندنا في مكان واحد اجتماع جميع الساكنين في المدن والقرى، كانوا يجتمعون معًا برئاسة الأب الأسقف ليقيموا سر الإفخارستيا" ما كانوا – قديمًا – يقيمون في المدينة الواحدة إلا إفخارستيا واحدة بقيادة الأسقف الواحد للمدينة تعبيرًا عن وحدانية الكنيسة، وما كانوا يقيمون الإفخارستيا إلا إذا اجتمع كل شعب الله معًا يبدو أن الوضع تغيّر بسبب كثرة عدد المسيحيين، وعدم إمكانية اجتماعهم معًا في مكان واحد يضم الجميع.. فصار من حق الكهنة المحليين أن يقيموا إفخارستيا منفصلة عن إفخارستية الأب الأسقف، ولكنهم ملتزمون بنفس الإيمان والممارسة والتعليم، ولا يقيمونها إلا بإذنه وبحِّل من فمه. ولذلك يذكرون اسم الأسقف في كل قداس داخل إيبارشيته لإعلان وحدتهم معه كما أنهم في بداية خدمة القداس يتلون (تحليل الخدام)، ويذكرون فيه أسماء الآباء الأرثوذكس – الذين دافعوا عن الإيمان الأرثوذكسي – ساويرس وديسقوروس وكيرلس وذهبي الفم وأثناسيوس وبطرس خاتم الشهداء, وآباء المجامع الثلاثة المسكونية ثم من فم البابا والأب الأسقف.. إعلانًا أن هذا القداس ليس منفصلاً عن ليتورجية الآباء الأرثوذكس وعن أسقف المدينة. لذلك – فبالرغم من تعدّد القداسات في نفس الميعاد وفى نفس المدينة.. لكن ظل المعنى قائمًا أنه قداس واحد ممتد ومنتشر.. ممتد من مارمرقس إلى أثناسيوس وحتى اليوم، ومنتشر في كل مكان، ولكن المذبح واحد والجسد واحد والكنيسة جامعة، والكاهن واحد هو ربنا يسوع المسيح، وكهنة بشريون يمارسون كهنوت المسيح الواحد في هذا يقول القديس "أغناطيوس الأنطاكي": "كونوا غيورين, مواظبين على سر الشكر، لأن جسد ربنا يسوع المسيح واحد، الكأس واحدة في جسده الواحد، مائدة واحدة، وأسقف واحد مع الكهنة والشمامسة الخادمين معه. وعليه إذًا فكل ما تفعلونه, فافعلوه كأنه آت من الله"ومرة أخرى يقول القديس "أغناطيوس" موجهًا كلامه إلى الأفسسيين: "أما أنتم فلا تفعلوا شيئًا بدون الأسقف والكهنة، ولا تحاولوا أن تتمموا أي عمل منفردين، وإذا ظهر لكم أنه ضروري فافعلوه في الكنيسة، ولتكن صلاة واحدة، غفران واحد، فكر واحد، رجاء واحد في المحبة في الفرح الكامل. إن يسوع المسيح واحد، وليس شيء أفضل منه، وهكذا أنتم أسرعوا إلى هيكل الله الواحد، إلى مائدة واحدة وإلى يسوع المسيح الواحد"إن وحدة المذبح المقدس شرط، واجتماع الشعب معًا شرط، والأب الأسقف يتقدم إلى المائدة المقدسة الواحدة عندما تجتمع الكنيسة كلها معًا، ولا يستطيع أن يقيم الإفخارستيا بالاستقلال عن أعضاء الكنيسة المجتمعين حول هذه المائدة الواحدة. "حيث يكون الأسقف، فهنالك يجب أن يكون الشعب" (القديس أغناطيوس)فالمعنى الجميل لوحدانية الكنيسة، وعدم انقسامها يتحقق بأجلى وضوح في إقامة قداس الإفخارستيا. ولذلك نقول في القداس: "إجعلنا مستحقين – يا سيدنا – أن نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا، لكي نكون جسدًا واحدًا، وروحًا واحدًا، ونجد نصيبًا وميراثًا مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء" (القداس الباسيلي). صلوات الإفخارستيا تبرز معنى الوحدة الكنسية: (1) جميع الصلوات تُقدّم بلسان الكاهن، وبصيغة الجمع: "نشكرك، نسأل ونطلب، نسجد..". فالكاهن ينوب عن الشعب مُعبِّرًا عن وحدته واجتماعه.. "أنت الذي ينبغي لك التمجيد بصوت واحد من كل أحد..". (2) تهتم الليتورجيا بالصلاة عن كل الغائبين بالجسد.. حتى يتم اكتمال حضور الجميع بالروح قبل بدء الأنافورا. - ففي رفع بخور عشية نصلي من أجل إخوتنا وآبائنا الذين سبقوا ورقدوا في الإيمان المسيحي، وكذلك أيضًا نذكرهم في الترحيم بعد المجمع. - وفي رفع بخور باكر نصلي من أجل المرضى ومن أجل المسافرين. - وكذلك تصلي الكنيسة من أجل خلاص العالم وكل مدينة. - وتصلي من أجل الفقراء، ومن أجل الأرملة واليتيم والغريب والضيف. - وتصلي أيضًا من أجل الهراطقة أن يهدم الله آراءهم الهرطوقية، ويعودوا إلى حظيرة الإيمان الأرثوذكسي. - وتصلي أيضًا عن المتضايقين والموعوظين. - وعن الرئيس والمسئولين والجيران والمعارف. هذه الصلوات التي تقدمها الكنيسة بروح التوسل إلى عريسها المسيح.. إنما تُعبِّر تعبيرًا جيدًا عن معنى الإفخارستيا الحقيقي وهو تجميع الكل في المسيح ليكون الجميع جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا، ويكون هناك الاهتمام الواحد. (3) توزيع مزامير السواعي على جمهور المُصلين.. له أيضًا دلالة روحية جميلة، فما يُصليه الشخص بمفرده (12 مزمور في كل صلوة).. تُصليه الكنيسة معًا باعتبارها جسد واحد، ونحن أعضاؤه.. نتشارك معًا في الصلاة والطلبة. (4) في الصلوات التي يعترف فيها الكاهن بخطاياه وضعفاته أمام الله يتكلَّم بصيغة المفرد "أنت يا سيد العارف أني غير مستحق وليس لي وجه أن أقترب.. اغفر لي أنا الخاطئ.."، وعندما يتكلَّم مع الله عن احتياج الشعب يتكلَّم بصيغة الجمع (في نفس الصلوة): "نعم يا سيدنا كن معنا، اشترك في العمل معنا، باركنا، لأنك أنت هو غفران خطايانا، ضياء أنفسنا، حياتنا، وقوتنا ودالتنا" (صلاة الاستعداد)وهنا تُميز الكنيسة بوضوح بين وحدتنا أمام الله، وبين مسئولية كل شخص عن خطاياه الخاصة وتعدياته. والكاهن بروح متضعة - كما تلقنه الليتورجيا - يقر بخطاياه الخاصة، ويطلب عن الشعب، وإذا تكلَّم عن تعديات شعبه أمام الله يذكر أنها (جهالات). (5) في بداية ليتورجية القداس يعلن الكاهن ووجهه نحو الشعب ماسكًا القربانة فوق رأسه "مجدًا وإكرامًا للثالوث.. سلامًا وبنيانًا لكنيسة الله..". فالإفخارستيا هي بنيان الكنيسة بتجميع أعضائها، وتوحيدهم في جسد الله. وهنا كما في أوشية سلام الكنيسة تُذكر صفات الكنيسة التي هي واحدة وحيدة مقدسة جامعة رسولية أرثوذكسية. وهذا ما تؤكده صلوات الليتورجيا دائمًا أن الكنيسة واحدة غير منقسمة، وأنها وحيدة (أي فريدة في وحدتها) وارتباطها بالله، وأنها جامعة من كل مكان بدون تمييز أو تعصب.. فقط أن يكون الجميع واحدًا في الإيمان الأرثوذكسي. "هذه الكائنة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها، كل الشعوب وكل القطعان.." (أوشية السلام). (6) تهتم الليتورجيا القبطية بذكر آباء الكنيسة لنضمن اجتماعهم معنا.. فنذكر اسم بابا الكنيسة وأسقف الإيبارشية، كما نصلي عن الآباء القمامصة والقسوس وكل الشمامسة وكل الخدام. والأجمل من هذا أن الليتورجيا تهتم بأن نأخذ الحِّل من فم الآباء البطاركة والقديسين الأولين المدافعين عن الأرثوذكسية قبل أن نبدأ الأنافورا. فنحن نؤمن أنهم مازالوا أحياء ومازالوا يمارسون سلطانهم الكهنوتي في السماء، وأنهم حاضرون معنا في القداس، ولن يسمحوا لهرطوقي أن يشارك في الإفخارستيا، لذلك فالكنيسة تستأذنهم قبل البدء بالصلاة، ليكونوا معنا ويباركوا صلواتنا.. إنها شركة مقدسة رائعة. (7) وتهتم الليتورجيا أيضًا بإبراز حضور القديسين من خلال الهيتنيات، وصلاة المجمع، وفي السنكسار وفي التمجيد. إنهم مازالوا معنا في الجسد الواحد.. لم ينفصلوا بالموت بل تعمق انتماؤهم وهم الآن في السماء يجذبوننا بحبال الحب ليتعمق انتماؤنا نحن أيضًا لهذا الجسد المقدس العظيم. (8) ووجود هؤلاء القديسين معنا يحفّز توبتنا وقداستنا "نسألك يا سيدنا إجعلنا مستحقين نصيبهم وميراثهم، وأنعم لنا كل حين أن نسلك في آثارهم، ونكون متشبهين بجهادهم، ونشترك في العرق الذي قبلوه من أجل التقوى.. حارسًا بيعتك المقدسة هذه التي أسستها بواسطتهم.. وبارك خراف قطيعك، واجعل هذه الكرمة تكثر.." (سر الكاثوليكون). (9) صلاة الصلح جزء أساسي من ليتورجية القداس القبطي، ولا يمكن أن يبدأ الكاهن الأنافورا ويرفع الإبروسفارين من على المذبح إلا إذا نادى الشماس "قبلوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة..". وتكون هذه القبلة المقدسة علامة الحب والمصافحة والمسامحة، ويكون جميع مَنْ بالكنيسة بروح واحد ومحبة كاملة.. حينئذ يمكن للكاهن أن يقول: "ارفعوا قلوبكم". إن القبلة المقدسة هي شرط للتناول من جسد الرب ودمه.. "إجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نقبل بعضنا بعضًا بقبلة مقدسة، لكي نتناول بغير طرحنا في دينونة من موهبتك غير المائتة السمائية". (10) يحضر معنا في القداس أيضًا الطغمات الملائكية، وليس القديسون فقط "الملائكة ورؤساء الملائكة والرئاسات والسلطات والكراسي والربوبيات والقوات، والشاروبيم والسيرافيم"، بل بالأكثر أننا نشاركهم تسبحتهم الإلهية.. "قدوس قدوس قدوس". (11) تؤكد الليتورجيا أيضًا على وصف الكنيسة بأنها (شعب مجتمع) "وجعلنا له شعبًا مجتمعًا". وهذه صفة محبوبة جدًّا تُعبِّرعن طبيعة شعب الله وجوهر الكنيسة، وتُعبِّر عن فعل الإفخارستيا في البشر في تجميعهم معًا في جسد واحد. (12) وبعد حلول الروح القدس في القداس الإلهي يصلي الكاهن معلنًا فعل الإفخارستيا فينا "إجعلنا كلنا مستحقين يا سيدنا أن نتناول من قدساتك (الجسد والدم) طهارةً لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا، لكي نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا، ونجد نصيبًا وميراثًا مع جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء". (13) في ختام صلاة القسمة يصلي أبونا قائلاً: "طهِّر نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا وقلوبنا وعيوننا وأفهامنا ونياتنا.."، لاحظ أن هذه العبارات تُقال بصيغة الجمع، أي تُعبِّر عن كل الكنيسة.. تأمل بعد ذلك صيغة الصلاة.. "لكي بقلب (واحد) طاهر ونفس (واحدة) مستنيرة ووجه (واحد) غير مخزي..".. هذه الصيغة بالمفرد. لقد صارت الكنيسة قلبًا واحدًا طاهرًا، ونفسًا واحدة مستنيرة، ووجهًا واحدًا غير مخزي أمام الله.. وبمحبة كاملة. (14) وقبل التناول يصلي الأب الكاهن التحليل لتُغفر خطايانا، ونتقدم باستحقاق لشركة التناول، وفي صلاته هذه يقول: "لكي إذا طهرتنا كلنا (بالروح القدس وبالقداس) تؤلفنا بك (أي تجعلنا واحدًا كلنا معك) من جهة (بواسطة) تناولنا من أسرارك الإلهية"، إن الروح القدس في القداس يطهرنا، "وصيرنا أطهارًا بروحك القدوس". والتناول يوحدنا.. ووحدتنا مبنية على هذه الطهارة. ويؤكد أبونا هذه الطلبة قبل التناول مباشرة "وليجعلنا تناولنا من أسرارك المقدسة واحدًا معك إلى الانقضاء، لكي نكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا معك"إن ليتورجية القداس تعلن بكل وضوح فعل الإفخارستيا في تجميع شعب الله ووحدته.. وتشرح لنا كيف أن: "مَنْ يحرم نفسه من المذبح فهو محروم من الله، ويحسب ذئبًا مهما كان مظهره معتدلاً". (15) وفي القداس الغريغورى: "وصرت لنا وسيطًا مع الآب والحاجز المتوسط نقضته، والعداوة القديمة هدمتها، وصالحت الأرضيين مع السمائيين، وجعلت الاثنين واحدًا، وأكملت التدبير بالجسد" (صلاة الصلح). "الذي بكثرة رحمته حل عداوة البشر" (مقدمة القسمة في القداس الغريغوري). (16) وتعبَّر أيضًا ليتورجية "القديس غريغوريوس" عن كمال العلاقة التي تربط بين السمائيين والأرضيين بسبب الوحدة والصلح الذي أكمله السيد المسيح بالصليب: "الذي ثبَّت قيام صفوف غير المتجسدين (الملائكة) في (بين صفوف) البشر، الذي أعطى الذين على الأرض (البشر) تسبيح السيرافيم، اقبل منا نحن أيضًا أصواتنا مع غير المرئيين، احسبنا (معدودين ضمن) مع القوات السمائية". (17) وتبرز أيضًا ليتورجية القديس غريغوريوس الحب الإلهي الذي يغمر الجنس البشري.. في الخلق والفداء والرعاية اليومية.. تبرز الحب الإلهي ليكون نموذجًا للسلوك الإنساني.. وكأن الليتورجيا تُفسِّر لنا الآية المقدسة.. "أيُّها الأحِبّاءُ، إنْ كانَ اللهُ قد أحَبَّنا هكذا، يَنبَغي لنا أيضًا أنْ يُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا" (1يو4: 11)إن محبة الله لنا لا يمكن التعبير عنها: "ليس شيء من النُطق يستطيع أن يَحُد لُجة (كثرة) محبتك للبشر"المحبة هي سبب الخلق: "خلقتني إنسانًا كمحب البشر".. "من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتني إذ لم أكن"المحبة تظهر بوضوح في خليقة الله الخادمة للإنسان واحتياجاته: "أقمت السماء لي سقفًا، ثبت ليَّ الأرض لأمشي عليها، من أجلي ألجمت (أغلقت – وضعت حدودًا) البحر، من أجلي أظهرت طبيعة الحيوان، أخضعت كل شيء تحت قدمي، لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك"وكذلك تظهر المحبة في خلق الإنسان متميزًا عن كل الخليقة الأخرى: "أنت الذي جبلتني ووضعت يدك عليَّ، ورسمت فيَّ صورة سلطانك ووضعت فيَّ موهبة النطق، وفتحت ليَّ الفردوس لأتنعم، وأعطيتني عِلم معرفتك.."وتتجلى المحبة الإلهية بأكثر وضوح في فداء الإنسان: "أنت يا سيدي حولت ليَّ العقوبة خلاصًا، كراعٍ صالح سعيت في طلب الضال، كأب حقيقي تعبت معي أنا الذي سقط.. أنت الذي خدمت لي الخلاص لما خالفت ناموسك"ولم يكن الفداء مجرد موت من أجل الإنسان ونيابة عنه.. بل كان هناك أيضًا التجسد بكل تبعاته التي قبلها الله الكلمة، ورضى بها حبًا بنا.. "واضعت ذاتك وأخذت شكل العبد، باركت طبيعتي فيك، وأكملت ناموسك عني، عرفتني القيام من سقطتي.. أزلت لعنة الناموس.. احتملت ظلم الأشرار بذلت ظهرك للسياط، وخديك أهملتهما للطم، لأجلي يا سيدي لم ترد وجهك عن خزي البصاق" وكانت حياة السيد المسيح على الأرض تفيض حبًا وعطاءً لكل الناس: "وهبت النظر للعميان، أقمت الموتى من القبور، أقمت الطبيعة بالكلمة.. أعطيت إطلاقًا لمَنْ قُبض عليهم في الجحيم" وتستمر الليتورجية في شرح هذا الحب الإلهي: "أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب، أظهرت عظم اهتمامك بي، قتلت خطيتي بقبرك، أصعدت باكورتي إلى السماء" "نشكرك.. لأنك أحببتنا هكذا، وبذلت ذاتك للذبح من أجل خطايانا، شفيتنا بضرباتك وأبرأتنا بجراحاتك، وأنعمت علينا بالحياة من قبل جسدك المقدس ودمك الكريم" (صلاة الشكر بعد التناول)إن الحب الإلهي الرائع الذي تشرحه ليتورجية القديس غريغوريوس.. إنما هي نموذج تلح به الكنيسة على أذهان المؤمنين أثناء الصلاة، لينطبع فيهم ويصير موجِّهًا لسلوكهم اليومي. نيافة الحبر الجليل الانبا رافائيل أسقف عام وسط القاهرة
المزيد
05 أبريل 2020

تأملات فى حياة المولود اعمى

ولد هذا الرجل اعمى من بطن امة و عاش فترة حياتة حتى شبابة محروم من الرؤية و كان يستعطى من الناس و لما وجدوه تلاميذ المسيح سألوا المخلص هل اخطأ هذا ام والدية ؟؟و كان رد المخلص لا أخطأ هذا و لا ايضا والدية و لكن من أجل مجد اللة اليس كان من الاولى ان يقدموة للمخلص و يطلبوا من اجلة بدلا من ان يسألوه هل اخطأ هذا ام والدية هذا الرجل من يتأمل فى حياتة ( يوحنا 9 ) يجد انة امتاز بمجموعة جميلة من الصفات قلما توجد فى شخص اخر:- 1- الصمت:- الصمت كان ممكن ان يدافع عن نفسة عندما سمع التلاميذ يسألون المخلص و يتهمونة بدون سابق معرفة هل اخطأ هذا ام والدية لكنة فضل ان يسكت و لا ينطق ببنت شفا ( لكن السيد المسيح دافع عنة و أوضح لتلاميذة ان هذا من اجل مجد اللة ) 2- تحمل التعب و الالام:- تحمل التعب و الالامعاش هذا الرجل فترة حياتة يعانى من احوالة و معيشتة و الامة و نظرة الاخرين لة و تقبل كل هذة الالام بصدر رحب و كان ممكن ان تكون هذة الاوضاع سبب فى يأسة و بؤسة لكنة تحملها بصبر 3- عدم التذمر:- عدم التذمر رغم الالام و التعب و حياتة الصعبة التى وجدها بدون ان يكون لة دخل بها الا انه رضى بها و عاش حياتة بدون ان يتذمر على شىء و لو حدثت هذة الاشياء لشخص فى هذا الزمن لوجد الف حجة و حجة من التذمر ولا احد ممكن ان يلومة 4 – الشكر:- الشكر نرى الشكر ظاهر بوضوح لما المخلص وهبه الشفاء و قال لة اذهب اغتسل فى بركة سلوام فذهب و رجع الية لكى يشكرة ( ذى الواحد الذى شفى من مرض البرص و كان واحد من ضمن 10 برصاء) .. فلو كان ذهب و لم يرجع للمسيح لكى يشكرة مكنش حد يقدر يلومة فهو كانى يعانى 30 سنة من عدم الرؤية و كان يسمع فقط عن كل شىء فى الدنيا والان اصبح يرى الحياة و يرى كل ما كان يسمع عنة .. لكن هذا الرجل مكنش عندة حب للحياة بقدر حبة للمخلص الذى اعطاة نعمة الشفاء 5 - عدم الخجل من الاخرين:- عدم الخجل تخيلوا لو حد حصل معاة ان ربنا اعطاة فلوس كتير او ورث عن اهلة او منصب كبير فى الوزارة بعد ان كان يدوب موظف صغير ممكن اية يحصل لهذا الموظف او هذا الفقير .. ممكن نقول ان الفلوس او المنصب هايغيروا الواحد ويخلوا شخص اخر و يتنكر لكل اصحابة و كمان اهلة و ممكن جدا يبيع الدنيا كلها و يفكر بس فى المنصب و الفلوس و الوضع الجديد لية صح كدة لكن هذا الرجل بعد ما المسيح شفاة من مرضة لم يحدث ان اتغير ابدا لكنة يعترف انة هو نفس الشخص الذى كان مريض و يعانى من عدم الرؤية هو هو نفس الشخص لما اليهود و الناس احتاروا فية و قالوا انة هو و اخرين قالوا انة شخص يشبهه و اخرين قالوا ليس هو اما هو فقال عن نفسة انى انا هو.
المزيد
27 يوليو 2019

بطرس والرب يسوع

"قال لسمعان أبعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد" (لوقا٤:٥).هذا ما قاله الرب يسوع المسيح لسمعان بطرس وشركائه. كان المسيح قد استعمل سفينة سمعان بطرس الصغيرة فأراد مكافأته على ذلك وكان بطرس وشركاؤه قد قضوا الليل كله يحاولون صيد السمك ولم يمسكوا شيئا والآن وفي وضح النهار نرى يسوع إبن النجار ومعلم الدين هذا يأمر بطرس أن يحاول الصيد مرة أخرى لقد كان بحر الجليل مألوفا لصيادي الأسماك. وكانت بعض المدن قائمة على شواطئهوكان كثيرون من الناس يعيشون من صيد الأسماك بإلقاء شباكهم في مياهه وسمعان بطرس من بيت صيدا كان قد اعتاد أن يصطاد الأسماك في بحر الجليل مع أخيه أندراوس. ويوحنا المعمدان يقول عن يسوع: "هوذا حمل الله" (يوحنا٣٦:١) فأحضر أندراوس أخاه سمعان إلى المسيح الذي أعطاه اسما جديدا وهو كيفا أو بطرس وهما كلمتان كل منهما تعني صخرة أو صفاة. ونجد في الكتاب المقدس أن الصخرة هي رمز لله، لذلك فإن يسوع بإعطائه سمعان هذا الاسم عنى أن سمعان سيصبح إبنا لله وشريكا في الطبيعة الإلهية (٢بطرس٤:١)وهنا على بحر الجليل يأمر يسوع سمعان أن يحاول الصيد مرة أخرى. وعندما أطاع بطرس وشركاؤه أمر يسوع اصطادوا سمكا كثيرا جدا مما دهش له بطرس حتى أنه قال ليسوع: "اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ" (لوقا٨:٥). بيـد أن يسوع قال لسمعان بطرس أن لا يخاف وطلب إليه أن يتبعه. وبعد قليل جعله أحد الرسل الإثني عشر (لوقا١٤:٦) وهكذا نال بطرس صياد السمك البسيط إمتيازا مدهشا وهو السير مع الرب يسوع المسيح مدة ثلاث سنين. ومن أعظم اللحظات في حياة بطرس تلك اللحظة التي إعترف فيها بالمسيح أنه إبن الله. لقد سأل يسوع تلاميذه مرة: من تقول الناس أن إبن البشر هو؟ فقالوا، قوم يقولون أنه يوحنا المعمدان وآخرون أنه إيليا وآخرون أنه إرميا أو واحد من الأنبياء "وانتم من تقولون أني أنا؟ فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح إبن الله الحي" (متى١٥:١٦و١٦). فامتدح الرب يسوع بطرس على ذلك لأنه كان إعلانا خاصا له من الأب السماوي. ثم أنه وعد ببناء كنيسته وأعطى بطرس مفاتيح ملكوت السماوات، أما بطرس فلم يكن دائما ينطق بالكلمات التي أعطاها له الله. ففي الفصل نفسه بالذات أخبر يسوع تلاميذه أنه ينبغي أن يقتل وفي اليوم الثالث يقوم، فلم يستطع بطرس أن يفهم كيف أن إبن الله ملك إسرائيل يمكن أن يقتل فقال: "حاشا لك يا رب لا يكون لك هذا. فالتفت وقال لبطرس اذهب عنّي يا شيطان. أنت معثرة لي لأنك لا تهتمّ بما لله لكن بما للناس" (متى٢٢:١٦و ٢٣لم تكن هذه هي المناسبة الوحيدة التي أخطأ فيها بطرس في أقواله، فذات مرة تغيرت هيئة يسوع قدام تلاميذه وظهر له موسى وإيليا يكلمانه، فقال بطرس ليسوع: "يا رب جيد أن نكون ههنا. فإن شئت نضع هنا ثلاث مظال. لك ولموسى واحدة ولإيليا واحدة" (متى٤:١٧). لقد أراد بطرس بقوله المذكور تكريم السيد المسيح والنبيين العظيمين موسى وإيليا. ولكن الله القدير لا يشاء البتة أن يكون أي إنسان على نفس مستوى إبنه، ولذلك سُمع صوت من سحابة يقول: "هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت. له إسمعوا" (متى٥:١٧). في أواخر حياة ربنا يسوع على الأرض قال لتلاميذه أنه سيقبض عليه فيتركونه كلهم ويهربون فلم يستطع بطرس أن يصدق أنه هو نفسه يمكن أن يعمل عملا خسيسا كهذا ولذلك قال أنه لو تركه جميع تلاميذه الآخرين فإنه لن يتركه أبدا. فأنذره الرب يسوع قائلا: "إنك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات. قال له بطرس ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك" (متى٣٤:٢٦و٣٥)بعد قليل جاء يسوع وتلاميذه إلى بستان جثسيماني، فتركهم يسوع وذهب ليصلي لأبيه السماوي ولما عاد إليهم وجد بطرس والذين معه نياما، فقال لهم: "أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف" (متى٤١:٢٦).عندما جاء جمع كثير للقبض على يسوع فكر بطرس أنه ينبغي أن يدافع عن سيّده فاستل سيفه وضرب رجلا فقطع أذنه ولكن يسوع أبرأ الرجل. وحينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا أما بطرس فتبعه من بعيد.أتوا بيسوع إلى دار رئيس الكهنة، حكم الكهنة عليه بالموت وبصقوا في وجهه المبارك. لقد أهانوه كثيرا فاستهزءوا به وضربوه ضربات كثيرة. وكان بطرس جالسا قرب النار فرأته جارية وقالت له: "وأنت كنت مع يسوع الجليلي" (متى٦٩:٢٦) فأنكر بطرس قولها قدام الجميع. وأخيرا قال بقسم: "لست اعرف الرجل" (متى٧٢:٢٦) وللوقت صاح الديك فالتفت الرب يسوع ونظر إلى بطرس وتذكر بطرس كلام يسوع وخرج إلى الخارج وبكى بكاء مرا. ذهب الرب يسوع وحده إلى الصليب وهو وحده إحتمل عقاب خطايانا وفي أحلك لحظة وهو على الصليب صرخ قائلا: "إلهي إلهي لماذا تركتني" (متى٤٦:٢٧). والجواب عن هذا السؤال هو لأن الله وضع عليه إثم خطايانا، وأخيرا صرخ يسوع بصوت عظيم: "قد أكمِل" (يوحنا٣٠:١٩).لقد عنى يسوع بهذا القول أن العمل الضروري لخلاص البشر قد أكمل، وهكـذا مات ولكن الله أقامه من بين الأموات في اليوم الثالث ولما ذهب بطرس ويوحنا إلى القبر وجداه فارغا. فعرفا حينئذ أن يسوع قد قام حقا. وبعد ذلك بقليل إلتقى يسوع ببطرس وسامحه على إنكاره له وأعاده لخدمته وأمره أن يعلم المؤمنين الأحداث وهكذا نرى أن سمعان بطرس بن يونا كان رجلا عظيما. لقد كان إنسانا، مخلوقا بشريا، إنسانا مقصرا، ولكنه صار عظيما. وقد جعله قربه من الرب يسوع المسيح عظيما لقد دعا بطرس نفسه رجلا خاطئا لكن المسيح سامحه لإيمانه. فالإيمان هو السبب الوحيد الذي لأجله يغفر المسيح خطايا كل إنسان يتوب. لقد مات المسيح وأكمل العمل وأنا أومن به حقا وهذا كل ما يلزم لمغفرة خطاياي لم يكن بطرس إنسانا قد غفرت له خطاياه فحسب بل أنه أصبح رسولا ملهما لذلك فمن الضروري أن نسمع أقواله بانتباه وفي مجموعة الدروس هذه سنتأمل في ما قاله بطرس وما كتبه عندما كان هنا على الأرض ولا شك أنه يريد أن يقول نفس تلك الأمور في هذه الأيام أيضا فليصغ جميع البشر إلى أقوال بطرس وليصدقوها
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل