المقالات

17 مارس 2021

فضائل ومشاعر مصاحبة للصوم 2

الصوم يصحبه ضبط النفس:- جميل أن تضبط نفسك ضد كل رغبة خاطئة، سواء أتتك من داخلك أو من حروب الشياطين. فالذي يملك روحه خير ممن يملك مدينة) (أم 16: 32).أمسك إذن زمام إرادتك في يدك.في صوم الجسد تشمل كل فكر، وكل رغبة بطالة، وكل تصرف خاطئ، وكل شهوة للجسد. أما الذي يملك إرادتك في الطعام فقط، وينغلب من باقي شهواته، فصومه جسداني. والذي لا يستطيع أن يضبط نفسه في صوم الجسد، فبالتالي سوف لا يستطيع أن يضبط نفسه في الأفكار والشهوات والتصرفات.أما ضبطك لشهواتك فدليل علي الزهد ومحبة الله. الصوم يصحبه قهر الجسد:- تقول للجسد في الصوم: أرفع يدك عن الروح، وأطلقها من روابطك، لتتمتع بالله. وأنت تصوم لكي تنفك من رباطات الجسد. وشهوة الأكل هي إحدى هذه الرباطات. وهناك رباطات أخري كالشهوات الجسدية. وهكذا في الصوم، يكون قهر الجسد أيضا بالبعد عن العلاقات الزوجية، ولكن يكون ذلك باتفاق (1كو 7:5). وكما يقول يوئيل النبي في الصوم "ليخرج العريس من خدره، والعرس من حجلتها" (يوئيل 2: 16). وكما قيل عن داريوس الملك، لما ألقي دانيال في الجب إنه "بات صائمًا، ولم يؤت قدامه بسراريه" (دا 6: 18). حتى مجرد زينة الجسد.. قال دانيال النبي في صومه " ولم أدهن "(دا 10: 3). وقال عن شهوة الطعام "ولم آكل طعامًا شهيًا".قهر الجسد ليس هدفًا في ذاته، بل وسيلة للروح.إن ضبط الجسد لازم حتى لا ينحرف فيهلك الروح معه وفي ذلك ما أخطر قول الرسول "أقمع جسدي وأستعبده. حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" (1كو 9:27). فحينما يكون الجسد مقهورًا، تمسك الروح بدفة الموقف وتدبير العمل. والجسد حينئذ لا يقاومها، بل يشترك معها ويخضع لقيادتها. أضبط إذن جسدك، وأبعده عن كل المتع والترفيهات والشهوات، بحكمة.ولا يكفي فقط أن تصوم، بل تنتصر علي شهوة الأكل.وهذا يقودنا في الصوم إلي فضيلة أخري هي الزهد. الصوم يصحبه الزهد:- قد يمتنع الإنسان عن الطعام، ولكنه يشتهيه. لذلك فليس السمو في الامتناع عن الطعام، إنما في الزُّهد فيه. الارتفاع عن مستوي الأكل، يوصل إلي الزهد فيه، وإلي النسك فيه، وبالتالي إلي فضيلة التجرد. ولكن ماذا إن لم يستطع أن يصل إلي الزهد والتجرد؟ إن لم يمكنك التجرد و الزهد، فعلي الأقل أترك من أجل الله شيئًا.كان المطلوب من آدم وحواء، أن يتركا من أجل الله ثمرة واحدة من الثمار. والمعروف أن تَرْك الطعام أو نوع منه، ليس إلا تدريبًا لِتَرْك كل شيء لأجل الله.. وأنت ماذا تريد في الصوم أن تترك لجل الله، لأجل محبته وحفظ وصاياه؟ أن الله ليس محتاجًا إلي تركك شيئًا. ولكنك بهذا تدل علي أن محبتك لله قد صارت أعمق، وقد عملية. ومن أجل محبته أصبحت تضحي برغباتك. الصوم تصحبه الصدقة:- فالذي يشعر في الصوم بالجوع، يشفق علي الجوعانين. وبهذه الرحمة يقبل الله صومه، وكما قال "طوبي للرحماء فإنهم يرحمون" (مت 5: 7). والكنيسة من اهتمامها بالصدقة، ترتل في الصوم الكبير ترنيمة "طوبى للرحماء علي المساكين".ومن اهتمام الرب بالصدقة، قال في نبوة إشعياء."أليس هذا صومًا أختاره: حل قيود الشر.. إطلاق المسحوقين أحرارًا.. أليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل المساكين التائهين إلي بيتك. إذا رأيت عريانًا أن تكسوه، وأن لا تتغاضي عن لحمك" (أش 58: 7).وفي عصر الشهداء و المعترفين، كانت الكنيسة تقول هذا التعليم أن لم تجد ما تعطيه لهؤلاء، فصم وقدم لهم طعامك. أي أنك لا تصوم، وتوفر الطعام لك. وإنما تصوم وتقدم للمساكين الطعام الذي وفرته. ولهذا اعتادت كثير من الكنائس في أيام الصوم، أن تقيم موائد للفقراء تسميها أغابي `agapy. ولكي لا يحرج الفقراء إن أكلوا وحدهم، يأكل الشعب كله معًا. الصوم تصحبه الميطانيات:- المطانيات metanoia هي السجود المتوالي، مصحوبًا بصلوات قصيرة.والكنيسة تربط المطانيات بالصوم الانقطاعي. فالأيام التي لا يجوز فيها الصوم الانقطاعي. مثل الأعياد والسبوت والآحاد والخماسين - لا تجوز فيها أيضًا المطانيات، سواء من الناحية الروحية أو الجسدية. لذلك يحسن أن تكون المطانيات في الصباح المبكر، أو في أي موعد أثناء الانقطاع قبل تناول الطعام.يمكن أن تكون المطانيات تذللًا أمام الله.أي أنه مع كل مطانية metanoia، يبكت الإنسان نفسه أمام الله علي خطية ما، ويطلب مغفرتها: أنا يا رب أخطأت في كذا، فاغفر لي. أنال نجست هيكلك فاغفر لي. أغفر لي أنا الكسلان، أنا المتهاون، أنا الذي.. ويمكن أن تكون المطانيات مصحوبة بصلوات شكر أو تسبيح.ويمكن القيام بتمهيد روحي قبل المطانيات.كمحاسبة للنفس، أو أية قراءة روحية تشعل الحرارة في القلب. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب روحانية الصوم
المزيد
15 أبريل 2019

يوم الإثنين من الأسبوع السابع

إنجيل القداس: هنا نرى ٤ شهادات للمسيح [ ١] يوحنا المعمدان [ ٢] أعمال المسيح نفسه وهي تشهد أن الآب أرسله. ٣] الآب نفسه [ ٤] الكتاب المقدس. ] وهم رفضوا المسيح [ ١] محبة الله ليست فيهم [ ٢] كبرياءهم جعلهم يقبلون المجد من بعضهم البعض ٣] لم يطلبوا مجد الله [ ٤] لا يؤمنون بموسى فلو آمنوا به لآمنوا بالمسيح ] ٥] كلمة الله ليست ثابتة فيهم. ] بل هم سيقبلون ضد المسيح. ولأنهم رفضوا المسيح فهم رفضوا الحياة وحكموا على أنفسهم بالموت. مزمور الإنجيل: أعترف لك أيها الرب إلهي= في مقابل رفض اليهود، نجد المرنم يقول أنا أعترف، ونحن نردد وراءه بأننا نعترف بالمسيح ربًا وإلهًا. وقد نجيت نفسي من الجحيم السفلي= فالمسيح أعطانا حياة أبدية. إنجيل باكر: هنا نرى في قصة الغني ولعازر، حياة للعازر مع إبراهيم. وهلاك للغني. وبهذا نرى أهمية العطف على المساكين. فالمسيح غير موجود بالجسد، لكن الفقراء هم إخوته. هذا الإنجيل نرى فيه مصير الأبرار وهوالحياة، ومصير الأشرار وهو العذاب. مزمور باكر: كثيرة هي ضربات الخطاة= (هذا ما حدث للغني). والذي يتكل على الرب الرحمة تحيط به= هذا ما حدث مع لعازر. إفرحوا أيها الصديقون بالرب= هنا على الأرض وهناك في السماء. البولس: علاقتنا بالإخوة فلتكن بالمحبة دون أن نعثر أحد فيهلك= كل واحد فليرض قريبه للخير للبنيان. الكاثوليكون: علينا الإهتمام بالفقراء، فلا يكون مصيرنا كالغني في الجحيم (إنجيل باكر). الإبركسيس: اليهود يحاولون قتل بولس والله ينقذه، والكنيسة تنمو وتزداد بتعزية الروح القدس. ملحوظة على القراءات: إنجيل القداس ومزموره نسمع فيهما عن رافضي المسيح ومن يقبل المسيح. فالرافضين نصيبهم الهلاك مثل الغني (إنجيل باكر) والمؤمنون نصيبهم حياة أبدية مع إبراهيم. وفي الإبركسيس نرى الرافضين ومحاولتهم ضد بولس وضد الكنيسة، ولكن نجد الكنيسة تنمو وتحيا في تعزية الروح القدس. ثم نرى طريق الحياة في الإهتمام بالفقراء فنكون مع لعازر ونرى في البولس أن نهتم بالآخرين عمومًا فلا نعثر أحد فيهلك ونهلك معه. فملخص القراءات أن هناك طريقان [ ١] طريق للمؤمنين [ ٢] طريق للرافضين الأشرار. أم ١:١٠-16 على نفس المنهج الذي رأيناه كنوز الشر لا تنفع أما البر فينجي من الموت. والإبن الشرير يكسل فيحيا بلاجهاد. وبركة الرب على رأس الصديق. عمل الصديق للحياة. إش ١٧:٤٨-4:49 على نفس المنهج نصيب الرافضين ونصيب الأبرار. فلو أصغيت لوصاياي لكان سلامك كالنهر. ولا عذر للإنسان فالله يرشدنا للطريق= أنا هو إلهك الذي يعلمك أن تجد الطريق. وما هو الطريق= أخرجوا من بابل= أي أتركوا الخطية وطريقها. ونرى هنا أيضًا رفض اليهود للمسيح= أما أنا فقلت عبثًا تعبت وسدى أفنيت قدرتي. مع أن الرب هو الذي دعاه= إن الرب دعاني من بطن أمي. أي ١:٣٨-36 الله يظهر لأيوب حكمته وقدراته، وأن حكمة البشر بجانب قدراته هي كلا شئ. ورفض أيوب السابق وتذمره على حكمة الله هي مثل رفض اليهود للمسيح حكمة الله
المزيد
28 سبتمبر 2021

الصليب والجمال الحقّ

لا نخاطب الأطفال بما قد يخيفهم وذلك في سنيهم الأولى لأنّ ما قد نزرعه رهبة يرسب في الوجدان ويشكل الوعي والحياة فيما بعد. إلاّ أنّه في الحياة الروحيّة تبدأ قامة الطفولة بإعلان الصليب شعارًا للحياة ولكنّه الصليب المتفجِّر بضياء القيامة. لا تكرز المسيحيّة بصليب مجرّد، بصليب نهائي، بصليب ختامي للرواية الإلهيّة المدوّنة بأحبار الزمن البشري. الصليب في المسيحيّة في حالة تجلٍّ، لأنّ منه تقطر قطرات دمٍ هي هي واهبة للحياة. ليس موتًا صارمًا يختم العقيدة الفكريّة التي نعتنقها بأختام الألم ولكنّه حياة تجدّد معنى الموت برسمه بأقلام النور والفجر والضياء السرمدي. حينما نعانق الصليب ونُقبِّله، لا نُقبِّل موتنا بل حياتنا، وإن كنّا نَقْبَل مسيرة الموت إلى الحياة. حينما نرشم جباهنا وأجسادنا به لا نعلن خضوعنا للألم بل خضوعنا لله وإن كان عبر الألم. نحن لا نرى الصليب وحده، بقدر ما نتلمّس ببصائرنا الجديدة، المصلوب، كربّ الحياة وسيد الخليقة ومالك مفاتيح البرّ ودافع حركة الوجود إلى البهاء الدهري في مُلْكٍ مزركش بزينة الروح. لقد دعا المسيح الكنيسة لتتبعه حاملة صليبها. يرى البعض أن ملمح الألم ونغمة الحزن هي السائدة على هذا النمط من التبعيّة، ولكن دعنا نتساءل، إلى أين سيقودنا؟؟ أليس إلى المجد.. إلى القيامة.. لذا فالتبعيّة ليسوع حاملين صليبه تعني أن نسير وراءه نحو المجد المُعدّ لقابلي خلاصه بالروح والحقّ. وهنا يظهر الوجه الآخر لعملة التبعيّة؛ فهي ليست آلام السائرين على الطريق ولكنّها ضمان الوصول إلى المجد طالما نتحرّك على آثار يسوعنا المحبوب. تلك الصورة نحو المجد وإن كان من خلال بعض أنّات الطريق تفسّر أنغام التهلُّل الصادر من الجمع المتحرّك نحو الأبديّة البَهِجَة. من أين يأتي التهلُّل لمن يرزحون تحت وطأة الصليب؟؟؟؟ إنه يأتي من التبعيّة للراعي الحقّ للقطعان الملكيّة. لذا فإن وجدت أن نغمات الحزن تغلف عالمك اعلم أنك لا تدرك وراء من تسير وإلى وجهة تتّجه. انحسارك في قسوة الصليب وطول الطريق يحرمك من تجدُّد قواك كنسرٍ محلِّق بحريّة الروح الداخليّة، في شباب وفتيّة دائمة.. الصليب لنا ليس جهالة ولكنّه يقين الواقع الجديد ووعي بآليات تحقُّه فينا. الصليب لنا شريعة خطّها الربّ يسوع بقبوله المُجدِّد لقبحه وللعنته؛ فخشبّة الصليب تحوّلت بارتفاع المصلوب عليها إلى عرش ملكي، هذا ما نراه؛ السيد مرتفعًا على عرشٍ من خشب يجدّد عليه واقع الإنسان المنهزم بجمالات الحياة زائفة. من هنا ننطلق في تكوين وعي جمالي مسيحي خاص؛ فالجمال في المسيحيّة ليس ذهبٍ وفضة وثياب ملكيّة وبهرجة إمبراطوريّة.. إلخ ولكن التجلِّي الحادث بسكنى الله وإن كان المسكن قبيح بدرجة الصليب ما قبل ارتفاع السيّد. الصليب بيسوع صار جمالاً. لقد استقطب ذاك الأبرع جمالاً من كلّ البشر أفئدة الخليقة لتترنّم للجمال المجروح من أجل حياة العالم. أبونا الراهب سارافيم البرموسي
المزيد
05 سبتمبر 2021

بين النبوة والإيحاء الشيطانى

ربما كان اختيار رصل لعام 1914م هى بمحض الصدفة أو بإيحاء شيطانى، لأن الشيطان يستطيع أن يعرف بعض الأشياء ليس كنبوة ولكن كاستنتاج لأحداث يمكن أن تحدث من دراسته للجو السياسى فى العالم. فلا نأخذ هذه الاستنتاجات على أنها نبوات. النبوة هى شئ لا يستطيع أحد أن يستنتجه بطريحته أو بذكائه السياسى. فمثلاً عندما يتنبأ إشعياء النبى قبل ميلاد السيد المسيح بثمانمائة سنة ويقول: "ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش7: 14) فهذا لا علاقة له لا بالطب ولا بالسياسة أو غيرها. وعندما يقول داود النبى قبل صلب السيد المسيح بألف سنة: "ثقبوا يدىّ ورجلىّ. أُحصى كل عظامى.. يَقسِمُون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون" (مز22: 16-18) والمعروف أن أحداً لم يثقب يدى داود أو رجليه. وأيضا حينما يقول: "يُنغِضون الرأس قائلين: اتكل على الرب فلينجه، لينقذه لأنه سُرَّ به" (مز22: 7، 8).. هذه العبارات نفسها قالها اليهود وهم يلتفون حول صليب السيد المسيح، وكان هذا الكلام قد قيل قبل الحدث بأكثر من ألف سنة وقدم وصفاً دقيقاً لصلب السيد المسيح. والذين تمموا هذه النبوات ليسوا أصدقاء للسيد المسيح لئلا يظن أحد أنهم اتفقوا على محاولة إتمام النبوة، بل الذين تتموه هم أعداء السيد المسيح اليهود ومعهم الرومان الوثنيون. فما منفعة الرومان أن يعملوا كل هذا ليثبتوا الآيات التى قالها داود النبى؟! النبوة دائماً تكون واضحة أنها نبوة... لكن الأحداث التى تحدث بالصدفة لا تكون نبوات. مثلما يقول البعض أن مستردامس تنبأ عن بعض الأشياء. بالطبع لا؛ مستردامس فى فرنسا عندما كان التنجيم محرّماً وكان يحكم على المنجمين بالإعدام، كتب بعض الأخبار والأشياء فى وريقات متفرقة خوفاً من أن تُمسك وتعتبر تنجيماً، وكتب عن حروب وعن مآسى وعن أمور أخرى من الممكن أن تحدث فى العالم ولكن لم يحدد تاريخ لأى حدث منها. فالذين يتتبعون أوراقه يبحثون إلى أن يجدوا ما يناسب الزمن المعين فينسبون ما فى ورقة ما إلى تاريخ معين، أو يقولون هذه نبوة لم تحدث بعد. يا ليتنا لا نتبع هذه البدع والخرافات. البقرة الحمراء أيضاً من ضمن الذين استغلّوا موضوع المجيء الثانى، أولئك الذين تكلموا منذ بضع سنوات عن موضوع البقرة الحمراء. فادعوا أن بقرة حمراء ولدت فى إسرائيل وعملوا ضجة كبيرة فى العالم وفى مصر على هذا الموضوع، حتى أن البعض أصدروا كتباً للرد. يقولون أن بقرة حمراء ولدت فى إسرائيل وفى سفر العدد الأصحاح 19 ورد ما يلى: "وكلّم الرب موسى وهارون قائلاً هذه فريضة الشريعة التى أمر بها الرب قائلاً: كلّم بنى إسرائيل أن يأخذوا إليك بقرة حمراء صحيحة لا عيب فيها ولم يعلُ عليها نير. فتعطونها لألعازار الكاهن فتُخرَجُ إلى خارج المحلة وتُذبحُ قدامه. ويأخذ ألعازار الكاهن من دمها بأصبعه وينضح من دمها إلى جهة وجه خيمة الاجتماع سبع مرات. وتُحرق البقرة أمام عينيه، يحرق جلدها ولحمها ودمها مع فرثها. ويأخذ الكاهن خشب أرز وزوفا وقرمزاً ويطرحهن فى وسط حريق البقرة. ثم يَغسِلُ الكاهن ثيابه.. ويجمع رجل طاهر رماد البقرة ويضعه خارج المحلة فى مكان طاهر فتكون لجماعة بنى إسرائيل فى حفظٍ ماء نجاسة. إنها ذبيحة خطية.. فتكون لبنى إسرائيل وللغريب النازل فى وسطهم فريضة دهرية" (عدد19: 1-10).هذا الماء كان يُستخدم لتطهير الذين يتنجسون بحسب الشريعة الموسوية. فاعتقدوا أنه بولادة بقرة حمراء سيُبنى الهيكل لأن هذه كانت لها علاقة بخيمة الاجتماع وبالذبائح الحيوانية عند اليهود.. فقالوا مادامت قد ولدت فى إسرائيل بقرة حمراء وحيث إنه لا يوجد فى العالم كله بقرة حمراء أخرى فسوف يبنى الهيكل وستعود الشرائع اليهودية مرة أخرى.إذا روّج اليهود لهذه الشائعات فنحن نعرف خططهم ولا نجهلها لكن أن يتبنى المسيحيون الفكرة ويروجوا لها فأمثال هؤلاء يريدون أن يعملوا شهرة لأنفسهم لاغير. وفعلاً عمل أحد الوعاظ المسيحيين ضجة حول هذا الموضوع، وحينما قابله قداسة البابا وسأله كان رده "ذبحناها خلاص يا سيدنا"! للرد على هذا الموضوع أمامنا اعتباران:- 1) بإمكان اليهود عن طريق المسائل الجينية إعطاء حقن وهرمونات معينة لكى تولد بقرة بلون معين.. فلا يخدعنا هذا الأمر. 2) ماذا تعنى كلمة أحمر فى الكتاب المقدس؟ هل تعنى دائماً الألوان الحمراء الصريحة؛ الأحمر القرمزى مثلاً أم ماذا؟! أحياناً حينما يذكر اللون الأحمر فى الكتاب المقدس يكون أحمر فعلاً، وأحياناً يكون بنى أو أصفر. والدليل على ذلك أن العدس الذى طبخه يعقوب عندما أراد عيسو أن يأكل منه يقول الكتاب "قال عيسو ليعقوب أطعمنى من هذا الأحمر.. فأعطى يعقوب عيسو خبزاً وطبيخ عدس" (تك25: 30، 34). يقول على العدس "هذا الأحمر" فالأحمر هنا هو لون تقريبى لأنه لا يوجد عدس أحمر. يوجد عدس بنى وعدس أصفرهكذا حينما يقول الكتاب "بقرة حمراء" قد يكون المقصود بقرة لونها بنى لأنه من غير المعقول أن يظل شعب إسرائيل ينتظرون قروناً طويلة حتى تولد بقرة حمراء منذ أن أمر الله موسى بهذه الوصية، وأضاف أن تكون صحيحة ولا يعلوها نير. من الواضح أن المقصود هو البقر بنى اللون لأنه يوجد بقر لونه أسود اللون وبقر أبيض اللون وبقر مبقع أبيض على بنى.. والبقر الموجود فى منطقة الشرق الأوسط غالباً ما يكون أبيض اللون أو بنى أو مشكل. إيمان اليهود ونهاية العالم للأسف؛ فإن البعض يعتقدون أن اليهود سوف يؤمنون عندما يبنون الهيكل ويقدمون الذبيحة ولا تنـزل نار من السماء وتأكل الذبيحة، فيكون هذا هو سبب إيمانهم.لكن اليهود سبق وعرفوا من الحراس الرومان أن المسيح قام من الأموات، وكانت النتيجة أنهم أعطوا رشوة للحراس وقالوا لهم قولوا أن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام.. والمعروف طبعاً أن النائم لا يرى من حضر!! فإيمان اليهود لا يتوقف على حدوث حدث معين يحرجهم لأنه سبق وأحرجتهم قيامة السيد المسيح ولم يؤمنوا. والذين آمنوا هم فقط المعينون للحياة الأبدية. لكن قيادات اليهود والأمة اليهودية الرسمية فى ذلك الوقت استمرت فى عصيانها. أنا أعتقد أن إيمان اليهود ليس من الضرورى أن يرتبط بحدث بناء الهيكل لأن السيد المسيح نفسه قال "لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض" (مت24: 2). لذلك الدوران حول قضية نهاية العالم وربطها ببناء الهيكل وتقديم بقرة حمراء ذبيحة خطية و.. إلخ، أعتقد أنها فى غالب الأمر محاولات سوف تبوء بالفشل.فحينما نفكر فى إيمان اليهود وتوبتهم كعلامة من علامات المجئ الثانى التى سوف نتكلم عنها، الأفضل أن نفكر فى البُعد الروحى لهذا الموضوع ولا نربطه بحدث محدد قد لا يكون هو الذى فى تدبير الله. الطريقة الصحيحة للتفكير فى المجيء الثانى تكلّم السيد المسيح كثيراً عن أهمية حياة الاستعداد... واستخدم الاستعداد لمجيئه الثانى كوسيلة للاستعداد فى حياتنا الشخصية. لأن العالم سينتهى بالنسبة لأى إنسان مع انتقاله من هذا العالم. فمجيء السيد المسيح الثانى لن يغير الوضع كثيراً بالنسبة لأى إنسان من حيث استعداده الشخصى لملاقاة الرب.. والذين سيكونون فى العالم فى وقت مجيء السيد المسيح الثانى عليهم أيضاً أن يستعدوا، لكن ما الفائدة من أن يظل الإنسان يفكر فى ميعاد نهاية العالم ثم تنتهى حياته هو شخصياً على الأرض ولم يكن مستعداً؟ فلو فُرض أن عرف الإنسان أن العالم سينتهى بعد ألف سنة من الوقت الحاضر، بينما لم يستعد هو نفسه لأنه يعلم أنه لا يزال هناك ألف سنة أخرى. حياته هو لن تطول ألف سنة، فما الفائدة من معرفته بميعاد نهاية العالم؟!! لذلك كان السيد المسيح متعمداً كما أيضاً فى التدبير الإلهى أن لا يعلن متى ستكون نهاية العالم لأن هذا سيكون مدعاة للناس أن تتمسك بهذا العالم. لكن الكتاب ينذرنا دائماً بزوال هذا العالم وانتهائه لنفهم أيضاً أن العالم سينتهى بالنسبة لنا شخصياً بانتقالنا من هذا العالم، فالبعدين مرتبطين معاً.لذلك حينما تكلّم السيد المسيح عن مثل العذارى الحكيمات والعذارى الجاهلات قال فى نهاية المثل: "فاسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التى يأتى فيها ابن الإنسان" (مت25: 13).كذلك حينما تكلّم عن نهاية العالم قال: "اسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون فى أية ساعة يأتى ربكم.. لذلك كونوا أنتم أيضاً مستعدين لأنه فى ساعة لا تظنون يأتى ابن الإنسان" (مت24: 42، 44). والعروف أن "ابن الإنسان" هو الرب السيد المسيح نفسه لأنه تجسد من العذراء مريم وصار إنساناً.إذاً الشئ الذى يستفيد منه الإنسان فى تذكّره لنهاية العالم هو أن لا يحب العالم.. ليس المقصود هو كراهية الناس، بل عدم محبة المادة والحياة الزمنية. وأن يشتاق إلى الأمور السمائية وينتظر الحياة الأبدية. فى نهاية قانون الإيمان الذى يقال فى الصلوات الخاصة وفى القداسات والأسرار إلخ. نقول {وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى آمين}. ففيما نحن ننتظر حياة الدهر الآتى ونهاية العالم نتذكر قيامة الأموات. وهذا هو الأسلوب السليم للتفكير فى نهاية العالم. فنهاية العالم بالنسبة لنا هى بداية استعلان ملكوت الله فى الحياة الأبدية. هل سيملك على الأرض البعض يظنون أن السيد المسيح حينما يأتى ليدين العالم ويجلس على عرش مجده سوف يكون هذا العرش على الأرض، لكن معلمنا بولس الرسول يقول فى رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكى: "لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات فى المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم فى السحب لملاقاة الرب فى الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1تس4: 16، 17). فإذا كنا سنلاقى الرب فى الهواء، إذاً الرب سيجلس على عرش مجده فى السماء، ولكن بعد أن يكون قد اقترب من الأرض. وعن مجيئه الثانى قال السيد المسيح نفسه: "ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسى مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب. فيميّز بعضهم من بعض كما يميّز الراعى الخراف من الجداء. فيُقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم.. ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدَّة لإبليس وملائكته، لأنى جعت فلم تطعمونى، عطشت فم تَسقونى. كنت غريباً فلم تأوونى، عرياناً فلم تكسونى، مريضاً ومحبوساً فلم تزورونى.. الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر فبى لم تفعلوا. فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى والأبرار إلى حياة أبدية" (مت25: 31 –46).الإيحاء المبدئى الذى تتركه عبارة "متى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسى مجده" التصور المبدئى هو أن يكون هذا الكرسى موضوعاً على الأرض، ولكن هذا الكرسى ليس مثل الكراسى المادية التى نعرفها المصنوعة من الخرزان، أو خشب، أو حتى الذهب، ولكنه كرسى مجده، أو عرش مجده.. هل عرش مجده فى سماء المسوات فى الملكوت مصنوع من الخشب؟! هذا العرش لا يحتاج أن يرتكز على الأرض. أما عبارة "يجلس على كرسى مجده" فتعنى أنه الديان، مثلما يجلس القاضى إلى منصة القضاء. فالسيد المسيح حينما صعد إلى السماء لم يخضع لقوانين الجاذبية الأرضية بالرغم من أنه صعد بجسده الذى قام من الأموات. لذلك يصف القديس بولس الرسول نفس الموقف يقول "الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء". إذاً مجيئه من السماء وأن عرش مجده فى السماء أمر واضح فى العبارات التى ذكرناها من إنجيل متى ورسالة تسالونيكى الأولى. "والأموات فى المسيح سيقومون أولاً" أى الذين رقدوا سيقومون أولاً.. "ثم نحن الأحياء.." وقد شرح بولس الرسول فى رسالته إلى أهل كورنثوس إن الأموات سيقومون أولاً ثم كلنا نتغيّر "هوذا سر أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير. فى لحظة فى طرفة عين عند البوق الأخير؛ فإنه سيُبوَّقُ فيقام الأموات عديمى فساد ونحن نتغير" (1كو15: 51، 52). نتغير بمعنى نكون لابسين جسداً معرضاً للموت أو الفساد أو الألم أو الجوع، نتغير إلى أجساد ممجدة، أجسام روحانية. فجسد القيامة الذى سنأخذه سيكون على مثال جسد السيد المسيح الذى صعد به إلى السماء ولكن ليس مساوٍ له فى المجد لأنه ليس متحد باللاهوت مثل جسده الإلهى. مثلث الرحمات نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المجئ الثانى للرب من منظور روحى
المزيد
04 يناير 2019

عيد الميلاد المجيد

عيد الميلاد المجيد نفتتح به العام الجديد ,عندما خلق الله الانسان تمتع الانسان ان يكون فى حضرة الله وتمتع ان يكون فى معيه مع الله وان يكون فى الحضرة الالهية ولكن جاءت الخطية والخطية فى ابسط معناها هى كسر الوصية الالهية لان كسر الوصية هو كسر للطاعة وايضاً كسرالوصية يجرح المشاعر, جاءت الخطية وبدأ السقوط وانفصل الانسانعن الله وطرد وعندما صار بعيداً عن المعية الالهية صار يفكر فى عبادات بعيدة تارة يفكر فى الحيوانات لكيما يعبدها وتارة يفكر فى الفلك والنجوم والبحر والجبال ليعبدها وتارة يفكر فى الاوثان ويصنعها بيديه ثم يعبدها وبعد ان ارهقته الحيل صار يفكر فى نفسه لكيما يعبد ذاته وبدأ الانسان رحلة الظلمة ,ظلمة الخطية يبتعد عن الله فى عبادات كثيرة جعلته شريداً ووحيداً وكانه يعيش فى فراغ , عاش الانسان يعبد ذاته وصارت ذاته امامه باى صورة من الصور فى شهوات ورغبات ثم ايضاً صار حاله ردياً فبدأ يتجه الى العنف لانه عاش الانانية ثم الامر الثالث انه عاش بالخوف فصار الانسان كائناً خائفاً حتى فى ساعات الفرح فصار الخوف يسكن قلبه. وصارت هذه الضعفات الثلاثة: 1- ذاته 2- الانانية 3- الخوف تشكل الكيان الانسانى واتجاسر واقول انه بدأ يفقد انسانيته وبدأ الانسان يتخلى عن الانسانية الصورة الجميلة التى ارادها الله يوم خليقته ,فقد خلقه فى اجمل صورة وعاشوا فى سعادة لا يمكن ان نصفها ولكن كل هذا فقده الانسان وجاء ميلاد السيد المسيح. ميلاد السيد المسيح قسم الزمن الى ما قبل الميلاد وما بعده, نسمى ما قبل الميلاد العهد القديم وما بعده العهد الجديد, وبدأ الله يفتش عن الانسان الضائع التائه الخائف الانانى الذى يعبد ذاته وبدأ الله يضع امامه علاجات هذه الضعفات الثلاث وهذه العلاجات تمثلت فى انشودة الملائكة ” المجد لله فى الأعالى وعلى الارض السلام وبالناس المسرة” وهى انشودة فرح تقدم العلاج لضعفات الانسان الذى تغرب عن خالقه:- 1- المجد لله فى العالى …. أنت ايها الانسان خلقت لكيما تقدم مجداً وتسبيحاً ولكن عندما رأى الانسان ذاته ونفسه اتجه الى عبادة الذات وشهواته ورغباته حتى قال بعض الفلاسفة ان الانسان بئر من الرغبات التى لا تشبع, فصار الانسان يضخم عقله واختراعاته وكانه يقول لا حاجة لى الى الله وصار الانسان كبيراً فى عينى نفسه وسقط فى بئر الكبرياء وتناسى الله كثيراً وحلت به النظرة الترابية الارضية فقط ولم يعد يقدم تمجيد لله .. التمجيد يبين ان الانسان قريب من الله ,فالتمجيد يبين ان فى قلب الانسان مخافة الله كما هو مكتوب رأس الحكمة مخافة الله , عندما تسكن الحكمة فى قلب الانسان يستطيع ان يمجد الله ويشعر بالحضرة الالهية فى كل عمل يعمله ويستطيع ان يستعد انسانيته. “جعلت الرب امامى فى كل حين لانه عن يمينى فلا اتزعزع ” كما يقول داود النبى, الانسان الخائف الله هو الذى يكون مواطنا صالحاً فى اى مجتمع , يكون انسان اميناً فى كل ما اوتمن عليه.قدموا مجداً لله وانظروا الى السماء دائماَ … 2- على الارض السلام … انانية الانسان جعلته يتجه الى القسوة والقمع والظلم نسمع عن الالام الكثيرة فى بلادان كثيرة فانانية الانسان تعميه على ان يرى الآخر , فتحولت الانانية الى صراع وحروب وقتال وارهاب , والعلاج ان يكون الانسان صانع سلام ولا يستطيع ان يصنع سلام ما لم يمتلئ قلبه اولا من مخافة الله كما هو مكتوب “طوبى لصانعى السلام لانهم ابناء الله يدعون”, فالذى يصنع سلاما هو ممدوح من الله والذى يصنع سلاماً فى كل مجتمع وكل مسئولية هو الذى يدعى ابناً لله والله يحبه كثيراً. 3- بالناس المسرة … صار الانسان خائفاً وخوفه يلاحقه فى كل مرحلة من مراحل حياته والسبيل فى الناس المسرة .. الفرح فيجب ان يكون الانسان مفرحاً أينما حل , فاذا عاش الانسان ايضاً بمخافة فقدم تمجيداً لله وصنع سلاماً بين البشر فيستطيع ان يقتنى عطية الفرح المجيدة التى لا توصف , ويكون سبب فرح ليس لنفسه فقط بل لكل من حوله. قصة الميلاد ليست قصة تاريخية أو مجرد حدث زمانى أنما هى رسالة انسانية لكل أحد, ايها الانسان الذى ابتعد عن الله والذى تاهه فى دوامات الحياة الكثيرة والذى فى اوقات كثيرة يفقد انسانيته ويتناسى وجوده ..أيها الانسان ان اردت ان تكون حسب مشئية الله فأطلب ان تسكن المخافة فى قلبك لانها بداية طريق الحكمة .. قدم تمجيدا لله على الدوام .. اصنع السلام فى كل مكان فى داخلك فى قلبك فلا تترك الخطية تتملك فى قلبك .. لتنال فرحاً على الارض هنا ويمتد بك الى الحياة الابدية… قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
11 أبريل 2020

بين الفصح اليهودي والفصح المسيحي

لا ندهش إن ساد جوٌ من التعزيات الفائقة في فترة أسبوع البصخة المقدسة، فإن آلام السيد المسيح تحمل إلينا عذوبة الحب الإلهي، وتدخل بنا إلى التعرُّف على أسرار إلهية يصعب التعبير عنها كثير من اليهود الأرثوذكس يحلمون بعودة الاحتفال بعيد الفصح اليهودي كما كان قبل مجيء السيد المسيح. كان يحتفل بالعيد حوالي 2 مليون شخص في أورشليم، يقدِّمون مئات الألوف من الحملان، ببهجة يشترك فيه حتى الأطفال الصغار بفرحٍ وتهليل ذبح هذه الآلاف من الحملان الذي يعود بذاكرتهم إلى تحرير آبائهم من عبودية فرعون ورجاله وانطلاقهم إلى البرية تحت قيادة موسى النبي، مع حدوث عجائب ومعجزات تُبهج نفوسهم بمعاملات الله مع آبائهم هذا بالنسبة للرمز الذي لا قيمة له سوى الدخول إلى الفصح الحقيقي بتقديم حمل الله الوحيد نفسه ذبيحة، يُقدِّمها كرئيس الكهنة السماوي، لينطلق بهم إلى التمتُّع بعربون أورشليم العليا، وتذوُّق خيرات كنعان الأبدية ونحن بعد في الجسد في هذا العالم يشعر المؤمن في احتفاله بالفصح المسيحي في كل عام، كأنه لأول مرة يحتفل به، إذ يجده جديدًا ومُفرِحًا للغاية، يتعرَّف على حمل اله مُرنِّمًا مع إرمياء النبي"مراحمه لا تزول. هي جديدة في كل صباح نصيبي هو الرب قالت نفسي." (مرا 3: 22-24) أشترك معك يا عزيزي في الإحساس، إنه في كل عام أشعر كأني أغوص في محيط حب الله الفائق تتهلل نفسي في الأعماق، وأشعر بأن كلماتي وأحاديثي وقلمي هذه كلها تخونني في التعبير عما أنعم به، وأنا سائر مع حمل الله كما إلى الجلجثة ثم إلى البستان بل وتنطلق نفسي معه لتشبع من رؤية رجال ونساء وأطفال العهد القديم وهم يتهللون، إذ يحملهم ويدخل بهم إلى فردوسه! لقاء مع لعازر! تصر الكنيسة أن تحتفل بإقامة لعازر في السبت السابق لدخول حمل الله أورشليم كملك مُنتصِر! أيا كان يوم إقامته! حقًا لقد تمتع بالإقامة من الموت قبل ذلك بأيام، لكن الكنيسة ترى في إقامته ارتباط قوي بالبصخة المقدسة من أجل الصليب تجسد حكمة الله وتأنس كحَمَل الله الذي يبذل نفسه عن العالم ويحمل المؤمنين به إلى حضن الآب لكن في وسط آلامه يشتهي أن يجد قلبًا ليسند رأسه فيه ويبيت لا يحتاج حمل الله إلى مكان أو قلب يستريح فيه أو ينام فيه أو يسند رأسه فيه، لكنه إذ يسند رأسه، إنما يسند رؤوسنا فيه ونستريح به أبديًا إنه يستريح في النفوس القائمة من الأموات، أو المتمتعة بالقيامة الأولى يُحدِّثنا سفر الرؤيا عن القيامة الأولى والقيامة الثانية (رؤ 20) القيامة الأولى نتمتع بها هنا، فنقول مع الرسول بولس "أقامنا معه، وأجلسنا في السماويات" (أف 2: 6) تقوم نفوسنا بالميلاد الجديد حيث نُدفَن مع المسيح في مياه المعمودية ونقوم في جدة الحياة (رو 6: 4) حقًا في جهادنا في هذا العالم نئن من محاربات شهوات الجسد، فنصرخ مع مرثا "قد أنتَن!"، فنعيش أيام غربتنا تحت قيادة روح الله القدوس لنختبر بالتوبة كل يوم بالقيامة الأولى فمع ضعفاتنا وصرخاتنا يشتهي حَمَل الله أن يبيت في قلوبنا القائمة به ومعه!لن يتمتع مؤمنٌ ما ببهجة أسبوع البصخة المقدسة، وينعم باللقاء مع حَمَل الله في أعماقه، ما لم يصر لعازر الجديدمع كل أسبوع بصخة، بل مع كل صباح تشتهي نفسي أن تسمع الصوت الإلهي "لعازر هلم خارجًا! يبدأ أسبوع البصخة بالاحتفال بإقامة لعازر كتهيئة له كدعوة عملية أن يختبر القيامة الأولى، ويُختَم بقيامة السيد المسيح، حيث قام بكر الراقدين فننعم بالقيامة الثانية في يوم مجيئه الثاني، فيشترك الجسد مع النفس في الأمجاد السماوية. إلهي، مع بداية آلامك تصرخ نفسي قائلة "متى نرى العالم كله لعازر الجديد، فيستريح الكل بحلولك في قلوبهم وتمتُّعهم بحضرتك الإلهية!" القمص تادرس يعقوب ملطى
المزيد
21 مايو 2019

في الطريق إلى عمواس

يقول إنجيل معلمنا مرقس: "وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين إلى البرية" (مر16: 12) والمقصود بالهيئة الأخرى أي بخلاف الهيئة التي ظهر بها لمريم المجدلية في البستان وظنته البستاني وقد ذكر معلمنا لوقا في إنجيله أن السيد المسيح حينما ظهر لهذين التلميذين "أمسكت أعينهما عن معرفته" (لو24: 16) بمعنى أن عدم معرفتهما له في البداية كان شيئًا مقصودًا بتدبير إلهي. والقصة بدأت كما يلي: كان اثنان من التلاميذ منطلقين في يوم أحد القيامة إلى قرية بعيدة عن أورشليم ستين غلوة اسمها عمواس. وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع الحوادث التي واكبت صلب السيد المسيح وما يليها، بما في ذلك ظهور السيد المسيح للمريمات بعد قيامته"وفيما هما يتكلمان ويتحاوران اقترب إليهما يسوع نفسه، وكان يمشى معهما، ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته" (لو24: 15، 16) لم يشأ الرب أن يظهر بمجده العظيم ويبهر هذين التلميذين، ولكنه ظهر في هيئة بسيطة ورتب أن لا يعرفاه في البداية "فقال لهما ما هذا الكلام الذي تتطارحان به، وأنتما ماشيان عابسين؟" (لو24: 17) وهنا نرى السيد المسيح يسأل في اتضاع عجيب -وهو العالِم بكل خبايا الأمور- ولكنه أراد أن يتبسط في الحديث وينزل إلى مستوى هذين التلميذين، حتى يرفعهما في النهاية إلى مستوى الإيمان اللائق بتلاميذه القديسين "فأجاب أحدهما الذي اسمه كليوباس وقال له: هل أنت متغرب وحدك في أورشليم، ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها في هذه الأيام؟ فقال لهما وما هي؟" (لو24: 18، 19) ما أعجب اتضاعك يا رب وأنت تحتمل أن ينسب تلاميذك إليك عدم المعرفة كغريب. ثم تسألهما في بساطة ومودة، لكي يخبروك كمن لا يعرف، حتى تنتشلهم من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة الحقيقية.. ولكن حقًا يا رب لقد كنت السماوي المتغرب وحدك على الأرض في أورشليم الأرضية، لكي ترفع مختاريك وأصفياءك للتمتع بمجدك في أورشليم السمائية. وقد أجاب التلميذان على سؤال السيد المسيح فقالا: "المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنسانًا نبيًا مقتدرًا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب. كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه. ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدى إسرائيل. ولكن مع هذا كله اليوم له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك. بل بعض النساء منا حيرننا إذ كن باكرًا عند القبر، ولما لم يجدن جسده أتين قائلات إنهن رأين منظر ملائكة قالوا إنه حي. ومضى قوم من الذين معنا إلى القبر، فوجدوا هكذا كما قالت أيضًا النساء وأما هو فلم يروه" (لو24: 19-24) احتمل السيد المسيح أن يتكلم عنه التلميذان كمن لا يعرف أموره الخاصة التي حدثت له ثم احتمل أن يقولا عنه إنه كان إنسانًا نبيًا مقتدرًا في الفعل والقول، دون أن يقولا باقي الحقيقة أنه هو هو نفسه ابن الله الحي الكلمة الأزلي المتجسد ألم يقل قائد المئة الواقف عند الصليب بعد أن سلّم السيد المسيح روحه في يدي الآب "حقًا كان هذا الإنسان ابن الله" (مر15: 39) كانت القيامة هي أقوى دليل على ألوهية السيد المسيح ولهذا احتمل ضعف تلاميذه الذي ظهر بعد الصلب. بل سبق فقال لهم: "كلكم تشكون فيَّ في هذه الليلة" (مت26: 31) كانت تجربة الصلب أقوى من احتمالهم.. وظهر ضعفهم البشرى، وأطال الرب أناته عليهم لم يشك تلميذا عمواس في ألوهية السيد المسيح فقط، بل أيضًا تطرق الشك بهم إلى عمله باعتباره الفادي والمخلّص بحسب قولهما: "ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدى إسرائيل" (لو24: 21) وإلى جوار ذلك فقد شكَّا في قيامة السيد المسيح، ولم يصدقا ما سبق فأنبأهم هو نفسه به قبل أن يُصلب عن قيامته، كما أنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام في كل ذلك أظهر السيد المسيح اتضاعًا وحبًا واحتمالًا عجيبًا،وهو الذي كان يسير معهما في الطريق بعد قيامته.. ولكن لأجل خيرهم، وخير الكنيسة كلها، لم يكشف لهما عن شخصه، بل استمر في الحوار العجيب..!! الإقناع أم المعجزات أراد السيد المسيح أن يؤسس كنيسته ليس فقط على صنع المعجزات التي أثبتت ألوهيته، بما في ذلك معجزة القيامة نفسها.. بل أراد أيضًا أن يؤسسها على الإيمان الكتابى، وعلى الحقائق الإلهية المدونة في الأسفار المقدسة "كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر" (لو70:1) فكثير من المعجزات من الممكن أن يقلدها الشيطان بمعجزات زائفة، كما هو مكتوب عن ضد المسيح: "الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين" (2تس2: 9، 10) ولكن الخلاص الذي صنعه الرب، قد سبق فتنبأ عنه كثير من الأنبياء قبل مجيء السيد المسيح بآلاف السنين، وتحققت هذه النبوات جميعها بصورة لا يمكن تقليدها على الإطلاق. لأن الله وحده هو الذي يعلم المستقبل بهذه الدقة قبل حدوثه بآلاف السنين وقد كتب القديس بطرس الرسول عن ذلك الخلاص وما قيل عنه من نبوات فقال: "الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم. باحثين أي وقت،أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم. إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها" (1بط 1: 10، 11) لو كشف السيد المسيح عن شخصيته للتلميذين لجاء إيمانهما مبنيًا على رؤية معجزة القيامة.. ولكنه أراد أن يكشف لهما القيامة من خلال الكنوز المخبأة في كلمات الروح القدس المكتوبة في الكتب المقدسة "فقال لهما أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء، أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده. ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو24: 25-27) كانت هذه الشروحات بمثابة محاضرة قيمة جدًا في اللاهوت العقائدي وفي شرح العهد القديم.. وهنا نرى السيد المسيح المعلم الأعظم وهو يفسر الأمور المختصة بالتجسد والفداء في جميع الكتب.. كل ذلك دون أن يكشف للتلميذين عن شخصيته وهو يكلمهما. كان هدف السيد المسيح ليس هو الافتخار بما عمله، بل هو اقتياد التلاميذ إلى معرفة الخلاص والتمتع بأمجاد الحياة الجديدة في المسيح وهكذا سجّل السيد المسيح في ذاكرة الكنيسة تفسيرًا لاهوتيًا عميقًا لعمله الخلاصي المبنى على ألوهيته ومجيئه في الجسد فاديًا ومحررًا للإنسان "ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها، وهو تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد. فألزماه قائلين امكث معنا لأنه نحو المساء، وقد مال النهار. فدخل ليمكث معهما. فلما اتكأ معهما أخذ خبزًا وبارك وكسر وناولهما، فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما" (لو24: 28-31) في اتضاع عجيب امتثل السيد المسيح لرغبة تلميذيه حينما ألزماه أن يمكث معهما. وبالفعل دخل ليمكث معهما. وعرفاه عند كسر الخبز. وحينما عرفاه اختفى عنهما.. لأنه لم يظهر ليتباهي بقيامته، بل ليقتادهما إلى معرفة حقيقة الخلاص الذي صنعه لأجلهما ولأجل البشرية جمعاء وقالا بعضهما لبعض: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا، إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟!" (لو24: 32) أشفق السيد المسيح على تلميذيّ عمواس، لأنهما كانا في حزن وألم بعد الصلب. وبحكمة عجيبة استطاع من خلال شرح الكتب المقدسة -أنفاس الله- أن يتدرج بهما من الحزن واليأس إلى الفرح والرجاء.. حتى ارتفعت روحاهما إلى المستوى الذي عاينا به الرب القائم من الأموات بأعين منفتحة تستطيع أن تراه وتعرفه وتشهد لقيامته المجيدة ليتنا يا رب نصغى لكلامك بقلوب ملؤها الاشتياق إلى معرفة الحق، حتى نستطيع أن نراك بأعين قلوبنا. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
13 أبريل 2019

يوم السبت من الأسبوع السادس

إنجيل القداس: هنا نسمع عن شفاء الأعمى برتيماوس، وإستنارت عينيه وتبع يسوع في الطريق. ثم نأتي يوم الأحد لنسمع عن إستنارة أعمى آخر وذلك عن طريق الإستحمام في الماء (المعمودية) ولكن نلاحظ هنا [ ١] صراخ الأعمى وإصراره على الصراخ [ ٢] أنه خلص بإيمانه. مزمور القداس: طوباهم الذين تركت لهم أثامهم= هذا يتم في المعمودية. ولكنه مذكور هنا لأن:- ١- الأعمى حدثت له إستنارة وعرف الرب وتبعه وهذا لا يحدث إلا لمن تركت أثامه فلا يمكن أن يعرف ( الرب ويتبعه إلا كل من إستنارت عينيه "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت ٨:٥ ٢- قول السيد المسيح إيمانك خلصك والخلاص هو في غفران الخطايا. إنجيل باكر: نسمع هنا عن شفاء مخلع بأن قال له المسيح مغفورة لك خطاياك= فالشفاء الحقيقي هو في غفران الخطايا كما رأينا في إنجيل القداس ومزمور القداس. مزمور باكر: فلتدركنا رأفاتك= برأفات المسيح شفانا إذ كنا قبله عميانًا مفلوجين. لأننا قد إفتقرنا جدًا= بسبب كثرة خطايانا. البولس: أن تحفظوا وحدانية الروح= نحن مولودين من الماء والروح. إذًا نحن نولد ولنا وحدانية الروح وعلينا أن نحفظها برباط السلام الكامل. وهذا بأن نسلك بكل تواضع وطول أناة. الكاثوليكون: يكمل الكاثوليكون ما بدأه البولس. فنرى كيف نحفظ وحدانية الروح التي أخذناها بالمعمودية لا تشاكلوا شهواتكم السابقة.. كونوا أنتم أيضًا قديسين.. سيروا زمان غربتكم بخوف. الإبركسيس: هنا نرى [ ١] موت وحياة رمز للمعمودية: فبولس ومن معه كانوا في موت محقق وصارت لهم حياة. ٢] الإستنارة: فبولس يرى ملاك يخبرهم أنهم لن يهلك منهم أحد.
المزيد
20 يوليو 2021

المسيحية والبتولية

لقد تميزت المسيحية عن غيرها من الديانات الأخرى في فكر البتولية وحياة البتولية هذه تعني عدم الزواج، وهي ليست حياة العفة.. فحياة العفة والطهارة مطلوبة من الكل (بتوليين ومتزوجين). أما حياة البتولية.. فيسلك فيها مَنْ لا يريد الارتباط بزوج أو زوجة.. فهو يريد أن يعطي كل حياته للسيد المسيح (الرهبان والراهبات)، ويخدم السيد المسيح بكل قوته وحياته (المكرسين والمكرسات). والبتولية قد عُرفت قديمًا بين بعض الديانات الوثنية لدى شعوب الحضارات القديمة.. أمثال المصريين والهنود والصينين، وأيضًا عُرفت بين شعب الله فى العهد القديم.. فكان البعض يحيون حياة البتولية مثل: "إيليا النبي".. ولكنها في المسيحية أخذت مفهوم سامٍ.. فبدت تتألق بين الفضائل جميعها.. فهي أسمى الفضائل وأجملها لأنها تهيئ للإنسان أن يرتبط بعريس نفسه السماوي السيد المسيح فالسيد المسيح هو المثل الأعلى لنا (المسيحيين).. فقد عاش بتولًا.. ووُلد أيضًا من عذراء بتول (السيدة العذراء الدائمة البتولية).فنجد السيد المسيح نفسه يتكلّم عن البتولية في حديثه عن الخصيان الذين خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات.. "قالَ لهُ تلاميذُهُ: "إنْ كانَ هكذا أمرُ الرَّجُلِ مع المَرأةِ، فلا يوافِقُ أنْ يتزَوَّجَ!". فقالَ لهُمْ: "ليس الجميعُ يَقبَلونَ هذا الكلامَ بل الذينَ أُعطيَ لهُم، لأنَّهُ يوجَدُ خِصيانٌ وُلِدوا هكذا مِنْ بُطونِ أُمَّهاتِهِمْ، ويوجَدُ خِصيانٌ خَصاهُمُ الناسُ، ويوجَدُ خِصيانٌ خَصَوْا أنفُسَهُمْ لأجلِ ملكوتِ السماواتِ. مَنِ استَطاعَ أنْ يَقبَلَ فليَقبَلْ" (مت19: 10-12). وأيضًا عندما سألوه الصدوقيين عن المرأة التى تزوجت من سبعة أخوة... ففي القيامة لمَنْ تكون زوجة من السبعة.. فكان رده واضحًا عليهم قائلًا: "لأنَّهُمْ في القيامَةِ لا يُزَوّجونَ ولا يتزَوَّجونَ، بل يكونونَ كمَلائكَةِ اللهِ في السماءِ" (مت22: 30)، (لو20: 35).. ويقصد بذلك أن حالة عدم الزواج (البتولية) تشبة حياة الملائكة.ويؤكد هذا الفكر القديس "كبريانوس الشهيد" فى إحدى رسائله لبعض العذارى قائلًا لهن: "لقد ابتدأتن الآن وأنتن في هذه الحياة في التمتع بما سيكون لكّن في السماء بعد القيامة. لأنكّن بحفظكن بكارتكن قد تشبهتن بالملائكة" ونجد مُعلمنا بولس الرسول مَثلًا آخر واضح في حياة البتولية.. فقد تحدث عنها راجيًا أن يكون الجميع مثله متمتعين بحياة البتولية قائلًا "ولكن أقولُ لغَيرِ المُتَزَوجينَ وللأرامِلِ، إنَّهُ حَسَنٌ لهُمْ إذا لَبِثوا كما أنا" (1كو7: 8) "فأُريدُ أنْ تكونوا بلا هَم. غَيرُ المُتَزَوّجِ يَهتَمُّ في ما للرَّب كيفَ يُرضي الرَّبَّ، وأمّا المُتَزَوّجُ فيَهتَمُّ في ما للعالَمِ كيفَ يُرضي امرأتَهُ" (1كو7: 32-33) "إذًا، مَنْ زَوَّجَ فحَسَنًا يَفعَلُ، ومَنْ لا يُزَوّجُ يَفعَلُ أحسَنَ" (1كو7: 38). ففي هذه الآيات يوضِّح أهمية البتولية.. بل أن البتولية أحسن من الزواج (مَنْ لا يُزَوّجُ يَفعَلُ أحسَنَ).. ولم يقصد هنا أن الجميع يعيشون حياة البتولية، ولكنها في مرتبة أحسن من مرتبة من يتزوج. فلا يستطيع الكل أن يعيشوا حياة البتولية.. فالطرق كثيرة وكل منَّا يسلك حسب ميولة وحسب اشتياقات قلبه وإمكانياته الروحية.ونرى مُعلمنا يوحنا الرائي يوضِّح لنا مركز البتولية في السماء فيقول: "ثُمَّ نَظَرتُ وإذا خَروفٌ واقِفٌ علَى جَبَلِ صِهيَوْنَ، ومَعَهُ مِئَةٌ وأربَعَةٌ وأربَعونَ ألفًا، لهُمُ اسمُ أبيهِ مَكتوبًا علَى جِباهِهِمْ. وسَمِعتُ صوتًا مِنَ السماءِ كصوتِ مياهٍ كثيرَةٍ وكصوتِ رَعدٍ عظيمٍ. وسمِعتُ صوتًا كصوتِ ضارِبينَ بالقيثارَةِ يَضرِبونَ بقيثاراتِهِمْ، وهُمْ يترَنَّمونَ كتَرنيمَةٍ جديدَةٍ أمامَ العَرشِ وأمامَ الأربَعَةِ الحَيَواناتِ والشُّيوخِ. ولم يَستَطِعْ أحَدٌ أنْ يتعَلَّمَ التَّرنيمَةَ إلاَّ المِئَةُ والأربَعَةُ والأربَعونَ ألفًا الذينَ اشتُروا مِنَ الأرضِ. هؤُلاءِ هُمُ الذينَ لم يتنَجَّسوا مع النساءِ لأنَّهُمْ أطهارٌ. هؤُلاءِ هُمُ الذينَ يتبَعونَ الخَروفَ حَيثُما ذَهَبَ. هؤُلاءِ اشتُروا مِنْ بَينِ الناسِ باكورَةً للهِ وللخَروفِ. وفي أفواهِهِمْ لم يوجَدْ غِشٌّ، لأنَّهُمْ بلا عَيبٍ قُدّامَ عَرشِ اللهِ" (رؤ14: 1-5) وهنا نجد كلامًا في غاية الوضوح عن عِظم وامتياز البتولية والبتوليين.. فهو يظهرهم هنا أنهم ملازمون للمسيح (الخروف)، فهم يتبعونه حيثما ذهب، وأيضًا ينفردون عن غيرهم في معرفة الترنيمة التي لا يستطيع أحد أن يرددها غيرهم (حياة التسبيح المستمرة).. والسبب في ذلك: "إنهم لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أبكار"هكذا سارت موجة شديدة من الحماس للبتولية على مر العصور، وتغلغلت في صدور المؤمنين بعمق، وفتغنى بها آباء الكنيسة، وتباروا في مدحها.. ليس عن اصطناع ومغالاة بل عن حب وعمق وممارسة وتقدير لأهميتها.. فقد عاشها الآباء الأولين بعمق.فنجد القديس "أمبروسيوس" أسقف ميلان.. يكتب ثلاث كُتب عن البتولية لأخته مرسللينا، ويقول فيها: "ليست البتولية مستحقة المديح من حيث أنها توجد في الشهداء، بل لأنها هي نفسها تصنع الشهداء. ومَنْ الذي يستطيع أن يدرك بفهمه البشري ذاك الذي لا تحويه الطبيعة في قوانينها؟ أو مَنْ يقدر أن يشرح في أسلوب مألوف ذاك الذي فوق مستوى الطبيعة؟ لقد استحضرت البتولية من السماء ما يمكنها من أن نحاكيه على الأرض"وبعد أن وصف البتوليين كملائكة الله استكمل كلامه قائلًا: "وما قلته ليس كلامي طالما أن الذين لا يتزوجون ولا يزوجون هم كملائكة السماء.. فلا تعجب إذن اذا ما قورنوا بالملائكة الملتصقين برب الملائكة. مَنْ يقدر إذن أن ينكر أن هذا النهج من الحياة له نعمة فى السماء؟ ولم نجده بسهولة على الأرض إلاَّ بعد أن نزل الله أخذًا جسدًا بشريًا".فهل ترى أيها الحبيب فى الرب.. أن حياة البتولية هي بتولية الجسد فقط.. أم يشترك فيها بتولية الفكر والحواس؟ فكر معي!! كيف يسلك الإنسان في حياة البتولية في هذا العالم الشرير، وهذا المجتمع المليء بالمعاثر والشهوات!! هل يلزم ذلك منَّا جهادًا مستمرًا ونموًا روحيًا دائمًا.. أيًا كان كل واحد منَّا راهبًا أو راهبة أو مكرسًا أو مكرسة أو علمانيًا؟ فلنتمسك بالمسيح ونطلب معونته لتآزرنا في جهادنا وحياتنا على الأرض لكي نكون كملائكة الله في السماء.ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين. الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل