المقالات

07 أكتوبر 2022

المسئولية الأسقفية جـ1

الدرجات الإكليروسية في الكنيسة المقدسة ثلاث، هي: الشموسية – القسيسية – الأسقفية، والإكليروس (كلمة يونانية تعني المُكرَّسين لله) هم الذين يقومون بسائر الخدمات الليتورجية والكنسية المتعدّدة في نظام دقيق جدًا ومُحدَّد كما يقول الكتاب: «لكل واحد منّا أُعطِيت النعمة حسب قياس هبة المسيح» (أفسس 4: 7).. «لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح» (أفسس 4: 12-16). وبمناسبة سيامة عشرة أساقفة جدد ليخدموا في المواضع التي خلت بنياحة عدد من الأحبار الأجلّاء خلال الفترة الماضية، فإنني أودّ أن أتحدث عن جوانب المسئولية الأسقفية، والتي تُعتبر (الأسقفية) أعلى درجات السلم الإكليروسي، ومن الأساقفة يتكون أعضاء المجمع المقدس برئاسة البابا البطريرك. بنعمة المسيح نتحدث عن المسئولية الأسقفية في عشرة جوانب متعدّدة ونكتب عنها في أكثر من مقال. أولًا: المسئولية الشخصية: التخلي عن الذات: دورنا كأساقفة هو النظر للآخر.. النظر للشعب وليس لأنفسنا: «لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا» (في2: 4) إذا استطعنا أن نقول مع بولس إننا عبيد للشعب من أجل يسوع، فنحن إذًا أساقفة ورعاة بحق: «فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبًّا، وَلكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ» (2كو4: 5).كلمة السر لبلوغ التخلّي التام عن الذات هي الاتضاع.. الاتضاع هو أكبر وأضمن طريق للنمو الروحي الدائم.. الاتضاع هو حارس نعمة الأسقفية. ولذلك أقول لك أيها الآب الأسقف: اجعل مَثَلَك يوحنا المعمدان: «يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ» (يو3: 30-32). ثانيًا: المسئولية الروحية: النمو فيها، وتجنُّب الجفاف الروحي: المسئولية الروحية عن ذاتك تتلخص فيما قاله بولس الرسول: (1) «لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا الْمَسِيحُ يَسُوعُ» (في3: 12). نحن جميعنا في سعي دائم بل ونجري، كيما ندرك وننمو.. ولو شعرنا للحظة أننا قد صرنا كاملين يبدأ الجفاف الروحي.. (2) كيما نظل في حالة نمو دائم ينبغي أن نتذكر درس بولس الرسول لتيموثاوس أن يكون قدوة: «لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ» (1تي4: 12).وحتى ما يكون دائمًا قدوة، نصحه بولس الرسول بدوام ملاحظة تعليم نفسه: «لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا»(1تي4: 16).المثل القوي هنا هو مثل سلبي لأسقف لاودكية الذي فكّر بل وقال إنه غني وقد استغنى ويعلم كل شيء ولا يحتاج أي شيء.. لذا صار لا حارًّا ولا باردًا كما يقول الرائي: «وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ:«هذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا! هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي. لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ» (رؤ3: 14-17). ثالثًا: المسئولية الأبوية: لكل قطاعات الشعب الأبوة الروحية هي أن تلد أبناء في المسيح، وهذا هو تعريف الأبوة الروحية: «لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ، لكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ. لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ» (1كو4: 15). أمّا ممارسة الأبوة الروحية فهي متابعة الأبناء بالوعظ والتعليم والتشجيع، وعدم الملل في التحفيز للأبناء ليسلكوا كما يحق بالإنجيل: «كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَالأَبِ لأَوْلاَدِهِ، وَنُشَجِّعُكُمْ، وَنُشْهِدُكُمْ لِكَيْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ ِللهِ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَمَجْدِهِ» (1تس2: 11-12) (Encouraging, Comforting and Urging) وأخيرًا على الأسقف أن يكون أبًا للكل لأن الأبوة الروحية تشمل كل الشعب.. وبالتالي تحتاج كأسقف أن تتعامل مع كل ابن بالطريقة المناسبة له: «فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ. وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ للهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا» (1كو9: 20-22)أمّا الانشغال عن الأبوة الحقيقية فينتج عنه مشكلة كبيرة وهي فقدان الأبناء.. يذهبون وراء آخر.. أيّ آخر يبدي لهم اهتمامًا بأحوالهم وقضاياهم.. انشغال داود عن الشعب أعطى الفرصة لـ"أبشالوم" لسرقة قلوب الشعب إذ كان أبشالوم يتواصل مع مَنْ يأتي لداود ويقول لهم: «انْظُرْ. أُمُورُكَ صَالِحَةٌ وَمُسْتَقِيمَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ مَنْ يَسْمَعُ لَكَ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ» (2صم15: 3). وكانت النتيجة أن 200 من الشعب ساروا وراء أبشالوم ببساطة ودون تمييز: «وَانْطَلَقَ مَعَ أَبْشَالُومَ مِئَتَا رَجُل مِنْ أُورُشَلِيمَ قَدْ دُعُوا وَذَهَبُوا بِبَسَاطَةٍ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ شَيْئًا» (2صم15: 11). للحديث بقية قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
06 أكتوبر 2022

شخصيات الكتاب المقدس يشوع

يشوع "موسى عبدي قد مات فالآن قم اعبر الأردن" ( يش 1: 2) مقدمة على النصب التذكاري للأخوين يوحنا وتشارلس ويسلي في مقابر وستمنستر في لندن كتبت هذه العبارة: "الله يدفن العاملين.. ويستمر في العمل" وهي عبارة صادقة عظيمة غزيرة المعنى، إذ تبين أن الإنسان يموت، والله يبقى، وأن العالم يسقط من القائد ليتسلمه آخر،.. لأن الله هو العلم الحقيقي الذي يظلل جميع أعلام الأرض "يهوه نسى أو الرب رايتي، كان موسى من الرجال الذين يصح تجاوزاً أن يدعوا "فلتات" في العصور كلها، إذ ليس في كل التاريخ من يمكن أن يرتقي إلى مثاله، سوى أعداد ربما لا تعد على أصابع اليد الواحدة، وصعد موسى على رأس الفسجة، ومات هناك بقبلة من الله، كما ألف التقليد اليهودي أن يقول، ودفنه الله، ولم يعلم قبره حتى اليوم، لأن مكانه الحقيقي كان في السماء، ولئلا يتحول قبره إلى مزار يتجه إليه الإسرائيليون، ويعبدونه، كما عبدوا من قبل العجل الذهبي الذي حطمه وذراه على وجه المياه، ليبقى وجه الله وحده المعبود الذي لا يعبد سواه!!.. مات موسى وحل مكانه يشوع -على الفارق بين الشخصيتين أو المهمتين، مات عملاق التاريخ، وحل محله الثاني- وإن لم يستطع أن يتطاول إلى ارتفاعه ومقامه- وكان إلى جانبه كما يبدو الظل إلى جانب الحقيقة،.. لكن كليهما في الواقع كان ظلاً باهتاً للآتي فيما بعد، الذي قال عنه موسى! "نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم له تسمعون" وقال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لأنه لو كان يشوع أراحهم لما تكلم بعد ذلك عن يوم آخر". كان موسى أو يشوع رمزاً ليسوع المسيح الآتي في ملء الزمن بعدما يقرب من خمسة عشر قرناً من الزمان!!.. وسيدفن الله العاملين وسيستمر هو في عمله الفدائي العظيم، حتى يرث الأرض وما عليها، وتصبح أعمالك كلها للرب ولمسيحه!!.. وسيبقى مؤكداً ما قالته العجوز التي سمعت صارخاً يقول يوم موت يوحنا ويسلي: ماذا نعمل لقد مات ويسلي؟.. وصرخت المرأة في وجهه قائلة! مات ويسلي ولكن الله حي لا يموت!!.. وها نحن اليوم سنتابع الرجل التالي لموسى، الذي سمع القول الإلهي: موسى عبدي قد مات فالآن قم اعبر الأردن!!.. من يكون هذا الرجل؟!! وما رسالته؟!! وما يد الله في هذه الرسالة؟!! وما هو الرمز البعيد لرسالة الأعظم الآتي فيما بعد؟!! هذا هو موضوع بحثنا ودراستنا في دراسة هذه الشخصيات!!.. يشوع المجهز من الله للعمل بعد موسى كان اسمه في الأصل "هوشع" أو "خلاص" ودعاه موسى "يشوع" أو "خلاص الله" ولد في مصر عبداً في بيت العبودية، ومن نسل يوسف، وسبط إفرايم، وهو الحادي عشر من سلسلة أحفاد يوسف، وكان أبوه "نون" وجده "أليشمع" الذي كان رئيساً لبني إفرايم عند الخروج،.. ومن المؤكد أنه كان فوق العشرين، وربما في الثلاثين من عمره، عندما ترك مصر، إذ كان كما يصفه الكتاب غلام موسى الذي يحرس الخيمة، عندما يتركها الرجل العظيم، وكان هو وزميله كالب بن يفنة اللذين نجوا من الموت، من كل الجيل الذي فوق العشرين الذي سقط في البرية لتمرده وعصيانه على الله!!.. وعلى أي حال لقد جهز الله يشوع في بطن الزمن ليكون الرجل التالي بعد موسى، وكان تجهيز الله له عميقاً وبعيداً، من مطلع الحياة، وربما لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن عناصر هذا التجهيز بدأت أولاً بالمرارة النفسية العميقة، إذ ولد الصغير وشب ليدرك أنه عبد في مصر، تحكمه كل قواعد العبودية القاسية، وكان وهو يتدرج نحو الشباب، تثور نفسه بثورة عارمة هائلة، وهو يرى السخرية والقسوة ومذلة الشعب، ولا أعلم ماذا أصابه هو شخصياً من هذه كلها، إنما أعلم أن الآلام دائماً تعد النفوس النبيلة لمستقبلها العظيم،.. عندما أبصر ابراهام لنكولن فتاة تباع في سوق النخاسة، وتعرض أمام الناس كما تعرض السائمة، يتزايد عليها المشترون، رأى الإنسانية تباع وتشترى في هذه الفتاة، فآلى على نفسه، أنه إذ واتته الفرصة لابد أن يحرر بلاده من هذه الوصمة، ويضع أكثر من ذلك مسماراً كبيراً في نعش الاستعباد، وقد تم له ما أراد، وإن كان قد دفع حياته ثمناً لهذه الحرية الغالية!!.. فإذا كان الاستعباد هو الذي حرك موسى ليكون محرراً للأمة،.. فإنه كان النخاس القاسي في صدر يشوع حتى لا يقع الشعب مرة أخرى فريسة الذل والألم والتعاسة والشقاء،.. كان رائداً من رواد الحرية، دخل الحرب بأمر الله، وكان مثل "غريبلدي" الذي تستهويه المعارك لا في إيطاليا وحدها، بل في كل مكان يرى فيه الاستعباد جاثماً على صدر الناس،.. لكن المرارة وحدها، لم تجهزه، بل لعله أدرك أنه ينتمي إلى جد عظيم تشرب الكثير من روحه وسيرته، وعندما مات هذا الجد في مصر دفن في تابوت وحنط هناك، وحمل التابوت بكل إجلال وإكرام يوم الخروج من مصر، وحمله سبط إفرايم الرحلة كلها، ولعل الشاب يشوع كان يأتي بين الحين والإخر، ليرى التابوت، والرجل المسجى فيه، والتاريخ العظيم لهذا الجد القديم، التاريخ الحافل بأروع السير وأمجد الذكريات، ولعل يشوع وقف مرات متعددة، وهو يعاود معنى الحياة وقصتها، ومغزاها، في هدوء الصحراء وعزلتها، وفي أعماق الليل، حيث تلمع فوقه النجوم وتضيء، ويتذكر يوسف في إيمانه وحياته ووداعته ورسالته، وهو يأمل أن يكون بصورة ما امتداد لهذه القصة العظيمة، وبالأسلوب الذي يريده الله أن يكون،.. في الحقيقة إنه شيء مجيد أن يعود الإنسان في رحلة الحياة إلى ذكريات أبائه وأجداده، والتاريخ البعيد القديم إن كان من حظه أن يكون له مثل هذا التاريخ، ليقول مع بولس: "الله الذي أعبده من أجدادي". ولعله من حظ كل إنسان سعيد أن يسير على الدرب الطويل لآبائه وأجداده، فمن أعطاهم الله مثل هؤلاء الآباء والأجداد، كالركابيين الذين رفعوا رؤوسهم أمام إرميا النبي، قائلين بكل نشوة وفخر: "فسمعنا لصوت يوناداب بن ركاب أبينا في كل ما أوصانا به".. كانت عظام يوسف تتحدث في صمت طوال الطريق إلى يشوع بن نون ابنه!!.. على أن الأمر مع ذلك كان أكثر عنده، إذ كانت هناك صحبة موسى العملاقة، كان يشوع محظوظاً جداً، إذ عاش في صحبة موسى، وفي خدمته، وكانت العلاقة بين الاثنين من أسمى وأعمق وأرقى وأوفى العلاقات على الإطلاق، فموسى أحبه كنفسه وكان دائماً أقرب إلى قلبه من أي شخص آخر، حتى ولو كان هذا الشخص جرشوم وأليعازر ابنيه،.. وكان الغلام يغار لموسى غيرة عظيمة، إذ كان هو الوفاء مجسماً لأبيه الروحي العظيم، وعندما أبصر اليداد وميداد يتنبآن في المحلة، طلب من موسى أن يردعهما، إذ لا يجوز لأحد أن يرتفع إلى مقام القائد العظيم، ورد عليه موسى قائلاً: أتغار أنت لي، دعهما يتنبآ، ويا ليت شعب الرب كله أنبياء،.. وما من شك بأن هذه الصحبة التي عاشت إلى آخر حياة موسى، طبعت يشوع بأقوى الانطباعات وأسماها، وأن الشاب إذ كان قد أخذ من ذكريات يوسف جده الكثير فإنه أخذ الأكثر من الصحبة الرائعة لموسى معلمه وأستاذه!!.. وكان يشوع مجهزاً بالتقوى العميقة، بالتقوى التي صاحبته إلى آخر عمره، في مطلع حياته وفي نشوة الصبا، وحلاوة الأيام، قيل عنه: "وإذا رجع موسى إلى المحلة كان يشوع بن نون لا يبرح من داخل الخيمة".. وفي خيام الحياة، وهو يواجه الشعب، قال قوله العظيم: "إن ساء في أعينكم أن تعبدوا الرب فاختاروا لأنفسكم اليوم من تعبدون.. أما أنا وبيتي فنعبد الرب".. كان قلبه عامراً بالحب الإلهي، والله في العادة عندما يختار العاملين ينظر: "ليس كما ينظر الإنسان لأن الإنسان ينظر إلى العيني وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب".. وعندما نظر إلى القلوب، لم ير هناك قلباً بعد موسى أصلح لقيادة الشعب من قلب يشوع بن نون!!.. وكان يشوع مؤمناً، وهو من ذلك النوع من المؤمنين الذين لا يبالون بالعدد الذي يمكن أن يقف إلى جوارهم، فسواء وقفوا منفردين، أو وقف إلى جانبهم الجمهور الغفير، فإنهم يحملون ذات الإيمان دون تراجع أو رهبة أو تزعزع، بل إنه من ذلك النوع من المؤمنين الذين يرون كل شيء في ضوء الإيمان، فإذا واجهوا العمالقة بعين الإيمان، فهم في نظرهم أقزام، في الوقت الذي يراهم الغير بالعين المادية، وكأنهم أكثر طولاً، وكأن نفوسهم في الوقت عينه أحقر قدراً وأضأل شأناً!!.. وقد أضاف يشوع إلى الإيمان، اختباره في الحياة والمعارك، لقد خرج من مصر مزوداً بمعجزات الإيمان العظيم، ولقد عبر في البحر الأحمر، وهو يرى المعجزة الكبيرة، وكان كل يوم يلتقط المن المرسل من السماء، وكان يرى المياه تتفجر من الصوان في الصحراء!!.. ولم يقف الأمر عند هذا، بل دفعه موسى في صدر الشباب إلى قيادة المعركة مع عماليق، وذهب الشاب، وحارب العمالقة ورأى السند الإلهي، في عصا موسى المرتفعة، فهو يغلب إذا ارتفعت العصا، وهو يهزم إذا كلت ذراع موسى عن رفعها، وهو يتعلم من هذا كله كم يفعل الإيمان في حياتنا، عندما نؤمن بإله عظيم!!.. وقد كان ليشوع الشجاعة الخارقة التي استندت إلى الإيمان العميق، فإذا كان من مشيئة الله أن يعيش طوال عمره محارباً،.. فإن حربه دائماً ترتكز على الثقة والإيمان بالله!!.. كانت نعمة هذا الإنسان مع كل هذه الوداعة الهائلة، فهو خادم لموسى مخلص غيور وديع متضع، لا يكاد يرى نفسه أهلاً أن ينحني ويحل سيور حذاء قائده العظيم، وأنت لا تسمع منه فخرآً بالانتصار على عماليق، ولا ترى منه مكاناً إلا حيث يأمره موسى، أو حيث يجلس في خيمة الاجتماع دون أن يبارحها وكأنما يستمع إلى صوت من موسى يأتي بعد خمسة عشر قرناً من الزمان: "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم!!. كان يشوع بن نون الشاب المجهز بالتواضع لخدمته العظيمة!!. يشوع البديل لموسى وهل يمكن أن يكون هناك بديل لموسى؟ وهل يمكن أن يرفع أحد قامته إلى مستوى قامة موسى؟.. إن موسى فلتة من فلتات الدهر، وقد لا يجد التاريخ في أي سبط من أسباط إسرائيل من يجوز أن يقف إلى جواره، أو يصبح له نداً، إلا واحد من سبط بنيامين سيأتي بعد أربعة عشر قرناً من الزمان، هو شاول الطرسوسي،.. مثل موسى وبولس من أندر الشخصيات التي تخرج إلى معالم الحياة، لتقف وراء ذاك الذي ولد والرئاسة على كتفيه،.. في الحقيقة إن موسى بهذا المعنى ليس له بديل، فهو وحده رجل الشريعة، وهو رجل العبور، وهو الرجل الذي قاد الشعب بحنكة وفطنة ليس لهما ضريب أو مثيل!!.. لكن موسى قد مات، فهل يمكن أن يكون هناك بديل؟!!.. هذه الظاهرة العجيبة نجدها على الدوام في شتى الصور وكافة المجالات أو الميادين، فإنك لن تجد مثيلاً لهوميرس الشاعر الإغريقي، أو شكسبير عند الإنجليز، أو جوته عند الألمان، ولن تجد ضريباً لدانتي والكوميديا الإلهية، وملتون والفردوس المفقود والمردود،.. وفي عالم النحت أو التصوير لن تجد مثيلاً لميشيل أنجلو أو رفائيل، أو هولمان هانت، وفي عالم الموسيقى قد لا تجد كثيراً على مختلف العصور مثل بيتهوفن وموزار وهاندل وغيرهم من العمالقة بين الناس.. وفي الكنيسة لم تجد العصور الأولى من حل محل بطرس ويعقوب ويوحنا، ومهما كان تقديرنا لأغناطيوس وبوليكاربوس وهرمس وأكلمندس،.. فإنهم لا يمكن أن يرتقوا إلى مركز التلاميذ العظام الذين بذروا بذرة المسيحية وراء يسوع المسيح. ومن النادر حقاً أن ترى أوغسطينس، وتوما الأكويني، ولوثر، وملانكثون، وكلفن، وچون فوكس، ويوحنا ويسلي، فهم لا يظهرون إلا لماما مع القرون أو الأجيال!!.. ومع ذلك يأتي السؤال: هل تقف القافلة أو يتوقف الركب، عندما يقال: "موسى عبدي قد مات؟".. كلا وإلى الأبد كلا،.. فموسى في أفضل حالاته، ليس إلا عصا بيد الله، وإذا سقط العلم، فسيأتي آخر بملكات أخرى، وبمواهب أخرى وبوزنات أخرى، لعمل يختلف تماماً عن عمل موسى ورسالته،.. وسيقول الله لمن يأتي: قم اعبر الأردن الآن!!... إن البديل هنا -وللأسف- لم يكن ابني موسى، أو واحداً منهما، بل كان يشوع بن نون،.. إن عمل الله لا يمكن أن يؤخذ بالوراثة، كما أن أولاد الأبطال قد لا يكونون بالضرورة مثل آبائهم، وقد تخلف النار رماد كما يقولون.. وقد يخلف صموئيل النبي العف النبيل، من لا يسير وراءه من أبنائه في ذات المنهج والسلوك والاتجاه،.. ولعل موسى كان خفيض الرأس من هذا الجانب، ولعله كان يتمنى أن واحداً من ولديه يرتفع إلى مستوى الزعامة والقيادة، دونه أن يصبح نكرة أو مجهولاً بين الناس،.. ومع أنها النعمة وحدها هي التي تفصل بين الأولاد أنفسهم، فتجعل واحداً منهما يعقوب والآخر عيسو،.. إلا أن الكثيرين مع ذلك ما يزالون يسألون: لماذا لا يكون أولاد العظماء، عظماء كآبائهم؟! وعلى من تقع التبعة من هذا القبيل، هل تقع على الأب؟ وهل كان موسى مزدحماً بالعمل إلى الدرجة التي لم يعط فيها وقتاً لولديه ليتدربا على القيادة والزعامة؟ أم أن الأم صفورة كانت هي السبب، إذ لم تملأ الفراغ الذي تركه في البيت ازدحام موسى في الخارج بحياة الشعب ومشاكله؟؟ وهل لم تدرك صفورة التي أنقذت موسى عندما لم يختن ابنه الثاني في يوم السفر، إذ كان مزدحماً بالعمل، وافتدته صفورة إذ قامت بعملية الختان لولدها،.. هل لم تستطع صفورة، وقد تعلمت من هذا درساً أن تختن قلب ولديها ليصبحا قائدين عظيمين في إسرائيل؟؟ على أي حال إن الخدمة الدينية لا تورث، وموسى يؤمر وقد أوشكت أيامه على الانتهاء أن يأخذ "يشوع بن نون رجلاً فيه روح وضع يدك عليه".. ويفعل موسى، ويعبر البديل عن ولديه إلى ابنه بالروح المعين من قبل الله!!.. إن البديل قد يختلف عقلاً وأسلوباً عن الذي يأخذ مكانه، ولكنه لابد أن يكون من روحه في الأمانة والغيرة والحب لخدمة الله والتفاني فيها،.. ولابد للبديل -قبل غيره- أن يتأكد أنه لم يأخذ الخدمة استحساناً أو بمشيئة إنسان، بل من الله رأساً، وهو سيستريح ويسعد ويقوى وينتصر، طالما تأكد أنها دعوة الله العليا التي عليه ألا يتردد في قبولها، مهما كانت جبال المشكلات والصعاب أمامه: "لأنه من أنت أيها الجبل العظيم، أمام زربابل تصير سهلاً".. لأنه سيأخذ الضمان الإلهي من الله، الذي كما سار مع موسى سيسير مع يشوع أيضاً!!.. وسيجد الله البديل، وسيمكنه من الخدمة الناجحة، وسيسانده بالصورة العظيمة التي تواجه مشاكل الخدمة المعقدة، ولن يلتفت الناس إلى موسى أو يشوع بقدر ما يلتفتون إلى صانعهما كليهما للخدمة التي سبق فأعدها لهما!!.. ولن نقف هنا قليلاً إلا لنحني الرأس إجلالاً لموسى، الذي -وقد اقترب من النهاية- كان مشغولاً بالبديل: "وقال الرب لموسى اصعد إلى جبل عباريم وانظر الأرض التي أعطيت لبني إسرائيل ومتى نظرتها تضم إلى قومك أنت أيضاً كما ضم هرون أخوك لأنكما في برية صين عندما مخاصمة الجماعة عصيتما قولي أن تقدساني بالماء أمام أعينهم ذلك ماء مريبة قادش في برية صين فكلم موسى الرب قائلاً: "ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلاً على الجماعة، يخرج أمامهم ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكي لا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها".. ومن حقنا أ ن نحيي موسى هنا، الذي لم ير نفسه فرداً لا نظير له، بل تمنى آخر يملأ الفراغ الذي يوشك أن يتركه!!.. إنه أشبه بخادم عظيم يرعى كنيسة من أكبر الكنائس، وكان مشغولاً بمن يمكن أن يخلفه، وصلى إلى الله، وجاء الله بالخلف، ونظر إليه الشيخ الكبير في سرير المرض، واقترب منه الخادم الجديد فاحتضنه وقبله، ونام هادئاً، لأن الله يأخذ الخدام، ولكنه يبقى الخدمة على الدوام مستمرة!!.. يشوع والسند العظيم بكى بنو إسرائيل موسى في عربات موآب ثلاثين يوماً، فكملت أيام بكاء مناحة موسى، ولم يعش يشوع أو الشعب في مناحة على القائد الراحل.. لقد سقط موسى، وذهب العمود الكبير،.. لكن يشوع رأى الأعظم والأمجد، رأى رئيس جند الرب، وخلع يشوع نعله من قدميه لأن الأرض التي يقف عليها أمامه أرضاً مقدسة، لم ير يشوع هذا الرئيس في حياة موسى، ولكنه رآه بعد رحيله،.. لم ير إشعياء رب الجنود إلا في السنة التي توفى فيها عزيا الملك،ولعله من الهام أن نلاحظ أن يشوع في هذه الرؤيا بدأ من الرؤيا التي بدأ منها موسى، إذ أن ملاك الرب الذي ظهر لموسى في العليقة، هو هو بعينه الذي ظهر ليشوع، واستمع يشوع إلى ذات الكلمات التي استمع إليها موسى قال له الله: "اخلع حذاءك من رجليك لأن الأرض التي أنت واقف عليها أرض مقدسة!!.. ولعله من المناسب أن نلاحظ أن الله لم يأت عند موسى، ويقف أو يتوقف عمله، بل مد يده إلى يشوع أيضاً!!.. ومن اليد التي مدها، نراه هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد، قد يتغير الناس، ولكنه هو هو لا يتغير: "لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك كما كنت مع موسى أكون معك لا أهملك ولا أتركك".. وعمل الله لن يصبح بين الناس شيئاً ماضياً فقط، بل لابد أن يصبح حاضراً ومستقبلاً أيضاً، وهذا العمل يتحرك من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى عصر، والنعمة الإلهية ستجد دائماً أمامها العمل المناسب الذي ينبغي أن يعمل، والشخص المناسب الذي يمكن أن يكون واسطة هذه النعمة بين الناس،.. إننا ننظر إلى الماضي لا لنتجمد هناك، أو نقرأ قصة لا يجوز أن تتجدد وتتكرر، إن الله إله إبراهيم، هو أيضاً إله اسحق ويعقوب، وإله موسى هو أيضاً إله يشوع وجدعون وصموئيل والأنبياء،.. وإن إله العهد القديم هو هو بعينه إله العهد الجديد، وسيعمل الله طالما كانت هناك قضية منتصبة أمام عينيه، وطالما كان هناك الإنسان الذي يخلع حذاءه توقيراً للرؤيا الإلهية، وهو يرى رئيس جند الرب وقد وقف قبالته وسيفه مسلول في يده! وحقاً إن الله -كما قال أحدهم- لم يفرغ جهده كله مع موسى، بل إن مخازنه مليئة بالنعمة والإحسان والرحمة لمن ينتظر ويستقبل!!.. والدين ليس تراث الماضي أو العمل الذي انتهى مع الأيام!!.. يشوع والمعركة الكبيرة إذا كانت سياسة الله ثابتة لا تتغير، فإن أساليبه بغير حدود أو انتهاء، وهو في كل الظروف والأحوال يطلب أن نتأكد أنه في الطليعة على الدوام،.. وكانت الخطة الأساسية في المعارك المجهولة أن يمضي التابوت واضحاً أمام جميع الشعب، وأن يرى القائد رئيس جند الرب معه، وأن يعلم الكل أن حقيقة المعركة ليست هي جهداً بشرياً خارقاً، أو معركة الأسلحة أو الأعداد المتكافئة، أو المختلفة التكافؤ، بل أن جوهر المعركة: أن الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون!!.. هذه المعركة الكبيرة لا يمكن أن تنجح، حيث هناك الفساد والخطية، والله لا يحارب في معارك الخطاة، وهو لا يمكن أن يساند يشوع وهناك عخان المختلس السارق، ولن تنجح المعركة ما لم تدفن الخطية في وادي غخور، ويصبح هذا الوادي بعد ذلك باباً للرجاء!!.. لم تستطع السبعة الأوتار الطرية التي قيد بها شمشون، أو الخصل السبع من شعر رأسه المربوطة في الوتد، أو سدى النسيج أن تهزمه أو تضعفه، ولكن الجبار سقط عندما ضاعت معاهدته مع الله بحلق شعره،.. إن المعركة الصحيحة الناجحة تتطلب أولاً وأخيراً فحص النفس في حضرة الله، والتخلص من كل شر أو خطية أو دنس أو فساد!!.. والمعركة الكبيرة مع ذلك ليست شيئاً سحرياً يأتي إلى الإنسان وهو قابع في مكانه يحلم بها بل هي جهد واضح يتحقق فيه القول: "كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى" وما لم تدس الأقدام المكان، فهو أبعد من متناول طالبيه أو منتظريه!!.. إن الله لا يعطي وعده للكسالى والنيام، لكنه دائماً يعطي أرضه للنفس الراكضة والقدم المتحركة، ولعله من الملاحظ أن الأرض الموعود بها لم يأخذها يشوع أو شعب الله بأكملها، وذلك لأنها توقفوا عن الأخذ، ولم تسع أقدامهم إلى النهاية في أرض الموعد.. هل تذكر أيها المؤمن ماذا قال أليشع ليوآش ملك إسرائيل عندما طلب منه أن يفتح الكوة لجهة الشرق ويرمي سهامه ورمى الملك ثلاث مرات ووقف وغضب أليشع وقال له لو ضربت خمس أو ست مرات لضربت آرام عدوك إلى الفناء ولكنها مأساة المؤمن عندما يقصر إيمانه، وهو يقول ما قاله آخاب: "أتعلمون أن راموت جلعاد لنا ونحن ساكتون عن أخذها".. ما أكثر ما يضيق الواقع عن العطية التي يقصد إلهنا أن يعطيها لكل واحد منا!!.. والمعركة الكبيرة لا تتطلب في واقع الأمر جهداً بشرياً، بل أن الجهد أولاً وأخيراً هو سمة الإيمان في انتظار جهد الله مع الإنسان، أو لغة أخرى في معركة الإيمان!!.. وهل في قدرة إنسان أن يوقف الشمس وحركة الليل والنهار؟؟ وأوقف يشوع الشمس والقمر في المعركة بيقين الإيمان،.. وهل في قدرة البشر أن تسقط أسوار أريحا بمجرد الطواف حولها، والهتاف في آخر طواف؟؟ ولكن: "بالإيمان سقطت أسوار أريحا بعدما طيف حولها سبعة أيام".. وما تزال هناك إلى اليوم، الأسوار العالية، والقلاع الشامخة التي بناها الشيطان في الأرض، ونحن ربما نرى الشيطان، لكننا نعجز أن نرى رئيس جند الرب الذي يأتي إلينا، وهو يريد أن يكون معنا!! ولا يطلب منا أسلحة بشرية، لأن سلاح الإيمان والصلاة واليقين بأن الذي معنا أقوى من الذي علينا، هو السلاح الوحيد الغالب المنتصر في كل معارك التاريخ!!.. هل تعلم أن الله وضع أمامي وأمامك على الدوام أرضاً يفصلها شاطيء الأردن الممتليء إلى آخر شطوطه، وأن كل جهدك أن تضع قدم الإيمان الثابتة، وسترى العجب لأن الأردن كالبحر الأحمر سينغلق أمامك، وتعبر إلى أرض موعدك وتأخذ هناك عسلك ولبنك، لأنك لست منفرداً في الطريق، بل تسير على الدوام في صحبة الله، رب الجنود!!.. يشوع والنجاح الدائم ما أجمل كلمة النجاح، يسمعها يشوع من الخطوة الأولى، وهي ليست نجاحاً متقطعاً أو محدوداً، بل هي النجاح أينما ذهب واتجه!!.. والنجاح عند يشوع مرتبط بشيء واحد: "إنما كن متشدداً وتشجع جداً لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي لا تحد عنها يميناً ولا شمالاً لكي تفلح حيثما تذهب لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك بل تلهج فيه نهاراً وليلاً لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه لأنك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح. أما أمرتك تشدد وتشجع لا ترهب ولا ترتعب لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب".. والله يأمر هنا يشوع أن يعود إلى شريعة موسى.. فهو ليس بالإنسان الذي يسير وفق هوى النفس أو حكمة الناس أو حكمته الخاصة، لقد أعطاه الله في الطريق شريعة لا يجوز أن يتنكب عنها يمنة أو يسرة، والشريعة عند يشوع كانت البداءة التي بدأ بها موسى الكتاب العظيم الذي توالت أسفاره بعد ذلك، فيما نعرف الآن بالكتاب المقدس، وهو أعظم كتاب في كل العالم، الكتاب الغني بالنور والحكمة والمعرفة والإرشاد، وقد ألقى به في تربة الأرض الإنسانية، ليخرج لها البستان العظيم الحافل بكل الأزهار والأثمار الرائعة!!.. وما من إنسان أو أمة أمسك به إلا وهداه أعظم هداية، وأروعها على هذه الأرض!!.. كان على يشوع لا أن يقرأ كتاب الشريعة فحسب، بل أن يتخذه صديقاً يومياً يسير معه كل صباح وكل مساء، كان عليه أن يخلق في نفسه وبيته وشعبه عادة التأمل اليومي في كلمة الله،.. وألم يغن صاحب المزمور الأول بهذه الحقيقة عندما قال: "لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل وكل ما يصنعه ينجح".. ومن المؤكد أن الحياة المسيحية تجف وتتنكب طريقها على الدوام. ما لم تنصت إلى الإرشاد الإلهي الذي يأتيها من كلمة الله، وحكمة الله،.. ولقد شاء الله أن يعلم يشوع درساً قاسياً في عدم الإنصات إلى الفهم البشري دون سؤال الله، في قصة الجبعونيين الذي أوهموه بأنهم آتون من بلاد بعيدة، وأن ثيابهم تمزقت، وأحذيتهم تهرأت وخبزهم أصبح فتاتاً يابسة، وهم راغبون في معاهدة صداقة وأمن، وكان حرياً بيشوع أن يعرف من الله الأمر لكنه تعجل ودخل معهم في عهد: "فأخذوا من زادهم ومن فم الرب لم يسألوا".. وسقط يشوع في الفخ، وأضحى الجبعونيين شوكة في جنوب الإسرائيليين إلى المدى البعيد، وما أكثر ما تتجدد قصة الجبعونيين مع أبناء الله في كل العصور عندما لا يأخذ الناس إرشاد الله متوهمين أن الذكاء البشري يمكن أن يعطي الجواب الصحيح!!.. وكلمة الله تعطي الفلاح عندما تسير جنباً إلى جنب مع كل أمور حياتنا!!.. ولقد وجد الكثيرون من العادة اليومية للتأمل في كلمة الله والإنصات إلى صوته فيها كل إرشاد صادق وحكيم، ويكفي أن تقرأ القصص الرائعة في حياة هؤلاء أمثال چورچ مولر، لقد قرأ الكتاب المقدس من البداية إلى النهاية أكثر من مائة مرة، وتعلم منه الفطنة والإرشاد والحكمة في تصريف الأمور، ومعرفة الرأي الإلهي!!.. ولقد تساءل في غضب "ٌإدوارد أرفنج" وهو يتحدث إلى عصره في زجر الأنبياء: "من هو الإنسان الذي يشعر بالجلال والعظمة من تلقى الكلمة المنعشة النازلة إليه من درج السماء؟!! ومن ذا الذي يشعر بوزن الحرف الواحد وقيمته عندما ينزل إلينا من فم الله؟. ومن ذا الذي يشعر بالخوف المثير والرجاء المرهب في كلمات يتعلق معها مصيره الأبدي؟ ومن ذا الذي لا يمتليء صدره بمد العرفان، كلما تذكر الفداء والخلاص بدلاً من الضياع في الهلاك الأبدي؟!!.. هذا الكتاب نتاج الفكر الإلهي، وكمال الحكمة السماوية.كثيراً ما يحظى بالاهتمام من يوم إلى يوم، وربما من أسبوع إلى أسبوع، وكثيراً ما لا يأخذ مكانه اللازم لسعادتنا وراحتنا وصحتنا الروحية، بل كثيراً ما لا نهتم به في أوقات نحن أشد ما نكون حاجة إليه، عند الآلام والضعف والمحن والأحزان!!.. ولو كان للكتب ألسنة تصرخ بها من معاملة الناس، لصرخ هذا الكتاب قائلاً: اسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض لقد جئت من حضن الله ومحبته، دون أن ألقي ترحاباً من الناس، وقبولاً كريماً،.. إني أفتح أمامكم أبواب الخلاص، وطريق الحياة الأبدية التي لم تكونوا تعرفونها، ولكني لم ألق ترحاباً بكم، بل إنكم تريدون الفصل بيني وبين سعادة الناس وبطولتهم!!.. والربط مع أمراضهم ونقصهم!!.. إنكم لم تسمحوا أن أرشدكم إلى الحكمة والفطنة، بل بالحرى طوحتم بي خلف مشاغلكم، وألقيتم بي في زوايا إهمالكم ونكرانكم.. ولو أنكم أنصتم لي لأعطيتكم السلام الذي كان لي عندما: "كنت عنده صانعاً وكنت كل يوم لذته فرحه دائماً قدامه.. لأن من يجدني يجد الحياة وينال رضا من الرب ومن يخطيء عني يضر نفسه كل مبغضي يحبون الموت" كان هذا سر النجاح عند يشوع، إذ ظل على الدوام يلهج في ناموس الرب ويعلم الشعب هذا الناموس: "وعبد إسرائيل الرب كل أيام يشوع وكل أيام الشيوخ الذين طالت أيامهم بعد يشوع والذين عرفوا كل عمل الرب الذي عمله لإسرائيل".. يشوع كرمز ليسوع المسيح ولعله آخر ما نختم به الحديث عن يشوع ذلك التشابه القائم بينه وبين المسيح، وكلاهما يحمل اسماً واحداً مع الفارق البعيد بين الرمز والمرموز، والظل والحقيقة، والأصل والتقليد!!.. وهنا يسرح خيال المفسرين المتعبدين والروحيين ويمتد ويمرح.. وعندهم أن موسى وهرون عبراً بشعب الله، ومع ذلك تركاه في القفر حتى أدخله يشوع إلى أرض الموعد، وكان موت موسى ومجيء يشوع بعده رمزاً لبقاء الناموس حتى يأتي يسوع المسيح،.. وقد أضحى يشوع قاضياً وحاكماً للأمة، ابتداء من نهر الأردن، حيث تعمد المسيح وأخذ المعمودية من هناك مركزه النبوي،.. وكما اختار يشوع من النهر اثنى عشر حجراً أقامها للشهادة، اختار المسيح تلاميذه الاثنى عشر وأقامهم للشهادة بين الناس، وكما كانت راحاب الزانية أول من آمن من الأمم، ودخلت في زمرة شعب الله، هكذا أعلن يسوع المسيح وهو يتحدث إلى اليهود عن أن العشارين والزواني سيسبقونكم إلى ملكوت الله!!.. ومهما يكن من أوجه الشبه بين يشوع ويسوع، فمما لا شك فيه أن هناك فارقاً كبيراً بين الراحة التي قدمها يشوع، والراحة التي يقدمها يسوع المسيح، لقد جاء في سفر يشوع: "واستراحت الأرض من الحرب" "فأراحهم الرب حواليهم" "والآن قد أراح الرب إلهكم إخوتكم كما قال لهم" "وكان غب أيام كثيرة بعدما أراح الرب إسرائيل من أعدائهم حواليهم" غير أن هذه الراحة هي التي أشار إليها كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لأنه لو كان يشوع أراحهم لما تكلم بعد ذلك عن يوم آخر إذا بقيت راحة لشعب الله" وليست هذه الراحة إلا الراحة التي يقدمها المسيح وفيه: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" وهي الراحة من الذنب والهم والضيق والمعاناة في هذه الأرض، والطوبى الأبدية: "هنا صبر القديسين، هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع.. وسمعت صوتاً من السماء قائلاً: لي أكتب طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم"..
المزيد
05 أكتوبر 2022

رحلة الخبر إلى أذنيك

ليس كل ما يصل إلى أُذنيك هو صدق خالص. فلا تتحمَّس بسرعة لكل ما تسمع ولا لكل ما تقرأ. ولا تتخذ إجراءًا سريعًا لمُجرَّد كلام سمعته من إنسان ما. بل تحقق أوَّلًا. واعرف أن كثيرًا من الكلام يقطع رحلة طويلة قبل أن يصل إلى أُذنيك.صدق الحكيم الذي قال "لا تُصدِّق كل ما يُقال". لهذا اجعل عقلك رقيبًا على أُذنيك، وافحص كل ما تسمعه. ولا تُصدِّق كل خبر، لئلا تُعطي مجالًا للوشاة والكاذبين، ولِمَن يخترعون القصص، ولِمَن يؤلِّفون الأخبار، ولِمَن يدسُّون ويشهدون شهادة زور. كل هؤلاء يبحثون عن إنسان سهل يُصدِّقهم. وقد قال عنهم أمير الشعراء أحمد شوقي: قد صادفوا أذنًا صفواء ليِّنة فأسمعوها الذي لم يُسمعوا أحدًا وما أجمل قوله أيضًا عن مثل هذا الذي يُصدِّق كل ما يسمعه، ويقبل الأكاذيب كأنها صدق: أثَّر البهتان فيهِ يا له من ببغاءٍ وانطوى الزورُ عليهِ عقله في أُذنيهِ نعم لو كُنَّا نعيش في عالم مثالي، أو في وسط الملائكة، لأمكنك حينئذ أن تُصدِّق كل ما تسمعه، ولا تتعب ذاتك في فحص الأحاديث ولكن ما دام الكذب موجودًا في العالم، وما دمنا نعيش في مُجتمع توجد فيه ألوان من الناس يختلفون في نوع أخلاقياتهم، وفي مدى تمسكهم بالفضيلة، فإنَّ الحكمة تقتضي إذن أن نُدقِّق ونُحقِّق قبل أن نُصدِّق، وأن نفحص كل شيء ونتمسَّك بما هو حق، ولكن قد يقول أحدهم: " إنني أُصدِّق هذا الخبر على الرغم من غرابته، لأنني سمعته من إنسان صادق لا يمكن أن يكذب" نعم، قد يكون هذا الإنسان صادقًا، ولكنه سمع الخبر من مصدر غير صادق، أو من مصدر غير دقيق... أو قد يكون الشخص الذي حدَّثك أو نقل الخبر إلى مَن حدَّثك، جاهلًا بحقيقة الأمر، أو على غير معرفة وثيقة أكيدة بما يقول ... أو قد يكون مبالغًا أو مازحًا أو مداعبًا. أو رُبَّما يكون قد أخطأ في السماع أو الفهم. أو أن المصادر التي استقى منها معلوماته غير سليمة أو رُبَّما يكون المصدر الأصلي الذي أخذ عنه هذا وذاك غير خالص النية فيما يقول، وهناك أسباب شخصية تدفعه إلى طمس الحقائق، أو إلى الدَّس والإيقاع بين الناس. أو قد يكون من النوع الذي يتباهى بمعرفة الأخبار والسبق إلى نشرها بين الناس. فيقول ما يصل إليه بسرعة بدون تحقيق... وقد يكون مُحبَّا للإستطلاع، يلقي الخبر ليعرف ما مدى وقعه على الناس ولكن رُبَّما يقول القائل: " إني لم أسمع هذا الخبر من فرد واحد فقط، إنَّما من كثيرين، مما يجزم بصحته" فنقول: إنه لا يصح أن نحكم عن طريق السماع دون تحقيق، حتى لو سمعنا من كثيرين فما أكثر ما يكون كلام الكثيرين على وفرة عددهم، له مصدر واحد مخطئ ... وما أكثر ما تتفق جماعة كبيرة من الناس على كذب مشترك، وفي التاريخ أمثلة كثيرة عن هذا الأمر. وما أكثر ما تتفق مجموعة من شهود الزور على أمر ما، وهكذا تفعل أيضًا مجموعات من ناشري الشائعات إنَّ وصية "لا تشهد بالزور" كما أنها موجهة إلى المُتكلِّم، هى أيضًا موجهة إلى السامع. فالذي يسمع الكذب ويقبله، إنَّما يُشجِّع الكاذب على الاستمرار في كذبه. وبقبوله، يحيط نفسه بأُناس مخطئين غير مخلصين وكذلك فإنَّ ناقل الكذب يُعتبر كاذبًا، وشريكًا في نشر الكذب. وقد يقع تحت هذا العنوان أيضًا مروجو الشائعات الكاذبة. بل قد يقع في هذا الفخ، البسطاء الذي يُصدِّقون كل ما يسمعونه! ويتكلَّمون عنه. كأنه حقيقة، دون فحص أو تدقيق. وفي الحقيقة لا نستطيع أن نُسمِّي مثل هذه بساطة. لأنَّ البساطة في جوهرها هى عدم التعقيد، وليس قلة الفهم أو البعد عن الحكمة والتدقيق. ونحن نؤمن بالبساطة الحكيمة، وبالحكمة البسيطة اثنان يشتركان في خطية الكذب: قابل الكذب، وناقل الكذب. وكلاهما يشتركان مع الكاذب الأصلي في نشر كذبه وإن كانت بعض المشاكل تتسبَّب أحيانًا من نقل الكلام، فإن أقل الناس ضررًا مَن ينقلون الكلام هم، كما يفعل جهاز تسجيل الصوت ( الريكوردر ) الأمين المُخلص، الذي لا يزيد شيئًا على ما قيل، ولا ينقص، بل يُعطي صورة دقيقة صادقة عمَّا قيل إنَّما بعض الأشخاص قد يسمع كلامًا، فيتناوله ويضيف عليه رأيه الخاص ومفهومه الخاص، واستنتاجه وأغراضه وظنونه، ويُقدِّم كل ذلك معًا لإنسان آخر، كأنه الكلام المُباشر الذي سمعه مِمَّن نطق به!! انظروا يا إخوتي ماء النيل وقت الفيضان، وهو بني اللون من كثرة ما حمل من طمي ... هذا الماء كان في أصله ماءً نقيَّا صافيًا رائقًا عندما نزل مطرًا من السماء على جبال الحبشة. ولكنه طوال رحلته في الطريق، كان ينحت الطمي من الصخور، ويختلط بالطين حتى وصل إلينا في الفيضان بصورته وهو بُني اللون طيني هكذا كثير من الأخبار التي تصل إليك مُشبَّعة بالطين، رُبَّما كانت رائقة صافية في بادئ الأمر. والفرق بينها وبين ماء النيل، أن طينه مُفيد للأرض. أمَّا الطين الذي خلطه الناس في نقلهم للأحاديث، فإنه ضار وخطر ومُفسد للعلاقات. كثير من الأخبار عندما تصل إليك، تكون أخبار مختلفة جدًا عن الواقع. وسأضرب لذلك مثلًا: مُجرَّد خبر هو: حدث حوار ساخن بين صديقين في أحد الموضوعات. وصل هذا الخبر إلى زميل لهما فقال: "وقد سمعت أن أحدهما جرح شعور صديقه أثناء الحوار جرحًا غائرًا، وأهانه إهانة شديدة". ووصل هذا الكلام إلى شخص آخر، فأضاف: " وطبيعي أن هذا الذي أهين قد غضب غضبًا شديدًا وتألَّم". ووصل الخبر إلى شخص ثالث، فقال: " وسمعت أيضًا أنه قال بعد ذلك: " صديقي هذا هو خطيب أختي. فإن تزوَّجها سوف يهينها كما أهانني، ويجعل حياتها مُرًّا وعلقمًا". ووصل هذا الكلام إلى شخص رابع، فأضاف: " وقد سمعت أنه ذهب إلى أسرته محملًا بهذه المشاعر، وحكى لهم كل شيء وهو متضايق ومتألِّم". وسمع هذا الكلام شخص خامس، فقال: " وطبيعي أن أب هذه الأُسرة قال في اجتماع عائلي: نشكر اللَّه الذي كشف لنا هذا الشخص العنيف قبل أن يتزوج ابنتنا. لا شكَّ أنه إذا تمَّ زواجه بها، سيجعل حياتها جحيمًا لا يُطاق". ووصل هذا الكلام إلى شخص سادس، فقال: " ولابد أنه في اجتماع الأُسرة نوقش موضوع فك تلك الخطوبة". ووصل هذا الكلام إلى شخص سابع، فأسرع ونشر خبرًا في إحدى المجلات بعنوان: (مأساة فتاة مخطوبة)، قال فيه: "حدثت مشادة حامية بين صديقين، أدَّت إلى خلاف بينهما، ثم بين أُسرتيهما. وانتهى بفك الخطوبة التي بين أحدهما وأخت الآخر. وانتظروا التفاصيل بالأسماء في العدد المُقبل".« حدث كل هذا بينما الصديقان اعتبرا حوارهما موضوعيًا وليس شخصيًا. وخرجا منه وهما في صفاء تام، دون أن يترك أي أثر سيئ في نفسية أحدهما ضد الآخر. ولكن هكذا كانت رحلة الخبر عن حوارهما الساخن.لذلك أقول مرَّة أخرى: لا تُصدِّق كل ما يُقال. بل حقِّق ودقِّق، قبل أن تُصدِّق. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية
المزيد
04 أكتوبر 2022

العين البسيطة

فان كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا (مت 6: 22) مدخل الخطايا هو الحواس فهى ترسل الإشارات إلى العقل والعقل يفكر، ثم ينزل نتاج التفاعل إلى القلب, هناك تُعقد الصفقات, وعندما قال السيد المسيح كل من ينظر الى امراة ليشتهيها(أى بقصد الشهوة) فقد زنى بها في قلبه (متى 5: 28) فإن هذا يعني أن الخطية قد أصبحت جاهزة لتتحول إلى فعل القائم، وتدخل إلى حيز التنفيذ وهناك فرق بين النظرة البسيطة العابرة والنظرة الثاقبة الفاحصة.. هناك فرق بين شخص نظر وآخر استرق النظر (سرقه) وشخص سمع وآخر استمع (قصد السمع) وشخص شمَّ وآخر تشمم شخص لمس وآخر تلمّس (قصد اللمس). لذلك فإن العين البسيطة هى تلك التي لا تشبع من النظر وبالعفة تنظر في كل شئ وفي كل أحد لذلك يوصي الآباء ألا نملأ أعيننا من شئ أو من وجه إنسان، بل بالعقة تنظر وبالحياء والأدب ننظر في وجوه الآخرين. كما ُيلاحظ أن هناك فرق بين المناظر التي نراها بشكل عابر وتلك التي تشبع منها العين وتشخص فيها طويلا، ففي الحالة الأولى تتكون في العقل صورة باهتة لما أبصرناه، أما في الحالة الثانية فتتكون صورة واضحة المعالم عالية النقاوة، تدوم في الذاكرة لفترة أطول. وهذا تدريب للبعض الذين يلاحظون – وهم في الكنيسة - مظهر الآخرين والأخريات، سواء من جهة الملابس أو المظهر بشكل عام مما يحملهم إمّا على لعثرة أو الإدانة أما عن قول المسيح بخصوص خلع العين "و ان أعثرتك عينك فاقلعها خير لك أن تدخل ملكوت الله أعور من أن تكون لك عينان وتطرح في جهنم النار (مر 9: 47) فليس المقصود الخلع الفعلي لهذا العضو في الجسد، وإنما علينا أن نعرف أن هناك عيناً داخلية هي التي توجه العين الخارجية, وهكذا بقية الحواس كما يجب أن تكون هناك حراسة قوية على الحواس وهو ما ُيسمّى بـ" ختــان الحواس" أى جعلها طاهرة مقدسة أما عن كيفية تقديس الحواس فإن تقديس العين يأتي بالشخوص في الأيقونات وتقديس الأذن يأتي بسماع الألحان وتقديس الأنف ببخور الصلوات وتقديس اللسان بالصلاة والتسبيح وتقديس اللمس بلمس الأشياء المدشنة مثل أجساد القديسين . نيافه الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف المنيا وتوابعها
المزيد
03 أكتوبر 2022

عمق التسبحة في كنيستنا القبطية (1)

التسبيح هو عمل الملائكة النورانيين الماثلين أمام عرش الله كل حين يسبحونه بغير فتور، لأن لذّتهم وشبعهم وراحتهم وسعادتهم في تسبيح الله خالقهم.التسبيح هو أعلى درجات الصلاة والحديث مع الله.التسبحة هي اشتراك مع القوات السمائية في تسبيح الله.الذي يشترك في التسبحة هو عضو في خورس كبير بعضه في السماء وبعضه في الأرض، يشتركون جميعًا في تسبيح الله المستحق كل تمجيد وتسبيح وشكر.يقول القديس غريغوريوس في قداسه التأملي العميق: "الذي ثبّت قيام صفوف غير المتجسدين في البشر" (أي الذي جعل خوارس المُسبِّحين من البشر على الأرض مثل خوارس المُسبِّحين من الملائكة غير المتجسدين في السماء).ثم يضيف: "الذي أعطى الذين على الأرض تسبيح السيرافيم، اِقبل منّا نحن أيضًا أصواتنا مع غير المرئيين، احسبنا مع القوات السمائية".التسبحة هي التراث الآبائي الثمين المحفوظ في كنيستنا المقدسة بمعانيه الرائعة وألحانه العميقة التي ترفع الروح إلى السماء.التسبحة تتكفّل بتغطية كل نواحي وأنواع الصلاة. فيها الشكر والتمجيد والتسبيح وطلب الشفاعة والتوبة... إلخ.المؤمن الذي يتعلم التسبحة وألحانها الخاشعة الرائعة يصبح عمودًا هامًا في الكنيسة لا يمكن الاستغناء عنه، ويُحسَب خادمًا موهوبًا حاملًا لسرّ من أعزّ أسرارها وهو سر التسبيح لله.التسبحة بجانب أنها صلوات وتماجيد تُقدَّم لله بروح خاشعة وحرارة غامرة وروحانية عالية، إلّا أن بها من العقائد والإيمانيات الأرثوذكسية واللاهوتية والتأملات الروحية العميقة ما يعجز اللسان عن وصفه أو تفسيره. نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر للحديث بقية
المزيد
02 أكتوبر 2022

مقابلة ربنا يسوع مع زكا العشار

مُعَلِّمْنَا لُوقَا البَشِير بِالذَّات بِيرَكِّز عَلَى شَخْص رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح كَصَدِيق لِلإِنْسَان مُعَلِّمْنَا مَتَّى يُبْرِز رَبِّنَا يَسُوع المَلِك مُعَلِّمْنَا مَرْقُس يُبْرِز رَبِّنَا يَسُوع الخَادِم مُعَلِّمْنَا لُوقَا يُبْرِز رَبِّنَا يَسُوع صَدِيقٌ الإِنْسَان صُورِة مُعَلِّمْنَا لُوقَا الكِنِيسَة تَضَعْ مَعَهُ صُورَة شِبْه الإِنْسَان لأِنَّ مُعَلِّمْنَا لُوقَا أبْرَز رَبِّنَا يَسُوع الإِنْسَان وَمُعَلِّمْنَا يُوحَنَّا رَكِّز عَلَى رَبِّنَا يَسُوع الإِله فَمُعَلِّمْنَا لُوقَا يِعْرِض المَوَاقِفْ اللِّي رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح إِقْتَرَب فِيهَا مِنْ الإِنْسَان هذَا مَوْقِفْ مِنْ المَوَاقِفْ اللِّي رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح بِيِعْزِم نَفْسُه وَبِيْقُول مُمْكِن أجِي البِيتْ عَنْدَك ؟ دَه يَنْبَغِي أنْ أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك ( لو 19 : 5 ) أنَا لاَزِم أجِي اليُّوم عَنْدَك كُلَّ مَوَاقِفْ رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح هِيَ فَوْقَ الزَّمَنْ وَفَوْقَ المَكَان يَعْنِي هِيَّ لَمْ تَحْدُث فِي أرِيحَا وَلاَ حَدَثِتْ مِنْ 2000 سَنَة وَلكِنْ بِتَحْدُث فِي زَمَانَنَا وَفِي مَكَانَنَا نَفْس الدَّعْوَة اللِّي قَالْهَا رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لِزَكَّا أنَا يَنْبَغِي أنْ أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك هِيَ دَعْوَة مُتَكَرِّرَة لِينَا كُلِّنَا يَقُول لَنَا أنَا عَايِز أجِي أتَلاَمَس مَعَك أدْخُل جُوَّه حَيَاتَك أدْخُل جُوَّه بِيتَك لأِنْ كَانِتْ الثَّمَرَة الطَّبِيعِيَّة بِلِقَاء زَكَّا بِرَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح مِشْ مُجَرَّدٌ إِنُّه رَاح أكَل عَنْدُه وَلاَ قَعَد عَنْدُه هِيَّ تَغَيُّر حَيَاتُه يِقُول عَنْ زَكَّا أنَّهُ كَانَ رَئِيس العَشَّارِينْ وَكَانَ غَنِياً الثَّمَرَة الطَّبِيعِيَّة لِلِقَاء رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لِرَئِيس العَشَّارِينْ هُوَ تَغَيُّر حَيَاتُه فَوَجَدْنَاه يَقُول أنَا هَا أُعْطِي نِصْف أمْوَالِي لِلفُقَرَاء وَإِنْ كُنْت وَشَيْتُ بِأحَدٌ أرُدُّ لَهُ أرْبَعَة أضْعَاف ( لو 19 : 8 )تَغْيِير حَيَاة تَغْيِير عَمَلِي لِذلِك نُقَفْ وَقْفَة صَغِيرَة مَعَ مَوْقِفْ رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح وَوَقْفَة صَغِيرَة مَعَ مَوْقِفْ زَكَّا . مَوْقِفْ رَبِّنَا يَسُوع :- رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح فِي وَسَطْ الدُنْيَا المُزْدَحَمَة رَفَعْ عِينُه وَجَدْ زَكَّا مُتَسَلِّق عَلَى شَجَرَة مَدِينَة أرِيحَا مُسَمَّاه بِهذَا الإِسْم لأِنَّ رَائِحَتْهَا حِلْوَة لأِنَّهَا مَشْهُورَة بِزِرَاعِة الفَوَاكِه فَمِنْ عَلَى بُعْد كِبِير تِشِمْ رَائِحَة جَمِيلَةٌ رَائِحَة فَوَاكِه فَكَانْ فِيهَا جِمِّيزَة مِنْ ضِمْن أشْجَار الفَوَاكِه وَزَكَّا عَشَانْ دَارِس المَنْطِقَة طِلِعْ عَلِيهَا لِكَيْ يَرَى يَسُوع فَرَبِّنَا يَسُوع رَفَعْ عِينُه وَجَد وَاحِدٌ مُتَسَلِّق عَلَى شَجَرَة قَالَ لَهُ أسْرِع وَانْزِل تَعَالَ أصْل أنَا يَنْبَغِي أنْ أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك رَبِّنَا يَسُوع بِيقُول لُه * يَنْبَغِي * يَعْنِي * لاَزِم * هُوَ اللِّي بِيَدْعُوه وَبِيقُول لُه لاَزِم أجِي لَك رَبِّنَا يَسُوع هُوَ اللِّي بِيِبْحَث عَنْ الإِنْسَان هُوَ اللِّي يِفَتِّش عَنْهُ رَغْم الجَمَعْ زَحَام لكِنْ هُوَ عَارِفْ إِنْ دَه لاَزِم يَمْكُث عَنْدُه دَه لاَزِم يِتْغَيَّر دَه يَحْمِل إِشْتِيَاقَات جَمِيلَة وَلكِنْ مُسْتَعْبَد وَمَأسُور لِعَادَات رَذِيلَة يُبْقَى لاَزِم أنَا أدْخُل جُوَّه حَيَاتُه دَعْوِة رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لِينَا هِيَّ نَفْس الدَّعْوَة يِقُولَّك إِنْتَ بِالرَّغْم مِنْ إِنْ الدُنْيَا زَحْمَة مِنْ حَوْلَك لِمَاذَا أنَا ؟ يِقُول رَبِّنَا لِيك أنَا أُرِيدَك إِنْتَ لِدَرَجِة إِنْ رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح نَظَرَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا زَكَّا( لو 19 : 5 ) نَادَاه بِإِسْمُه تَخَيَّل رَبِّنَا بِيْنَادِي كُلَّ وَاحِد بِإِسْمُه وَيَقُول لَهُ أنَا اليُّوم أُرِيدْ أنْ أمْكُث فِي بِيتَك يَنْبَغِي أنْ أمْكُث فِي بِيتَك رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح قِصِّة الكِتَاب المُقَدَّس كُلُّه هِيَ هذِهِ الدَّعْوَة مِنْ بِدَايِة سُقُوط أبُونَا آدَم وَجَدْنَا إِنْ رَبِّنَا يَسُوع بِيْقُول لُه آدَم بِيْنَادِيه بِإِسْمُه بِيْقُول لُه آدَم أيْنَ أنْتَ ( تك 3 : 9 ) وَهِنَا بِيْقُول لِزَكَّا زَكَّا أسْرِع وَانْزِل يَنْبَغِي أنْ أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك يَنْبَغِي لاَزِم أنَا جَاي لِكَيْ أرُدٌ إِلَيْكَ مِيرَاثَك المَسْلُوب أنَا جَاي عَشَانْ أرَّجَعَك لِحِضْن أبُوك أنَا جَاي عَشَانْ غِيرَك إِنْتَ وَإِنْتَ بِالذَّات وَبِإِلْحَاح وَبَاقُولَّك لاَزِم أجِي إِلَيْكَ جَمِيلٌ إِنْ أنَا أشْعُر إِنْ رَبِّنَا بِيْنَادِينِي بِإِسْمِي وَعَارِفْ ظُرُوفِي وَبِيْقُولَّك أنَا لاَزِم أجْلِس عَنْدَك هُوَ يُرِيدَك إِنْتَ هُوَ يَقْرَع عَلَى بَابْ قَلْبَك إِنْتَ هُوَ يُقْصُدَك إِنْتَ أحْيَانَاً الإِنْسَان فِي وَسَطْ الزَّحْمَة يِفْتِكِر إِنُّه مِشْ مَعْرُوف عَنْدُه لاَ دَه مَعْرُوف بِالإِسْم مَعْرُوف بِالسِيرَة يِعْرَف كُلَّ أعْمَاقَك وَكُلَّ إِشْتِيَاقَاتَك هُوَعَارِفْ وَعَارِفْ المَاضِي وَعَارِفْ الضَّعْف وَبِيْقُولَّك أنَا أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك أنَا لاَزِم اليُّوم أجِي لَك وَأجْلِس مَعَك وَالعَجِيب جِدّاً إِنْ رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح هُوَ صَاحِبْ السُّلْطَان وَسَيِّد مَمَالِك الأرْض كُلَّهَا هُوَ اللِّي بِيِعْزِم نَفْسُه عَنْد وَاحِد كَرَامِة الشَّخْص مُمْكِنْ تِمْنَعُه أنْ يَقُول لِوَاحِد أنَا هَاجِي إِلَيْكَ رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لَمَّا شَافْ إِنْ إِحْنَا تَبَاطَأنَا جِدّاً فِي دَعْوِتُه فَدَعَى نَفْسُه هُوَ لِينَا رَبِّنَا يَسُوع لَمَّا لَقَى إِنْ إِحْنَا أهْمَلْنَا كَثِير جِدّاً فِي حَقٌ تُوبِتْنَا وَفِي حَقٌ خَلاَصْنَا فَوَجَدْنَاه هُوَ بِيْقُول لِينَا أنَا اللِّي هَاجِي إِنْتَ الوَاضِح إِنْ الخَطْوَة دِي صَعْبَة عَلِيك إِنْتَ مُكَبَّل وَمَأسُور وَتَعْبَان أنَا اللِّي هَادْعِي نَفْسِي إِنْتَ مِتْأخَر كَثِير جِدّاً وَتِفْضَل سَايِبْ نَفْسَك حَتَّى تَصِل إِلَى حَالْ أرْدَأ لاَ أنَا اللِّي هَاجِي أنَا اللِّي هَافْتَقِدَك وَبِإِلْحَاح . جَمِيلٌ جِدّاً فِي زَكَّا إِنُّه إِسْتَجَاب رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح مِشْ مِنْتِظِر إِنْ إِنْتَ اللِّي تَدْعُوه لكِنْ هُوَ اللِّي بِيَدْعُوك وَلكِنْ مِنْتِظِر مِنَّك حَاجَة لَوْ إِنْتَ مَعَمَلْتَهَاش هُوَ مِشْ هَا يِجِي إِنْ إِنْتَ تَسْتَجِيب لِنِدَائُه يَامَا نَاس رَبِّنَا يَسُوع بِيْنَادِي عَلِيهُم وَهُمَّ يِرْفُضُوا عَايِز يِقُولَّك كِدَه كِتِير مَعْقُول إِنْ أنَا اللِّي أدْعُو نَفْسِي وَإِنْتَ تُرْفُض وَأنَا أجِي ؟!! كِدَه كِتِير قَوِي لِذلِك نَاس كَثِيرِين رَبِّنَا دَعَاهُمْ وَقَالْ أنَا أجِي وَفِي نَاس إِعْتَذَرُوا عَنْ قَبُول الدَّعْوَة جَمِيلَةٌ جِدّاً الكَلِمَة اللِّي ذَكَرْهَا الكِتَاب المُقَدَّس إِنْ مُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول لَمَّا تَكَلَّمْ مَعَ فِيلِكْس الوَالِي يِقُول إِرْتَعَدَ فِيلِكْس الوَالِي إِبْتَدأ قَلْبُه يِتْحَرَّك إِبْتَدأ يَسْتَجِيب لِلكَلاَم وَلكِنْ لِلأسَفْ قَالَ لِمُعَلِّمْنَا بُولِس الرَّسُول إِذْهَب الآن وَمَتَى حَصَلْت عَلَى وَقْت أدْعُوك ( أع 24 : 25 ) وَلَمْ يَحْصُل عَلَى وَقْت إِنَّهَا الأن رَبِّنَا عِنْدَمَا يُنَادِيك فِي لَحْظَة لاَ تُؤَجِلْهَا يِقُول الأنْ تِقُول لُه حَاضِر يِقُول يَنْبَغِي أنْ أمْكُث فِي بِيتَك تِقُول لُه يَارَب أنَا مُشْتَاق أنْ تَمْكُث فِي بِيتِي أنَا مِنْتِظْرَك جَمِيلٌ جِدّاً أنْ أشْعُر بِعَمَل رَبِّنَا فِي حَيَاتِي وَدَعْوِتُه لِيَّ بِالتُّوبَة وَإِلْحَاحُه عَلَيَّ لَوْ عَرَفْنَا إِنْ مِنْ أهَمْ مَقَاصِد حَيَاتْنَا إِنْ الله أبْقَانَا إِلَى الأن إِلَى هذِهِ اللَحْظَة وَنَحْنُ أحْيَاء لِكَيْ نُكَمِّل تَوْبَتْنَا الله يَتَرَجَّى تَوْبَتْنَا بِالحَيَاة وَمَا الحَيَاة إِلاَّ فُرْصَة لأِسْتِجَابِة تَرَجِّي التُّوبَة زَكَّا إِسْتَجَاب زَكَّا إِسْتَجَاب قَبَلَهُ فَرِحاً رَبِّنَا عَايِز يِلْزِمْنَا أنْ نَعِيش مَعَاه رَبِّنَا عَايِز يُغْلِقٌ عَلِينَا دَوَائِر الشَّر عَشَانْ يِحْفَظْنَا رَبِّنَا يُرِيدْ أنْ يِأمِنَّا مِنْ شُرُور وَخَطَايَا كَثِيرَة إِحْنَا اللِّي نِسْعَى إِلَيْهَا فِي سِفْر هُوشَعْ يِقُول إِنْ فِيه إِمْرَأة زَانِيَة حَبِّت تُتْرُك الرَّجُل بِتَاعْهَا فَرَبِّنَا شَبِّه المَرْأة الزَّانِيَة بِشَعْبُه بِتُتْرُك الرَّجُل بِتَاعْهَا وَبِتَدَوَر عَلَى غِيرُه عَشَانْ تِعْمِل الغَلَط مَعَاه هذَا هُوَ حَال النَّفْس البَشَرِيَّة بِتُتْرُك عَرِيسْهَا وَتَبْحَث عَنْ الشَّر وَتَقْتَرِنْ بِغَيْرُه الله لاَ يَسْكُت يُكْمِل فِي سِفْر هُوشَع مَوْقِفْ ربِّنَا فَيَقُول ﴿ لِذلِك هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ وَأَبْنِي حَائِطْهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا فَتَتْبَعُ مُحِبِّيهَا وَلاَ تُدْرِكُهُمْ وَتُفَتِّشُ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَجِدُهُمْ ﴾ ( هو 2 : 6 – 7 ) رَبِّنَا عَايِز يِسَيِّج عَلِينَا فَيَقُول حَتَّى لَوْ إِنْتَ رَغَبْت أنَا هَاسَيِّج عَلِيك هَاجْعَل طَرِيقَك بِالشُوك وَأبْنِي حَائِط حَتَّى لاَ تَجِد مَسَالِكْهَا فَتَجِد مُحِبِّيهَا وَلاَ تُدْرِكَهُمْ تُفَتِّش عَلَيْهِم وَلاَ تَجِدَهُمْ ﴿ فَتَقُولُ أذْهَبُ وَأَرْجِعُ إِلَى رَجُلِي الأَوَّلِ لأِنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ لِي مِنَ الآنِ ﴾ رَبِّنَا يَتَرَجَّى التُّوبَة بِتَاعِتْنَا يُرِيد أنْ يُحَاصِرْنَا يُحَاصِرَك بِكَلِمَة بِآيَة يِسَيِّج طَرِيقَك يَضَعْ جُوَّاك إِشْتِيَاقَات إِسْتَجِيب وَتَجَاوَب مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا خَرَجُوا مِنْ أرْض مَصْر لِكَيْ يَذْهَبُوا لأِرْض كَنْعَان مَكَثُوا أرْبَعِين سَنَة تَائِهِينْ رَبِّنَا كَانْ لُه قَصْد مِنْ دَه المِشْوَار كُلُّه لَمْ يَأخُذ أكْثَر مِنْ ثَلاَثَة أسَابِيع لَوْ شَعَرُوا إِنْ الطَّرِيقٌ صَغِير أمَام أي صُعُوبَة كَانُوا يِرْجَعُوا الله أرَاد مِنْ ذلِك أنْ يَدْخُلُوا كُلُّهُمْ كَنْعَان وَلاَ يَرْجَع أحَدٌ فَيَقُول ﴿ لَمْ يَهْدِهِمْ فِي طَرِيقِ أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ مَعْ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ ﴾( خر 13 : 17) خَايِفْ عَلِيهُمْ لِئَلاَّ يَرْجَعُوا فَتَوِّهَهُمْ الله يَصِر عَلَى أنْ يِسَيِّج عَلِينَا الطَّرِيقٌ لِكَيْ لاَ نَرْتَد إِلَى الوَرَاء أبَداً هذَا هُوَ مَوْقِفْ رَبِّنَا يَسُوع أنْ أمْكُث اليُّوم فِي بِيتَك أنَا الدَّاعِي الكُلَّ لِلخَلاَص لأِجْل المَوْعِد بِالخَيْرَات المُنْتَظَرَة . مَوْقِفْ زَكَّا :- زَكَّا رَجُل غَنِي رَجُل رَئِيس عَشَّارِين سِمِعْ إِنْ يَسُوع رَايِح بَلَدُه فَكَانَ مُشْتَاقٌ جِدّاً أنْ يَرَى يَسُوع وَهذِهِ هِيَ بِدَايِة الطَّرِيقٌ بِدَايِة الحَيَاة مَعَ رَبِّنَا هُوَ الإِشْتِيَاق لاَزِم تِكُون نَفْسَك تَرَى يَسُوع نَفْسَك تَتَقَابَل مَعَاه نَفْسَك تَسْمَعُه مُشْتَاق جِدّاً أنْ تَتَلاَمَس مَعَهُ هذِهِ هِيَ البِدَايَة البِدَايَة هِيَ رَغْبَة مِنْ الدَّاخِل أمِينَة صَادِقَة لِكَيْ مَا أتَقَابَل مَعَ الْمَسِيح زَكَّا كَانْ مِتْضَايِق مِنْ حَيَاتُه فَلِذلِك كَانَ يُرِيدْ أنْ يَرَى يَسُوع عَشَانْ عَايِز طَرِيقٌ أفْضَل ؟ رُبَّمَا تِكُون سِمِعْت عَنُّه إِنُّه بِيِعْمِل مُعْجِزَات وَإِنُّه رَجُل فَاضِل وَإِنُّه قِدِيس رَايِح تَرَاه ؟ رُبَّمَا زَكَّا يُرِيدْ أنْ يُقَابِل يَسُوع فَوَجَدَ الطَّرِيقٌ مُزْدَحِم جِدّاً( عَوَائِقٌ ) بِالإِضَافَة إِلَى قِصَر قَامَتُه كَانَ هُنَاك عَوَائِق كَثِيرَة لكِنْ زَكَّا كَانَ عِنْدُه عَزْم فَمِشِي وَسَطْ الزَّحْمَة إِلَى أنْ وَصَل لِمَمَر الطَّرِيقٌ وَتَسَلَّقٌ الجِمِّيزَة زَكَّا كَانَ عِنْدُه ثَبَات عَزَم وَاللِّي وَضَعْ فِي قَلْبُه أنْ يَرَاه فَلاَبُدْ وَأنْ يَرَاه وَلكِنْ مَنْ الَّذِي يُرَاقِب هذِهِ الإِشْتِيَاقَات كُلَّهَا ؟ رَبِّنَا يَسُوع هُوَ اللِّي مِرَاقِبْ المَوْقِف كُلُّه هُوَ اللِّي مَعَاه أمْرِنَا هُوَ اللِّي يِعْرَف أعْمَاقْنَا الله اللِّي عَارِف خَفَايَا القَلْب رَأى إِسْتِعْدَادٌ زَكَّا زَكَّا غَلَبْ العَوَائِقٌ غَلَبْ الزَّحْمَة وَغَلَبْ قِصَر القَامَة وَصَعَد عَلَى جِمِّيزَة لِكَي يَرَى يَسُوع الآبَاء القِدِّيسِينْ يِقُولُوا إِنْ الجِمِّيزَة هِيَ مُمْكِنْ تِكُون كَلِمَة مَنْفَعَة مُمْكِنْ تِكُون كِتَاب رُوحِي مُمْكِنْ تِكُون شِرِيطْ عِظَة الإِنْسَان مُمْكِنْ يِكُون قَامْتُه الرُّوحِيَّة قَصِيرَة لاَ تُوْجَدٌ عِنْدِي إِسْتِعْدَادَات كَافِيَة تُؤهِلْنِي لِمُقَابَلَة الْمَسِيح الحَلْ هُوَ أنْ أجِدٌ شِئ يِرْفَعْنِي أبْحَث عَنْ وَسِيلَة لِكَيْ أرى بِهَا الْمَسِيح العِظَة وَسِيلَة لِكَيْ أرَى بِهَا الْمَسِيح الآبَاء القِدِّيسِينْ يُعَلِّمُونَا أنْ نُوَاظِبْ كَثِير جِدّاً عَلَى القِرَاءَة الرُّوحِيَّة ( جِمِّيزَة ) خِسَارَة الوَقْت يِضِيع وَأُمُور غِير نَافْعَة إِهْدَارٌ لِلوَقْت وَإِهْدَارٌ الوَقْت مَعْنَاه إِهْدَارٌ لِلعُمْر وَإِهْدَارٌ العُمْر مَعْنَاه خَطْوَة لِلجَحِيم لِذلِك إِصْعَدٌ عَلَى جِمِّيزَة لِكَيْ تَرَى يَسُوع مَا أجْمَل أنْ تَرَى يَسُوع بِوُضُوح مَا أجْمَل أنْ يَتَلاَقَى زَكَّا مَعَ رَبَّ زَكَّا جَمِيلٌ هذَا المَوْقِفْ لِذلِك رَبِّنَا يَسُوع نَادَاه بِإِسْمُه فَفَرِحَ زَكَّا جِدّاً فِي وَسَطْ الزِّحْمَة رَبِّنَا وَاخِدٌ بَالُه مِنْ زَكَّا هُوَ يَعْلَم الإِشْتِيَاق وَيُكَمِّل النَّقَائِص وَيَسْنِد الضَّعْف الله يُرِيدَك يَنْبَغِي أنْ أمْكُث فِي بِيتَك نَزَلْ زَكَّا بِسُرْعَة وَأخَذَ رَبِّنَا يَسُوع فِي بِيتُه مَعْقُول هذَا المَوْكِب العَظِيمْ يِنْتِهِي فِي بِيتِي أنَا ؟!! إِبْتَدأ حِلْم زَكَّا يِتْحَقَّقٌ فَابْتَدأ يُدْخُل بِيتُه فَقَبَلَهُ فَرِحاً لِذلِك الثَّلاَث خَطَوَات مُهِمِينْ جِدّاً فِي زَكَّا وَهُمَّ :- 1- الإِشْتِيَاق جَعَلَهُ يَتَحَدَّى العَوَائِقٌ . 2- القَبُول قَبَلَهُ فَرِحاً . 3- التَّغَيُّر وَالتَّحَوُّل الفِعْلِي . زَكَّا لَمْ يَلْتَزِم بِحُدُودٌ الشَّرِيعَة وَهيَ إِنْ الشَّخْص الَّذِي يَظْلِم أحَداً يَرُدٌ أرْبَعَة أضْعَاف لكِنْ زَكَّا أعْطَى نِصْف أمْوَالُه لِلفُقَرَاء مُقَابَلَة الْمَسِيح تُفْطُمَك عَنْ كُلَّ مَا قَدْ سَبَقٌ فَآسَرَك مُقَابَلَة الْمَسِيح تَخْلَع مِنَّك أهْوَائَك القَدِيمَة إِنَّهُ زَعْزَع صُخُور الأوْجَاع المُضَادَّة وَهَدَّى أمْوَاج الشَّهوَات الثَّقِيلَة كُلَّ مَا تَحَدَّانَا فِيهِ العَدُو وَسَبَانَا فِيهِ مُجَرَّدٌ مُقَابَلَة الْمَسِيح تُزِيل هذِهِ الأوْجَاع هذَا هُوَ التَّحَوُّل الفِعْلِي المُقَابَلَة مَعَ الْمَسِيح تُغَيِّر الإِنْسَان وَجَدْنَا التَّغَيُّر حَصَل يَا لِفَرْحِة رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح بِهذَا اللِقَاءإِنْ كَانْ زَكَّا فِرِح بِهذَا اللِقَاء فَرَبِّنَا يَسُوع فِرِح بِهِ أكْثَر جِدّاً بِمَا لاَ يُقَاس رَبِّنَا يَسُوع مِنْتِظِر تَغَيُّرْنَا التَّغَيُّر مُسْتَحِيل بِدُون لِقَاؤُه مُسْتَحِيل أنْ تَحْمِل شَهَوَات المَاضِي وَكُلَّ مَا عَاقَ قَلْبَك دُونَ أنْ تَلْقَاه أنْ تَلْقَاه بِاشْتِيَاقٌ وَبِقَبُول وَبِتَحَوُّل لِذلِك لاَ أسْتَطِيع أنْ أغْلِب بِدُون مَا أرَاه الفِعْل وَالتَّغَيُّر الفِعْلِي شَرْط يُلاَزِم اللِقَاء لِذلِك وَجَدْنَا الَّذِينَ رَأُوا تَذَّمَرُوا قَائِلِينْ أنَّهُ دَخَلَ إِلَى بَيْت رَجُل خَاطِئ لِيَسْتَرِيح ( لو 19 : 7 ) رَبِّنَا يَسُوع وَزَكَّا بِيْفَكَّرُوا فِي إِتِجَاه وَالجُمُوع بِيْفَكَّرُوا فِي إِتِجَاه آخَر وَجَدْنَا رَبِّنَا يَسُوع بِيْقُول اليُّوم صَارَ خَلاَصٌ لِهذَا البَيْت إِذْ هُوَ أيْضاً إِبْن لأِبْرَاهِيم ( لو 19 : 9 ) إِبْن البَشَر جَاءَ لِيُخَلِّص مَا قَدْ هَلَك ( لو 19 : 10) لِقَاء رَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لاَبُدْ وَأنْ يَصْحَبُه تَغْيِيرلاَبُدْ وَأنْ يَصْحَبُه قَطْع لِلأهْوَاء وَالشَّهوَات القَدِيمَة كُلَّ مَا سَيْطَر عَلِينَا العَدُو فِيهِ وَنَجَح فِي أنْ يُكَبِلْنَا بِهِ مِنْ مَحَبِّة شَهْوَة أوْ مَحَبِّة عَالَمْ أوْ مَحَبِّة كَرَامَة أوْ مَحَبِّة لَذَّة تَجِدٌ رَبِّنَا يَحْمِلُه بِسُهُولَة وَيَرْفَعُه عَنَّك بِقُّوَتُه وَبِنِعْمِتُه زَكَّا يَتَقَابَل مَعَ رَبِّنَا يَسُوع يَتَغَيَّرمُعَلِّمْنَا مَتَّى يَتَقَابَل مَعَهُ يَتَغَيَّر مُعَلِّمْنَا بُطْرُس يَتَقَابَل مَعَاه يِتْغَيَّرهذِهِ سِمِة اللِقَاء بِرَبِّنَا يَسُوع الْمَسِيح لَوْ تَقَابَلْت مَعَ رَبِّنَا يَسُوع وَلَمْ تَتَغَيَّر يُبْقَى اللِقَاء فِيه حَاجَة غَلَطْ يُبْقَى إِنْتَ لَمْ تَنْظُرُه بِعِينْ الإِيمَان يُبْقَى عَزِيمْتَك مِشْ ثَابْتَة يُبْقَى الأهْوَاء غَلَبِتَك لِذلِك تُطْلُب مِنُّه إِنْ بِنِعْمِتُه هُوَ وَبِقُّوِتُه هُوَ يِجْعَلَك تَلْقَاه وَهُوَ القَادِرٌ أنْ يُغَيِّرَك رَبِّنَا يِفَرَّح قُلُوبْكُم وَيُكَمِّل نَقَائِصْنَا وَيِسنِد كُلَّ ضَعْف فِينَا بِنِعْمِتُه وَلإِلهْنَا المَجْد دَائِماً أبَدِيّاً آمِين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
01 أكتوبر 2022

إنجيل عشيةالأحد الثالث من شهر توت

تتضمن تبكيت الذين يتنازعون في الرئاسات والقـراءات مرتبة على قول البشير " فشفي كثيرين من المرضى ... واخراج شياطين كثيرة ( مر 1 : ٢٩-٣٤ ) رأينا الأرواح النجسة والشياطين الخبيثة تسمع أقوال ربها وتجزع مـن الخالق لطبائعها هكذا . وتمتثل الأوامر بسرعة وتبــادر إلـى المراسـم بـالخوف والوقار . فما بالك أنت تسمعه دائماً يأمرك بمحبة الأخوة والاحسان للمسيئين اليـك . والمسامحة للمبغضين وأنت لا تصنع كذلك . لكنك تغضب أخاك وتخاصم صـاحبك وتود قتل مبغضيك وتنازع المؤمنين أيضاً . فاسمع ما يقوله بولس الرسول : " لانـ أولا حين تجتمعون في الكنيسة اسمع أن بينكم انشقاقات وأصدق بعض التصديـق . لانه لابد أن يكون بينكم بدع أيضاً ليكون المزكوم ظاهرين " " .ومعناه أنه إذا وقعـت بينكم شرور وخصومات يتميز الطائعون للمسيح بالصبر والاحتمال والصفـح عـن المسيئين لهم . ويظهر شر الأشرار بكثرة المحك ( والفجور والتنازع وحب الغلبـة وقال الرسول أيضاً : " أنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد " . وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل . ولكنه لكل واحد يعطى اظهار الروح للمنفعة . فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمـة ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد . ولآخر إيمان بالروح الواحد ولآخر مواهـب شفاء بالروح الواحد . ولآخر عمل قوات ولآخر نبوة ولآخر تمييز الارواح . ولأخـر أنواع السنة . ولآخر ترجمة السنة . ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسـماً لكل واحد بمفرده كما يشاء " " " . ( معناه ) فما بالكم انتم الآن تتنافسون وتتغايرون إذا كان الله هو المقسم الرتب والمعطى بحسب الاستحقاق لكـل واحـد كـمـا يـحـب ويا للعجب من أن الذين يكثرون الخصام في الاسواق والشوارع يكسبون المذمة من الناس واللائمة من الناظرين . وكذلك الذين يشوشون على المجتمعيـن فـي أمـاكن اللعب والسباق والحانات وحلقات المشعبذين يوسقهم من حضر سبأ وشتماً ويـهانون . والذين يتنازعون في أبواب الملوك والعظماء . فأنهم يضربون بالسياط ويسـجنون ولا يرحمون . فإذا كان الذين يشوشون على هذه الاماكن العالمية يفعل بهم مثل هـذه الفعال . فالذين يشوشون على بيعة الله تعالى ومصاف الملائكة ومجــامع الشهداء والأبرار بماذا يعاقبون ؟ وبأي عذاب يعذبون . اسمع يا هذا قول الكتاب عن قـورح وداثان وأبيرام الذين حسدوا موسى وهرون وأرادوا أن يكونوا كهنة مثلهم وينقلـون عن رتبة اللاويين . قال الكتاب : " قام قورح وداثان وابيرام ومئتان وخمسون رجـلاً من رؤساء الجماعة على موسى وهرون وقالوا لـهما كفاكمـا . إن كـل الجماعـة بأسرها مقدسة وفي وسطها الرب . فما بالكما ترتفعان على جماعة الرب . فلما سـمع موسى سقط على وجهه . ثم كلم قورح وجميع قومه قائلاً غداً يعلن الرب من هو له ومن المقدس حتى يقؤبه إليه .. كفاكم يا بنى لاوى . أقليل عليكم أن إلـه اسـرائيل أفرزكم من جماعة اسرائيل ليقربكم اليه لكي تعملوا خدمة المســن وتقفـوا قـدام الجماعة لخدمتها . فقر بك وجميع أخوتك بنى لاوى معك وتطلبون أيضـاً كـهنوتاً . إذن انت وكل جماعتك متفقون على الرب . وأما هرون فما هو حتى تتذمروا عليـه . فارسل موسى ليدعو داثان وابیرام ابنى اليآب فقالا لا نصعد . أقليل أنك أصعدتنا من أرض تفيض لبناً وعسلاً لتميتنا في البرية حتى تترأس علينـا أيضـاً ترؤسـاً . ولا أعطيتنا نصيب حقول وكروم . لا نصعد . فأغتاظ جداً وقال للـرب لا تلفـت إلى تقدمتهما . حماراً واحداً لم أخذ منهم ولا أسات إلى أحد منـهم . وقـال موسـى لقورح كن أنت وكل جماعتك أمام الرب أنت وهم وهرون غدا . وخذوا كـل واحـد مجمرته فيها بخوراً وقدموا أمام الرب كل واحد مجمرته ، مئتين وخمسين مجمـرة . وأنت وهرون وكل واحد بمجمرته . فأخذوا كل واحد مجمرته وجعلـوا فيـهـا نـاراً ووضعوا عليها بخوراً ووقفوا لدى باب خيمة الاجتماع مع موسى وهرون . وجمـع عليهما قورح كل الجماعة إلى باب خيمة الاجتمـاع فـتراءى مجـد الـرب لكـل الجماعة . وكلم الرب موسى وهرون قائلاً ، افترزا من بين هذه الجماعة فإني أفنيهم في لحظة . فخرا على وجهيهما وقالا اللهم إله أرواح جميع البشر هل يخطئ رجـل واحد فتسخط على كل الجماعة . فكلم الرب موسى : كلم الجماعة قائلاً اطلعوا مـن حوالي مسكن قورح وداثان وابیرام ، فقام موسى وذهب إلى داثان وابـــرام وذهـب وراءه شيوخ اسرائيل . فكلم الجماعة قائلاً اعتزلوا عن خيام هؤلاء القوم البغـاة ولا تمسوا شيئاً مما لهم لئلا تهلكوا بجميع خطاياهم . فطلعوا من حوالي مســكـن قـورح وداثان وأبيرام . وخرج داثان وأبيرام ووقفا في باب خيمتهما ، نســـائهما وبنيـهما وأطفالهما . فقال موسى بهذا تعلمون أن الرب قد أرسلني لأعمل كـل هـذه وأنـها ليست من نفسي . إن مان هؤلاء كموت كل انسان وأصابتهم مصيبة كل انسان فليـس الرب قد ارسلني . ولكن إن ابتدع الرب بدعة وفتحت الارض فاها وابتلعتهم وكل ما لهم فهبطوا أحياء إلى الهاوية تعلمون أن هؤلاء القوم قد ازدروا بالرب . فلما فرغ من المتكلم بهذا الكلام انشـقت الارض التـى تحتـهم . وفتحـت الارض فاها وابتلعتهم وبيوتهم وكل من كان لقورح مع كل الاموال . فنزلوا هـم وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية وانطبقـت عليـهم الارض فبـادوا مـن بيـن الجماعة . وكل اسرائيل الذين حولهم هربوا من صوتهم لانهم قــــالوا لعـل الارض تبتلعنا . وخرجت نار من عند الرب وأكلت المئتين والخمسين رجلا الذيـن قـربـوا البخور . ثم كلم الرب موسى قائلاً : " قل لألعازار بن هرون الكاهن أن يرفع المجـامر من الحريق وأذن النار هناك . فانهن قد تقدسن . مجـامر هـؤلاء المخطئيـن ضـد نفوسهم فليعملوها صفائح مطروقة غشاء للمذبح لانهم قد قدموها أمام الرب فتقدسـت فتكون علامة لبنى اسرائيل . فاخذ العازار الكاهن مجـامر النحـاس التـى قدمـها المحترقون وطرقوها غشاء للمذبح . تذكاراً لبني اسرائيل لكيلا يقترب رجل أجنبـي ليس من نسل هرون ليبخر بخوراً أمام الرب فيكون مثل قورح وجماعته كما كلمـه الرب على يد موسى " . ( ۱ ) فسبيلنا أن نهرب من طلب الرئاسات والامور العاليـة ونطلـب مـا فيـه خلاصنا ونسارع إلى العمل بأقوال ربنا . لنفوز بنعيم الملكوت الدائـم بنعمـة ربنـا يسوع المسيح الذي له المجد والوقار . الآن وكل أوان وغلى دهر الداهرين آمين . القديس يوحنا ذهبى الفم عن كتاب العظات الذهبية
المزيد
30 سبتمبر 2022

كفـن المســــيح

ونحن بصدد الكلام عن الصليب نرى من المفيد أن نعرض لموضوع اثير في السنوات الأخيرة على المستوى العلمي ، ذلك هو موضوع كفن المسيح . ومرجعنا في هذا الموضوع كتاب عنوانه Turin Shroud « کفن تورین » حيث أن هذا الكفن محفوظ بكاتدرائية يوحنا المعمدان بمدينة تورينو بإيطاليا . وكاتب الكتاب يدعى إيان ويلسون Ian Wilson ، وهو أحد العلماء الذين اشتركوا في الابحاث والدراسات التي تمت على الكفن . وقد استمرت هذه الدراسات خمس سنوات من سنة 1973 إلى سنة 1978 ... والعجيب أن هذا العالم كان وجودياً لا يؤمن بدين . وكانت هذه الدراسة سبباً في إيمانه بالمسيح ، واصبح عضواً عاملاً بالكنيسة . ... اشترك في دراسة هذا الكفن عشرات العلماء المتخصصين في فروع العلم المختلفة من بلاد متفرقة كأمريكا وفرنسا وسويسرا والنمسا وانجلترا . ( أكثر من أربعين عالماً ) ولم تمول هذه الابحاث أية هيئة ، بل درس هؤلاء العلماء الكفن بدافع شخصي وللبحث العلمي وحده ، لتفنيد رأى الكنيسة . وكان بعضهم متشدداً ، والبعض الآخر كان يقرأ الإنجيل ليجد فيه دليلاً على عكس ما تنادى به الكنيسة . تكررت المحاولات على مدى السنين مع المسئولين عن الكنيسة للسماح للعلماء بفحص هذا الكفن لكن رجال الكنيسة في تشددهم لم يسمحوا بذلك . وكان هذا التأجيل بحكمة إلهية حتى يأتى السماح بهذا العمل في وقت تتوفر فيه الآلات العلمية الحديثة . الكفن عبارة عن قطعة واحدة من الكتان الأبيض طوله حوالي ٤,٢٥ متراً وعرضه حوالي ١.٢٥ متراً . وفي الكفن صورة أمامية وأخرى خلفية لإنسان طوله ۱۸۱ سم ... والصورة Negative وهو وضع مستحيل . فلا يمكن لأي فنان أن يرسم صورة Negative - لا توجد حدود للصورة ونفس فن التصوير لم يعرف إلا منذ نحو مائة عام ... وبناء عن هذا الطول يقول علماء الاجناس إنه لإنسان طويل القامة ومن شعوب حوض البحر المتوسط لقد تعرض الكفن للحريق سنة ١٥٣٢ نتيجة حرق الكنيسة كلها . وحرق الصندوق الذي يحتوى على الكفن ، لكنه لم يتأثر بالحريق ، كل ما هنالك حريق طفيف لحق بأطرافه . وقد بحث العلماء عن نوع الاصباغ المرسومة بها الصورتين ، لكنهم لم يجدوا أي نوع من الأصباغ . فالصورة موجودة لأكثر من فتلة واحدة في النسيج . ... مرتخی عن قال علماء التشريح والطب الشرعي إن الصورة التي للإنسان الذي وضع في الكفن تدل على انه في الثلاثينيات . وهو إنسان يعمل عملاً شاقاً ، وعرفوا ذلك من الآثار التي في اليد . وقالوا إن الكتف الأيمن الكتف الأ يسر وذلك نتيجة العمل باليد اليمنى . كانت الرجل الشمال موضوعة على الرجل اليمين والمسمار في المشط بين السلامية الثانية والثالثة . المسمار الذي شمر في اليدين - ليس في الكف بل في عظام الرسغ . والعظام لم تكسر اتماماً للنبوة ... والشوك الذي وضع على رأس المسيح لم يكن إكليلاً بحسب مفهومنا ، بل كانت طاقية شوك غرسوها ،ووجدوا آثارها من الجبهة حتى قمة الرأس . آثار الدماء على الوجه تأخذ منظر Zigzag نتيجة تقلص عضلات الوجه بسبب الآلام الشديدة . وقال العلماء إن الكفن لإنسان مصلوب ، فقد شاهدوا سير الدماء في الأيدى وقاسوا الزاوية بين الرأس وبقية اليد فوجدوها 65. ومنظر الدم الساري من الرسم سارى بهذه الصورة . . . وجدوا أن الكتف فيه سحجات نتيجة حمل الصليب . وتوجد كدمات كثيرة جداً في الوجه ، وأجزاء متورمة ، كما يوجد قطع على شكل مثلث في الخد الأيمن وهو من كثرة اللطم في بيت رئيس الكهنة ودار الولاية . الجراحات الموجودة بالظهر في شكل دائرتين غائرتين متصلتين ببعضهما . وعدد هذه الدوائر يتراوح بين 100 ، ۱۲۰. بحثوا عن أنواع السياط التي جلد بها فوجدوا انه السوط الروماني المحفوظ عينة منه بالمتاحف . وهو سوط ذو ثلاث شعب تنتهى كل شعبة بقطعتين معدنيتين ... وقالوا إن هذا الإنسان تناوب على جلده اثنان . وكان الذي يضرب من جهة اليمين أطول ممن يضرب من جهة الشمال . والضارب جهة الشمال كان قصيراً وعنده سادية أي غزيرة حب الانتقام ، لأن ضرباته اعمق منها في الجهة اليمنى . . الفتحة الموجودة في الجنب الأيمن التي سال منها كمية دماء ضخمة الفتحة شكلها شكل مقدم الرمح الروماني وهو شكل ورق الشجر ، والفتحة بميل وموجودة بين الضلع الخامس والسادس . والماء الذي سال قال بعض العلماء إنه من السائل المحيط بالقلب لكن هذا كميته قليلة ( في حجم معلقة الشروبة ) ، وقالوا يمكن أن القلب يفرز أكثر نتيجه الاجهاد الكبير . ورأى ثان لفريق آخر من العلماء أن هذا الماء من السائل المحيط بالرئتين وهو الرأى الارجح ، وهو نتيجة الشد العضلي ، ويمكن أن تزداد کمیته . آلام المسيح الشديدة جداً على الصليب سببها تنفس المصلوب . ففي كل مرة لا بد وأن يصعد بجسمه إلى أعلا فيضغط على الجراحات ... يقول علماء النبات أنه يمكن معرفة موطن هذا الإنسان بفحص حبوب اللقاح اللاصقة بقماش الكفن . وحبة اللقاح حجمها مليون / 1 من الملليمتر ، ولا ترى إلا بالميكروسكوب الالكتروني ... اخذوا بعض التراب اللاصق بالكفن ودرسوها لمدة ثلاث سنوات لمعرفة النباتات التي تتبعها حبوب اللقاح وأين تنمو . وعلى هذا الأساس وجدوا أن هذا الكفن كان موجوداً في مرسيليا وباريس والقسطنطينية ( استانبول ) وقبرص وصور وصيدا وتورينو وافيلينو Avelino بإيطاليا لكن إلى جانب ذلك وجدوا مجموعة من حبوب اللقاح لم يتوصلوا إلى حقيقتها ومكان وجودها . وعلى هذا الأساس أقام واحد من العلماء لمدة ستة شهور في أورشليم القدس . وهناك وجد النباتات التي لا تنمو إلا فيها والتي تتبعها حبوب اللقاح المجهولة . أية صورة لها بعد ثالث ما عدا صورة الكفن فليس لها بعد ثالث رغم استعانتهم بأجهزة البحرية الأمريكية الغاية في الدقة والصورة بلا رسم أو أصباغ ... قالوا قد يكون هذا الكفن قد تعرض لاشعاع معين . لكن علماء الطاقة الذرية نفوا معرفتهم لإشعاع يطبع صورة ... وأخيراً قالوا يحتمل. أن تكون هذه الصورة نتيجة خروج إشعاع معين وقت قيامة الرب يسوع . . بحثوا عن عمر قماش الكفن بواسطة تجربة الكربون 14 ، ووجدوا أنه يرجع لحوالى الفين سنة . . أما عن وجه المسيح المطبوع على الكفن فلا يتفق مع رسمه فنانو اور با . ولكنهم وجدوها تطابق الصور الموجودة في الكنائس الشرقية التي رسمت في قرون المسيحية الأولى . وأقرب الصور إليها هي صورة رسمها كيرلس الكبير البطريرك ٢٤ الاسكندري في القرن الخامس ، وصورة أخرى في كنيسة آيا صوفيا ، وثالثة في كنائس سوريا . صليب المسيح تاريخياً : ظهر الصليب الذي صلب عليه المسيح حسب التقليد الكنسى على يد القديسة هيلانة والدة الامبراطور قسطنطين فقد سافرت إلى أورشليم بعد أن جاوزت السبعين من عمرها لتكشف عن قبر المخلص وتبنى كنيسة هناك . وبالفعل بنت كنيستين ، الأولى فوق القبر المقدس والثانية فوق مغارة بيت لحم ... وقيل انها تحمست لهذا العمل بواسطة رؤيا اعلنت وبعد بحث كثير عن القبر المقدس عثرت عليه في مايو سنة ٣٢٨. أما السبب في اختفاء مكان القبر المقدس كما يذكر المؤرخ الكنسى سقراط ( ٣٨٠ - ٤٥٠ م ) فهو أن اليهود تعمدوا اخفاء معالم هذا المكان بعد أن كان يحج إليه مسيحيون كثيرون ، فكانوا يلقون عليه الاتربة والقاذورات حتى تكون فوقه ما يشبه الهضبة المرتفعة ، واقيم فوقها معبد للإله فينوس امعاناً في اخفاء مصدر إيمان وعزاءالمسيحيين . وقد أمرت هيلانة بهدم الهيكل ورفع الاتربة فوجدت ثلاثة صلبان على مسافة رمية حجر من موضع القبر المقدس . ووجدت صليب الرب يسوع وعليه العنوان الذي كتبه بيلاطس البنطى . وقد تأكدوا من أنه صليب الرب لما وضعوه على سيدة مريضة فشفيت في الحال ، وكان ذلك بحضور مكاريوس أسقف أورشليم آنذاك . . أول من أشار إلى حادث اكتشاف الصليب بواسطة الملكة هيلانة كان هو امبروسيوس أسقف ميلان ( ۳۳۹ - ۳۹۷ م ) . في عظة له القاها سنة 395 م . وعن امبروسيوس نقل كل من يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية ( 347- 407 م ) . وبولينوس الأسقف الذي من نولا بفرنسا ( ٣٥٣- 431 م ) ... ذكر هذه القصة المؤرخان الكنسيان سقراط ( ٣٨٠. ٤٥٠ ) ، تیودوریت ( ٣۹۳- ٤٥٨ م ) الذي ذكر أن هيلانة وجدت في القبر المقدس المسامير التي سمرت بها يدا المخلص ورجلاه وارسلتها إلى ابنها الامبراطور قسطنطين الذي ثبت مسماراً منها على الخوذة الملكية التي كان يلبسها وهو خارج لخوض المعارك الحربية . ومن الذين افاضوا في الكلام عن خشبة الصليب المقدس القديس كيرلس الأورشليمي في عظاته التي القاها سنة ٣٤٨ م ـ بعد نحو عشرين سنة من اكتشاف خشبة الصليب كان يخاطب المؤمنين .... في كنيسة القيامة مشيراً إلى التابوت الموضوع فيه الصليب ... يقول : ا لقد صلب المسيح حقاً . ونحن وإن كنا ننكر ذلك فهذه هي الجلجثة تناقضني التي نحن مجتمعون حولها الآن . وها هي خشبةالصليب أيضاً تناقضني التي توزع منها على كل العالم ... وخشبة الصليب تشهد للمسيح ، تلك التي نراها حتى هذا اليوم بيننا . وقد ملأت كل العالم بواسطة المؤمنين الذين أخذوا قطعاً منها إلى بلادهم ] . وفي خطاب ليولينوس الأسقف الذي من نولا بفرنسا إلى الكاتب والمؤرخ الكنسى سالبيسيوس نعلم أنه أرسل له مع الخطاب قطعة من خشبة الصليب المقدس ، ويخبره أنه بالرغم من أن قطعاً كثيرة أخذت من الخشبة ، إلا أن الخشبة لم تنقص قط ـ وهكذا ذاع القول أن خشبة الصليب تنمو من ذاتها . ، و يتفق كل من تيودوريت وسقراط المؤرخان الكنسيان أن هيلانة أرسلت قطعة من خشبة الصليب إلى القصر الامبراطوري في القسطنطينية . ووضع بقية الصليب في تابوت من الفضة داخل كنيسة القيامة . والمعروف أن الملك قسطنطين أمر بتوزيع قطع من خشب الصليب المقدس على كافة كنائس العالم وقتذاك . وقد احتفظت كنيسة روما بقطعة كبيرة . وقد ذكرت ايجيريا الراهبة الأسبانية التي قامت برحلتها أواخر القرن الرابع إلى الأماكن المقدسة ، ووصفت بدقة كل ما مرت به وشاهدته ، وضمتها طقوس وصلوات عيد الصليب أمام الصليب المقدس بكنيسة القيامة . . . . وظلت خشبة الصليب المقدس بكنيسة القيامة حتى غزا الفرس الأراضي المقدسة ، واستولى خسرو الثاني ملك الفرس سنة 615 م على التابوت الفضي الذي يضم قطعة الصليب المقدس وحمله معه إلى بلاده ، وظل هناك حتى استرده الامبراطور هرقل سنة ٦٢٩ م ووضع في كنيسة القيامة ، ومنها إلى القسطنطنية سنة 636 م خوفاً من وقوعه في أيدى الغزاه ... و يشهد اركلفوس Arculfus الذي زار القسطنطنية سنة 670 م أنه رأى الصليب في كنيسة أجيا صوفيا . ... بعد ذلك لا نعلم ماذا حدث لما تبقى من الصليب المقدس . نيافة مثلث الرحمات الانبا يؤانس أسقف الغربية عن كتاب المسيحية والصليب
المزيد
29 سبتمبر 2022

شخصيات الكتاب المقدس هوشع

هوشع " قال الرب لهوشع اذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى "" هو 1: 2 " مقدمة من روائع تينسون الشاعر الإنجليزى، قصيدة، لست أدرى مدى ما فى وقائعها من الدقة أو الصحة، وهل هى حقيقة عرفها، وحولها شعراً، أو هى مزاج من الخيال والحقيقة معاً ألهبت شاعريته فسجلها شعراً رفيعاً رقيقاً، والقصة على أية حال تصور جندياً دعى إلى القتال فى الحرب، وغاب سنوات طويلة عن بيته وزوجته، وحسب فى عداد المفقودين، وإذ طال انتظار زوجته دون عودته،... اعتبرته ميتاً وتزوجت بآخر،... على أن الجندى عاد بعد أهوال الحرب، وهو يعتقد أن زوجته باقية على الوفاء لعهد الزوجية والمحبة التى ربطتهما،... ولشد ما روعه أن يسأل صبياً على مشارف القرية التى كان يعيش فيها، عن الزوجة، وإذ بالصبى يذكر أن الزوجة تزوجت بآخر بعد أن فقدت الأمل فى عودة زوجها واعتبرته ميتاً، وهاله الأمر وشق طريقه إلى بيته القديم، وما أن ولج الباب بعد أن فتحه بالمفتاح الذى كان معه، حتى رأى من على بعد غريباً بالبيت، فأغلق الباب فى هدوء، وخرج خارج القرية، وفى الصباح وجدوه جثة هامدة، قال الطبيب بعد فحصها، إنها جثة شاب يبدو أنه مات حزيناً مكسور القلب!!.. ومهما كانت قصيدة تينسون ونصيبها من الدقة أو الصدق، فإن هناك قصة حب قديم لرجل تزوج امرأة خائنة رغم أنه أحبها بجماع قلبه،.. وكان الرجل مثالا ورمزاً وصورة لحب اللّه لعذراء إسرائيل، ومع ذلك فقد تحولت هذه العذراء عن اللّه، وخانته بالزنى مع آخرين!!.. وحقاً قال أحد المفسرين: إن كلمات هوشع كانت دموعاً أكثر منها كلمات. فالجرح العميق الذى أصاب قلب الرجل، علمه أن يفهم معنى الجرح العميق فى قلب اللّه. ومحبته لزوجته الخائنة رغم إثمها وشرها وخيانتها دربته على أن يدرك إلى أى حد لم يستطع إثم إسرائيل وشره وزناه أن يضيع محبة اللّه له!!.. ولعلنا بعد هذا نرى هوشع فيما يلى: هوشع ومن هو يأتى هوشع فى أول القائمة بين الأنبياء الذين يطلق عليهم « الأنبياء الصغار »، وليس معنى هذا أنه أقدمهم، فالبعض يعتقد أن يونان أقدم الكل، وأن يوئيل يتلوه، وأن عاموس يأتى بعد ذلك. وعلى الأغلب يأتى هوشع بعد الثلاثة وهو الذى تنبأ فى أيام يربعام الثانى وكان معاصراً لإشعياء فى أيام عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا!!.. وقد أرسله اللّه ليكون الصوت الأخير للمملكة الشمالية قبل سقوطها، والكلمة هوشع معناها « خلاص » وإن كان جيروم يأخذها على اعتبار أنها « مخلص ».. ومع أننا لا نكاد نعرف شيئاً عن هذا النبى خارج سفره، إلا أنه من المتفق عليه، أنه من أبناء مملكة إسرائيل،.. ومع أن البعض يعتقد أنه من بيت نبوى، لكن المرجع أنه كان كعاموس الذى لم يكن من سلسلة الأنبياء أو من أبنائهم، وهناك تقليد قديم يقول إنه من سبط يساكر!!.. ولا يمكن أن يذكر هذا النبى دون أن يشار إلى المأساة المحزنة التى حدثت فى حياته، ونعنى بها زواجه بجومر بنت دبلايم، وجومر معناها « تمام » وبلايم معناها « قرصا تين » والاسم يشير إلى المرأة التى وصلت إلى تمام الخطية بنت الشهوة واللذة،.. وقد اختلفت الآراء اختلافاً كبيراً حول زواج هوشع من زانية، ولعل أشهر الآراء هو: الرأى الرمزى والذى يعتقد أن اللّه الذى يكره الخطية ويمقتها، والذى ينادى برجم الزانية، لا يمكن أن يأمر نبياً بأن يتزوج بأمرأة خائنة، والأمر كله رمزى يصور العلاقة التى تربط اللّه بشعبه الخائن على هذا الأسلوب الرمزى الرهيب، وقد أخذ به أوغسطينوس وجيروم وكلفن وكايل، ويذهب لوثر إلى أن المرأة جومر وأولادها وصموا بالزنى، على سبيل التمثيل الرمزى!!.. ويتجه التفكير اليهودى فى العصور الوسطى والذى أخذ به ميمونديس وابن عزرا وكيمتشى إلى الأخذ بفكرة الرؤيا، وأن الأمر كله كان حلماً أو رؤيا رآها النبى وتحدث بها إلى الشعب، وهو يصور العلاقة بين اللّه وأمته!!.. على أن هناك من لا يأخذ بهذين الرأيين، ويقطع بأن المرأة كانت زانية، وأن أولادها أيضاً أولاد زنى، ويتعصب لهذا الرأى دكتور بوسى وهو يقول: « ليس هناك من أساس يمكن أن نحول معه ما يذكره الكتاب كحقائق على اعتبار أنها أمثال، وليس هناك من دليل يساعد على تصور أن أشخاصاً ذكرت أسماؤهم دون أن يقصد اللّه أنهم وجدوا فعلا وعاشوا بين الناس، وليسوا مجرد رموز أو صور تشبيهية!!.. وإلا فلن يبقى لنا بعد ذلك من سبيل لمعرفة الفارق بين ما هو حقيقى أو خيالى!!.. » وهناك رأى حديث نسبياً أخذ به بعض المفكرين فى القرن الثامن عشر، ممن لم يستسيغوا الأفكار السالفة جميعاً، ونادوا بأخذ الزنى بالمعنى الروحى، وقالوا إن زنى جومر يعنى إما أنها كانت امرأة وثنية بعيدة عن شعب اللّه، أو إسرائيلية مرتدة!!.. وأعتقد أن النص الكتابى من الوضوح بحيث يشجع على الأخذ بالفكر الحرفى المادى. وأن جميع المحاولات الأخرى، نشأت أساساً من هول التصور الذى يصدم نفوس الشراح والمفسرين، بخيانة المرأة لزوجها، وثمرة بطن الخيانة البشعة فى أولادها الثلاثة،... وإن كان البعض مع ذلك يعتقد أن النبى كان يجهل هذه الخيانة، وأن اللّه أعلمها له بعد وقوعها، وقد أطلق على الولد الأول « يزرعيل » إعلاناً عن قرب العقاب الذى سيقع على يزرعيل، بخراب الأمة التى حادت عن اللّه، وأن الابنة الثانية « لورحامة »، وتعنى عدم الرحمة، أو الشقاء « التعب الذى سيقع فيه الشعب بدون هدوء أو رحمة »،... وأن الثالث « لوعمى » أو ليسوا شعبى، إعلاناً عن فصم العلاقة بين اللّه وشعبه!!... ويزيد الأمر ترجيحاً أن جومر لم تكتف بزناها، بل هجرت بيت الزوجية، وسارت وراء محبيها، وكانت النتيجة أنهم تخلوا عنها ولفظوها، وكادت تهلك جوعاً، فذهبت إلى سوق العبيد لتبيع نفسها، لعلها تجد من يأويها ويطعمها، وهناك التقى بها هوشع مرة أخرى، ليأخذها، ويعيدها إلى بيته ثانية، ولكن على علاقة جديدة. فلن تكون له زوجة، بل ستبقى أياماً كثيرة بعيدة عن حياتها الأولى، تائبة نادمة، حتى تدرك معنى الحياة الزوجية السليمة دون زيغ أو ضلال!!.. هوشع والعهد المنقوض لم يقف هوشع، وهو يتحدث عن الخطية، عند بعض مظاهرها السلبية أو الإيجابية، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى نبعها التعس القذر، ورآه فى نقض العهد مع اللّه،... ومن المؤكد أنه وهو يكتب وثيقة الاتهام قائلا: « اسمعوا قول الرب يابنى إسرائيل. إن للرب محاكمة مع سكان الأرض » (هو 4: 1)، لم يكن يكتب هذا الاتهام بقلمه ولسانه فحسب، بل كتبه، أكثر من ذلك، بحياته ومأساته، ولقد استمد من ذوب هذه الحياة الحزينة مداد وثيقته الدامغة،... أجل، فإن هوشع صالح بقول الرب من أعماق نفسه الممزقة الدامية،... وهو بذلك يعطينا صورة للخادم العظيم المثالى، الذى لا يبقى على شئ فى حياته دون أن يقدمه على مذبح الرب،... فالحياة والخدمة والشرف والكرامة، وكل مقومات النفس الإنسانية فى أعظم وأرهب وأدق وأروع وأقسى أوضاعها، ينبغى أن توضع على المذبح النارى فى كل ولاء وخضوع وتسليم دون تردد أو تذمر أو تقهقر أو تراجع!!.. كانت خطية إسرائيل الأولى، أو بالحرى، نبع كل خطاياها، هى - التعدى على عهد اللّه ونقضه، كما تعدت جومر بنت دبلايم على عهد الحياة الزوجية مع زوجها هوشع!!.. ولم يقف النبى عند هذه الصورة الخاصة به، بل رمى ببصره إلى الوراء ليراها خطية الإنسان الأولى فى الحياة: « ولكنهم كآدم تعدوا العهد هناك غدروا بى» " هو 6: 7 " والنبى يريد أن يذكر الشعب بأن اللّه صنع مع إسرائيل ما صنع مع الأبوين الأولين، إذ يسر لهما كل سبل الحياة، وأودعهما جنة جميلة بهيجة ظليلة، ولكنهما مع ذلك، تجاوزا عهده وخانا وصيته، وهكذا الإسرائيليون الذين أحسن اللّه إليهم وظللهم بحياة البهجة والنعمة والرضى، ولكنهم مع ذلك تمردوا عليه، وخانوا العهد الذى قطعه بينهم وبينه!!.. فإذا استطاع الإنسان أن يغدر بالعهد مع اللّه، فلا يمكن أن يستقيم أو يستقر فى عهده مع أخيه الإنسان، وسيبعد عن كل وفاء مع اللّه أو الناس على حد سواء، ومن ثم، سيرتكب كافة الخطايا سواء كانت سلبية أو إيجابية، وحق لهوشع أن يرى من الوجهة السلبية الفضائل الضائعة: « لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة اللّه فى الأرض » " هو 4: 1 " والأمانة موقف الإنسان من نفسه، والإحسان موقفه من الآخرين، ومعرفة اللّه موقفه من الذات العلية المباركة!!... والخطية فى الواقع ليست وقفاً على ارتكاب الإنسان للرذائل والآثام والشرور بل هى أولا وقبل كل شئ ترك الواجب النبيل العظيم، أو كما وصفها الرسول يعقوب: « فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له » " يع 4: 17 " كانت صلاة الأسقف أثر: « ربى اغفر لى خطايا النسيان والإهمال »..وما أسرع ما جاءت الخطايا الإيجابية فى إثر الخطايا السلبية، فعجت الأرض بخطايا رهيبة: « لعن وكذب وقتل وسرقة وفسق. يعتنفون، ودماء تلحق دماء » " هو 4: 2 " وهل هناك مجتمع أشر وأقسى من مثل هذا المجتمع الفائض بالمرارة والخداع والأغتصاب والنهب والعنف وإراقة الدماء، وفى مثل هذا المجتمع يتساوى رجل الشارع والكاهن والنبى، فالكل قد ضلوا وزاغوا وليس لأحد امتياز على آخر، ولا يستطيع أحد أن يحاكم آخر أو يعاقب آخر، لأن الكل فى الموازين إلى فوق، وعلى حد سواء، ألم يرفض الكاهن المعرفة، وينسى الشريعة؟، وقد هلك الشعب لعدم المعرفة، وتعثر الجميع فيما انتهوا إليه من شرور؟!.. وقد تعاظمت المأساة، لا بالخطية وحدها، بل أكثر من ذلك، بتلك القطرات القليلة من التوبة الزائفة، إذ أن العقاب عندما حل بإسرائيل، حاولوا التوبة، ولكن توبتهم كانت ضعيفة وقتية، أشبه بسحاب الصبح أو الندى الذاهب سريعاً: « فإن إحسانكم كسحاب الصبح وكالندى الماضى باكراً ».. " هو 6: 4 " وعيب هذه التوبة أنها تبدو جميلة المظهر ضائعة المخبر، وأليست هذه توبة الكثيرين الذين إذ يسمعون الكلمة يقبلونها بفرح ولكن ليس لهم أصل فى ذواتهم؟؟ فما أسرع ما تضيع وتتلاشى وتنتهى!!. مثل هذه تقرضها وتقرض أصحابها أقوال الأنبياء إذ تشهد عليهم بالعقم والكذب وعدم الأثر: « لذلك أقرضهم بالأنبياء اقتلهم بأقوال فمى والقضاء عليك كنور قد خرج ».. " هو 6: 5 "ولم ينسى هوشع أن يتحدث عن التوبة الصحيحة الصادقة، والتى فيها يدعو أبناء شعبه للعودة إلى الرب، دعوة جماعية: « هلم نرجع إلى الرب » " هو 6: 1 " والدعوة الجماعية أساس كل قوة وحياة ونهضة، لأن الأفراد فى العادة يتشجعون بعضهم بالبعض، وتسير فيهم موجة عارمة كالتى حدثت يوم الخمسين، عندما آمن عدد كبير فى يوم واحد،... والذى يشجع على العودة أن عقاب اللّه وتأديبه لأولاده، لم يقصد به قط الانتقام، بل هو عقاب الأب لابنه، وأنه بعد أن يفترس يريد أن يشفى ويعالج الجروح التى حدثت فينا، وبعد أن يضرب يريد أن يجبر الكسور التى ألمت بنا!!... وهو على استعداد أن يقصر فترة العقاب، فلا تزيد عن يومين، أو فى عبارة أخرى، لا تزيد عن فترة قصيرة جداً... بل أكثر من ذلك، هو على استعداد أن يأخذ مكاننا فى الألم. والمفسرون اليهود والمسيحيون متفقون على أن العبارة: « يحينا بعد يومين فى اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه » تحدث عن المسيح المنتصر المقام، وإن كنا نحن نرى فيها، على خلافهم، الام الصليب التى تسبق القيامة،... على أن العودة إلى الرب لا يمكن أن تتم إلا بالمعرفة الفكرية والاختبارية له: « لنعرف فلنتبع لنعرف الرب » " هو 6: 3 " أو فى لغة أخرى، ينبغى أن نعرف الرب بعقولنا، ولكن هذه المعرفة ينبغى أن يلحق بها، ويتبعها على الدوام السير وراء الرب، وقد أراد النبى أن يشجع هذا السلوك، فبين أنه سيصحب ببركة الرب، إذ أن اللّه يأتى إلى شعبه ليرويه كما ترتوى الأرض الجافة بالمطر المتأخر الذى طال انتصاره... ولعل النبى خاف أن يكون هذا السلوك مجرد طقوس وفرائض، فبين أن اللّه يهتم بالرحمة أكثر من الذبيحة ومعرفته أكثر من المحرقات: « إنى أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة اللّه أكثر من محرقات » "هو 6: 6 " إن الرحمة هى الحياة الخفية للإنسان التقى والمعرفة هى التتبع السليم لوصايا اللّه!!.. فإذا رفض الإنسان التوبة، وسلك فى عناد قلبه، فإن العقاب سيكون الجزاء القاسى الرهيب الذى سيتناول الأرض والحيوان والناس، أما الأرض فتصاب باللعن والقحط والجدب، والحيوانات والطيور والأسماك ستذيل وتنتزع نتيجة للمجاعة والجفاف، وكما حدث فى أيام آدم إذ لعنت الأرض بسببه، وفى أيام نوح إذ أغرق الطوفان الإنسان والحيوان وكل شئ معاً، هكذا فى أيام هوشع، وفى كل الأيام، هناك علاقة ثابتة بين الإنسان وسائر المخلوقات فبركته بركتها، ولعنته لعنتها، وذلك وفقاً لناموس العلاقة القائمة بينهما... لذا ينبغى أن نتوقع دائماً ضياع الخير والدسم والبركة من الأرض كلما ازداد الناس إمعاناً فى الشر والإثم والخطية،... أما الناس أنفسهم فسيكون عقابهم من كل جانب، ومن كل لون من ألوان حياتهم، أذ سيتناول الصحة فتذبل أجسامهم، والطعام عندما تجدب الأرض، وتقل المخلوقات فيها،... والنعمة عندما يرفضون النصيحة والإرشاد وكلمة اللّه، وعندما يضل الأنبياء والكهنة فيهم،... والكرامة عندما تسرى بينهم الضعة والهوان، والخراب عندما يلحق بأمهم إسرائيل: « وأنا أضرب أمك » " هو 4: 5 " وعندما يبصر الناس كل هذا قد يقول قصار البصر والمعرفة والإدراك إنها الصدفة أو الظروف السيئة أو يد آشور التى عاثت فى الأرض فساداً،... وأما هوشع فيؤكد أنها يد الرب إذ: « أن للرب محاكمة مع سكان الأرض ».. " هو 4: 1 ".. هوشع والمحبة الغافرة يعتقد أغلب الشراح، أن الشطر الأخير من نبوة هوشع كتب بعد موت يربعام الثانى، فى تلك الأيام التى بدأ فيها مجد إسرائيل بنطفى وينوى فى ظلال النهاية والعدم، ومن المعتقد أن هوشع سمع دون أدنى شك نبوات عاموس النبى الذى جاء من أرض يهوذا إلى إسرائيل لينذره بالمصير المفجع الذى يوشك أن يتردى فيه، ورأى كيف أعطى إسرائيل أذنا صماء للنبى الراعى ونبوءته، ورأى أكثر من ذلك فترة الفوضى والقلق والاغتيال والانهيار التى أعقبت ذلك، ومع أنه لم يعش ليرى الخراب النهائى لبلاده إلا أنه رآه وشيك الوقوع وعلى مقربة منه، إذ لم يكن عسيراً عليه أن يرى شمس أمته تنحدر سريعاً نحو الغروب، على أنه فى تلك اللحظة الحزينة السوداء القائمة، وقف ليرينا منظراً بهيجاً مجيداً رائعاً... فنظر الشفق الجميل الأحمر الذى يرسل شعاعاته الفاتنة قبل أن يغمر الأرض الظلام،... لقد تحدث هوشع عن محبة اللّه العظيمة الغافرة، التى لا يمكن أن تهزمها خطية إسرائيل وإثمه وشره وأصنامه،... وإلى أن نقف عند الصليب لن نرى نبياً بز بحياته وأحزانه ورسائله - هوشع فى إعلان محبة اللّه الغافرة، ولئن كان عاموس يدعى فى نظر الكثيرين الرسول يعقوب فى العهد القديم، فإن هوشع هو الرسول يوحنا!! فى مدينة نيويورك حادت زوجة وزاغت عن الأمانة الزوجية فى علاقتها، بزوجها، وهربت مع آخر، وظلت على هذه الحال فترة من الزمن، لم يلبث بعدها أن هجرها محبها الآخر، وتركها شريدة بائسة ضائعة، وفى يوم من الأيام، التقت بزوجها عرضاً فى الطريق، فحاولت أن تتوارى عن عينيه خجلا وذلا وعاراً، ولكنه وقد أبصرها على هذه الحالة التعسة، عادت إليه ذكرى الأيام القديمة الحلوة، فصاح: مارى!! وأخذها إلى بيته، وقد ضاق به أصدقاؤه ومعارفه لما فعل، ولكن الرجل سار وراء محبة اللّه الغافرة، فانتشل زوجته من أعماق دركات الخطية،... وهكذا فعل اللّه مع إسرائيل إذ أحبه رغم خيانته وإثمه، وأرسل هوشع ليكرز بحياته وأحداثه ورسالته بمحبة اللّه الغافرة، وها نحن سنتبع هذه المحبة، ونحن نذكر بعض ماورد فى الأصحاحين الحادى عشر، والرابع عشر من سفره على النحو التالى: تاريخ المحبة كانت هذه المحبة، ولا شك، محبة أزلية فى قلب اللّه، غير أنها ظهرت عندما ظهر إسرائيل على الأرض، وعلى الإخص عندما كان غلاماً صغيراً عاجزاً فى أرض مصر،... هنا انحنت عليه المحبة أنحناء الأب على الوليد وأمسكت به فى عجزه وقصوره، وأخرجته من أرض مصر، بل هنا سارت معه المحبة سيراً وئيداً رفيقاً هادئاً تدرجه وتدربه على المشى، وترفعه إذا سقط، وتشفى جراحه، وترفع عنه النير عندما تثقل عليه الأحمال، وتولى رعايته وإطعامه وتعليمه، مع أنه كان يتجه بقلبه، مرات كثيرة، نحو البعليم فيذهب إليها وينحنى لتماثيلها المنحوتة، ولكن ذلك كله لم ينتزع المحبة العظيمة نحوه... إن تاريخ محبة اللّه، سابق دائماً لوجودنا ومعرفتنا وإدراكنا ونقصنا وعجزنا وقصورنا وضيعتنا!!.. حزن المحبة على أن إسرائيل - للأسف - قد تجاهل هذه المحبة، وتعامى عن تاريخها، وسار فى طريقه الخاطئ حتى أضحى مثل سدوم وعمورة وأدمة وصبويم، المدن التى قلبها اللّه لشرها، ومع أن صوت العدالة كان يطالب بإبادته والقضاء عليه، لكن صوتاً آخر عميقاً فى قلب اللّه، كان يقول كلا: « لا أجرى حمو غضبى لا أعود أضرب أفرايم لأنى اللّه لا إنسان، القدوس فى وسطك فلا آتى بسخط » " هو 11: 9 "وهذا الصوت هو صوت المحبة، صوت اللّه الذى هو أكثر احتمالا ورأفة من الإنسان، وأقل رغبة فى الانتقام، وفى غمرة هذا النزاع بين العدالة والمحبة نرى حزن اللّه المفعم بالود والإحسان والمشاعر فى القول: « قد انقلب على قلبى اضطرمت مراحمى جميعاً » " هو 11: 8 ".فى إحدى ولايات دولة الهند كانت هناك سيدة غنية من أغنى الأسر، ولها ولد شرير فاسد، ضعيف العقل سفيه التصرف، ومع ذلك، كانت أمه تحبه وتعنى به،... وقد اتهم فى يوم من الأيام بالكثير من الجرائم المنكرة، وحكم عليه بالموت، وقد جاهدت أمه جهاداً جباراً للابقاء على حياته، وعندما قالوا لها إن موته سيريحها ويعفيها من كثير من الآلام والمتاعب... صاحت: أليس هذا هو ولدى... فكيف أتركه!!؟ … لئن صح أن يصدر هذا عن إنسان فيفما يكون حاله وشأنه!!.. فبالأولى إنه يعبر عن محبة اللّه للإنسان الخاطئ!!.. نداء المحبة فى الأصحاح الرابع عشر، يدعو النبى شعب اللّه أن يتوبوا ويرجعوا: « إرجع يا إسرائيل إلى الرب إلهك لأنك قد تعثرت بإثمك خذوا معكم كلاماً وأرجعوا إلى الرب. قولوا له ارفع كل إثم واقبل حسنا فنقدم عجول شفاهنا. لا يخلصنا أشور. لا نركب على الخيل ولا نقول أيضاً لعمل أيدينا آلهتنا. إنه بك يرحم اليتيم... » " هو 14: 1 - 3 " وهذا هو نداء المحبة العظيمة، الذى يؤكد لاسرائيل أنه رغم سقوطه وتعثره، فإن الرب ما يزال إلهه، وما عليه إلا أن يرجع للرب، ويقدم صلاة التوبة التى يراها اللّه كعجول الذبيحة، كما عليه أن يثق بسيده لا بآشور أو غيرهما من ممالك الأرض فاللّه وحده هو الذى يستطيع أن يقوى الضعيف، ويرحم البائس، وينصف اليتيم، ترى هل يستطيع أن ينصت المتعثرون إلى هذا النداء الحلو الجميل؟!.. انتصار المحبة وقد اختتم هوشع نبوته بانتصار المحبة: « أنا أشفى ارتدادهم، أحبهم فضلا لأن غضبى قد ارتد عنه ».. " هو 14: 4 " وما أكثر ما يرى إسرائيل من خير بعد هذه المحبة المنتصرة، فإنه سيكون لإسرائيل كندى الحياة، يجعله مزهراً كالسوسن، جميلا كالأرز، بهيا كالزيتون، عطرى الرائحة كلبنان عميق الأصول... وهكذا يبصر اللّه فى إسرائيل مالا يراه إسرائيل فى نفسه، وما لا يمكن أن تبصره سوى عين المحبة المنتصرة، أو كما قال أحد المفسرين: « وكما تصبر الأم على ضلال ابنها، وتثق بشئ قد لا ترى منه أدنى علامة، ولكنها تأمل أن يكون يوماً، وتظل متمسكة بالأمل، حتى ولو أثبتت الأيام فشل انتظارها، فيما كانت تحلم به، غير انها تنظر إلى ولدها بقلب الأم، لا بما يبدو منه من خطأ أو عار، ولا فيما هو عليه، بل فيما يمكن أن يكون، فى ضوء رغباتها وأحلامها، وتظل تتعلل بالفكر أن ابنها أعلى وأعظم كثيراً مما يبدو فى ظاهره، ولا يمكن أن تسلم إلى النهاية بشره وبطله وضلاله، وإلا تكون قد فقدت قلب الأم وحنانها، هكذا اللّه أبونا السماوى، يمسك بنا ويتحمل كل ما يرى من مظاهر شرنا، على أمل أن يرى - يوماً ما - الخطية والجنون وقد عبرا عنا، وفى قطار المسيح يسوع نرجع إلى بيت أبينا »...على أحد التلال وقف ولد إنجليزى مع أبيه الذى كان يحدثه عن محبة اللّه، ونظر الأب شمالا إلى اسكتلندا، وجنوباً إلى إنجلترا، وشرقا إلى ألمانيا، وغرباً إلى التلال والمحيط الواسع خلفها، وقال لوالده: إن محبة اللّه يا ولدى متسعة مثل هذه الجهات البعيدة،... وقال الابن: إذاً يا أبى نحن الآن فى وسطها!!.. وإذا كان من المعتقد أن « جومر » بنت دبلايم، قد أثرت فيها محبة هوشع، فعادت إلى بيت الزوجية تقبع فى عقر دارها، تجتر، حزنها وألمها أياماً كثيرة، قبل أن تفهم معنى التوبة والوفاء لزوجها،.. وإذا كان إسرائيل قد عاش فى الآم المنفى والسبى، سنوات طويلة، قبل أن تعود البقية من أسباطه إلى اللّه، وتظهر فى أمثال شاول الطرسوسى بعد مئات من السنين، وإذا كان الابن الضال قد عاد إلى أبيه بعد الجوع والضيق والمشقة والحرمان،... فسنظل دائماً - على أية حال نكون - كما ذكر الغلام الإنجليزى - فى وسط دائرة محبة اللّه وقلبها، لنسمع ما قاله هوشع بن بئيرى فى ختام نبوته، " ربما فى عام 735 ق.م. "،: « أنا أشفى ارتدادهم. أحبهم فضلا لأن غضبى قد ارتد عنه » " هو 14: 4 "..!!...
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل