المقالات

06 يوليو 2022

مقاييس الخدمة ونجاحها ج2

4- كثرة المخدومين كما تتميز عظمة قائد في جيش، بأنه قائد مائة أو قائد ألف. وهكذا كلما زاد عدد المخدومين، يعتبرون هذا دليلًا على نجاحها ونموها. وقد يكون الأمر كذلك فعلًا، ولكنه ليس مقياسًا ثابتًا بصفة مطلقة فليس نجاح الخدمة في كثرة عدد المخدومين، وإنما في الذين غيرت الخدمة حياتهم، وأوصلتهم إلى الله السيد المسيح كان يعظ آلاف كما في الخدمة الروحية التي سبقت معجزة الخمس خبزات والسمكتين. وكانت له خدمة أخرى مركزة في الإثنى عشر، وكانوا أهم من تلك الآلاف بكثير، بل هم الذين جذبوا إلى الإيمان مدنًا وأقطارًا فيما بعد. وجميل قول الكتاب في نجاح خدمة هؤلاء "وكان الرب في كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون (أع2: 47). إذن ليس نجاح الخدمة في عدد الذين يسمعون، إنما في عدد الذين يقبلون الكلمة بفرح، وتثمر فيهم، وتقودهم إلى التوبة، وإلى حياة القداسة والكمال.ومن هنا كنا ننادي بفصول مدارس الأحد المحدودة العدد، التي يستطيع فيها المدرس أن يهتم بكل تلميذ، ويخدمه خدمة حقيقية ناجحة، ويفتقده ويرعاه.وبنفس الوضع عملنا على تقسيم الإيبارشيات إلى مناطق محدودة يستطيع الأسقف أن يرعاها ويزورها، ويهتم بكل مدينة فيها وكل قرية، ولا تضيع تلك المدن والقرى وسط المسئوليات الضخمة التي كان يكلف فيها المطران برعاية بضع محافظات!! وقد أرانا الرب بأمثلة عديدة أهمها العناية بالفرد الواحد في الخدمة، كما فعل زكا (لو19) وأيضًا مع نيقوديموس (يو3) ومع المولود أعمى (يو9) وغيرهم البعض يضع مقياسًا آخر لنجاح الخدمة هو: 5- كثرة الإنتاج. كالقيام بعدد كبير من الخدمات، أو إنشاء عدد كبير من فروع الخدمة، أو من الأنشطة وقد يتوه في كل ذلك، ولا يحسن الإشراف على كل تلك الأنشطة، أو يضطر إلى تعيين عدد من الخدام بغير إعداد. وتفقد الخدمة روحياتها بكثرة اتساعها وقلة عمقها.. إذن ما هي المقاييس السليمة لتقييم الخدمة؟ وما هي عناصر القوة في الخدمة؟ 6- عناصر القوة في الخدمة أهمية الخدمة هي ما فيها من قوة ومن عمق، وما فيها من حب وبذل. ما فيها من تأثير، ومن تغيير للناس. وليس الأمر مسألة ضخامة المسئوليات، أو شهرة المكان، أو كثرة المخدومين، أو طول مدة الخدمة، وسائر هذه الأمور الجانبية وسنحاول هنا أن نتناول بالتفصيل بعض نواحي القوة في الخدمة، فنذكر منها: أ‌- الكلمة المؤثرة ظهرت هذه في خدمة السيد المسيح له المجد انظروا دعوة متى الإنجيلي مثلًا: يقول الكتاب "وفيما هو مجتاز رأى لاوي بن حلفى جالسًا عند مكان الجباية، فقال له اتبعني. فقام وتبعه" (مر2: 14) (مت9: 9).. إنها مجرد كلمة قالها لإنسان جالسًا في موضع مسئولية مالية. قالها الرب له، فترك مسئوليته، وقام وتبعه، دون أن يسأل إلى أين؟ ونفس قوة الكلمة وتأثيرها في الدعوة.. ظهرت في دعوة الرسل الأربعة الصيادين.يسجل ذلك القديس مرقس الإنجيلي فيقول"وفيما هو يمشي عند بحر الجليل، أبصر سمعان وأندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر – فإنهما كانا صيادين – فقال لهما يسوع هلمَّ ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس. فللوقت تركا شباكهما وتبعاه. ثم اجتاز من هناك قليلًا، فرأى يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه، وهما في السفينة يصلحان الشباك، فدعاهما للوقت، فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأجراء، وذهبا وراءه" (مر1: 16 – 20).بتأثير قوة الدعوة، تركوا كل شيء، وللوقت.. أي بدون تردد، وبدون إبطاء، وبدون جدال، تركوا السفينة والشباك والأب، ومصدر الرزق. بل قال بطرس للرب ملخصًا كل ذلك".. تركنا كل شيء وتبعناك" (مت19: 27).. ذلك لأن كلمة الدعوة كانت لها قوتها، فحدثت الاستجابة لها بسرعة، لأنها اخترقت القلب والفكر والإرادة.وكما كانت قوة الكلمة في الدعوة، كانت للسيد أيضًا قوته في الوعظ والتعليم لما أكمل عظته على الجبل، قيل عنه "بُهتت الجموع من تعليمه، لأنه كان يكلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مت7: 28، 29). وقيلت نفس العبارة عن تعليمه في كفر ناحوم "فبهتوا من تعليمه، لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مر1: 22) وكانت له قوة الكلمة في إقناعه من يحاورهم إنه المنطق العجيب والدليل القوي الذي شرح به للكتبة والفريسيين جواز فعل الخير في السبوت (مت12: 1- 12). وكذلك في موضوع القيامة، قيل إنه "أبكم الصدوقيين" (مت22: 34). وبعد ردوده القوية على الناموسيين والفريسيين، قيل "فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله البتة" (مت22: 46) والكلمة كان لها تأثيرها أيضًا في عاطفيتها وحبهامثل قوله لزكا العشار "أسرع وانزل لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك" (لو19: 5).. كلمة في عمق محبتها وتواضعها قادت ذلك الرجل الخاطئ إلى التوبة، فقال "ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين. وإن كنت قد وشيت بأحد، أرد أربعة أضعاف".. وهكذا بكلمة من الرب لها قوتها، حدث خلاص لذلك البيت.إن قوة الكلمة المؤثرة نراها أيضًا في خدمة آبائنا الرسل. عظة واحدة ألقاها بطرس الرسول في يوم الخمسين، كانت نتيجتها أن اليهود نُخسوا في قلوبهم، وانضم إلى الإيمان ثلاثة آلاف نفس، واعتمدوا جميعهم (أع2: 37- 41). وقبلوا ذلك بفرح.وقوة الكلمة تظهر في خدمة بولس الرسول أيضًا. حتى أنه وهو أسير يُحاكم أمام فيلكس الوالي، "بينما يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة، ارتعب فيلكس الوالي" (أع24: 25). وفي محاكمته أمام أغريباس الملك، قال له ذلك الملك "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا" (أع26:28). ب‌- قوة البذل البعض قد يستريح للخدمة السهلة التي لا تعب فيها ولا صعوبة. ولكن قوة الخدمة تظهر في صعوبتها واحتمال هذه الصعوبة، بكل بذل وفرح.مثال ذلك خدمة القديس بولس الرسول "تعب وكدّ، في أسهار مرارًا كثيرة، في جوع وعطش.. في برد وعُري.. بأسفار مرارًا كثيرة، بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية، بأخطار في البحر.." (2كو11: 26، 27) "في صبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات، في ضربات في سجون، في اضطرابات في أتعاب، في أسهار في أصوام" (2كو6: 4، 5) ومع ذلك يقول: "كحزانى ونحن دائما فرحون" (2كو6: 10) الخدمة الروحية تعب من أجل الرب وملكوته، وهي جهاد وتعب من أجل خلاص النفس. وقيل عنها"كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو3: 8). وهكذا كانت خدمة الآباء الرسل. بدأت وسط اضطهادات الرومان، ودسائس اليهود، ومعارضة وشكوك الفلاسفة الوثنيين، وعذابات الاستشهاد، وفي أماكن جديدة، لا مؤمنون فيها ولا كنائس ولا أية إمكانيات.. وبلا كيس ولا مزود.وكمثال لذلك: خدمة القديس مار مرقس الرسول دخل الإسكندرية، فقيرًا بحذاء ممزق، حيث لا مسيحيون هناك، ولا كنائس، بل توجد ديانات عديدة: منها آلهة الرومان بقيادة جوبتر Jupiter، وآلهة اليونان بقيادة زيوس Zeus، والعبادات الفرعونية بقيادة آمون ورع، وكذلك اليهودية في اثنين من أحياء الإسكندرية. ومكتبة الإسكندرية الحافلة بمئات الآلاف من كتب الوثنيين.. وعدم وجود أية إمكانيات على الإطلاق. ولكن مار مرقس صبر وجاهد، حتى حوّل الجميع إلى مسيحيين ماذا نقول أيضًا عن الذين بشروا في بلاد أهلها من أكلة لحوم البشر؟! إن الخدمة التي يبذل فيها الإنسان ويتعب، هي الخدمة الحقيقية ومقياس التعب والبذل، هو مقياس أساسي في الخدمة مثال ذلك خادم يتعب ويحتمل من أجل تهذيب تلميذ مشاكس في فصل، أو أم تتعب في تربية ابن عنيد، أو كاهن يتعب في خدمة أو في رعاية الحالات الصعبة، أو في المشاكل العائلية المعقدة مقياس آخر للخدمة هو عنصر العمق.. ت - عنصر العمق أعمال عظيمة قام بها أنبياء ورسل في خدمة. ولكن لا يوجد واحد منها يوازي طاعة أبينا إبراهيم في ذهابه لتقديم ابنه الوحيد محرقة للرب.. (تك22) هنا عمق معين يعطي لعمله وزنًا خاصًا وقيمة ليست لأي عمل آخر. هنا إيمان وبذل، ومحبة نحو الله أكثر من محبته للابن الوحيد ابن المواعيد. وكثيرون قدموا عطايا مالية لبيت الله. ولكن فاقت كل هؤلاء الأرملة التي ألقت الفلسين في الصندوق. وعمق عطائها أنه كان من أعوازها (لو21: 4) وما أكثر الذين حاربوا حروب الرب بقوة وانتصروا. ولكن فاق كل هؤلاء تقدم الصبي داود بحصاة في مقلاعه ليحارب بها جليات الجبار الذي أخاف الجيش كله.. لقد كان في تقدمه للمحاربة إيمان عميق بأن الحرب للرب، والله هو الذي سيدفع ذلك الجبار إلى يديه (1صم 16).إنك قد تلقي مائة درس في مدارس الأحد. ولكن كلها لا تكون عند الله مثل مرة واحدة كنت فيها مريضًا ومرهقًا، ومع ذلك لم تستسلم لهذا العذر، وذهبت إلى الخدمة مفضلًا الخدمة على نفسك أو أنك ذهبت لتخدم في أيام امتحان، وأنت محتاج إلى كل دقيقة من وقتك.. هنا للخدمة عمق خاص. إن الله لا يقيس الخدمة بكثرتها، وإنما بعمقها ونوعيتها. هناك مقياس آخر لعمق الخدمة هو: الخدمة في الخفاء. ت‌- الخدمة في الخفاء الخدمة المُخفاة تكون أعمق من الخدمة الظاهرة. الخدمة الظاهرة قد ينال منها الخادم شهرة أو مديحًا. وهكذا لا تكون كلها للمخدومين أو لله كما هو الحال في الخدمة المخفاة. ومع ذلك فالخدمة الخفية قد تكون أقوىإن الناس يعجبون بالبناء الشاهق الجميل في منظره وفي هندسته. ولا يتحدثون إطلاقًا عن الأساس القوى المخفي تحت الأرض، الذي يحمل هذا البناء كله، ويعمل عمله في خفاء والناس يعجبون بلمبات الإنارة التي تبهرهم بضوئها. ولا يفكر أحد في المولد الكهربائي الذي يغذي هذه اللمبات بالنور، والذي لولاه ما كانت تضئ. ويقينًا هو العنصر الأقوى والأساسي. وبنفس الأسلوب قد يعجب الناس بالسيارة الفخمة في منظرها الخارجي، أما الموتور القوي الذي يحركها فلا يفكر فيه أحد، لكنه يعمل عمله في خفاء وهكذا في الخدمة، قد يعجب الناس بنجاحها وبمجهود الخادم فيها. ولا أحد يفكر في الصلوات التي رُفعت من أجلها، وكانت السبب في نجاحها.. هذه الصلوات هي الخدمة الخفية القوية. كلنا نذكر سفر لعازر الدمشقي للحصول على زوجة مؤمنة لإسحق ابن سيده إبراهيم، وكيف نجح في مهمته، وعاد معه برفقة. ولكن من يذكر صلوات إبراهيم التي رفعت من أجل لعازر الدمشقي، وكانت السبب في نجاحه. ولذلك قال ذلك العبد الأمين لأهل رفقة "لا تعوقوني والرب قد أنجح طريقي" (تك24: 56). وكيف أنجح الرب طريقه؟ يرسل ملاكه معك وينجح طريقك" (تك24: 40) حقًا إن الصلاة هي خدمة مخفاة وهكذا قال القديس بولس الرسول لأهل أفسس "مصلين بكل صلاة وطلبة.. لأجل جميع القديسين ولأجلي، لكي يُعطى لي كلام عند افتتاح فمي" (أف6: 18، 19).كلام الواعظ هو الخدمة الظاهرة. أما أمثال صلاة أهل أفسس فهي خدمة مخفاة. يضاف إليها في أيامنا، خدمة الافتقاد التي تأتي بسامعين يسمعون العظة.. وكذلك خدمة كل الذين يرتبون للاجتماع وينظمونه الاجتماعات العامة خدمة ظاهرة. ولكن تقبل الاعترافات وقيادة الخطاة إلى التوبة هي خدمة مخفاة وقد يوجد في إحدى الكنائس كاهنان: أحدهما يعظ ويحضر الكثيرون لسماعه، وخدمته ظاهرة للكل. بينما زميله الآخر ليست له اجتماعات للوعظ. ولكنه يقضي الساعات الطويلة يستمع إلى الاعترافات، ويقود المعترفين إلى التوبة، ويرشدهم، ويصلي لأجلهم. وخدمته هذه عميقة الأثر جدًا.. وهكذا كان القمص ميخائيل إبراهيم.وربما من أمثلة الخدمة المخفاة: العمل الفردي. ج‌- العمل الفردي إن خدمة المجموعات الكبيرة لها صفة العمومية. وقد تحدث تأثيرًا عامًا، لا تتلوه متابعة.. أما الخدمة الفردية، ففيها التخصص، وفيها المتابعة. وهذا أعمق. انتقل الآن إلى خدمة أخرى هي:- ح‌- الخدمة الصامتة وأعني بها خدمة القدوة. وهي خدمة عملية.وليس فيه الحديث عن الفضيلة والقداسة، وإنما تقديم النموذج أو المثال العملي لها، بدون شرح أو كلام. وهي خدمة أكثر عمقًا، حتى إن كان صاحبها لا يُحسب بين الخدام. إنه ليس واعظًا، ولكنه هو نفسه العظة، يتعلم الناس من حياته لا من كلماته. وإن تكلم يتعلمون منه أسلوب الكلام الروحي.يذكرني هذا النوع من الخدمة بأحد الآباء الذي لم يطلب من القديس الأنبا أنطونيوس كلمة منفعة، وإنما قال له "يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبي..".ولعله من هذا النوع تنبثق خدمة أخرى هي:- خ‌- خدمة البركة كما قال الرب لأبينا إبرآم حينما دعاه "أباركك وتكون بركة" (تك12: 2) وهكذا نجد أن يوسف الصديق كان بركة في أرض مصر، وكان بركة من قبل في بيت فوطيفار. وكان إيليا النبي بركة في بيت أرملة صرفة صيدا. وكان أليشع النبي بركة في بيت الشونمية.. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي الجزء الأول
المزيد
05 يونيو 2022

ثقوا أنا قد غلبت العالم

الوعد الذي سمعناه اليوم هو الذي يجعلنا نشعر بوجود الله معنا "في العالم سيكون لكم ضيق لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم"، فكل من يواجه صعوبات أو ضيقات يردد هذا أيضاً في قلبه، والثقة في المسيح نفسه أنه قد غلب العالم علي كل المستويات، رؤ 5:5 " قال لي أحد الشيوخ لا تبكي هوذا قد غلب الأسد، الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومة" قادر أن يخرجنا من جب الأسود كما أخرج دانيال ويخرجنا من جوف الحوت كما اخرج يونان، قادر أيضاً أن يخرجنا من هذا العالم إلي سمائه. رؤ 1:12 "سمعت صوتاً عظيماً في السماء هوذا قد صار خلاص إلهنا وملكه وسلطانه وسلطان مسيحه لأنه قد طرح المشتكي علي أخواتنا الذي كان يشتكي عليهم أمام إلههم نهاراً وليلاً وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتي الموت" هذه الشكوي هي التي تجعل له سلطان، ولكن لا تسقط شعره من رأس أحد بدون إذن ربنا، أحياناً ينتهز الشيطان فرصه الأرض والتجارب والحرية المتاحة ويطلب السلطان بتجارب، مثل أيوب البار الذي قال في النهاية "بسمع الأذن سمعت عنك أما الآن فقد رآتك عيناي" ويسمح لنا أيضاً أن نُجرب هذا لا يعني أننا متروكين خارج أحضانه، ولكن كلما كنا في التجارب نشعر بأحضانه أكثر "في كل ضيقاتهم تضايق" ، "لنا رئيس كهنة قادر أن يعين المجربين أيضاً" في أحدي صلوات قداس من القرن الثالث: " من أجل جسدك ودمك فلنتحرر من خطايانا، من أجل المر الذي شربته من أجلنا فليبتعد عنا الشيطان، من أجل الخل الذي شربته ليت ضعفنا يجد قوة، من أجل الكتان الذي كفنت به لنلبس قوتك غير المقهورة" نحن نتشفع بألآمه، نتشفع بأنه يحتمل الضيق والتعب، نتشفع بأنه كان في صورتنا آخذناً صورة عبد حاملاً كل ضيقنا وضعفنا. لا يقدر الشيطان أن ينتصر علي آي شخص في المسيح، حتي وأن كنت تسقط وتقوم ولكن حينما تقدم توبة تنتصر "لا تشمتي بي يا عدوتي لأني أن سقطت أقوم" " الصديق يسقط في اليوم سبع مرات ويقوم"، صديق لأنه يقوم أيضاً، لأنه يقظ، ويقف وينتصر، في كل مرة يأتي الليل نشعر بكآبه وضيق وضعف لأن الليل قد ساد النهار، ولكن بقليل من الصبر نجد الشمس تغلب والنور يشرق، المسيح الغالب والمنتصر هو مجدنا الحقيقي، في سفر دانيال يقول: "أما قديسي العلي فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة إلي الأبد، المملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطي لشعبي قديسي العلي، ملكوته ملكوت أبدي وجمبع السلاطين إياه يعبدون" يقول القديس أغريغوريوس النيصي: "لقد تغير كل شئ لأجلنا نحن الذين كنا وارثين الخطية، صرنا فرحين وها نحن نري الفردوس ينفتح أمامنا والسماء والأرض التي أنقسمت وحدتها تترنم الآن بألفه جديدة، لقد توافق البشر مع الملائكة، وهاهم يتغنون بمعرفة الله، فرحاً افرحوا بالرب لأنه ألبسني ثياب الخلاص" يقول البابا أثناسيوس: "الآن يا أحبائي قد سحق الشيطان ذاك الطاغية الذي هو ضد العالم كله، لا يعود يملك، بل يتسلط الحياة عوض الموت،إذ يقول المسيح انا هو الحياة، ابطل الموت ..تهدمت مملكة الشيطان .. وهوذا الكل فرحاً" بالرغم من ضعفنا والأمور المحيطة بنا، ولكن لنا مسيح غافر خطايانا وفاتح أحضانه دايماً، يعطي الأنتصار حتي لهؤلاء الذين صارت حياتهم فتيلة مدخنه لا يقصفها، بل يأتي ويعين هذا الضعيف ويغفر للذي حمل أثماً أمامه. كلما تشعر أنك ضعيف أفتح الكتاب المقدس وأمسك في وعوده. يقول الأنبا أنطونيوس لأولاده: "ذاك الروح الناري الذي قبلته اقبلوه أنتم أيضاً" روح يستطيع أن يغلب فيك. يقول أبو مقار: "النفس إذ كان لها أمانة في شركة الروح القدس فأن نار الروح القدس ونوره يحصنها ضد آي ضرر" ، "قفوا علي أرجلكم اطلبوا اصرخوا كمجروحين جرحاً مميتاً" بقول ذهبي الفم: "أنه يجول طالباً سبباً لخلاصنا ولو دمعة بسيطه نسكبها يسرع يأخذها سبباً لخلاصنا"حينما خلقنا لم يخلقنا للموت أو السقوط أو الشيطان إنما خلقنا أن نكون له وبه وفيه نحيا. لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
26 يونيو 2022

الله صنع إنسانية حسب إرادته

الله اعطي الكنيسة سلطان التغيير والخلاص، وصنع إنسانية حسب إرادته لا تجرح لا تكره لا تدين ولهاعلاقة قويه بالإله الذي أحبها حتي مات لأجلها، وعلاقه قويه بيننا وبين بعض، وكانت كلمات ربنا دائماً هي بناء إنسانية جديده يصلح فيها ما قد فسد.نحن ولدنا ترابيين ولكن في المسيح نحيا سمائين، ولدنا زمنين ولكن في المسيح نعبر من هذا الزمن إلي الأبديه، ولدنا يعمل فينا الفساد ولكن بالمسيح نستطيع أن نغلب هذا الفساد، "هم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتي الموت" فتلك الغلبه هي التي نأخذها لفعل الروح القدس وبدم المسيح وبأسرار الكنيسه.حتي تفيض علينا نعمة الله، ويعمل فينا روحه االقدوس لأبد أن يتوافق الأنسان الداخلي مع عمل الله، فمن يواجه أعمال الله برخاوه أو بعدم أهتمام كيف يمكن أن يعمل فيه الروح القدس، فالذي يريد أن يخلص لأبد أن يجاهد بقوه.البدايات القويه مع المسيح تًلزم نعمة الله أن يعمل، الذي يبدأ بقوة يأخذ قوه أيضاً.الأنبا بولا بدأ بقوه ولم يحسب آي شئ حينما ذهب للبريه، ولكن تلك البداية القوية ألزمت نعمة الله أن تعمل معه.الأنبا موسي الأسود بداية التوبة قوية جداً، إنسان كان شرس جداً في طباعه يحمل كل شهوات الأرض، يحمل صورة فاسده علي كل المستويات، ولكن القوه أنه ترك هذا حقيقة وذهب في برية، البديات القوية تُلزم النعمة بعمل قوي داخل النفس مهما كانت الشخصية فاسده. الحب هوالذي نقدمه في العباده وليس خوفاً من العقاب، هذه صوره عبد لا يحمل لسيده حباً بل خوفاً، والصورة الأخري هي أبن يحب أبوه ولا يطيق أبداً البعد عنه، نحن نحبه لأننا أحبه قبلاً، لأننا نري أعماله في كل حين، كنا تراب فجعلنا بشر نحمل شبهه وحينما سقطنا لم يتركنا لحالنا لنموت ولكن تجسد وصلب ومات كي يعطينا حياة أبدية، وحينما صعد إلي السماء لم يتركنا ولكن ارسل روحه القدوس ليمكث معنا، وهو يزال في كل يوم مراحمه متجدده في كل صباح، كيف لا نحبه وهو الأمين الوحيد بينما الطبيعة كلها خائنه.الذي يريد أن يأخذ نعمة الله حقيقة يأخذها حينما يحبه، حينما يراه في كل يوم عريس سماوي، العشق الإلهي واللذه الروحيه، حينما تكلمه كأنك تكلم حبيب وليس فرضاً أو قسراً أو خوفاً.أن اردت أن تأخد نعمة الله استمر بحب، ولتكن ثقتك فيه هي التي تحميك من الحروب، قبل أن يحاربك الشيطان يكسر إيمانك ويهز ثقتك فيه، مثلما قال لأدم وحواء "أحقاً قال لكم الله؟" لو استجبت له يأخذ سلطان ولكن لو قلت له: لينتهرك الرب، إذا كان عندك ثقه وإيمان في عمله دائماً أنك محمول علي الكتفين حتي وأن كنت تدخل في تجارب أيضاً محبوب عنده. قال له داود النبي: "لا اصعد للرب محرقات مجانيه" إن كنت تريد أن تقدم ذبيحة فالذبيحة ألم وضيق، فأقبل الصليب والتجربة أقبلها كذبيحة تقدمها من حياتك ومن جسدك ومشاعرك لأنه قبلاً حمل صليباً "إن كانوا هكذا فعلوا بالعود اللين فكم يفعلوا بكم" يقول بولس الرسول"لست احتسب لشئ ولا نفسي ثمينه عندي لأتتم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع" حتي تأتي نعمة الله وحتي يعمل فينا روحة القدوس يجب أن ندرك هذا جيداً، أننا لأبد أن نبدأ بقوة ونستمر بحب ونحتمي بالإيمان.لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين القمص أنجيلوس جرجس كاهن كنيسة أبي سرجة مصر القديمة
المزيد
14 يوليو 2022

شخصيات الكتاب المقدس عاموس

عاموس " لست أنا نبيا ولا أنا ابن نبى، بل أنا راع وجاني جميز "عا 7: 14 " مقدمة فى أوائل القرن التاسع عشر، هاجم واعظ أمريكى شعبى اسمه بطرس أكرز، تجارة العبيد، وكانت هذه التجارة فى ذلك الحين، مما يبيحه القانون، ولا يرى أغلب الناس فيها ضرراً أو شراً، على أن أكرز وأمثاله من المسيحيين، رأوا فيها وصمة عار فى جبين الإنسانية والمسيحية معاً، وأنه يجدر بهم مقاومتها مقاومة الحياة أو الموت،.. ووعظ بطرس أكرز عن الرق، وندد به، وأعلن أنه لابد سيسقط فى يوم من الأيام،.. وكان هناك شاب فى الاجتماع ينصت بكل جوارحه إلى كلمات الواعظ، وقد مست شغاف قلبه، وخرج من المكان ليؤكد لصديق له، أن شيئاً ما فى أعماقه، يحدثه عن الدور الذى سيلعبه فى هذه القضية التعسة، قضية الرق،... وكان هذا الشاب هو الرجل العظيم الذى عرف فيما بعد بمحرر العبيد « إبراهام لنكولن،.. ».كان لنكولن ابن حطاب وكان فقيراً معدماً، ولكنه كان فى الوقت نفسه أميناً صادقاً، نقى القلب، متسامحاً وديعاً، يدرك أنه لا يشترط بالضرورة أن يكون الإنسان غنياً أو متعلماً أو فيلسوفاً، أو ذا مواهب متعددة، حتى يختاره اللّه،... إنما المهم أن يكون نقى القلب، مطيعاً مستعداً أن يسير حيث يرسله السيد،.. كان عاموس النبى رجلاً فقيراً، إذ كان راعى أغنام وجانى جميز، وكلا العملين لا يؤديهما إلا الفقراء المساكين المحتاجون، ومع ذلك فقد أرسله اللّه برسالة رهيبة إلى مملكة إسرائيل، ومن الغريب أن هذه المملكة كانت فى أوج مجدها حين ذهب إليها عاموس، فى أيام يربعام الثانى ملك إسرائيل، ولكن عاموس لم ير المجد، بل رأى الوثنية والشر والفساد والإثم، فتنبأ عليها بالخراب والضياع والهلاك، ومع أننا لا نعلم على وجه التحقيق متى ذهب إلى بيت إيل لكننا نرجح أن نبوته كانت عام 760 ق.م.. وها نحن نتابع قصته فيما يلى: عاموس ومن هو فى قرية تقوع الواقعة على بعد خمسة أميال إلى الجنوب الشرقى من بيت لحم، أو عشرة أميال إلى الجنوب من أورشليم نشأ عاموس. والكلمة « عاموس » من أصل معناه « يثقل » أو « يحمل » وقد ذهب المفسرون لليهود إلى أنه دعى كذلك لأنه كان ثقيل اللسان، ولكن المرجح أن اسمه كان يشير إلى الرسالة الثقيلة التى كان عليه أن يحملها إلى إسرائيل، وما نظن أبداً أن الرجل كان ثقيل النطق، بل يبدو من لهجته أنه كان إنساناً صريحاً بسيطاً وديعاً، صافى النفس والروح والمشاعر، ومع أنه - على الأغلب - لم يكن متعلماً كثيراً، لكنه كان وافر الاطلاع على أسفار موسى والكتب المقدسة،.. وإذ لم يذكر الكتاب شيئاً عن أبيه أو عائلته، يرجح المفسرون أنه كان ينتسب إلى عائلة فقيرة مغمورة، ولكن هذا الإنسان الفقير المغمور الذى لم يدخل مدرسة الأنبياء، أو يولد إبناً لأحدهم، إذ كان راعياً وجانى جميز، تفتحت نفسه إلى اللّه، ولم تتلوث بشرور المجتمعات وضجيج المدن، ولذا فكثيراً ما يشبهونه فى طباعه ومزاياه، بيوحنا المعمدان، الذى عاش فى البرية إلى يوم ظهوره لإسرائيل!!.. عاموس ورسالته سبق لنا فى الحديث عن شخصية أمصيا كاهن بيت إيل، أن تعرضنا للفارق بينه وبين عاموس، أو الفارق بين الخادم المزيف والخادم الحقيقى، وقد حاول أمصيا طرد عاموس من أرض إسرائيل، بدعوى أنه من المملكة الجنوبية، وأن رسالته لا يجوز أن تتعدى أرض يهوذا أى المملكة الجنوبية، وقد رد عليه عاموس بالقول: « لست أنا نبياً ولا أنا بن نبى، بل أنا راع وجانى جميز. فأخذنى الرب من وراء الضأن وقال لى الرب: اذهب تنبأ لبنى إسرائيل » " عا 7: 14 و15 " ولعل هذه العبارة تكشف عن رسالته العظيمة إلى أبعد الحدود!!.. الدعوة إلى الرسالة فوق روابى تقوع عاش عاموس يرعى ضأنه ويجنى الجميز، وأغلب الظن أنه كان سيعيش هكذا، ويموت هكذا لو لم يأته الصوت الذى دعاه إلى النبوة وأخذه من وراء الأغنام. ويرى بعض شراح الكتاب أن الكلمة « من وراء » تشير فى الأصل العبرانى إلى عنصرى المباغتة والأمر، اللذين أحس بهما هذا النبى الراعى،... وقد تحقق عاموس من دعوته، واستجاب لها. وما من شك أن أصواتاً كثيرة كان يمكن أن تهتف فى أذنى عاموس، بأنه ليس كفواً لهذه الخدمة، كما أن هذه الخدمة ليست له، فما هو من سلك الأنبياء، أو من أبنائهم ولم يتدرب فى مدارسهم، فكيف يمكن أن يكون نبياً، ولم يتعلم علومهم؟!!... أليس هذا هو منطق الكثيرين الذى نسمعه فى القرن العشرين؟؟، ممن يظنون أن أبناء الخدام لابد أن يكونوا خداماً مثل آبائهم، يأخذون الخدمة بالوراثة أو ما أشبه،... كما يظنون أنه لابد أن يتوافر فى الخادم العلم العالى، وأنه لا يجوز لضئيل المعرفة أو العلم، ممن لم يصل إلى الشهادات العالية، أو لم يأخذ الدراسات الدينية المنظمة أن يكون خادماً... كلا، لقد كان عاموس نبياً وخادماً للّه دون أن يكون متعلماً، ودون أن يأخذ دروساً لاهوتية معينة... كما أن عاموس كان إنساناً فقيراً مغمور الأصل والنسب، يمتهن أصغر الأعمال والحرف، فكيف يجرؤ على أن يرقى عتبات الملوك والرؤساء والعظماء، ليقرعهم برسائله المرهبة؟!.. لكن الجهل أو الفقر أو وضاعة النشأة، لم تمنع هذا النبى من الإحساس العميق بدعوة اللّه!!.. ألا فلنسمع بعضاً من أقوال جوزيف باركر عن عاموس بهذا الصدد: « إن خدام اللّه لا يصنعون أنفسهم، فليكن المجئ إلى الخدمة مجيئاً ضاغطاً لا يقاوم، مصحوباً بالإحساس العميق لعدم الكفاية، ولتكن حياة الخادم ختما وشهادة ومصداقاً للدعوة، وسيجد اللّه خدامه،.. وأى رجال يدفعهم الناس للخدمة هم رجال مخطئون، قد يكونون لطفاء ولطفاء جداً، وقد يكون بعضهم بهى الطلعة وادع النفس برئ النظرة، له وداعة الأطفال وحلاوتهم، لا يحدث ضجيجاً ما فى مجلس، ولا يؤذى أو يبغض مخلوقاً، … ومع ذلك، فاللّه هو الذى يجد خدامه وقد يكون البعض الآخر خشناً عنيفاً ذا قرون ناطحة، وله تعليم لاهوتى منظم، ولكن المهم هو كيف يتكلم عندما يعظ، وكيف يلتهب ويهدد من جانب، ويرعى ويرفق من الجانب الآخر؟؟.. عندما يلتقى بالمتكبرين الذاتيين يشتعل بالغيرة المقدسة والسخط الإلهى، وعندما يلتقى بالمنبوذين والتعابى والمنفردين والضائعين، يقول قول السيد للمرأة التى أمسكها اليهود ليرجموها « إذهبى ولا تخطئ أيضاً ».. " يو 8: 11 ". مكان الرسالة «إذهب تنبأ لشعبى إسرائيل »... " عا 7: 15 " عندما يرسل اللّه رسولا يقنعه بالمكان الذى سيذهب إليه، وقد يكون هذا المكان بعيداً عن البيئة والأهل والعشيرة، وقد يكون مكاناً مرعباً مرهباً بغيضاً، لكن الواجب الأول علينا هو أن نطيع ونذهب إلى المكان الذى يختاره الرب، كان عاموس من المملكة الجنوبية مملكة يهوذا، وكانت تقوع فى الجنوب من أرض فلسطين لكن اللّه أمر عاموس أن يترك بلده وأهله ومملكته ليذهب إلى بيت إيل فى مملكة الشمال ويتنبأ عليها... إن فشل الكثيرين من الخدام والمرسلين، يرجع إلى أنهم يريدون أن يختاروا لأنفسهم الأماكن التى فيها يعملون!!.. ثقل الرسالة «فأخذنى الرب من وراء الضأن وقال لى الرب إذهب »... كان اسم « عاموس » - كما ذكرنا - يعنى الحمل أو الثقل، نسبة للرسالة الثقيلة التى كان عليه أن يحملها ويبلغها: « فقال السيد: ها أنا واضح زيجاً فى وسط شعبى إسرائيل. لا أعود أصفح له بعد، فتقفر مرتفعات اسحق وتخرب مقادس إسرائيل وأقوم على بيت يربعام بالسيف».. " عا 7: 8 و9 " وما أثقلها من رسالة، تلك التى يهاجم فيها فرد واحد أمة وملكاً وكهنوتاً وشعباً!!.. كان وراء الضأن وفى ظلال الجميز هادئاً وادعاً ساكناً آمناً، فما باله يقتحم المخاطر، ويمضى إلى عرين الأسد ليسمع قول أمصيا للملك: « وقد فتن عليك عاموس فى وسط بيت إسرائيل. لا تقدر الأرض أن تطيق أقواله » " عا 7: 10 " كان أمصيا - كما ذكرنا عند تحليل شخصيته - موتورا من الرجل الذى جاء يتهدده ومجده وكهنوته وبيته ومركزه فى وسط الشعب، وقد توعده وأرهبه، عساه أن يبتعد ويرجع إلى بيته وأمته،... على أن عاموس كان يحس ثقل الرسالة على وجه أشد وأقسى، لأنها كانت تتناول أمة عزيزة عليه، أثيرة على قلبه،... ولكنه لم يكن يستطيع التحول عنها يمنة أو يسرة، أو يتراجع عن إبلاغها، ولو كلفته حياته لأنها صوت الرب الذى تكلم إليه، أو كما قال: « السيد الرب قد تكلم فمن لا يتنبأ » " عا 3: 8 "!!.. غرابة الرسالة كانت رسالة عاموس غريبة لأنها تحدثت عن خراب إسرائيل، فى وقت كان إسرائيل يمرح فى حياة المجد والبذخ والقوة،... ولو أن كاتباً من كتاب التاريخ طلب إليه أن يتحدث عن عصر يربعام الثانى، لتحدث عن المجد والثروة العظمة والسلطان والقوة، وكان آخر ما يفكر فيه كلمة الخراب، لكن عاموس أبصر هذه، وأبصر فيها وخلفها الخطية، فنادى بالسقوط والانهيار، ولكن التاريخ دائماً يعطى صورة صادقة لفكر عاموس ونبوته، فإن الخطية هى السوس الذى ينخر فى عظام الأمة، فى صمت وخفاء، فإذا جاء الانهيار، فإنه يأتى مباغتة ودون توقع من أحد!!.. عاموس والعبادة الكاذبة كانت العبادة الكاذبة فى إسرائيل أس الداء وأساس البلاء، وقد وقف منها عاموس موقف التنديد والهجوم الصارخ، وكان من المستحيل عليه أن يهدأ أو يسكن، والعبادة الوثنية الشريرة تتفشى فى كل البلاد، ففى كل إسرائيل من دان إلى بئر سبع أقيمت المرتفعات المحلية والأنصاب لتمجيد البعل والعجل الذهبى، ويرجح أن بئر سبع والجلجال كانتا المكانين الرئيسيين لعبادة البعل، بينما كانت السامرة وبيت إيل مخصصتين للعجل الذهبى، ومما يدعو إلى الأسف والحزن والغرابة معاً، أن الإسرائيليين أرادوا أن يخلطوا بين النور والظلمة، والحق والباطل، واللّه والشيطان، إذ كانو يحفظون الطقوس،الفرائض، الأعياد، ويقدمون المحرقات والتقدمات والذبائح، ولكن على هذه المذابح الوثنية وبأسلوبها المنحرف الشرير، وها نحن نرى عاموس يتحدث عنها فى أسلوب تهكمى لاذع فيقول: « هلم إلى بيت إيل وأذنبوا إلى الجلجال وأكثروا الذنوب وأحضروا كل صباح ذبائحكم وكل ثلاثة أيام عشوركم » " عا 4: 4 " وقد رأى عاموس كذب العبادة من أكثر من وجه: عبادة من صنع الإنسان فالعبادة التى أقامها بنو إسرائيل فى دان وبيت إيل والجلجال وبئر سبع، عبادة من صنع الإنسان وتفكيره، وما عجول الذهب التى صنعها يربعام بن نباط إلا وليدة فكرة سياسية، فقد أراد أن يبتعد بالإسرائيلين بعد انقسام المملكة عن أورشليم وعبادتها السماوية، ولذا أقام فى دان وبيت إيل عجلى الذهب،... وأما بعد فهو الصورة التى ابتكرها الخيال الوثنى، لتعبر للعابدين عن الإله الذى يتخيلونه أو يتصورونه، وهنا يتم فيهم قول الرسول. « وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء، وأبدلوا مجد اللّه الذى لا يفنى يشبه صورة الإنسان الذى يفنى والطيور والدواب والزحافات »... " رو 1: 22 و23 " إن كل عبادة كاذبة من أصل بشرى!!.. عبادة الإغراق فى الطقوس والملاحظ فى العبادة التى تحدث عنها عاموس، أنها عبادة طقسية، بل عبادة عمادها الأول والأخير الإغراق فى الطقوس، فالتقدمات والمحرقات والنذور كانت هائلة، وقد سخر النبى من العابدين وهو يقول: « وأحضروا كل صباح ذبائحكم، وكل ثلاثة أيام عشوركم »... والعشور سنوية، وكل ثلاث سنوات، ولكنهم أكثروا من تقدمتها بكيفية مذهلة عجيبة، والواقع أن الإغراق فى الطقوس نوع من الخداع النفسى الذى يلجأ إليه الإنسان لإراحة نفسه وتهدئة ضميره فى العبادة،... وماذا نقول اليوم عن الطقوس التى تصاحب العبادة والأعياد والأفراح والجنائز، الطقوس التى غدت ترتد بنا فى بعض المواطن، إلى ما يشبه الوثنية القديمة التى ندد بها عاموس!!.. العبادة التى لا خير فيها هذه العبادة لا خير فيها على الإطلاق سواء للأمة أو للأفراد، ولعل الدليل على هذا هو المصير المفزع الذى سينتهى إليه الجميع، وما سيصيب أماكن العبادة التى ستدمر تدميراً، فالجلجال ستسبى سبياً، وبيت إيل تصير عدماً، وسيقتحم الرب بيت يوسف كنار تحرق ولا يكون من يطفئها من بيت إيل،.. " انظر عا 5: 5 و6 " ولو أن العبادة كان فيها أدنى خير لغيرت حياة المتعبدين، الذين ظلوا على ما هم فيه من شرور، بل أمعنوا فى آثامهم وضلالهم حتى قال لهم النبى: « يا أيها الذين يحولون الحق إفسنتينا ويلقون البر إلى الأرض »!!.. " عا 5: 7 ". عاموس والعبادة الصادقة لم يكتف عاموس بالتنديد بالعبادة الكاذبة، بل وجه الأنظار إلى العبادة الصادقة، وكشف عن إتجاهها ومضمونها!!.. وهى: العبادة التى تطلب اللّه «اطلبوا " الرب " فتحيوا » "عا 5: 4 و6 " ولم يكن هذا الإله مجهولا أو محدوداً أو ضعيفاً أو مصنوعاً وفق الخيال البشرى، بل هو الإله المتعالى السامى المقتدر « الذى صنع الثريا والجبار ويحول ظل الموت صبحاً ويظلم النهار كالليل الذى يدعو مياه البحر ويصيبها على وجه الأرض يهوه اسمه » " عا 5: 8 " هو الإله الذى: « السموات تحدث بمجده والفلك يخبر بعمل يديه » " مز 19: 1 " الذى يستطيع أن يجعل القوى ضعيفاً، والضعيف قوياً يخرج النور من الظلمة، ويرسل الظلمة إلى النور، إله الطبيعة والإنسان، العارف بكل الأمور، والقادر على كل شئ..!! هذا الإله العظيم يقترب إلى الناس، ويقول: « اطلبونى فتحيوا ». ولعله من اللازم أن نشير دائماً، إلى أن العبادة، وإن بدت لأول وهلة طلب الإنسان للّه، إلا أنها فى الحقيقة هى طلب اللّه للإنسان، والدليل على ذلك مستمد من القول الإلهى: « اطلبوا الرب »... وهو قول يجاهد فيه اللّه وراء الإنسان، ويتجه إلى إرجاعه إلى الوضع الصحيح، فإذا نظرنا إلى العبادة بهذا المعنى، أضحى اللّه أسمى هدف يتجه إليه الإنسان، فهو يتجه إلى الحياة نفسها، فهنلك علاقة دائمة بين وجه اللّه والحياة، وبين الشركة مع السيد، وأفضل ما يمكن أن نصل إليه على الأرض،... إذ أن اللّه - فى الواقع - هو الحياة نفسها، ومن ثم كان الرسول بولس دقيقاً أبلغ الدقة وهو يقول: « لأن لى الحياة هى المسيح » " فى 1: 21 ".. وكان أوغسطينوس على حق وهو يقول: « قد خلقتنا لنفسك وقلوبنا لن تجد الراحة إلا عندك ».. العبادة التى تطلب البر إن العبادة فى إتجاهها إلى اللّه، لابد تتجه حتما إلى حياة البر والحق والقداسة، وهنا يقول عاموس: « أطلبوا الخير لا الشر لكى تحيوا فعلى هذا يكون الرب إله الجنود معكم كما قلتم. ابغضوا الشر وأحبوا الخير وثبتوا الحق فى الباب لعل الرب إله الجنود يتراءف على بقية يوسف ».. " عا 5: 14 و15 " « وليجر الحق كالمياه والبر كنهر دائم » " عا 5: 24 " لقد ضاق اللّه بالطقوس والفرائض: « بغضت كرهت أعيادكم ولست ألتذ بأعتكافاتكم. إنى إذا قدمتم لى محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضى وذبائح السلامة من مسمناتكم لا ألتفت إليها. أبعد عنى ضجة أغانيك ونغمة ربابك لا أسمع » " عا 5: 21 - 23 " هل نعلم أن اللّه يهتم بحياة الحق والخير والبر والأستقامة، وأن هذا أجمل وأفضل وأقدس أمامه، من الاهتمام ببناء الكنائس، ورسومها، وجوقات الترنيم، وما أشبه؟!!.. عاموس والشرور الاجتماعية هاجم عاموس الشرور الاجتماعية التى أبصرها فى إسرائيل، هجوماً عنيفاً صريحاً لاذعاً، وهذه الشرور الاجتماعية ليست قاصرة على إسرائيل القديمة، إذ أن جرثومتها تكمن فى أعماق النفس البشرية الخاطئة، ولذلك ما أكثر ما نراها فى قصة التاريخ فى الشرق والغرب معاً، وما أكثر ما تراها - على وجه أدق وأخص - قبيل سقوط الدول العظيمة، فالذين قرأوا تاريخ سقوط الدولة الرومانية القديمة، أو الثورة الفرنسية، أو الثورة الشيوعية يعلمون أن جميع هذه الدول سقطت بسبب نفس الشرور التى هاجمها عاموس قديماً.. والتاريخ يعيد نفسه كما يقولون، ولذا سنرى: عاموس والشهوات الحسية إن أقسى مأساة تصاب بها أمة أو أسرة أو فرد، هى الاستسلام للشهوات الحسية العالمية، وقد انغمس إسرائيل فى هذه الشهوات إلى آخر مدى، وليس أدل على ذلك من إنحراف الطبقة الأرستقراطية من النساء والرجال وراء جميع المتع واللذات، وها عاموس فى الأصحاح الرابع من سفره يدعو النساء « بقرات باشان » إذ أبصرهن يرتعن كالبهائم دون فهم أو عقل أو إدراك، فى رياض المتعة والشهوة والشرور، بل كن يحرضن أزواجهن على الطاس والكأس، وفى الأصحاح السادس يتحدث عما يصحب هذا الإغراق الحسى من آثام ودنايا... فساسة صهيون والرؤساء فى جبل السامرة، والنقباء فى أفضل مملكة فى الأرض، الذين يأتى إليهم بيت إسرائيل، يلتمسون الرأى والمعونة والإرشاد والمشورة، هؤلاء قد استكانوا إلى الراحة والأطمئنان والكسل والجمود، وإهمال الواجب... ولم ينتهوا إلى هذا فحسب بل نسوا العبرة التى كان يمكن أن تأتى إليهم ممن سلكو ا ذات السبيل قبلهم من الأمم المجاورة، وخربوا وهلكوا وضاعوا.. « أعبروا إلى كلتة وانظروا واذهبوا من هناك إلى حماة العظمة ثم انزلوا إلى جت الفلسطينيين » " عا 4: 2 " ثم تأمل رعونتهم وحمقهم وغباوتهم إذ « يبصرون يوم البلية » بمثل ما تفعل النعامة الحمقاء المطاردة الهاربة المعيية، عندما تدفن فى الرمال رأسها لتبعد عنها سهم الصياد وقوسه،... وانظر إليهم وقد أصيبوا بالبطنة، فهم يتهالكون على الطعام: « الآكلون خرافاً من الغنم وعجولا من وسط الصيرة » " عا 4: 4 " ومثل هؤلاء، ليس أمتع إلى نفوسهم أو أحلى من جلسات الغناء الماجنة الخليعة: « الهاذرون مع صوت الرباب المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود. الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الأدهان » " عا 4: 5 و6 " مع الجمود التعس عن الإحساس بالمسئولية وآلام الآخرين: « ولا يغتمون على انسحاق يوسف »... وهل يفعل الإغراق فى الشهوات الحسية فى كل الأجيال والأمم والجماعات والأفراد، غير ما فعل أيام عاموس؟ وأليست الشراهة والدعارة، والبلادة والاستهتار، والإستباحة والحيوانية، والضعة والبوهيمية، وجمود الفكر تبلد الشعور والضمير، هى الظواهر التى تصاحب عادة وأبداً – عابدى الجسد وأسرى البطن والشهوة واللذة؟!!.. عاموس والظلم وهل يمكن للشهوات أن تنمو فى تربة دون أن يتبعها الظلم؟، والظلم الرهيب الصارخ القاسى؟؟! وقد صدر هذا الظلم أول ما صدر عن المرأة، المرأة التى كان ينبغى أن تكون شعاراً للحنان والرقة والعطف، فبقرات باشان يصفهن عاموس بالقول: « الظالمة المساكين الساحقة البائسين » " عا 4: 1 " وأغلب الظن أن نساء إسرائيل قد ظلمن هؤلاء المساكين البائسين عن طريق أزواجهن وقد قسا الرجال بدورهم حتى كان يبلغ هذا الظلم مرتبة الإفناء: « المتهمون المساكين لكى تبيدوا بائسى الأرض » "عا 8: 4 " وقد صاحب هذا الظلم الكثير من الآثام والدنايا والشرور، فالرؤساء قبلوا الرشوة، ومن ثم تفشى فى القضاء الاعوجاج، ولم يستطع المسكين البائس أن يقف على قدميه، فجاع وتعرى، وبيع بثمن بخس رخيص: « الضعفاء بفضة والبائس بنعلين » " عا 8: 6 " وغمر الغش الأسواق، لنصغر الإيفة ونكبر الشاقل وتعوج موازين الغش » "عا 8: 5 " كان ظلمهم الأكبر لنفوسهم وللحياة وللواجب، هو طرحهم اللّه وراء الظهر، وضياع العبادة الحية الحيقية الكريمة. عاموس والعقاب القاسى وهذا ينتهى بنا آخر الأمر، إلى ما أعلنه عاموس عن العقاب الإلهى... فالإله العادل القدوس، هيهات أن يسكت أو يتغاضى أو يرضى عن آثام الناس وشرورهم، أو كما قال أحدهم: « قد ينجو الناس من العقاب البشرى كثيراً، فالعدالة البشرية، إذ هى بشرية، بعيدة عن الكمال، ومع ذلك فإن من لا ينجون من هذا العقاب أكثر كثيراً ممن ينجون، وقد يتأخر العقاب، ولكنه سيأتى فى صورة ما، بهذه الكيفية أو بتلك، ولنفرض أن الناس نجوا من العقاب البشرى، فهل يمكن أن ينجوا من مواجهة الضمير؟،... وإذا أمكنهم إسكات الضمير، فهل يمكنهم أن يخلصوا أولادهم من نتائج ما ارتكبوا من خطايا وشرور؟؟.. كلا، فليس هناك من نجاة.. »... لأن من يزرع للجسد فمن الجسد يحصد فساداً،... وقد زرع الإسرائيليون فحصدوا، وحصدوا حصاداً قاسياً شديداً، فقد جاءتهم الساعة التى تحول فيها كل مجدهم وعزهم إلى الهوان والجوع، والخوف والشقاء، فأين أيام بقرات باشان!!؟. لقد أخذن بخزائم فى الأنوف، وأخذت ذريتهن بشصوص السمك، ومن الشقوق خرجن إلى السبى والعار والتعاسة والفجاعة،... وهكذا أيضاً سادة صهيون ونقباء السامرة الذين ألفوا الناعمات نراهم وقد سيقوا سوق الماشية إلى السبى والعار والتشريد!!.. جاء تغلث فلاسر ملك آشور وقضى على بيت إيل، وجاء بعده شلمناصر وأخذ السامرة،... وعندما تبدأ أمة حياتها بالأصنام، كما بدأ يربعام بعجول الذهب، فإنها - إن آجلا أو عاجلا - ستتحطم هى وأصنامها معاً كما حدث لإسرائيل عام 722 ق. م. وليست إسرائيل وحدها بل كل أمم الأرض كما تشهد وتؤكد فصول التاريخ!!... أو كما قال أحدهم: عندما لم يبق فى قرطاجنة سوى الغنى الفاحش، والفقر الذريع، سقطت قرطاجنة تحت أقدام الرومان، وعندما نسيت روما هذا الدرس وتلاشت منها الطبقة المتوسطة سقطت عند أقدام الغزاة البرابرة الذين وفدوا إليها من الشمال!!.. هل لنا - كأفراد أو جماعات أو أمم - أن نطلب طلبة أجور ابن متقية مسا: « اثنتين سألت منك فلا تمنعهما عنى قبل أن أموت: أبعد عنى الباطل والكذب لا تعطنى فقراً ولا غنى، أطعمنى خبز فريضتى لئلا أشبع وأكفر وأقول من هو الرب، أو لئلا أفتقرو أسرق وأتخذ اسم إلهى باطلا » " أم 30: 7 - 9 ".
المزيد
30 أكتوبر 2021

لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا ج1

1- «فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا أَنَّ آبَاءَنَا جَمِيعَهُمْ كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ، وَجَمِيعَهُمُ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ، وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ» (1كو10: 1). 2- «وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا» (1كو12: 1). 3- «لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ» (1تس4: 13). 4- «فَإِنِّي لَسْتُ أُرِيدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَجْهَلُوا هذَا السِّرَّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ. أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ» (رو11: 25). 5- «لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّنِي مِرَارًا كَثِيرَةً قَصَدْتُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ، وَمُنِعْتُ حَتَّى الآنَ، لِيَكُونَ لِي ثَمَرٌ فِيكُمْ» (رو1: 13). أولاً: حذر القديس بولس الأخوة من الجهل بهذه الأمور الخمسة. وحذر أيضًا من نتائج هذا الجهل بهذه الأمور. فالواجب يحتم على كلّ إنسان مسيحي أن يكون على علم واستنارة، ويمحو الجهل بالتعليم والتبصُّر في هذه الأمور، ومن دراسة روحية جادة لكلمة الله وتقليد الآباء الذين علّمونا وسلّمونا. حذر القديس بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، الأصحاح العاشر، من الجهل بالمكتوب في الكتب المقدسة في العهد القديم «لأنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا»، (رو15: 4)، وكذلك بطرس الرسول «لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (2بط1: 21). وكلّ الأحداث في كلّ الأزمنة ومعاملات الله، وتدبيره من أجل الخلاص، كلّ هذا متضمَّن في المكتوب. وكلّ مواعيد الله وكلّ رموز الخلاص وكلّ فكر الله تحويه الكتب المقدسة. فماذا إذا جَهَلَ الإنسان كلّ ذلك؟ يكون كأنه يُهمل الخلاص الذي تنبأ عنه الآباء والأنبياء، وكشفوا للمؤمن كنوز العهد القديم، وأسهبوا في التأمُّل في الأحداث والأشخاص مثل إبراهيم واسحق ويعقوب وداود.. وتركوا تراثهم الذي تعتزّ به الكنيسة، محفوظًا في خزائنها إلى يوم مجيء الربّ. فماذا إذا كان أحد يجهل كلّ هذا؟ ويكفي أن نقرأ مَطلَع الرسالة إلى أهل رومية: «بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْمَدْعُوُّ رَسُولاً، الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ، الَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ، عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ...» أو ما كتبه الإنجيليّون عن عمل الخلاص الذى صنعه الرب بتجسده وخدمته وصلبه وقيامته، وكيف كرروا القول «كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ... لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ فِي الأَنْبِيَاءِ». ليكن هذا الدرس نافعًا لحياتنا وخلاص أنفسنا. لذلك يجب أن ندرِس العهد القديم، ليس مجرد دراسة عقلانيّة، أو تحليل ودراسة شخصيات أو تاريخ أناس وأحداث. بل لاستلهام الروح وإدراك الكُتُب المقدّسة التي تُحَكِّم الإنسان للخلاص كقول الرسول. والعيّنة التى اختارها الرسول بولس في هذه الآيات، هي عمل الله العظيم في خلاص شعبه من العبوديّة القاسية في أرض مصر. فلما سلَّط القديس بولس نور وجه يسوع على القديم، لمع ببريق يخطف الأبصار. فلما أنار على الظلّ انكشف العمل الإلهي من وراء الدهور، فالسحابة التي ظلّلت على الشعب العابر البحر الأحمر، مع سور الماء من اليمين واليسار، كانت بمثابة المعمودية المقدسة التي فصَلت بين العبودية والحرية، وبين أرض الغربة وأرض الميعاد. جميعهم اعتمدوا لموسى. وجميعهم أكلوا طعامًا، هو المَنّ.. ولكن تحت نور وجه يسوع، عرفنا أنّ المَنّ كان طعامًا روحيًّا نازلاً من السماء.. وفي شخص المسيح يسوع تَجَسَّد المعنى الروحي في كماله المُطلَق، عندما قال الرب: «آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا... أنا هُوَ الْخُبْزُ (المن) النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ» (يو6: 48–51).. هو المن الحقيقي وخبز الحياة. «وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا... مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ» (1كو10: 4). بالطبع لم يدرك أحد هذا المعنى أو الحقّ المُخفَى في الظلّ، كما قيل «شِبْهَ السَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا» (عب8: 5). ولكن عندما تكلّم القديس بالروح بحسب درايته بسِرّ المسيح، أنار التدبير الإلهي الذي يعجز البشر عن إدراكه. على هذا النحو قرأت الكنيسة العهد القديم، وسار آباء الكنيسة العظام: مثل القديس كيرلس الكبير، والقديس اثناسيوس الرسولى، وآباء البرية العظام: أنطونيوس ومكاريوس، ساروا على نفس الدرب. ثانيًا: أمّا من جهة الراقدين بالرب، فكان الأمر مختلِطًا على المؤمنين في البداية، وكانوا في احتياجٍ إلى المعرفة الحقيقيّة المستمَدَّة من الإيمان بالمسيح، فقد كانوا في لهفة الانتظار لمجيء المسيح الثاني، وظهوره المخوف والمملوء مجدًا، حتّى أنّهم كانوا يتوقّعونه كلّ يوم. وقد كتب لهم الرسول «أَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلاً» (2تس2: 3). وكانوا يتساءلون فيما بينهم: ماذا عن النفوس التي رقدَت في أيامهم قبل مجيء الرب؟ فأراد أن يوضح لهم حقيقة الأمر، لكي لا يحزنوا على الذين رقدوا في الرب، حُزن غير المؤمنين الذين ليس لهم رجاء القيامة. وهكذا شرح لهم أنهم أعضاء جسد المسيح، وهم الآن ينتظرون مجد ظهوره، وفي مجيئه الثاني سيُحضرهم الربّ معه، فهم وإن سبقونا ولكنهم في المسيح يحيون، وعلى رجاء القيامة رقدوا. ومن جهة القيامة، فإنّ قيامة ربنا يسوع من الأموات وكسرِهِ شوكة الموت، هي الركيزة التي نتمسّك بها. فإن كان المسيح قد قام من الأموات بقوّة واقتدار، فإنّ الراقدين في يسوع سيقومون بقيامته. وقد كَتَبَ القديس بولس لأهل رومية عن روح القيامة، الذي نُلناه قائلاً: «وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ» (8: 11). هكذا نبّه القديس بولس المؤمنين أن لا يجهلوا هذا الأمر. لأنّ بدون هذا الرجاء، يصير الإنسان في رعبة الموت وفقدان الأمل، ويَحسِب أنّ الموت هو النهاية الأسيفة، ويحزن ولا عزاء. (يُتّبَع) المتنيح القمص لوقا سيداروس
المزيد
05 ديسمبر 2022

التجسد الالهى

هو أصل كل الأسرار ، هو بداءة التحامنا بالالهيات ، وهو الطريق للشركة مع الابن ، وهو الطريق للفداء والقيامة والصعود ، هو بداءة الخلقة الجديدة « مخلوقين في المسيح يسوع » أف ٢ : 10.التجسد الالهى تم في بطن العذراء ( المعمل الالهي ) ثيؤتوكية الأربعاء. والعذراء أعطت لكلمة الاله جسداً لأنها صارت ( عجنة البشرية ) ثيؤتوكية الخميس اتحاد الكلمة بجسد انسان أصبح هو الطريق الوحيد لدخول السماء من أجل ذلك تعودت الكنيسة أنه في كل مرة تتحدث عن التجسد لا بد أن تتحدث عن العذراء ، وكل مرة تتحدث عن العذراء تتحدث عن التجسد ، وأيضاً اعتادت الكنيسة أن لاترسم صورة العذراء بدون المسيح محمولاً على يديها ، واعتادت أن تمجد التجسد كل يوم في التسبحة على مدار الأسبوع . ووجدت الكنيسة في التجسد الالهي من العذراء تفسيراً لكل رموز الأنبياء والعهد القديم ووجدت في العهد القديم كنزا لاينضب من الرموز والنبوات التي ليست فقط تشير للتجسد الالهي بل تكشف أسرار التجسد ـ حتى أن الكنيسة : ـ ( أ ) خصصت شهرا كاملا ۔ شهر كيهك - للحياة مع التجسد الالهى من خلال الحبل العذراوي في ضوء أضواء أنبياء العهد القديم. ( ب ) خصصت الكنيسة حياة يومية على مدار السنة في التجسد الألهى من العذراء مريم وذلك في ثيؤتوكية الأيام ونأخذ مثالاً بسيطاً لقطعة من ثيؤتوكية الأحد تقال كل يوم على مدار السنة في التسبحة اليومية ( شيرى ني ماريا ) . العذراء في تجسد السيد المسيح منها أصبحت : - 1 ـ طريق خلاص آدم ، ونوح البار ، واسحق الذبيح وأشعياء . فادم الحزين ( ثيئوطوكية الاثنين ) أخذ وعداً من الله أن نسل المرأة ( العذراء ) ـ أي السيد المسيح يسحق رأس الحية وظل آدم على هذا الرجاء محبوساً في الجحيم منتظراً المسيح ( نسل المرأة العذراء مريم ) ليفك أسره ، ويكسر أبواب الجحيم الحديدية وينقله إلى الفردوس الذي طرد منه بل وأعظم منه. ونوح البار : رأى بعينيه هلاك البشرية ـ وخلص بالمعمودية عن طريق الفلك ـ أي بالولادة الثانية ١بط ٣ : ٢0،٢1الذي بمثاله تم خلاصنا بالميلاد الثاني ـ لأن السيد بتجسده صار إنسانا بتجسده من العذراء أعطانا سلطانا أن نصير أولاد الله غير قابلين للموت . لأن حياتنا الجديدة أبدية. اسحق الذبيح : رأى بعيني رأسه الخلاص من الموت بيد إبراهيم عندما رأى المسيح نسل العذراء يقدم ذاته جسده ذبيحة بدلا عنه . أما أشعياء : فهو كاتب الانجيل الخامس الذي بدأه في الاصحاح السابع قائلا « ها العذراء تحبل وتلد إبنا ويدعى اسمه عمانوئيل » الذي تفسيره الله معنا . هو أشعياء الذي بدأ انجيل الخلاص بالعذراء التي ستلد عمانوئيل ( اش 7 : 14 ) وبالعذراء التي ستلد لنا ولدا وتعطينا ابنا ويدعى اسمه الها مشيرا أبا أبدياً رئيس السلام أش 9 : 6 فأشعياء رأى في السيدة العذراء كل بركات التجسد والخلاص. ( ۲ ) وطريق تهليل وفرح حواء وهابيل ويعقوب : فرحت حواء التي طردت من الجنة بواسطة الحية عندما رأت حواء الثانية نسلها يسحق رأس الحية . حواء الأولى ولدت الموت لنسلها وحواء الثانية نسلها كان مصدر الحياة للذين ماتوا جميعاً. وهابيل الصديق .. نال فرحا بسفك دم ابن العذراء عوضاً عن دمه الذي سفكه أخوه . ويعقوب عندما بارك يهوذا أبو العذراء والمسيح بالجسد قال بفرح « لخلاصك يارب انتظرت » تك 49 : 18 . ( ۳ ) وطريق نعمة ابراهيم : ابراهيم أغدق الله عليه بنعم مادية كثيرة ولكن لم يكن له نسل ، فما قيمة هذه النعم !! ؟ . ولكن الله قال له إنه سيعطيه نسلا وبنسله يتبارك جميع قبائل الأرض إنه نسل العذراء . إن السيد المسيح النعمة الحقيقية التي لا تزول. ( 4 ) كرازة موسى عندما صعد موسى على الجبل أراه الله كل أمثلة التجسد : التابوت ، والكاروبيم مظللين عليه ، والغطاء المصنوع من الخشب الذي لايسوس والمغطى بالذهب ، وقسط المن ، وعصا هرون ولوحي الشريعة ، وقدس الأقداس ، والمنارة ، ومائدة خبز الوجوه ، ومذبح البخور ، والمجمرة الذهب ، والقدس ، والخيمة ، ومذبح النحاس ، والمرحضة الخ كل هذه هي رموز عن التجسد من العذراء ، ولا أكون مغالياً إن قلت إنه أراه نموذجا للعذراء قالتابوت رمز التجسد ( العذرء بداخلها مسيح ) وقسط المن العذراء بداخلها المن والغطاء مضلى بالذهب ( اللاهوت ) وهي من خشب لا یسوس (أى رمز الطهارة) - وعصا هرون التي أفرخت زهرة البخور هي رمز للحبل الالهى بلا دنس ـ ولوحى الشريعة رمز لتجسد كلمة الله _ والمنارة هي العذراء حاملة النور المسيح نور العالم المجمرة الذهب هي العذراء الحاملة جمر اللاهوت . والعليقة التي نشعل النار جواها ولا تحترق هي العذراء حاملة السيد المسيح الإله وهي لاتحترق .هل موسى كرز إلا برموز التجسد في العدراء . بحق إن العذراء هي كرازة موسى ، والكنيسة اليوم في جميع ثيؤتوكيات الأيام السبعة تتحدث عن التجسد بواسطة العذراء في رموز كتب موسى .. بحق بحق العذراء هي كرازة موسى. ( 5 ) ثبات أيوب شفاء أرميا قوة إيليا أيوب المجرب في أولاده وبيته وجسده ، من يعطيع الثبات في التجربة إلا إذا رأى الله يأخذ جسداً منك يامريم جسد غير قابل للفساد أو للموت . وأرميا الذي ذاق مرارة الآلام والرمي في الجب ، والضرب والهوان أين يجد له رجاء وتعزية وشفاء إلا فيمن يولد منك يا مريم الذي وحده بجراحاته شفينا. وقوة إيليا : من يعطى إيليا قوة أمام آخاب إلا أنه كان إلا أنه كان يرى الله مولوداً بالجسد منك فيقول " حي هو الرب الذي أنا واقف أمامه" فالمولود منك الذي كان دائما إيليا واقف أمامه هوالذى أعطاه قوة أمام آخاب الملك وأمام جنوده الأقوياء. علم حزقيال : تكلم حزقيال بأسرار يعسر على أي عالم أن يفسرها . ا ـ « رأى باباً في المشرق وهو مغلق : « فقال لى الرب هذا الذي الباب يكون مغلقاً لايفتح ولايدخل منه انسان لأن الرب إله إسرائيل دخل فيكون مغلقاً حز ۲:44 ( كيف نفسر هذا الباب المغلق الذي دخل منه الرب ومازال مغلقاً إلا بتولية العذراء . وبالميلاد الالهى العذراوى ... أليست العذراء علم حزقيال . ب ـ وفى الأصحاح الأول يتكلم عن مركبات لها عجلات ، ولها أربعة أوجه وتسير حيثما يسيرها الروح . وآخرها مخيفة ومملوءة أعيناً ما هذه البكرات ؟ ... هرب اليهود من تفسير هذا الإصحاح ، واعتذر عنه أغلب المفسرين الغربيين .. وقال عنه بعض الكتاب إنه الأطباق الطائرة ولكن هو رمز التجسد اليست هذه البكرات هي العذراء العرش الألهى ، والسماء الثانية الجالس عليها السيد المسيح .. العذراء رمز للجنس البشري الذي أخذ منه السيد جسداً .. فحول الانسان إلى مركبة نارية حاملة لروح الله كقول القديس مقاريوس في الموعظة الأولى أقدامك ( عجلات نار في بيت أليصابات ). صديقة سليمان : سليمان الكنائسي الذي بني بيتاً لله يسكن فيه . هذا الهيكل الذي عاشت فيه العذراء وعمرها ثلاث سنوات . ولم تمض سنين بسيطة حتى صارت العذراء الهيكل الذي سكن فيه الله بالجسد سليمان بني هيكلا ليسكن الله فيه بالروح . العذراء صارت هيكلا ليسكن الله الكلمة بالجسد فيه . هي صديقة سليمان . سليمان زين الهيكل وجمله بكل جهده والعذراء صارت جميلة بالروح القدس الذي حل عليها وقدسها وطهرها . كرامة صموئيل : أية كرامة نالها النبي صموئيل أعظم من هذه فهو الذي دهن داود ملكاً . وأعلن قيام مملكة المسيح كقول الملاك . « ويعطيه الرب الاله كرسى داود أبيه .. ولايكون لملكه نهاية » لو 1 : 33 . وكقول لوقا الانجيلي « ولد لكم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب » لو ۲ : ۱۱ هذه هي بيت لحم مدينة داود التي ذهب اليها صموئيل . وهذا هو داود الملك أبو المسيح بالجسد والعذراء مريم الذي نال صموئيل كرامة باعلان قيام مملكته . مملكة داود ـ مملكة المسيح الذي ليس لملكه انقضاء . المتنيح القمص بيشوى كامل كاهن كنيسة مارجرجس أسبورتنج تأملات فى القراءات الكنسية لأيام الآحاد من شهر كيهك
المزيد
21 نوفمبر 2022

«إِذَا أَرْضَتِ الرَّبَّ طُرُقُ إِنْسَانٍ، جَعَلَ أَعْدَاءَهُ أَيْضًا يُسَالِمُونَهُ» (أم16: 7) (2)

4- طلب رؤساء الكهنة من أمير الكتيبة أن يُنزل إليهم بولس لمحاكمته في الهيكل، فأنزله تحت حراسة مشدّدة، وبينما بولس يدافع عن نفسه أمام المجمع صار صياح عظيم ومنازعة شديدة... فخاف الأمير أن يقتلوا بولس فأمر العسكر أن ينزلوا ويختطفوه من وسطهم ويأتوا به إلى المعسكر وهكذا أنقذه للمرة الثانية من أيديهم. 5- اتفق أربعون رجلًا من اليهود المتعصبين لقتل بولس، وصاموا قائلين إنهم لا يأكلون ولا يشربون حتى يقتلوا بولس، واتفقوا مع رؤساء الكهنة على هذه المؤامرة الدنيئة، وطلبوا من رؤساء الكهنة أن يستسمحوا أمير الكتيبة بإنزال بولس إليهم كأنهم مزمعون أن يحاكموه وفي الطريق يقتلونه.سمع ابن أخت بولس بهذه المؤامرة فذهب إلى خاله في المعسكر وأخبره، فاستدعى بولس أحد الضباط وكلفه أن يوصل الشاب للأمير ليخبره بالأمر، ولما سمع الأمير بالمؤامرة قام بترحيل بولس من أورشاليم إلى قيصرية تحت حراسة مشددة. وهكذا أنقذه من أيدي اليهود للمرة الثالثة، وهو رجل وثني لا يعرف بولس، ولكن الله الذي يدبر لأولاده من يحميهم حتى لو كان من أعدائهم. 6- لما تولّى فستوس الولاية نزل إلى أورشاليم فعرض عليه اليهود أن يستحضر بولس إلى أورشاليم للمحاكمة وهم صانعون كمينًا ليقتلوه في الطريق، ولكنه رفض هذا العرض وأمرهم أن يذهبوا إلى قيصرية العاصمة حيث بولس ويحاكموه هناك. وهكذا أنقذ بولس من مؤامراتهم للمرة الرابعة. 7- لما رفع بولس دعواه إلى قيصر، رتّبوا له السفر إلى روما مع أسرى آخرين، وسلموهم إلى قائد مائة من كتيبة أوغسطس قيصر (وهي كتيبة الحرس الإمبراطوري)، واسم القائد يوليوس وهو رجل روماني وثني ولكنه طيب ومحب، فعامل يوليوس بولس بالرفق طول الرحلة الشاقة، وأذن له أن يذهب إلى أصدقائه ليحصل منهم على عناية (أع27: 3).تعرضت السفينة إلى رياح وزوابع شديدة، وتعرضت للغرق عدة مرات، والله ينقذ الركاب من أجل صلوات بولس. ولما قربوا من جزيرة مالطة تكسرت السفينة في الخليج المُسمّى حتى الآن خليج مار بولس. رأى العسكر أن يقتلوا الأسرى لئلا يسبح أحد منهم فيهرب (أع27: 42)، فيُقتل العسكري حارسه بدلًا عنه، ولكن قائد المائة إذ كان يريد أن يخلّص بولس منعهم من هذا الرأي (أع27: 43). وهكذا أنقذ بولس من القتل للمرة الخامسة. نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس أسقف دير السريان العامر
المزيد
03 نوفمبر 2021

المعرفة 2: أمور فوق معرفتنا ­ معرفة ضارة، مستويات المعرفة­ معرفة النفس

تكلمنا في العدد الماضي عن معرفة الله ­تبارك اسمه­ مع مقارنة بسيطة بمعرفة الناس. ونود اليوم أن نكمل حديثنا عن معرفة الناس: في الواقع ما أقل ما نعرفه، علي الرغم من انتشار العلم! فنسبة ما نعرفه ضئيلة إذا قورنت بما لا نعرفه..! ولا شك أن هناك عجائب فوقنا لا ندركها. وقد سمح الله بوجود أمور كثيرة تخفي علينا معرفتها حتى لا يصاب العقل البشري بالغرور في عصر التكنولوجيا الحديثة.ولعل في مقدمة ما نجهله، موضوع المعجزة والمعجزة سميت هكذا، لان العقل البشري يعجز عن تفسيرها.. إنها ليست ضد العقل، ولكنها مستوي فوق العقل، وعلي الرغم من أن العقل لا يدرك كيف تتم، إلا انه يقبلها بالإيمان ولا يهمه أن يعرف كيف تتم والمعجزات أمر يؤمن به كل متدين. ولعل من ابرز المعجزات التي يؤمن بها الكل: الخلق، والقيامة العامة.كلنا نؤمن أن الله خلق الكون، أي أوجده من العدم حيث لم يكن الكون موجودًا، خلق البشر والملائكة والطبيعة. ولكن كيف خلقها؟ بأية قدرة؟ هنا العقل لا يعرف. ولكنه يقبل بالإيمان.ونفس الوضع بالنسبة إلى القيامة العامة 'أو البعث'، كلنا نؤمن بذلك. والعقل يقبله، دون أن يعرف إطلاقًا كيفما يعود الإنسان إلى الحياة بعد الموت! معرفة هذا الأمر هي فوق مستوانا. كلها أمور تتعلق بقدرة الله غير المحدودة.وعبارة 'غير المحدود' يقف أمامها العقل عاجزا في معرفته.. واستخدام هذه العبارة من جهة الزمن، أمر آخر فوق نطاق معرفة العقل.. فكلمة أزلي، وكلمة ابدي، وكلمة سرمدي.. أي ما لا بداية له ولا نهاية، أمور قد يستخدمها العقل ولكنها فوق معرفته! حقًا ما معني عبارة 'لا بداية له'؟! ما معني الأزلية؟ ومتى قطع نطاق الأزلية في وقت ما ليوجد الكون؟.. إنها أمور لا يفحصها العقل وإنما يقدمها الإيمان ويقبلها الإنسان بالتسليم، كثوابت إيمانية. أمور أخرى فوق معرفتنا، تتعلق بالعالم الآخر.. متى ستكون بداية العالم الآخر؟ وكيف تكون؟ وأين..؟ إنها أمور ترتبط بالروح والموت وما بعد الموت.. وهي أيضًا فوق نطاق معرفتنا وتتعلق أيضًا بالنفس وكنهها وخواصها، وبالعقل.. ثم أليس عجيبًا أن العقل لا يعرف تماما كيف يعمل العقل!! وما مدي علاقة العقل بالمخ وما فيه من مراكز تعمل؟ وكيف يتوقف بعضها عن العمل، ويعجز العلم البشري والعقل البشري عن إعادة مراكز المخ المتوقفة إلى عملها الطبيعي! بل في عالمنا الحاضر، العالم المادي، أمور كثيرة لا نعرفها.مثال ذلك ما اقل معرفتنا عن الفلك وما فيه من شموس ونجوم وكواكب، وما فيه من شهب ومجرات.. كل ما نعرفه هو معرفة سطحية لا تدخل في نطاق التفاصيل.. لقد فرحنا ببعض أحجار من القمر، أتى بها رواد الفضاء، ومع ذلك لا يزال القمر لغزًا لا نحيط بكامل المعرفة عنه! ونفس الوضع نقوله عما نعرفه من جهة أعماق الأرض وأعماق البحار.. هناك معلومات بسيطة يقدمها لنا العلم نتيجة لاكتشاف وحفريات.. وتبقي الحقيقة الكاملة بعيدة عن معرفتها ونفس الكلام نقوله عن محتويات الجبال، وعن بعض الكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير والسيول والبراكين: ما تبدأ؟ ونطاق عملها وكيف تنتهي. هناك أيضًا أمراض خطيرة، مازال العلم حائرا أمامها، لا يعرف أسبابها، ولا يعرف طريقة القضاء عليها قبل أن تقضي علي المرضي! وما دامت معرفتنا محدودة نواجه سؤالا وهو: كيف ننمو في المعرفة؟ من جهة المعرفة: الممكنة، هناك وسائل عديدة لنموها: منها العلم، والقراءة، والمشورة، والخبرة، والتوعية. وكما قال الشاعر:- فاطلب العلم علي أربابه واطلب الحكمة عند الحكماء وحتى كل هؤلاء يقدمون من العلم علي قدر معرفتهم ولا شك معرفتهم محدودة. وقد تختلف مصادر المعرفة علي حسب قامتها ونوعيتها.. حتى معرفة تفاصيل عن الخير والشر وما يجب وما يجوز وما يليق، قد تختلف فيه الآراء. وقد تختلط المعرفة بالطباع والنزعات والأهواء وأحيانًا يتأثر التوجيه والإرشاد بما ينتشر من الشائعات. ومما لاشك فيه أن هناك نموا في المعرفة في العالم الأخرفعندما تخرج الروح من الجسد بالموت، تصبح معرفتها أكثر بعد أن تخلصت من ضباب هذا الجسد المادي ومن غرائزه ونزعاته وتأثراته. أما في الأبدية فسوف يتمتع البشر بلون من المعرفة أكثر عمقا عن طريق الكشف الإلهي revelation وعن طريق ما سوف يراه الإنسان من كائنات أخرى كالملائكة مثلًا، وما يختلط به من الأبرار بكل معارفهم.. ومن أمور أخرى جديدة عليه.وعموما فان المعرفة تنمو أيضًا بالموهبة أي بما يهبه الله للإنسان من مواهب منها المعرفة والحكمة واتساع العقل ومقدراته. وهناك معرفة في العالم الآخر، أعمق من كل هذا واسمي بما لا يقاس. وهي معرفتنا لله جل جلاله.إننا لا نعرف عن الله حاليا إلا ما يكشفه لنا الوحي الإلهي، لكي نؤمن بالله ونطيع وصاياه. ولكن الله غير محدود والعقل البشري ­مهما سما­ هو محدود. ولا يستطيع أن يحيط المحدود بغير المحدود لذلك في العالم الآخر سوف يكشف لنا الله عما يوسع معرفتنا به ­تبارك اسمه­ وعلي قدر ما يمكن لطبيعتنا البشرية أن تعرفه، شيئًا فشيئًا، وكلما تزداد معرفتنا بالله تزداد سعادتنا في الأبدية وتكون هذه المعرفة هي أشهى ما نتمتع به. إن المعرفة أفضل من الجهل بقدر ما النور أفضل من الظلام.ولكن ليست كل معرفة نافعة، فهناك معارف تافهة وأيضا هناك معرفة ضارة..! أما المعرفة التافهة فتختص بأمور لا تنفع شيئًا وللأسف كثيرًا ما يسعي إليها الناس أو ينشغلون بها وهي مضيعة للوقت وتشغل الذهن عن التفكير في ما ينفعه وصدق ذلك الآب الروحي الذي قال: كثيرًا ما نجهد أنفسنا في معرفة أمور لا ندان في اليوم الأخير علي جهلنا إياها! أما المعرفة الضارة فلها أمثلة عديدة منها:- معرفة ما يقوله عنك منافسوك وأعداؤك مما يثير قلبك عليهم. ومعرفة الشكوك الخطيرة التي تهز الإيمان في ثوابت تخص العقيدة.. ومعرفة صور من الخطيئة وتفاصيل تشوه نقاوة القلب وتجلب له شهوات تتعبه.. ومعرفة أسرار بعض الناس وأخطائهم مما يغير الإنسان إليهم وتقديره لهم.. ومعرفة أمور أخرى مماثلة يقول عنها القلب في صدق 'ليتني مع عرفت'! كذلك من الأمور الضارة المعرفة التي تنفخ والتي تصيب النفس بالخيلاء والكبرياء والي التباهي بالمعرفة..! علي أن من الأمور اللازمة لكل شخص أن يعرف نفسه جيدًا..وصدق ذلك الفيلسوف الذي قال: 'خير الناس من عرف قدر نفسه'. وهكذا لا يقع في الغرور ولا يتجاوز حدوده ولا ينسب إلى نفسه ما ليس فيه.. بل يعرف ويوقن انه مخلوق من تراب الأرض. وأتذكر إنني قلت مرة في احدي القصائد:- قل لمن يعتز بالألقاب إن صاح في فخره: من أعظم مني؟! أنت في الأصل تراب 'تافه'­ هل سينسي أصله من قال أني؟! ويهمنا في المعرفة أيضًا: ارتباط المعرفة بالعمل. فماذا يفيد الإنسان إن عرف كل شيء عن الفضيلة ولم يسلك فيها؟! لا شك أن الذي يعرف أكثر يُطالَب بأكثر. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
09 سبتمبر 2022

مغبوط هو العطاء

" مـن يترحم على إنسان ، يصيـر باب الـرب مفتوحاً لطلباته في كـل سـاعـة " .( الشيخ الروحاني ) " ومتـى جـاء ابـن الإنسـان فـي مجـده وجميع الملائكـة القديسين معـه فحينيـذ يجلس على كرسـي مجـده . ويجتمـع أمامـه جميـع الشـعوب ، فيميـز بعضـهم مـن بعـض كمـا يميز الراعـي الخـراف مـن الـجـداء ، فيقيم الخـراف عـن يمينـه والـجـداء عـن اليسار . ثـم يقـول الملك للذين عـن يمينـه : تعـالـوا يـا مبـاركي أبـي ، رثـوا الملكوت المعـد لـكـم منـذ تأسيس العالم . لأني جعـت فـأطعمثموني . عطشت فسقيتموني . كنت غريباً فآويثموني . غريانا فكسوتموني . مريضاً فزرتموني . محبوسـاً فـأتيثم إلـي . فيجيبـه الأبـرار حينـد قـائلين : يـارب ، متى رأينـاك جائعاً فأطعمنـاك ، أو عطشاناً فسقيناك ؟ ومتى رأيناك غريبـاً فآوينـاك ، أو غريانـاً فكسوناك ؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك ؟ فيجيب الملك ويقول لهم : الحـق أقـول لكم : بما أنكم فعلتُمـوه بأحـد إخـوتـي هـؤلاء الأصاغر ، فبي فعلتُم . ثـم يقـول أيضاً للذين عن اليسار : اذهبوا عني يا ملاعين إلى النّار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته ، لأني جعت فلم تطعموني . عطشت فلم تسقوني . كنت غريباً فلـم تـأووني . غرياناً فلـم تكسـوني . مريضـاً ومحبوسـاً فـلـم تزوروني . حينئذ يجيبونـه هـم أيضـاً قـائلين : يـارب ، متى رأينـاك جائعـاً أو عطشـاناً أو غريبـاً أو غريانـاً أو مريضـاً أو محبوسـاً ولم نخـدمك ؟ فيجيبهم قائلاً : الحـق أقـول لـكـم : بمـا أنـكـم لم تفعلـوه بأحـد هـؤلاء الأصـاغر ، فـبـي لم تفعلـوا . فيمضـي هـؤلاء إلى عـذاب أبـدي والأبـرار إلى حيـاة أبدية " ( مت ٢٥ : ٣١ - ٤٦ ) . " المسيحية والعطاء وجهان لعملة واحدة ، كلاهما حاضـر بحضـور الآخـر في أعماقه " . وبصفة عامة فإن حياة العطاء مطوبة حسب قول الكتاب : " مغبـوط هو العطاء أكثر من الأخـذ " ( أع ٢٠ : ٣٥ ) . والعطاء هو خطوتنا الخامسة في مسيرتنا الروحية . في البداية دعنا نرسي سويا مبادئ أساسية عن فضيلة العطاء :- 1 ـ الإنسان بحاجة إلى أن يعطي :- إذ يحقق هذا وجوده وكيانه ويشعره بقيمته وآدميته ، وهذا الشعور هـو إحدى مكونات الشخصية الناجحة ، حتى أن علماء النفس كثيراً مـا يـذكرون أن العطاء مصحوب براحة قلبية . لذلك عندما يعطي أب ابنه الصغير مالاً لكي ما يضعه الصغير في صندوق العطاء ، فإنه يزرع هذه الفضيلة فيه منذ الصغر ، بل وينمي شخصيته . وكذلك الأب الذي يساعد أولاده لكي ما يقدموا هدية لوالدتهم أو صـديق لهـم في أي مناسبة فإنه ينمي داخلهم هذه الفكرة . ٢ ـ الله ليس محتاجاً على الإطلاق لما تعطيه :- مهما كان ومهما ارتفعت قيمته المادية أو المعنوية ، والسبب أن اللـه هو مصدر كل عطية .. فهو الخالق والواجد لهذا العالم ، ويعقـوب الرسـول يـذكرنا : " كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هـي مـن فـوق ، نازلـة مـن عنـد أبـي الأنوار ، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران " ( یع ۱ : ۱۷ ) . 3ـ العطاء هو وسيلة للتعبير عن مشاعرك نحو الله : تأمل معي في قصة السامرية حين قابلهـا رب المجـد وقـال لـهـا : " أعطيني لأشرب " ( يو ٤ : ٧ ) ، فهو له المجد لم يكن محتاجاً للماء ، لأن من عنده تجـري كـل الأنهار ، وإنما كان في حاجة أن يعرف حقيقة مشاعرها الداخلية نحوه . وفضيلة العطاء أو الصدقة تشكل إحدى ركائز الحياة الروحية ( صـوم + صلاة + صدقة ) ، والمعروف أن كلمة " صدقة " وكلمة " صديق " مـن أصـل لغـوي واحد ، فكأن الصديق هو الذي يصنع الصدقة وعندما قال سليمان الحكيم : " اذكر خالقك في أيام شبابك " ( جا ١٢ : ١ ) إنما كان يتحدث بلغة العطاء ، لأنه معروف أن حياة الإنسان تنقسم إلى مراحـل متتابعة : ( الطفولة ـ النضج / الرجولة ـ الشيخوخة ) .. المرحلتان الأولى والثالثة هما مرحلتا أخذ ، أما المرحلة الثانية وتحوي في داخلها مرحلة الشباب إنما هـي مرحلة عطاء بالدرجة الأولى . وأنت يا صديقي تستطيع أن تعطي في فترة شبابك ورجولتك أكثر من أي مرحلة أخرى . لك أن تسألني الآن ماذا أعطي ؟ هل مالاً .. أم وقتاً .. أم ماذا .. ؟ إني أُجيبك : إن ما تستطيع أن تقدمـه لا يمكـن حصـره ، إنما تستطيع أن تتخيل معي سلماً عليه خمس درجات في ترتيب تصاعدي تمثل درجات العطاء المـال- الجهاد - الـوقـت - التسبيح - النفس ( القلب ) بل ويمكن أن تمزج بين هذه الدرجات الخمس ، فالصلاة هـي عطـاء وقـت وقلـب وتسبيح ... وفي خدمة الآخرين يكمـن عطـاء المـال والوقت والجهـد والحب ، وهكذا وهنا لا يمكننا أن ننسى أن قمة العطاء الذي بلا حدود هو في تجسّد ربنا يسوع ، فهو الذي أعطانا دمه الثمين على عود الصليب ، وها هو كل يـوم يقـدم نفسه ذبيحة لأجلنا من خلال القداس الإلهي . أيدور في ذهنك الآن كيف أعطي ؟ أريدك أولاً أن تقرأ معي هذه القصة : بالرغم من الطقس البارد والثلج المتساقط ، كان يجلس هذا الصبى ، خـارج منزله الحقير ، ولم يرتد في رجليه سوى حذاء رقيقاً ، لا يصلح حتى لأيام الصيف . لقد كان يحاول بأقصى جهده ليفكر عما يقدر أن يقدمـه لأمه بمناسبة عيـد الميلاد ، لكن من غير نتيجة ، فقد حاول كثيراً ، حتى لو استطاع أن يفكر في شيء ما ، فليس بحوزته شيء من المال ، فمنذ وفاة والده ، وهم يعيشون في حالة فقر دائم ، فكانت والدته تعمل بأقصى جهدها لأجل أولادها الخمسة . فلم يكن لها إلا دخلاً ضئيلاً ، لكن تلك الأم بالرغم من فقرها ، كانت تحب أولادها محبة بلا نهاية . ، كان هذا الصبى حزيناً للغاية ، فلقد استطاع إخوته الثلاثة ، إعـداد هدية لأمه أما هو وأخيه الصغير ، فلم يستطيعا شـراء أي شيء ، واليوم هـو آخـر يـوم قبل عيد الميلاد . مسح - هذا الصبى دموعه ، ثم أخذ يسير باتجاه المدينة ، ليلقى نظرة أخيرة على الأماكن المزينة والمحلات المليئة بالهدايا والألعاب . كـان ينظـر من خلال الواجهات ، إلى كل ما في الداخل ، وعيناه تبرقان ، كان كل شيء جميل للغاية ، لكن لم يكن بمتناوله عمل أي شيء . بدت الشمس تعلن عن مغيبها ، فهم هذا الصبى بالعودة إلى المنزل ، وهـو يسير حزينـاً مـنكس الـرأس ..وفـجـأة إذ بـه يـرى شيء يلمـع عـلى الأرض ، اندفع هذا الصبي مسـرعاً ، وإذ بـه يلتقط 10 قروش مـن عـلى الأرض ... ملأ الفرح قلبه ، وإذ به يشعر وكأنـه يملـك كـنـزاً عظيماً ، ولم يعـد يـبـالـي بـالبرد ، إذ كان في حوزته عشرة قروش دخل إحدى المحلات ، عله يستطيع شراء شيء ما ، لكـن يـا لخيبـة الأمـل فقد أعلمه البائع ، بأنه لن يستطيع شـراء أي شيء بـ 10 قروش ، دخـل هـذا الصبى محلاً آخر لبيع الورود ، كان هناك العديد من الزبائن ، فانتظر دوره بعد بضع دقائق ، سأله البائع عما يريد ... قـدم هـذا الصبي إلى البائع الـ 10 قروش التي في حوزته ، ثم سأل إن كان بإمكانه شـراء وردة واحدة لأمه بمناسبة عيد الميلاد . نظر صاحب المحل إلى هذا الولد الصغير ملياً ، ثـم أجابه : انتظـرني قليلاً ... سأرى عما باستطاعتي عمله ... دخل البائع إلى الغرفة الداخليـة ، ثـم بعد قليل عاد وهو يحمل في يديه اثنتي عشرة وردة حمراء ، لم ير هذا الصبى نظيرها في الجمال من قبل ، ثـم أخـذ صاحب المحل ، يضع بجانبهما الزينة وغيرها ، ثم وضعهما بكل عنايـة في علبة بيضـاء ، وقدمهما إلى ذلك الصبي ، وقال : 10 قروش من فضلك أيها الشاب . هـل يعقـل مـا يسـمع . لقـد قـال لـه البائع السابق ... لن تستطيع شراء أي شيء بـ 10 قروش ... فهل يعقـل مـا يسمعه شعر البائع بتردد الولـد فـقـال لـه : أنت تريـد أن تشتري ورود بـ 10 قروش ، أليس كذلك ؟ فإليك هذه الورود بـ 10 قروش ، فهـل تريدها بكل سـرور أجاب الولد ، معطياً كل ما لديه للبائع ... فتح البائع الباب للصبى ، ثم ودعه قائلاً : عید میلاد سعید یا ابنی عاد البائع إلى منزله ، وأخبر زوجتـه بـالأمر العجيـب الـذي حصـل معـه في ذلك اليوم ، فقال لها : في هذا اليوم وبينما أحضـر الورود ... جاءني صوت يقـول اختر ۱۲ وردة حمراء من أفضل الورود التي لديك ، وضعهما جانباً ... لهدية خاصة ... لم أدر معنى هذا الصوت ، لكنني شعرت بقرارة نفسي بأنه ينبغي عليّ أن أطيعه ، وقبل أن أغلق المحل ، جاءني صبي صغير تبدو عليه علامات الفقر والعـوز ، راغباً أن يشتري لأمـه وردة واحدة ، ومقدماً لي كل ما يملك ، 10 قروش ... وأنا إذ نظرت إليه ، ذكرت نفسـي ، كيـف عنـدما كنت في سـنه ، كيف لم أملك أي شيء لأقدم لأمى في عيد الميلاد ، وذات مرة صنع معـي إنساناً لم أعرفه من قبل معروفاً ... لم أنسـه إلى هـذا اليـوم امتلأت عينـا الرجل وزوجته بالدموع ، ونظرا إلى بعض ، وشكرا الله . دعنا الآن نسرد سويا كيف تُعطي من خلال تأملنا في القصة السابقة : 1- بالمحبة : أترى كيف كان حب هذا الولد لأمه ... لا بد أن تكون المحبة هـي الـدافع الأول وراء صدق المشاعر التي تقدم بها عبادتنا وعطايانا لله وللآخرين ، وكـما قـال سـفر النشيد : " إن أعطى الإنسـان كـل ثـروة بيتـه بـدل المحبة ، تُحتقـر احتقاراً " ( نش ۸ : ۷ ) . فأنت لا تقدم مدفوعاً بشعور الواجـب أو الخجـل أو الاضطرار ، ولا حباً في الكرامة والتقدير ، أو طلباً للإعلان أو المديح ... إنما من قلب فياض بالمحبة . ... 2- بسخاء : طلب الولد الصغير وردة واحـدة قيمتهـا عـشـرة قـروش ، فأعطاه البائع اثنتي عشـرة وردة مـن أجـمـل مـا يـكـون هذا هو العطاء الحقيقـي بدون حساب للماديات ، لأن اللـه ينظـر ويعـرف والكتاب يقـول : " المعطي فبسخاء " ( رو ۱۲ : ۸ ) ، لأننـا بـذلك نتمثـل ب اللـه الـذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيـر " ( يـع ١: ٥ ) . والعطـاء هـنـا كـالزرع " مـن يـزرع بالشـح فبالشـح أيضـاً يحصد " ( ۲ کو ٩ : ٦ ) . 3- بفرح وسرور : أترى كيف كان الولد الصغير والبائع سعيدين بعطائهما .. يقول الكتـاب المقدس : " المعطي المسرور يحبه الله " ( ۲ کو ۹ : ۷ ) ، والوصية تقـول : " من سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين " ( مت 5 : ٤١ ) . ( والمقصود بالميل الثاني أنك ذهبت راضياً حراً ) . بقي لنا عزيزي أن نتأمل في صفات ما نقدمه من عطايا : 1 ـ أن تكون أفضل ما عندنا : إن العطاء هو مشاعر قبل أي شيء ومشاعرنا تعبر عنها بأفضل ما عنـدنا .إن هابيل الصديق قدم أفضل ما عنده من الذبائح ، بينما أخـوه قـايين اختـار تقدمة من ثمار الأرض دون أن يدقق فيها ( تك ٤ : ٤ - ٥ ) إن هذا المبدأ ينطبـق في حياتنا العملية بأمثلة كثيرة منها :- اختيار الوقت الأفضل المناسب للصلاة ، كالصباح الباكر . اختيار الذهن النشط المناسب لقراءة الكتاب المقدس . تقديم النقود في حالة جيدة ، وليس القديم أو المستهلك . تقديم التسابيح والألحان بأفضل ما عندنا من أنغام وأصوات . 2- أن تكون في الخفاء : وليس هناك أبلغ مـن قـول الكتاب : " لا تُعرف شمالك ما تفعل يمينك " ( مت ٦ : ٣ ) ، ويعتبر هذا مبدأ مشترك في كل أركان العبادة ... أما إن كان العطـاء طلباً للدعاية أو لنوال مركز أو لمدح الذات ، فإنه يفقد قيمته ويصير دينونة . 3 ـ أن تكون ذا نفع لمن تعطى له : فليست العبرة أن تُعطي وحسب ، إنما في احتياج الآخرين لهذا العطاء . أتركك الآن مع بعض الآيات عن العطاء : - " منك الجميع ومـن يـدك أعطيناك " ( ١ أخ ٢٩ : ١٤ ) . " من يرحم الفقير يقرض الرب ، وعن معروفه يجازيه " ( أم ١٩ : ١٧ ) . " هاتوا العشور ... وجربوني " ( ملا 3 : ۱۰ ) . " أعطوا تعطوا " ( لو ٦ : ٣٨ ) . " ليعطك الرب حسب قلبك " ( مز ٢٠ : ٤ ) . قداسة البابا تواضروس الثانى البابا ال١١٨ عن كتاب خطوات
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل