المقالات

24 ديسمبر 2020

شخصيات الكتاب المقدس الفتية الثلاثة

ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشون وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة" دا 3: 25" مقدمة لست أعلم لماذا يطلق الناس عليهم على الدوام الثلاثة فتية؟... من الحق أنهم وصلوا إلى بابل، وهم فتيان صغار فى طراوة العمر وربيع الحياة، لكن من المؤكد أنهم تقدموا مع الزمن، وتجاوزوا - على الأغلب - الخامسة والثلاثين، عندما واجهوا امتحانهم الأعظم أمام أتون نبوخذ ناصر، ولقد وصفوا فى القصة سبع مرات بأنهم « رجال »... ومع ذلك فأنت لا تكاد تذكرهم رجالاً أو شيوخاً، بل هم فى ذهنك مع الدوام الفتيان الثلاثة هل توقف الزمن هنا ليمنحهم شباباً خالداً لا يمكن أن ينال منه الضعف أو الوهن أو العجز بأية صورة من الصور!!؟ فى الحقيقة، إن الشباب روح قبل أن يكون جسداً، وما أكثر الذين يعيشون فى جسد الشباب وهم شيوخ، … وما أكثر الشيوخ الذين يحملون روح الشباب مهما امتدت بهم الحياة أو ناء ما تحت الوهن أو الضعف الجسدى!! … والثلاثة الفتية كانت أسماؤهم العبرية مرتبطة باللّه – فحنانيا يعنى « اللّه حنان »، وميشائيل يعنى « من مثل اللّه!!؟.. » وعزريا « اللّه يعين». وحاول السبى أن ينسيهم هذا الارتباط بتغيير أسمائهم، وإضافة آلهة الكلدانيين إلى أسمائهم الجديدة، فأخذ حنانيا اسم « شدوخ » أو « أمر آخ » وآخ كان معبود القمر عند البابليين أو كما ندعوه الآن « سدراك » وميشائيل أضحى « ميشخ » أو تحول: « من مثل اللّه » إلى « من مثل آخ » وهو عندنا الآن ميخائيل، والثالث وكان اسمه « عزريا » وقد أعطى « عبد نغو » وعبد نغو معبود العلم عند البابليين،... على أن هذا التغيير فى الأسماء، لم يغير نبضة واحدة من نبضات قلوبهم التى تنبض باسم إلههم الواحد القديم، وبارتباطهم به فى الحياة أو الموت على حد سواء!!.. ولقد اكتسب هولاء الرجال شبابهم الخالد، فى قصة التاريخ، وها نحن نتابعهم اليوم فيما يلى: الثلاثة الفتية وسبب ظهورهم لسنا بحاجة إلى تكرار ما أشرنا إليه فى الحديث عن دانيال - ونحن نتحدث عن شخصيته - إذ أنه الفتى الأول إلى جانب هؤلاء الثلاثة فى المسرحية التى ظهرت على أرض بابل عندما سار هذا الفوج الأول من المسبيين إلى السبى، وعلى الأغلب ما بين عامى 605 و604 ق.م.، وكان الغلمان الأربعة فى سن واحدة قدرها البعض بخمسة عشر عاماً، وقدرها آخرون بسبعة عشر عاماً، فإذا كان الأمر كذلك، وعلى ما تتجه إليه الترجمة السبعينية، أن أتون النار حدث فى العام الثامن عشر من حكم نبوخذ ناصر عندما صنع الملك البابلى تمثال الذهب تخليداً لانتصاراته العظيمة، وتمجيداً لآلهته « بيل »، فإن الفتيان الثلاثة يكونون قد واجهوا التجربة بعد سماعهم بخراب أورشليم ومجئ الفوج الكبير اللاحق لهذا الخراب من المسبيين أى حوالى عام 685 ق.م.، أو بعد الخامسة والثلاثين من أعمارهم، فى سن الرجولة الواعية الكاملة، وقد أخذ إلى السبى الملكان يهوياكين وصدقيا، وكان إرميا فى أورشليم، ودانيال فى بابل، ويبدو أنه كان غائباً فى مهمة ما عن المدينة!!ولعله من اللازم أن نشير إلى أن إرميا كان قد تنبأ بأن مدة السبى ستكون سبعين عاماً، وقد حذر الشعب من الإصغاء إلى الأنبياء العرافين المدعين كذباً الذين دأبوا على خداعهم بأن اللّه سيرجعهم سريعاً إلى بلادهم، وطلب إليهم أن يبنوا بيوتاً ويغرسوا جنات، ويتزوجوا، ويصلوا لأجل البلاد التى هم فيها لأن وقتاً متسعاً لهذه كلها، لابد أن ينقضى قبل رجوعهم.. كان الكثيرون من المسبيين ينظرون إلى السبى كشر مطلق سمح به اللّه الذى تركهم ونسيهم، ولكن الحقيقة كانت على عكس ذلك، إذ أنه سباهم لأنه يفكر فيهم ويحبهم ويقصد لهم آخرة فياضة بالسلام والرجاء: « لأنه هكذا قال الرب. إنى عند تمام سبعين سنة لبابل أتعهدكم وأقيم لكم كلامى الصالح بردكم إلى هذا الموضوع لأنى عرفت الأفكار التى أنا مفتكر بها عنكم يقول الرب، أفكار سلام لا شر لأعطيكم آخرة ورجاء، فتدعوننى وتذهبون وتصلون إليّ فأسمع لكم. وتطلبوننى فتجدوننى إذ تطلبوننى بكل قلبكم، فأوجد لكم يقول الرب وأرد سبيكم وأجمعكم من كل الأمم ومن كل المواضع التى طردتكم إليها يقول الرب، وأردكم إلى الموضع الذى سبيتكم منه » " إر 29: 10 - 14 "على أنه من الواجب مع ذلك، أن نتعرف على حياة المسبيين وشعورهم العميق فى السبى، ولسنا نظن أن هناك مزموراً حزيناً يضارع فى حزنه، المزمور المائة والسابع والثلاثين، ومع أن كاتبه مجهول (ويعتقد البعض أنه من سبط لاوى).. ومع أننا لا نستطيع أن نقبل بحال ما روح العنف والقسوة التى كانت سمة العهد القديم فى الانتقام، والتى جاءت فى ختام المزمور«أذكر يارب لبنى أدوم يوم أورشليم القائلين هدوا هدوا حتى إلى أساسها يابنت بابل المخربة طوبى لمن يجازيك جزاءك الذى جازيتنا طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة »... إلا أننا مع ذلك ندرك إحساس المسبيين، والعواطف الوحشية التى تتملك الأسير وهو يرى رد فعل المعاناة التى عاناها، واشتدت عليه،... غير أن روح االمسيح يمنعنا الآن من مثل هذا الأسلوب، وقد صلى هو لصالبيه من فوق الصليب، مرتفعاً فوق الحقد والضغينة باسمى لغة سمعها الإنسان على الأرض: «إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون » " لو 23: 34 " وفى الوقت عينه، من اللازم أن نتحسس مشاعر الفتية الثلاثة من هذا المزمور،... لقد كانوا على ولاية بابل، وعندما بلغهم خراب مدينتهم علقوا أعوادهم على الصفصاف، ولم تنقطع الدموع من عيونهم!!... ومع أن بابل كانت أجمل مدينة فى الدنيا فى ذلك التاريخ، كانت مدينة الحدائق المعلقة التى جمعت أبهج ما يمكن أن تمتلئ به العين، وكانت المدينة الممتلئة بالأنهار والغدر ان تتدفق منها الحياة تدفقاً، وأشجار الصفصاف ترتفع عالية شامخة ترسل ظلالها البعيدة هنا وهناك، لكن جمال المدينة نفسه، كان عذاباً لمشاعرهم وعواطفهم، كلما ذكروا بلادهم الخربة التعسة التى أضحت أطلالا وأنقاضاً!!... لقد كانت بابل قفصاً من ذهب، طلب إلى الطائر السجين أن يغرد ويرفع صوته وهو داخله بالأغنية والطرب!!ولم تكن المأساة أن يمتنع الطائر الأسير المهاجر عن الغناء،... بل طلب إليه أن يغنى أغنية لإله غريب، وهنا الطامة الكبرى، بل هنا البلاء الذى لا يعد له بلاء آخر، لقد كان على الثلاثة الفتية، أن يستبدلوا أعوادهم بأعواد أخرى، ومزاميرهم بمزامير أخرى، ويهللوا فى وقت نكبتهم، بالترنيم لإله غريب!!صنع نبوخذ ناصر تمثالا عظيما من ذهب، تصوره البعض ذهباً خالصاً، وتصوره آخرون خشباً مغشى كله بالذهب، وارتفاعه ستون ذراعاً أو ما يقرب من ثلاثين متراً، وعرضه ستة أذرع أو ما يقرب من ثلاثة أمتار، وقد ظن البعض أنه تمثال نبوخذ ناصر نفسه، والأرجح أنه تمثال لآلهته، وقد دعى لتدشين التمثال القادة والرؤساء وحكام الولايات، فاجتمع جمع غفير من كل القبائل والأمم والألسنة، وكان لابد أن يكون الثلاثة الفتية الموكلون على أعمال ولاية بابل، بين الحاضرين!!.. ومن الواضح أن دانيال لم يكن بالمدينة، وإلا لكان القائد أو رجل الطليعة.. وكان على زملائه الآخرين أن يواجهوا الامتحان هذه المرة بمفردهم،... وواجهوه على النحو العظيم الذى أثار التاريخ بأكمله!!. الثلاثة فتية والشكوى ضدهم عند سماع الموسيقى لامست جميع الرؤوس الأرض، إلا ثلاثة رؤوس لم تنحن للتمثال لأنها لا يمكن أن تنحنى إلا للّه وحده، وسارع الكلدانيون بالشكوى لنبوخذ ناصر، ولعل هناك أكثر من سبب لهذه الشكوى، بل لعل بعضها يختفى وراء البعض الآخر، ومع أنها قد تكون الأسباب الحقيقية، لكنها مع ذلك تلبس مسوح غيرها من الأسباب،... ولو أننا حاولنا أن نحلل أسباب الشكوى لرأيناها أولا غيظ الرأس المنحنى من الرأس الذى لا يعرف الانحناء لبشر، والناس دائماً يبحثون عن الرؤوس المتساوية ولا يقبلون رأساً يرتفع فوق رؤوسهم ليكشف ضعفهم ونقصهم وهزالهم وهزيمتهم،.. ولو أننا بحثنا الصراعات القاسية فى كل العصور والأجيال، لرأينا الكثير منها لا يزيد عن تناطح الرؤوس، وتصارع الرياسات، وتقاتل المناصب،... وما من شك بأن الحسد لعب دوره العظيم فى هذا المجال، فالثلاثة الفتية ليسوا كلدانيين وأعمال ولاية بابل بين أيديهم، هم غرباء أجانب، لم يكتفوا بأن يزاحموا الوطنيين فى مراكزهم، بل أكثر من ذلك يرأسونهم ويسودون عليهم،... فإذا أضفنا إلى ذلك أنهم عقبة كأداء فى طريق الفساد والرشوة والانتهازية والوصولية التى عاشوا عليها، أو يحلمون باستغلالها، والكسب الحرام من ورائها،... تبين لنا مدى االحنق والغيظ، وانتهاز الفرص للاضرار بهم والإيقاع بأشخاصهم، والأمل فى إسقاطهم من الحياة العالية المرتفعة التى وصلوا إليها!!... ومن المتصور أيضاً أن هذا كله استتر وراء الغيرة على الدين، فمن هم هؤلاء الذين يجرؤون على رفع رؤوسهم تجاه « بيل » معبود نبوخذ ناصر ومعبودهم؟!.. وأنهم ينبغى أن يكونوا أوفياء أمناء تجاه آلهتهم العظيمة التى ينبغى أن ترتفع على كل الآلهة التى يتعبد الناس لها فى الأرض!!.. كانت شكوى الكدانيين على الثلاثة الفتية خليطاً من البواعث الدفينة والظاهرة، التى تمتزج فى حياة الناس، وتكون حقدهم وتعصبهم وضغينتهم وانتقامهم دروا بها أو لم يدروا على حد سواء!! الثلاثة الفتية وولاؤهم للّه كان ولاء الثلاثة الفتية للّه نموذجاً من أروع نماذج الولاء فى كل العصور ويخيل إلى أن هناك علاقة بين أسمائهم العبرية، وهذا الولاء، ويمكن أن نأخذ صورة منها، فاسم أحدهم « ميشائيل »... أو « من مثل اللّه!!؟ أو من هو الإله الذى يمكن أن يكون نداً ومثيلا للّه!!؟ لا أحد!!... وهيهات أن يكون له مثيل بين الآلهة أو تماثيلها وأنصابها أيضاً!!.. فليصنع نبوخذ ناصر تمثالا لبيل، وليطلق على ميشائيل اسم ميشخ أو من هو مثل « آخ » معبود القمر،... فهذا أمر لا يقبله ميشائيل، حتى ولو تحول أشلاء تذروها الرياح، فمن مثل اللّه عنده؟!!.. ومن فى السماء أو الأرض يدانى اللّه أو يقاربه؟..!! ألم يغن موسى فى بركته التليدة: « ليس مثل اللّه يايشورون. يركب السماء في معونتك والغمام فى عظمته. الإله القديم ملجأ والأذرع الأبدية من تحت » " تث 33: 26 و27 "... وألم يقل إشعياء: « فبمن تشبهوننى فأساويه يقول القدوس » " إش 40: 25 " بمن تشبهوننى وتسووننى وتمثلوننى لنتشابه " " إش 46: 5 ".. وألم يهتف ميخا: « من هو إله مثلك غافر الإثم، وصافح عن الذنب لبقية ميراثه، » " ميخا 7: 18 "... وقد كان ممتنعاً على الإسرائيلى لهذا السبب أن يحاول تصوير اللّه فى أية صورة أو نصب أو تمثال يتقرب به إليه، ومن ثم جاءت الوصية: لا تصنع لك تمثالا منحوتاً ولا صورة ما مما فى السماء من فوق، وما فى الأرض من تحت، وما فى الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأنى أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء فى الأبناء فى الجيل الثالث والرابع من مبغضى » "خر 20: 4 و5 "... والعبرانى بهذا المعنى لا يقبل أن يرى آلهة بجانب اللّّه، أو تمثالا أو صورة يتقرب بها إليه، مهما بلغت ذروة الفن أو الجمال،... لأنها - فى أفضل الحالات - ليست إلا مسخاً لجلاله الفائق الحدود!!... فإذا أضفنا اسم «حنانيا » إلى اسم ميشائيل، نعرف سبباً آخر للولاء للّه، فنحن لا نعظم اللّه لمجرد أن عظمته لا تحاكيها أو تدانيها أية عظمة أخرى، وهو أعلى من السموات التى ليست بطاهرة أمام عينيه وإلى ملائكته ينسب حماقه!!... إن السبب الثانى للولاء هو حنوه ومحبته وجوده وإحسانه، إذ أنه اللّه الحنان المشفق الرحيم الجواد، الذى يمطر علينا بالإحسان والعطف والمحبة والرأفة!!.. لقد أدرك الثلاثة الفتية حنان إلههم فى قلب الأسر والسبى والمتاعب والالام، فهو لم يكتف أن يجنبهم أهوال الاستعباد التى كان يمكن أن تطحنهم طحناً، كعبيد أسروا فى الغزو والحرب، بل رفعهم وعظمهم وجعلهم سادة على مستعبديهم، وقادة فى ولاية بابل،... فإذا جئنا إلى عزريا أو « اللّه يعين » أدركنا أن اللّه لم يتخل عن شعبه فى وقت المأساة والضيق، بل كان على العكس، أقرب ما يكون إليهم، وهم لا يدرون،...: « وقالت صهيون قد تركنى الرب وسيدى نسينى. هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك. هوذا على كفى نقشتك. أسوارك أمامى دائما ».. " إش 49: 14 - 16 "ولست أظن أن الولاء المسيحى للّه يعرف أسباباً أفضل من عظمة اللّه، وحنوه، وعنايته التى ظهرت فى شخص يسوع المسيح مخلصنا، وعندما أوقد الشيطان أتونه العظيم ضد الكنيسة، وأثار عليها أرهب وأشنع صور الاضطهاد عادت مرة أخرى بطولة ميشائيل وحنانيا وعزريا فى آلاف الآلاف الذين غنوا فى قلب الأتون المحمى سبعة أضعاف وصار ناراً مشتعلة بحبهم العظيم للّه فى يسوع المسيح الرب والمخلص!!فإذا تحولنا من سر الولاء إلى مظهره، رأيناه أولا فى الشجاعة الخارقة، وهل يمكن أن يعرف العالم شجاعة أعلى وأسمى من شجاعة الشهيد الذى تبدو الصورة الأولى لشجاعته فى انتصاره على نفسه، قبل أن ينتصر على إنسان أو مخلوق آخر؟!، وعندما ينتصر الإنسان على نفسه فإن ألف نبوخذ ناصر لا يستطيعون أن يفعلوا معه شيئاً. عندما هدد الإمبراطور يوحنا فم الذهب، قائلا إنه يستطيع أن يفعل ضده الكثير، قال له القديس القديم،: إنه أعجز من أن يفعل معه شيئاً، وإذ قال هل: أنفيك... قال الذهبى الفم: إن أى مكان ترسلنى إليه، سأجد هناك صديقى الذى لا تستطيع أن تفصلنى عنه!.. وإذ قال له: آخذ ثروتك أجابه: إنك لا تستطيع، لأن لى كنزاً فى السماء لا تصل إليه يدك!!.. وإذ قال له: أقطع عنقك... كان الجواب: يوم تفعل ذلك فإنما أنت تحرر الطائر السجين من القفص الذى حبس فيه... وأدرك الإمبراطور أن إنساناً كهذا لا يمكن قهره على الإطلاق،.. كان انتصار الفتية الثلاثة، أولا وقبل كل شئ، انتصاراً على النفس، فلم يعد واحد منهم يفكر فى الشباب الذى يترصده الموت على أرهب صورة،... ولم يعد واحد منهم يفزع من أجل المنصب الذى يوشك أن يضيع، ولم تعد الحياة بجملتها، بما فيها من متعة وجلال، ومجد أرضى، تساوى قلامة ظفر، تجاه مجد اللّه وجلاله وعظمته وخدمته!!.. ألم يأت بعدهم بمئات السنين من قال: « والآن ها أنا أذهب إلى أورشليم مقيداً بالروح لا أعلم ماذا يصادفنى هناك، ولكننى لست أحتسب لشئ ولا نفسى ثمينة عندى حتى أتمم بفرح سعيى والخدمة التى أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة اللّه » " أع 20: 22 - 24 "؟!عندما انتصر الفتية الثلاثة على أنفسهم، استطاعوا الانتصار على الامبراطور العظيم الطاغية،... ومن العجيب أن ثلاثة عزل من كل سلاح، يقفون أمام أعظم إمبراطور فى عصره، الامبراطور الذى دانت له الدنيا، وقهر الممالك، وأذل أعناق الرجال،... ولعل هذا الامبراطور فى معركته مع الفتية لم تقع عينه قط على من هو أجرأ أو أشجع منهم على الإطلاق، كيف لا، وهم ينادونه باسمه دون تملق أو زلفى أو خوف أو فزع أو مداهنة أو رياء، ومن غير إضافة أى لقب،... وفى الواقع، لا يمكن أن تعرف الدنيا فى كل الأجيال، جرأة كجرأة الشهيد الذى يخوض معركة الحق من أجل اللّه!!كانت المعركة بين نبوخذ ناصر والفتية، هى ذات المعركة القديمة، بين المنظور وغير المنظور، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الأمانة والحماقة، ومن المؤكد أنه لم يكن هناك تكافؤ بين الطرفين، فحسب النظرة البشرية كانت الكفة أرجح بما لا يقاس نحو رجل يملك قوة الدنيا بأكملها بين يديه، وبين ثلاثة من الأسرى المنبوذين الذين لا حول لهم ولا قوة وما هم إلا ثلاث من النمل تحت أقدام فيل رهيب ضخم ولكن حسب النظرة الأعمق، هم المسلحون بقوة رب الجنود إله إسرائيل!!فإذا عدنا ننظر إلى القوة التى يمتلكونها نجدها أشبه بدرجات سلم متصاعدة، أما الدرجة الأولى التى تمس الأرض فهى أنهم ثلاثة معاً وليسوا واحداً،... ومع أن كثيرين من أبطال التاريخ ذهبوا إلى معاركهم منفردين وراء ذاك الذى قال « دست المعصرة وحدى » " إش 63: 3 "... لكن المسيح نفسه، وهو القادر على كل شئ وله فى جثسيمانى أن يحس بوجود تلاميذه معه، وقال لبطرس وابنى زبدى،: « أمكثوا هنا واسهروا معى » " مت 26: 38 ".. « أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة؟ " مت 26: 40 " كان من أقسى ما عانى فى جثسيمانى وحدته تجاه أكبر معركة مرت فى التاريخ،... وما أجمل أن يجد الإنسان منا فى لحظات المحن والمتاعب والتجارب والآلام، من يؤنسه بكلمة أو يبتسم له أو يشجعه أو يعينه بأية صورة من الصور،... وقد وجد الفتية الثلاثة هذا التشجيع فى الشركة التى تربطهم فى الإيمان والمصير!!.. عندما وقف لاتيمار مع صديقه ردلى وقد حكم عليها بالموت حرقاً... قال لاتيمار لزميله: تشدد فإننا سنضئ اليوم فى انجلترا كمشعل بنعمة اللّه لن ينطفىء أبداً!!وكانت الدرجة الثانية من السلم يقين الفتية بأنهم يدخلون معركة نبيلة شجاعة من أعظم وأروع المعارك على ظهر هذه الأرض، وقد سبق فى دراستنا للشخصيات أن أشرنا إلى ما قاله جورج فرند سبرج وهو قائد من أعظم القواد الألمان لمارتن لوثر، وهو يدخل باب مجمع ورمس لمحاكمته التليدة الرهيبة: « أيها الراهب المسكين... إنك ذاهب إلى معركة أنبل وأعظم من كل المعارك التى خضتها أنا، أو أى واحد من القادة، فإذا كانت قضيتك عادلة فتقدم باسم اللّه »... وكما تقدم الثلاثة الفتية العظام، تقدم مارتن لوثر إلى معركة الإصلاح التى لم تغير تاريخ أوربا فحسب، بل غيرت التاريخ المسيحى كله!!على أن الدرجة العليا فى السلم، كانت يقين الفتية أنهم لا يدخلون المعركة منفردين،... إذ لم يكن هذا هو الاختبار الأول لهم، فقد سبقت لهم النجاة من يد الرجل البطاشة، عندما أعلن اللّه لدانيال على صورة معجزية خارقة للعادة حلم نبوخذ ناصر وتفسيره،... إنهم يؤمنون بإله قوى قادر على كل شئ، وعندما يرون نبوخذ ناصر أمامهم، فى ضوء اللّه، يضحى العاتية الجبار أقل من نملة تدب على الأرض، وهم لذلك يخاطبونه بدون لقبه، قائلين: « يانبوخذ نصر لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر، هوذا يوجد إلهنا الذى نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك، وإلا فليكن معلوماً لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذى نصبته »... " دا 3: 17 و18 " وجند الطاغية كل قواه وسلطته، فالأتون يحمى سبعة أضاف، الفتية يقيدون، وأقوى رجال الحرب يقذفون بهم فى قلب الأتون، والنار الملتهبة فى شدتها وعنفها تقضى على القاذفين!!.. الثلاثة الفتية ونصرهم العظيم فى معسكرات الاعتقال الشيوعية، قبض على جمع من الشباب، وكانوا عشرين على ما أتذكر، ودخل الضابط الشيوعى، وعدهم قائلا أنتم عشرون وقال شاب: لا، بل نحن واحد وعشرون، وعد الضابط مرة أخرى،... وقال: أنتم عشرون. ورد عليه نفس الشاب: بل واحد وعشرون، وإذ أعاد العد، قال: ومن هو الواحد والعشرون!! فأجاب الشاب: إنه الرب يسوع المسيح!!.. وإذا كان المسيح معنا فى كل وقت، فإنه أدنى إلينا وألصق بنا ونحن فى الأتون،... ومن اللازم أن نشير إلى أن الثلاثة الفتية كانوا يؤمنون بالنصر، سواء عاشوا أو ماتوا!!.. فإذا عاشوا فهم شهود قدرته، وإذا ماتوا فهم أوفياء لمحبته، ومن المثير أن نبوخذ نصر قذف بهم موثقين، فإذ به يراهم محلولين يتمشون فى وسط الزتون، وما بهم ضرر ومعهم رابع شبيه بابن الآلهة،... لقد أخطأ الرجل أعمق الخطأ، سواء فى فهم قيودهم، أو فى فك هذه القيود،... لقد ظن أن يقيدهم بحبال البشر وما درى أن قيدهم الحقيقى هو حب اللّه، الذى يعيشون من أجله، ويموتون فى سبيله،... ولقد ظن أن النار ستأتى عليهم وعلى قيودهم معاً، وما عرف أو أدرك أنهم أحرار، يتمتعون بأكمل صور الحرية رغم قيودهم، أحرار فى ذلك الذى حل قيودهم وفكها، وسار معهم داخل الأتون الملتهب، دون أن ينالهم أدنى ضرر، إذ هو القائل: « فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً » " يو 8: 36 "ولا حاجة إلى القول إن القصة تتكرر فى كل عصور التاريخ بهذه الصورة أو تلك، من أتون التجارب ونيران الاضطهاد والمصاعب، ولكن ابن اللّه يظل هناك على الدوام، لا يتغير ولا يتبدل، مهما كانت النتائج التى تتمخض عنها الأحداث، وقد اشتعلت النيران طوال ثلاثة قرون فى مطلع التاريخ المسيحى، وحمى الأتون سبعة أضعاف،... ولكن المسيحية خرجت من قلبه، وجوليان الإمبراطورى يصيح: لقد غلبت أيها الجليلى!!... إن الدرس العظيم الذى يعطيه الثلاثة الفتية للعالم، إلى جانب الولاء المطلق للسيد، هو اليقين الذى لا يتزعزع فى جوده وحبه،... وفى وجوده على صورة خارقة عجيبة تفوق الإدراك والوصف، وتحير العقول وتذهلها كما تحير نبوخذ نصر وتعجب هو والمرازبة والشحن والولاة ومشيرو الملك وهم يرون « هؤلاء الرجال الذين لم تكن للنار قوة على أجسادهم، وشعرة من روؤسهم لم تحترق وسراويلهم لم تتغير ورائحة النار لم تأت عليهم " دا 3: 27 "!! هل لنا مثل هذا الإيمان، مهما تغيرت أو تلونت ظروف الحياة... ومهما أحاطت بنا الصعاب والمتاعب؟!!.. تحدث هنرى ورد بيتشر عن أبيه، وكان خادماً للّه، وقد مرت به ظروف قاسية صحية ومادية فى كثير من الأوقات، قال الابن: لا أنسى أننا كنا نتناول الشاى فى المطبخ، وإذا بأمى تقول لزوجها، وكانت هادئة وديعة،... لا أعلم كيف نواجه المصروفات والفواتير، وهى تخشى أن تموت فى بيت من بيوت العجزة المسنين،... وأجاب الزوج قائلا: ياعزيزتى: لقد وثقت باللّه طوال أربعين عاماً خلت، ولم يخذلنى قط طوال هذه السنين،... وأنا لست مستعداً بعد أن أبدأ الآن بعدم الثقة فيه!!.. وقال بيتشر الابن: لقد أيقظتنى هذه العبارة، وكانت لى أفضل قانون للإيمان،... لقد اجتزت فى بكور أيامى بين المرض والفقر وألوان المتاعب والضيقات، دون أن تغيب عن ناظرى، أو يتباعد رنينها عن أذنى: « لقد وثقت باللّه أربعين عاماً، ولست مستعداً بعد أن أبدأ الآن بعدم الثقة فيه »!! إنحنى نبوخذ نصر، إنحنى الملك العظيم أمام ملك الملوك ورب الأرباب، وسجل أمام اللّه والتاريخ فى مواجهة الأتون: « تبارك إله شدرخ وميشخ وعبد نغو، الذى أرسل ملاكه وأنقذ عبيده الذين اتكلوا عليه وغيروا كلمة الملك وأسلموا أجسادهم لكيلا يعبدوا أو يسجدوا لإله غير إلههم. فمتى قد صدر أمر بأن كل شعب وأمة ولسان يتكلمون بالسوء على إله شدرخ وميشخ وعبد نغو فإنهم يصيرون إرباً إباًً وتجعل بيوتهم مزبلة إذ ليس إله آخر يستطيع أن ينجى هكذا.. حينئذ قدم الملك شدوخ وميشخ وعبد نغو فى ولاية بابل » " دا 3: 28 - 30 "نعم، وليكن اسمه مباركاً إلى أبد الآبدين آمين فآمين!!...
المزيد
23 ديسمبر 2020

غلطة العمر

كل إنسان معرض للخطأ, وقد يخطئ. وجلَّ من لا يخطئ ولكن غلطة معينة قد يرتكبها شخص, وتظل محفورة في ذهنه, لا ينساها, وقد لا ينساها له الآخرون... هي غلطة لا علاج لها, وتستمر نتائجها إلى مدى طويل. إنها غلطة العمر خيانة يهوذا مثلًا: لا شك أن ذلك الشخص كانت له أخطاء كثيرة في حياته. ولكن خيانته كانت هي الحدث الأكبر في كل حياته. ولم ينسَ له التاريخ تلك الخيانة, بل صارت مثلًا يُضرب, وقد هلك بسببها... كانت هي غلطة العمر بالنسبة إليه... مثل آخر: فتاة لها العديد من الأخطاء ومن العلاقات. ولكنها في إحدى المرات استسلمت للشهوة, وفقدت بكوريتها وحملت سفاحًا, سواء احتفظت بالجنين أو أجهضته... تظل هذه الغلطة تلاحقها طول حياتها, لا تنمحي من ذاكرتها مهما حاولت أن تخفى معالم الخطأ بطرق ملتوية. وإذا عُرفت عنها سقطتها, لا تغفرها لها أسرتها, ولا يغفرها لها المجتمع. إنها غلطة العمر. أو تلميذ في الجامعة, غش في الامتحان النهائي, وضُبط وتم فصله عامًا. وتخرّج أخيرًا. ولكن واقعة فصله بسبب الغش, تظل تلاحقه وتطارده في مستقبل حياته, وتصبح سبّة في تاريخه يتذكرونها له في كل وظيفة يتولاها ويعايرونه بها إن حدث منه خطأ آخر.. لقد كانت غلطة العمر. رئيس دولة كبيرة هو كلنتون Bill Clinton. كانت له مواهبه, ونجح في الانتخابات, وصار رئيسًا لأمريكا. وكان له محبون ومعجبون كثيرون به, وبدأ بنجاح في سياسته. ثم وقع في خطيئة مع مونيكا, وأمكن التشهير به, وأنكر واعتبرت المحكمة إنكاره كذبًا على القضاء. وانتهى الأمر بأن ترك رئاسة أمريكا, ولكن السمعة الرديئة لم تتركه, بل مُنع من ممارسة المحاماة. وكانت خطيئته مع مونيكا وإنكاره لذلك, هي غلطة العمر. وصارت درسًا للأجيال... مثل آخر في عالم الرياضة, هو مارادونا Diego Armando Maradona لاعب الكرة الشهيرة الذي كاد أن يصبح أسطورة في تاريخ كرة القدم بسبب فنه وتوالى انتصاراته... وقع في غلطة واحدة وهى أنه صار يتعاطى منشطات ثم مخدرات... وكانت النتيجة أنه أوقف مسيرة تاريخه, وفقد بطولته على الرغم من ملايين المعجبين به... وكانت غلطة العمر.أو شاب في منتهى القوة, وفي قمة نجاحه وتفوقه في كل مجال يعمل فيه, حتى صار موضع إعجاب كثيرين وكثيرات... حدث في مرة أنه سقط مع إحدى المعجبات في خطية جنسية. ولم يكن يدرى أنها مصابة بالإيدز, وانتقل المرض منها إليه. وأخذت صحته تتدهور ولم ينفع معه علاج. وفقد شبابه وقوته وعمله ومستقبله, بسبب هذه الغلطة الواحدة. ولكنها كانت غلطة العمر.رجل أعمال ناجح جدًا, واستطاع أن يكوّن ثروة كبيرة, وصارت له سمعة ممتازة واسم مرموق, بفضل مواهبه العديدة وإخلاص في عمله, وحزمه في الإدارة. ثم حدث أنه جرب القمار وكسب, وأعاد الكرّة ولكنه على مائدة الميسر خسر كل شيء... خسر ماله وسمعته ورهن أملاكه ثم باعها. وهكذا فقد كل ما كانت له من ثروة. وذلك بسبب غلطة واحده هي لعب القمار, ولكنها كانت غلطة العمر. وأبً كان يبذل كل جهده من أجل راحة أسرته ورفاهية كل أعضائه, ويسهر الليل والنهار في سبيل ذلك. ولكنه للأسف الشديد لم يكن له وقت يقضيه مع أولاده, ليشرف على تربيتهم بنفسه. وشرد الأبناء بعيدًا. الابن انضم إلى أصدقاء السوء, وابنته وقعت في حب شاب وتزوجته زيجة غير شرعية, إذ لم تجد الحنان الكافي من أبيها. وخسر الأب أسرته التي تعب كثيرًا من أجلها. وكان ذلك كله بسبب غلطة واحدة هي عدم تفرغه لتربية الأولاد. وكانت هذه بالنسبة إليه هي غلطة العمر. وفي مجال السياسة والحرب, ما أكثر الملوك والقادة والزعماء الذين أضاعوا تاريخهم كله من أجل غلطة رئيسية في سياستهم, لم يحسبوا حسابًا لنتائجها الخطيرة, ولكنها كانت غلطة العمر, مع إنهم كانوا في مجد وعظمة, ولكنهم فقدوا كل شيء... فلنابليون العظيم Napoléon Bonaparte غلطة حرب سببت له الهزيمة بل أيضًا انتهت بالقبض عليه وإذلاله. وهتلر Adolf Hitler الذي كاد في وقت من الأوقات أن يصبح أسطورة... وشاوشسكي في حكمه وقلة حكمته... كل هؤلاء أضاعتهم غلطة العمر إن فشل الإنسان عمومًا لا يرجع إلى أن حياته كلها كانت أخطاء. وإنما غلطة واحدة خطيرة يمكن أن تضيعه...!إن كوبًا مملوءًا بالماء, تكفى لتعكيره نقطة واحدة من الحبر تسقط فيه. وكذلك صحة قوية يكفى ميكروب واحد خطير أن يقضى عليها... لذلك يجب على كل إنسان أن يكون حريصًا جدًا في حياته ويبتعد عن مثل هذه الأخطاء. لأن ثقبًا واحدًا في سفينة الحياة قد يؤدى إلى غرقها... ومن الله الرحمة. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد
22 ديسمبر 2020

أربع رسائل من شهر كيهك تأخذهم ليكونوا مبادئ للعام الجديد ولحياتك

ونحن بنحتفل بهذا الشهر الذي نقدم فيه تسبيح وصلاة لأمنا العذارا ومتبقي أيام على نهاية هذا العام كشباب وشابات ونحن نعيش جمال كنيستنا في طقسها وتراثها أضع أمامك أربع رسائل من شهر كيهك تأخذهم ليكونوا مبادئ للعام الجديد ولحياتك وهم من الأصحاح الأول من إنجيل معلمنا مار لوقا البشير وهذا الإصحاح يقرأ على أربعة آحاد: ١- الأحد الأول: بشارة الملاك لزكريا الكاهن :- وهو في أوله وعد لزكريا وآخره تحقيق الوعد بولادة أعظم مواليد النساء “يوحنا المعمدان” وحياة البشرية ابتدأت بوعد في جنة عدن وانتهت بتحقيق هذا الوعد بتجسد وصلب السيد المسيح.والأربعة رسائل نأخذهم من الأربعة آحاد. رسالة لزكريا الكاهن وممكن كل واحد يضع اسمه بدل اسم زكريا وهو ظهر له الملاك واضطرب زكريا وقال له الملاك “لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ” (لو ١ : ١٣) وهي رسالة اطمئنان وتحقيق.هذه الرسالة لكل واحد، ضع اسمك بدل من زكريا وكل صلاة تصليها ثق أن لها استجابة وأن أذن الله تسمعها.فزكريا وأليصابات كانوا بلا أولاد رغم أنهم كانوا بارين فكيف هذا ؟! يأتي الملاك ويقول “لاتخف لأن طلبتك قد سمعت”. كل صلاة لها وقت للاستجابة كل شاب وكل شابه يثق أن كل صلاة مهما كانت صغيرة أو ضعيفة لها استجابة وفي اليوم المعين يفرحك الله. ضع هذا أمامك طوال السنة الجديدة واعرف أن في الوقت المعين يعطيك الله سؤل قلبك. ٢- الأحد الثاني: بشارة الملاك للعذراء:- يأتي الملاك ويقول رسالة للعذراء رغم أنها بنت صغيرة وفقيرة ولكن الملاك يقول “”لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ.” (لو ١ : ٣٠) هذه رسالة سلام ونوال النعمة، الرسالة السابقة رسالة اطمئنان وهذه رسالة سلام كل واحد له نعمة عن الله ولكن الشاطر هو من يشكر فيزيد الله له هذه النعم وكلنا نعيش مع والدينا وفي الكنيسة ترعانا وفي كليات وسوف نكبر ونتخرج ويكون لنا دور كل هذه نعم أعطاها الله لنا وما أجمل السلوك النقي كشباب وشابات في سلوكياتنا النقية نجد نعم من عند الله. العالم مضطرب من حولنا ولكن نجد رسالة سلام “لاتخافي يامريم” الله يعطينا نعم كثيرة “الصحة – الأسرة المستورة – النجاح – الصداقة” المشكلة أن الإنسان يشعر بالنعمة وهذه رسالة سلام لكل شخص فينا أشكر كل حين وستجد نعم الله تنسكب عليك وكن إنسانًا راضيًا ومتواضعًا وستجد نعم الله تنسكب عليك هذا الكلام اختبار روحي معاش تعيشه. وأمنا العذراء عاشت هذا “سلام لك لا تخافي يامريم لأنك وجدت نعمة”. ٣- الأحد الثالث: لقاء أمنا العذراء مع أليصابات :- هذا اللقاء هو بمثابة لقاء بين العهدين القديم والجديد فالعذراء مريم تمثل العهد الجديد وأليصابات تمثل العهد القديم وتقول أمنا العذراء خلال اللقاء “تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي” (لو ١ : ٤٧) وهذه رسالة تسبيح ورسالة فرح بالخلاص قلبك يسبح ويصلي اسم ربنا في حياتك.الله خلقك ووضعك في ظروف معينة ويقول “عيني عليك من أول السنة لآخرها” فالله هو الأول في حياتي وكل نبضة في قلبك هي صلاة مرفوعة.يجب أن تكون صلاتك من قلبك. وتخيل لو لم تكن قبل مجئ المسيح فكم يكون احساسك بالضعف. بولس الرسول يعلمنا ويقول”أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي.” (في ٤ : ١٣) والإنسان بدون مسيح ضعيف احساسك إنه صلب لأجلك يجعلك تصلي كل ساعة. ٤- الأحد الرابع: “مجئ يوحنا المعمدان”:- في الجزء الأخير نقرأ “نَعْبُدُهُ، بِقَدَاسَةٍ وَبِرّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا.” (لو ١ : ٧٤ – ٧٥) تذوقوا معي هذه الكلمات ممكن تكون في مكان ما وفكرك في مكان آخر، فكيف تسمي هذه صلاة ؟!. لذا يجب أن يكون قلبك مقدس وأنت اليوم شاب صغير ثم بعد ذلك تعمل أو تتزوج أو تتكرس هذا هو جميع أيام حياتنا وعندما نرى أحدًا بقداسة وبر نتعلم ونعيش مثله. أربعة رسائل نضعهم أمامنا : ١- رسالة اطمئنان و استجابة صلاة. ٢- رسالة سلام ونوال النعمة ٣ – رسالة عهد أمام الله تكون حياتي تسبيح وفرح بالخلاص ٤- نعبده بقداسة وبر رسالة تقديس وسلوك بحياة بارة. نحتاج أن يكون لدينا فكر جديد وجميعنا نصلي مزمور التوبة “قلبًا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله”.المسيح يبارك حياتكم ودراستكم. ويشترك معنا الآباء الأحباء ونختم هذه السنة ونقول له “يارب أعطنا أن نبدأ العام الجديد بنقاوة”.ولإلهنا المجد الدائم آمين. قداسة البابا تواضروس الثاني
المزيد
21 ديسمبر 2020

لا تخافي يا مريم

خافت العذراء مريم من تحيه الملاك " وفكرت ما عسي أن تكون" (لو1:29). 1 – فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم (لو1: 30). " الروح القدس يحل عليك" (لو 1: 35) ويهيئك لعمل الآب وتحملي سر فائق وحب عجيب ويقدس روحك وجسدك ونفسك. لا تخافي كلمه فيها حب وتشجيع وإطمئنان من ملاك بإبتسامه مفرحه جاء برساله مفرحه فأحنت رأسها وأطاعت وقالت " إنها أمة الرب " " أمنت وصدقت وقالت " ليكن لي كقولك" (لو 1: 38). لا تخافي يا بتول. فالبتول يحل فيك وتكوني رمزًا للكنيسه البتول عروس المسيح (راجع) الـ144 ألف البتوليين (رؤ 7: 4) رمزًا لشعب المسيح الذين يسعوا وراء الطاهر ليكونوا أطهار. لا تخافي لن يشك أحد في طهارتك ولكنهم سيشكوَّن فيَّ أنا ويقولون: " ألسنا نحن عارفين أبيه وأمه" (يو 6: 42). لا تخافي ستنعمي بزيجه خاصه مع الله وتتسلمي عريسك داخل أحشائك. لا تخافي الذي ترقبته الأجيال السابقه يسكن فيك وتكوني أمًا للخالق تحملي ناره الألهيه ولا تحترقي بل تتنقي أكثر فأكثر (راجع عليقه موسي). لا تخافي ستلتحفي بالنعمه كثوب ونفسك تمتلئ بالحكمه الألهية. لا تخافي سيقترب الله للإنسان (بك) ويمشي معه علي الأرض. والجسد (الذي منكِ) يتحد بالله وتكوني هيكلًا للواحد من الثالوث (ثيؤطوكيه الأربعاء). لا تخافي وتستحي من الكلام معي أنا لست رجلًا بل ملاكًا وها أنا أشرح لك من هو إبنك (راجع). (لو1: 32، 33) من تخافه الملائكة تحملينه في بطنك (ثيؤطوكية الأربعاء). 2 – التحيه التي خافت منها العذراء مريم: - " السلام لك أيتها الممتلئه نعمه الرب معك مباركه أنت في النساء" (لو 1: 28). السلام لك أيتها الممتلئه نعمه: لك فرح وتهليل يا ممتلئه نعمه، ففي الحال نظرت للأرض، كيف هذا وأنا يتيمه وفقيره وساكنه في قريه ليس لها قيمه؟ أنا طول حياتي فرحانه بالرب الذي يملأ قلبي بسلامه العجيب وحبه الفريد، وكون أن السماء تعلن لي هذا!! أنا خائفه لئلا أدخل في تجارب أكثر أو ضيق أشد! لماذا هذه التحيه؟ الرب معك: فكرت وقالت فعلًا الرب معي ولكني لم أنظره أشعر به ولكني لم أراه. أفكر دائمًا فيه ولكني أريد أن أتمتع بوجوده،فقال لها الملاك الرب معك ستلدي عمانوئيل الله معنا ليس معك فقط بل معنا ستنظري وتلمسي وتسمعي ونحن معك أفرحي يا ممتلئه نعمه. مباركه أنت في النساء: كيف هذا؟ فخافت لأنها كانت تتوقع أن تسمع مباركه أنت بين العذارى أو بين البتوليين أو بين المكرسين أو بين المتوحدين أو سكان الجبال فقال لها " الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعي ابن الله" (لو 1: 35) " فتكوني مباركه في النساء ومبارك هو ثمرة بطنك" (التسبحه). " من أسرار العذراء " كيف يا أمي إمتلأتِ نعمه؟ تعال يا ابني نقرأ في سفر أرميا النبي.. لقد أرسل الرب لأرميا أن يذهب ويقول للأنبياء الكذبه: " من وقف في مجلس الرب ورأي وسمع كلمته؟" (أر 23: 18). " لو وقفوا في مجلسي لأخبروا شعبي بكلامي!!" (أر 23: 22). فقلت لأرميا: يا أبي، لو جلست أنا هل ممكن أري و أسمع؟ فقال لي (أر 29: 13، 14). " تطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلوبكم فأوجد لكم ". فغرت غيره مقدسه، وطلبت كثيرًا حتي نظر وقال لي الرب: " من تطلبين؟ " فقلت: " يا معلم أين تمكث؟ "(يو 1: 38) ففتح لي. " لأنه من هو الذي يجرؤ بقلبه ليدنوا إليَّ من ذاته" (أر 30: 21). فجلست في حضرته نهارًا وليلًا: ووقفت في مجلس الرب أشرب من نبعه وكنت أتحرك به ووضعته أمامي في كل حين.وكما أوصاني " أحب الرب إلهك من كل قلبك وقدرتك وفكرك" (لو 10: 27) فأحببته.فقربني منه وملأني بنعمته. لا تنسي يا ابني: 1 - قول الرب لموسي النبي (عدد 16: 4) " يعلن الرب من هو له ومن المقدس حتي يقربه إليه فالذي يختاره يقربه إليه". 2 – نعمه الوقوف أمام الله وفرحه الجلوس في حضرته وقوة المثول أمامه. 3 – إذا تكلمت عن الله تكلم من الله. ضع أمامك " كما من الله نتكلم أمام الله في المسيح "(2كو2:17). الراهب القمص إبراهيم الأنبا بولا
المزيد
20 ديسمبر 2020

عُمق قراءات الأحد الثاني من شهر كيهك

بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء مزمور عشية (مز144: 5، 7) يتحدث مزمور إنجيل العشية عن طلب نزول السيد المسيح من السماء "يا رَبُّ، طأطِئْ سماواتِكَ وانزِلِ. المِسِ الجِبالَ فتُدَخنَ أرسِلْ يَدَكَ مِنَ العَلاءِ. أنقِذني ونَجني مِنَ المياهِ الكَثيرَةِ، مِنْ أيدي الغُرَباءِ". وكأن البشر يستغيثون بالمُخلص.. بسرعة النزول حتى لو اضطر الأمر أن تدخن الجبال عندما ينزل!! فحلول لاهوت السيد المسيح في أحشاء السيدة العذراء.. سوف يحدث عن قريب عندما يبشرها الملاك بحلول ابن الله في أحشائها. إنجيل العشية (لو7: 36-50) "وسألهُ واحِدٌ مِنَ الفَريسيينَ أنْ يأكُلَ معهُ، فدَخَلَ بَيتَ الفَريسي واتَّكأَ. وإذا امرأةٌ في المدينةِ كانَتْ خاطِئَةً، إذ عَلِمَتْ أنَّهُ مُتَّكِئٌ في بَيتِ الفَريسي، جاءَتْ بقارورَةِ طيبٍ، ووَقَفَتْ عِندَ قَدَمَيهِ مِنْ ورائهِ باكيَةً، وابتَدأتْ تبُلُّ قَدَمَيهِ بالدُّموعِ، وكانَتْ تمسَحُهُما بشَعرِ رأسِها، وتُقَبلُ قَدَمَيهِ وتدهَنُهُما بالطيبِ. فلَمّا رأَى الفَريسيُّ الذي دَعاهُ ذلكَ، تكلَّمَ في نَفسِهِ قائلًا: "لو كانَ هذا نَبيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الاِمرأةُ التي تلمِسُهُ وما هي! إنَّها خاطِئَةٌ". فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُ: "يا سِمعانُ، عِندي شَيءٌ أقولُهُ لكَ". فقالَ: "قُلْ، يا مُعَلمُ". "كانَ لمُدايِنٍ مَديونانِ. علَى الواحِدِ خَمسُمِئَةِ دينارٍ وعلَى الآخَرِ خَمسونَ. وإذ لم يَكُنْ لهُما ما يوفيانِ سامَحَهُما جميعًا. فقُلْ: أيُّهُما يكونُ أكثَرَ حُبًّا لهُ؟". فأجابَ سِمعانُ وقالَ: "أظُنُّ الذي سامَحَهُ بالأكثَرِ". فقالَ لهُ: "بالصَّوابِ حَكَمتَ". ثُمَّ التفَتَ إلَى المَرأةِ وقالَ لسِمعانَ: "أتَنظُرُ هذِهِ المَرأةَ؟ إني دَخَلتُ بَيتَكَ، وماءً لأجلِ رِجلَيَّ لم تُعطِ. وأمّا هي فقد غَسَلَتْ رِجلَيَّ بالدُّموعِ ومَسَحَتهُما بشَعرِ رأسِها. قُبلَةً لم تُقَبلني، وأمّا هي فمنذُ دَخَلتُ لم تكُفَّ عن تقبيلِ رِجلَيَّ. بزَيتٍ لم تدهُنْ رأسي، وأمّا هي فقد دَهَنَتْ بالطيبِ رِجلَيَّ. مِنْ أجلِ ذلكَ أقولُ لكَ: قد غُفِرَتْ خطاياها الكثيرَةُ، لأنَّها أحَبَّتْ كثيرًا. والذي يُغفَرُ لهُ قَليلٌ يُحِبُّ قَليلًا". ثُمَّ قالَ لها: "مَغفورَةٌ لكِ خطاياكِ". فابتَدأَ المُتَّكِئونَ معهُ يقولونَ في أنفُسِهِمْ: "مَنْ هذا الذي يَغفِرُ خطايا أيضًا؟". فقالَ للمَرأةِ: "إيمانُكِ قد خَلَّصَكِ، اِذهَبي بسَلامٍ". يتحدث إنجيل العشية عن المرأة الخاطئة التي دخلت بيت الفريسي، ودهنت قدمي مخلصنا الصالح بالطيب، واقفة من ورائه باكية، وأخذت تقبل قدميه وتدهنهما بالطيب، وتمسحهما بشعر رأسها. وفي هذا البيت أعلن السيد المسيح الخلاص للمرأة الخاطئة قائلًا لها: "مَغفورَةٌ لكِ خطاياكِ" فإعلان المخلص للمرأة بالخلاص هو إشارة اليوم لنا بإعلانه لنا بالخلاص، وذلك عن طريق بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء.. فكما أعلن للمرأة خلاصها بمغفرة خطاياها.. هكذا أعلن لنا كلنا الخلاص ببشارة والدته بميلاده منها. مزمور باكر (مز72: 6-7) "يَنزِلُ مِثلَ المَطَرِ علَى الجُزازِ، ومِثلَ الغُيوثِ الذّارِفَةِ علَى الأرضِ. يُشرِقُ في أيّامِهِ الصديقُ، وكثرَةُ السَّلامِ إلَى أنْ يَضمَحِلَّ القَمَرُ".يوضح لنا مزمور باكر حلول مخلصنا الصالح في بطن السيدة العذراء.. بنزوله المملوء سلامًا، وليس كالدخان الذي يصدر من الجبال، عندما يحل عليها.. كما في مزمور العشية، ولكنه يحل بهدوء وسلام.. "يَنزِلُ مِثلَ المَطَرِ علَى الجُزازِ، ومِثلَ الغُيوثِ الذّارِفَةِ علَى الأرضِ. يُشرِقُ في أيّامِهِ الصديقُ، وكثرَةُ السَّلامِ إلَى أنْ يَضمَحِلَّ القَمَرُ" فهو ملك السلام الذي حل السلام على الأرض بواسطته، كما ترنمت الملائكة عند ميلاده: "المَجدُ للهِ في الأعالي، وعلَى الأرضِ السَّلامُ، وبالناسِ المَسَرَّةُ" (لو2: 14).. فهو الذي يعطى السلام لكل نفس متعبة كما سنرى في إنجيل باكر. إنجيل باكر (لو11: 20-28) "ولكن إنْ كُنتُ بأصبِعِ اللهِ أُخرِجُ الشَّياطينَ، فقد أقبَلَ علَيكُمْ ملكوتُ اللهِ. حينَما يَحفَظُ القَويُّ دارَهُ مُتَسَلحًا،تَكونُ أموالُهُ في أمانٍ. ولكن مَتَى جاءَ مَنْ هو أقوَى مِنهُ فإنَّهُ يَغلِبُهُ، ويَنزِعُ سِلاحَهُ الكامِلَ الذي اتَّكلَ علَيهِ، ويوَزعُ غَنائمَهُ. مَنْ ليس مَعي فهو علَيَّ، ومَنْ لا يَجمَعُ مَعي فهو يُفَرقُ. مَتَى خرجَ الرّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإنسانِ، يَجتازُ في أماكِنَ ليس فيها ماءٌ يَطلُبُ راحَةً، وإذ لا يَجِدُ يقولُ: أرجِعُ إلَى بَيتي الذي خرجتُ مِنهُ. فيأتي ويَجِدُهُ مَكنوسًا مُزَيَّنًا. ثُمَّ يَذهَبُ ويأخُذُ سبعَةَ أرواحٍ أُخَرَ أشَرَّ مِنهُ، فتدخُلُ وتسكُنُ هناكَ، فتصيرُ أواخِرُ ذلكَ الإنسانِ أشَرَّ مِنْ أوائلِهِ!". وفيما هو يتكلَّمُ بهذا، رَفَعَتِ امرأةٌ صوتها مِنَ الجَمعِ وقالَتْ لهُ: "طوبَى للبَطنِ الذي حَمَلكَ والثَّديَينِ اللذَينِ رَضِعتَهُما". أمّا هو فقالَ: "بل طوبَى للذينَ يَسمَعونَ كلامَ اللهِ ويَحفَظونَهُ"يتحدث إنجيل باكر عن شفاء السيد المسيح للإنسان الأخرس الذي كان يسكنه الشيطان.. فعندما أخرج السيد المسيح الشيطان.. تكلم الأخرس. فالسيد المسيح ملك السلام جاء ليعطي السلام لكل نفس متعبة.. جاء يشفي كل مَنْ تسلط عليهم إبليس.. فحلول ونزول الإله المتجسد سوف يكون مثل المطر على الجزة ومثل قطرات تقطر على الأرض.. فهو الذي يشرق في أيامه العدل وكثرة السلامة ففي إنجيل العشية أعلن خلاص المسيح للكل. وفي إنجيل باكر أعلن سلام المُخلِّص.وفي إنجيل القداس أعلنت البشارة بمولده من السيدة العذراء. البولس (رو3: 1 - 4: 1-3) "إذًا ما هو فضلُ اليَهودي، أو ما هو نَفعُ الخِتانِ؟ كثيرٌ علَى كُل وجهٍ! أمّا أوَّلًا فلأنَّهُمُ استؤمِنوا علَى أقوالِ اللهِ. فماذا إنْ كانَ قَوْمٌ لم يكونوا أُمَناءَ؟ أفَلَعَلَّ عَدَمَ أمانَتِهِمْ يُبطِلُ أمانَةَ اللهِ؟ حاشا! بل ليَكُنِ اللهُ صادِقًا وكُلُّ إنسانٍ كاذِبًا. كما هو مَكتوبٌ: "لكَيْ تتبَرَّرَ في كلامِكَ، وتغلِبَ مَتَى حوكِمتَ". ولكن إنْ كانَ إثمُنا يُبَينُ برَّ اللهِ، فماذا نَقولُ؟ ألَعَلَّ اللهَ الذي يَجلِبُ الغَضَبَ ظالِمٌ؟ أتكلَّمُ بحَسَبِ الإنسانِ. حاشا! فكيفَ يَدينُ اللهُ العالَمَ إذ ذاكَ؟ فإنَّهُ إنْ كانَ صِدقُ اللهِ قد ازدادَ بكَذِبي لمَجدِهِ، فلماذا أُدانُ أنا بَعدُ كخاطِئٍ؟ أما كما يُفتَرَى علَينا، وكما يَزعُمُ قَوْمٌ أنَّنا نَقولُ: "لنَفعَلِ السَّيآتِ لكَيْ تأتيَ الخَيراتُ"؟ الذينَ دَينونَتُهُمْ عادِلَةٌ. فماذا إذًا؟ أنَحنُ أفضَلُ؟ كلاَّ البَتَّةَ! لأنَّنا قد شَكَوْنا أنَّ اليَهودَ واليونانيينَ أجمَعينَ تحتَ الخَطيَّةِ، كما هو مَكتوبٌ: "أنَّهُ ليس بارٌّ ولا واحِدٌ. ليس مَنْ يَفهَمُ. ليس مَنْ يَطلُبُ اللهَ. الجميعُ زاغوا وفَسَدوا مَعًا. ليس مَنْ يَعمَلُ صَلاحًا ليس ولا واحِدٌ. حَنجَرَتُهُمْ قَبرٌ مَفتوحٌ. بألسِنَتِهِمْ قد مَكَروا. سِمُّ الأصلالِ تحتَ شِفاهِهِمْ. وفَمُهُمْ مَملوءٌ لَعنَةً ومَرارَةً. أرجُلُهُمْ سريعَةٌ إلَى سفكِ الدَّمِ. في طُرُقِهِمِ اغتِصابٌ وسُحقٌ. وطَريقُ السَّلامِ لم يَعرِفوهُ. ليس خَوْفُ اللهِ قُدّامَ عُيونِهِمْ". ونَحنُ نَعلَمُ أنَّ كُلَّ ما يقولُهُ النّاموسُ فهو يُكلمُ بهِ الذينَ في النّاموسِ، لكَيْ يَستَدَّ كُلُّ فمٍ، ويَصيرَ كُلُّ العالَمِ تحتَ قِصاصٍ مِنَ اللهِ. لأنَّهُ بأعمالِ النّاموسِ كُلُّ ذي جَسَدٍ لا يتبَرَّرُ أمامَهُ. لأنَّ بالنّاموسِ مَعرِفَةَ الخَطيَّةِ. وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ، إلَى كُل وعلَى كُل الذينَ يؤمِنونَ. لأنَّهُ لا فرقَ. إذ الجميعُ أخطأوا وأعوَزَهُمْ مَجدُ اللهِ، مُتَبَررينَ مَجّانًا بنِعمَتِهِ بالفِداءِ الذي بيَسوعَ المَسيحِ، الذي قَدَّمَهُ اللهُ كفّارَةً بالإيمانِ بدَمِهِ، لإظهارِ بِرهِ، مِنْ أجلِ الصَّفحِ عن الخطايا السّالِفَةِ بإمهالِ اللهِ، لإظهارِ بِرهِ في الزَّمانِ الحاضِرِ، ليكونَ بارًّا ويُبَررَ مَنْ هو مِنَ الإيمانِ بيَسوعَ. فأينَ الافتِخارُ؟ قد انتَفَى. بأي ناموسٍ؟ أبناموسِ الأعمالِ؟ كلاَّ. بل بناموسِ الإيمانِ. إذًا نَحسِبُ أنَّ الإنسانَ يتبَرَّرُ بالإيمانِ بدونِ أعمالِ النّاموسِ. أمِ اللهُ لليَهودِ فقط؟ أليس للأُمَمِ أيضًا؟ بَلَى، للأُمَمِ أيضًا لأنَّ اللهَ واحِدٌ، هو الذي سيُبَررُ الخِتانَ بالإيمانِ والغُرلَةَ بالإيمانِ. أفَنُبطِلُ النّاموسَ بالإيمانِ؟ حاشا! بل نُثَبتُ النّاموسَ. فماذا نَقولُ إنَّ أبانا إبراهيمَ قد وجَدَ حَسَبَ الجَسَدِ؟ لأنَّهُ إنْ كانَ إبراهيمُ قد تبَرَّرَ بالأعمالِ فلهُ فخرٌ، ولكن ليس لَدَى اللهِ. لأنَّهُ ماذا يقولُ الكِتابُ؟ "فآمَنَ إبراهيمُ باللهِ فحُسِبَ لهُ بِرًّا" يتكلم مُعلمنا بولس الرسول في هذا الفصل أنه بأعمال الناموس لا يتبرر أحد أمام الله.. بل الكل يتبررون بالإيمان بيسوع المسيح، وذلك يبطل الإفخارستيا، ويثبت الناموس.. "لأنَّهُ بأعمالِ النّاموسِ كُلُّ ذي جَسَدٍ لا يتبَرَّرُ أمامَهُ. لأنَّ بالنّاموسِ مَعرِفَةَ الخَطيَّةِ. وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ" (رو3: 20-22) "مُتَبَررينَ مَجّانًا بنِعمَتِهِ بالفِداءِ الذي بيَسوعَ المَسيحِ، الذي قَدَّمَهُ اللهُ كفّارَةً بالإيمانِ بدَمِهِ، لإظهارِ بِرهِ، مِنْ أجلِ الصَّفحِ عن الخطايا السّالِفَةِ بإمهالِ اللهِ، لإظهارِ بِرهِ في الزَّمانِ الحاضِرِ، ليكونَ بارًّا ويُبَررَ مَنْ هو مِنَ الإيمانِ بيَسوعَ" (رو3: 24-26).ويظهر هذا الفصل.. إيمان السيدة العذراء ببشارة الملاك لها، عندما قال: "وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ، إلَى كُل وعلَى كُل الذينَ يؤمِنونَ". الكاثوليكون (1يو1: 1-10 ، 2: 2) "الذي كانَ مِنَ البَدءِ، الذي سمِعناهُ، الذي رأيناهُ بعُيونِنا، الذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا، مِنْ جِهَةِ كلِمَةِ الحياةِ. فإنَّ الحياةَ أُظهِرَتْ، وقد رأينا ونَشهَدُ ونُخبِرُكُمْ بالحياةِ الأبديَّةِ التي كانَتْ عِندَ الآبِ وأُظهِرَتْ لنا. الذي رأيناهُ وسمِعناهُ نُخبِرُكُمْ بهِ، لكَيْ يكونَ لكُمْ أيضًا شَرِكَةٌ معنا. وأمّا شَرِكَتُنا نَحنُ فهي مع الآبِ ومع ابنِهِ يَسوعَ المَسيحِ. ونَكتُبُ إلَيكُمْ هذا لكَيْ يكونَ فرَحُكُمْ كامِلًا. وهذا هو الخَبَرُ الذي سمِعناهُ مِنهُ ونُخبِرُكُمْ بهِ: إنَّ اللهَ نورٌ وليس فيهِ ظُلمَةٌ البَتَّةَ. إنْ قُلنا: إنَّ لنا شَرِكَةً معهُ وسلكنا في الظُّلمَةِ، نَكذِبُ ولسنا نَعمَلُ الحَقَّ. ولكن إنْ سلكنا في النّورِ كما هو في النّورِ، فلنا شَرِكَةٌ بَعضِنا مع بَعضٍ، ودَمُ يَسوعَ المَسيحِ ابنِهِ يُطَهرُنا مِنْ كُل خَطيَّةٍ. إنْ قُلنا: إنَّهُ ليس لنا خَطيَّةٌ نُضِلُّ أنفُسَنا وليس الحَقُّ فينا. إنِ اعتَرَفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادِلٌ، حتَّى يَغفِرَ لنا خطايانا ويُطَهرَنا مِنْ كُل إثمٍ. إنْ قُلنا: إنَّنا لم نُخطِئْ نَجعَلهُ كاذِبًا، وكلِمَتُهُ ليستْ فينا".. "وهو كفّارَةٌ لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كُل العالَمِ أيضًا".يتحدث هنا يوحنا الرسول عن ظهور السيد المسيح "الذي كانَ مِنَ البَدءِ، الذي سمِعناهُ، الذي رأيناهُ بعُيونِنا، الذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا، مِنْ جِهَةِ كلِمَةِ الحياةِ. فإنَّ الحياةَ أُظهِرَتْ" فهو هنا يعلن ظهور المخلص بدءًا بالبشارة بميلاده العجيب، الذي بشر به اليوم الملاك جبرائيل والدة الإله، وفهو يعلن أن "اللهَ نورٌ وليس فيهِ ظُلمَةٌ البَتَّةَ" (1يو1: 5).. وأنه يجب أن تكون شركتنا معه في النور فإن كانت "لنا شَرِكَةً معهُ وسلكنا في الظُّلمَةِ، نَكذِبُ ولسنا نَعمَلُ الحَقَّ. ولكن إنْ سلكنا في النّورِ كما هو في النّورِ، فلنا شَرِكَةٌ بَعضِنا مع بَعضٍ" (1يو1: 6-7).وأخيرًا.. يعلن لنا أن الذي بُشر به اليوم هو شفيعنا عند الآب الذي هو المُخلص يسوع المسيح، وهو أيضًا كفارة لخطايانا وليس لخطايانا نحن فقط بل لخطايا كل العالم. الإبركسيس``Pra[ic (أع7: 30-34) "ولَمّا كمِلَتْ أربَعونَ سنَةً، ظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب في بَريَّةِ جَبَلِ سيناءَ في لهيبِ نارِ عُلَّيقَةٍ. فلَمّا رأَى موسَى ذلكَ تعَجَّبَ مِنَ المَنظَرِ. وفيما هو يتقَدَّمُ ليَتَطَلَّعَ، صارَ إليهِ صوتُ الرَّب: أنا إلهُ آبائكَ، إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحاقَ وإلهُ يعقوبَ. فارتَعَدَ موسَى ولم يَجسُرْ أنْ يتطَلَّعَ. فقالَ لهُ الرَّبُّ: اخلَعْ نَعلَ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوْضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ. إني لقد رأيتُ مَشَقَّةَ شَعبي الذينَ في مِصرَ، وسمِعتُ أنينَهُمْ ونَزَلتُ لأُنقِذَهُمْ. فهَلُمَّ الآنَ أُرسِلُكَ إلَى مِصرَ" يتحدث هنا سفر الأعمال.. عن ظهور الرب لموسى النبي في برية سيناء، في لهيب النار، في العليقة المضطرمة بالنار.. "ولَمّا كمِلَتْ أربَعونَ سنَةً، ظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب في بَريَّةِ جَبَلِ سيناءَ في لهيبِ نارِ عُلَّيقَةٍ. فلَمّا رأَى موسَى ذلكَ تعَجَّبَ مِنَ المَنظَرِ. وفيما هو يتقَدَّمُ ليَتَطَلَّعَ، صارَ إليهِ صوتُ الرَّب: أنا إلهُ آبائكَ، إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحاقَ وإلهُ يعقوبَ. فارتَعَدَ موسَى ولم يَجسُرْ أنْ يتطَلَّعَ. فقالَ لهُ الرَّبُّ: اخلَعْ نَعلَ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوْضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ" (أع7: 30-33) وظهور الرب لموسى النبي في برية جبل سيناء في لهيب نار والعليقة يرمز إلى حَبَل السيدة العذراء بالسيد المسيح بدون رجل، أي بدون زرع بشر.. وهو إشارة واضحة لحلول اللاهوت في أحشاء السيدة العذراء، وخروج الإله المتجسد من بطنها الطاهرة، واتخاذ السيد المسيح جسدًا من جسدها الطاهر.. ثم يختم الفصل بقول الرب: "إني لقد رأيتُ مَشَقَّةَ شَعبي الذينَ في مِصرَ، وسمِعتُ أنينَهُمْ ونَزَلتُ لأُنقِذَهُمْ. فهَلُمَّ الآنَ أُرسِلُكَ إلَى مِصرَ" (أع7: 34). فنزول الرب إلى مصر أرض العبودية لشعب الله هي مثلما نزل السيد المسيح إلى أرض الشقاء لكي يخلص البشر من سلطان الخطية وقبضة الشيطان.. ومصر هنا تشير إلى العبودية لشعب إسرائيل كما الأرض كلها تشير إلى عبودية الجنس البشري.فنزل السيد المسيح إلى الأرض لكي يخلص كل من يؤمن به. فالفصل كله يحكى لنا مغزى روحي وهو نزول السيد المسيح إلى الأرض في بطن السيدة العذراء واتخاذه جسدًا منها يولد به لكي يخلص جنس البشر من عبودية العدو الشيطان. مزمور إنجيل القداس (مز45: 10-11) "اِسمَعي يا بنتُ وانظُري، وأميلي أُذُنَكِ، وانسَيْ شَعبَكِ وبَيتَ أبيكِ، فيَشتَهيَ المَلِكُ حُسنَكِ، لأنَّهُ هو سيدُكِ فاسجُدي لهُ".. فهو هنا يخاطب السيدة العذراء.. لمَنْ تسمع قول الملاك بالبشارة المفرحة لها ولكل البشرية "بتجسده منها".. أي أن يأخذ جسدًا منها، وأن تنصت لقول الرب.. وبالفعل فعلت السيدة العذراء هذا.. عندما قالت: "هوذا أنا أمة للرب ليكن لي كقولك". ويقول لها أن الملك بل ملك الملوك قد اشتهى حُسنِك، لأنه هو سيدك وربك.. وبالفعل اشتهى الملك حُسن السيدة العذراء، فنقول: "تطلع الآب من السماء.. فلم يجد مَنْ يُشبهك.. أرسل وحيده.. أتى وتجسد منكِ". إنجيل القداس (لو1: 26-38) "وفي الشَّهرِ السّادِسِ أُرسِلَ جِبرائيلُ المَلاكُ مِنَ اللهِ إلَى مدينةٍ مِنَ الجليلِ اسمُها ناصِرَةُ، إلَى عَذراءَ مَخطوبَةٍ لرَجُلٍ مِنْ بَيتِ داوُدَ اسمُهُ يوسُفُ. واسمُ العَذراءِ مَريَمُ. فدَخَلَ إليها المَلاكُ وقالَ: سلامٌ لكِ أيَّتُها الممتلئة نعمة! الرَّبُّ معكِ. مُبارَكَةٌ أنتِ في النساءِ". فلَمّا رأتهُ اضطَرَبَتْ مِنْ كلامِهِ، وفَكَّرَتْ: "ما عَسَى أنْ تكونَ هذِهِ التَّحيَّةُ!". فقالَ لها المَلاكُ:"لا تخافي يا مَريَمُ، لأنَّكِ قد وجَدتِ نِعمَةً عِندَ اللهِ. وها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمينَهُ يَسوعَ. هذا يكونُ عظيمًا، وابنَ العَلي يُدعَى، ويُعطيهِ الرَّبُّ الإلهُ كُرسيَّ داوُدَ أبيهِ، ويَملِكُ علَى بَيتِ يعقوبَ إلَى الأبدِ، ولا يكونُ لمُلكِهِ نِهايَةٌ". فقالَتْ مَريَمُ للمَلاكِ: "كيفَ يكونُ هذا وأنا لستُ أعرِفُ رَجُلًا؟". فأجابَ المَلاكُ وقالَ لها: "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العَلي تُظَللُكِ، فلذلكَ أيضًا القُدّوسُ المَوْلودُ مِنكِ يُدعَى ابنَ اللهِ. وهوذا أليصاباتُ نَسيبَتُكِ هي أيضًا حُبلَى بابنٍ في شَيخوخَتِها، وهذا هو الشَّهرُ السّادِسُ لتِلكَ المَدعوَّةِ عاقِرًا، لأنَّهُ ليس شَيءٌ غَيرَ مُمكِنٍ لَدَى اللهِ". فقالَتْ مَريَمُ: "هوذا أنا أَمَةُ الرَّب. ليَكُنْ لي كقَوْلِكَ". فمَضَى مِنْ عِندِها المَلاكُ" عندما نرجع بخاطرنا إلى إنجيل الأحد الماضي الأحد الأول.. فنجده كان يتكلم عن رحمة الله للأمم التي تجلت في البشارة بميلاد يوحنا المعمدان السابق للسيد المسيح.أما إنجيل اليوم فهو يتكلم عن البشارة بميلاد المُخلص نفسه.. فقد أرسل الله ملاكه المبشر جبرائيل للسيدة العذراء في الشهر السادس لحبل القديسة أليصابات بيوحنا المعمدان ليزف لها البشرى المفرحة بميلاد مخلص العالم منها وهذا ما اتضح في قوله: "وهذا هو الشَّهرُ السّادِسُ لتِلكَ المَدعوَّةِ عاقِرًا" (لو1: 36).والحكمة في اختيار العدد السادس (الشهر السادس) دون غيره هو أن في اليوم السادس تمت الخليقة بخلقة الإنسان وسقوطه في الخطية. فوجب أن يوجد فيه مجددًا فائزًا بالغفران وبالصفح عن خطاياه.وتبشيره بالخلاص الآتي وخروجه من تحت قبضة الشيطان.وأراد الله أن يبشر السيدة العذراء بالحبل حتى إذا رأت نفسها حبلى لا تستغرب ولا تضطرب، فمن الممكن أن تفكر في التخلص من الجنين أو الانتحار لكي تخفى عارها فدخل إليها الملاك وقال لها: "سلامٌ لكِ أيَّتُها الممتلئة نعمة! الرَّبُّ معكِ" (لو1: 28).وقد ابتدأ الملاك كلامه بالسلام لمريم لينزع منها الخوف، وأيضًا لأنه سوف يبشرها بمولد ملك السلام الذي ستتهلل الملائكة بميلاده، وهو الذي سيقيم الصلح والسلام بين السمائيين والأرضيين وبين النفس والجسد، وقد وصفها بعد ذلك بـ "الممتلئة نعمة" وذلك لتجسد كلمة الله منها.واستكمل الملاك كلامه معها قائلًا: "مباركة أنتِ في النساء" أي أنها اختصت بركة خاصة تنفرد بها دون سائر النساء لأنها ستدعى والدة الإله. وأن اللعنة التي حلت بالعالم بسبب حواء الأولى سوف ترفع عن الجنس البشرى بسبب حواء الثانية لأن المولود منها قدوس وسوف تتبارك به جميع شعوب الأرض.اضطربت السيدة العذراء عندما رأت الملاك وخافت من هيبته ومن كلامه الغريب الذي تسمعه لأول مرة وهى غير مدركة ماذا يحدث.. فاستغربت وخاصة أنها كانت تحيا حياة عادية وسط بنات فقيرات من عشيرتها.. فكيف يدعوها الملاك "مباركة أنتِ في النساء" وهى أحقرهن وأقلهن!! فهدأ الملاك من روعها بقوله لها: "لا تخافي ولا تضطربي"، فدخل السرور في قلبها وتشجعت.ومضى بعد ذلك الملاك مسترسلًا الكلام معها قائلًا: "وها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمينَهُ يَسوعَ" (لو1: 31). وبهذا تمت نبوة إشعياء النبي القائلة: "ها العَذراءُ تحبَلُ وتلِدُ ابنًا وتدعو اسمَهُ عِمّانوئيلَ" (إش7: 14) واستكمل الملاك كلامه مع السيدة العذراء موضحًا لها مَنْ هو الذي سيولد منها قائلًا لها: "ويُعطيهِ الرَّبُّ الإلهُ كُرسيَّ داوُدَ أبيهِ" (لو1: 32). وكان ذلك إتمامًا للوعد الصادر لداود قديمًا والمذكور في المزمور القائل: "أقسَمَ الرَّبُّ لداوُدَ بالحَق لا يَرجِعُ عنهُ:"مِنْ ثَمَرَةِ بَطنِكَ أجعَلُ علَى كُرسيكَ" (مز131: 11).وكذلك ما ذكر في سفر صموئيل النبي حيث قال: "مَتَى كمُلَتْ أيّامُكَ واضطَجَعتَ مع آبائكَ، أُقيمُ بَعدَكَ نَسلكَ الذي يَخرُجُ مِنْ أحشائكَ وأُثَبتُ مَملكَتَهُ" (2صم7: 12) وأما عن قول الملاك: "ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد": فالمقصود به هو جميع الذين يؤمنون به أي أولاد إبراهيم بالإيمان وهو اليهود والأمم. وأما عن تخصيصه بيت يعقوب بالذات هو لأن بداية ملك المسيح سوف يكون من بيت يعقوب وهذا الملك لا انقضاء له لأنه روحاني وليس حسب التسلسل الجسدي الذي ينقضي بمرور الزمن، فالسيد المسيح يملك على المؤمنين بالنعمة وعلى القديسين في السماء بالمجد وذلك تحقيقًا لنبوءة دانيال النبي: "وفي أيّامِ هؤُلاءِ المُلوكِ، يُقيمُ إلهُ السماواتِ مَملكَةً لن تنقَرِضَ أبدًا، ومَلِكُها لا يُترَكُ لشَعبٍ آخَرَ، وتسحَقُ وتُفني كُلَّ هذِهِ المَمالِكِ، وهي تثبُتُ إلَى الأبدِ" (دا2: 44) تساءلت السيدة العذراء: "كيفَ يكونُ هذا وأنا لستُ أعرِفُ رَجُلًا؟" (لو1: 34). وهذا التساؤل كان طبيعيًا لأن مَن مِن البشر يعقل هذا الكلام ولأول مرة في تاريخ البشرية يسمع مثل هذا وهذه البشرى؟ ولمَنْ؟ لعذراء حقيرة لا تتوقع هذا.ولم يكن سؤالها هذا نابع عن شك في صحة الوعد كما فعل قبل ذلك زكريا ولم يصدق لذلك أخذ عقوبة أنه يبقى صامتًا حتى يرى بعينيه ما سوف يحدث.ولكن سؤالها كان بسبب أنها تريد معرفة الكيفية التي سوف يتم بها هذا الكلام وهنا أوضح لها الملاك كيف يتم ذلك بأنه: "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العَلي تُظَللُكِ". فحلول الروح القدس عليك سوف يطهرك ويقدسك من الخطية الجدية ثم يأخذ من جسمك جسدًا يتحد به ويخرج منك الإله المتحد بالجسد الإله المتجسد. ثم تحول الملاك بعد ذلك إلى المولود فكلمها عنه لكي تعرف قدر وشرف المولود "فلذلك المولود منك يدعى ابن الله" وكلمة قدوس تدل على لاهوت السيد المسيح وهى من الأدلة القاطعة على لاهوته.ولكي يؤكد الملاك بشارته للسيدة العذراء ذكر لها خبر حبل أليصابات نسيبتها وهى متقدمة في الأيام ليثبت لها أنه ليس شيء صعب وعسير عند الله فما كان من السيدة العذراء إلا أن قالت للملاك: "هوذا أنا أَمَةُ الرَّب. ليَكُنْ لي كقَوْلِكَ. فمَضَى مِنْ عِندِها المَلاكُ".أخيرًا اقتنعت السيدة العذراء بكلام الملاك وببشارته المفرحة فسلمت نفسها لإرادة الله بإيمان وليس بشك كما فعل زكريا فدل ذلك على منتهى التواضع الذي تعيش به السيدة العذراء وفى تلك اللحظة عندما أسلمت إرادتها لله قائلة: "هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك".. حملت السيدة العذراء بالسيد المسيح من الروح القدس عندما حل عليها وعندما نتأمل الخط الروحي الموجود في قراءات الأحد الثاني نجد أناجيل عشية وباكر تعلن الخلاص والسلام الذي سيحل على البشر بتجسد الابن الوحيد وفى الرسائل نجد إعلانًا واضحًا لإيمان السيدة العذراء وظهور السيد المسيح كما ظهر في العليقة.وفى إنجيل القداس نجد الملاك يزف هذه البشارة المفرحة للسيدة العذراء بل للبشر جميعًا ولسان حاله يقول: "افرحوا وتهللوا يا جنس البشر لأنه هكذا أحب الله العالم فأرسل ابنه الوحيد مولود من امرأة لكي يخلصكم من عبودية العدو"نسأل إلهنا الصالح أن يجعلنا مستحقين أن ننال وننعم بخلاصه الذي قدمه لنا بتجسده من السيدة العذراء ولإلهنا المجد في كنيسته المقدسة من الآن وإلى الأبد آمين. الراهب القمص بطرس البراموسي
المزيد
19 ديسمبر 2020

المقالة الثانية والعشرون في الرحيل من هذا العالم

الطوبى لمن أبغض العالم الإنساني وتركه، وصارت تلاوة حياته من اللـه وحده مفرداً. الطوبى لمن مقت الخطية الرديئة ورفضها، وأحب اللـه وحده الصالح والمتعطف على البشر. مغبوط من صار على الأرض بمنزلة ملاك سمائي، ومضاهي الشاروبيم، حاوياً أفكاراً بكل وقت طاهرة نقية. مغبوط من صار طاهراً للـه وقديساً، ونقياً من كافة النجاسات والأفكار والأفعال الخبيثة. مغبوط من صار بجملته حراً للرب من كل أمور هذا العالم الباطل، مغبوط من تمكن في عقلة ذلك اليوم العتيد الرهيب فحرص أن يداوي بالدموع جراحات نفسه، مغبوط من صار بكليته مثل سحابة تسكب الدموع كل حين وطفأَ اضطرام نار الآلام الخبيثة، مغبوط من يسلك في طريق وصايا الرب صانعاً كل وقت منازل تلمع صفاءً بالأمانة والمحبة، مغبوط من نجح في عادات النسك الصالحة موقناً أنه يأخذ من اللـه ملكاً سمائياً، مغبوط من يتذكر أمر القول المرهوب فأقام فمه حافظاً يرصده آلا يسقط من الوصية، مغبوط من صارت نفسه كالنصبة الجديد نصبها الغضة الحاوية دائماً دموعاً من أجل اللـه مثل ساقية الماء، الطوبى لمن غرس في نفسه نصبات حسنة أي الفضائل وسير القديسين، مغبوط من يسقي غروسه بالدموع إذا صلي لتصير غروسه مرضية للـه ومثمرة، الطوبى لمن أضطرم بمحبة الرب كمحترق بالنار فأحرق كل فكر دنس من نفسه، الطوبى لمن صار باختياره كأرض جيدة صالحة مثمرة زرعاً جيداً مائة وستين وثلاثين، الطوبى لمن وجد في حقل نيته البذار الجيد الذي زرعه السيد في حقله، مغبوط من وجد الدرة الخطيرة السمائية فأباع ما له على الأرض وأبتاعها وحدها، الطوبى لمن وجد الكنز المخبوء في الحقل فرفض كافة الأشياء معاً وأقتناه وحده، الطوبى لمن يتذكر دائماً يوم انصرافه ويحرص أن يوجد في تلك الساعة وافر النشاط وبلا خوف، الطوبى لمن وجد دالة في ساعة الفراق إذا فارقت النفس الجسم بخوف وأوجاع لأن الملائكة يجيئون يأخذون النفس ويفرقونها من جسدها ويقفون بها أمام موقف الختن الذي لا يموت والقاضي المرهوب جداً، خوف عظيم في ساعة الموت إذا فارقت النفس الجسم بخوف ونحيب لأن النفس في ساعة الفراق تقف أمامها أعمالها التي عملتها في النهار والليل الصالحة والطالحة، والملائكة متسارعون أن يخرجوها من الجسد فإذا رأت النفس أعمالها تجزع من الخروج، تفارق نفس الخاطئ بخوف وجزع الجسد وتمضي مرتعدة لتقف في مجلس القضاء الذي لا ينقضي فيقتسرونها أن تخرج من الجسد فإذا أبصرت أعمالها كلها تقول لهم بخوف ” أعطوني مهلة ساعة واحدة حتى أخرج ” فتجيب النفس أعمالها كلها: أنتِ صنعتينا فمعكِ نمضي إلى حضرة القاضي. فلنمقتن يا أخوتي هذا العالم الباطل ولنحب المسيح وحدة القدوس والفادي نفوسنا لأننا لا نعرف في أية ساعة يكون انصرافنا ولا يعلم أحد منا يوم الفراق وساعته لأنه بغتة حين نكون متخطرين ومتنعمين على الأرض بلا اهتمام يدهمنا الأمر المرهوب فتؤخذ النفس من الجسم وتمضي نفس الخاطئ في ساعة ويوم لا تتوقعهما موعوبة خطايا ولا اعتذار لها، فلهذا الحال أطلب إليكم أن نصير أحراراً ولا نتقيد بعبودية هذا العالم الباطل الوقتي الموعوب شكوكاً وفخاخاً ومقانص الموت، فلنجنح نفوسنا ولنطيرها عن الشكوك والفخاخ لأن الخبيث كل يوم يطمر دائماً فخاخه قدام نفوسنا لكي ما إذا أقتنصها بالشكوك والفخاخ يقتنصها إلى العذاب الأبدي، فلنصغِ إلى ذاتنا حذرين أن نسقط في فخاخ الموت، لأن فخاخ العدو موعبة حلاوة فلا تنحل أنفسنا لحلاوة فخاخه التي هي الاهتمام بالأمور الأرضية لأن الأقوال والأفكار والأفعال الخبيثة هي الفخ، فلا تستحل أيها الأخ بحلاوة المرئي، لا تتراخَ وتنحل بدراسة الأفكار الخبيثة فإن الفكر الخبيث إذا وجد مدخلاً للنفس يحلي لها الدراسة الخبيثة ويصير الفكر الخبيث كالفخ في النفس فلا ينطرد بالصلاة والدموع ولا بالحمية والسهر فصر منذ الآن متيقظاً ومعتوقاً من كافة الأشياء الأرضية لتنجى من فخاخ الأفكار ومن الأفعال الخبيثة، لا تتراخَ طرفة واحدة وتتلُ في مناجاة الفكر الخبيث، لا تدع أن يلبث الفكر الخبيث في نفسك، أيها الأخ أهرب دائماً إلى اللـه بالصلاة والصوم والدموع لتنجى من كافة الفخاخ والشكوك والآلام، لا تترجى أيها الأخ أنكَ تعيش على الأرض زماناً طويلاً فتتراخى في دراسة الأفكار الخبيثة والأفعال الرديئة فيوافي بغتة أمر الرب ويصادفك أيها الخاطئ ليس لك وقت توبة واستغفار، فماذا تقول أيها الأخ للموت في ساعة الفراق لأن الأمر يدهم فلا يتركك ساعة على الأرض، وكثير ممن ظنوا أنهم يعيشون زماناً طويلاً على الأرض فجائهم الموت بغتة، إن رجلاً خاطئاً وموسراً حاسباً سنيناً كثيرة على الأرض يعيشها في راحة ونعيم عاقداً باصابعه حساب رأس المال والرباء موزعاً عدد ثروته في سنين زمان طويل فدهمه الموت بغتة ففي طرفة واحدة بطل الحساب والغنى واهتمام العالم الباطل، جاء الموت أيضاً فصادف رجلاً صديقاً متصور الموت دائماً بين عينية غير خائف من وروده ومفارقة الجسد متوقعاً أمله دائماً بين عينيه كما يليق بالفقيه الروحاني منتظر الفراق والمثول في مقام الرب، أستعد في كل حين بمصباحك مثل عاقل ونشيط، تفقد نفسك كل ساعة بالدموع والصلوات ما دمت تجد وقت أمهال، أحرص يا حبيبي فإن زمانك يجئ بجملته موعباً عدم أمانة، رخاوة، ونية، قساوة، فلا يسمح لك أن تفتكر في الرؤيات الفاضلة لأنه يدهشك. يا أحبائي قد عرفتم كيف أن الأشياء الخبيثة كلها تشب وتنشئُ كل يوم الأمور الرديئة، فالخبث يسبق بسعيه فيدل على الاختلاط الآتي والحزن العتيد أن يكون على وجه كافة الأرض هذه تنتج من أجل خطايانا كلها كل يوم ومن أجل رخاوتنا ينبت الخبيث على الأرض فلنصر متيقظين محاربين وادين للـه غالبين كل وقت قتال العدو كاملين، ولنعلم عادات الحرب لأنها لا ترى، وعادات هذا القتال هي التعري من الأرضيات، إن أنتظرت الموت كل يوم لا تخطئ، إن تعريت من الأمور الأرضية فلا تنهزم في الحرب، إن أبغضت الأرضيات وأحتقرت الوقتيات تستطيع مثل محارب ذي شهامة أن تأخذ راية الغلبة فإن الأشياء الأرضية تسحب إلى أسفل، والآلام تظلم عيني القلب في القتال، لهذه الحال يغلبنا الخبيث في موقف القتال لأننا نقتني الأرضيات، وبالاهتمام بالأرضيات نخدم اللذات، كلنا اليوم نحب الأرضيات وعقلنا قد تسمر في الأرض من أجل رخاوتنا، النهار قد مال إلى المساء وقد انتهى منذ الآن زماننا ونحن من أجل عدمنا الأمانة نظن أنه سيمتد ويطول، ها ملكوت السموات على الأبواب ونحن عن هذا الأمر لا نؤثر أن نسمع ذكراً، العلامات والآيات التي قالها الرب صارت ! أي أوبئة ومجاعات وزلازل مفزعة وحروب هذه كلها نعتقد بها كمنام يحدث بها بعضنا بعضاً، فاستماع مسماع هذه المخاوف ومعاينتها لا تذهلنا. فلنهرب يا أحبائي إن الساعة الحادية عشرة هي، ومسافة الطريق طويلة جداً، فلنحرص أن نوجد في الطريق ولنكن متيقظين ولنستفق من النوم غير هاجعين، فإننا لا نعلم متى أو في أية ساعة يجئ سيد كافة الأرض، فلنخفف ذاتنا من ثقل واهتمام الأرضيات فقد قال لنا الرب أن لا نهتم بشئ ألبتة، وأوصانا أن نحب الكل معاً فنحن قد طردنا هذه المحبة فهربت من الأرض فتكاثرت الخطايا وغشا الظلم الكافة معاً كل واحد منا يتمني الأشياء الأرضية ويورثها، ويتهاون بالمناقب السماوية، ويبتغي الوقتيات، ولا يحب الأمور المستأنفة، أتؤسر أن تكون سمائياً أبغض دائماً الأمور والأشياء التي على الأرض وأرفضها وانسك وأشتهي ملكوت السموات، لا تظن أن كثير عمل النسك وتعبة وتقول أني حقير وضعيف ولا أستطيع أنسك، تفهم كلمات مشورة نفيسة وصالحة، تأمل ما لك أيها الأخ المحب للمسيح إن آثرت أن تسافر إلى بلد أو موطن بعيد لا تستطيع أن تسير كافة مسافة الطريق في لحظة واحدة هكذا هو الملك السماوي ونعيم الفردوس بالأصوام بالنسك بالسهر يبلغ إليه كل واحد، فالحمية والدموع والصلاة والسهر والمحبة هي المنازل المؤدية إلى السماء، لا ترهب أن تصنع ابتداءً حسناً للطريقة الجليلة المؤدية إلى الحياة، أرغب أن تسلك في الطرق فإن وجدت ذاتك وافر النشاط فالطريقة نفسها في الحين تتيسر أمام رجليك وتفرح سالكاً فيها وتصنع فيها منازل طرباً مبتهجاً وفي كل منزل تتقوى مسالك نفسك، ولا تجد صعوبة في الطريقة المؤدية إلى السماء لأن الرب السماوي هو بذاته صار طريق حياة للمؤثرين أن يذهبوا بفرح إلى أبي الأنوار، أيها المسيح المخلص صر لي طريق حياة مؤدية إلى الآب هذه وحدها هي السرور ونهايتها المملكة السمائية، لقد صرت لي أيها السيد يسوع الإله طريق حياة واستنارة فأغترفت بذاتي من الينبوع مواهب موعبة شوقاً فصارت نعمتك في قلب عبدك نوراً وفرحاً وحلاوة في فم عبدك أحلي من العسل والشهد وصارت في نفس عبدك كنزاً (أي مسكنة ) وطردت الفقر والأثم، صارت نعمتك لعبدك ملجأً وقوة نصراً وسمواً وفخراً وأغذية كافة الحياة، كيف يصمت عبدك من وفور لذة محبتك أيها السيد، ونعمتك التي فتحت فمي بلا استحقاق، كيف يصمت لساني عما ينفعه من تسبح وتمجيد المعطي الخيرات وكيف أجترئ أن أحبس أمواج النعمة النابعة في قلب الخاطئ الموعبة حلاوة في المواهب الجزيلة إني أرتل تمجيداً لسيد السمائيين المعطي خادمه المواهب السمائية بتعطفة الجزيل على البشر، أُعظم نعمتك أيها المسيح المخلص لأنني إذا عظمتها أعظم بها ولا أكف أن أتلو بلساني تمجيد نعمتك أيها السيد المسيح المخلص، ولا تصمت معزفتي من الترنم بترنيمات روحانية، إن شوقك يجذبني إليك يا فخر حياتي ونعمتك تحلي ذهني لأنجذب وراءك ليصير قلبي لك أرضاً صالحة قابلة بذاراً جيداً تندية نعمتك بنداء الحياة الأبدية لتحصد نعمتك من أرض قلبي كل حين غمراً جيداً تخشعاً سجوداً طهارةً وكافة المرضيات لك، أسترجع نفسي إلى صيرة ( حظيرة ) فردوس النعيم مع الخروف الذي وجد، فلتوجد نفسي في النور، إن ذلك الخروف لما وجدته حملته على منكبيك، فأما نفسي هذه غير المستحقة فأقتدها بيدك وقدمتها كلاهما إلى أبيك الطاهر الذي لا يموت حتى أقول في نعيم الفردوس مع كافة القديسين المجد للآب الذي لا يموت وللابن الذي لا يموت والروح القدس الذي لا يموت والسجود للمعطي الحقير مواهب سمائية ليقرب غمر التمجيد لملك كافة البرايا له المجد إلى الأبد وعلينا رحمته. آمـين مقالات مار إفرآم السريانى
المزيد
18 ديسمبر 2020

معلومات لاهوتية عن شهر كيهك

مواضيع عامه تسبحة كيهك تسمى (سبعة وأربعة) إذ أن ترتيبها الأساسى عبارة عن أربعة هوسات، وسبعة ثيئوطوكيات وكلمة هوس hwc معناها تسبحة. وكلمة ثيئوطوكية مشتقة من كلمة ثيئوطوكوس qe`otokoc ومعناها والدة الإله أى أنها تختص بعقيدة التجسد من والدة الإله العذراء القديسة مريم وهنا نضع أمامنا أربعـة أسـئلة حول تسبحة شهر كيهك لماذا فى شهر كيهك ؟؟؟ لماذا للعذراء القديسة مريم ؟؟؟ لماذا سبعة وأربعة ؟؟؟ لماذا أثناء الليل؟؟ أولاً : لماذا شهر كيهك ؟؟ الكنيسة تكثر التسبيح فى شهر كيهك وقبل عيد الميلاد (29 كيهك) استعداداً لاستقبال ميلاد ربنا يسوع المسيح، وكأنها تُعد الأرض كلها بالتسبيح لتصير سماء ثانية يحل فيها الكلمة المتجسد وتُعد قلوبنا أيضاً بالتسبيح لتصير سماء ثانية يسكن فيها المسيح. ولعل فى ذلك إشارة إلى اعتكاف السيدة العذراء من سن 3 سنوات وهى تداوم التسبيح والتمجيد لله حتى استحقت أن تسمع البشارة السماوية من فم رئيس الملائكة غبريال بأن المولود منها يدعى ابن الله وهكذا عندما نعتكف نحن أيضاً فى الكنيسة بالتسبيح والتمجيد خلال هذا الشهر المبارك ننتظر ميلاد ربنا يسـوع المسيح " والكلمة صار جسداً وحل بيننا " ولكى نتأهل أن يحل المسيح بالإيمان فى قلوبنا ولذلك ارتبطت تسابيح شهر كيهك بمعانى كثيرة عن التجسد الإلهى والميلاد العجيب والرموز والنبوات التى أشارت إليها وذلك وبصفة خاصة فى الثيئوطوكيات التى وُضعت أساساً لتأكيد عقيدة التجسد الإلهى من العذراء والدة الإله بعد مجمع أفسس سنة 431م برئاسة القديس العظيم البابا كيرلس الأول عمود الدين، وذلك ضد بدعة نسطور الذى أنكر أن السيدة العذراء والدة الإلـه qe`otokoc وكانت خطورة ذلك أنها لو لم تكن والدة الإله لما كان المسيح هو الله ولذلك جاءت السبع ثيئوطوكيات تتحدث بعبارات لاهوتية منظومة وقوية عن التجسد والميلاد ورموز العذراء مريم فى العهد القديم وارتباطها بالتجسد الإلهى مثل أنها قدس الأقداس، والتابوت المصفح بالذهب، وغطاء التابوت، وقسـط المن، والمنارة الذهب، والمجمرة الذهـب، وعصا هارون، وزهرة البخور، والعليقة، والسلم الذى رآه يعقوب، وجبل سيناء، والجبل الذى رآه دانيال، والباب الذى رآه حزقيال، ومدينة الله، والسحابة، والفردوس العقلى، والسماء الثانية الجديدة، وعجينة البشرية، والمرأة المتسربلة بالشمس، ولوحى العهد وهذه الرموز وردت بصورة مركزة فى الثيئوطوكيات وتحدثت بها وعنها المدائح المنظومة باللغة العربية باستفاضة، وتتكرر أيضاً فى الطروحات التى تُقرأ أثناء تسبحة سبعة وأربعة وتحدثت الثيئوطوكيات عن ارتباط هذه الرموز بالعذراء القديسة مريم بكونها والدة الإله وبالتالى تحدثت عن التجسد الإلهى كعقيدة أساسية فى إيماننا المسيحى عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد وهنا نشير إلى أن الكنيسة بالإشارات الكثيرة عن التجسد والميلاد فى نغم مفرح وجميل تؤهلنا للاستعداد باشتياق لهذا اليوم المفرح يوم عيد الميلاد فندرك عظمة محبة الله وتواضعه إذ أنه " أخلى نفسـه آخذاً صورة عبد صائراً فى (يو1: 14). - (اف 3 : 17). (3)- (1تى3: 16) شبه الناس " فنمجده بقلوب نقية فى هذا العيد المبارك، ولعلنا ندرك أن الاسـتعداد لأى شئ فى حياتنا يجعل لنا فيه فائدة كبيرة فكلما أعددنا نفوسـنا وقلوبنا فى شهر كيهك كلما استفدنا من عيد الميلاد فى حياتنا، وكان له فاعلية روحية عميقة ثانياً : لماذا العذراء القديسة مريم ؟؟ لعله أصبح واضحاً من حديثنا عن الاستعداد لميلاد ابن الله أن تسابيح شهر كيهك ترتبط بوالدة الإله التى استحقت أن تكون السماء الثانية، وهى أيضاً تدعونا أن نتشبه بها خلال هذا الشهر لتكون قلوبنا سماء ثانية لربنا يسوع المسيح مولود بيت لحم ولذلك – وكما سبق أن قلنا – أن كلمات التسابيح وخصوصاً الثيئوطوكيات تتحدث بإفراط عن التجسد، وعن العذراء القديسة مريم ونمجدها لأنها استحقت هذه النعمة العظيمة وهذا التطويب للعذراء القديسة مريم نطق به الوحى الإلهى على فمها الطاهر عندما قالت " فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى أليس تطويبنا للعذراء من يوم أن نطقت بهذه العبارة النبوية إلى هذا الجيل وإلى كل الأجيال ألا يتحقق هذا فى التسابيح الكنسية اليومية (من خلال الثيئوطوكيات اليومية السبعة)، ومن خلال تسابيح شهر كيهك بصورة أعظم وأعمق ثالثاً : لماذا سبعة وأربعة ؟؟ أساس التسبحة فى الكنيسة أربع هوسات، وسبع ثيئوطوكيات (كتاب التسبحة يسمى الأبصلمودية) والهوسات الأربعة هى الهوس الأول : وهو تسبحة موسى النبى بعد عبور البحر الأحمر(3) (فى 2: 7). (2)- (لو1: 48). (3)- (خر15)موسى وعبــور البحر الأحمر الهوس الثانى : وهو المزمور 135 وهو تسبحة شكر لله " أشكروا الرب لأنه صالح وأن إلى الأبد رحمته " الهوس الثالث : وهو تسبحة الثلاث فتية القديسين فى آتون النار| الهوس الرابع : وهو المزامير 148، 149، 150 وهى مزامير تسبيح وشكر لله على فم الخليقة كلها بكل كائناتها الثلاثة فتية القديسين ومعهم رابع شبيه بابن الآلهة أما السبع ثيئوطوكيات فهى مرتبة لكل يوم من أيام الأسبوع السبعة، وهى كما سبق أن أشرنا أنها مليئة بالعبارات اللاهوتية والرموز النبوية التى تتحدث عن التجسد الإلهى وحلول الله بيننا، وعن العذراء بكونها والدة الإله ولعل رقم (7) يمثل كل أيام الأسبوع (أى كل يوم) ورقم (4) يمثل كل الأرض (الجهات الأربعة) أى كل مكان فكأن التسـبيح بسبعة وأربعة يشـير (وردت فى تتمة سفر دانيال الإصحاح الثالث) إلى التسـبيح كل يـوم فى كل مكان، مثلما نصلى فى تحليـل صـلاة الغروب " وننهض للتسابيح والصلوات كل حين وفى كل مكان نمجد اسمك القدوس " ومعنى عبارة كل حين وفى كل مكان أى تصير الأرض كالسماء لأن التسبيح فى السماء كل حين وفى كل مكان وكأننا بهذه التسابيح فى سبعة وأربعة نتشوق أن تتحول الأرض إلى سماء يسكن فيها العلى فالتسبيح فى شهر كيهك هو إعداد الأرض كلها، وإعداد قلوبنا بصفة خاصة أن تكون كالسماء لكى يسكن فيها الله الكلمة المتجسد وهكذا يرتبط التسبيح دائماً بحلول الله وسكناه ولذلك تلقب الكنيسة العذراء بأنها السماء الثانية التى سكن فيها العلى (ثيئوطوكية السبت). ويضاف إلى الأربعة هوسات والسبع ثيئوطوكيات أجزاء أخرى مثل مجمع القديسين والإبصاليات (إبصالية yalia أى ترتيـلة) وذكصولوجـيات ( ذكصولوجية dozolojia أى تمجيد) ومدائح منظومة باللغة العربية، وطروحات (تفسير) تقال بعد كل هـوس، وكل ثيئوطوكية، وعلى نفـس المعانى الواردة بها لزيادة الشرح والتوضيح لكى يشترك الكل فى الفائدة الروحية رابعاً : لماذا أثناء الليل (السهر) ؟؟؟ اعتادت الكنيسة أن تسهر فى التسابيح الكيهكية طوال الليل حيث تبدأ السهرة بتسبحة قوموا يا بنى النور `e `p]wi ten ,qhnou وكأنها تدعونا أن تحول ظلام الليل إلى نور كما يقول معلمنا بولس الرسول " جميعكم أبناء نور وأبناء نهار لسنا من ليل ولا ظلمة فلا ننم كالباقين بل لنسهر ونصح"(1) وفى هذه التسابيح تدريب روحى على السهر فى تسبيح مملوء بالاشتياق والحب وكأنه حوار بين الكنيسة العروس والمسيح عريسها وهو متعة روحية جميلة يستمتع بها السهارى المستعدون كالعذارى الحكيمات وفى نهاية السـهرة طوال الليل نفرح بشـروق شمـس البر فى باكر النهار "ولكم أيها المتقون اسمى تشرق شمس البر" والمتقون الرب هم الذين يسهرون فى الصلاة والتسابيح، فيشرق لهم العريس السماوى شمس البر فى نهاية كل سهرة روحية ونقول فى صلاة باكر " أيها النور الحقيقى الذى يضئ لكل إنسان آت إلى العالم أتيت إلى العالم بمحبتك للبشر " وعبارة " أتيت إلى العالم بمحبتك للبشر" تشير إلى مجئ المسيح شمس البر فى ميلاده الذى نستعد له بهذه التسابيح والسهرات الروحية.إلهنا الصالح محب البشر يعطينا أن نشترك فى هذه الأيام المباركة بالاستعداد والتسابيح ونقاوة القلب حتى ننال بركة عيد ميلاد ربنا يسوع المسيح بفرح روحى ولا يكون هذا الكلام مجرد معلومات طقسية للمعرفة العقلانية فقط ولكن يكون دافعاً للممارسة والتمتع بحياة الكنيسة ونقول مع ربنا يسوع المسيح "إن علمتم هـذا فطوباكم إن عملتموه ".كل عام وأنتم بخير .
المزيد
17 ديسمبر 2020

شخصيات الكتاب المقدس إشعياء

" فى سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد " إش 6: 1 مقدمة كان إشعياء واحداً من أعظم عمالقة التاريخ، وسفره هو الأول بين ما يطلق عليها: «أسفار الأنبياء الكبار »، ولا تستطيع أن تقرأ سفره دون أن ترتقى الهضاب العالية، وتمد بصرك إلى الآفاق البعيدة التى تجتاز العصور والأجيال، وتأتى إلى آخر الأيام فى الرؤى المذهلة العجيبة،... أليس هو الرجل الذى بدأ نبوته بذلك المنظر المهيب للسيد وهو جالس على كرسيه العالى والمرتفع، وأذياله تملأ الهيكل؟؟.. ومن ذا الذى يمكن أن يرى السيد فى مجده العظيم، والملائكة واقفون بين يديه، دون أن يحس بحاجته إلى الارتقاء إلى أعلى مقام عن هذه الأرض، ليخشع فى فزع قائلا: « ويل لى إنى هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عينى قد رأتا الملك رب الجنود » " إش 6: 5 ".. وأليس هو الرجل الذى طوى مئات السنين، ونقلنا فى الأصحاح الثالث والخمسين إلى هضبة الجلجثة، لنرى دقائق الصلب وتفاصيله، كمن يراها رؤيا العيان، ويكتب عنها من تحت الصليب،... وأليس هو النبى الذى اخترق حجب المستقبل القريب والبعيد، فأوقفنا على هضاب آيته لاحقة لتاريخه،... فرأينا كورش يجتاح الممالك، ويطويها، ويسقطها تحت قدميه، ويعطيه اللّه اسمه قبل أن يولد بمائة وخمسين عاماً،... ولم يكن كورش إلا رمزاً لذلك الذي خرج غالباً ولكى يغلب، والذى يقود أعظم المعارك فى الأرض، ويكون فى آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً فى رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجرى إليه كل الأمم... فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل،... ولا يتعلمون الحرب فيما بعد » "إش 2: 2 - 4 " لأنى هأنذا خالق سموات جديدة وأرضاً جديدة فلا تذكر الأولى ولا تخطر على بال » " إش 65: 17 ".ولعلنا نتأمل الآن هذا الرجل العظيم من فوق هذه الربى والهضاب العالية لنراه مع سفره ونبواته وهو يحدثنا فيما يلى: إشعياء من هو!!؟ الاسم « إشعياء » يعنى « خلاص يهوه » أو « خلاص الرب » وهو ابن « آموص » أو « القوى » وقد أطلق على زوجته « النبية » وربما كان القصد فى ذلك أنها زوجة النبى، وإن كان البعض يظن أنها كانت تملك موهبة النبوة، وقد ولد له ولدان اسم الأول « شآر ياشوب » أو « بقية سترجع » ولعل القصد من ذلك رجوع البقية من السبى، أو رجوع البقية إلى اللّه برسالة إشعياء، والثانى: « مهير شلال حاش بز » ويعنى « سلب يعجل خراب يسرع » والمقصود بذلك أنه على قدر السرعة فى جمع الأسلوب ونهبها، على قدر ما يأتى الخراب المعجل،... وقد أوضح النبى أن نبوته جاءت فى أيام عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا، ومن المعتقد أنه ولد قبل موت عزيا بعشرين عاماً على الأقل، وإذا صح التقليد القائل بأنه مات منشوراً على يد منسى الملك، فمن المتصور أنه عاش حتى بلغ التسعين من عمره أو ما بين عامى 780، 690 ق.م. ومن الجدير بالذكر أنه فى ذلك التاريخ بنيت مدينة روما، والتى كانوا يطلقون عليها « المدينة الخالدة » وقد عاش إشعياء على مر الأجيال والتاريخ أكثر عظمة وجلالا وخلوداً،... وفى تصور الكثيرين أن إشعياء كان ينتسب إلى البيت الملكى، وأنه على أية حال كانت له المكانة التى تجعله يعطى المشورة للملك آحاز، والذى لاذ به الملك حزقيا أمام غزوة سنحاريب للبلاد، وحصاره لأورشليم، ومن الثابت أنه كان شجاعاً حازماً، لا يعرف المداورة أو المهادنة فى كل ما يتصل بالدين،... يستوى عنده فى ذلك الملك أو غير الملك، ألم يقل للملك آحاز: « اسمعوا يا بيت داود. هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهى أيضاً » " إش 7: 13 " وقال للملك حزقيا: اوص بيتك لأنك تموت ولا تعيش » " إش 38: 1 "، هوذا تأتى أيام يحمل فيها كل ما فى بيتك وما خزنه آباؤك إلى هذا اليوم إلى بابل. لا يترك شئ يقول الرب » " إش 39: 6 " وقد صور إسرائيل فى مرتبة أدنى من الحيوان فى مطلع سفره « الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه. أما اسرائيل فلا يعرف شعبى لا يفهم. ويل للأمة الخاطئة الشعب الثقيل الإثم نسل فاعلى الشر أولاد مفسدين ». " إش 1: 3 و4 " « كيف صارت القرية الأمينة زانية » " إش 1: 21 " « لأنه شعب متمرد أولاد كذبة ».. " إش 30: 9 " ومع هذه الشجاعة الحازمة كان رفيق القلب شديد الحدب والعطف، ويكفى أن نراه يقول: « لذلك قلت اقتصروا عنى فأبكى بمرارة. لا تلحوا بتعزيتى عن خراب بنت شعبى » "إش 22: 4 " بل لعله كان يبكى تجاه آلام الآخرين، حتى ولو كانوا من الأمم، وهو القائل عن موآب: « يصرخ قلبى من أجل موآب » " إش 15: 5 "« لذلك أبكى بكاء يعزير على كرمة سمة أوريكما بدموعى ياحشبون وألعالة ». " إش 16: 9 " كان يندد بالخطية أشد تنديد، وفى الوقت نفسه يبكى على الخطاة،... ومن الجانب الآخر كان فرحه عظيماً بالأمم التى تجرى إلى اللّه: « ويكون فى آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً فى رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجرى إليه كل الأمم »" إش 2: 2"« ويكون فى ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً » " إش 11: 10 "« فى ذلك اليوم تكون سكة من مصر إلى آشور فيجئ الأشوريون إلى مصر والمصريون إلى آشور ويعد المصريون مع الأشوريين فى ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثا لمصر ولأشور بركة فى الأرض بها يبارك رب الجنود قائلا مبارك شعبى مصر وعمل يدى آشور وميراثى إسرائيل » "إش 19: 23 - 25 ". لم يكن الرجل ضيق الأفق، محدود النظرة، تمتلكه نعرة الجنس، تحجب رؤياه عن العالم الواسع الذى لا حياة لهن بدون اللّه،... على أن هذا لا يعنى أنه لم يكن غيوراً لوطنه، متحمساً له، يهتم بالدفاع عنه ورعايته، لقد كان وطنياً من طراز ممتاز، وهو القائل لآحاز: احترز واهدأ. لا تخف ولا يضعف قلبك من أجل ذنبى هاتين الشعلتين المدخنتين بحمو غضب رصين وآرام وابن رمليا » " إش 7: 4 ".. كما قال لحزقيا: « هكذا يقول الرب إله إسرائيل الذى صليت إليه من جهة سنحاريب ملك آشور هذا هو الكلام الذى تكلم به الرب عليه: احتقرتك استهزأت بك العذراء ابنة صهيون. نحوك أنغضت ابنة أورشليم رأسها » "إش 37: 21 و22".وكان إشعياء، مع ذلك، رجلا عميق التعبد والاحترام للّه،... ولعل الرؤيا التى رآها فى الهيكل، تركت طابعها العميق فى حياته بجملتها!!.. وهو لا يرى هذا التعبد فى مجرد العبادة الشكلية والطقسية أو الظاهرية، فالذبائح لا قيمة لها: « لماذا كثرة ذبائحكم يقول الرب. اتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أسر » " إش 1: 11" والاهتمام بأيام معينة فى نظره باطل وكذب: « رأس الشهر والسبت ونداء المحفل لست أطيق الإثم والاعتكاف » " إش 1: 13 " كما أن الهيكل فى حد ذاته لا معنى له: « هكذا قال الرب: السموات كرسى والأرض موطئ قدمى. أين البيت الذى تبنون لى وأين مكان راحتى » " إش 66: 1 " إن العبرة عند اللّه بالحياة الروحية العميقة فى روح الطاعة: « إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض » "إش 1: 19" وحياة البر وخوف اللّه: « وإلى هذا أنظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامى » "إش 66: 2 " كان إشعياء يعيش على الدوام أمام اللّه العلى: « لأنه هكذا قال العلى المرتفع ساكن الأبد القدوس اسمه. فى الموضع المرتفع المقدس أسكن، ومع المنسحق والمتواضع الروح لأحيى روح المتواضعين ولأحيى قلب المنسحقين » "إش 57: 15 " « أدخل إلى الصخرة وأختبئ فى التراب من أمام هيبة الرب ومن بهاء عظمته » " إش 2: 10 "... ولا حاجة إلى القول بأن الرجل كان شديد الثقة باللّه، كامل الاعتماد عليه، ومن ثم كان يرفض تماماً التحالف مع آشور أو مصر،... وقد قاوم مثل هذا التحالف ما وسعته المقاومة سواء فى حياة الملك آحاز أو الملك حزقيا،... ومع أن مصر واشور كانتا الدولتين العظميين، قبل أن تظهر بابل فى الأفق،... إلا إنه كان يعتقد بحق، أن الإيمان باللّه وحده، هو الذى يعطى الإنسان اطمئنانه الكامل، وسلامه الدائم،... وأن الدول المتحالفة إذا أعانت بعض الوقت، فسيلحقها العجز بعد ذلك، وتضحى عبئاً، لا عوناً، وأكثر من ذلك إنهاء تحول المتحالف معها إلى فريسة يمكن أن تبتلعها متى أتيحت لها الفرصة، وسنح الوقت!!.. وقد كان الرجل صادق المشورة فى هذا المجال، بل كان واثقاً من النتيجة عندما استمع حزقيا الملك، وقد أدرك هذا الاختبار، فتعاون أولا مع آشور، ثم عاد ليواجهها معتمداً على اللّه،... وسقط عند أبواب عاصمته زهرة الجيش الأشورى مائة وخمسة وثمانون ألفاً من الجنود فى ليلة واحدة!! ومن المسلم به أن إشعياء كان واسع الثقافة، بلغ السمت والقمة بين الأنبياء، فلم يتفوق عليه أحد منهم من الوجهة الإنسانية. فى فخامة اللفظ، وجلال التعبير، ورصانة الأسلوب،... وقد قيل أنه لم يبره أحد قط منهم فى الجمع بين فخامة العبارة، ودسامة التفكير، إذ لم تكن فصاحته على حساب المعنى، أو معناه على حساب التعبير الجزل الجميل!!ولم يكن عند الرجل رتابة فى الأسلوب أو قصور فى المنطق، بل تحس وأنت تقرأ سفره أنك تسير بين أعلى القمم وأعمق الوديان،... ولعل هذا كان الباعث الأكبر عند عدد من النقاد، إلى الزعم بأن هناك أكثر من إشعياء فى كتابة السفر... وقالوا إن هناك إشعياء الأول والثانى وربما الثالث.. لأنهم تصوروا أن شخصاً واحداً لا يستطيع أن يصل إلى ما وصل إليه هذا السفر العظيم فى أصحاحاته الستة والستين!!.. ومع أن التاريخ اليهودى أو الكنسى، كان فيه ما يشبه الإجماع على أن إشعياء وحده هو كاتب السفر، ولم يشذ عن هذا الإجماع، سوى بن عزرا فى القرن الثانى عشر الميلادى، والذى قال إن الأصحاحات من الأربعين إلى الستة والستين ربما لا تكون من عمل إشعياء، ولم يجاره فى الكنيسة المسيحية سوى كاتب ألمانى اسمه كوبى (Koppe) الذى زعم أن هذا الأصحاحات كتبت على الأغلب بعد السبى البابلى، وتمشى فى إثره بعد ذلك، من تمشى من النقاد، وحجتهم فى الغالب أن الإصحاحات الأخيره المشار إليها، كتبت كما لو كان السبى البابلى حقيقة قد وقعت، وأن إشعياء (الثانى كما يزعمون) لم يكن قد ولد عندما جاء كورش، وأن قرابة مائة وخمسين عاماً أو تزيد، كانت لابد أن تمر قبل أن يأتى ذلك الملك العظيم المشار إليه فى إشعياء!! وأن الأسلوب فى الجزئين من السفر شديد التغير، مما يحتمل معه أن شخصاً مجهولا يمكن أن يطلق عليه إشعياء الثانى كتب الأجز اء الأخيرة من السفر بعد السبى، وضمت إلى إشعياء!!. وقد بلغ التصور عند نقاد آخرين إلى أن سبعة من الكتاب اشتركوا فى كتابة هذا السفر، وليس مجرد إشعياء ثان فقط!!... على أن أعظم علماء الكتاب قد قاوموا هذا التصور مقاومة حادة ونادوا بوحدة السفر ونذكر منهم فى ألمانيا... جاهن، وهستنبرج، وكلينرت، وهافرنك، وستاير، وكايل، وديلتش، ورينو شمعان،... وفى إنجلترا، هندرسون، وهاكستبيل، وكاى، ويورك، ودين باين سميث، وبروفسور بركس، وبروفسور ستانلى ليسز... وقد بنى هؤلاء وغيرهم، وحدة السفر على أسس خارجية، وأخرى داخلية،... أما الخارجية فتظهر من أن الترجمة السبعينية وهى الترجمة المعروفة من سنة 250 ق.م. تنسب الكتاب كله لإشعياء بن آموص، وابن سيراخ الذى عاش حوالى سنة 180 ق.م لا يتردد فى نسبة الأجزاء الأخيرة إلى إشعياء،... كما أن مخطوطات وادى قمران، وهى أحدث مخطوطات اكتشفت عام 1947 ق.م. بقرب البحر الميت ويرجع تاريخها إلى ما بين القرنين الأول والثانى قبل الميلاد يظهر فيها سفر إشعياء كاملا منسوباً إلى إشعياء بن اموص!! كما أن اقتباسات العهد الجديد والسيد المسيح والرسول بولس، تظهر دائماً منسوبة إلي إشعياء، فقد جاء فى الأصحاح الثالث من إنجيل متى: « فإن هذا هو الذى قيل عنه بإشعياء النبى القائل صوت صارخ فى البرية »... " مت 3: 3 " وفى إنجيل لوقا الأصحاح الرابع قيل عن السيد المسيح: فدفع إليه سفر إشعياء النبى، ولما فتح السفر وجد الموضع الذى كان مكتوباً فيه روح الرب علىّ لأنه مسحنى لأبشر المساكين.. الخ " لو 4: 17 و18 " وفى إنجيل يوحنا فى الأصحاح الثانى عشر: « ليتم قول إشعياء النبى الذى قاله يارب من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب » " يو 12: 38 "وقول بولس فى الأصحاح العاشر من رسالة رومية: « لأن إشعياء يقول يارب من صدق خبرنا... ثم إشعياء يتجاسر ويقول وجدت من الذين لم يطلبونى.. إلخ » " رو 10: 16 و20 " أما عن تنوع الأسلوب، من الواجهة الداخلية، فما لا شك فيه، أن شاعرية أو عبقرية إشعياء، إذا جاز هذا التعبير، وتمكنها من ناصية المنطق والبلاغة، يمكنها أن تسمو وتبسط، دون أن يكون هناك مساس بالكاتب الواحد، ومن ثم فنحن نرى رغم هذا التنوع، الفكر الواحد المطبوع، فاللّه السيد الذى رآه: « جالسا على كرسى عال ومرتفع وأزياله تملأ الهيكل " إش 6: 1 ".. هو نفسه: « العلى المرتفع ساكن الأبد القدوس اسمه » " إش 57: 15 ".. والشعب الذى وصف بالتمرد والعصيان: « ربيت بنين ونشأتهم وأما هم فعصوا علىّ» " إش 1: 2 ".. « فإنك رفضت شعبك بيت يعقوب لأنهم امتلأوا من المشرق » " إش 2: 6 ".. « ذكرنى فنتحاكم معا، حدث لكى تتبرر، أبوك الأول أخطأ وسطاؤك عصوا علىّ » " إش 43: 26، 27 " كما أن اتساع النظرة وإعطاء الفرصة للأمم، قد جاءت فى أول السفر وآخره، ويكفى أن نشير هنا: « فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدى والعجل والشبل والمسمن معاً وصبى صغير يسوقها. والبقرة والدابة ترعيان. تربض أولادهما معاً والأسد كالبقر يأكل تبناً ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان. لا يسوؤون ولا يفسدون فى كل جبل قدسى لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطى المياه البحر» " إش 11: 6 - 9 ".. « الذئب والحمل يرعيان معاً والأسد يأكل التبن كالبقر. أما الحية فالتراب طعامها. لا يؤذون ولا يهلكون فى كل جبل قدسى قال الرب » " إش 65: 25 "فإذا قيل آخر الأمر كيف يمكن أن يكون الحديث عن السبى البابلى كأمر واقع، وإن يذكر اسم كورش الفارسى الذى لم يأت بعد،.. كان الرد ميسوراً: أن نبوات إشعياء ترى النهاية منذ البداءة « لأنه معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله » " أع 15: 18 ".. وقد تحدثنا عندما تعرضنا لشخصية يربعام كيف أن النبى تنبأ عن يوشيا الملك الذى سيأتى ويذبح كهنة المرتفعات ويحرق عظامهم، قبل ولادته بزمن طويل... وقد امتدت النبوة إلى هضبة الجلجثة لتصفها بدقة، كما لو كان الواصف ينظر إلى الصليب بمرأى عينيه، وقد سار الرجل بنا إلى آخر الأيام، لنرى الصورة اللامعة للأرض بعد أن تتحرر من الخطية والدنس!! والحقيقة أن السهم القاتل لنظرية إشعياء الثانى يكمن فى أن الآخذين بها، حاولوا حل الصعوبة، بصعوبة أفدح وأقسى إذ كيف يمكن التصور منطقياِ، أن هذه الأصحاحات الأخيرة من سفر إشعياء بما فيها من أروع النبوات أو التعاليم، تصدر عن نبى مجهول، جاء بعد السبى، ولا يعرف الناس عنه شيئاً، ويعلن هذه الروائع، ويكتبها، ويغيب فى التاريخ من غير علم أو دراية من أحد!!.. إن الفهم الكتابى الصحيح، واجماع التقليد فى المجمع اليهودى والكنيسة المسيحية يؤكدان أن إشعياء بن آموص هو الكاتب الوحيد لسفره الشامخ العظيم بين أسفار الكتاب االمقدس، دون أدنى شبهة أو تردد!! إشعياء ورؤياه وكانت هذه الرؤيا نقطة التحول فى تاريخ الرجل، أو بتعبير أدق، هى دعوة اللّه العليا التى بها ناداه إلى الخدمة العظيمة،... ومن العجيب أن أعظم الرجال على الأرض، هم الذين تغيرت حياتهم، وغيروا حياة الناس، لأن رؤيا اللّه حولت تاريخهم بأكمله،.. ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم، فقام برحلته الخالدة،... وظهر لموسى فى العليقة، فقام برسالته العظيمة،... وظهر لجدعون، فحوله من الخائف من ظله إلى بطل من أبطال الأجيال،... ومن المثير أن الجنرال فوشى الذى كسب الحرب العالمية الأولى يقول إنه فى 26 مارس عام 1918 ظهر له اللّه فى رؤيا وأعطاه يقيين النصر!! ولم يكن هذا الجنرل خرافيا، ولكنه آمن باللّه ورؤيته وانتصر!!... وها نحن الآن نتابع رؤيا إشعياء من جوانبها المختلفة: الرؤيا والسيد قال إشعياء فى مطلع الأصحاح السادس: « فى سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً على كرسى عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل، فإذا قارنا هذا بما جاء فى إنجيل يوحنا الأصحاح الثانى عشر والعدد الحادى والأربعين: « قال إشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه »... أدركنا أن السيد المسيح هو الذى ظهر لإشعياء فى مجده وجلاله وعظمته فى هيكل اللّه فى أورشليم،... وقد حدثنا إشعياء عن وقت الرؤيا، غداة وفاة الملك عزيا، ولعل إشعياء كان ذهنه مشغولاً وممتلئاً بعزيا الملك، وكان عزيا من أعظم الملوك الذين ظهروا فى حياة إسرائيل،... ولكنه فعل فى أخريات حياته شيئاً تعساً محزناً، إذ حاول أن يكول ملكاً وكاهنا معاً، فطرده اللّه لكبرياء قلبه، بعد أن أصيب بالبرص، وبقى فى بيت برصه إلى يوم وفاته،... إنه على أية حال كان يمثل الإنسان البشرى العظيم، ونقطة النقص والضعف اللاحقة بعظمته.. لكن إشعياء تحول من الملك الناقص، إلى الملك القدوس، رب الجنود، الذي له وحده عرش الجلال والكمال،... تحول من المشهد الأرضى إلى اللّه الذى السماء ليست بطاهرة أمام عينيه، وإلى ملائكته ينسب حماقة!!... والمسيح دائماً هو مثال الكمال، عندما ما نفجع فى برص الناس ونقصهم وضعفهم وخيانتهم وقصورهم،... على أن الرؤيا تكشف عن جانب آخر، إذ تكشف عن الملك الدائم، عندما يتحول الملك من إنسان إلى آخر، أو عندما نتطلع فلا نجد أحداً يملأ المكان، ويستولى علينا اليأس والقنوط،... مات عزيا الملك وبقى الملك السرمدى الأبدى الحى الذى لا يموت، وهى الرؤيا التى نحتاج إليها فى أتعس الأوقات وأحلك الليالى، عندما صرخ دوجلاس زعيم العبيد فى الولايات المتحدة، وهو يعدد الظروف التعسة القاتلة التى تواجه العبيد البائسين هناك وهو يقول: كل شئ ضدنا!!.. الظروف ضدنا!!.. الناس ضدنا!!.. صاحت فيه امرأة زنجية: ولكن يا دوجلاس اللّه حى ولم يمت!!.. فثاب الرجل إلى رشده، وأدرك أن العروش على الأرض تهوى، ولكن اللّه يسود فى عرشه ويملك ويحكم!!.. هل نستطيع أن نرى اللّه مستقراً وجالساً على كرسى عال ومرتفع مهما أحاط بنا الظلام والفزع والضيق والحزن والأضطراب؟؟. الرؤيا والملائكة لم يكن إشعياء محتاجاً أن يرى اللّه فحسب، بل كان عليه أن يرى كيف يخدم السرافيم اللّه والكلمة « سرافيم » من أصل عبرى معناه « الملتهبين » « الصانع ملائكته رياحاً وخدامه ناراً ملتهبة » " مز 104: 4 " وكان لكل واحد ستة أجنحة، فهناك جناحان للطيران، وبهما يطير ملتهباً فى غيرته لخدمة اللّه!!... والخدمة المسيحية، لابد أن تكون هكذا،... كان واحد من خدام اللّه الصينيين، وكان غيوراً للمسيح، فى الولايات المتحدة، ينتقل فى القطارات وهو يوزع النبذ المسيحية، وذات مرة رأى أمامه سيدة تبدو غنية وأنيقة، وقدم لها نبذة عن الخلاص،... وإذا سألته عما فيها قال: إنها قصة جميلة أرجو أن تقرأيها، فصاحت في ووجهه: لا أريد، وألقتها فى وجهه،.. وقد راعه أكثر أن الكمسارى قال له: إن هذا ممنوع وتألم الرجل، وهو يسأل نفسه كيف يمكن أن يمنع هذا فى بلد خرج منه المرسلون إلى العالم لينادوا ببشرى الخلاص؟... ولكن واحداً من الجالسين تقدم إليه وهز يده قائلا: إنك هززت قلبى من الأعماق، إذ أرى أحدهم يشتغل بعمل سيده!!... كان هذا الخادم يأخذ أجنحة السرافيم وهو يقف فى الطريق يصلى ويرنم بالأغانى المسيحية، وقد هز نفوساً كثيرة بحياته الملتهبة فى خدمة سيده!!... على أن السرافيم يعطوننا صورة أخرى، صورة الإتضاع فى حضرة اللّه، إذ يغطى كل واحد منهم وجهه بجناحين، لأنه لا يجسر أن ينظر إلى وجهه اللّه!!... وفى الحقيقة إن الاتضاع من أهم صفات الخادم المسيحى، وما ير هذا الخادم نفسه على وضعها الحقيقى فى حضرة اللّه، كما كان يرى داود نفسه كبرغوث أو كلب ميت أو لا شئ على الإطلاق،... فإنه لا يستطيع أن يقوم بالخدمة أبداً!!.. تقابل أحد خدام اللّه مع عضو ثرثار، وكان هذا العضو يتحدث كثيراً، ويكرر الكلام، والراعى مستعجل يريد الذهاب إلى مكان ما، وأخيراً قال له: أنا مشغول وينبغى أن أذهب بسرعة!!... ألا تعرف من أنا!!؟... وقال العضو: نعم أعرف، فانت الواعظ!!... ولكن هذه الكلمة رنت فى أذن خادم اللّه وقال: هل ينظر الناس إلى أنا، وهل أوجه الالتفات إلى نفسى أم إلى المسيح!!؟… وذهب إلى بيته، وأغلق على نفسه، وظل هناك حتى صلب الإنسان العتيق … وعاد ليعظ: « ينبغى أن ذلك يزيد وأنى أنا أنقص » " يو 3: 03 ز.. كان هناك واعظ ينقلونه من كنيسة إلى كنيسة، لأنه كان جافاً ويترك الجفاف فى كل مكان ذهب إليه!!.. وقال له الشخص المسئول فى المجمع: أنا لا أستطيع أن أعينك فى كنيسة، إنهم يصفونك بالقصبة العجوز الجافة … وبكى الرجل العجوز وقال: أعطنى هذه الفرصة الأخيرة … فعين فى قرية، وفزعت القرية إذ سمعت بخبر تعيينه.. لكنه دخل إلى مخدعه، وصارع مع اللّه، وعندما خرج، خرج إنساناً آخر، حتى كانوا يصفونه بالقول: إن القصبة العجوز اشتعلت فيها النار بعد الاتضاع والبكاء فى حضرة اللّه!! … وكان الجناحان الأخيران يغطيان القدمين، وهو الأمر الثالث فى الخدمة، ونعنى به الاحترام الكلى لعمل اللّه ورسالته، … تعود أحدهم أن يدخل الكنيسة دون أن يرفع قبعته، وإذ سأله الراعى عن السر فى ذلك … قال: لا تؤاخذنى لعدم رفع القبعة، فقال الراعى: لا مؤاخذه. فهذا ليس بيتى!! … إن من أهم مقومات الخدمة المسيحية الإجلال والاحترام الكامل للّه وبيته وخدمته ورسالته!! الرؤيا والنفس بعد أن أبصر إشعياء اللّه، والملائكة، رأى نفسه وحالته فصاح: « ويل لى إنى هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين » (إش 6: 5) هذا ما أحس به إشعياء وهو فى بيت اللّه، ونحن فى العادة نرى تصرف الناس فى بيت اللّه يختلف إلى حد كبير عن هذه الرؤيا إذ عندما يحضرون، ما أكثر ما يهنئون الواعظ على العظة البليغة الممتازة الى ألقاها، وينصرفون إلى الراعى دون أن يروا أنفسهم!!... وقال أحدهم: إن الكثيرين يذهبون بعد ذلك إلى بيوتهم يههنئون أنفسهم بالبركة والتعزية التى حصلوا عليها، ثم يأكلون طعامهم ويشربون شرابهم، ويمكن أن يقال لهم: لقد أكلتم، واحتسيتم وامتلأتم من القهوة أو الشاى، لأنكم لم تروا أنفسكم وخطاياكم لكى يصيح الواحد منكم: ويل لى إنى هلكت » جاء فى قصة قديمة أن شاباً غنياً استجاب لرسالة المسيح، وعمده الرسول يوحنا، وعندما علم أبوه بذلك خيره أن يختار فى أربع وعشرين ساعة بين دينه القديم وثروة أبيه، أو المسيح يسوع!!... وقال الشاب: إنى أختار المسيح، وخرج من بيت أبيه وعاش فى أوساط المسيحيين الفقراء مدة عامين،... وفى يوم عيد الميلاد كان يتجول فى غابة، وكانت نفسه فى أقسى حالات التجربة، وتصادف أن تقابل مع كاهن وثنى، وسأله الكاهن: لماذا يتجول بعيداً عن أصحابه وهداياهم!!؟ … ثم ابتدره – على ما تقول القصة – بالسؤال: هل يمكن أن يعطيه – أى للكاهن - اسم المسيح، وفى مقابل ذلك سيعطيه الكاهن ما يشتهى من ثروة وجاه ونفوذ؟!!... وقبل الشاب المبادلة، وسار فى إتجاه بيته القديم، ليجد أباه فى ضجعة الموت، وقال له الأب: إنى آسف يابنى لأنى عاملتك هذه المعاملة القاسية... هل لك أن تعلمنى عن السر المسيحى؟ وارتبك الشاب وهو يقول: « انتظر يا أبى قليلا... حتِى أشرح لك السر!!. وقال له الأب: لا أستطيع الانتظار، ومات بين يديه!!... وصرخ الشاب وهو يدرك أن سر تلعثمه راجع إلى أنه خضع للتجربة، فبكى وهو يقول « ويل لى إنى هلكت » وانحنى أمام اللّه تائباً!!... لقد عرت الرؤيا الإلهية إشعياء وشعبه، فرأي البرص يملأه ويملأ الأمة بأكملها!!... عندما رأى بطرس جلال المسيح صاح: « أخرج من سفينتى يارب لأنى رجل خاطئ» "لو 5: 8 " نرى هل رأيت هذه الصورة أيها القارئ وأنت فى حضرة اللّه؟!!. الرؤيا والتطهير ما أن اعترف إشعياء بخطيته حتى أدرك فى الحال ما قاله الرب على لسانه: « هلم نتحاجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج إن كانت حمراء كالدودى تصير كالصوف » (إش 1: 18).. ولم يحتج إلى وقت حتى يظهر، إذ طار واحد من السرافيم، وقد أخذ جمرة من على المذبح ومس بها شفتيه، والسؤال: لماذا هى جمرة، ولماذا أخذت من على المذبح!!؟ إنها جمرة لأنها تشير إلى عمل الروح القدس النارى... ومن على المذبح لأنها تشير إلى عمل المسيح الكفارى... واللّه ينتزع خطايا إشعياء وخطاياى وخطاياك بفداء المسيح، وتأثير الروح القدس،... ولعلنا نلاحظ هنا أن السيد لم يوبخ إشعياء على خطاياه، أو ينظر إليه بغضب، أو يذله بها، بل سارع فى الحال إلى تطهيره عندما اعترف بها.جاء فى قصة أن أحد المؤمنين القديسين بعد أن تتجدد عرض للكثير من الضعفات والتجارب التى أسقطته، وحلم ذات يوم أنه ذهب إلى السماء، وإذ رأى المسيح أحنى رأسه خجلا، وقال: يا سيدى إن خطاياى كثيرة... وأنا حزين عليها!!... ولشدة دهشته سمع السيد يقول: « إنى لا أذكر البتة خطية لك، لقد محوتها جميعاً!!.. الرؤيا والرسالة «من أرسل ومن يذهب من أجلنا؟ ».. " إش 6: 8 " ونحن نلاحظ هنا أن اللّه لم يوجه الدعوة مباشرة إلى إشعياء أو يأمره بها، لقد أعطاه مطلق الحرية للاختيار أو الرفض، … وهو القائل دائما: إن أراد أحد أن يأتى ورائى!!.. " مت 16: 24 “ ومن العجيب أن الدولة لا تترك لأحد أبنائها الحرية ليقبل الواجب أو يرفضه، فالمواطن لا يدفع الضريبة بالاختيار، والجندى لا يذهب إلى الجندية بملء إرادته، لكن اللّه لا يرغم أحداً على الرسالة التى يلزم أن يؤديها!!.. إنه يطلق النداء العام، وعليك أن تقبل أو ترفض،.. وقد أجاب إشعياء على الرسالة بالإيجاب وهو يقول: « ها أنذا أرسلنى » … " إش 6: 8 "… ومع أن الرسالة كانت من أصعب الرسائل وأقساها، إذ تحدث عن خراب بلاده لأنها لا تطيع اللّه، والنفس التى لا تطيع، معرضة للضياع على الدوام!!،كان على الرجل الذى ترك حياة القصور أن يدفع الضريبة، فى سبيل الخدمة، … وقد فعل على أعظم وجه يمكن أن يفعله نبى أو رسول أو خادم للّه فى الأض!!.. إشعياء والفكر اللاهوتى فى سفره سفر إشعياء غنى بالأفكار اللاهوتية، ومع أنه ليس من السهل حصرها فى صفحات، إلا أنه يهمنا أن نركز النظر على أهم صورها!!.. ويمكن أن نراها بوضوح فى: سيادة اللّه ومن الواضح أن إشعياء علم بوضوح وحدانية اللّه فهو، يذكر: « أنا الرب وليس آخر، لا إله سواى... أليس أنا الرب ولا إله آخر غيرى. إله بار ومخلص. ليس سواى » " إش 45: 5، 21 ".. هذا الإله المهيب العظيم المرتفع، الذى يعلو على كل متعظم وعال: « أدخل إلى الصخرة واختبئ فى التراب من أمام هيبة الرب ومن بهاء عظمته، توضع عينا تشامخ الإنسان وتخفض رفعة الناس ويسمو الرب وحده فى ذلك اليوم. فإن لرب الجنود يوماً على كل متعظم وعال، وعلى كل مرتفع فيوضع » " إش 2: 10 - 12 "... وستسقط أمام عظمة اللّه كل الآلهة التى هى من صنع الناس: « وامتلأت أرضهم أوثاناً، يسجدون لعمل أيديهم، لما صنعته أصابعهم... وتزول الأوثان بتمامها... فى ذلك اليوم يطرح الإنسان أوثانه الفضية وأوثانه الذهبية التى عملوها له للسجود للجرذان والخفافيش ليدخل فى نقر الصخور، وفى شقوق المعاقل من أمام هيبة الرب ومن بهاء عظمته عند قيامه ليرعب الأرض » " إش 2: 8، 18، 20، 21 " « الذين يصورون صنما كلهم باطل ومشتهياتهم لا تنقطع وشهودهم هى. لا تبصر ولا تعرف حتى تخزى.. من صور إلهاً وسبك صنما لغير نفع » (إش 44: 9، 10).. وأمام سيادة اللّه وعظمته، ما هو الإنسان، مهما علا شأنه وامتدت قوته؟ أنه كما صوره إشعياء: « كفوا عن الإنسان الذى فى أنفه نسمة لأنه ماذا يحسب » " إش 2: 22 ".. « الجالس على كرة الأرض وسكانها الجندب الذى ينشر السموات كسرادق ويبسطها كخيمة للسكن. الذى يجعل الغطاء لا شيئاً ويصير قضاة الأرض كالباطل … فبمن تشبهوننى فأساويه يقول القدوس؟ ارفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه. من الذى يخرج بعدد جندها يدعو كلها بأسماء لكثرة القوة، وكونه شديد القدرة لا يفقد أحد. لماذا تقول يا يعقوب وتتكلم يا إسرائيل قد اختفت طريقى عن الرب وفات حقى إلهى. أما عرفت أم لم تسمع؟ إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكل ولا ويعيا. ليس عن فهمه فحص. يعطى المعيى قدرة ولعديم القوة يكثر شدة الغلمان يعيون ويتعبون والفتيان يتعثرون تعثراً وأما منتظرو الرب فيجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون " إش 40: 22، 23، 25 - 31 ". قداسة اللّه وقد سمع إشعياء فى الهيكل هتاف السرافيم: « قدوس قدوس قدوس »، والتعبير فى مفهومه العبرى تعبير عن القداسة الكلية المرتفعة المتعالية، وهى عندنا - كمؤمنين بالثالوث - هى الصفة الإلهية للاب والابن والروح القدس وهى ليست مجرد الانفراد والعزلة عن الخطية، أو الكمال الأدبى المطلق، بل هى - أكثر من ذلك - السمو المرتفع الذى ينفرد به اللّه وحده!!.. وهذه القداسة هى التى لا يمكن أن تتقابل مع الخطية أو تتهاون معها،.. والخطية هى القذارة والاتساخ والبرص، ولهذا صرخ إشعياء فى التو والحال: « ويل لى إنى هلكت لأنى إنسان نجس الشقتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينى قد رأتا الملك رب الجنود » " إش 6: 5 "... والخطية هى العصيان: « ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا على ّ » " إش 1: 2 " وهى المرض: « من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية. لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت ».. " إش 1: 6 " وإشعياء يؤكد أن عقابها رهيب، وأن يوم اللّه لابد أن يقضى على الخطية والخطاة. الإيمان باللّه والإيمان، عند إشعياء، يرتبط بالسكينة والهدوء، والاطمئنان والأمن: « إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا » " إش 7: 9 " « من آمن لا يهرب » " إش 28: 16 " « لأنه هكذا قال السيد الرب قدوس إسرائيل بالرجوع والسكون تخلصون بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم » " إش 03: 51 ".. وهو الذى يعطى الإنسان السلام العميق فى وسط زوابع الحياة وعواصفها!!.. خلاص اللّه وقد رأى إشعياء عمانوئيل، والابن العجيب، الإله السرمدى، يتدخل بالخلاص فى حياة الأمة، ويكفى أن نركز أبصارنا آخر الأمر على الأصحاح الثالث والخمسين من سفر إشعياء،.. وقد صاح جيروم عندما بدأ فى ترجمته من العبرانية إلى اللاتينية وهو يقول: « بالتأكيد إن هذا الأصحاح من مبشر فى العهد الجديد أكثر منه من نبى فى العهد القديم!!.. وقال ديلتش العالم الألمانى العظيم فى اللغة العبرانية والمفسر المشهور فى القرن التاسع عشر: « إن الأصحاح الثالث والخمسين من سفر إشعياء، يبدو كما لو أن كاتبه كتبه وهو تحت الصليب فى الجلجثة... إن هذا الأصحاح هو الأصحاح المركزى، إنه أعمق وأسمى أصحاح، فى العهد القديم »، وقد حاول البعض أن يعتبره موجهاً إلى إسرائيل ورمزاً له، لكن هؤلاء لم يستطيعوا أن يفسروا كيف ينطبق هذا على إسرائيل فى الأوضاع المختلفة، وهو يشير إلى فرد بوضوح لا يقبل شكاً، بل إن هذا الأصحاح يتحدث عن شخص سيكون ضحية لأجل آخرين وإسرائيل لم يكن فى يوم من الأيام هذه الضحية،.. إن هذا الأصحاح هو حديث عن المسيح لا سواه!!.. ولعله من الملاحظ أن الجزء الأخير من الأصحاح الثانى والخمسين، وهو مرتبط تماماً بالأصحاح الثالث والخمسين، قد تحدث عن مجد المسيح، قبل أن يتحدث عن اتضاعه، وهو يرينا الحقيقة المؤكدة قى قصد اللّه الأزلى، أن الصليب سينتهى إلى المجد، وهذا المجد ليس أكيداً فحسب، بل هو عظيم ورائع أيضاً!!.. فإن نصرته ستكون حاسمة، وستسكت الملوك والأمراء والأمم والأجيال!! ومن المؤسف أن إسرائيل كثيراً ما رفض أن يصدق ما أعلنه الرب، وأظهر به ذاته وذراعه،... وقد نبتت آلام عبد الرب أو المسيح من مولده فهو العود الرطب الذى نبتت فى الأرض اليابسة، وجاء من أم فقيرة قروية، ولم يكن له أين يسند رأسه، ومع أنه أبرع جمالا من بنى البشر، إلا أن الحياة القاسية التى وجد فيها، لم تجعل الناس يتطلعون إليه ليبصروا جماله أو يشتهوا منظره... إن مأساة البشر أنهم ينظرون إلى الجمال عندما تحف به المظاهر الخداعة، والأوضاع الشكلية،.. وعندما جاء المسيح إلى أرضنا خلواً من هذه المظاهر احتقره الناس، ولم يحتقروه فحسب، بل خذلوه أيضاً، أو فى لغة أخرى، إن الاحتقار لم يكن سلبياً ساكناً فحسب، بل أكثر من ذلك كان متحركاً موجعاً، قد يحتقر إنسان آخر دون أن يتعامل معه، ويظل احتقاره تعبيراً دفيناً فى القلب، ولكن المسيح لم يحتقر فحسب، بل خذل من الناس الذين رفضوا مجيئه ونداءه ورجاءه وشركته. وقد تحول هذا إلى وجع عميق فى قلبه. وإلى حزن عميق فى نفسه، فحوله إلى رجل أوجاع ومختبر الحزن. وما يزال المسيح إلى اليوم يعانى من هذا الوضع من الكثيرين فما يزال الكثيرون يحتقرونه، ويخذلون آماله فيهم، ومايزال يبدو أمامنا، وقد رفضه الناس، رجل الأوجاع والخبير بالألم والحزن العميق. ومن الملاحظ أن النبى كشف عن الألم النيابى للمسيح، إذ أن الذين رأوا الألم فى ظاهره ظنوه ألماً أصيلا أو عقاباً: « ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من اللّه مذلولاً ».. " إش 53: 4 ".. لكن الأمر لم يكن كذلك، بل كان الألم النيابى الذى يحمله إنسان لأجل آخرين، وقد حمل المسيح أحزان الناس وأوجاعهم، إذ رفعها عن كاهلهم، لقد جال هو فى أرض فلسطين، ورأى المرضى والمتألمين والحزانى، فرفع عنهم أحزانهم وأوجاعهم ومراضهم وفى سبيل ذلك تعب هو وتوجع وأن... على أنه فى المعنى الأعمق، حمل عنا أوجاع الخطية وشرها وإثمها على الصليب، ولم تكن الآلام النيابية آلاماً هينة، بل كانت فى منتهى القسوة والعنف، فهو لم يجرح من أجل معاصينا فحسب، بل سحق أيضا بالحزن والعار الذى كسر قلبه...، ولم يؤدب، بل ضرب بالسياط، وقد كان هذا من أجلنا نحن العصاة الأثمة المتمردين، ولم يكن هناك من سبيل إلى الخلاص من عصياننا وشرنا وتمردنا والعودة إلى السلام والصحة، إلا بآلامه من أجلنا، فهذه آلام كفارية تكفر عنا أمام اللّه، وفى الوقت نفسه مطهرة تشفينا، وتعيدنا إلى صوابنا عندما نقف أمام آلامه من أجلنا!!... لقد ضللنا وأثمنا، ولكنه كان هو حمل اللّه الذى يرفع خطية العالم!! على أنه من الواضح أيضاً أن آلام المسيح لم تكن قهراً أو رغماً عنه، قد يؤخذ الجندى ليموت من أجل بلده، ولكنه يؤخذ فى كثير من الأحايين قهراً، أما المسيح فقد كان موته اختيارياً تطوعياً. ظلم فقبل الظلم والمذلة، دون أن يحتج أو يشكو، ولقد كان مثلا عجيباً فى تحمل الضغط والدينونة عندما حكم عليه، وهكذا بدا فى موته عظيماً، لأنه تطوع بهذا الموت لأجل الآخرين!!.. ومن العجيب أن تكون هذه الآلام برضى اللّه وسروره، إذ سر بأن يسحقه بالحزن، وقد سر اللّه بهذه الآلام إعلاناً عن محبته للخطاة، وتأكيداً للنصر الذى سيتأتى عنها، وقد كانت هذه مشورة الرب لخلاص البشر!! كان إشعياء - كما أسلفنا - يعنى « خلاص الرب » وقد أدنانا - فى حديثه عن سيادة الرب، وقداسته، والإيمان به - من الخلاص العجيب الذى أعده لنا اللّه كاملا على هضبة الجلجثة، والذى يدعونا إليه بقوله العظيم الكريم: التفتوا إلى واخلصوا يا جميع أقاصى الأرض لأنى أنا اللّه وليس آخر »..!!.. " إش 45: 22 ".
المزيد
16 ديسمبر 2020

نساء خسرن أزواجهن!

الزوجة الحكيمة تكون مصدر سعادته لزوجها, كواحة يانعة مملوءة بالزهر والثمر يرجع إليها من صحراء العمل ومشقته غير أن بعض النساء للأسف الشديد لم يعرفن الهدف السليم من الحياة الزوجية, وكيف تكون مجالًا للسعادة المشتركة..! وأخطأن الوسائل فكانت النتيجة أنهن خسرن أزواجهن!! ومن بين هؤلاء ثلاثة أو أربعة أنواع سوف نذكرها:- 1- المرأة الشديدة الغيرة:- ما أشد هول تلك المرأة العنيفة في غيرتها, التي تعتمد في ذلك على حساسية شاذة غير طبيعية. فتغار على زوجها إن كان وسيمًا جدًا وناجحًا بدرجة يحيطه المعجبون والمعجبات. أو إن كان لطيفًا ومرحًا, ينظر إليه الجميع في حب وبشاشة. فتغار هذه الزوجة إن رأته يكلّم امرأة في لطف, أو يبتسم في وجهها, أو أن ابتسمت تلك المرأة أو ضحكت في مرح أثناء الحديث معه حينئذ تحارب الظنون والأفكار هذه الزوجة, فتحطمها من الداخل. وهى تتولى بدورها تحطيم الزوج. فتفرض عليه رقابة وحظرًا, وتوبخه على بشاشته مع امرأة أخرى, وتسئ فيه الظنون.هي تريده عصفورًا جميلًا تحبسه في قفص, لا يراه أحد. يكفى أن تراه هي! ولا يكلّم أحدًا غيرهًا, ولا يبتسم لغيرها, ولا يكون بشوشًا مع أحد!! وهكذا يفقد الزوج كل علاقاته الاجتماعية, لترضى هي عن تصرفاته.. وإلا صار البيت جحيمًا تسوده الشكوك والظنون, والمناقشات كل يوم, والتحقيقات ومحاولة الانتقام أو الشكوى. وقد يكون الرجل بريئًا جدًا. وقد تكون طبيعة عمله من النوع الذي يستلزم لقاءات مع كثيرين وكثيرات ولا ينجح فيه إلا باللياقة والبشاشة. ولكن زوجته تتعبها الغيرة فتتعبه!وقد تأخذ الغيرة عند الزوجة مظهر آخر, فقد تغار من جهة حبه لأمه أو أخته أو بعض أفراد أسرته. أو من إنفاقه على أخ أو قريب. وتظن أنه يحب أهله أكثر منها, أو أنه يخضع لمشورتهم أكثر منها. وتلهبها الغيرة حتى تريد أن تحرمه من كل أحبائه. فلا يحب أحد سواها!!وفى وقت الغيرة لا تفكر فيه ولا راحته. إنما تفكر في ذاتها فقط. وما على الرجل إلا أن يخضع لمشاعرها, ولا تهمها النتائج ولا الإحراجات التي يقع فيها... وإلا فإنها تتهمه بعدم محبته لها وبالخيانة وعدم الإخلاص..!ويحاول الرجل أن يجد حلًا ولا يستطيع. ويشرح الأمور ولا تقبل منه. ويتحرج الجو, ويتهدد البيت بالانهيار. إذ يشعر الزوج أن ثمن إرضائها هو أن يخسر الكل بسبب ظنون لا وجود لها في عالم الحقيقة. ولكنها موجودة في أتون الغيرة!! 2- المرأة المسرفة في التحقيق:- وهى الزوجة الدائمة التحقيق مع زوجها, حتى في صميم خصوصياته! فقد تحقق معه في الأمور المالية: ماذا يدخل إلى جيبه وكيف يصرفه؟ ولمن يعطى؟ ولماذا؟ وهل من اللائق أن يصرف هكذا؟ وأين الحكمة؟ وتحقق معه في تفاصيل مواعيده: لماذا يخرج الآن؟ ولمَ لا يتغير الميعاد؟ وأين يقضى الوقت كله؟ ولماذا يرجع متأخرًا؟ وما أهمية هذا الموعد؟ ولماذا لا يلغيه؟ وماذا ولماذا إلى غير حد..! وتحقق معه في علاقاته: كل علاقاته, مع كل أحد. ما نوعها؟ وما محصولها؟ وماذا حدث؟ وماذا قالوا لك؟ وماذا فعلوا؟ وماذا فعلت؟ ولماذا؟ بل قد تحقق معه في أكله وشربه, وفي ملبسه, وفي كلامه, وفي عمله! ويشعر الزوج أنه قد تزوج "وكيل نيابة" أو "أمن دولة"! ويشعر بأنه مضغوط عليه في حريته. وأنه محتاج أن يهرب من الأسئلة ومن الإجابة. وإن ضيّقت عليه الخناق, يرى أنه محتاج أن يهرب من البيت كله, ومن هذه المرأة البوليسية التي تطارده بتحقيقاتهاأما المرأة التي تحب زوجها, فإنها تتركه ليخبرها بنفسه دون أن تضغط عليه بالسؤال. وما يقوله, تقابله بقلب محب مفتوح. وما لا يريد أن يقوله, تتركه إلى حريته بدون إحراج, وبدون تطفل, وبدون ضغط أو تحقيق. 3- المرأة النكدية:- إن الرجل ينتظر من زوجته أن تستقبله في البيت بوجه بشوش يفرحه, ويدخل السعادة إلى قلبه وينسيه ما يُقاسيه في العمل من تعب وصدامات... أما إن قابلته زوجته بوجه عابس أو بالدموع والبكاء, وملأت البيت حزنًا ونكدًا, فإنها بدلًا من أن تحمل عن زوجها متاعبه, فإنها تضيف إليه تعبًا جديدًا! وللأسف يوجد نوع من النساء يمكن أن يُسمىّ بالمرأة النكدية, التي يمكنها بسهولة أن تحوّل البيت إلى نكد. والتي تغضب لأتفه الأسباب, أو بلا سبب. ويشعر الزوج أن من الصعب إرضاءها! وأنها تخلق مشاكل, وتعقد الأمور, أو تثير نقاشًا حادًا حول أبسط المسائل. وأنها دائمًا غاضبة, دائمًا حزينة وكئيبة, دائمًا ساخطة!! هذه الزوجة لا تبدو في الصورة التي خلق بها الله المرأة, في لطفها ورقتها, وإشاعتها السرور, وفي رسالتها كمُعين للرجل وكثير من الرجال يتبرمون بالمرأة النكدية ولا يحتملونها. أو يحتملونها إلى حين ثم لا يستمرون. وكثيرون منهم يخرجون من البيت, ويبحثون عن السعادة خارجه, في المقهى, أو في النادي, أو بين الأصدقاء والمحبين والمعارف, أو في أي نشاط آخر... بعيدًا عن النكد وهكذا شيئًا فشيئًا تخسر المرأة زوجها, إذ لا يجد سعادته إلى جوارها!! نقول كل هذا, لكي تتعظ أولئك الزوجات اللائي يتصفن بالغيرة الزائدة, وبالرغبة في التحقيق, ودوام النكد, ويبدأن في تغيير ذلك الأسلوب الذي نتيجته أن يخسرن الزوج.. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل