المقالات

21 يونيو 2020

كيف يخدم الخادم نفسه

فأنت إذا الذي تعلم غيرك ألست تعلم نفسك (رومية 2 : 21) نتكلم كثيراً عن المخدوم وكيف نخدمه ونبنيه لاهوتياً وروحياً ونفتقده ونتعامل مع مشكلاته، وقليلاً ما نتكلم عن الخادم نفسه واحتياجاته حتى أنه مع الوقت قد تصير قداسة الخادم وعصمته أمراً بديهياً مفروغاً منه لكونه خادم ! لا سيما الخدام أصحاب الأسماء والحيثيات والتاريخ (وربما يكون قد أصبح خاوياً) وننسى أن الخادم هو أيضاً مخدوم هو أيضاً له احتياجات عندما قال القديس ايرينيئوس أن "الأسقف هو تائب يقود تائبين" كان يقصد بالطبع أننا جميعاً فى سفينة واحدة نجدف معاً لنصل معاً وليس كأنّ الخادم قد وصل إلى البر وهو الآن يحاول انقاذ المخدومين ! لذلك انتبهوا أن الله لا يوقف خلاص أنفس المخدومين على القامة الروحية للخادم (إذا ضل أو شرد أو تزوج فانشغل أو ترك الخدمة لأي سبب ما ذنب الأولاد أو انحرف فى التعليم حقيقي أنهم يتأثرون ولكننا نقول هذا على سبيل تحذير الخادم من العثرة نتكلم ويصدقنا الناس ويصادقوا على ما نقول, يطيعون ويسمعون لنا, ولنا تلاميذ كثيرين، عدد كبير منا له اسم قارئ فاهم دارس, بل هناك ما يسمّى بحسن الكلام شخص مهنته الكلام لبق خطيب مفوّه رنان العبارات له حضور و"كاريزما" جاهز أوراقه وحقيبته وسيارته هو تحول إلى "كاسيت" جاهز للكلام .. الخ. إذن هو على مستوى أن يرشد ويعطي الآخرين جاهز ولكن أين هو أو كما يقول قداسة البابا "بضاعته للتصدير وليس للاستهلاك المحلي !". ولكن أين نصيبك ما هى المصادر التى تحصل منها على احتياجك الشخصى إنه لا يحق لشخص ما أن يكون معلماً ما لم تكن له روح التلمذة وفى التدبير الروحي لا يعطى لشخص تدبير ما لم يعشه هو، فلا نحمل الناس الاحمال العثرة دون أن نمسها بأحد أصابعنا (متى 23) هناك علاقة بين المتكلم والسامع، إذا كان مؤمنا بما يقول سوف يؤمن الذين يسمعون وإذا كان متضعاً فسوف يتعلمون أن يتضعوا..الخ. بل كثيرا ما يصبح التلميذ افضل من معلمه والأخطر من ذلك أن يكون التلميذ قد تعلم من معلمه الفضائل في البداية ، ثم تراجع المعلم وتقدم التلميذ وفي بعض الأوقات قال الآباء أن التلميذ صار بطاعته أفضل من معلمه لعل يوم الدينونة سيكون يوم مفاجآت قمم ورموز ومشاهير تتساقط وُيحضر الله المرزولين والمهمّشين والمحتقرين والذين فى الظل ويرفعهم، بينما يتهاوى أولئك في ذلك يحذر أحد الآباء قائلاً احذر من التواني لئلاّ تخزى في قيامة الصديقين، هناك ُيبصرك أقاربك ومعارفوك فيقولون لك ظنناك حملاً فوجدناك ذئباً !! إن الأمر يحتاج إلى وقفة بين آن وآخر تخيل أنك شخص آخر واخرج خارج نفسك وابحث عن نقطة ارتكاز خارج دائرتك ولتكن لك محطات إجبارية أليس من الأفضل أن يخدم الخادم ستة أيام بدلاً من سبعة من أجل تفعيل خدمته ؟ حقاً إن الشمس الساطعة تدفيء والُمروى هو أيضاً يروى ولا شك أن الذى يؤثر فى الآخرين هو شخصية الخادم وليس كلامه وبالتالي يمكن للخادم أن يصبغ كنيسته كلها بصبغة نسكية أو عقلانية أو لاهوتية إن هناك خطورة شديدة على الخادم الذي ليس له مخدع وليس له وجبات يشبع بها هو، وليس للتحضير فقط واختيار ما يصلح للمخدومين، وهذا هو الفرق بين شخص يقرأ ليستنير ويرتوي وآخر يقرأ لينقل للآخرين ما حصّله، ولقد كان الآباء يمدحون البعض قائلين "الآب العامل العالم" وهو ما قاله السيد المسيح "وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السماوات (متى 5 : 19). كما أن الحجم الطبيعى للخادم يظهر داخل المخدع وليس أمام الآخرين ممن يمتدحونه ويثنون عليه كثيرا أخشى ما أخشاه أن يتحصن الخادم مع الوقت ضد الإنجيل والتوبة فل يقبل النصح ولا الانتقاد حتى لو كان فيه خلاص نفسه يقول القديس بولس محذراً "حتى بعدما كرزت للاخرين لا اصير انا نفسي مرفوضا (1كو 9 : 27). نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
20 يونيو 2020

المقالة الثانية توبيخ لذاته واعتراف

يا إخوتي تأملوا معى وليكن لكم تحنن ورأفات، فإنه ما قال الكتاب الإلهي باطلاً: ” أن الأخ الذي يعينه أخوه يكون كمدينة حصينة شاهقة لأنه يقدر كاقتدار المملكة المتوطدة “ ويقول أيضاً: ” ليعترف بعضكم لبعض بالخطايا، وليصلى بعضكم لبعض لتشفوا “اقبلوا أيها المختارون من اللـه وسيلة ممن عاهد أن يرضى اللـه فكذب على خالقه، لكى ما بطلبتكم أنجوا من الخطايا المطيفة بى فأصير معافى وأنْهض من سرير الخطية المفسدة فإنى منذ طفولتى صرت إناءً طالحاً ومرفوضاً والآن إذ أسمع بالدينونة أتَهاون بما أن لى خطايا وجرائم تفوق العظم وأعظ آخرين أن يبتعدوا من الأشياء التى لا تنفع وتلك الأشياء تكمل منى مضاعفة ويلى فى أى يأس قد وقعت، ويلى فى أى خزى قد حصلت، ويلى لأن باطنى ليس كظاهرى فلهذا إن لم تشرق علىَّ رأفات اللـه سريعاً فليس لى من أعمالى ولا رجاء واحد للخلاص لأننى أتكلم على الطهارة وأتفكر فى الفجور، أنشئ أقوالاً على عدم التألم وفىَّ موجود الهذيذ فى الآلام النجسة ليلاً ونَهاراً فأى اعتذار لى ويلى أى فحص قد أستعد لى بالحقيقة أن زي الديانة الحسنة موضوع علىَّ وليس فىَّ قوتِها بأى وجه أتقدم إلى الرب الإله العارف مكتومات قلبى وأنا مديون بمثل هذه المساوئ ؛ وأجزع أن أقوم فى الصلاة لئلا تنحدر علىَّ من السماء نار فتبيدنى، لأنه إن كان الذين قَدموا فى البرية ناراً غريبة خرجت من الرب ناراً فأحرقتهم فماذا انتظر أنا، ومثل مقدار هذه الذنوب موضوع علىَّ ؟فماذا هل أقطع رجائى من خلاصى ؟ حاشا. لأن هذا هو الذى يحرص عليه المضاد انه إذا أنحضر أحد إلى اليأس حينئذ يقبض عليه هو، فأنا لا أيأس من نفسى لأننى أثق برأفات اللـه وبتوسلاتكم، فلا تفتروا إذا من التضرع إلى المتعطف لكى يعتق قلبى من عبودية الآلام المحتقرة فقد عمىَّ قلبى واستحال فكرى المتدين حسناً وأظلم ذهنى فرجعت وصرت مثل الكلب العائد إلى قيئه فليس ذهنى نقياً، ولا دموع لى فى صلاتى، إن تنهدت نشف ماء وجهى، من الخزي أقرع صدرى فهو خزانة الآلام لك المجد أيها المحتمل، لك المجد أيها المتمهل، لك المجد أيها المتأنى على البشر، لك المجد أيها المتعطف على الناس، لك المجد أيها الصالح، لك السبح أيها الحكيم وحدك، لك المجد أيها المحسن على النفوس والأبدان لك المجد أيها المشرق شمسه على الأشرار والأبرار، والممطر على الصديقين والظُلام، لك المجد أيها المغذى كافة الأمم وكل الطبيعة البشرية مثل إنسان، لك المجد أيها المغذى طيور السماء والوحوش والدواب والبرايا المائية مثل عصفورٍ حقيرلأن كافة البرايا تنتظر لتعطيها قوتَها فى أوانه لأن عظيمة قدرتك ورأفاتك مسبوغة على سائر أعمالك فلهذا يارب أطلب ألا تطرحنى مع القائلين يارب يارب ولا يعملون مشيئتك، بشفاعة كافة الذين أرضوك لأنك أنت تعرف الآلام المكتومة فىَّ وأنت خبير عالم بجراحات نفسى أشفينى يارب فأبرأ جاهدوا يا إخوة معى بالصلوات طالبين رأفات خيرية اللـه ؛ ونفسى التى تمررت من الخطايا حلوها من الكرمة المحقة التى غصونِها هى لكم، اعطوا العطشان من ينبوع الحياة الذى قد أُهلتم لخدمته أنيروا قلبى يا من صرتم أبناء النور ؛ أرشدونى أنا الضال إلى طريق الحياة يا من ثبتم فيها، أدخلونى فى الباب الملكى كما يُدخل السيد عبده، يا من قد صرتم للملك وارثين فإن قلبى قد أنسكب فلتدركنى بتوسلاتكم رأفات اللـه قبل أن أُجتذب مع عاملى الإثم فهناك تنكشف سائر الأفعال فى الظلمة وفى الجهر فأى شيء يدركني إذا رآنى مديوناً، أين الذين يقولون الآن أننى بلا عيب قد خليت الصناعة الروحانية وخضعت للآلام لا أريد أن أتعلم وأشاء أن أُعلم، لا أريد أن أُطِيع وأشاء أن أُطَاع، لا أختار أن أتعب وأريد أن أُتعِب، لا أشاء أن اعمل وأشاء أن أشجع على العمل، لا أشاء أن أُكرِم وأشاء أن أُكرَم لستُ أشاء أن أُعيَّر وأشاء أن أعيِّر، لا أريد أن أُحتقَر وأشاء أن أحتَقِر، لا أريد أن يتكبر علىَّ أحد وأشاء أن أتكبر، لا أختار أن أُوَبَخ وأشاء أن أُوَبِخ، لا أريد أن أَرحَم وأشاء أن أُرحَم، لا أشاء أن أُنتَهر وأريد أن أَنتَهِر، لا أريـد أن أُظلَم وأشاء أن أَظلِم لا أختار أن أُضَر وأشاء أن أُضِر، لا أريد أن أُغتاب وأشاء أن أَغتاب، لا أشاء أن أَسمع وأريد أن أُسمع، لا أشاء أن أُمَجِّد وأريد أن أُمَجَد، لا أشاء أن أُمسَك وأريد أن أمسِّك، حكيماً فى الوعظ لكنى لستُ فى العمل حكيماً، أقول ما يجب أن يُعمل وأعمل ما لا ينبغى أن يقال من ذا لا يبكى علىَّ، أبكوا علىَّ أيها الأبرار والصديقون أنا المضبوط بالآلام، أبكوا أيها المحبون النور والباغضون الظلمة على المحب لأعمال الظلمة لا لأفعال النور، أيها المختبرون أبكوا على المنفى غير المختبِرأيها الرحومون أبكوا على المرحوم والمفرط، أيها الصائرون فوق كل مذمة أبكوا على الغريق فى الآثام، أيها المحبون الخير والمبغضون للشر أبكوا على المحب للأفعال الخبيثة والمبغض للأعمال الصالحة، أيها المتمسكون بالسيرة ذات الفضيلة أبكوا على الذى ترك العالم بالذي فقط أيها المرضون للـه أبكوا على المرضي للناس، أيها المقتنون المحبة التامة أبكوا على أنا الذى أحب قريبى بالأقوال وابغضه بالأفعال أيها المهتمون بأنفسكم أبكوا على المهتم بالأشياء الغريبة، أيها المقتنون للصبر والمثمرون للـه أبكوا على الغير صبور والعادم الثمرأيها المشتاقون إلى الأدب والتعليم أبكوا على الفاقد الأدب والمرفوض، أيها المتقدمون إلى اللـه بلا خجل أبكوا علىَّ أنا الغير مستحق أن أتفرس وابصر علو السماء، أيها المقتنون وداعة موسى أبكوا علىَّ أنا الذى أضعتها باختيارى، أيها المقتنون عفة يوسف أبكوا علىَّ أنا الذى دفعتها وطرحتها، أيها المحبون مسك دانيال أبكوا علىَّ أنا الذى عدمتها باختيارى يا من اقتنوا صبر أيوب أبكوا علىَّ أنا الذى صار غريباً منه،يا من اقتنيتم مثل الرسل فى عدم اقتنائهم عدم القنية أبكوا علىَّ أنا المبتعد منها بعيداً أيها المؤمنون والراسخ قلبهم فى الرب أبكوا على الضعيف النفس والجبان، أيها المحبون للنوح والرافضون للضحك أبكوا على المحب للضحك والمبغض للنوح، يا من حفظتم هيكل اللـه بلا دنس أبكوا علىَّ أنا الذى قد دنسته ووخسته يا من يتذكرون الفراق والطريق التى لا عفو منها أبكوا على الغير ذاكر ولا مستعد لهذا السفر، يا من تصورت فى عقولهم الدينونة التى بعد الموت أبكوا على المعترف بذكرها والفاعل ضدها، يا وارثى ملكوت السموات أبكوا على وارث جهنم النار ويلى أنا الذى لم تترك فىَّ الخطية عضواً صحيحاً أو حاسة لم تفسدها وأنا لا هم لى والموت على الأبواب قد وقف وأنا لا هم لى يا إخوتى هاأنذا قد كشفت لكم كلوم نفسى فلا تتوانوا فىَّ أنا المتألم لكن اطلبوا من الطبيب فى أمر السقيم، إلى الراعى من أجل الخروف، إلى الملك من أجل الأسير إلى الحياة من أجل المائت لأنال الخلاص الذى بيسوع المسيح ربنا من الخطايا المطيفة بى ويرسل نعمته ويؤيد نفسى التى تزلق بسرعة، فإنى مستعد لمقاومة الآلام وحين ملاحمتى إياها تحل رداءة حيلة الثعبان باللذة نفسى وتقيدنى مأسوراً وانشط أن أجذب المحترق فتطرأ علىَّ حرارة النار فتجذبنى إلى وسط لهيبها، اطفر إلى استخلاص الغريق ومن عدم التدريب أغرق معه اشتهى أن أصير طبيباً للآلام وأنا نفسى مضبوط بِها وعوض المداواة أجرح من المريض، أنا لم أزل أعمى وأروم أن أرشد العميان فلذلك أنا محتاج إلى صلوات كثيرة حتى اعرف قدري ولكى تظللنى نعمة المسيح وتضئ قلبى المظلم وتسكن فىَّ عوض الجهالة معرفة إلهية ؛ لأنه لا يصعب على اللـه كل كلمة، هو منح شعبه فى البحر الذى لا يُسلك مسلكاً، هو أمطر لهم المن ومن البحر أرسل لهم سلوى كرمل البحر.هو منح العطاش ماء من صخرة صلبة، وهو وحده خلص بصلاحه الواقع بين اللصوص؛ وبتحنن صلاحه يخلصنى أنا الواقع فى الخطايا المغلوب مثل مكبل بسوء الرأى ؛ فليست لى دالة لدى فاحص القلوب والكلى ولا يستطيع أحد أن يشفى وجع نفسى إلا هو العالم أعماق القلب كم من مرة وضعت فى ذاتى حدوداً وابتنيت حيطاناً بينى وبين الخطية المخالفة للشريعة ؛ وبين المعاندين الذين يخطرون من النتائج المضادة الخواطر للحرب فعبر ذهنى التخوم وهدم الحيطان لأن التخوم لم تكن لها قوة صائنة بخشية ممن هو أفضل من الكل والحيطان لم تأسس على التوبة الخالصة فلذلك اقرع الآن ليفتح لى؛ وألبس طالباً لأنال المطلوب كمن لا خجل له اطلب أن اُرحم يارب ؛ أنت أيها المخلص قد وهبت لى خيريتك وأنا كافأتَها بالمساوئ ؛ تمهل على أنا الجافى فلست أسأل عفواً عن كلمات باطلة بل إنما اطلب من خيريتك صفحاً عن أعمالى التى لا بر فيها يارب جددنى من كل فعل خبيث قبل أن يدركنى الموت حتى أجد فى ساعة الوفاة نعمة أمامك لأن ليس فى الهاوية من يشكرك يارب خلص نفسى من المخافة المنتظرة وبيض حلتى المتسخة من أجل رأفاتك وصلاحك لكى إذا سربلتنى بالبياض أنا الغير مستحق أؤهل لملكوت سماواتك وإذا حصلت فى السرور الذى لا ينقرض أقول: المجد لمن أستخلص نفساً مغمومة من فم السبع وجعلها فى جنة النعيم لأن لك المجد أيها الإله الكلى القداسة. آمين مار إفرآم السريانى
المزيد
19 يونيو 2020

خِدْمَةُ الْمُصَالَحَةِ

عندما صالح الله الخليقة لنفسه، في التجسد أولاً باتحاد اللاهوت بالناسوت، ثم على الصليب، وهب للرسل بعد ذلك إمكانية مصالحة الناس مع الله، ودعاها خدمة المصالحة: «وَلَكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ» (2كو 5: 18) وعندما أراد القديس بولس أن يلخِّص عمل الرسل، ومن بعدهم الآباء الأساقفة والقسوس في الكنيسة، لم يجد غير خدمة المصالحة ليوضِّح كلامه، المصالحة التي تقوم على فداء المسيح لخطايا وأخطاء الآخرين، لأنه لا مصالحة بدون مغفرة: «أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ» (2كو 5: 19) وهكذا تأسست الكنيسة على خدمة المصالحة، بدءًا من الرسل الذين أرسلهم الرب يسوع كسفراء عنه، يتكلمون باسمه، ويحملون رسالته إلى كل الأمم، لا يعبِّرون عن رأيهم الشخصي، بل يكونون أمناء لمن أرسلهم، ومهمتهم الأولى والرئيسية هي مصالحة الشعب مع الله: «إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ» (2كو 5: 20) والمصالحة لا تعني مجرد الصُلح بعد الخصام، لكنها تعبير: أولاً عن التبرير والخلاص الذي يمنحه الله: «وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ» (رو 5: 8-9)؛ ثم ثانيًا: عن العودة إلى شركة كاملة بعد الانفصال، كما يحدث في حالة انفصال زوجين، ثم عودتهم لحياة الشركة مرة أخرى: «وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ فَأُوصِيهِمْ لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا. وَإِنْ فَارَقَتْهُ فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا» (1كو 7:10-11)؛ «أمين هو الله الذي به دُعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح ربنا» (1كو1: 9) وكما أن علاقة السفير بمن أرسله تعمل على تحقيق خدمة المصالحة بين الشعوب، وتكون سبباً لنجاحه في المهمة المنوط بها؛ هكذا أيضاً بقدر ما يكون للأسقف من علاقة ودالة قوية عند الله بسبب صلاته وخضوعه لمشيئة الله كل حين، بقدر ما تكون خدمة المصالحة قوية وفعالة؛ إذ يمكنه أن يصلي عن شعبه، أو مع شعبه، في كل حين، كما يقول القديس بولس الرسول: «يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضاً إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ» (غل 4: 19). أو كما يقول القديس إغناطيوس الأنطاكي (107م) في رسالته إلى أهل أفسس: [إن كانت صلاة اثنين معاً لها هذه القوة (مت 18: 19)، فصلاة الأسقف والكنيسة أقوى]، بسبب سر الإفخارستيا أو التناول الذي هو سبب وحدة الأسقف مع الشعب. نيافة الحبر الجليل الانبا إبيفانيوس الأسقف الشهيد رئيس دير القديس أبو مقار
المزيد
18 يونيو 2020

التناقض المزعوم بين الأسفار وبين سِفْرُ زَكَريَّا

بين اصحاح 1 : 12، مت 27 : 9 ففى الاول ذكرت ايه قال الثانى عنها انها من ارميا. فنجيب: كانت عاده اليهود القدماء تقسيم العهد القديم الى ثلاثه اقسام: الاول اوله الشريعه ويسمونه الشريعه. والثانى اوله المزامير ويسمونه المزامير. والثالث اوله ارميا ويسمونه ارميا. ولما كانت نبوه زكريا واقعه فى هذا القسم الاخير فقد نسب الانجيل النبوه اليه. المتنيح القس منسى يوحنا عن كتاب حل مشاكل الكتاب المقدس
المزيد
17 يونيو 2020

ما هي الخدمة روحيًا 2

2- الخدمة عطاء للكل:- الخدمة هي طبيعة عطاء عند الخادميفعل ذلك بلا تغصب, ولا يضغط على إرادته لكي يخدم بل يفعل ذلك بتلقائية وبحكم طبيعته مثلماالشمس من طبيعتها أن تعطى حرارة ونورًا, وتعطى ذلك للكل بلا تمييز ومثلما الشجرة من طبيعتها أن تعطى ظلًا أو زهرًا أو ثمرًا, وللكل وأيضا مثلما الينبوع من طبيعته أن يعطى ماءًوريًا, وللكل هكذا الخادم من طبيعته أن يعطى حبًا وتعليمًا وافتقادًا ومواساة ومعونة وللكل يعطى لكل أحد, في كل مناسبة,وفي كل مكان في البيت في محيط الأسرة, وفى محيط الدراسة أو العمل, وفي الكنيسة, وفي النادي, وفي كل مكان إنه كسيده "يجول يصنع خيرًا" (أع 10: 38) كل إنسان يقابله في الحياة,أو كل إنسان يلقيه الله في طريق حياته, يحاول -ولو بطريق غير مباشر- أن يعمل معه عملًا يقربه إلى الله بالأكثر. الخدمة إذن هي خير متحرك هي خير متحرك نحو الناس, يدفعهم إلى الله, بكل الطرق: بكلمة منفعة, أو بركة, أو معونة يتحرك بها قلب الخادم نحو سائر القلوب حيثما يلتقي بهم ذاته ليست ثمينة عنده وهو لا يركز عليها, إنما يبذلها بذلًا لأجل خير الناس.. 3- الخدمة هي غذاء روحي:- غذاء يقدمه الخادم لأرواح مخدوميه, ليشبعهم بكلمة الله الصالحة حسبما قال الرب "يا ترى من هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على عبيده, ليعطيهم طعامهم في حينه" (لو 12: 42) يعطيهم وجبة دسمة, من الكتاب والتأملات وسير القديسين,ومن التراتيل والألحان بل ومن اللاهوت والعقيدة كل ذلك في أسلوب روحي مبسط محبب للنفس, ويربطهم بالله وبصفاته الجميلة ولعل سائلًا يسأل كيف يستطيع الخادم أن يقدم وجبة روحية دسمة لأولاده, في ساعة واحدة كل أسبوع؟ والجواب: هو أن التأثير الروحي لا يرتكز على طول الوقت, وإنما على قوة الكلمة الكلمة الروحية الصادرة من إنسان روحي, يتكلم روح الله من فمه أو كلمة الله القوية الفعالة, التي شبهها الكتاب بسيف ذي حدين (عب 4: 12) إن كلمة واحدة سمعها الأنبا أنطونيوس في الكنيسة, غيرت حياته كلها, وصارت سببًا في إيجاد حياة ملائكية في الكنيسة كلها الخدمة لا يعوزها الكلام الكثير, إنما الكلام الروحي المؤثر. الكلام الذي يحمل قوة الروح, القوى في إقناعه وفي تأثيره, والذي يدفع إلى التنفيذ. أما الخدمة التي لا تأثير لها ولا روح, فإنها تشبه بِذارًا فقدت أجنتها والمطلوب هو الخدمة التي تدخل إلى العمق, وتحرك القلب, وتعمل عملًا, وتكون لها قوة دافعة.. 4- الخدمة هي غيرة مقدسة:- هي شعلة من النار داخل القلب, تجعله ملتهبًا بمحبة الناس, والسعي إلى خلاصهم بحيث لا يهدأ إلا إذا استطاع توصيلهم إلى الله وكما يقول المرتل في المزمور "غيرة بيتك أكلتني" وكما قال القديس بولس الرسول "من يعثر وأنا لا ألتهب؟!" (2كو 11: 29) فالذي يحب الناس, وتملكه الغيرة لأجل خلاص نفوسهم, لا تتقيد خدمته بمجموعة معينة, بل يحب الكل ويضع أمامه قولالرسول: "صرت للكل كل شيء, لأخلص على كل حال قومًا" (1كو 9: 22) الراعي الصالح (يو 10: 11, 14) وهو الذي قال "أنا أرعى غنمي وأربضها وأطلب الضال, وأسترد المطرود, وأجبر الكسير, وأعصِب الجريح" (حز 34: 15, 16) وعنه قال داود النبي "الرب لي راعٍ, فلا يعوزني شيء" (مز 23) وأنه تنازل من الله أن يشركنا معه في العمل وفي الاهتمام بأولاده إنه قادر أن يقوم وحده بعمل الرعاية والاهتمام. ولكنه من فرط تواضعه منحنا أن نعمل معه في هذا المجال, تبارك اسمه واستطاع بذلك القديس بولس الرسول أن يقول عن نفسه وعن زميله أبلوس "نحن عاملان مع الله" (1كو 3: 9) ومن هنا كانت الخدمة هي شركة مع الروح القدس الروح القدس هو الذي يعمل لبناء الملكوت, ونحن مجرد آلات في يديه يعمل فينا, ويعمل معنا يعطى كلمة للمتكلمين, ويعطى تأثير للسامعين وما الخادم سوى أداة في يد الروح أما إذا كانت الخدمة مجرد عمل بشرى, فإنها باطلة بلا نفع لذلك نقول عن العظة نسمع كلمة الرب من فم (فلان)لأنه حسب قول الرب "لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت 10: 20). ولذلك ما أجمل ما قيل عن كل رسالة من الرسائل المقدمة إلى الكنائس السبع التي في آسيا "من له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" (رؤ 2: 3) ونحن نفرح بعبارة "ما يقوله الروح"إنها تعطى معنى للخدمة هو الخدمة هي جسر بين الله والناس. قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن كتاب الخدمة الروحية والخادم الروحي
المزيد
16 يونيو 2020

«هَأنَذَا أَرْسِلْنِي» (إش6: 8)

«لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ» (أع1: 8)،«فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي» (لو24: 49).- بعد صعود الرب إلى السماء، رجع التلاميذ إلى أورشليم.. ومكثوا يصلون في علية مارمرقس.. التلاميذ ومعهم السيدة العذراء مريم، والنسوة، ومن معهم.. إلى أن حلّ عليهم الروح القدس المعزي.ويأتي "عيد العنصرة" في اليوم الخمسين من يوم عيد القيامة، وبعد عشرة أيام من عيد الصعود، ويُسمّى الـ Penticost "البنطيقستي" حيث كلمة بنتا تعني خمسة، ويسمى أيضًا "عيد حلول الروح القدس". ويليه صوم الآباء الرسل الأطهار؛ وكان من أهم أعياد اليهود..- و"العنصرة": هي كلمة عبرية معناها "الجمع" أو "الاجتماع" أو "المحفل المقدس"، وفيه كانوا يجتمعون ويعيّدون.. وجاءت المسيحية فدعت عيد حلول الروح القدس باسم "عيد العنصرة" لأن الروح القدس حل فيه على جماعة التلاميذ وهم مجتمعون في العلية، حيث أعطى قوة للتلاميذ، في الكرازة، وصنع المعجزات، فأقاموا الموتى، وشفوا الأمراض المستعصية، وأخضعوا الشياطين وصنعوا المعجزات (مر16: 17-18).- فالعنصرة إذًا تتويج للفصح، لأن السيد المسيح بعد أن أتمّ الفداء والقيامة على الأرض، صعد إلى السماوات، ثم أرسل لنا الروح القدس المعزي، لكي ينير أذهاننا، فنفهم الكتب، وندرك عمق أقواله التي وردت في الكتاب المقدس.- أرسلهم ليكرزوا: كانت إرسالية الرب للتلاميذ، الذين سرعان ما فتنوا المسكونة، وغيّروا وجه التاريخ، ونشروا اسم المسيح في كل مكان، حتى دانت لهم إمبراطورية الأوثان، وملك الرومان، وصارت هياكل الأصنام مذابح للرب.. وهكذا سلكوا:- في بذل.. حتى إلى الموت..- وفي إخلاء.. حتى إلى وضع العبيد..- وفي ألم.. حتى الاستشهاد..- وفي طاعة.. مهما كانت التضحيات..- وفي أمانة.. حتى النفس الأخير..- قدموا من أجل المسيح:1- خدمة الصلاة من أجل المخدومين.2- وخدمة المحبة لكل الناس.3- وخدمة النموذج الشاهد للمخلص.4- وخدمة الكلمة الحية الفعالة..لذلك يعظنا الكتاب المقدس «امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ» (أف5: 18). «وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ» (أف4: 30). «لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ» (1تس5: 19)، بل «حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ» (رو11: 12).. فالروح القدس هو الذي يعطينا التجديد الروحي وإرسالية الخدمة، وإمكانية الكرازة!! وهكذا انطلق الآباء الرسل يخدمون ويبشرون، حتى نشروا المسيحية وصاروا شهودًا للرب في كل مكان، في أنحاء العالم المعروف آنذاك، وذلك: بقوة الروح، وعمق الصلاة، ويقين الإيمان، وفاعلية الكلمة.- لقد تغيرت حياة التلاميذ بعد حلول الروح القدس عليهم.. لهذا يجب أن نسلم حياتنا لقيادة الروح القدس لكي يغيرنا «لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ» (رو8: 14).فليعطنا الرب أن نخدم كما خدموا.. لنذوق فرحة الخدمة والإرسالية، مع فرحة القيامة المجيدة.. ولنقل في تواضع إشعياء النبي وانسحاقه: «هَأنَذَا أَرْسِلْنِي» (إش6: 8). نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب
المزيد
15 يونيو 2020

القيم الأاخلاقية فى حياة وتعاليم السيد المسيح (2) الرحمة

رحمة الله وحنانه على الجميع.. + ان الرحمة والحنان صفة ثابتة من صفات الله وتنبع من أبوته ومحبته للبشر{محبة ابدية احببتك من اجل ذلك ادمت لك الرحمة (ار 31 : 3). فهو الذى قال قديما { الرب الرب اله رحيم و رؤوف بطيء الغضب و كثير الاحسان و الوفاء} (خر 34 : 6).وبهذه الرحمة رتل المرنم قائلاً {الرب بار في كل طرقه ورحيم في كل اعماله} (مز 145 : 17). وبمراحم الله يصبر ويطيل روحه على الخطاة { انه من احسانات الرب اننا لم نفن لان مراحمه لا تزول.هي جديدة في كل صباح كثيرة امانتك. نصيبي هو الرب قالت نفسي من اجل ذلك ارجوه. طيب هو الرب للذين يترجونه للنفس التي تطلبه} مرا 22:3-25.ولكى نتمتع بمراحم الله يجب علينا ان نكون رحومين على الجميع { طوبى للرحماء لانهم يرحمون} (مت 5 : 7).وهذا ما يطلبه منا الله { وقد اخبرك ايها الانسان ما هو صالح و ماذا يطلبه منك الرب الا ان تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعا مع الهك} (مي 6 : 8). +ولقد جاء الينا السيد المسيح على الارض وهو الاله الظاهر فى الجسد ، ليعلن لنا رحمة الله الكاملة والتى تبحث عن الخطاة لتردهم وعن المقيدين لتحررهم وعن منكسرى القلوب ليشفيهم . لقد تشدق البعض برحمة الله دون ان يعوا اعماق هذه الرحمة المعلنة لنا فى المسيح يسوع ربنا { مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الاموات. لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السماوات لاجلكم} 1بط 3:1-4.ولقد لخص السيد المسيح عمله على الارض بتتميم نبؤة اشعياء النبى {روح الرب علي لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للماسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وارسل المنسحقين في الحرية. واكرز بسنة الرب المقبولة.ثم طوى السفر و سلمه الى الخادم وجلس وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة اليه. فابتدا يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم} لو 18:4-21.ولقد اعطي المخلص الويل للكتبة والفريسيون المراؤون لتركهم الرحمة والحق والايمان{ ويل لكم ايها الكتبة و الفريسيون المراؤون لانكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم اثقل الناموس الحق والرحمة والايمان كان ينبغي ان تعملوا هذه ولا تتركوا تلك} (مت 23 : 23). + من رحمة الله اعلانه عن محبته للخطاة لا بالكلام بالعمل والحق ، ووجد فيه الخطاة صديقا واباً ومدافعاً وكان يهدف بذلك الى إعلان رحمة الله الغافرة والمغيرة والمحررة التى تقبل الخطاة لا كعبيد بل ابناء محبوبين فى الرب . كان العشارين والخطاة مكروهين ومنبوذين فى المجتمع فاعلن لهم محبته وسعى لتغييرهم . لقد جذب الكثيرين بشبكة محبته الإلهية وعندما تذمٌر عليه الكتبة والفريسيين دافع عنهم قائلاً{ لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى لم ات لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة} (مر 2 : 17). لقد نزع محبة المال من قلوب العشارين القاسية بمحبته . ودافع عن المرأة الخاطئة { و قدم اليه الكتبة و الفريسيون امراة امسكت في زنا ولما اقاموها في الوسط. قالوا له يا معلم هذه المراة امسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس اوصانا ان مثل هذه ترجم فماذا تقول انت. قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه واما يسوع فانحنى الى اسفل وكان يكتب باصبعه على الارض.ولما استمروا يسالونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها اولا بحجر. ثم انحنى ايضا الى اسفل وكان يكتب على الارض. واما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم خرجوا واحدا فواحدا مبتدئين من الشيوخ الى الاخرين وبقي يسوع وحده والمراة واقفة في الوسط. فلما انتصب يسوع ولم ينظر احدا سوى المراة قال لها يا امراة اين هم اولئك المشتكون عليك اما دانك احد. فقالت لا احد يا سيد فقال لها يسوع ولا انا ادينك اذهبي ولا تخطئي ايضا} يو3:8-11. لقد أظهر لهؤلاء خطاياهم التى سترها الله فرجعوا وتركوا المراة لحال سبيلهم . وفي مثل الخروف الضائع أعلن لنا أن كل إنسان خاطئ بعيد عن الخلاص إنما هو ذلك الخروف الضائع ، الذي يخرج الله الراعي الصالح للبحث عنه تاركاً التسعة والتسعين من أجل إيجاده وإعادته إلى حظيرة الخراف . وأثبت له المجد هذه الفكرة بقوله في نهاية المثل {هكذا يكون فرحٌ في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين لا يحتاجون إلى توبة }( لو15: 1-7 ) . الرحمة وعمل الخير فى حياة السيد المسيح.. + الله هو هو أمس واليوم والى الأبد مازالت مراحمه جديدة علينا كل صباح سواء شعرنا بها وشكرناه عليها او نسينها . وعندما تجسد السيد المسيح صار لنا قدوة ومثال فى الرحمة والمحبة . من مراحمه انه يهتم باشباع اجسادنا ونفوسنا وارواحنا . يجول يصنع خيراً ويشفى كل مرض وضعف فى الشعب ويهتم بالتعليم وأشباع الجموع الجائعة ولازال {فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا. و بعد ساعات كثيرة تقدم اليه تلاميذه قائلين الموضع خلاء و الوقت مضى.اصرفهم لكي يمضوا الى الضياع و القرى حوالينا و يبتاعوا لهم خبزا لان ليس عندهم ما ياكلون. فاجاب وقال لهم اعطوهم انتم لياكلوا فقالوا له انمضي ونبتاع خبزا بمئتي دينار ونعطيهم لياكلوا.فقال لهم كم رغيفا عندكم اذهبوا وانظروا ولما علموا قالوا خمسة وسمكتان. فامرهم ان يجعلوا الجميع يتكئون رفاقا رفاقا على العشب الاخضر.فاتكاوا صفوفا صفوفا مئة مئة وخمسين خمسين. فاخذ الارغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره نحو السماء وبارك ثم كسر الارغفة واعطى تلاميذه ليقدموا اليهم وقسم السمكتين للجميع. فاكل الجميع وشبعوا.ثم رفعوا من الكسر اثنتي عشرة قفة مملوة ومن السمك. وكان الذين اكلوا من الارغفة نحو خمسة الاف رجل} مر35:6-44 . + لقد تحنن على العميان ووهب لهم النظر وبالجهال ووهب لهم حكمة واستنارة {وجاءوا الى اريحا وفيما هو خارج من اريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الاعمى ابن تيماوس جالسا على الطريق يستعطي. فلما سمع انه يسوع الناصري ابتدا يصرخ و يقول يا يسوع ابن داود ارحمني. فانتهره كثيرون ليسكت فصرخ اكثر كثيرا يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وامر ان ينادى فنادوا الاعمى قائلين له ثق قم هوذا يناديك. فطرح رداءه وقام وجاء الى يسوع. فاجاب يسوع وقال له ماذا تريد ان افعل بك فقال له الاعمى يا سيدي ان ابصر. فقال له يسوع اذهب ايمانك قد شفاك فللوقت ابصر وتبع يسوع في الطريق} مر46:10-52.السيد المسيح يريد ان يفتح أعين بصيرتنا الداخلية لنعاين مجده ومحبته ورحمته فهل نصرخ اليه بثقة قائلين {ارحمني يا الله حسب رحمتك ، حسب كثرة رافتك امح معاصي }(مز 51 : 1). + تحنن السيد الرب جعله يقيم الاموات . فتحنن على أرملة نايين فأقام من الموت ابنها وحيدها { وفي اليوم التالي ذهب الى مدينة تدعى نايين وذهب معه كثيرون من تلاميذه وجمع كثير. فلما اقترب الى باب المدينة اذا ميت محمول ابن وحيد لامه وهي ارملة ومعها جمع كثير من المدينة. فلما راها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبكي. ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون فقال ايها الشاب لك اقول قم. فجلس الميت وابتدا يتكلم فدفعه الى امه. فاخذ الجميع خوف ومجدوا الله}لو 11:7-16.واقام بدافع الرحمة ابنة يايرس الذي جاء إلى يسوع متوسلاً من أجل ابنته ، فرحمه وأقام ابنته من الموت ( لو8: 54 ). وبهذا الحنان أقام لعازر بعد أربعة ايام من موته (يو1:11-44). وبرحمته هذا يقدر ان يقيم ميتوته نفوسنا الخاطئة اذ نرجع اليه ويقيم الاموات للحياة الإبدية فى اليوم الاخير {لا تتعجبوا من هذا فانه تاتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته.فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة و الذين عملوا السيات الى قيامة الدينونة} يو28:5-29. طوبى للرحماء لانهم يرحمون .. + ان السيد المسيح له المجد يطوب الرحماء ويعدهم بالرحمة على الإرض وفى السماء .ويطالبنا بان نكون رحماء نحو الجميع { فكونوا رحماء كما ان اباكم ايضا رحيم }(لو 6 : 36). ويقول لنا ان نتعلم منه { فاذهبوا و تعلموا ما هو اني اريد رحمة لا ذبيحة لاني لم ات لادعوا ابرارا بل خطاة الى التوبة} (مت 9 : 13). ان أعمال الرحمة تشتمل على كل ما نقدمة من خير ومد يد المساعدة للمحتاجين سواء بالعطاء المادى او المعنوي وعدم أدانة المخطئين والستر على خطايا الاخرين وضعفاتهم واعلان رحمة الله للخطاة والمنكسرين والمحزونين واحتضان الضالين واحتمال ظلم الاشرار بمحبة وصلاة من اجلهم وفعل الرحمة يمتد ليشمل الاقرباء والغرباء والاعداء فان الله الرحوم يريدنا ان نتعلم منه . ولقد مدح الرب السامرى الرحيم الذى صنع الرحمة مع الرجل اليهودي الذى كان يُعتبر عدواً له (لان اليهود كانوا لا يخالطوا السامريين ) { واذا ناموسي قام يجربه قائلا يا معلم ماذا اعمل لارث الحياة الابدية.فقال له ما هو مكتوب في الناموس كيف تقرا. فاجاب وقال تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك. فقال له بالصواب اجبت افعل هذا فتحيا. واما هو فاذ اراد ان يبرر نفسه قال ليسوع ومن هو قريبي.فاجاب يسوع وقال انسان كان نازلا من اورشليم الى اريحا فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه و مضوا وتركوه بين حي وميت. فعرض ان كاهنا نزل في تلك الطريق فراه و جاز مقابله.وكذلك لاوي ايضا اذ صار عند المكان جاء و نظر وجاز مقابله. ولكن سامريا مسافرا جاء اليه ولما راه تحنن.فتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتا وخمرا واركبه على دابته واتى به الى فندق واعتنى به.وفي الغد لما مضى اخرج دينارين واعطاهما لصاحب الفندق وقال له اعتن به ومهما انفقت اكثر فعند رجوعي اوفيك.فاي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريبا للذي وقع بين اللصوص. فقال الذي صنع معه الرحمة فقال له يسوع اذهب انت ايضا و اصنع هكذا} لو25:10-36.ان البشرية كلها سقطت من فردوس النعيم وبعدت عن الله فجاء اليها السيد المسيح ليرفعها ويشفى جراحاتها ويردها الى الفردوس دفعة اخرى + هكذا يوصينا الكتاب المقدس بان نصنع رحمة {لا تدع الرحمة و الحق يتركانك تقلدهما على عنقك اكتبهما على لوح قلبك }(ام 3 : 3). {لان الحكم هو بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة و الرحمة تفتخر على الحكم }(يع 2 : 13). نصنع الرحمة ونصبر فى الضيقات والتجارب {ها نحن نطوب الصابرين قد سمعتم بصبر ايوب و رايتم عاقبة الرب لان الرب كثير الرحمة و رؤوف} (يع 5 : 11) . والى اي حد نكون رحومين ؟ ان السيد المسيح يريد لنا ان نتعلم من رحمته الكثيرة فعدما سأله بطرس : كم مرة يُخطئ إلي أخي وأنا أغفر له ، هل إلى سبع مرات ؟ فأجابه قائلاً : لا أقول لك إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات . ثم ضرب له المجد مثلاً في هذا الخصوص وهو مثل الملك الذي سامح عبداً كان مديوناً له بعشرة آلاف وزنة ، لكن ذلك العبد لم يُسامح رفيقاً كان مديوناً له بمئة دينار ، مما أدى إلى أن أمسكه الملك وزجه في أعماق السجن وقال أنه لن يخرج إلى أن يوفي الفلس الأخير . ثم ختم قوله بالقول : هكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا كل واحد لأخيه زلاته ( مت18: 21-34). + وأعمال الرحمة مقياس للدينونة والمكافأة فى اليوم الأخير .. جعل رب المجد أعمال الرحمة التى نصنعها بالإيمان مقياس للدينونة في اليوم الأخير حينما قال بأنه سوف يأتي ويجمع كل الناس أمامه ويقسمهم إلى قسمين ، أحدهما إلى اليمين والآخر إلى اليسار ، والذين عن اليمين سوف يأخذهم إلى ملكوته الأبدي لأنهم كانوا رحماء ، وأما الذين كانوا عن اليسار فإلى العذاب الأبدي لأنهم لم يكونوا رحماء ( مت25: 31-46 ). + لقد تعلم التلاميذ والرسل وعلموا المؤمنين فى كل جيل ان يكونوا رحومين . هكذا يدعونا القديس يوحنا الحبيب للرحمة لتثبت فينا محبة الله { وأما من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه }( 1يو3: 17 ).ويعلمنا القديس بولس الرسول { و كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله ايضا في المسيح }(اف 4 : 32) . { في كل شيء اريتكم انه هكذا ينبغي انكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع انه قال مغبوط هو العطاء اكثر من الاخذ (اع 20 : 35). ولقد برع الكثيرين فى عمل الرحمة فى كل جيل ونذكر من هؤلاء القديس ابراهيم الجوهرى الذى ضُرب به المثل فى عمل الرحمة والعطاء والانبا ابرام اسقف الفيوم المتنيح الذى كان يتصدق بكل ما يأتى اليه وحتى بعد إنتقاله الى السماء يمد يده بالمعجزات على الفقراء والمحتاجين وام عبد السيد التى انتقلت منذ فترة قريبة وكانت تبحث عن المرضى والمحتاجين والخطاة لتعمل معهم الرحمة . لقد عرف هؤلاء كيف يربحوا بالوزنات المعطاة لهم . ان الله هو قبل كل شيء اله الرحمة والمحبة.وان هذا أيضاً هو ما يطلبه الله منا في حياتنا أن تكون أفعالنا كُلها، أعمال رحمة تُظهر رحمة الله ودعوته الرحيمة للجميع للتمتع بالرحمة الإلهية. مثل عظيم رحمتك يا خالقى ارحمنى + ايها الرب كثير الرحمة والاحسان والوفاء . يالله الذى من أجل رحمته الكثيرة يغفر الخطايا ويمحو الاثام ، ويصبر على البشرية الخاطئة والجاحده لمحبته ليعودوا ويرجعوا اليه . الهى ان ولادة كل طفل جديد فى العالم تقول لنا انك رحوم ولم تيأس من العالم ، نشكرك ونباركك على حنانك ورحمتك بنا ونصلى اليك لتهبنا قلوب حانية تقترب من مراحمك بتواضع قارعة باب مراحمك طالبة العون والرحمة على الخليقة كلها . + علمنا يارب ان نرتل لك ونقول كل صباح ومساء باركي يا نفسي الرب و كل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس.باركي يا نفسي الرب و لا تنسي كل حسناته. الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل امراضك. الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة و الرافة. الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك. الرب مجري العدل و القضاء لجميع المظلومين.الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة . لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب اثامنا.لانه مثل ارتفاع السماوات فوق الارض قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق من المغرب ابعد عنا معاصينا. كما يتراف الاب على البنين يتراف الرب على خائفيه. لانه يعرف جبلتنا يذكر اننا تراب نحن. + علمنا يارب ان نجول نصنع خيراً ورحمة ، علمنا ان نكون متسامحين وشفوقين على الساقطين والبائسين والفقراء نتأنى على الضعفاء ونشجع صغار النفوس واذ نذوق رحمتك وحنانك ونحيا فى ظل رعايتك الحانية لابد لنا ان نعلن لكل أحد تعالوا ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب وما اوسع مراحمه عليناعلمنا يارب ان نكون رحومين ندعوا الناس الى عمل الرحمة والبر والتسامح لاسيما فى هذه الايام الشريرة التى نري فيها محبة الانتقام والتشفي من الاعداء علمنا ان نزرع المحبة حيث تنموا اشواك الكراهية ونبزر الرجاء حيث يوجد اليأس،ونصنع الرحمة فى القلوب القاسية ،وننادى بالتسامح والغفران وسط نيران الكراهية والاحقاد ان العالم يحتاج للقيم التى عملتها وعلمتها ايه المسيح القدوس ليجد الراحة والسلام والسعادة فلتعمل يارب بروحك القدوس ليأتى ملكوت فى كل قلب أمين . القمص أفرايم الانبا بيشوى
المزيد
14 يونيو 2020

عندما تتحول الخدمة إلى كرامة شخصية

" لأن ابن الإنسان أيضا لم يأت لُيخدم بل ليَخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (مرقس 10 : 45) من المؤلم حقاً أن يشعر الخادم أنه مسئول وأنه صاحب امتياز ورتبة، يطلب احترام المخدومين ويعاتب من لا يقدم له الاحترام الواجب، ليس على أساس كرامة الكنيسة ولكن كرامته الشخصية، لقد تقدم للخدمة ليبذل ويتعب لأجل المخدومين حتى الموت، فهل سمعتم عن خادمة في منزل انتهرت سيدتها ووبختها مطالبة بحقوقها، بل أنها تخدم سيدها الكبير (رب البيت) وسيدها الصغير (الطفل) وتجتهد أن تجد نعمة فى أعين جميع أهل البيت. ولكن الخدام أحياناً يشعرون أن المسئوليات والوظائف الكنسية هى (كعكة) يحق له أن يقتطع قطعة منها، ولكن الوضع المثالى هو أن يعمل الخادم فى صمت وفرح بعيداً عن الكرامة الشخصية، بل ويفرح أن يزيد الآخرين وأن ينقص هو ويقول ابن سيراخ " ياأبنى إذا تقدمت لخدمة ربك فهىء نفسك للتجارب " هذا يعنى أن يهيّيء الخادم ذاته للألم وليس للكرامة. ويقول القديس بولس أنه يسر فى الضيقات وأنه يفتخر بألامه ما دامت لأجل الرب.. "لذلك اسر بالضعفات و الشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" (2كو 12 : 10) والخادم يخدم لكى تهييء له الخدمة مجالاً أنسب يخلص فيه.. ويقول السيد المسيح لتلاميذه عندما غسل أرجلهم كأساس للخدمة "فان كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض (يوحنا 13 : 14) إذ أن (الخدمة قائمة على الاتضاع) كما نبههم إلى أنهم سيسلمون إلى ولاة ويحاكمون أمام مجامع وأنهم سُيجلدون ويقتلون من أجل اسمه. بل أنه على الخادم أن يشكر الله لأنه شرفه بالعمل معه لأجل الملكوت. نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس أسقف عام المنيا وابو قرقاص
المزيد
13 يونيو 2020

المقالة الأولى رسالة إلى يوحنا الراهب فى الصبر والحذر

رسالة إلى يوحنا الراهب فى الصبر والحذر أن لا ينخدع بالأفكار فى طلب السياحة والعفة قد وعظنا تادرس المتورع كثيراً بعظاتٍ كثيرة ألا يبتعد عن موضعه، وما أمكننا أن نقنعه. بل قال أنا: إن أردت أن تعيننى، وتخلص بعد اللـه نفسى فأرسلنى إلى ديرك.فأجبته: يا هذا إن اهتمام الدير قد فوضته إلى يوحنا الأخ وبدون رأيه لا يمكننى أن آمر أحداً بسكناه فقد فعلت فعلاً حسناً إذ قبلت الأخ السالف ذكره لأنه حين عاد إلينا أخبرنا عن أى تعطف أوضحته له.لأن مثل هؤلاء الذين أحبوا الرب ينبغى أن يكونوا عندك مكرمين أكثر من الأب والأم والإخوة والأخوات والمرأة والأولاد والأنسباء والأصدقاء.فلقد صنعت حسناً لأنك خصصت نفسك للأعمال الحسنة ولا سيما إذ صرت قدوة للإخوة الساكنين معك مثل الأمر الذى اتضح فى المسيح حين صنعه إذ رفع تلاميذه إلى سمو التواضع.فقال: إنما أعطيتكم نموذجاً لتعملوا أنتم نظيره وذلك لكى الذين لا يقنعهم القول يقنعهم الفعل.وبولس الرسول يعظ قائلاً: ” صيروا متشبهين بى كما تشبهت أنا بالمسيح “.فلا تتهاونوا أنتم بالخدمة الروحانية، ولا تكونوا بحجة الأمور الجسدانية متوانين فى صلواتكم لأن أقوال الرب إذا درست ورُتلت دائماً تغذى النفس، وتحفظها وتوقى الجسد وتؤدبهُ، وتطرد الشياطين وترهبهم، وتجعل فى النفس سكوناً عظيماً.أما عن الذين ابتدءوا بأفعال تفوق طاقتهم فقد سقطوا فى تجارب لانَهاية لها فحسب أقوال بولس الرسول: ” لا يرتأى الإنسان فوق ما لا ينبغى أن يرتأى بل يرتأى إلى التعقل “.واسمع من الحكيم الذى قال: ” لا تصير صديقاً كبيراً ولا تحاكم حكماً زائداً لئلا تُدهش.لأنه أتفق فى هذه الأيام أن قوماً من الإخوة تركوا قلاليهم ومضوا إلى الأرض القفرة التى لا ماء فيها، ولا تمر لها فزجوا ذواتِهم فيها بعد أن وُعِظوا عظات كثيرة من الآباء والإخوة ولم يذعنوا لرأيهم قائلين:” نحنُ نمضى لنكون سواحاً “.فلما وصلوا إلى البرية القاحلة جداً وعاينوا أن الأرض التى لا تُسلك قد اكتنفت ذواتِهم صاروا يستصعبون الأمر جداً ثم حاولوا أن يعودوا إلى الأرض المسكونة فلم يقدروا أن يُخرجوا ذواتِهم من البرية الصعبة لأنَهم لم يوصلوا إليها بسهولة.فأشتد عليهم الجوع والعطش والحر، وجلسوا مكتئبين وظامئ النفس.ثم بتدبير من العناية الإلهية صادفهم قوم وهم قد قاربت أنفسهم أن تنتزع منهم فوضعوهم على دوابِهم وحملوهم إلى المواضع المسكونة.ومجموعة منهم ماتوا وأكل أجسادهم الطير والوحوش والذين نجوا لبثوا مرضى مدة طويلة فعند ذلك عرفوا بالخبرة ألا يعملوا شيئاً بغير مشورة.وكثيرين إذ كان فيهم فكر العظمة وذهبوا إلى أرض لا ثمر فيها ولا ماء فسببوا لأنفسهم موتاً محققاً ؛ وآخرون إذ لم يريدوا أن يطيعوا ولم يحتملوا أن يخدموا إخوتِهم سقطوا فى هذا الأمر نفسه، وآخرون إذ لم يرتضوا أن يعملوا بأيديهم فسدوا.وكذلك آخرون هُزئ بِهم من فكر الاعتداد بالذات والتشامخ بالسبح الباطل، فتصيدوا المديح من السامعين: ” أنَهم قد صاروا سواحاً ” ؛ وإذ لم يفكروا فى الأتعاب التى تصادفهم ألقوا أنفسهم فى هذه المعاطب نفسها.فلا ينبغى الآن أيها الحبيب أن ننقاد لأفكارنا بلا تمييز، لأننا نحتاج كثيراً أن كل واحد منا يعرف مقداره ويتواضع لقريبه بمحبة اللـه.وإن شعر أحد أنه قد قوَّم الفضيلة ومسك الآلام وتملك على الشهوات فلا يثق هكذا برأيه، لئلا يقال عنه الفصل المكتوب: ” أن الملك الجسور يسقط فى المساوئ وملاك الرب ينجيه “.لكن ربما يغتر أحد فيقول: وكيف نجد قوماً من الآباء قد قوموا هذه الفضيلة ؟فقد احتجنا أن نظهر لكم هذه الشهادة من أخبار سير الآباء القديسين، ونوضح أن الآباء القديسين ما عملوا شيئاً عبثاً ولا جزافاً.لأنه قد حكي عن مقاريوس الراهب أنه قال: بينما أنا كنت جالساً فى قلايتى بالاسقيط آذتنى الأفكار قائلة:امضى إلى داخل البرية وافهم ماذا تعاين هناك.فلبثَ محارباً للفكر خمسة سنوات خائفاً أن يكون هذا الفكر من الشيطان.فأبصِر فهم الرجل أنه لم ينقاد للفكر ولا عمل به بل لبث يميزه صائماً ساهراً مصلياً ليعرف إن كان من الشيطان أم لا.” فنحنُ إذا جاء إلينا الفكر ونحن ثابتون فننفرد وننعزل ولسنا نميزه مصلين بتوجع قلب، بل ولا إذا وعِظنا من آخرين نقتنع ونخضع لرأيهم فلذلك يسبينا المعاند بسهولة “.ثم لما ثبت الفكر ودام خرج إلى البرية فصادف هناك بحيرة مياه وجزيرة فى وسطها فإذ بأنعام البرية قد جاءت تشرب منها ورأى فى وسطهم رجلين مجردين.فبعد أن سلما على بعضهما بعضاً. قال لهما مقاريوس: كيف يمكننى أن أصير راهباً.فقال له: إن لم يزهد أحد فى الأشياء التى للعالم كلها مبتعداً عنها فلا يستطيع أن يكون راهباً.فقال لهما: أنا ضعيف ولا أستطيع أن أكون مثلكما فقال له: إن لم يمكنك أن تصير مثلنا فأجلس فى قلايتك وأبكِ على خطاياك يا لجسامة تواضع الإنسان الإلهى ويا لسمو فهم النفس المتورعة ؛ من قد أوضح مقدار تلك النصرات الممدوحة ومثل عِظم جسامتها ؛ فلم يوضح من ذاته أنه مستحق للأمر لكن قال لهما:” أنا ضعيف ولا أستطيع أن أكون مثلكما “.فنحن لا اضطهاد قام علينا ولا اضطهدنا أحد ومع ذلك نسلك بسيرتنا بالتهجم والاعتداد بالذات ؛ ونبتدئ بأفعال تفوق حدودنا كمجربين الرب الإله. الأمر الذى هو مُرهَب جداً.الويل للإنسان المتوكل على قوته ونسكه أو على ذكائه، ولا يكون اتكاله على اللـه لأن منه وحده العزة والقوة وإن أطلعنا على سيرة أنطونيوس الراهب نجده صانعاً كل أفعاله من استعلان إلهى.ألم يجلس فى دير ؟ أو ما احتاج ملابس ؟ أو ما أكل خبزاً ؟ أو ما عمل بيديه ؟ أو ما أقتنى تلاميذ ؟ أما كفنوه مائتاً ودفنوه ؟ أو هل استعمل المغبوط أنطونيوس وحده هذه السيرة ؟بل وباقى الآباء الذين أكمل اللـه بِهم آيات واشفيه لأنَهم كانوا كالمصابيح البهية مشهورين بالفضائل.فلنسر نحن يا أحبائي سيرتَهم ومذهبهم ونسلك فى الطريقة الملوكية غير جانحين إلى يمينها ولا إلى يـسارها فلنثابر على السكوت، الصوم، السهر، الصلاة، الدموع، الصلوات الجامعة، عمل اليد، مخاطبة الآباء القديسين، إطاعة الحق، استماع الكتب الإلهية لكى لا يصير فكرنا بوراً عاشباً بالآلام.ولنوقف ذاتنا مخصوصاً لنستحق التقرب من الأسرار المقدسة الطاهرة، لكى تتنظف أنفسنا من الأفكار النجسة المتولدة، ويسكن الرب فينا فينفذنا من الشيطان.وقبل هذه كلها فلنحفظ المحبة الصافية بعضنا لبعض وللكل، لأنه من جهة محبتنا للقريب يقتنى الإنسان المكافئة أو العقاب. لأن القائل صادق:” إنه إذا صنعتم بأحد إخوتى هؤلاء المحتقرين شيئاً فبى قد صنعتم.وقال للآخرين: ” إذا لم تعملوا بأحد إخوتى هؤلاء المحتقرين شيئاً فبى لم تفعلوا، فيذهب هؤلاء إلى العذاب الخالد ويمضى الصديقون إلى الحياة الأبدية. إن القدماء كانوا يذبحون عجولاً، وكباشاً، وخرافاً كلها نقية لا عيب فيها ويقدمونَها تقدمة، فلنقدم نحن جسمنا للرب بالروح القدس ولا ننجسه بالأفعال المحذورة ولا ندنسه بفكر ما لئلا تصير ذبيحتنا غير مقبولة.وبأية حاله يجب أن نقتنى القداسة فيثاب الذين لهم عقل العين المستفيقة، وذكر اللـه الذى شعاعاته تضىء لكل قلب.فأما الذين هم ضعفاء فى مثل هذا الفكر فهم محتاجون إلى نماذج ومقاييس ليقتنوا مثل هذه الفضيلة ويقومونَها، فلتكن مقاييسنا مثل هذه.إن الذين يتناظرون فى الحروب العالمية، تنصب لهم صور على الحيطان وفى الألواح ينقش فيها رواية الحرب، كيف بعض يمدون قسياً وبعض مجروحون، وقوم قد هربوا، وقوم يقاتلون بأيديهم وسيوفهم مجردة، ويحصدون مصارعيهم كحصاد السنبل.وهذه المقاييس يصنعونَها ليعرفوا الذين يصيرون إليها فيما بعد، ولذكر المفضلين على من بارزهم فى الحرب، وكثيرون صوروا جهاد القديسين فى هياكل الصلوات لكى يغيروا منها التى قلوبِهم قاسية ولتفريح الناظرين إليها فإذاً سيرتنا سوف تكتب وتصور وتنصب فى علوٍ شاهق ليعاينها الكل فاحرصوا، بل فلنحرص أن نقوم الفضيلة لئلا تكون فى أيقونتنا شيء مذموم وغير ملائم، لأنه قبيح بالحقيقة أن يُبصَر فى أيقونة رجل يعانق امرأة وأقبح منه إن كان من المظنونين أنه لابس زى التدبير الحسن.فإن كان ذلك فهو على رأى القائل: ذكور يعملون الفحشاء بذكور، فمن هو يا ترى يجترئ أن يعاين تلك الأيقونة، لأنه منظر يجب أن يُهرب منه.فإذ نعلم يقيناً أن عذاباً لا يُحتمل يحل بمن يُوجد فى مثل هذا الهوان فلنهتم أن تصير وضع الرواية الواصفة أخبارنا وإتقانِها حسنة وممدوحة ناهضة إلى فعل الصالحات لمن يصادف جمالها، ولا نصور فيها شيئاً رديئاً لا يختص بالفضيلة.لأن الرواية المسندة من أهل سدوم منتصبة انتصاباً لا يضمحل مخبرة كيف أطاف أولئك الفجار النهمة شهوتِهم بمنزل الصديق إلى أن ضُربوا بضربة فقد النظر واحترقوا بالمطر النارى وترمدوا هم وأرضهم التى عملوا فوقها المجامعات النفاقية.فهذه الرواية كأيقونة ما مملوءة خوفاً وضعها الإله خالقنا فى ضمير كل واحد منا حتى إذا نظرنا مثل تلك الأمثال الرادعة نبعد عن الأفعال الرديئة.فأما الذين يغمضون أعينهم من معاينة تلك الرواية التى نُصبت لنا وعظاً فأولئك يتهورون بسهولة فى هوة اللذات.أنت إذاً فليكن ناظر ذهنك مقترناً بمثل هذه المعاينة لكى تصدم بالخوف الآلام النجسة وتطمر بانتظار السخط الآلام المضطرمة لأن من يتصور ذلك الرجز المسير من اللـه فلا يجزع ولا ينقبض ذهنه إن لم يستعمل هذه المعاينة استعمالاً زائداً. أما أنا الوانى لما نصبت فى عقلى هذه الرواية تنهدت ووضعت وجهى بين ركبتى وبكيت لما رأيت تصور جريان تلك النار المتداركة هولها والأرض نفسها مضطرمة وكلها مملوءة قتاماً ودخاناً.وقاتنيها قد ذابوا كالشمع، أترى لا تستطيع النموذجات والأحداث السالف حدوثها أن تعزل النفس الصخرية وتلينها.فمنذ الآن فلنتفرس فى هذه الرواية بمداومة، بل فلنتأملها بلا فتور لكي ما بالحرص فى الأشياء المفضلة نَهرب ونفلت من حيرة النقم السابق ذكرها لأن التوانى ينشئ عدم الخشية ومنها جميعاً تنشأ العادة، والذين يصيرون فى عادة السير يصعب انتشالهم منها وهم جانحون كل حين إلى فساد الثمر الروحانى.وينبغى أيضاً أن نتذكر يوسف كأنه فى أيقونة ونتفطن فى أمره كيف اجتذبته المصرية استخرجته إليها، أما هو المحب للـه فترك ثوبه وهرب من افتعال الدنس.بل ونعاين الشيخين اللذين كان فى بابل فى ذهننا كأيقونة، كيف استدعيا سوسنة المغبوطة إلى الفعل النجس فاستعملت هى فكراً مؤمناً شجاعاً فحطمتهما.هكذا فلنجاهد نحن بثبات ولا سيما إذ نتأكد أنه ليس مكتوماً إلا ويظهر، لكى يثنى علينا بتثنية الفضيلة والمدح كى نوجد مع الممدوحين لا مع المذمومين.فأما عن الذين يلتمسون استعلام كيف يتصرفون مع الإخوة ويسترضون الإله الحقيقى.فإذا صليتم عنا سنرسم لكم أخيراً بمؤزرة النعمة إيانا مهما أمكن أن يقال فى هذا المعنى ؛ وليكن بيننا وبينكم الرب عين الحياة الممطر سروراً وقداسه وسلامة ورجاء صالحاً على الذين يبتغونه بالحقيقة.قبل عنى الإخوة الذين معك، تقبلك الإخوة الذين هنا. مار إفرآم السريانى
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل