المقالات

12 يونيو 2019

وأخذته سحابه عن أعينهم

"وأخذته سحابه عن أعينهم" (أع1: 9)عند صعود السيد المسيح إلى السماء بعدما أوصى تلاميذه "ارتفع وهم ينظرون، وأخذته سحابة عن أعينهم" (أع1: 9) كان السيد المسيح في قمة مجده بين تلاميذه بعد القيامة.. وحينما كان يظهر لهم كانوا يفرحون بصورة غير عادية، إلى جوار الرهبة العميقة التي كانوا يشعرون بها في حضرته الإلهية حينما ظهر للتلاميذ في الأحد التالي لأحد القيامة، قال لتوما: "هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديَّ، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمنٍ بل مؤمنًا، أجاب توما وقال له: ربى وإلهي" (يو20: 27، 28)أي أن جميع التلاميذ قد اعترفوا بألوهيته، وأيقنوا ذلك.. وكانت القيامة هي الإعلان الدافع إلى ذلك، كقول معلمنا بولس الرسول: "وتعيّن ابن الله بقوة، من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات" (رو1: 4) في قمة هذا المجد الذي قال عنه السيد المسيح: "أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا، ويدخل إلى مجده" (لو24: 26)، اختار السيد المسيح أن يترك العالم، ويمضى إلى الآب حيث المجد السماوي ترك السيد المسيح تلاميذه بحسب الجسد حينما "انفرد عنهم وأُصْعِد إلى السماء" (لو24: 51)، ولكنه لم يتركهم بحسب لاهوته بحسب وعده "ها أنا معكم كل الأيام إلى إانقضاء الدهر" (مت28: 20)هكذا اتضع السيد المسيح في خدمته.. لأنه ترك العالم.. ولم يعد تلاميذه ينظرونه حسب الجسد.. وقد فعل ذلك وهو في قمة مجده على الأرض بعد القيامة، لأنه لم ينظر إلى المجد الأرضي.. بل كان المجد الحقيقي في نظره، هو أن يصنع مشيئة الآب الذي أرسله.. وأن يمضى إلى الآب ليدخل إلى الأقداس السماوية، باعتباره رئيس الكهنة الأعظم "خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان" (عب8: 2) المجد الأرضي الذي ناله السيد المسيح بعد القيامة، لم يجتذبه عن رسالته السمائية.. فغادر الأرض.. واختفى عن أعين تلاميذه. وأخذته سحابة عن أعينهم. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
11 يونيو 2019

بسيطًا في صعوده

"صعد الله بتهليل. والرب بصوت البوق" (مز46: 5) مع أن صعوده إلى السماء قد احتفلت به الملائكة أعظم احتفال.. إلا أن المظهر المنظور لصعود السيد المسيح كان بسيطًا للغاية، تمامًا مثل مظهر قيامته المجيدة بعدما ظهر لتلاميذه مرات كثيرة على مدى أربعين يومًا، "أخرجهم خارجًا إلى بيت عنيا. ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء. فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم. وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله" (لو50:24-53)لم يصعد الرب مثل إيليا النبي في العاصفة إلى السماء. ولم تظهر مركبة من نار وخيل من نار لتفصل بينه وبين تلاميذه مثلما حدث مع إيليا وتلميذه أليشع وقت صعوده إلىالسماء. ولكن الرب صعد في هدوء عجيب أمام أعين تلاميذه، بعدما أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم حتى يحل الروح القدس عليهم. "ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض. وقالا أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء. إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء. حينئذ رجعوا إلى أورشليم من الجبل الذي يدعى جبل الزيتون الذي هو بالقرب من أورشليم" (أع1: 9-12) أراد السيد المسيح أن يؤكد حقيقة صعوده إلى السماء "حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا، صائرًا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد" (عب6: 20). لهذا صعد أمام أعين تلاميذه كما سبق أن وعدهم "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وأخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو14: 2، 3) وهكذا صعد مَن قدّم نفسه صعيدة مقبولة لله الآب على الصليب.. وكان لابد للصعيدة أن تصعد، وأن يدخل رئيس الكهنة الأعظم إلى قدس الأقداس السماوي. كقول معلمنا بولس الرسول: "وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا، قد جلس في يمين عرش العظمة في السماوات، خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان" (عب 8: 1، 2) وحينما صعد السيد المسيح ليدخل إلى مجده السماوي بعد أن صنع الخلاص لأجلنا.. رافقته جماهير من الملائكة، ونادت تلك الملائكة نحو حراس الأقداس السماوية: "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية، فيدخل ملك المجد"، وحينما سأل الحراس قائلين: "من هو هذا ملك المجد؟" أجابوهم قائلين: "الرب العزيز القدير، الرب القوى في الحروب.. رب القوات، هذا هو ملك المجد" (مز23: 7-10). فالسيد المسيح كان داخلًا إلى الموضع الذي لم يدخل إليه ذو طبيعة بشرية من قبل.. في أعلى السماوات حيث عرش الله القدير.. وقد أعلنت الملائكة المصاحبة لموكب الابن الوحيد أن القادم والمحتفَل بدخوله إلى الأقداس هو ملك المجد.. الرب العزيز القدير، القاهر في الحروب.. والذي انتصر على مملكة الشيطان، وحرر البشر، وفتح الفردوس، ورد آدم وبنيه إلى هناك، بعدما أعلن محبته على الصليب في طاعة كاملة للآب السماوي ما أروع ذاك المشهد الذي لخصه معلمنا مرقس الإنجيلي بقوله: "ثم إن الرب بعدما كلمهم (أي التلاميذ) ارتفع إلى السماء، وجلس عن يمين الله" (مر16: 19) لم يشأ السيد المسيح أن يبصر التلاميذ هذه الأمجاد العجيبة والمناظر السمائية وهو يدخل إلى السماء، لأن مشهد المجد هذا سوف يبصرونه في استعلان مجد ملكوته عند مجيئه الثاني ودخولهم معه إلى الأبدية. لم يشأ أن ينشغلوا بالمناظر الفائقة للطبيعة.. لكي لا تنسى الكنيسة رسالتها الحقيقية في حمل الصليب والكرازة بالإنجيل.. ولكي لا ينقادوا إلى الأمور العالية، بل ينقادوا إلى المتواضعين. أما المناظر السمائية الفائقة فلها وقتها المناسب، حينما يلبس القديسون أجساد القيامة الروحانية ليرثوا مع السيد المسيح في مجده قد يحدث في بعض الأوقات أن تظهر بعض الإعلانات السماوية لضرورة خاصة،ولهذا أرسل السيد المسيح ملاكين من الملائكة المصاحبين له ليؤكدوا للتلاميذ أنه قد انطلق إلى السماء، وأنه سوف يعود مرة أخرى. ولينصحوهم بالذهاب إلى أورشليم انتظارًا لحلولالروح القدس، وبداية عمل الكرازة المؤيّد بمواهب الروح لقد صار الصعود حقيقة مؤكَدة في وجدان الكنيسة، ولكن ليس مشهدًا تنشغل به عن رسالتها الحقيقية في خلاص البشراختفى السيد المسيح عن أعين التلاميذ إذ أخذته سحابة عن أعينهم.. ولكنه كان قد وعدهم قائلًا: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت28: 20) هو حاضر بلاهوته في كل زمان ومكان.. هو حاضر بروحه القدوس وفاعل في المؤمنين يستطيع القديسون في الروح أن يروه بأعين الإيمان.. بأعين القلب النقي.. بشركة الروح كما سبق فوعد قائلًا: "الذي عنده وصاياي ويحفظها.. أنا أحبه وأظهر له ذاتي" (يو14: 21) كما طوّب السيد المسيح القديسين وقال: "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت5: 8) لم تعد رؤية السيد المسيح منظرًا عاديًا ينشغل به البشر.. ولكنها صارت حياة تتدفق في قلوب الذين باعوا العالم، وأحبوا البر الذي في السيد المسيح، وحملوا الصليب من خلف فاديهم (المقصود إنه من حيث أن السيد المسيح قد مات حاملًا خطايانا، وأعطانا أن نحيا للبر الذي فيه، فحياتنا بعد صلب الإنسان العتيق بالعماد هي بحياة المسيح فينا "أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ" (غل2: 20). مثل التشبيه بقصة الأخوين البحارين اللذين قدّم أحدهما -وهو البار الذي أصابته القرعة ليركب زورق النجاة- قرعته وحياته للآخر الذي كان خاطئًا ويحتاج إلى التوبة ليحيا بها. ومات هو عوضًا عنه)، مرددين قول معلمنا بولس الرسول: "لي الحياة هي المسيح" (فى1: 21) وتحقق فيهم قول المرنم عن الكنيسة وأعضائها "كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز44: 13). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
10 يونيو 2019

صعد الله بتهليل

ورد في المزمور السادس والأربعين "صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق رتلوا لإلهنا رتلوا، رتلوا لمليكنا رتلوا.. الله جلس على كرسيه المقدس" (مز46: 5، 6، 8). كيف يمكننا فهم هذه العبارات دون الإيمان بظهور الله في الجسد، أي بتجسد الابن الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح هل يمكن أن يصعد الله دون أن يتجسد..؟! نحن في القداس الإلهي نقول مخاطبين السيد المسيح: (وعند صعودك إلى السماوات جسديًا وأنت مالئ الكل بلاهوتك) (القداس الغريغوري). أي أننا نفهم أن لاهوت السيد المسيح هو مالئ السماوات والأرض، ولكنه صعد جسديًا في يوم صعوده بعد قيامته بأربعين يومًا، وشاهده التلاميذ أثناء هذا الصعود المجيد المحاط بالملائكة الذين ظهر اثنان منهم للتلاميذ وهم يتطلعون نحو السماء بعد أن أخذت الرب سحابة عن أعينهم وقالا لهم: "إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماءسيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء" (أع1: 11). "صعد الله بتهليل"لا شك أن السماء قد احتفلت احتفالًا عظيمًا بصعود السيد المسيح وجلوسه عن يمين الآب.. لذلك قال المزمور أنه قد صعد بتهليل أي وسط تسابيح الملائكةالذين رافقوا صعوده. ويضاف إلى ذلك أنه يقول "والرب بصوت البوق"أي أن الله الكلمة قد صعد بتهليل وسط تسابيح الملائكة وبعضهم يضربون في الأبواق منذرين السماوات كلها بصعود الابن الوحيد المنتصر على الموت والمخلّص لجميع المفديين. ويؤكّد المزمور أهمية تمجيد الرب وتسبيحه في صعوده المجيد فيقول "رتلوا لإلهنا رتلوا، رتلوا لمليكنا رتلوا". وكيف لا وهو ملك المجد؟! ويقول المزمور أيضًا "جلس الله على كرسيه" وبالفعل فإن الله الكلمة يسوع المسيح بعد صعوده قد جلس عن يمين أبيه في عرشه السمائي. لذلك يقول القديس مرقس الرسول في إنجيله: "ثم إن الرب بعد ما كلّمهم ارتفع إلى السماء. وجلس عن يمين الله" (مر16: 19). ويقول معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: "بعد ما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب1: 3). وقال أيضًا: "عن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحًا وخدامه لهيب نار. وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور" (عب 1: 7، 8) وهو في هذا يقتبس من سفر المزامير (مز44). كيف يُقال "جلس الله على كرسيه؟" إن لم يكن المقصود هو الابن الكلمة الصاعد إلى السماوات. أما عن الآب فيقال أنه "جالس"لأنه لم يتجسد ولم يصعد ولم يجلس من بعد صعوده كما جلس الابن الوحيد المتجسد. ارفعوا أيها الملوك أبوابكم يقول المزمور الثالث والعشرون "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد؟ الرب العزيز القدير، الرب القوى في الحروب.. هذا هو ملك المجد" (مز23: 7،8، 10). من الواضح جدًا أن نفس هذا المزمور يتكلم أيضًا عن صعود السيد المسيح إلى السماوات العليا، إلى القدس السماوي، إلى عرش الله. الموضع الذي لم يدخل إليه من قبل ذو طبيعة بشرية. لذلك تعجبت الملائكة حراس الأبواب الدهرية، إذ ناداهم الملائكة المصاحبون لصعود ملك المجد قائلين أن ترتفع الأبواب لدخوله الانتصاري المجيد، فتساءلوا قائلين: "من هو هذا ملك المجد؟" فأجابهم الملائكة المصاحبون إنه هو الرب العزيز القدير.. الرب القوى في الحروب، هذا هو ملك المجد. وعبارة "الرب العزيز القدير" لا تطلق إلا على الإله الحقيقي فهي تقال عن الآب، كما تقال عن الابن، وعنالروح القدس، الإله الواحد المثلث الأقانيم،وقد قيلت عن الابن في هذا المزمور ليعرف حراس الأبواب الدهرية من هو الداخل إلى الأقداس بعد أن رأوه متجسدًا في صورة إنسان. وقيل عن الآب السماوي أيضًا "المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب الذي وحده له عدم الموت ساكنًا في نور لا يُدنى منه. الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية. آمين" (1تى6: 15، 16)، فهو أيضًا لهلقب "الرب العزيز القدير". ومن الواضح طبعًا أن الآب لم تفتح له الملائكة أبوابًا دهرية لكي يدخل وإنما هذا الكلام ينطبق فقط على الابن الوحيد الجنس حينما تجسد ثم صعد إلى السماوات. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
09 يونيو 2019

ها أنا معكم كل الأيام

قد يتساءل البعض، كيف قال السيد المسيح لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت28: 20) ثم بعد ذلك صعد إلى السماء بعد أن قال أنه سوف يعود في اليوم الأخير في مجيئه الثاني وأكّد ذلك الملائكة الذين ظهروا للتلاميذ في يوم صعوده (انظر أع1: 11)؟وللإجابة على ذلك نقول إن السيد المسيح قد صعد إلى السماء بحسب الجسد أو بحسب إنسانيته ولكن في نفس الوقت يملأ الوجود كله بحسب لاهوته. لذلك فعند لقائه معنيقوديموس أثناء خدمته على الأرض قال له: "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو3: 13). وهذا يعني أنه فيما كان يتكلم مع نيقوديموس على الأرض قال عن نفسه إنه هو في السماء: فهو أمام نيقوديموس بحسب إنسانيته، ومالئ السماء والأرض بحسب لاهوته، وكائن في حضن الآب كل حين. عن هذا الصعود يُصلى الكاهن في قداس القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات فيقول للسيد المسيح: (وعند صعودك إلى السماء جسديًا وأنت مالئ الكل بلاهوتك قلتلتلاميذك القديسين: سلامي أترك لكم سلامي أُعطيكم). إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي أيضًا قصد السيد المسيح إنه إن لم يصعد بجسده المصلوب القائم من الأموات إلى السماء فلن يحل الروح القدس على التلاميذ لأنه كان ينبغي أن يدخل إلى قدس الأقداس في السماء كرئيس كهنة ليشفع فينا أمام الآب كل حين كقول معلمنا بولس الرسول: "دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوَجَد فداءً أبديًا" (عب9: 12)"كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات" (عب7: 26)، "خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان" (عب8: 2)ولكن في كل ذلك لم يقصد السيد المسيح أنه بانطلاقه إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب في المجد سوف يتركالكنيسة، بل أنه سوف يذهب جسديًا وإنسانيًا إلى هناك ويرسل الروح القدس المعزى ليبدأ عمله في منح العطايا والمواهب الناشئة عن استحقاقات الخلاص بدم المسيح، ولتأكيد مشاركة الأقانيم الثلاث في عمل الخلاص ولكن من الجانب الآخر فقد أكد استمرار وجوده مع تلاميذه بحسب لاهوته وليس هو فقط؛ بل هو والآب السماوي "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا" (يو14: 23). عن هذا قال القديس أثناسيوس الرسولي: [عندما يصير الروح فينا، عندئذ يأتي الابن والآب، ويصنعون منزلًا فينا] (عن الروح القدسالرسالة الثالثة فقرة 6-صفحة 116) إن سُكنى الروح القدس في الإنسان تعني أيضًا حضور الآب والابن لأنه حيثما يوجد الروح القدس يوجد أيضًا الآب ويوجد الابن. ولكن الروح القدس هو الذي يوصّل لنا بركات الخلاص الممنوحة لنا من الآب والابن، وهو الذي يعمل في الأسرار في حضور الآب والابن. معكم كل الأيام إن هذه العبارة تملأ قلوبنا طمأنينة، فإن السيد المسيح بالرغم من صعوده إلى السماء فهو معنا كل الأيام وفي كل الظروف هو يشعر بنا وبكل ما نعانيه من أجل اسمه، و"لأنه فيما هو قد تألم مجربًا؛ يقدر أن يعين المجربين" (عب2: 18)، هو يلاحظ حروب الشيطان ومؤامراته وكل جيوش الشياطين وتجمهرهم حولنا في الحروب الروحية العنيفة كقول معلمنا بطرس الرسول "إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط5: 8، 9). هو يرى موجات الفكر المضاد للإيمان بوجود الله والمضاد للإيمان المستقيم والهرطقات والتعاليم الغريبة ويشعر بخطورتها على الكنيسة هو يرى الوسائل التكنولوجية الحديثة وانتشار الخلاعة والعثرات ووسائل الإثارة وخطورة كل ذلك على الشباب وعلى تماسك الأسرة وقداستها وجاذبية الأمور التي تضيع وقت الناس وتشغلهم عن الصلاة والتأمل في وصايا الله في الكتب المقدسة. هو يعرف أن إمكانياتنا أقل كثيرًا من إمكانيات الشيطان وأعوانه في وسط عالم يموج بكل هذه الموجات العالمية. وسفينة الكنيسة معذبة من الأمواج ولكن بالرغم من هذا كله فالإنجيل يخبرنا أن السيد المسيح -وهو على الجبل- كان يبصر سفينة تلاميذه في وسط البحر مساءً وهي معذبة من الأمواج. أما هو فكان في مناجاة مع الآب من أجل الكنيسة، ثم أتاهم ماشيًا على البحر في الهزيع الرابع من الليل وانتهر البحر والريح فخضع له الجميع وانبهر التلاميذ بعد أن أتاهم صوته: "أنا هو لا تخافوا" (مت14: 27). أنت معنا يا رب فلا نخاف. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
08 يونيو 2019

خير لكم أن أنطلق

"خير لكم أن أنطلق" (يو16: 7) قال السيد المسيح عن صعوده إلى السماء: "لكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم.. خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" (يو16: 6، 7) لم يكن أحد من التلاميذ يتصور أن في انطلاق السيد المسيح من هذا العالم خيرًا بالنسبة لهم. ولكنه بعد أن قضى معهم أربعين يومًا بعد القيامة وهو يظهر لهم ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله (انظر أع 1: 3)، حوّلت القيامة وظهورات السيد المسيح وأحاديثه نفوس التلاميذ إلى التطلع نحو الحياة بعد الموت وإلى الأمور الروحية والأمور السمائية فحديثه معهم عن الأمور المختصة بملكوت الله قد شمل ملكوت الله على الأرض في حياة الكنيسة وأسرارها وملكوت الله في السماء حيث الأبدية الممتلئة فرحًا وسعادة للقديسين لهذا نرى أن التلاميذ بعد ذلك قد فرحوا بصعود السيد المسيح إلى السماء كما ورد في إنجيل معلمنا القديس لوقا البشير "وأخرجهم خارجًا إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم، انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء، فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم، وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله. آمين" (لو24: 50-53)لقد فهم التلاميذ الخير في انطلاق السيد المسيح إلى السماء كسابق للبشر الذين آمنوا به وقبلوه كمخلِّص لحياتهم إنه قد مضى ليعد لهم مكانًا. وسيأتي أيضًا ليأخذهم ليحيوا معه إلى الأبد في منازل الآب السماوي لقد دخل السيد المسيح كرأس للكنيسة إلى أعلى السماوات، وبهذا أَصعد باكورة البشرية إلىالسماء (القداس الغريغوري). ورفع رأس البشرية الذي نكّسته الخطية إلى أسفل.. رَفَعَ رأس البشرية ببره وبقبول الآب لذبيحته الكفارية على الصليب هذه الصعيدة التي قبلها الآب على الصليب، كان لابد أن تصعد إلى أعلى السماوات. لأنه هكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده لقد تمجّد الحب بصعوده إلى حضن الآب السماوي، الذي هو ينبوع الحب الأزلي وهذا ما عبّر عنه معلمنا بولس الرسول بأن الآب قد أكرم الابن المتجسد ومجّده بعد أن قدّم طاعة كاملة لأبيه حتى الموت "وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان وضع ذاته وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفَّعهُ الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماءومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (في 2: 8-11) وبدخول السيد المسيح إلى الأقداس مرة واحدة أرسل الروح القدس المعزى إلى الكنيسة حسب موعد الآب كان السيد المسيح قد أعلن هذا الوعد من الآب قبل أن يتمم الفداء على الصليب. إن الآب سوف يرسل الروح القدس روح الحق المعزى باسم المسيح الفادي بعد أن يقوم بإتمام الفداء إنه وعد عظيم أن يسكب روحه على كل بشر، معطيًا الحياة الجديدة في المسيح، مانحًا غفران الخطايا والطبيعة التي تؤهِّل لميراث ملكوت السماوات،وأن يمنح الروح القدس مواهبه وعطاياه لجميع المؤمنين فتتكاثر مواهب الروح القدس إلى جوار ثماره اللازمة لخلاص الإنسان. أما المواهب التي لبنيان الكنيسةفقد مُنحت الكنيسة أن تتمتع بعمل الروح فيها مرشدًا إياها إلى جميع الحق وبهذا كُتبت الأناجيل وباقي أسفار العهد الجديد في العصر الرسولي، وصار الروح القدس يقودالكنيسة، ويختار الخدام للكلمة، ويحدد المهام الكنسية للكارزين، ويرسم للكنيسة أنظمتها التي سارت عليها بحسب التقليد الرسولي فيما بعد لقد اجتاحت الكنيسة في العصر الرسولي حركة قوية نقلتها إلى مدى الزمان. فبقوة الدفع التي أُعطيت للكنيسة استمرت في حفظ الإيمان المُسلّم مرة للقديسين، ولم تقو عليها بوابات الجحيم حسب وعد السيد المسيح لها أين هو بولس الساموساطي ولقيان وأريوس ومقدونيوس وأبوليناريوس وسابيليوس وديدور الطرسوسى وثيئودور الموبسويستى ونسطوريوس وجميع الهراطقة الذين استخدمهم الشيطان لإفساد الإيمان؟ لقد ظلّت الكنيسة بقوة الروح القدس حافظة للإيمان الأرثوذكسى إلى يومنا هذا. وستظل أمينة إلى مجيء الرب بحسب وعده الصادق لها بأن بوابات الجحيم لن تقوى عليها. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
07 يونيو 2019

الأوقات التي جعلها الآب في سلطانه

قبيل صعود السيد المسيح إلى السماء، أوصى تلاميذه أن لا يبرحوا من أورشليم إلى أن ينالوا قوة متى حل الروح القدس عليهم، "أما هم المجتمعون فسألوه قائلين: يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟ فقال لهم: ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 6، 7). كان السيد المسيح قد أخلى ذاته من المجد الأزلي الخاص به مع الآب والروح القدس، وذلك حينما ظهر في الجسد.. في صورة عبد.. في هيئة إنسان متضع، مطيع للآب السماوي.. لذلك خاطب الآب في مناجاته قبل الصليب قائلًا: "مجدّني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو17: 5). وكان وهو في دائرة الإخلاء ينسب السلطان والمجد إلى الآب، إلى أن يعود إلى مجده مرة أخرى، بصعوده إلى السماء كقول الكتاب "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كرز به بين الأمم، أومن به في العالم، رُفع في المجد" (1تى3: 16). فعندما صعد الابن الوحيد الذي تجسّد، دخل إلى مجده السمائي. ولهذا قيل "رُفع في المجد". لهذا قال الكتاب "صعد الله بالتهليل، الرب بصوت البوق" (مز46: 5). وقيل أيضًا "ارفعوا أيها الملوك أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية فيدخل ملك المجد" (مز23: 7). إن ملك المجد هو الذي رفع في المجد. حينما صعد السيد المسيح جسديًا، دخل بجسده إلى المجد كسابق لنا، وكرأس للكنيسة، وكرئيس كهنة أعظم.. "دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 12). وهناك في مجده مارس سلطانه الإلهي مثل الآب تمامًا بنفس المجد والكرامة ولهذا يصلى الكاهن في القداس ويقول) وصعد إلى السماوات وجلس عن يمينك أيها الآب ورسم يومًا للمجازاة، هذا الذي يأتي فيه ليدين المسكونة بالعدل. ويعطى كل واحد كأعماله ((القداس الباسيلي). في وجوده على الأرض قبل الصعود قال للتلاميذ: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7). أما عند دخوله إلى الأقداس السمائية، أي بدخوله إلى مجده فإن سلطان الآب هو سلطانه كما هو منذ الأزل. ولكنه حينما أخلى نفسه من المجد كان ينسب السلطان الإلهي إلى الآب. وفي مجيء السيد المسيح الثاني للدينونة قال عن مجيئه عبارتين متساويتين: "متى جاءابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه" (مت25: 31) و"إن ابن الإنسانسوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته.." (مت16: 27). فمجده في مجيئه الثاني للدينونة هو نفسه مجد أبيه،وليس هذا غريبًا عمن قيل عنه أنه هو بهاء مجد الآب (انظر عب 1: 3) السيد المسيح باتضاع عجيب كان يتكلم عن سلطان الآب أثناء وجوده على الأرضمخليًا ذاته. وكانت رسالته في إخلائه لنفسه هي أن يتمم الفداء بطاعة حتى الموت، موت الصليب"لذلك رفّعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم. لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء، ومن على الأرض، ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيحهو رب لمجد الله الآب" (فى2: 9-11) وقيل أيضًا عن السيد المسيح أنه هو "رب المجد" (1كو2:8) وبما أنه هو "رب المجد"و"رب لمجد الله الآب".. كان من الطبيعي جدًا بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، أن يجلس في يمين العظمة في الأعالي (انظر عب1: 3)، وأن يحدد بنفسه يومًا للمجازاة، هو يوم مجيئه للدينونة وفي رؤيا دانيال النبي تكلّم عن سلطان السيد المسيح ومجده فقال: "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سُحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام. فقرّبوه قدّامه.فأعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا 7: 13، 14) لقد أعطى السيد المسيح تلاميذه نموذجًا ومثالًا في الاتضاع، وفي الخضوع لمشيئة الآب السماوي، وفي التخلي عن مظاهر التباهي بالمعرفة حينما قال لهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7) ناسبًا السلطان لأبيه، مع أن سلطان أبيه هو سلطانه، ومجد أبيه هو مجده، وملكوت أبيه هو ملكوته.. بل إن ملكوت الآب يُنسب إلى الابن كقول الكتاب "ملكوت ابن محبته" (كو1: 13). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
06 يونيو 2019

لماذا صعد السيد المسيح؟

قد يتساءل البعض، لماذا صعد السيد المسيح إلى السماء بعد أربعين يومًا من قيامته من الأموات؟ ولماذا لم يبقَ في وسط تلاميذه على الأرض يشجعهم ويقويهم ويرشدهم ويقودهم إلى حين نهاية العالم؟ ونود أن نلخص بعض الأسباب كما يلي: أولًا: لأن السيد المسيح قد جاء من السماء، كان ينبغي أن يصعد إلى السماء بمعنى أن الصعود هو إثبات على ألوهية السيد المسيح وولادته من الآب قبل كل الدهور بحسب ألوهيته، وأنه هو نفسه الله الكلمة الذي صار جسدًا في ملء الزمان من أجل خلاصنا. وهو نفسه قد قال: "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو16: 28) لهذا قال المزمور "صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق" (مز46: 5). أي أن الله الكلمة هو الذي صعد إلى أعلى السماوات جسديًا وقال عنه يوحنا المعمدان: "الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" (يو3: 31). وقال السيد المسيح عن نفسه لليهود: "أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم" (يو8: 23). ثانيًا: أراد السيد المسيح أن يرُدْ إلى الإنسان كرامته بعد طرده من الفردوس حينما أخطأ الإنسان الأول. لقد طُرِد الإنسان الأول من الفردوس حينما خالف الوصية الإلهية، وجاء السيد المسيح -باعتباره آدم الثاني أو آدم الجديد- وقدّم طاعة كاملة لله الآب. وبهذا استحقت البشرية أن تسترد كرامتها المفقودة في شخص الرب المتجسد يسوع المسيح باعتباره رأس الكنيسة. لهذا قال معلمنا بولس الرسول عن الرب "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح" (أف2: 6) لقد رفع الله الآب رأسنا حينما استقبل رئيس خلاصنا بكل الفرح في الأمجاد السمائية. ثالثًا: صار السيد المسيح باكورة الداخلين إلى الأمجاد السمائية، كما كان باكورة للراقدين بقيامته المجيدة من الأموات لقد صار السيد المسيح بجسده الخاص باكورة ومتقدمًا في كل شيء بالنسبة للكنيسة التي هي جسده الاعتباري صار سابقًا لنا في قيامته التي لا يقوى عليها الموت وعربونًا للحياة الأبدية التالية. ولهذا صار أيضًا سابقًا لنا في صعوده إلى أعلى السماوات وفي دخوله إلى الأقداس التي نصبها الرب لا إنسان "دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوَجَد فداءً أبديًا" (عب9: 12) لهذا قال لتلاميذه: "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو14: 2، 3). رابعًا: أراد السيد المسيح أن يؤكد فكرة الملكوت السمائي. أي أن الحياة الأبدية بعد القيامة هي في السماء وليست على الأرض. ولكي نُدرك أن "ليس لنا هنا مدينة باقية، لكننا نطلب العتيدة" (عب13: 14) أراد أن يجعلنا نشتاق إلى السماء.. إلى حياة الوجود مع الآب السماوي وأن نشعر بغربتنا هنا على الأرض، متذكرين قوله المبارك: "حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا" (مت 6: 21) إن محبتنا للمسيح واشتياقنا إليه تجتذبنا باستمرار نحوه حيثما هو موجود. لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله" (كو3: 1). خامسًا: كان في صعود السيد المسيح إلى السماء جسديًا إثبات أن التقدمة التي قدّمها على الصليب نيابة عن البشرية قد قُبلت أمام الآب السماوي أي أن الصعيدة التي قُدمت على الصليب كان ينبغي أن تصعد إلى الآب، ليكون ذلك علامة منظورة على قبول الآب وسروره بها ما أمجد هذا اللقاء بين الابن الوحيد الغالب المنتصر في جسم بشريته والآب السماوي الذي أعلن مرارًا وتكرارًا سروره. بل هو موضوع سروره من قبل إنشاء العالم وإلى دهر الدهور بلا أي انقطاع. سادسًا: أراد السيد المسيح أن يوجّه تلاميذه إلى أحضان الآب السماوي. أي إلى إيجاد علاقة حب ودالة وصلاة بينهم وبين الآب كانت كل طلبات التلاميذ منحصرة في السيد المسيح أثناء وجوده وسطهم. وأراد بصعوده إلى السماء أن يجعلهم يطلبون من الآب مباشرة باسم المسيح لهذا قال لهم: "إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي؛ اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا" (يو16: 24). "في ذلك اليوم تطلبون باسمي ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني، وآمنتم أني من عند الله خرجت" (يو16: 26، 27) كان السيد المسيح يريد أن يربط التلاميذ بعلاقة حب مع أبيه السمائي. لهذا قال للآب "أنا مجدتُك على الأرض.. أنا أظهرتُ اسمك للناس.. وعرفتُهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو17: 4، 6، 26). سابعًا: أراد السيد المسيح أن يربط تلاميذه بعلاقة وثيقة مع الروح القدس ليتذوّقوا محبته ومواهبه وينقادوا به "لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (رو8: 14)أعطاهم السيد المسيح وعدًا بأن يرسل لهم الروح القدس الذي هو روح الحق الذي من عند الآب ينبثق،وقال لهم: "أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد" (يو14: 16)وحدثهم حديثًا طويلًا عن الروح القدس وقال: إنه "يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم.. ويخبركم بأمور آتية" (انظر يو14: 26، يو16: 13). وقال: "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أع 1: 8) وقال لهم: "متى جاء المعزى.. روح الحق.. فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم معي من الابتداء" (يو15: 26، 27). ووعدهم بأن ينطق الروح القدس على أفواههم: "لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم" (مت10: 20)، "أعطيكم فمًا وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها" (لو21: 15) بل قال السيد المسيح لهم: "خير لكم أن أنطلق (أي أصعد) لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7) كان من الضروري أن يصعد السيد المسيح ويمارس خدمته الشفاعية الكفارية كرئيس كهنة في المقادس السمائية لكي يشفع كل حين فينا أمام الآب ولكي يرسل الآب موعد روحه القدوس الذي يعمل في الكنيسة بالأسرار الإلهية لننال الخلاص والمغفرة "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا" (يو14: 2) بعد أن أعطى السيد المسيح جسده ودمه الأقدسين للتلاميذ في العشاء الرباني، بدأ يكلمهم عن انطلاقه إلى الآب وعن إرسال الروح القدس. كل تلك الأحاديث كانت في ليلة آلامه وصلبه، ليفهم التلاميذ طبيعة إرساليته من الآب، وعلاقة ذلك بالروح القدس في الكنيسة. فقال لهم: "وأما الآن فأنا ماضٍ إلى الذي أرسلني" (يو16: 5). وقال أيضًا: "لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضى إلى الآب" (يو14: 28) وقال: "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا" (يو14: 2). وأيضًا قال "خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم، وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (يو16: 28) وحينما حزن التلاميذ بسبب انطلاق السيد المسيح من هذا العالم، ابتدأ يعلن لهم: "أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7). إن إرسالية الابن الوحيد وظهوره في الجسد، ليست عزلًا للكنيسة عن الآب السماوي، بل مصالحة لها معه وانطلاق السيد المسيح إلى الآب يؤكد هذه الحقيقة، كما أن إرسال الروح القدس "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26)، هو تأكيد لنفس هذه الحقيقة الخالدة فالخلاص بصفة عامة هو عمل الثالوث القدوس، وليس عمل الابن فقط.الابن هو الذي قدَّم نفسه على الصليب فداءً عن العالم والآب هو الذي "بذل ابنه الوحيد الجنس، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة" (يو3: 16) والروح القدس هو الذي يلدنا في المعمودية، التي فيها نُدفَنْ مع المسيح ونقوم معه، وننال الطبيعة الجديدة، والتبني ومغفرة الخطايا الجِدية والفعلية.. وهو العامل في جميع الأسرار، وهو الذي يقود الكنيسة ويمنحها قوة الكرازة والشهادة للمسيح.. أي أن الروح القدس هو الذي يوصّل إلينا كل استحقاقات الفداء الذي صنعه السيد المسيح لأجلنا الآب هو الذي أرسل الابن فاديًا ومخلصًا. ولهذا يقول الكتاب: "ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح.. أي إن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه" (2كو5:18، 19) وهو أيضًا الذي أرسل الروح القدس ليوصل إلينا كل بركات الفداء ونعمة العهد الجديد كل عمل قام به الابن، لم يكن بمعزل عن الآب السماوي. ولهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي، لكن الآب الحال فيَّ هو يعمل الأعمال. صدقوني أني في الآب والآب في. وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها" (يو14: 10، 11) في اتضاع عجيب قال السيد المسيح لتلاميذه: "خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7) الأقانيم الثلاث يعملون معًا.. ولهذا فالروح القدس هو الذي سيوصل إلينا بركات الفداء الذي صنعه الابن على الصليب الآب والروح القدس أَرسلا الابن "والآن السيد الرب أرسلني وروحُهُ" (إش48: 16) والآب والابن أرسلا الروح القدس. "وأما المعزى الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26). "ومتى جاء المعزىالذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26) وبالرغم من أن السيد المسيح قد قال باتضاع:"خير لكم أن.. يأتيكم المعزى" (يو16: 7). إلا أن هذا لا يعني إطلاقًا عدم المساواة بين الابن والروح القدس.. أو أن الروح القدس أعظم من الابن. الدليل على ذلك قول السيد المسيح عن الروح القدس: "الذي سأرسله أنا إليكم" (يو15: 26) وقوله: "إن ذهبت أرسله إليكم" (يو16: 7) وقوله عن عمل الروح القدس: "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 14) و"يشهد لي" (يو15: 26) إن شهادة الثالوث هي واحدة. والحق المُعلَنْ من الثالوث، هو حق واحد. لهذا قال السيد المسيح: "متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 13-15) إن كل شهادة وكل نعمة فوقانية، هي صادرة من الآب، وهي باستحقاقات الابن، وهي تُمنح بالروح القدس. هي نعمة ثالوثية واحدة يتمايز فيها دور كل أقنوم. ولكن في مجملها هي عطية الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس لهذا يقول معلمنا يعقوب الرسول: "كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران. شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (يع1: 17، 18). كان السيد المسيح في إرساليته على الأرض يعمل دائمًا لإتمام مقاصد الآب السماوي، التي بعينها هي مقاصد الثالوث القدوس أي الأقانيم الإلهية معًا لهذا قال للآب في صلاته قبل الصليب: "أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يو17: 4)ولهذا أيضًا قال لتلاميذه: "خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" (يو16: 7). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
05 يونيو 2019

لي الحياة هي المسيح

إننا نستمد الحياة من المسيح الذي أعطانا جسده ودمه لنحيا بهما وقال: "من يأكلني فهو يحيا بي" (يو6: 57) المسيح هو (شجرة الحياة التي لا يموت آكلوها)، وحينما يقول: "أنا هو.. الحياة" (يو11: 25) فذلك لأننا نحيا به، كما قال معلمنا بولس الرسول: "لي الحياة هي المسيح" (فى1: 21). وقال أيضًا: "متى أُظهِر المسيح حياتُنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضًا معه في المجد" (كو3: 4)وكما قال السيد المسيح: "أنا هو.. الحياة" قال أيضًا: "أنا هو القيامة" لأننا نجدد قوة الاتحاد بالمسيح في موته وقيامته التي نلناها في المعمودية، وذلك كلما تناولنا من جسده المحيى المصلوب الحي القائم من الأموات القيامة بمعنى حياة النصرة على الخطية والنصرة على الموت الروحي تتحقق بالتوبة والاعتراف والتناول من جسد الرب ودمه فحينما نتناول من جسد السيد المسيح فإننا نتمتع بالقيامة ونحيا القيامة ونعترف بها بصورة عملية (بموتك يا رب نبشر، وبقيامتك المقدسة.. نعترف) (القداس الإلهي) إن السيد المسيح القائم من الأموات يكون حاضرًا في سر التناول المقدس ويمنحنا أن نحيا القيامة ونعايشها، لأن سر القربان هو امتداد لذبيحة الصليب أي لجسد الرب المصلوب المقام من الأموات البعض يشتاق أن يعيش أحداث القيامة مع مريم المجدلية وبطرس ويوحنا الرسولين وتلميذيّ عمواس وسائر الرسل والتلاميذ. ونحن نعيشها بالفعل في القداس الإلهي، بل ونتناول هذه القيامة لأن الرب قال عن نفسه: "أنا هو القيامة" لهذا يصرخ الأب الكاهن عند نهاية القداس في الاعتراف الأخير وهو يحمل الصينية وفيها الجسد المقدس: (يعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه) إننا نتناول القيامة ونتناول الحياة لأننا نتناول المسيح، لهذا ينبغي علينا أن نستعدبالتوبة الحقيقية لأن القدسات تُمنَح للقديسين المستعدين لدخول ملكوت السماوات أليس التناول من جسد الرب هو عربون الأبدية.. وهو وسيلة للتمرن على الدخول إلىالحياة الأبدية وملكوت السماوات؟ فكم مرة يدعونا الرب لنختبر قوة قيامته في حياتنا؟إن الاشتراك مع الله في الحياة الأبدية هو العطية الثمينة والعظمى التي طلب السيد المسيح من أجلها قبل صلبه حينما خاطب الله الآب قائلًا بشأن تلاميذه: "أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتنيلأنك أحببتني قبل إنشاء العالم" (يو17: 24) إن اشتراكنا مع الله في الخلود وفي الحياة الأبدية هو العطية التي ننالها في المسيح وبالمسيح، بقوة دم صليبه المحيى الذي نقلنا من الموت إلى الحياة "لأنه هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد الجنس لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون لهالحياة الأبدية" (يو3: 16) وقد شرح معلمنا بطرس الرسول إن اشتراكنا في الحياة الأبدية يستلزم أن نهرب من الفساد الذي في العالم بالشهوة مقدرين قيمة الخلاص الثمين، ومتمسكين بالمواعيد الإلهية فقال: "سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله، إلى الذين نالوا معنا إيمانًا ثمينًا مساويًا لنا، ببر إلهنا والمخلّص يسوع المسيح؛ لتكثر لكم النعمة والسلام بمعرفة الله ويسوع ربنا، كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العُظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة" (2بط1: 1-4)إن معلمنا بطرس الرسول يقصد أن حياة القداسة ضرورية لننال الوعد بميراث ملكوت الله. وهذا يقتضى الهروب من الفساد الذي في العالم بالشهوة، والسلوك في حياة المجد والفضائل الروحية وقد أكّد الرسول بطرس نفسه هذا المعنى في رسالته الأولى بقوله: "فألقوا رجاءكم بالتمام على النعمة التي يؤتى بها إليكم عند استعلان يسوع المسيح. كأولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم، بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة، لأنه مكتوب: كونوا قديسين لأني أنا قدوس" (1بط1: 13-16). نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد
04 يونيو 2019

الأسبوع الجديد

الأسبوع الجديد مرتبط بالخليقة الجديدة وبالسماء الجديدة والأرض الجديدة في الأسبوع الأول خلق الله العالم في ستة أيام واستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل خالقًا. وجاء السيد المسيح في امتداد اليوم السابع وقال: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 5: 17)وقال معلمنا بولس الرسول: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو 5: 17). إذن عاد الله يخلق من جديد في اليوم السابع وشفى المفلوج عند بركة بيت حسدا في يوم السبت، وكذلك خلق عينين للمولود أعمى في يوم السبت أي في اليوم السابع وعندما قام السيد المسيح قام "باكرًا جدًا في أول الأسبوع" (مر16: 2). أي في اليوم الأول من الأسبوع الجديد. أي أنه أعلن الحياة الجديدة وصار باكورة الراقدين في أول الأسبوع الجديد. وصار يوم الأحد هو يوم الرب الذي استراح فيه من عمل الخلاص فيوم الأحد في الوقت الحاضر هو باكورة الحياة الجديدة. ولكن الأسبوع الجديد بمعناه الشامل سوف يبدأ في القيامة العامة في مجيء المسيح الثاني لذلك نقرأ في سفر الرؤيا: "وقال الجالس على العرش ها أنا أصنع كل شيء جديدًا" (رؤ21: 5). ووصف القديس يوحنا الرسول ما رآه: "رأيت سماء جديدة وأرضًا جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا" (رؤ21: 1) نحن في يوم الأحد نعيش عربون الأبدية في يوم الرب حيث يقام الاحتفال الرئيسي بالإفخارستيا في أهم أيام الأسبوع. ويهتف الشعب للسيد المسيح (بموتك يا رب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السماوات نعترف). إننا نصنع التذكار [الأنامنسيس] حسب أمر الرب "اصنعوا هذا لذكرى" (لو 22: 19) فالكنيسة في يوم الأحد وبالتحديد في سر الافخارستيا؛ تحتفل بذكرى قيامة الرب وأيضًا بذكرى مجيئه الثاني حيث إن السر يأخذنا فوق الزمن لنحتفل بذكرى ما حدث في الماضي، وما سوف يحدث في المستقبل. ويصلى الكاهن في القداس الإلهي: (فيما نحن أيضًا نصنع ذكرى آلامه المقدسة، وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السماوات.. وظهوره الثاني الآتي من السماوات المخوف المملوء مجدًا). ولا عجب في ذلك فإن عربون الأبدية في سر القربان المقدس يرفعنا فوق الزمان لنعايش صلب السيد المسيحوقيامته المجيدة وصعوده ومجيئه الثاني عند استعلان ملكوت السماوات والعرس الأبدي إن سر الافخارستيا هو عشاء العريس قُدِّم للعروس. وهو العهد الجديد الذي يعلن أن الرباط الزيجي بين المسيح وعروسه الكنيسة هو عهد خلاص بالدم المسفوك علىالصليب "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمى" (لو22: 20، 1كو 11: 25). ما بين أرض الموعد والأبدية السبت في اللغة العبرية "سابات" معناه "راحة". وقد أوضح معلمنا بولس الرسول أن السبت بمعناه الحقيقي لن يتحقق في اليوم السابع. وبدأ بولس الرسول يربط بين اليوم والراحة بقوله في رسالته إلى العبرانيين: "يعيّن أيضًا يومًا قائلًا في داود: "اليوم" بعد زمان هذا مقداره، كما قيل اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسّوا قلوبكم. لأنه لو كان يشوعقد أراحهم، لما تكلم بعد ذلك عن يوم آخر. إذًا بقيت راحة لشعب الله،لأن الذي دخل راحته استراح هو أيضًا من أعماله؛ كما الله من أعماله. فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة" (عب4: 7-11)وقوله:"لوكان يشوع قد أراحهم"مقصود به أن أرض الموعد ليست هي أرض الميراث الأبدي. كما أنه بقوله: "يوم آخر" يقصد أن هناك يومًا آخر غير السابع وهو اليومالأول من الأسبوع الجديد أو اليوم الثامن إذا أضفنا اليوم الأول إلى أيام الأسبوع القديم وقد أشار القديس بطرس الرسول إلى الحياة الجديدة وارتباطها برقم ثمانية في مسألة تجديد الحياة على الأرض بواسطة نوح الذي أنقذه الله من الطوفان، إذ كتب يقول إن الله "لم يشفق على العالم القديم، بل إنما حفظ نوحًا ثامنًا كارزًا للبر، إذ جلب طوفانًا على عالم الفجار" (2بط2: 5). وبالرغم من أن ترتيب نوح بين الآباء الأول ليس هو الثامن منآدم، ولكن الكتاب أشار إلى ارتباط نوح الذي به تم تجديد الحياة على الأرض مرة أخرى برقم الثامن (أي الثامن من آنوش) فقال عنه: "ثامنًا كارزًا" كما أنه أكّد ارتباط الرقم "ثمانية" بتجديد الحياة مرة أخرى بقوله: "حين كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح إذ كان الفلك يُبنى، الذي فيه خَلَصَ قليلون، أي ثماني أنفس بالماء" (1بط3: 20). فهو لم يكتفِ بأن يقول إن الذين خلصوا من الطوفان هم عدد قليل، بل حدد العدد برقم "ثمانية". فالارتباط بين الحياة الجديدة ورقم "ثمانية" يؤكّد أن اليوم "الثامن"هو يوم الحياة الجديدة في المسيح الذي هو نوح الحقيقي. وقد وُلدت الكنيسة في حياتها الجديدة في بداية الأسبوع الثامن بعد القيامة. نيافة الحبر الجليل المتنيح الانبا بيشوى مطران دمياط ورئيس دير الشهيدة دميانة عن كتاب المسيح مشتهي الأجيال منظور أرثوذكسي
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل