المقالات

13 سبتمبر 2024

مسيح كل أحد

تقرأ علينا يا أحبائي الكنيسة في هذا الصباح المبارك فصل من بشارة معلمنا يوحنا الإصحاح العاشر عن الراعي الصالح، الكتاب المقدس يا أحبائي هو الذي يعطينا صورة أمينة صادقة عن شخص ربنا يسوع المسيح كراعي صالح هنا يحدثنا عن الراعي الذي يهتم بخرافه،والذي بمجرد أن تسمع خرافه صوته تتبعه، الراعي الذي يبذل نفسه عن الخراف أريد أن آخذ منظور صغير نقف عنده في رعاية ربنا يسوع المسيح، كان يرعى كل إنسان،وكان يرعى كل الإنسان لا يوجد فئة يا أحبائي إلا وافتقدها ربنا يسوع المسيح،وأحبها،وعلمها،وأطال أناته عليها جداً لا يوجد فئة إلا وخاطبها ربنا يسوع بما يناسبها على سبيل المثال نجده الآن يتحدث عن الراعي الصالح هذا يناسب الأشخاص الذين كانوا يرعون الغنم، ويظل يحدثهم عن تفاصيل كأنه صديق معهم في المهنة فعندما يحدثهم بأسلوبهم عن الراعي،والخروف، والذي يضيع،والحظيرة،والبحث،والراعي الذي خرافه تعرف صوته وتتبعه هذا الكلام كله من الذي يفهمه جداً؟ الرجل الراعي فالرجل الراعي عندما يسمع هذا الكلام يكون متأثر جداً،ويشعر أنه قريب منه لأنه يفهمه لأنه يعرفه،ولأنه داخل منه داخل اهتماماته فيقول له حقا كلامك كله صحيح أنا الراعي الصالح هو راعي صالح فيخاطب الإنسان بحسب ظروفه بحسب احتياجه سنرى الآن يا أحبائي أن ما من فئة إلا وخاطبها ربنا يسوع المسيح بما يناسبها راعي صالح لا يمكن فئة تسقط منه أبدا فهو خاطب جماعة رعاة الغنم وحدثهم عن مثل الخروف الضال يتحدث عن مدى رعاية واهتمام الراعي بكل غنم لديه ثم يأتي لفئة أخرى مثل المزارعين تجده يتحدث عن حبة الخردل وتجده يتحدث عن مثل خرج الزارع ليزرع يتحدث عن شجرة التين الأشخاص المزارعين الذين يعملوا في هذا المجال يتفاعلون مع هذا الكلام جداً ويشعرون أنه رفيق لهم وقريب منهم ربنا يسوع من أهداف تجسده أنه يأتي ويصير كواحد منا،ويقترب منا جداً،ومن اهتماماتنا التي تبدو تافهة وبسيطة بالنسبة له ما معني رجل راعي غنم فهو لا شيء، أو رجل مزارع لا شيء، فمن الممكن أننا ننظر لهذه الفئات نظرة دونية، لكن شاهد كم هو يقترب منهم، يحدثهم بأسلوبهم، ويدخل داخل اهتماماتهم ويحول هذه الاهتمامات إلى اهتمامات روحية بحيث أنه يجعله من خلال حياته العملية يتذكر أموره الروحية، وهذا إبداع، إبداع الإنسان الروحي، إبداع الإنسان الروحي أنه لا يكون هناك فاصل بين ما يفعله وبين الأمور الروحية، بين عمله وبين صلاته، بين حياته في المجتمع وبين رؤيته لله، بين عمله وتقواه، أبدا لكن على العكس قد يشعر أن الإثنين وجهين لعملة واحدة لذلك الآباء القديسين يعلمونا ويقولون لك صلي وأنت تعمل، وأعمل وأنت تصلي، اليدين تعملان والعقل والقلب يصليان، أنت عملك أنك رجل مزارع، حسنا أزرع، ازرع كيفما تريد، لكن وأنت تزرع تذكر أن هذه البذرة هي كلمة الله، وارجع إلى قلبك، فأنت من أي نوع من أنواع التربة، وكلما تزرع ترجوا أن تنتظر ثمر أعتبر أن الله بذر فيك كلمته وينتظر أن تصنع ثمر، ويقول لك أنت كرجل مزارع ما مشاعرك عندما تضع بذرة ولا تجد ثمر، يجعلك من خلال حياتك العملية تتذكر أمورك الروحية ما من فئة يا أحبائي إلا وتكلم معها بما يناسبها، شاهدنا الراعي، المزارع، وفئات أخرى كثيرة كالصيادين يتحدث مع الصياد ويقول له يشبه ملكوت السموات شبكة مطروحة في بحر، وهذه الشبكة تجمع كل شيء، ثم يقول له ماذا تفعل عندما تدخل الأسماك التي جمعتها من الشبكة، يقوم بفرزها، وعندما يفرزها الأسماك التي لا تعجبك ماذا تفعل بها؟! يقول لك ألقيها مرة أخري في البحر، قال له الملكوت هكذا شبكة مطروحة في البحر، البحر هو العالم والشبكة هي كلمة الله التي تصطاد الكثيرين، ويمكن أن تأتي لها أشخاص صادقين ويمكن أن تأتي لها أشخاص غير صادقين، يأتوا الملائكة يقوموا بالفرز في الدينونة الأمناء والأشرار يطرح الجياد عن يمينه أما الأردياء فيطرحهم في البحر، قال لك هذا هو عمل الله في العالم وعمل ملائكته، عندما يتحدث مع رجل صياد بمثل هذا فهو بذلك يقترب منه جدا، من اهتمامه، من عقله، من قلبه، راعي صالح لا يترك فئة إلا ويخاطبها، يخاطبها باهتمامها، ويشعره بأن الأمر عميق جداً ولكن في بساطة شديدة. والآن دعنا نري فئة أخرى على سبيل المثال نجد سيدة بسيطة لا تعرف في الصيد أو الزراعة، فهذه سيدة تجلس في المنزل، لا تخرج من المنزل، لا يوجد بيت إلا ويقوم بالخبيز لأنه لم يكن يوجد أفران، فيحدثها ويقول لها "يشبه ملكوت السماوات خمير صغير تخبأ في ثلاثة أكيال دقيق لتخمر العجين كله"، تكلم عن اهتمامها وعملها في المنزل، كلما تخمر السيدة في المنزل تتذكر أن هذا هو الملكوت، الملكوت القليل الحي الفعال الذي ينتشر في صمت وهدوء وفي سرعة، هذا هو الملكوت، كيف يسود ملكوت الله على قلب الإنسان؟ خمير صغير توفر له فقط جو مهيأ، لأنه لكي يخمر أي شيء لابد أن تكون الحرارة قليلة، تكون دافئة قليلا، وتغطى لكي تعمل في صمت، تجد الحجم إزداد والرائحة ظهرت، الطعم ظهر، ما هذا كله؟! إنها الخميرة، هذا هو الملكوت، فالملكوت يظهر رائحته في الإنسان جداً، يظهر في ملامحه، يظهر في عقله، يظهر في اهتماماته في صمت شديد في خفاء شديد هذا هو الملكوت، فبذلك نجد السيدة التي تخبز قد علمها وكلمها، فهو راعي صالح يهتم بكل إنسان وبكل الإنسان، لا يوجد فئة إلا ونالت نصيبها من تعاليم ربنا يسوع المسيح ولكن ماذا عن الأغنياء؟! الطبقة التي يقال عليها الأرستقراطية، حدثهم عن مثل الغني ولعازر، وظل يروي لهم ويقول لهم الناس التي استوفت خيراتها على الأرض، ولكن هذه طبقة موجودة كثيراً، وفي نفس الوقت يخاطب الفقير جداً ويعزيه، يقول له انتبه لا تحكم بما يحدث الآن فهذه مرحلة، لكن أحكم بعد ذلك، بعد ذلك ما هي النهاية؟ سوف تنقلب الصورة تماماً، والذي كان يتنعم هذا سوف يتعذب، والذي كان يتعذب هذا سوف يتعزى، والرجل الذي كان يظل يحتقر هذا الفقير سوف يقول له أرجوك أنا أريدك فقط أن تأتي بنقطة صغيرة من الماء، سوف يتوسل إليك ما هذا؟! عزاء للفقير وفي نفس الوقت توبيخ وإنذار للغني، ما من فئة إلا وحدثها وأيضا الناس التي تعمل في الأعمال الخاصة والتجارات الثمينة قال لهم يشبه ملكوت السموات تاجر لآلئ حسنة، حتى هذه الفئة، تخيل إذا كان هناك مجموعة من الفئات ولدينا من بينهم أشخاص تجار بالذهب، لابد أن نتحدث مع تجار الذهب يقول لك كلم أيضا تجار الذهب، تاجر لآلئ حسنة بمجرد أن يسمع كلمة تاجر لآلئ حسنة ماذا يفعل؟ ينتبه جداً، ويقول إنه يتحدث علي، هذا موضوع يتعلق بي، كيف يفهمني هذا الرجل هكذا؟ يقول لك عندما يجد جوهرة غالية كثيرة الثمن ماذا يفعل؟ من شدة فرحه يمضي ويبيع كل ماله ويأخذها، ما هذا؟ تاجر لآلئ حسنة، يريد أن يقول له هذا هو الملكوت يا سيدي، وجدته أم لا؟!، تظل تبحث عن اللآلئ التي تشتريها فهي كثرت جداً لديك، أنا أعرض عليك أن تستبدل هذه اللآلئ كلها فهي لآلئ مزيفة، فأنا أعرض عليك أن تستبدل هذه اللآلئ كلها باللؤلؤة الوحيدة الغالية الكثيرة الثمن هي ربح الملكوت، هل هذه المبادلة تتوافق معك أم لا؟، إذا وجدت أنها غالية سوف تمضي من شدة فرحك، إذا وجدت أن العملية ليست رابحة فإنك حينئذ لا تقدم على هذه البيعة، كل فئة يخاطبها بأسلوبها، مع تلاميذه يكلمهم بأسلوب، مع العامة يكلمهم بأسلوب، لدرجة أنه من كثرة ما إعتاد التلاميذ أنه يتكلم معهم بمفردهم وأحيانا مع الناس فتشتتوا في مثل الوليمة والفريسي قالوا له ألنا قلت هذا المثل أم قلته للجميع؟، نحن نريد أن نعرف أنت تقول هذا الكلام لنا أم أنك تقوله للكل؟ جميل جداً أن الراعي الصالح يكون افتقدني، يكون كلمني، ويكون كلامه أثر في، ويكون كلمته هذه شعرت أنها كلمتي أنا، خاصة بي أنا، لأنه كتبها لي أنا، أرسلها لي أنا، راعي صالح يهتم بكل نفس جداً، لا يوجد نفس لا تعنيه أبدا، حتى المقاومين، حتى المعاندين، المضلين، المطرودين، المجروحين، لا يوجد فئة أبدا يزدري بها، تجد أكثر ناس تقاومه الكتبة والفريسين، شاهد كم هو علمهم، كم هو أنذرهم، كم هو فتح قلبه لهم، كم فتح صفحات جديدة، يكلم الكتبة والفريسيين يقول لهم احكي لكم قصة، لكي تحاول تفهم واحد يكون يقاومك بشدة ممكن تحكي له حكاية، فيحكي له حكاية يقول له كان شخص لديه كرم فتركه ووكل أشخاص عليه، ثم غاب، فأرسل واحد من الكرامين لكي يأخذ الأجرة منهم فعندما شاهدوه ضربوه وطردوه، فأرسل واحد آخر فجرحوه وطردوه، انتبه هنا الدرجة تزيد مرة ضربوه مرة ثانية جرحوه، أرسل واحد ثالث قال لك أهانوه وضربوه وجرحوه وطردوه تظل تزيد الدرجة، ثم قال لك لا توجد فائدة أرسل ابني لعلهم يهابوه، فبمجرد أن وجدوا ابنه قالوا هذا الحل الوحيد، هذا نقتله نهائيا لأنه الوارث فقتلوه وألقوه، قولوا لي صاحب هذا الكرم ماذا يفعل؟ بالطبع الكتبة والفريسيين يفهموا ماذا يقصد؟، فهو يحكي لهم قصتهم لكن بذوق بلطف شديد، وكأنه يريد أن يقول لهم ألستم أنتم أيضا هكذا؟!، فقولوا لي ماذا أفعل أنا معكم؟ لأنهم يعلمون أنهم يخططوا لكي يتآمروا عليه ويقتلوه، يقول لهم قولوا لي ماذا افعل؟! يريد أن يقول لهم بالطبع الله أرسل نبي، واثنين، وثلاثة، وكما قال لهم القديس اسطفانوس "أخبروني أي من الأنبياء لم تضطهدوا" قولوا لي على أحد الأنبياء قمتم بتكريمه، لا يوجد نبي تكرم، كل نبي كان الشعب يتمرد عليه، نبي مثل دانيال يوضع في جب، نبي مثل أشعياء يقتلوه وينشروا عظامه، لا يوجد نبي رحبوا به، قال لهم إذن هؤلاء هم الذين أرسلهم لكي يتابعوا كرمي، وفي النهاية أرسل ابنه لعلهم يهابوه فقتلوه، ماذا يفعل؟! لم يقدروا أن يجيبوه، فهو سؤال صعب جداً، قال لهم أنا أقول لكم، ماذا يفعل؟ يأتي هو ويأخذ هذا الكرم ويعطيه لآخرين، هذه هي كنيسة العهد الجديد الذي جاء ربنا يسوع في العهد الجديد أزال رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين، والمقيمين على الخدمة، والمقيمين على الكرم، والمقيمين على الناس والرعية، أزالهم وأقام رعاة جدد، أقام رسله، وأقام كهنوته، وأصبحوا هؤلاء هم الخدام الجدد، أين القدماء؟، وأين كرامتهم؟، انظر ما فعلوه، هم الذين حكموا على أنفسهم لا توجد فئة إلا ويخاطبها بما يناسبها، وبما تفهمه، جميل جداً أن الراعي الصالح الذي يقترب لكل نفس، الذي يكلم كل إنسان بحسب ظروفه، بحسب ثقافته، وبحسب اهتماماته، يشعر أن الله يخاطبه هو، وهو تحديداً، إذا كان راعي غنم، إذا كان رجل مزارع، إذا كان رجل صياد، إذا كانت سيدة منزل، إذا كان رجل غني، إذا كان رجل تاجر لآلئ حسنة، إذا كان من الكتبة والفريسيين، ويحكي أيضا مع تلاميذه أنفسهم ويحكي لهم بأمثلة وقصص، مع الخطاة شاهد القصص والحكايات التي قيلت للخطاة، على سبيل المثال عندما يبرز موقف مثل المرأة الخاطئة، عندما يحكي مثل كالابن الضال، يريد أن يقول للخاطئ مكانك موجود ومحفوظ لا تخف، لا تبتعد، اقترب فأنت مقبول، أنا أضمن لك ذلك، أنا الذي أقول لك أنت مقبول، ما هذا؟ لم يترك فئة، يجعل البعيد يقترب، القريب يثبت، الثابت ينمو إلى أن نصل إلى ملء قامة المسيح، وهذا هو دور الكنيسة في الرعاية، ما هو الذي تفعله الكنيسة؟ تخاطب كل الفئات، ما من فئه إلا وواجب على الكنيسه أن تخاطبها وتخاطبها بأسلوبها، تجد الناس الكبار في السن لابد أن يكون لهم خدمة، المرضى لابد أن يكون لهم خدمة، الأشخاص البعيدين والعمال والمشغولين يكون لهم خدمة ونذهب إليهم في أماكنهم، الأطفال يكون لهم خدمة، الشمامسة يكون لهم خدمة، كل الفئات، فمن من تعلمنا هذا الأسلوب؟! من الراعي الصالح، الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن الخراف، الراعي الصالح الذي اقترب من الإنسان جداً لكي ما يقدس كل الإنسان وكل إنسان، لذلك قال لك ماذا يحدث إذا كان هذا الراعي غريب عن خرافه؟ قال لك الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغريب، قال لك في كل مرة كان يكلمهم كان هناك أشخاص تتحير، تجد من يقول لك أنا استمعت لكلامه وأعجبت بهذا الكلام لكن لا أستطيع استيعاب قصده، وماذا يقول لي؟ أقول لك القصد واضح لكن أنا لا أستطيع أن أتخيل أنه يقترب مني جداً هكذا، أنا خائف لئلا يكون له قصد آخر لذلك يقول لك "أما هم فلم يعرفوا بأي شيء كان يكلمهم"، هل لا تعرفوا؟ يقول لك أنا الراعي الصالح يقول لك أنا الذي أبحث عنك، يقول لك تعال وأدخل داخل الحظيرة، تعال أنا أفتقدك، خلاصك أنا، راحتك أنا، سلامك أنا، البعد عني خسارة، البعد عني تيهان، البعد عني جوع، إذن تعالى والباب مفتوح، يعود ثانية ويقول لهم بما أنكم لم تنتبهوا أنا أوضح لكم مرة أخرى، فماذا تقول لهم لتوضح؟!، قال لهم أنا هو باب الخراف، بدأ يتكلم صراحة، في البداية كان يتكلم بمثل، لكنه الآن يقول لهم "أنا هو باب الخراف جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص ولكن الخراف لم تسمع لهم، أنا هو باب الخراف إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى"، يريد أن يقول له هل فهمت أم لا تفهم؟ الآن انتبهت؟!، يقول له تعالى وادخل من خلالي إلي، أنا باب الخراف أدخل من خلالي إلي، اتبع كلامي فتمتلكني، أدخل من خلال وصاياي فتشعر بالراحة والسلام، يدخل ويخرج ويجد مرعى، يجد خصوبة، صراع الرعاة حتى الآن على أين يرعون غنمهم؟ لأنه لا يوجد واحد يترك حقله لغنم غيره، فكل واحد صنع حقل لغنمه هو، فكان الصراع على الأماكن الخضراء، فكان من الممكن أن يذهبوا إلى بلاد غريبة لكي يجدوا فيها مراعي خضراء، هنا يقول لهم الذي يأتي إلي يجد هذا المرعى، وكان الراعي الأمين من شدة أمانته لأن الحقل متسع جداً فكانوا يفعلون مثل جدران بسيطة أو حدود خشبية ويصنعون في النهاية باب للحظيرة، فالراعي من شدة أمانته لكي لا يسمح لأي ذئب أن يأتي كان يجلس على الباب، يظل جالس على الباب، حتى عندما يريد أن ينام أو يستريح كان يسند جسمه على الباب لكي إذا جاء ذئب يمر من فوقه، فيستيقظ ويطرده أو يضحي بحياته هو أولا، هذا هو الراعي، هنا يقول لهم أنا هو الباب، أنا الذي أجلس على الباب لن تدخل إلا من خلالي، أنا الذي أجلس أسهر لرعايتك وفي نفس الوقت تدخل من خلالي، أنا هو الباب، من المؤكد أنه عندما يقول لهم أنا هو الباب تجد الرعاة يقولون له نعرف ذلك، قد لا نعرف نحن هذا الكلام، لكن يقولها لهم فيعرفوها، يخاطب كل إنسان بفئته، بثقافته، بذهنه لماذا؟ يقول لك لأنك أنت تهمني جداً جداً، أنت من الممكن أن تظن أن تعاليمي هذه عشوائية لا أبدا، فهي لكل إنسان، هي لك أنت تحديداً، لذلك الذي يريد أن يسمع صوت الله في الإنجيل سوف يسمعه، والذي يريد رسالة خاصة له تحديداً سيجدها، والذي يريد كلمة تناسب حالته سيجدها، والذي يريد كلمة تناسب ظروفه يجدها، والذي يريد كلمة تدخل داخل قلبه سيجدها، كل إنسان سيجد كلمة الله داخله لذلك هذا الراعي الصالح يكلمنا، يخاطبنا، يلح علينا، يكرر الكلام، كل هذا لكي في النهاية نقول له نتبعك يارب بكل قلوبنا، لأنه هنا قال لك خرافي تسمع صوتي فتتبعني.ربنا يعطينا أن نتبعه، وأن نميز صوته، وأن نكون خراف أمناء له، وأن نكون مستفيدين بكل تعاليمه، تدخل إلى قلوبنا فنفعل بها.ربنا يكمل نقائصنا ويسند كل ضعف فينا بنعمته لإلهنا المجد دائما أبديا آمين. القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
12 سبتمبر 2024

الشهادة والاستشهاد

معني الاستشهاد لغويا: يقال في اللغة العربية استشهد بمعني قتل في سبيل الله هذا هو المعني الاصطلاحي، لكن المعني الاشتقاقي لكلمة الاستشهاد مشتق من الشهادة، فاستشهد بمعني سئل للشهادة، أو طلب للشهادة، والشهادة هنا الشهادة للإيمان الذي يدين به الإنسان ويزود عنه، هناك بعض الناس يقرؤها استشهد، لكنها استشهد. استشهد فلان أي طلب للشهادة، فشهد للإيمان الذي يؤمن به وشهداؤنا سئلوا عن إيمانهم فجهروا به، وأعلنوه في قوة وفي جرأة، وكانت شهادتهم كرازة للحكام، ولمن سمعوا شهادتهم، وكثيرًا ما ربحت هذه الشهادة لملكوت السموات جموعا آمنوا بالمسيح، كان يترتب علي هذه الشهادة أن هناك أناسًا غير مؤمنين عندما يسمعون هذه الشهادة يؤمنوا بالمسيح، وأيضا يطلبون أن يموتوا شهداء, هذا هو إذن معني الاستشهاد، أن يشهد المسيحي للحق الذي يؤمن به. ويدعو الآخرين إلي أن يؤمنون، شهادة حق في إخلاص للحق وحب للحق، شهادة صدق من قلب طاهر مستند إلي الحق ذاته، وهو شهادة لشرف الحق الذي يعتنقه في فخر واعتزاز, فقد كانوا الشهداء فخورين بدينهم وبتبعيتهم للمسيح, ولم يكن الصليب عندهم عارًا وإنما لهم عزة وفخار، رسموه علي وجوههم وعلي أيديهم وهذا هو أساس دق الصليب علي اليد، وهي معروفة عندنا نحن الأقباط الدق بالإبرة وبنوع من الخضرة ليبقي في اليد ولا يمحَى، لكن أساسه كان في عصور الاستشهاد، من حب المسيحيين للاستشهاد، الآباء والأمهات كانوا يخافوا علي أطفالهم الصغار غير القادرين علي أن يتكلموا، فلو فرضنا أن الأب والأم قتلا من أجل المسيح, وتركا ابنهما الطفل، فخوفا عليه وعلي مستقبله فيدقوا علي يد الطفل منذ أن يكون رضيعًا علامة الصليب، حتى أن الطفل وإن كان لا يعرف الكلام فلو أوتي به أمام الحاكم فهذه العلامة التي علي يده تنطق أنه مسيحي. ولو فرضنا أن الأب والأم ماتوا والطفل بقي في الحياة، فعندما يكبر يعرف أن أصله مسيحي من علامة الصليب التي علي يده، وذلك من اعتزازهم وخوفهم علي ابنهم أو ابنتهم من أنها تحسب غير مسيحية، يكونوا فرحانين ومبسوطين أن أطفالهم يقتلوا من أجل المسيح، لكي يضمنوا مستقبلهم الأبدي، ولو فرضنا أن الأب والأم ماتوا فيكون الطفل فيما بعد لو ترك حيا يعلم أنه مسيحي من علامة الصليب، وهي الأثر الباقي الذي يذكره أنه مسيحي، وأنه تعمد بالمسيح وأصبح في حساب المسيحيين والاستشهاد أيضا معناه وفاء بالمعروف، لأن إنكار المسيح خيانة، والاعتراف به وفاء بحبه وتقدير لحبه وتكريم لدينه، نذكر كلمات المسيح له المجد من اعترف بي أمام الناس أعترف به أنا أيضا أمام ملائكة السماء، ومن أنكرني أمام الناس أنكره أمام ملائكة الله فالاستشهاد فيه اعتراف لتبعية الإنسان للمسيح ولا ينكره في ساعة الاضطهاد, وساعة الآلام، لا يتنكر لمعرفته للمسيح ولتبعيته له إنما يعترف به، أوقات الاستشهاد أوقات مرة وفيها يمتحن الإيمان، وفيها يكون فرصة للتعذيب. لماذا الاستشهاد؟ الشجرة في أوقات معينة وخصوصًا أوقات الخريف، تهتز هزة عنيفة، هذه الهزة العنيفة للشجرة تجعل الأوراق تسقط، لكن أية أوراق؟ الأوراق الصفراء الضعيفة، في الخريف تجد الأرض كلها مملوءة بالورق، ولكن الورق الذي سقط لصالح الشجرة, لأنه أنقذ الشجرة من هذا الورق الأصفر الضعيف، لأنه لولا سقوط هذا الورق الأصفر الضعيف لما كانت هناك فرصة للبراعم الجديدة الخضراء أن تظهر، في البلاد الباردة مثل إنجلترا وألمانيا أو روسيا وما إليها من البلاد، نري في الشتاء أن الشجرة كلها عبارة عن حطب أسود، كل الورق وقع لدرجة الواحد يقول الشجرة ماتت. والنجيل من كثرة ما يسقط عليه الثلج يتفحم ويتحول إلي لون فحم أسود، والواحد يقول خلاص الطبيعة ماتت وهذا الكلام لا نحسه نحن في الشرق لأنه لا يكون عندنا برد بهذه الشدة لدرجة يموت الورق والشجر، لكن في البلاد الباردة التي صل لدرجة البرودة أحيانا إلي 50,35,30 تحت الصفر فيحدث أن الورق يقع كله، وتنظر الأشجار عبارة عن حطب أسود، وفي الربيع في أواخر مارس تبدأ براعم خضراء ونوع من اللون الأخضر الخفيف يسموه Line Green تنبت البراعم الخضراء الجميلة والواحد يكون مبسوط جدا أنه يري البراعم الجديدة الخضراء وحينئذ يحس الإنسان بالأمل، ويفهم معني الأمل، ويفهم معني الموت ومعني الحياة بعد الموت لأن الحياة بعد الموت ممكنة، نري الشجر مات ومع ذلك تدب فيه الحياة من جديد، وبدلا من الأوراق الصفراء الزائلة التي سقطت نبتت براعم جديدة هذه سياسة ربنا في الطبيعة... لماذا؟ حتى لا يعطل الورق الذابل البراعم الجديدة، فالشجرة لازم تهز ولا بُد أن تمر عليها هذه التجربة الأليمة، لكي تقع الأوراق الصفراء الذابلة لكي تعطي فرصة للبراعم الجديدة الخضراء والمحصلة بعد كل هذا أن الهزة العنيفة لم تضر الشجرة وإنما أفادتها فهنا إجابة علي السؤال الذي نسأله أحيانًا لماذا الله يسمح بالتجارب والاضطهادات والآلام؟ لماذا يسمح بهذا؟ ثم يكون هناك سؤال أكبر من هذا، لماذا يترك بعض الشهداء يعذبوا ويأخذوا مدد طويلة من العذاب، مثلا مارجرجس أخذ 7 سنين, أي واحد فينا تمر عليه تجربة صغيرة يقول لماذا...؟ لماذا صنع الله ذلك، ويكون حزين ومتضايق من ربنا ويجدف علي الله، لكن نري واحد مثل مارجرجس استمر 7 سنوات، لماذا تركه ربنا يعذب....هذا سؤال؟ أو أبي سيفين أو الأمير تادرس أو الست دميانة أو غيرهم، كل هؤلاء السؤال يقول لماذا ربنا تركهم؟ لماذا من الأول ربنا لم يساعدهم أو ينصرهم علي الأعداء؟ الإجابة علي هذا السؤال أن ربنا يعطي الفرصة للامتحان أوقات الاستشهاد، أوقات الامتحان هذه يظهر العنصر الطيب فرصته لثبات الإيمان الكتاب المقدس يقول جملة مهمة، لا بُد أن يكون بينكم بدع ليكون المزكون ظاهرين، الذين تزكوا أي تطهروا بارزين, آباء الكنيسة الكبار العظماء ما الذي صنع عظمة هؤلاء؟ الآلام. لولا الآلام لما ظهرت عظمة هؤلاء الآباء الكبار، لما ظهر صبرهم، ولما ظهر عنصرهم القوي، ولما ظهر ثباتهم، ولما ظهر عنادهم في الحق، وهذه أمثلة ونماذج وأدلة علي المحبة لله وعلي الصمود والصبر وقوة الثبات وقوة الإرادة وقوة الإخلاص وعدم التزعزع وعدم التردد كل هذه الصفات كيف تبرز، كيف تظهر، كيف يتمرن الإنسان عليها؟ إلا إذا كانت هناك ظروف الآلام واضطهاد. فنحن كثيرًا جدًا نسمع من شعبنا هذا السؤال لماذا؟ لماذا يتركنا الله؟ لماذا لا يمد يده وينقذنا؟ الله يصبر ويري ويرقب من السماء ويعرف من الثابت, من الذي يتزعزع؟ من الذي يصمد؟ من الذي تخونه قواه؟ مَنْ الذي يستمر ومن الذي يرجع؟ وهذه العملية تطهر الكنيسة من العناصر الضعيفة. وهي مؤلمة لأن سقوط الأوراق من الشجرة خسارة ثم أنه يلوث الأرض، ولكن هذه العملية مفيدة للشجرة، تطهر الشجرة من الأوراق الصفراء الضعيفة الكنيسة من وقت إلي آخر في حاجة إلي هذه الهزة لتطهيرها، لتطهيرها من العناصر الضعيفة، الله لكي يحفظ للكنيسة استمرارها وبقائها يعطي الفرصة لأن تتخلص الكنيسة من العناصر الضعيفة المعطلة، لكي تتنقى الشجرة وتصير سليمة وتحمل رسالتها إلي الأجيال الآتية، فالاضطهادات مفيدة، وفترات الاستشهاد مفيدة، من جهة لبيان الثبات والصمود، وبيان محبة الإنسان لله إن كان حقًا يحبه من قلبه، هناك كثيرون يتبعوا الدين لأن تبعيتهم للدين تنفعهم، تنفعهم للدني، ويوجد آخرون يربحوا، علي الأقل غير النفع المادي الذي عند بعض الناس في بعض المجالات، يكون هناك نفع أدبي، إن هذا الإنسان ينال كرامة أو ينال مدحًا أو يمدح من الآخرين، فلان هذا رجل متدين أو إنسان متدين، هذه البنت متدينة، هذه تكسبهم شهرة وممكن يترتب عليها نوع آخر من الكسب من أي نوع، فنحن علي حساب المسيح نكسب، علي حساب الدين نكسب، هذه العناصر التي تستفيد من الدين عندما تأتي ساعة الشدة تسقط وتتخلي عن الدين وتتنكر للدين، فإذا هزت الشجرة وسقطت هذه الأوراق الضعيفة، فهذا خير للشجرة لكي تتخلص من هذه الأوراق الضعيفة حتى تبقي الشجرة وحتى تكون هناك فرصة للبراعم الجديدة وهذا ما قالوه بعض الآباء دماء الشهداء بذار الإيمان أي دم الشهداء يتحول إلي بذور تنبت منه نبت جديد، هذا ما لاحظناه علي مر العصور أن ثبات الشهداء ووقفتهم الشديدة، الأمانة لسيدهم بهر بها غير المؤمنين فآمنوا ويصبح هذا ضد ما أراده الحكام، أنهم يضطهدوا المسيحيين لكي يقل عدد المسيحيين وتتطهر البلاد منهم، فإذا بهذه الشهادة يولد مسيحيون جدد ومن أحسن طراز, لأن الشخص الذي يدخل المسيحية في أيام الاضطهاد يكون من العناصر الطيبة التي لم تأت للإيمان نتيجة أي إغراء مادي، إذن ما الذي دفعه أن يدخل المسيحية؟ هي الفضيلة التي رآها متمثلة في هؤلاء الشهداء الأبرار، فتأثرت نفسه بصمودهم وصبرهم وجهادهم وفضيلتهم، فأراد أن يتمثل بهم، بهر بثباتهم فانجذب إلي المسيح عن طريقهم. إذن دِماء الشهداء بذار الإيمان هنا نبين أولا أن الاضطهاد والاستشهاد لا مفر منه, وبعد ذلك هو مفيد لكيان الكنيسة، هزة عنيفة يترتب عليها أن تسقط بعض أوراقها الضعيفة، وإن كان هذا خسارة لكنه بالنسبة للشجرة فائدة ومكسب. نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد
11 سبتمبر 2024

عادات مرتبطة بعد النيروز

وجدت عند المصريين القدماء بعض عادات مرتبطة بعيد النيروز نلخصها فيما يلي: ١ - الاستحمام في النيل صباح يوم النيروز: ويشير ذلك إلى الاغتسال من أرجاس العام الماضي والمفاسد القديمة والتزام طهارة القلب . ٢- ارتداء الملابس الجديدة ومعناه تجديد النيات الصادقة والعزيمة القوية، والعزم على إتيان كل ما هو صالح ومفيد . ٣- الزلابية وكان من عاداتهم تناول خبز خاص في صبيحة يوم النيروز يصنع في جميع الأسر خاليا من الخمير، ويعرف باسم الزلابية أو المصبوبة، وهو يرمز إلى وجوب العيش بلا رياء ولا خبث . ٤- خبز الاتحاد المقدس وكان يخصص في المكان المعد لإقامة مهرجان العيد سنويا حقل واسع يسمى «حقل العيد» يباشر فيه كل من ملك البلاد والأمراء والوزراء والعلماء والعظماء والقواد وكبار رجال الدولة، الحرث والزرع بأيديهم، لكل منهم قدر معلوم، حيث كانوا يزرعون في هذا الحقل جميع الحبوب والحاصلات المصرية لتنمو معا، لكي يُصنع من دقيقه خبز يدعونه «خبز الاتحاد» مخلوطا بعضها ببعض مع الملح، ومصنوعا بكيفية خاصة، ويحضره الملك أو من ينوب عنه. وهو يشير إلى عهد وثيق يتجدد سنويا لتأييد الاتحاد بين الحكام والرعايا من جهة، وبين هؤلاء بعضهم وبعض من جهة أخرى،ويشير أيضا إلى العناية بحاصلات البلاد والعمل على إنمائها . ٥- تكريم العاملين وكان الأفراد الذين قاموا بعمل نافع للأمة في العام المنصرم يُقدمون لينالوا عظيم الإكرام تنشيطا لهم وتشجيعا لغيرهم . ٦- حقل النيروز وكان من عادة الملك والأمراء والكهنة أن يزوروا «حقل النيروز»، وهو من منتوت إلى الأشمونين، حيث يقدم رؤساء كهنة الإله توت للملك محراثا من الذهب تجره بقرتان من نتاج أبيس المقدس، فيحرث به خطا واحدًا، ثم يجاري الملك في ذلك الأمراء وغيرهم لكي يتعلم المصريون أن الزراعة حياة مصر، وأن من الواجب تنشيطها. ٧- النخيل واختار الأجداد شجر النخيل وثمره (البلح) شعارًا خاصًا لهذا العيد لأغراض سامية، فالنخيل يمثل رجال الأعمال المجدين، وهو لا يحتاج إلى عناية بأمره كرجل الجد، لا يعوّل في الدنيا على أحد. وقصدوا أيضًا إلى تنبيه الناس أن يعتمدوا على أنفسهم ليجودوا بثمر شهي نافع، وأن يقابلوا السيئة بالحسنة كالنخلة إذا رميت بحجر قابلت الرجم بالثمر . ثم رمزوا إلى السنة الجديدة بجريدة نخل بدون سعف إشارة إلى التجديد والثبات ولأن النخل ينبت غصنا في كل شروق للقمر، وإشارة إلى الاستقامة والعلو . وبالجملة فإن احتفالات النيروز أو رأس السنة كانت جامعة بين البهاء والعظمة والسرور، حيث كان كل مصري يستبشر باستقبال طليعة العام الجديد متوسمًا خيرًا في أن تكون زراعته ناجحة ولا سيما وأن النيل الذي ألهوه كان يتوقف على فيضانه نجاحها، حتى أن المؤرخين رأوا أن المصريين شديد و التمسك بهذا الاحتفال، وأن كهنتهم كانوا يقدمون بعض جواهر من هيكل أنس الوجود في جزيرة الفيلة التي كانت خصيصة بالكهنة فلا يطأها أحد سواهم . نيافة الحبر الجليل الأنبا متاؤس أسقف دير السريان العامر
المزيد
10 سبتمبر 2024

عصر الاستشهاد امتحان للإيمان

عندما تعيد الكنيسة بأعياد الشهداء إنما تقدم لنا نماذج للبطولة وللصبر، وللثبات علي الإيمان ولمحبة المسيح، والارتباط بالإيمان به وعدم التفريط في العقيدة وعدم التزعزع، إننا لا نحتفل بالنسبة لأعياد الشهداء بعيد ميلاد لهم، إنما نحتفل بعيد استشهاد، والكنيسة بهذا تريد أن تضع أمام أنظار شعبها بطولة وقداسة هؤلاء الشهداء وتقدم نماذج في الإيمان الثابت غير المتزعزع، وحتى تكون باستمرار أمثال هذه الأعياد حافزا لنا أن نكون نحن أيضًا ثابتين علي إيماننا، إذا تعرضت حياتنا لنوع من الضيق أو الألم أو الاضطهاد، فنتخذ من صبر آبائنا ومن ثباتهم علي الإيمان نموذجًا وأمثولة ومثلًا أعلي، حتى لا ننسي هذا الدرس في خضم الحياة أو تحت متاعبه، حتى لا ننسي أنفسنا إذا أظلمت الدنيا وضاقت واستحكمت حلقاته، من وقت لآخر تقدم لنا الكنيسة في أمثال هذه الأعياد سيرة هؤلاء الأبطال الذين سبقونا لنتعلم منهم حتى إذا فترنا في لحظة من اللحظات، أو ضعفنا وضعف إيماننا وخارت قوانا نعود فنتشجع ونتقوى فنثبت. في أيامنا هذه نسمع بعض أصوات من شعبنا، لماذا الله تركنا لماذا؟ لماذا يسمح بالضيقات لنا، أمثال هذه الأسئلة وعتاب مستمر نعتب به علي الله، كأن الله هو المخطئ، ونسوا أننا نحن نمتحن أحيان، وفي هذا الامتحان نثبت إذا كنا حقًا بالحقيقة مؤمنين وإلا كانت تبعيتنا للمسيح تبعية سطحية، لابد أن يكون من وقت إلي آخر امتحان، والامتحان ليس معناه أن الله بعيد عنا إنما يرقب من السماء ليري ماذا نحن عليه من صبر واحتمال، ماذا نحن عليه من أمانة، كن أمينًا حتى الممات فأعطيك إكليل الحياة لا يمنح الإكليل عبث، ولا يمنح بغير ثمن، لا يمنح مجان، كن أمينا حتى الممات أعطيك إكليل الحياة إذا كان هناك صبر، إذا كان هناك إيمان، إذا كان هناك احتمال هنا يكون الإنسان جديرًا بأن ينال الجزاء، إنما الديانة إذا كانت رخيصة، إذا كانت تبعيتنا للمسيح سطحية، فكيف ننال الجزاء وأين ومتى يظهر الاحتمال والإيمان؟ إن كان نحبه نحتمل من أجله وهذا دليل الحب، إذا كان حبا صادق، إنما لا يظهر الحب صادقًا إلا إذا امتحن، ففي الامتحان يظهر عنصر الإنسان، عندما يكون فيه قطعة من المعدن، ونريد أن نعرف إذا كانت ذهبًا حقيقيًا أم ذهبًا مزيف، يوجد ما يسموه المحك نحك به هذه القطعة الذهبية، بهذا المحك يتبين إذا كانت حقًا قطعة ذهبية حقيقية من عنصر الذهب النقي أم هي مزيفة التجارب التي تحيط بالكنيسة، الآلام والاضطهاد هو الذي به يفرز إيمان الصادقين من إيمان الكاذبين، ليعرف إذا كان حقا الذين يتبعون المسيح يتبعونه من قلوبهم، أم أنهم يتبعونه ظاهري، ومرة قال المسيح لبعض أتباعه حينما تجمهروا عليه، قال لهم: أنتم تتبعونني لا لأنكم رأيتم آيات فآمنتم، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم (إنجيل يوحنا 6:2),هذا تقرير مر، تقرير مؤلم من رب المجد يسوع المسيح، صدم به هؤلاء الناس الذين يتبعونه، جماعات كبيرة يتجمهرون من حوله، ويقولون له لقد أتينا من أماكن بعيدة، كأنهم يريدون أن يظهروا محبتهم له، لكنه عرف أن أكثرهم يتبعونه لا عن إيمان وإنما لكي ينتفعوا من ورائه بمعجزة يصنعها معهم فيؤمنون، أو أنه يقدم لهم مائدة من الطعام فيأكلون. قال لهم: أنتم تتبعونني لا لأنكم رأيتم آيات فآمنتم بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم فديانتنا لابد من وقت لآخر أن تخضع لمحك والمحك هنا التجربة جزي الله الشدائد كل خير عرفت بها صديقي من عدوي، لولا التجارب لما عرف الإنسان إذا كان هذا الذي يصادقه عن إيمان أو عن حب أو يصادقه عن منفعة. ونحن يمكن أن نتبع المسيح لأننا ننتفع من ورائه، فهنا التجربة تجعله يترك المسيح، فمن وقت لآخر يسمح للشيطان أن يهز الكنيسة، والمسيح لا يخاف من هذه الهزة لأنه أقوي منه، وهو يعلم أنه في آخر الأمر هو الضامن لسلامة الكنيسة، قال: أبواب الجحيم لن تقوي عليها لأنه الضامن, علي هذه الصخرة أبني كنيستي كنيسته مبنية علي صخرة والصخرة هو المسيح.لأنه من هو صخرة غير إلهنا، فلا خوف علي الكنيسة، لكن هذه الهزة تكون لصالحه، هل تعلمون أن الأشجار الكبيرة النخل مثلا تنزل جذورها إلي أعماق الأرض وفي بعض الأحيان تبلغ الجذور في النخلة إلي ضعف طول النخلة، حينما تهزها الأعاصير والرياح الشديدة يبدو أن الشجرة تهتز هزًا عنيفًا كأنها تنكسر، وطبعًا يترتب علي ذلك أن كثيرًا من الأوراق تسقط، كما نلاحظ في فصل الخريف كثيرا من الأوراق تسقط، لكنها عادة هي الأوراق الصفراء الضعيفة، سقوطها مؤلم لأنه خسارة ولأنه يلوث الأرض فتتسخ الأرض بهذه الأوراق الصفراء الساقطة علي الأرض، لكن المحصلة النهائية أن سقوط هذه الأوراق الصفراء، يعطي فرصة للبراعم الجديدة أن تنبت في الشجرة أوراقًا خضراء جديدة، لولا سقوط الأوراق الصفراء الضعيفة لما كانت هناك فرصة لأوراق جديدة خضراء زاهرة تنبت في الشجرة فكأن هذه الهزة العنيفة وإن كان فيها سقوط، لكن في المحصلة النهائية هذه الهزة مفيدة للشجرة لأنها تنقيه، تنقيها من الأوراق الصفراء الضعيفة وتعطي فرصة لأوراق جديدة، الكنيسة تتجدد، الاضطهاد والآلام لا تزيل الكنيسة أبدًا أبد، بل الاضطهادات والآلام والاستشهاد وما إليها من ظروف الآلام إنها تشد عود الكنيسة وتطهره، تطهرها من الأعضاء الضعيفة، وتعطي فرصة أيضًا لأن يتجدد فيها عناصر أخري جديدة، لم تكن موجودة يولدها الاضطهاد، وهكذا سري بين المسيحيين في كافة العصور مثل يقول: إن دماء الشهداء بذار الإيمان احفظوا هذه الجملة دماء الشهداء بذار الإيمان ماذا تعني دماء الشهداء بذار الإيمان؟ البذار هي الحب الذي يخرج منه بقول كثيرة، انظروا كيف يحول الله الشر إلي خير ويجعل الآلام فرصة لأن يقوي الإيمان ويزداد الإيمان ويعظم الإيمان بعض الشهداء عندما كانوا يتعذبون، والناس غير المسيحيين عندما كانوا يرون الاستبسال والشجاعة والقوة والصبر والاحتمال والأمانة والثبات وعدم التزعزع، كانوا يقولون ما أعظم هذا الدين وما أعظم هذا الإيمان وكانوا ينضمون إلي المسيح، وكان كثيرون منهم أيضا يتعرضون للاستشهاد، ألوف وعشرات الألوف ولدوا في الكنيسة بسبب الاضطهاد، لم يكونوا في الكنيسة أول، إنما ثبات المؤمنين كان سببًا في كسب هذا العدد الضخم أيام استشهاد مارجرجس أو أبي سيفين أو الأمير تادرس أو كل الشهداء، كانت هذه المناظر سببا في إثارة روح الإيمان في غير المؤمنين، وبهذا عاشت الكنيسة ولم تمت أبد، فترات الضعف الذي ظن أنها ضعف كانت هي الفترات التي فيها سر القوة، لأنها كما أن المرأة تعاني المخاض قبل أن تلد الطفل، هكذا الكنيسة عن طريق الاضطهاد وهو مخاضها تلد أولاد، إذا مرحبًا بالاضطهاد وبالآلام، إنها فرصة لإثبات إيماننا بالمسيح، فرصة لإثبات أمانتنا له، وثباتنا علي عقيدتنا، وهنا يبدو الإيمان ثمينًا غالي، الشيء الذي تدفع فيه ثمنًا غاليًا يكون غاليًا عليك، إنما الأشياء التي تأتي لك رخيصة تبقي رخيصة ليس لها قيمة، المثل الذي قاله سيدنا يسوع المسيح، قال: يشبه ملكوت السموات لؤلؤة كثيرة الثمن، فباع رجل كل ما يملك واشتري هذه اللؤلؤة، لا بد من عملية الشراء والبيع، لكن ماذا تشتري شيء ثمين أو شيء لا معني له، إذا كانت هناك لؤلؤة كثيرة الثمن والإنسان باع أشياء كثيرة في سبيل أن يشتري هذه اللؤلؤة يكون هو الكسبان، صحيح خسر أشياء لكن كسب ما هو أعظم مما خسر هكذا ملكوت السموات لا بد أن تشتريه بثمن غال لكي يكون ملكوت السموات غاليًا عليك أيضًا. لا بُد أن تدفع الثمن، لا تستطيع أن تأخذه بالرخيص، إن الله لا يرضي أن يبيع لك الملكوت بغير ثمن، والثمن هو الثبات وهو الاستمساك بمبادئ المسيح، هو تطبيق مبادئ الإنجيل، والاحتمال من أجلها وحينئذ يكون الجزاء المبارك، لا يكلل أحد إن لم يجاهد، احفظوا هذه العبارة لا يكلل أحد إن لم يجاهد جهادًا قانونيًا إكليل لكن لا تأخذه بالرخيص، لا بد أن تدفع الثمن لكي تشتري الإكليل، له ثمن وثمنه هو الجهاد لكي يكون غالي عليك، أثبت أنك تستحقه، إنما إذا لم يكن هناك تعب من أجله فكيف تستحق الإكليل، هناك مبدأ من المبادئ المقررة في الكتاب المقدس كل سيأخذ أجرته حسب تعبه التعب هو المقياس، هو المقياس في التفاوت في الجزاء، القديسون ليسوا في درجة واحدة، نجم يمتاز عن نجم في المجد، هناك نجم يكون لامعًا جد، هذا البريق اللامع هو الفرق في المجد لأنه يجذب الانتباه، لكن ليس كل النجوم في لمعان واحد، ليس كل الأبرار في درجة واحدة، هناك تفاوت في الجزاء لأن الله عادل ويقول أجازي كل واحد علي حسب عمله، لابد أن يكون هناك تفاوت في الجزاء وبالتالي أيضًا لا بد أن يكون هناك تفاوت في العقاب، لأن الله عادل. فكل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه من هنا تكون الآلام والاضطهادات يفرح بها القديسون لأنها هي التي تتحول إلي لآلئ في إكليلهم اللآلئ في إكليل المجد كيف تتكون؟ بالألم والجروح والتعب، إذن لا نحزن من التعب من أجل المسيح، ونترك الكلام الضعيف الرخيص الذي يخرج من أفواهنا من وقت لآخر ونقول لماذا ربنا سمح؟ كل هذا الكلام لم يكن الآباء يقولونه أبدا أبدا إنما نحن في فترات الضعف التي أصبحنا اليوم فيها نتضايق من الاضطهاد ومن الألم، كان آباؤنا يعتبرون الألم فرصة إظهار إيمانهم وتمسكهم به. لا تظنوا إذن أن الله تخلي عن الكنيسة، الله يرقب ليري الصابرين، كلنا نقول: صبر أيوب صبر أيوب، المسيحيون واليهود والمسلمون، العالم كله يقول: صبر أيوب لماذا؟ لأن أيوب صبر سبع سنوات علي آلام متوالية، ونجح أخيرًا بأنه لم يتزعزع إنما ثبت، لو كان أيوب انهار من أول تجربة مثل ما يحدث لن، كان أيوب اختفي مع الزمن مثل غيره، لكن ثباته جعل أيوب نموذجًا لكل الأجيال في الصبر والاحتمال وطول البال هكذا الآباء الذين نفتخر بهم الآن هم الآباء الذين تألموا، أكثر من غيرهم، لماذا مارجرجس يسمونه أمير الشهداء، المسيح في أحد ظهوراته وتجلياته له قال له: لم يقم من بين المولودين من النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان ولم يقم من بين الشهداء من هو أعظم منك لماذا مارجرجس، لأنه أكثر واحد تعذب، سبع سنوات متواصلة بكافة صنوف العذاب، لو كان قال أين ربنا؟ والله تركني، وهذا الكلام... لم يكن هناك مارجرجس، ولم يخرج لنا أبطال الإيمان، ولذلك يقول الكتاب المقدس: لابد أن يكون بينكم بدع ليكونوا المزكون ظاهرين، من الذين نفتخر بهم اليوم ونعيش علي سمعتهم وعلي سيرتهم من هم؟ هم الذين احتملوا والذين صبروا، إذن انتظار المسيح وعدم تدخله ليس لأنه بعيد عن الكنيسة، أو لأنه تخلي عن الكنيسة، أو لأنه ضعيف، لا...هو واقف يرقب ليري الصبر. ليري إذا كنا ثابتين علي الإيمان أو لا...فالضيقات، والآلام فرصة ليبرز فيها صبر الصابرين، ويبدو فيها الإيمان وبهذا الإيمان نكسب للمسيح أكثر مما نكسب في أيام الضعف وفي أيام الرخاوة، العود إذا أحرق تخرج منه الرائحة الجميلة، فبدون الحرق لا تخرج منه الرائحة الجميلة الرائحة الجميلة إذن في المسيحيين تخرج حينما تكون هناك ضيقات ويكون هناك حرق وضغوط عليهم، فإذا ثبتوا خرجت رائحتهم ذكية أمام الله وأمام الناس أيضًا وللأجيال وللتاريخ كنيستنا سميت كنيسة الشهداء لماذا؟ كنيستنا تفتخر اليوم أنه لا يوجد كنيسة في العالم كله صدرت إلي السماء عددًا من الشهداء بقدر ما صدرت كنيسة مصر. هذا فخرها ولذلك نحن نسبيا علي الرغم مما فينا من ضعف ما زالت عندنا بركة قد نكون نحن لا نستحقها ورثنا المجد عن آباء صدق أسأنا في ديارهم الصنيع إذا المجد التليد توارثته بناة السوء أوشك أن يضيع إنما نحن إذا كنا نعيش إلي اليوم فهذه بركة آبائنا الصامدين الأقوياء الذين صمدوا أمام الآلام، فعبدوا أمامنا الطريق وهيأوا أمامنا السبيل فدخلنا نحن علي تعبهم، آخرون تعبوا كما يقول المسيح وأنتم دخلتم علي تعبهم إذا كانت هناك بركة لنا وبركة لشعبنا فهي بركة هؤلاء الآباء الذين صمدوا علي الإيمان وثبتوا ولم يتزعزعوا ولم تخر قواهم، وتركوا لنا أمثلة للبطولة والشجاعة، فإذا لم نكن نحن صامدين نكون قد جلبنا العار علي كنيستنا وعلي آبائنا وعلي أجدادنا وعلي كل تاريخنا. نيافة مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس أسقف عـام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمى
المزيد
09 سبتمبر 2024

الدينونة ج2

لقد تكلّمنا مَعْ بعض فِى موضُوع عَنْ الدينُونة وَ قُلنا أنّنا سنُكمِلهُ ، وَ لقد تعّودت الكنيسة فِى نهايِة عام وَ بِدايِة عام أنْ تُكلّمنا عَنْ الدينُونة وَنُحِب أنْ نتكلّم وَ نتخيّل وَ لو قليِلاً عَنْ الدينُونة لأنّها حقيقة ، الدينُونة هى مِنْ أهم الحقائِق الرُّوحيَّة التَّى يجِب على الإِنسان أنْ يُفّكِر فِيها ، حتَّى يضمن ميراث أبدِى ، وَالّذى يبعُد عنها يُعرِّض نَفْسَه للهلاك وَتكُون دينُونتةُ لِلهلاك وَلِذلِك أجمل شيء لِلإِنسان أنْ يذكُر بِإِستمرار الدينُونة ، وَلقد قيِل عَنْ القديس الأنبا أرسانيُوس مُعلِّم أولاد الملُوك كم أنّ حياته كُلّها مملوءة توبة وَدِمُوع وَبِر وَتقوى ،وَمَعْ ذلِك وجدوهُ دائِماً بِيبكِى ، وَفِى لحظات قبل الموت وجدوهُ بِيبكِى ، فسألوه وَقالُوا لهُ ياأبانا أنت عايِش بِتقوى وَعايِش بِبر فلِماذا تبكِى ؟ فقال لهُمْ إِنّ رُعب هذِهِ اللحظة لَمْ يُفارِقنِى طوال حياتِى ، فإِنّنِى خائِف مِنْ أمرين :- 1/ الوقُوف أمام الديَّان العادِل 2/ وقت صدُور الحُكم علىَّ فهاتين اللحظتين رُعبهُمْ لَمْ يُفارِقهُ طوال حياته ، فالّذى يعيِش هذا الخُوف يضمن الخلاص 0 يقُول القديس العظيِم الأنبا مقَّار [ أُحكُمْ ياأخِى على نَفْسَكَ قبل أنْ يحكُموا عليك ] ، وَ القديس العظيِم الأنبا أنطونيُوس قال[ إِنْ دِنَّا أنفُسنا رضى الديَّان عنَّا ] الإِنسان ياأحِبَّائِى الّذى لاَ ينسى فِكر الدينُونة يرتفِع وَ يأخُذ ضمان لِلحياة الأبديَّة ، فالدينُونة عدل مِنْ الله ، وَربِنا فِيها يُعطِى كُلّ واحِد بِحسب أعماله ، وَلكِنْ السؤال الّذى نسأله هُنا أين مراحِم الله إِنْ كانت الدينُونة لهذِهِ الدرجة قاسية ؟ فأين مراحِم الله ؟ فنحنُ الآن يجِب أنْ نعيِش فِكر الدينُونة وَمراحِم الله تُدرِكنا بِحسب إِرادتِهِ ، فإِنْ كانت خطيَّة أبونا آدم تكلّفت أنّ الله يتجسّد وَ يُصلب ، فخطايانا ياأحِبَّائِى لاَ يليِق أبداً أنّ الله يتغاضى عنها بِدُون عدل فالله يقُول لك خطيتك أُجرتها مُوت فَلاَبُد أنْ تموت مِنْ أجلها ، فعدلِى يقُول أنّهُ لابُد أنْ تدفع ثمنها ، وَ رحمتِى تقُول أنّ الثمن الّذى لابُد أنْ تدفعه أنا أدفعه ، يعنِى لاَ توجد خطيَّة ستُغفر لنا أبداً إِلاَّ عِندما تنتقِل مِنْ حسابنا إِلَى حِساب الله ، فالخطيَّة هى تعدّى على الله وَ إِهانة لله ، وَأُجرِتها موت كُلّ خطيَّة ، وَكُلّ تعدّى على الله هى إِهانة لله ، لابُد أنّ العدل الإِلهِى يستوفى حقه ، وَلابُد أنْ يُعطِى موت عِوض الخطيَّة ، وَلابُد أنْ يدفع ثمن عَنْ الخطيَّة ، فأنا أضع خطيتِى عليه فينتقِل ثمن الخطيَّة مِنِى له ، وَفِى وقتها يوفِى الدين ، وَوقتها يتقابل عدل الله مَعْ رحمتهِ ، أتُرِيد أنْ ترى العدل يلتقِى بِالمراحِم ؟! أُنظُر إِلَى الصليب ، فنحنُ سيظل الحكُم علينا بِسبب خطيتنا مادُمنا لَمْ نُقدِّم توبة عنها ، فمهما كانت خطيَّة صغيِرة فإِنَّها لَنْ تُغفر أبداً إِلاّ عِندما تنتقِل إِلَى حِسابه القديسين يقُولُوا [ ليست خطيَّة بِلاَ مغفِرة إِلاّ التَّى بِلاَ توبة ] ، فمراحِم الله ليست معناها أنْ يتنازل الله عَنْ ثمن الخطيَّة ، فالمراحِم هى أنْ تنتقِل مِنْ حسابِى لِحسابه ، فهذا هُوَ العدل وَالمراحِم ، وَلِذلِك يوجد خُوف علينا أنّنا بِإِستمرار نتكلّم عَنْ ربِنا الرحيِم وَقَدْ نسينا عدله ، تعّودنا أنْ نتكلّم عَنْ ربِنا أنّهُ غافِر وَقَدْ نسينا أنّهُ ديَّان لابُد أنْ يكُون الأمر عِندنا فِيه حُب أكثر مِنْ ذلِك ، وَفِيه تقدِير لِحُبه ، وَفِيه تقدِير لِمراحمة أكثر مِنْ ذلِك ، وَ لِذلِك بِإِستمرار الإِنسان بِيرفُض فِكر الدينُونة ، وَبِإِستمرار الإِنسان يُحِب أنْ يتكلّم عَنْ الأُمور السهلة وَيقُول الله غفر لِلمرأة الخاطِئة ، وَيُعطِى لِنَفْسَه تصرِيح بِالتساهُل وَ الإِستباحة ، وَيظِل الإِنسان يستمر فِى تعدّياته تحت بند أنّ ربِنا غفُور فَلاَ يليِق أبداً أنْ نستغل مراحِم الله وَحُب الله بِطرِيقة خاطِئة ، أبداً فعِندما أشعُر أكثر بِحُب الله فهذا يجعلنِى أكثر خجلاً وَأكثر تحفُّظاً ، وَأشعُر أنّ خطاياى أكثر عُمقاً لأنّنا نُوّجِهها لِشخص كُلّه مجد ، فلو كان ربِنا قاسِى لكان لنا عُذر لِخطيتنا ، لكِنْ ربِنا كُلّه محبَّة ، وَلِذلِك ياأحِبَّائِى الإِنسان كما أنّهُ بِإِستمرار يُحِب أنْ يتكلّم عَنْ رحمِة ربِنا ، لابُد أنْ يتذّكر الدينُونة0 جمِيلة الكنيسة عِندما تُكلّمنا كُلّ يوم وَتقُول[ هوذا أنا عتيِد أنْ أقِف أمام الديَّان العادِل] ( القِطعة الأولى مِنْ صلاة النَّوم ) ،جميِل أنّ الإِنسان كُلّ يوم يتذّكر فِكر الدينُونة ، فَلاَبُد أنْ يتذّكر الدينُونة الآن قبل أنْ يفُضح وَ تُكشف أعماله فِى صلاة السِتار نقُول [ يارب إِنْ دينونتك لمرهُوبة إِذ تُحشر النَّاس وَتقِف الملائِكة وَتُفتح الأسفار وَتُكشف الأعمال وَتُفحص الأفكار أيّةُ إِدانة تكُونُ إِدانتِى أنا المضبُوطُ بِالخطايا ! مَنْ يُطفِىءُ لهيِب النَّار عَنِّى ؟! مَنْ يُضِىءُ ظُلمتِى إِنْ لَمْ ترحمنِى أنت ياربُّ ؟] فكُلّ واحِد لهُ سِفر وَلهُ كِتاب ، وَالملائِكة ماسكة السِفر وَفِيه كُلّ سِيرتنا ، ففِى مرّة تكلّم سيِّدنا مثلث الرحمات البابا شنوده وَكان يقُول " لو تخيّلنا أنّ ملاك وقف وسطنا فِى الكنيسة وَكشف كُلّ أفكار وَخفايا كُلّ إِنسان لِمُدِة أسبوع واحِد ، مَنَ سيقدِر أنْ يقِف ؟ فتصُّورات المخادِع ستُكشف " ، فَمَنَ يقدِر أنْ يثبُت أمامه ؟ ! وَلِذلِك نقُول لهُ يارب أيّة إِدانة تكُون إِدانتِى أنا المضبُوط بِالخطايا ! ففِكر الإِنسان بِإِستمرار مملوء قباحات وَإِدانات وَشِرُور ، وَمملوء أنانيَّة ، فالإِنسان مُحتاج أنْ يُدِين نَفْسَه جيِّداً ، فلو خطايا الإِنسان إِنكشفت أمام المِنبر سيكُون أمر صعب أحد القديسين يقُول [ سنقِف أمامه كأنَّنا فِى مسرح فسيِح مُضاء ] ، فالضُوء مُتسلِّط جِدّاً ، وَالمسرح عالِى ، وَالأُمور مكشُوفة جِدّاً أمام مَنْ نعرِفهُمْ وَأمام مَنْ لاَ نعرِفهُمْ جميِل أنّ الإِنسان يتخيّل الدينُونة وَهُوَ على الأرض ، جميِل أنّ الإِنسان يحكُم على نَفْسَه ، مُعلّمِنا بولس الرسُول يقُول [ مُخيِف هُوَ الوقُوع بين يديِ الله الحىِّ ] ( عب 10 : 32 ) ، صحيِح ربِنا رحيِم وَلكِنّه عادِل ، صحيِح نحنُ جُبلته وَلكِنّه لَمْ يخلِقنا لِلدنس وَلِلشر ،فكيف تنتقِل مِنْ حسابِى لِحسابه ؟!! يقُول لنا أنا أعطيِكُم المذبح ، وَهُوَ إِسمه مذبح لأنِّى أُذبح عليه ، هُوَ بِيُذبح عليه عِوضاً عنَّا ، فموتنا بِينتقِل عليه ، وَهُوَ بِيُعطِينا حياة ، وَلِذلِك ذبيحة الصليب لَمْ يشأ أنْ تكُون قاصِرة وَلكِنّها مُمتدّة ، وَلازال يشفع فِى ضعفاتنا ، فهُوَ [ يُعطى عنَّا خلاصاً وَغُفراناً لِلخطايا00 ] ، فلو أنا مازالت خطيتِى علىَّ فما هُوَ عُذرِى وَماذا أقُول لهُ ؟؟!! لِذلِك لِنحذر مِنْ التوانِى وَالكسل ، لِنحذر مِنْ التأجيِل ، فمعنى أنّنِى سأتوب بعد ذلِك أنّنِى سأظل كارِهاً لك ، وَسأظل أُهينك وَ سأظل أضيِف إِلَى جِراحاتك جِراحات بِخطيتِى ، فكيف أتوب بعد ذلِك ؟ فالإِنسان الّذى يقُول لاَ أتوب الآن فكيف تكُون الدينُونة عليه ؟! المفرُوض ياأحِبّائِى مراحِم الله تُدرِكنا وَنعيِش فِيها ، وَنسعى لإِرضاؤه كُلّ يوم ،وَ لاَ نسعى أبداً وَ لاَ نقبل أبداً أنْ نُهِينه وَنُبغِضهُ ، كم أنّ الإِنسان الّذى يعيِش فِى الدينُونة وَيُفّكِر فِيها بِإِستمرار فإِنّها تحميه وَترفعه ، تحميه مِنْ الكسل ، وَتحميه مِنْ تسوِيف العُمر باطِلاً ، [000 إِنّها الآن ساعة لِنستيقِظ مِنَ النَّوْمِ000] ( رو 13 : 11 ) [هُوذا الآن وقت مقبُولٌ0هُوذا الآن يومُ خلاصٍ ] ( 2 كو 6 : 2 ) ، فكم مرّة ربِنا نادانِى لِلتوبة ؟ وَكم مرّة حذّرنِى أنْ لاَ أستمر فِى الخطيَّة ؟ مراحِم الله تجعلنا بِإِستمرار نتأملّ فِيها ، كثيراً الإِنسان بِيرفُض فِكر مخافِة ربِنا ،القديس الأنبا أنطونيُوس قال [ أنا لاَ أخاف الله لأنِّى أُحِب الله ] ،فهل أنا وَأنت وصلنا إِلَى درجِة محبِّة الأنبا أنطونيُوس حتَّى لاَ نخافه ؟ فالخُوف أنواع يوجد خُوف مِنْ شخص حتَّى لاَ يضربه أوْ حتَّى لاَ يوقِع عليه عِقاب مُعيّن ، وَلكِنْ الله بِالنسبة لىّ بحِبّه وَبخاف على مشاعره ، لِذلِك يجِب أنْ نصِل إِلَى مخافِة الحُب ، نحنُ نُحِبّه جِدّاً وَلِذلِك لاَ نُرِيد أنْ نجرحه لأنّهُ أبونا نحنُ مخافتنا ياأحِبّائِى لِربِنا بِسبب أنّنا فِعلاً نُحِبّه ، وَنُحِبّه مِنْ كُلّ قلوبنا ، وَلِذلِك يجِب على الإِنسان أنْ يعيِش المخافة وَتكُون الدينُونة أمامه فِى كُلّ وقت فتوجد واحدة أرادت أنْ تُسقِط قديس فِى الخطيَّة ، فتركها وَدخل الحُجرة وَوضع إِصبعهُ على شمعة ، فعِندما رأت ذلِك سألتهُ عما يفعل ، فقال لها أنا أحببت أنْ أتعرّف على لحظة مِنْ لحظات جُهنّم فالإِنسان الّذى فِى داخِله حضُور الله لاَ يُفّكِر أبداً أنْ يفعل الخطيَّة ، فهُوَ إِنسان عايِش بِإِستمرار يُفّكِر كيف يُرضِى ربِنا ، وَلِذلِك الإِنسان الّذى يعيِش تقوى ربِنا ، فالكلام عَنْ مخافِة ربِنا يكُون بِالنسبة لهُ كلام لذِيذ مِثل النَّاس فِى العهد القدِيم عِندما قال لهُمْ الأنبياء أنّ الله سيُدِيننا ، فقالوا لهُمْ نحنُ سوف لاَ نسمع لِكلامكُمْ ، كلّمونا بِالناعِمات ، وَلكِنْ الأمر ليس أنْ نتكلّم بِالناعِمات وَفِى النِهاية نجِد الحُكمْ علينا ، صعب نحنُ يجِب ياأحِبّائِى ككنيسة نعيِش تقوى وَبِر وَحياة فاضِلة مَعْ ربِنا ، يجِب أنْ يكُون بِإِستمرار خوف الله فِى قلبِنا القديسين قالُوا[ أنّ بِدايِة الطرِيق إِلَى الله هى مخافِة الله ] ، أتُرِيد أنْ تعيِش مَعْ ربِنا صح ؟ خاف ربِنا ، فإِنْ كانت ياأحِبّائِى الخطيَّة أُجرتها الموت فماذا سيفعل الإِنسان؟ الإِستعداد وَالتوبة :- لابُد بِإِستمرار أعيِش الإِستعداد وَالتوبة ، وَأضبِط فِكرِى ، وَأضبِط مشاعرِى ،فالكِتاب يقُول [وَمَنْ قال ياأحمق يكُونُ مُستوجِبَ نارِ جهنَّمَ ] ( مت 5 : 22 ) ،فهل هذِهِ فقط تستوجِب الحُكم ؟! نعم تستوجِب الحُكم مِثل طالِب يرسب فِى مادّة فإِنّهُ يرسب فِى باقِى المواد كُلّها ، كما هُوَ كان مُتبّع فِى نظام الدراسة قبل ذلِك ، فلو أنا وقعت فِى خطيَّة واحدة أستوجِب الحُكم وَأهلك ؟! نعم لأنّ هذِهِ معناها عدم محبَّة ، وَمعناها إِدانة ، لأنَّك تقُول لأخيِك ياأحمق وَمعناها بُغضة ، فالخطيَّة خطيَّة ، فنحنُ الّذين تساهلنا مَعْ الخطيَّة ،وَصِرنا نُدخِل الأُمور فِى بعضها وَنحالِلها وَلِذلِك ياأحِبّائِى الإِنجيِل واضِح جِدّاً وَيقُول لاَ خائِفُون يدخلوا السَّماء لاَ كذّابُون لاَ شتَّامُون ، فأنا مُمكِنْ أنْ أكُون واحِد مِنْ هؤلاء ، فماذا أفعل ؟ أتوب ، وَالكِتاب يقُول لك [وَالقداسة التَّى بِدُونِها لَنْ يرى أحد الرّبّ ] ( عب 12 : 14 ) فالقداسة لابُد أنْ نعيِشها بِأكثر حتميَّة ، فلِذلِك لابُد أنْ نعيِش بِأكثر تدقيِق ،فنحنُ سنُحاسب أيضاً على نقص الإِيجابيات ، فيقُول لك [جُعتُ فَلَمْ تُطعِمُونِي عطِشتُ فَلَمْ تسقُوني مرِيضاً فَلَمْ تزُورُونِي ] ( مت 25 : 42 – 43 ) فمُمكِنْ أكُون قَدْ كسِلت أنْ أُطعِم واحِد جوعاناً ، فنحنُ لَنْ نُحاسب فقط على السلبيّات وَلكِنْ نحنُ سنُحاسب أيضاً على نقص الإِيجابيات ، فعدم العطاء سيُديننا ، فكم مرّة عرفت أنّهُ يوجد واحِد مرِيض وَلَمْ أزوره ، [ فَمَنْ يعرِفُ أنْ يعملَ حسناً وَ لاَ يعملُ فذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ ] ( يع 4 : 17 ) فَلاَبُد أنْ نعرِف كيف سنُدان ؟ وَنعرِف مقاييس وَمعايير الحُكمْ وَنعيِش بِمُقتضاها لابُد أنّ ربِنا يستوفِى حقهُ فِى كُلّ أمور حياتنا ، فربِنا سيأتِى وَيقُول لك أين أنت مِنْ وصاياى ؟ أين أنت مِنْ أحكامِى ؟ وَلِذلِك نقُول [ لكِنْ تُوبِى يا نفسِى مادُمتِ فِى الأرض ساكِنة ]( مِنْ قِطع صلاة النوم ) تخيّلوا أنّنا نتكلّم كُلّ هذا الكلام وَمازال الحُكم لَمْ يأتِى علىّ ،فأنا لابُد أنْ أتُوب وَأُقدِّم وسائِل لإِرضاء الله أحد القديسين يقُول [ إِنّ سُكّان الجحيم يتمنّون لحظة واحِدة لإِرضاء ربِنا ] ، فهُمْ يُعّبِرُون لِربِنا عَنْ ندمهُمْ وَأسفهُمْ ، سُكّان الجحيِم مُشتاقيِن لِلحظة واحدة مِنْ التَّى نعيِشها الآن ، مادام الإِمتحان لَمْ يأتِى فهذا أمر حسناً ،فنحنُ الآن لنا فُرصة وَلكِنْ بعد ذلِك [ ليس رحمة فِى الدينُونة لِمَنْ لَمْ يستعمِلْ الرحمة ]( مِنْ قِطع الخدمة الثالثة مِنْ صلاة نِصف الليل ) فالله سيقُول لك أنا لَمْ أمسِك مراحمِى عنك أبداً ، فليس لك إِجابة ، وَلِذلِك الإِنسان يحتاج فِى صلواته أنْ يقُول لهُ ياربِنا أعطينِى الجواب الحسن أمام منبرك الرهيِب فالّذى أحسن إِلينا طوال العُمر فهذا كيف نُقسِّى قلبِنا عليه ؟ وَالّذى أحنى نَفْسَه لأجلِنا كيف نزيِد جِراحات على جِراحاته وَنُزيِد جلدات على جلداته ؟ فالإِنسان عليهِ أنْ يُقدِّم لهُ أعمال رحمة ، وَيُقدِّم توبة وَإِستعداد ، أمَّا الإِنسان الّذى يُؤّجِل التوبة وَالإِستعداد ستأتِى عليهِ اللحظة التَّى إِستنفِذ فِيها كُلّ فُرص التوبة ،وَستظل خطاياهُمْ هى التَّى تُعذِّيبهُمْ وَليس الجحيِم ، فالحالة التَّى سيكُونوا فِيها أشد مِنْ أىّ حالِة حُزن كان فِيها الإِنسان على الأرض ، يكفِى إِحساسهُمْ أنّهُمْ أهانُوا الله ، يكفِى إِحساسهُمْ أنّهُمْ خانُوا الله ، وَلَمْ يكُنْ حُزن فقط وَلكِنّهُ بُكاء وَصرِير الأسنان ، وَصرِير الأسنان يعنِى زنّة مِنْ الداخِل خارجة مِنْ الأعماق ، فالنَّار ليست نار ماديَّة وَلِذلِك يجِب على الإِنسان أنْ يُقدِّم توبة مِنْ الآن ، فالّذى يقُول أأجِل وَأمامِى الوقت طويل فإِنّهُ يجِب أنْ يُقدِّم توبة الآن لِكى يكُون عِندهُ رصيِد لِمحبِّة ربِنا ،فالإِنسان ياأحِبّائِى عِندما يُصّمِمْ أنْ يخُون ربِنا كيف تكُون دينونتهُ ؟! كُلّ عمل نعملهُ ياأحِبّائِى ربِنا ناظِر إِليه ، وَكُلّ بِر نعملهُ ربِنا ناظِر إِليه ، وَكُلّ خطيَّة نفعلها ربِنا يراها لأنّ عينيهِ تخترِق كُلّ الأُمور وَربِنا يقُول لك وَلِذلِك أنا مُت لأجلك ، وَلازِلت أُقدِّم ذاتِى لأجلِك ، وَأىّ خطيَّة لاَ تُقدِّم عنها توبة لاَ تنتقِل لِلدم ، وَلَمْ يُقدِّم عنها موت ، فأموت أنا وَهذِهِ هى دينونتِى ،وَلِذلِك علينا أنْ نُسرِع لِلتوبة ، لأنّ بِالتأجيِل سيمتلىء القلب قساوة ، وَالّذى يُؤّجِل يزّوِد الدينُونة عليه ، وَيزّوِد غضب ربِنا عليه ، وَيزّوِد القساوة ، وَالّذى يُؤّجِل على حِساب الرحمة سوف لاَ تأتيه التوبة وَ لاَ الرحمة فهل معنى إِنِّى أُخطىء فِى أبونا مرّة وَأعتذِر لهُ ثُمّ أُخطىء وَأعتذِر أستمِر على ذلِك فهل هذا يليِق ؟! فإِنْ كان ربِنا رحيِم ، وَإِنْ كان ربِنا مُحِب ، فالمفرُوض أنْ نفهم جيِّداً رحمتهُ ، وَأنّ عِشرتنا معهُ تنمو ، وَتسبِيحنا يزِيد ، وَصلواتنا تكُونُ أكثر عُمقاً لِذلِك فِى القُدّاس نقُول [ وَظهورهِ الثانِى الآتِى مِنْ السَّموات المخُوف المملوء مجداً] ، فهُوَ الّذى سيأتِى وَيُعطِى كُلّ واحِد كنحو أعماله إِنْ كان خيراً وَإِنْ كان شرّاً ياليت الإِنسان لاَ يستهتِر وَ لاَ يُؤجِل ، وَالدينُونة تكُون أمامه فِى كُلّ لحظة ، فإِنْ لَمْ نتُب مِنْ أجل أنفُسنا فلنتُب مِنْ أجل الكنيسة ، وَإِنْ لَمْ نتُب مِنْ أجل أنفُسنا فلنتُب مِنْ أجل سلام العالم صدّقُونِى ياأحِبّائِى مُمكِنْ خطيَّة واحدة تجلِب غضب على الكنيسة وَ على العالم مُعلّمِنا بولس الرسُول عِندما وجد إِنسان خاطِىء قال [فَإِعزِلُوا الخبيِث مِنْ بينكُمْ ]( 1 كو 5 : 13 ) ، وَ لاَ تُكلّموه لِذلِك ياأحبّائِى ربِنا مُمكِنْ أنْ يُعطِى رحمة ولكِنْ بِسبب توبِتنا ، ربِنا يُعطِينا إِستعداد لِلدينُونة ، وَنكُون أمامه بِلاَ لوم ، وَيُعطِينا الجواب الحسن أمام المِنبر الرهيِب ربِنا يسنِد كُلّ ضعف فِينا بِنعمِته وَلإِلهنا المجد دائِماً أبدياً آمين0 القمص أنطونيوس فهمى كاهن كنيسة مارجرجس والانبا انطونيوس محرم بك الاسكندرية
المزيد
08 سبتمبر 2024

الحياة الأبدية ج3

”وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي، آمين“(قانون الإيمان) مساكن الأبرار الحياة الطوبانية الحياة الطوبانية في الدهر الآتي هي الحياة الحُرَّة من الموت، وبالتالي من الخطية، وتكتمل بالحرية الدائمة إلى الأبد في حضرة الله. الحرية إلى الأبد:- في الحياة الأبدية كل طاقة بشرية سوف تتبارك في حضرة الله بما لا يمكن وصفه أو مقارنته بحياتنا في هذا الدهر فالنفس سوف تتبارك بالحياة الأبدية. وطاقة المعرفة في العقل البشري سوف تتبارك بالاستنارة، كما أوضح القديس بولس: «لأننا نعلم بعض العلم... ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يُبْطَل ما هو بعضٌ. لما كنتُ طفلاً كطفل كنت أتكلَّم، وكطفل كنتُ أَفْطَن، وكطفل كنتُ أفتكر. ولكن لما صرتُ رجلاً أبطلتُ ما للطفل» (1كو 13: 9-11) والإرادة سوف تتبارك بالاستقامة وصحة الحُكْم على الأمور، وبالسعادة بحُسْن الاختيار: «أما أنا فبالبرِّ أنظر وجهك، إذا استيقظتُ، وأشبع في يقظتي من حضورك» (مز 17: 15 – الترجمة العربية الحديثة) وأما الجسد المُمجَّد، جسد القيامة، فسيتبارك بالتحكُّم الصحيح في طاقات العواطف والانفعالات. أما طاقة التخيُّل، فستتبارك بفكر الأمان الكامل في الطوبانية المستقبلة بلا توقُّف حسب وعد المسيح: «ولكني سأراكم، فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم» (يو 16: 22). إنها سعادة لا يقدر أحد أن ينزعها من المُطوَّبين، لأنها قائمة على اتحاد أبدي مع الله إن الجسد الروحاني الذي سيقوم من الموت إلى الحياة الأبدية سوف يختبر استعادة الصحة الكاملة لحالة البشرية كما كانت قبل السقوط، كما أوضح سفر الرؤيا: «مَن يغلب فسأُعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله» (رؤ 2: 7)، والتي مُنِعَت عن الإنسان الأول بعد السقوط في مرض الخطية (كما في سفر التكوين 3: 24،22) إن حقيقة الموت الرهيبة جداً، والتي سيطرت على البشرية بسطوتها، هذه الرهبة ستتحوَّل بعد الموت وقيامة الأجساد إلى حرية من الموت، وانتصار وسعادة أبدية للأبرار: «ومتى لَبِسَ هذا الفاسد عدم فساد، ولَبِسَ هذا المائت عدم موت، فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: ”ابتُلِعَ الموت إلى غَلَبَة“. أين شوكتُك يا موت؟ أين غَلَبَتُكِ يا هاوية؟... ولكن شكراً لله الذي يُعطينا الغَلَبَة بربنا يسوع المسيح» (1كو 15: 54-57) وحقّاً كان يمكن أن تذوب وتذوي نفوس المؤمنين الغالبين في السماء أمام رهبة قداسة الله، ولكن النعمة الإلهية الموهوبة للمطوَّبين تُعطي لهم القوة ليحتملوا هذه السعادة الغامرة لأولئك الذين سيَحْيَوْن إلى الأبد في مجد حضرة الله. الأجساد المُمجَّدة للقديسين في السماء:- إن الوصف الوارد في الرسالة الأولى إلى كورنثوس (15: 42-53) هو مفتاح أوصاف النِّعَم التي سيتوشح بها جسد القيامة الذي سيلبسه الأبرار في ملكوت السموات: «هكذا أيضاً في قيامة الأموات: (الجسد) يُزرع (بالدفن في القبر) في فساد، ويُقام في عدم فساد. يُزرع في هوان، ويُقام في مجد. يُزرع في ضعف، ويُقام في قوة. يُزرع جسماً حيوانياً، ويُقام جسماً روحانياً» الجسم المُمجَّد، المتحرِّر من الموت، يوصَف في تعبير آباء الكنيسة (باللغة اليونانية) aphthartos، أي غير الفاسد. هذا الجسم الفاسد (بالموت) سيلبس الجسد ”غير الفاسد“ بالقيامة المزمعة أن تكون (1كو 15: 53). وسيصير في حالة أبعد ما يكون عن القلق بعد الموت: «الموت لا يكون فيما بعد» (رؤ 21: 4). وحتى النُّدوب (أي آثار جروح التعذيب قبل الاستشهاد) سوف تأخذ شكلاً بهيّاً، حيث لا تعود تشويهاً في الجسد، بل علامة مجد في أجساد الشهداء المُقامة من الموت، حسب تعبير القديس أُغسطينوس ويتميَّز الجسد المُقام من الموت، وبسبب خُلوِّه من ظلمة الموت، يتميَّز بالصفاء، واللمعان، والمجد، حسب قول المسيح: «حينئذ يُضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم» (مت 13: 43)، وهم بذلك يعكسون مجد الله الحال على أجسادهم. نفس هذا المجد الإلهي رآه من قبل تلاميذ المسيح في تجلِّيه وهو على الجبل: «وتغيَّرت هيئته قدَّامهم، وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج» (مر 9: 3،2)وأيضاً يتميَّز الجسد القائم من الموت، وبسبب خُلوِّه من الضعف، يتميَّز بالحيوية والقوة، حيث يتحرَّك الجسد بالخفة الكاملة كما تُحرِّكه النفس، كما ظهر ذلك في جسد المسيح بعد قيامته من بين الأموات وكذلك أيضاً، وبسبب تحرُّر الجسد المُقام من ضيق المكان وتقلُّب الزمان، فإنه يُمنَح عينين روحانيتين غير منظورتين. وهذا الجسد يتَّسم بالسموِّ الذي به تأخذ النفس على عاتقها حِفْظ حياة جسدها، وبهذا السمو ترفع الجسد إلى مستواها الروحاني، وبهذا يصير الجسد خاضعاً للروح. وحينما تحدث هذه التغييرات «حينئذ تصير الكلمة المكتوبة: ”ابتُلِعَ الموت إلى غَلَبَة“» (1كو 15: 54). هل السماء هي حقّاً جزاء أو مكافأة؟ ربما لا يكون مناسباً أن نقول إن الأبرار ينالون السماء جزاءً أو مكافأةً، إن كان المقصود بالجزاء والمكافأة أن يكون للإنسان حقٌّ أن يُطالِب بها أو يستحقها، لأن البار ليس له ادِّعاء الحق بالطوبانية النهائية كحقٍّ يُطالب به. إلاَّ أن السماء هي العطية الموعود بها للمؤمنين كنتيجة تلقائية ومباشرة لتجسُّد المسيح ولِبْسه طبيعتنا البشرية، فلأننا نحن فيه فسيتحقَّق قوله المبارك: «وإنْ مضيتُ وأعددتُ لكم مكاناً، آتي أيضاً وآخُذُكم إليَّ، حتى حيث أكونُ أنا تكونون أنتم أيضاً» (يو 14: 3)؛ وكذلك في صلاته الشفاعية يطلب إلى الآب: «أيها الآب أُريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم» (يو 17: 24). هل هناك درجات متفاوتة من المجد؟ كل قائم من الموت ومُحتفِل بأمجاد الله، سوف يعكس الصلاح الإلهي بطريقة مختلفة، هكذا يقول القديس إيرينيئوس أسقف ليون في القرن الثالث، والقديس كليمندس الإسكندري. هذا وبالرغم من أن كل واحد سوف يشترك في نفس الخلاص، إلاَّ أن انعكاس المجد الإلهي لن يكون على وتيرة واحدة، بل متنوعاً، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم ولكن حينما يقول القديس بولس الرسول مقارِناً بين مجد كلٍّ من أجسام الكواكب وأجساد الحيوانات وأجساد البشر، ثم يُقارِن بين مجد الشمس وبين مجد القمر وبين مجد النجوم، يقول الكلمات الآتية: «... ومجد النجوم آخر. لأن نجماً يمتاز عن نجم في المجد» (1كو 15: 41)؛ فإنه يتهيَّا للبعض أن هذه الآية ترمز إلى أمجاد متفاوتة في العظمة لأجساد البشر القائمين من الموت. وهذا التهيُّؤ غير صحيح، لأن الآية التالية تُظهِر قصد القديس بولس، وهو أن مجد جسد القيامة من بين الأموات يفوق كل أمجاد الأجسام المادية الأخرى: الشمس والقمر والنجوم، بالرغم مما بينها من تفاوت في المجد أما أنه يوجد ”تنوُّع“ - وليس تفاوتاً في درجة المجد - فهذا أمر معقول. فجسد الشهيد المسيحي المُثخن بالجراح وآثار التعذيب الوحشي الذي انتصر على قوات العالم المُعادي للمسيح، احتملها الشهيد بطريقة تختلف عن الطريقة التي انتصر فيها الناسك أو العذراء على الشهوة، أو عن الطريقة التي انتصر بها المعلم الكنسي المسيحي على قوى الضلال في التعليم في زمن انتشار الهرطقات. ولكن كما قال القديس بولس، فإنَّ الجميع على حدٍّ سواء سوف يتمتعون بنفس القدر من الغبطة والسعادة السماوية، إذ لن يكون سوى مجد واحد للكل، إذ أننا كلنا سنصير أبناء الله في المسيح يسوع ابن الله الوحيد ولأن الله عادل، فلن يكون ظلم في السماء. فما يبدو هنا على الأرض أنه تعارُض مع العدل أو جَوْر أو ظلم، فهذا يُعتبر بالنسبة لحياتنا الحاضرة المؤقتة نوعاً من الأنانية والتمركُّز حول الذات؛ أما في السماء، فالوضع يختلف، لأن الحياة هناك لن تكون نابعة من عطايا بشرية، بل كلها من نعمة الله المجانية للجميع. وكما يقول القديس أُغسطينوس: [لن يكون هناك حسد بسبب عدم تساوي في المجد، لأن المحبة الإلهية الواحدة هي التي ستسود على الجميع]. وليمة عُرْس الحَمَل: كل أعضاء جسد المسيح، وهم المدعوون إلى وليمة عُرْس الحَمَل المسيح: «طوبى للمدعوِّين إلى عشاء عُرْس الخروف» (رؤ 19: 9)، وهم الذي ذكرهم المسيح: «فيُرسل حينئذ ملائكته ويجمع مختاريه من الأربع الأرياح من أقصاء الأرض إلى أقصاء السماء» (مت 13: 27)، فهناك تكتمل الصورة الكاملة للكنيسة حيث تحتفل بعُرسها – أي اكتمال اتحادها الأبدي بالله – ويصفها القديس يوحنا الرائي كأنها عروس المسيح في يوم زفافها: «وأنا يوحنا رأيتُ المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مُزيَّنة لرجلها» (رؤ 21: 2)، مُحْتَفَى بها في مدينة الله الجديدة: «الروح والعروس يقولان: تعالَ» (رؤ 22: 17) وكما أن مَهْر العروس يسبق الزواج، هكذا المسيح قدَّم العطايا ليجعل العروس (أي البشرية المؤمنة به) تتمتَّع بالحياة الأبدية، كما قال هذا القديس يوحنا ذهبي الفم. والعطايا هنا هي: «مَن يعطش فَلْيأتِ، ومَن يُرِد فلْيأخذ ماء حياة مجاناً» (رؤ 21: 2). وماء الحياة هو شخص المسيح نفسه الذي سيكون مركز حياة المؤمنين المطوَّبين في السماء، وسيكون المسيح في هذه الرؤيا في صورة الحَمَل، بينما امرأته هي الكنيسة أي البشرية المفديَّة والممجَّدة في السماء: «لنفرح ونتهلَّل ونُعْطِهِ المجد، لأن عُرْس الخروف قد جاء، وامرأته هيَّأت نفسها... وقال لي: ”اكْتُبْ طوبى للمدعوِّين إلى عشاء عُرْس الخروف“. وقال: ”هذه هي أقوال الله الصادقة“» (رؤ 19: 7-9) أما الصورة الرمزية العكسية (رؤ 17: 4) فهي عن بابل رمز أورشليم الأولى، أي رمز العالم الحاضر الساقط، وفيها تظهر امرأة تبدو متسربلة بملابس مبهرجة رمزاً للإثم، وفي يدها كأس من ذهب مملوءة من رجاسات ونجاسات زناها. وتنتهي وليمة عُرْس هذه المرأة بانتهاء الأرض الأولى والسماء الأولى، وخَلْق أرض جديدة وسماء جديدة (رؤ 21: 1). ويأتي رمز أورشليم الجديدة، حيث الله والحَمَل يصيران موضوع العبادة والسجود، وحيث الحقيقة الجديدة في الدهر الآتي، وهي: «هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعباً، والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم. وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد، لأن الأمور (أنظمة وأنماط الحياة) الأولى قد مضت» (رؤ 21: 4،3). تسبحة الثالوث الأقدس:- وتتردَّد أصداء هذه الأفراح في ”وليمة عُرْس عشاء الحَمَل“، أي المسيح، إلى الأبد، وهي تسبيح الثالوث الأقدس ولا أفراحَ أخرى ولا تسبيحات غير هذه التسبحة تبثُّ المزيد من البهجة والفرح لشركة القديسين الله واحدٌ هو، غير منقسم إنه مُعطي الحياة للجميع، وفادي الجميع لقد سبق أن خُلِقَت هذه الخليقة، ثم سقطت في الموت، ثم افتُديت، وسوف تتمجَّد بحسب وعود الله في الحياة الأبدية في الدهر الآتي الله الآب خالق الكل، والمؤمنون يحتفلون ويُسبِّحون الآب، والابن الذي «به كان كلُّ شيء، وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس» (يو 1: 4،3)، والروح الأزلي الذي من خلاله يتكلَّم كلمة الله إلينا لقد دعانا الآب إليه من الظلمة إلى نور ابن محبته فالآب هو الله الحقيقي لقد كان الفداء هو العمل الأساسي للابن الذي أرسله الآب لنا نحن البشر، ومكَّننا الروح القدس أن ننال كل ما فعله الابن من أعمال الفداء ومنذ ما قبل الدهور والأزمنة، كان الابن مولوداً من الآب، كما يولد النور من النور وهكذا أتى الابن ليُخلِّصنا من الموت، لذلك قيل «فيه (في المسيح) كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس» فالابن هو الإله الحق من الإله الحق أما عمل تكميل وتحقيق كل شيء فهو منوط بالروح القدس، الذي قال عنه المسيح بأنه هو الذي «سيُرسله الآب باسمي» (يو 14: 26). فالروح يمكث فينا ليجعلنا نتغيَّر إلى شكل المسيح «إذا أُظهِرَ، نكون مثله، لأننا سنراه كما هو» (1يو 3: 2) أي أن رؤيتنا للمسيح في مجده في السماء، بانفتاح أعيننا لنراه كما هو، سوف تجعلنا نتغيَّر لنصير مثله! فالروح القدس هو الله إن سرَّ الله الثالوث هو: الله الآب، والله الابن، والله الروح القدس؛ وهذا هو الله الواحد. فهو الآب ضابط الكل، في ابنه ”كلمته الأزلية“، في روحه القدوس، الله الواحد. فالآب يُعطينا، من خلال ابنه المولود قبل كل الدهور، وفي الروح القدس روحه الأزلي. آمين: كلمة ”آمين“ هي آخر ما ننطق به بعد تلاوتنا لقانون الإيمان ابتداءً من: ”نؤمن“ إلى ”آمين“ والآن، من كلمة ”نؤمن“ (أول قانون الإيمان)، إلى ”وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي“، كلها تُثير فينا القول آمين.
المزيد
07 سبتمبر 2024

الحياة الأبدية ج2

”وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي، آمين“(قانون الإيمان) مساكن الأبرار (تابع) نهاية حياة الغربة على الأرض: يُشير الرب يسوع إلى الراحة النهائية للمؤمنين بهذا الوصف: «... أنا أمضي لأُعِدَّ لكم مكاناً. وإنْ مضيتُ وأعددتُ لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً» (يو 14: 3،2) الله كُلِّي القدرة يسكن: «في الموضع المرتفع المقدَّس» (إش 57: 15؛ «في العلاء» 33: 5)، «من السموات نظر الرب، رأى جميع بني البشر. من مكان سُكناه تطلَّع إلى جميع سُكَّان الأرض» (مز 33: 14،13؛ 24: 3؛ 91: 1) والمؤمنون السائحون على الأرض ينتظرون «المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله» (عب 11: 10). ولكن هذا الموضع مختلف عن أيِّ موضع آخر يعرفه الساكنون على الأرض. فالكتاب المقدَّس يتكلَّم عن السماء ويُصوِّرها بأوصاف تفوق تماماً حدود الخليقة المنظورة، كما قال عنها القديس بولس حينما قال إنَّ المسيح: «صعد أيضاً فوق جميع السموات لكي يملأ الكل» (أف 4: 10). لذلك، فـ ”الموضع“ يجب أن لا نفهمه على أنه مكان آخر في هذا الفضاء المحيط بنا في الزمان والمكان الله لم يترك ”الغرباء“ على الأرض، بل أعدَّ لهم مسكناً في حياتهم الآتية في الدهر الآتي. فالوحي الإلهي يتحدث عن ”مسكن“ للمؤمنين بعد الدينونة الأخيرة، إنه ”سماءٌ جديدة“ و”أرضٌ جديدة“ (2بط 3: 13؛ رؤ 21: 1؛ إش 65: 17؛ 66: 22) وفي ”أورشليم الجديدة“ سوف ”يسكن“ القديسون المُمجَّدون في الأجساد المُمجَّدة الجديدة التي استُعيدت لهم عند قيامة الأجساد. وهنا تظهر أهمية الوصايا السلوكية الآن في هذا الدهر، فطاعتها الآن [هي التي نتعلَّم منها على الأرض تلك المعرفة التي سوف تكتمل معنا هناك في السماء] – القديس جيروم. الرب نفسه هو الهيكل:- لم تَعُد القِبْلَة (اتجاه النظر والصلاة) إلى الهيكل في أورشليم الأرضية، كما كان عند اليهود قبل هدمه سنة 73م؛ بل صارت نظرتنا وقِبْلَتُنا تجاه الرب يسوع نفسه: «ولم أرَ فيها هيكلاً، لأن الرب الله القادر على كل شيء، هو والخروف (الحَمَل) هيكلها» (رؤ 21: 22). وليست وجهة عيوننا الآن إلى الشرق إلاَّ انتظاراً للمجيء الثاني للمسيح الذي سيكون هيكلنا ومسكننا الحقيقي في السماء الدافع الهادي لرؤيا يوحنا الرائي هو حضور الحَمَل القائم من بين الأموات، ولكن عليه آثار الذبح على الصليب (رؤ 22: 1)، والذي نحوه تُوجَّه التسبيحات الدائمة التي لا تتوقف لا من الأرض ولا من السماء. العمل المبارَك في السماء:- كل المطوَّبين في السماء سيتَّحدون معاً في العبادة لله والحَمَل (رؤ 4: 8؛ 5: 10،9؛ 7: 4-11)، وفي خدمة الله والحَمَل (رؤ 22: 3). وكل القدِّيسين «... يخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، الجالس على العرش يَحِلُّ فوقهم. لن يجوعوا بعد، ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحَرِّ» (رؤ 7: 16،15). إنهم يُسبِّحونه تسبحة الله. السماء ستكون موضع الموسيقى والألحان! وحتى الأبرار فإنَّ [الملائكة سوف تُسبِّح الله من أجلهم] – القديس هيبوليتس. إنه لا يمكن أن توجد سعادة كاملة إنْ أحس صاحبها بإحساس دائم وراسخ بأنها لابد أن يكون لها نهاية إنْ آجلاً أو عاجلاً؛ بينما السعادة الكاملة لابد أن تكون سعادة أبدية، كما يقول القديس أُغسطينوس السعادة الأبدية التي لا يمكن أن تنتهي هي الهناء المطلق، لأن كل نوع آخر من السعادة الأرضية هو عُرضة للإدراك الكئيب بأنه لابد أن يكون له نهاية وشيكة. أما التمتُّع بالوجود في حضرة الله فهو الابتهاج «بفرح لا يُنطَق به ومجيد» (1بط 1: 8)، حيث يرتفع الفرح إلى أعلى درجة من التعبير، كما يصفه القديس كبريانوس ويؤكِّد القديس يوحنا الرائي في رؤياه على تشبيهاته التي يستخدمها للتعبير عن الفرح الذي يختبره الشعب المفدي في السماء بأقصى ما يمكن من رؤى العين والخيال ولكن يجب أن نتنبَّه إلى أنه بالرغم من أن هذه التشبيهات المستخدمة تتضمن ما يُشبه المُتع التي في الحياة الأرضية، إلاَّ أن هذه المُتع الأرضية لا مكان لها في حياة الدهر الآتي. لأن كل هذه المُتع الأرضية يمكن أن يتمتَّع بها الإنسان إلى حين فقط، ثم يتبعها الإشباع ثم الذبول والنضوب ما يبعث في الجسد والنفس الاكتئاب والحسرة على عدم دوامها، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم أما أفراح السماء فهي نبع لا ينضب وكنز لا ينفد، حيث لا يبليه عث ولا سوس، ولا يسرقه سارق (لو 12: 33)، إنه «إكليل المجد الذي لا يبلَى» (1بط 5: 4). فالسعادة في السماء التي سيسعد بها القدِّيسون ستكون طاهرة تماماً، روحية تماماً، وذات طبيعة أرقى بما لا يُقاس، ما لا يمكن تشبيهه بأيِّ عمل جسدي أرضي، لأن السماء - بحسب قول القديس غريغوريوس النيسي - هي وحدها الحياة الدائمة الأبدية وصاحب سفر المزامير يُبارك الرب الذي يُسكِن جسده في القبر مُطمئناً، وسوف يملأه فرحاً في حضرة الله: «أمامك شِبَعُ سرور، وفي يمينك نِعَمٌ إلى الأبد» (مز 16: 11) والإرادة المُمجَّدة التي للمطوَّبين يصفها القديس هيبوليتس هكذا: [هناك سيسكن الأبرار منذ البداية غير محكومين بغريزة، بل متمتعين دائماً بالتأمُّل في البركات الإلهية]. لا عوائق أمام الحياة الكاملة:- بالقيامة والدينونة النهائيتين، يُشارك جسد الإنسان البار في الطوبانية الموعودة للمؤمنين، ما أسماه القديس بطرس الرسول في رسالته الثانية 1: 4: «وَهَبَ لنا المواعيد العُظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية». وهذه هي غاية التجسُّد والفداء النهائية: استعادة ما فقدته الطبيعة البشرية بسقوط آدم، أي الممارسة الكاملة للإرادة الحُرَّة كتمجيد وانعكاس للعطية الإلهية الثمينة. البركات المختصة بالتحرُّر من الموت والخطية:- وهذا ما يسأله المؤمن: لأيِّ حدٍّ سيتحرر المؤمن من عوائق الخطية والموت؟ إن أولى البركات للمؤمن البار هي انتهاء الخطية وأسباب الخطية، أي تحريض الجسد على الخطية. فالشيطان يعرض بضاعته عن طريق عرض ملذات الخطية، والجسد يستجيب، والعالم يُضلُّ. أما في السماء، فلا توجد شهوات جامحة، ولا خطية، ولا الألم الذي يتبع الخطية، ولا الحزن، ولا المرض، ولا الموت الذي هو نتاج المرض والألم. كما لن يكون أي اضطراب عقلي أو عصبي، ولا الفساد الأخلاقي، ولا تأثيرات الأشرار: «هناك يكفُّ المنافقون عن الشَّغْب» (أيوب 3: 17). والأبرار سوف يكونون منفصلين عـن «الكـلاب والسَّحَرة والزنـاة والقَتَلَـة وعَبَدَة الأوثان، وكـل مَن يُحِبُّ ويصنع كذباً» (رؤ 22: 15). انعدام الغواية:- في السماء لن تكون غواية لا للجسد ولا للنفس، بل مع وجود الحرية الكاملة، فلن يكون هناك حساسية قلق ولا خطية. فبسبب غياب الغواية، فهناك تكون الحرية من إمكانية الخطية. ففي السماء لا إمكانية للخطية بسبب عدم وجود الموت. وكما يقول القديس أُغسطينوس: [فالسعادة تبقى ناقصة غير كاملة إذا لم يكن هناك غيابٌ للخطية] فالأجساد المُمجَّدة في المدينة السماوية قد وُعِدَت بالتحصُّن ضد غوايات الزنا، والجوع، والعطش، والقلق على الجسد العتيق، كما وُعِدَ في أسفار العهد الجديد: (رؤ 7: 16؛ 1كو 6: 13؛ مت 22: 30؛ 1كو 15: 43،42). الراحة من الجهاد:- يصف القديس بولس في رسالته للعبرانيين الحالة النهائية للأبرار بأنهم: «... يدخلوا راحتي» (عب 4: 1-6)، أي الراحة من حروب الجهاد ضد الخطية. إنها راحة من تناقضات الوجود البشري تحت أغلال الخطية. هذه الراحة ليست تراخياً أو كسلاً، بل حيوية الانفكاك من أغلال غوايات الخطية، بسبب قيامة الأجساد بطاقة روحية عالية، هي طاقة التحرُّر من الخطية والموت. إنها راحة التسبيح أكثر من كونها كسلاً أو نوماً (رؤ 14: 3؛ 1كو 12: 9) وبعد الدينونة النهائية، فلن يُصيب المؤمن أسباب ونتائج الخطية، إذ يكون قد تحرَّر من كل ما يمكن أن يصرف النفس عن التحديق في الله، أو يفصم الإنسان عن الاتحاد بالله؛ ولكن دون دموع أو آلام أو قيود تُسبِّبها الخطية: «وسيمسح الله كل دَمعة من عيونهم، والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت» (رؤ 21: 4) والنفس التي تعبت لن تجد راحتها إلاَّ في الحضن الإلهي، ولن تطلب إلاَّ شيئين اثنين أكثر من أي شيء آخر: أن تتمتَّع – بلا توقُّف – باتحادها وشركتها في الله بـالروح القدس الذي هو الله، وأن تكون متحصِّنة ضد كل شك في حقيقة أنها ستبقى للأبـد في هــذا الحضن الإلهي آمين. (يتبع)
المزيد
06 سبتمبر 2024

مائة درس وعظة (٤٦)

الالتقاء بالمسيح "آتي إليك" تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم(مت ۲۸:۱۱) الإنسان لا يتغير إلا بالنعمة، والنعمة لا تأتى إلا عندما نجاهد روحياً، ونحن لا نرغب إلا عندما نطلب باشتياق ما هو فوق، نطلب المسيح.قيمة الإنسان تقاس بقوة شخصيته وبنائه الداخلي، وليس في ماله أو منصبه لكن الإنسان أمام أمور كثيرة في العالم ضعيف للغاية.فمثلاً إنسان جبار مثل شمشون، أحد قضاة بني إسرائيل تتخلى عنه نعمة الله عندما يسقط في شهوات نفسه، ويسقط أمام دليلة. فقيمة الإنسان في قوته الداخلية. وفي نفس الوقت فتاة صغيرة مثل يوستينا الشهيدة مجرد اسمها يهزم الشياطين. أولاً: أناس ذهب إليهم المسيح ١- سمعان الفريسي ذهب إلى بيت سمعان الفريسي.. وكانت زيارة المسيح له لكي يكشف معدن هذا الإنسان، ويضعه في مقارنة أمام المرأة الخاطئة وهي التي تفوز (لو ٣٦:٧-٥٠) ٢- المرأة السامرية ذهب المسيح للمرأة السامرية عند البئر. ٣- زكا العشار قابله عند الشجرة، وهي ترمز إلى الصليب، فالمسيح أراد أن يقابل زكا عند خشبة الصليب "الشجرة" ليقدم له الخلاص. يذهب المسيح لهؤلاء الناس لأجل ثلاثة أسباب: أ- خلاص نفوسهم لكي يعرفوا المسيح ب- شفائهم الروحى شفاء أمراضهم وشفائهم من الخطية. المخلص. ج- إقامة الموتى فى مراحل مختلفة كإقامة ابنة يايرس أو إقامة ابن أرملة نايين أو إقامة لعازر. ثانياً: أناس ذهبوا إلى المسيح . قد يكونون سمعوا عنه بحثوا عنه مثل: ١- المرأة الكنعانية كانت تصرخ بحرارة ارحمني يا سيد يا ابن داود (مت ٢٢:١٥). ٢- نازفة الدم التي كانت كل أمنيتها أن تلمس هدب ثوبه (مت ۲۰:۹). ٣- أصدقاء المفلوج أصحاب الإيمان بصانع المعجزات الذي يستطيع أن يشفى صديقهم (مر ۳:۲). أسباب الجاذبية في شخص المسيح والتي جعلت الناس تريد أن تتقابل معه. ١- المخلص الوحيد ليس بأحد غيره الخلاص (أع ١٢:٤)، هو المخلص الوحيد من الخطية التي هي داء الإنسان. ٢- الراعى الصالح المسيح هو الراعي الصالح الذي يرعى الإنسان على حسب تعبير الكتاب "الرب راعى فلا يعوزني شيء" (مز ۱:۲۳)، رعاية الله للإنسان رعاية دائمة لا يحدها زمان ولا مكان. ٣- باب السماء أي هو الوسيلة الوحيدة التي تصل الإنسان بالسماء «اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق (لو ٢٤:١٣). ٤- القادر على كل شيء: «القادر على كل شيء» (رؤ ٧:١٦) ، هو الذي يستطيع أن يحول الخوف إلى شجاعة واليأس إلى رضا والحزن إلى فرح... ٥- المعلم الصالح المسيح هو الذي يعلم الإنسان السلوك المسيحى الراقي الذي يهذب الروح ويرفع من إنسانيته. ٦- المعطى القوة المسيح هو الذي يعطى قوة النعمة "تكفيك نعمتی" (۲ کو ۹:۱۲). ثالثاً: خطوات تساعدك على الالتقاء بالمسيح :- ١- اثبت اثبت في إيمانك وأقوى تعبير عن الإيمان المزدهر هو سير القديسين وأبطال الإيمان، فلا تجعل إيمانك شكلياً. ٢- حاول: حاول أن تدرك محبة الله نحوك الله يتحرك نحوك بالحب، فعليك أن تدرك مقدار هذه المحبة. ٣- تحرك تحرك نحو الله دائماً بالصلاة فالمسيح علمنا أنه ينبغى أن نصلى كل حين. وهذا معناه كن في حركة اقتراب دائمة نحو الله. ٤- اجعل اجعل لك عملاً يعبر عن محبتك لله إن كان بالخدمة أو بأعمال الرحمة .. فعندما تلتقى بالمسيح سيعطيك قوة خاصة.. فيوسف الصديق نال قوة داخلية أمام إغراء امرأة فوطيفار وإسطفانوس الشهيد الأول أيضاً نال قوة داخلية أمام راجميه.. إذا فأنت الرابح في الحالتين عندما يزورك مسيحك من خلال النعمة أو عندما تسعى أنت لتلتقى به وتكون النتيجة أن تشعر بهذه القوة في داخلك وأنه يرافق طريقك في كل يوم. قداسة البابا تواضروس الثانى
المزيد
05 سبتمبر 2024

بدعة الرسليين(شهود يهوه فيما بعد)

مؤسّسها شارل تاز رسل Charles Taze Russel (1852-1916) وهو تاجر أميركي ميسور الحال، قادته الصدف وهو بعد حدثاً إلى الاتصال بجماعة المجيئيين فانضمّ إليهم، وعنهم أخذ حب دراسة الأسفار المقدسة، وخصوصاً النبوّات المدوّنة فيها في أثناء انكبابه على دراسة الكتابات المقدسة استخرج رسل (Russel) عدة نبوّات عن مجيء المسيح ثانية، وابتداء الحكم الألفي، متوهماً أنّ باستطاعته تحديد تاريخ مجيء المسيح بالضبط. وقد حمله الحماس على تكريس وقته للتأليف والنشر، فأصدر عدة كتب، أضخمها كتاب في سبعة مجلدات، ضمنها أبحاثاً مسهبة غامضة، وتآويل مبهمة في غالبية موادها. ومع أنها مسندة بشواهد كثيرة من الكتاب المقدس، إلا أنها جاءت مخيّبة أمل القارئ المدقق، لأنّ تلك الشواهد كُلّفت بإثبات أمور لا علاقة لها بالمواضيع المدرجة. ولعل أسوأ ما في الأمر، هو محاولته تفسير النصوص وفقاً لأهوائه. وبذلك فرض على الكتاب المقدس أن يتكلّم بما ليس فيه وزيادة على ذلك أصدر رسل (Russel) عدداً وفيراً من النبذ والجرائد، أطلقها بعد حملة دعائية صاخبة في الصحف، وفي السينما حيث عرض فيلماً بعنوان «مسرح الخليقة» وبديهي أن يؤخذ رسل بالزهو، وحتى ليحمل على الادّعاء بأنّ مؤلفاته أعظم ما وجد في العالم بعد هذه الحملات الدعائية. ولكنّ هذا الزهو كان أمام الحقيقة كفقاعات الصابون أمام الهواء. ففي العام 1916م مات مشككاً، لأنّ شيئاً مما تنبّأ به لم يتم. وهكذا ذهبت كل تفسيراته للنبوّات أدراج الرياح، وتبعاً لذلك صار مجلّده السابع في دراسة الكتاب المقدس قبضة من الريح. نشاطات الرسليين 1872م. - في هذا العام وجّه رسل دعوة إلى أصدقائه، فاجتمعوا في مدينة بتسبرغ للاشتراك معه في دراسة شاملة للنبوّات عن مجيء المسيح الثاني، وإقامة ملكوت الله على الأرض. وبعد الدرس الموسّع، حُدّد عام 1874م. تاريخاً أكيداً لمجيء المسيح. 1874م. - في هذا العام مُني رسل بخيبة أملٍ أخرى كبرى لأنّ نبوّته عن المجيء الثاني لم تتحقق. وبديهي أن يحصد خيبة مؤلمة كهذه، لأنّه في تفسيره النبوات لم يُقِم وزناً لما قاله الرب في إنجيله بحسب (متّى 24: 36). حيث أكّد الرب أكثر من مرة أنّ أحداً لا يعلم اليوم والساعة التي يأتي فيها. 1876م. - في هذه السنة، زعم رسل أنّ المسيح جاء فعلاً وإنّما بصورة غير منظورة. وقصده من هذا الزعم أن يغطي الفشل الذي أصابه. ولكن محاولته هذه لم تنجح، لأنها صُدمت بالحقائق الواردة في سفر أعمال الرسل ورسائل بولس، التي تصف الكيفية التي فيها يجيء المسيح. 1878م.- في هذه السنة شعر رسل بأنّه بلغ حداً من القوّة بحيث يستطيع العمل في معزل عن المجيئيين، فانفصل عنهم مع محبّذيه من الأصدقاء. 1879م. - في هذه السنة أصدر رسل العدد الأول من مجلة «برج المراقبة»، التي ما زالت تصدر بمقالات شتى بأقلام جماعة شهود يهوه. 1880م. - في خلال هذه السنة، أصدر رسل منشوراً حدّد فيه نهاية هذا العالم الشرير، وذلك سنة 1914م. - وهذا التاريخ صار فخّاً لكثيرين، بسبب إندلاع نار الحرب العالمية الأولى. فانجذب العديد من الناس إلى تصديق زعمه. فحدث اضطراب لدى الكثيرين مما حملهم على تصفية أعمالهم، والتصرف بثرواتهم، بحيث لم يبقوا معهم من المال إلا ما ظنّوه كافياً إلى الوقت الذي فيه يُخطَفون لملاقاة الرب في الهواء (1 تسالونيكي 4: 17). 1898م. - في هذا العام، تقرّب ألكسندر فرايتاغ من الرسليين، وهو سويسري تأثر بتعاليم الرسليين إلى حد بعيد. إلا أنّه لم يلبث حتى خرج عن طور التابع إلى طور المعلّم الذي يفرض آراءه الشخصية. ومع أنّ أفراد هذه الجماعة أهملوا أفكاره عدّة سنوات إلا أنها أخذت تظهر ابتداءً من العام 1917م. 1904م. - في هذه السنة رفع المعتبرون من هذه الشيعة شارل تاز رسل إلى رتبة القسوسية، وذلك في حفل عظيم. 1909م. - نقل الجماعة مقرّ جمعيتهم في هذا العام من بتسبرغ إلى نيويورك (بروكلن) وهنا ارتأوا أنّه من المفيد لتسللهم بين المسيحيين أن يزيلوا عنهم اسم الرسليين، وأن يطلقوا على أنفسهم اسماً جديداً عليه طلاء من الشرعية. وكان الاسم المختار: (جمعية تلاميذ التوراة). 1914م. - لم تحدث في هذا العام نهاية العالم الشرير واختطاف الكنيسة كما تنبّأ رسل، بل إلى جانب الكارثة التي حلّت بالعالم من جرّاء الحرب، أتى هذا العام بكارثة أشدّ هولاً بالنسبة لتلاميذ التوراة، لأنّ نبوّاتهم لم يتحقق منها شيء، الأمر الذي أثار اليأس في نفوس المشرفين على الجمعية، فانفرط عقدهم إلى حين. 1916م. - في الربع الأخير من هذا العام توفي شارل تاز رسل، فانقسمت الجمعية على ذاتها، وتوزّعت في فِرَقٍ شتّى يربو عددها على العشرين، ادّعت كل واحدة منها أنها هي الوارثة الشرعية لعقيدة القس المتوفَّى. وبالرغم من اختلاف أوجه التعليم في ما بينها زعمت كل فرقة أنها الحائزة على الحقيقة وحدها ومع أنّ الحركة مُنيت بالانقسام، فقد بقي عدد كبير منها موالياً لرسل. وهؤلاء الموالون تجمّعوا حول القاضي روتفورد، وأقاموه رئيساً عليهم. وقد تميّز هذا الرجل بنشاط واسع في عالم الكتابة، فألّف عدة كتب. منها: قيثارة الله، المصالحة، النجاة، الخليقة، حياة، خلاص، الأعداء، يهوه. يُضاف إلى ذلك عدد كبير من النبذ في تلك الحقبة من الزمن وجد فرايتاغ أنّ الفرصة قد سنحت له لكي يستغلّ مكانته كمشرف على مكتب الجمعية ليبثّ أفكاره الشخصية التي تجاوزت في ضلالها كل تعاليم رسل. 1917م. - نشر فرايتاغ في هذا العام بعضاً من أفكاره الشخصية على صفحات مجلته الأسبوعية، فأثار بذلك حفيظة زملائه، فهبّوا لمقاومته بكل عنف. 1920م. - في هذه السنة أُثيرت حملة عنيفة ضد أفكار فرايتاغ، فهبّ للدفاع عن نفسه بمجموعة من المنشورات الشديدة اللهجة. ثم لم يلبث أن تحوّل إلى الهجوم، مقرراً أنّ مشايعي روتفورد هم كنيسة لاودكية المرتدة الفاترة التي عزم الرب على أن يتقيأها من فمه. واتهمهم بتحوير تنبؤات رسل عن مجيء المسيح الثاني، من 1914 إلى 1918م. فانبرى له القاضي روتفورد، ونشبت بينهما مشادة عنيفة، انتهت أخيراً إلى الانفصال عندئذٍ أنشأ فرايتاغ شيعة مضللة جديدة سمّاها «أصدقاء الإنسان». وسنّ لها قوانين جعلتها من أشد الهرطقات ضلالاً. ولكن جمعيته نفسها لم تدم طويلاً حتى انقسمت بعد وفاته، بسرعة لم تكن متوقعة. وقد ذُهل أصحابه فعلاً، لأنّه كان يزعم بأنّ الحياة الأبدية بالنسبة لمن يسمع تعليمه ستكون على الأرض. 1931م. - بعد أن انفصل فرايتاغ عن جمعية تلاميذ التوراة، عقيْب الضجة التي انطلقت خلال المشادات، وجد القادة أنهم لا يستطيعون بعد الآن البقاء تحت الاسم القديم. لذلك عقدوا مؤتمراً عاماً في هذا العام برئاسة روتفورد قرروا فيه: أولاً: تغيير اسم شيعتهم، فدعوا أنفسهم «شهود يهوه». ثانياً: متابعة إصدار منشوراتهم باسم «الجمعية العالمية لتلاميذ التوراة» كتاب (ليكن الله صادقاً، الذي نشر بالفرنسية عام 1948م). 1939م. - ظهرت خلال هذا العام نشرات ونبذ جديدة تختلف بالشكل عن منشورات شهود يهوه، ولكنّها تتفق بروحها مع تعاليم رسل المضلّة. وتلك النشرات وزّعها أناس ينتمون إلى فرقة جديدة من فِرَق تلاميذ التوراة دعت نفسها «الفجر» أحياناً ورسل الفجر الألفي أحياناً أخرى. 1942م. - توفّي القاضي روتفورد في 8 كانون الثاني (يناير) من هذا العام، فانتقلت زعامة شهود يهوه إلى ناثان كنور، الذي كان قبلاً يشغل رئاسة قسم الدعاية في الجمعية. وهو الذي أسّس مدرسة برج المراقبة، التي يتخرّج منها عدد ضخم من مبشّري شهود يهوه كل سنة. 1947م. - في هذا العام توفّي ألكسندر فرايتاغ، الذي زعم أنّه لن يرى الموت. ولذا كان موته المفاجئ خيبة قاسية لأتباعه من «أصدقاء الإنسان» الذين صُدموا، وغزا الشك قلوبهم، وزرعت التفرقة بينهم، بحيث أنهم لم يستطيعوا أن يختاروا خلفاً للمتوفّى ليرعى قطيعهم. ولكن قسماً كبيراً منهم التفّ حول المدعو رافينير، فأجلسوه على كرسي الرئاسة في قصر كارتينيي في جنيف. ومن هناك أصدر العدد الأول من جريدته «معلّم ملكوت البر» أمّا الآخرون فتبعوا برنارد سايرس، الذي أُطلق عليه اسم «الراعي الأمين» وجعل فرنسا مقراً دائماً له. ومن هناك بدأ بإصدار جريدته «ملكوت العدل والحق» وفي هذا العام أيضاً أصدر تلاميذ التوراة «رسل الفجر الألفي» أول عدد من جريدتهم «الفجر» وبعد ذلك بسنوات قلائل أخذوا يبثون تعاليمهم من دار إذاعة مونت كارلو، تحت عنوان «بيير توماس». 2 - تعاليم شهود يهوه «اِحْتَرِزُوا مِنَ ?لأَنْبِيَاءِ ?لْكَذَبَةِ ?لَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ ?لْحُمْلاَنِ، وَلَكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!» (متّى 7: 15)
المزيد

العنوان

‎71 شارع محرم بك - محرم بك. الاسكندريه

اتصل بنا

03-4968568 - 03-3931226

ارسل لنا ايميل